/ صفحه 396/
يرفض الشريف هذا المعنى ويقول " ووجه الآية وما شهد له ظاهر لفظها غير ما سلكه أبو مسلم، وإنما أراد الله تعالى بالموزون المقدر الواقع بحسب الحاجة، فلا يكون ناقصا عنها ولا زائدا عليها زيادة مضرة أو داخلة في باب العبث، ونظير ذلك من كلامهم قولهم: كلام فلان موزون، وأفعاله موزونة مقدرة، وإنما يراد ما أشرنا إليه، وعلى هذا المعنى تأول المفسرون ذكر الموازين في القرآن على أحد التأويلين، وأنها التعديل والمواساة بين الثواب والعقاب، قال الشاعر ـ وهو ذو الرمة: ـ
لما بشر مثل الحرير ومنطق ****** رخيم الحواشي لا هراءٌ ولا نزر
الهراء: الكثير، والنزر: القليل، وكأنه قال: إن حديثها لا يقل عن الحاجة، ولا يزيد عليها، وهذا يجري مجرى أن يقول هو موزون، وقال مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري:
وحديث الذ هو مـما ****** ينعت الناعتون يوزون وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ****** نا وخير الحديث ما كان لحنا
وهذا الوجه الذي ذكرناه أشبه بمراد الله تعالى في الاية، واليق بفصاحة القرآن وبلاغته الموفيتين على فصاحة سائر الفصحاء وبلاغتهم ".
وقد استطرد السيد الشريف بعد ذلك، ففسر اللحن الذي في شعر مالك، وبين أنه ليس اللحن في الاعراب الذي هو ضد الصواب، وساق شواهد من الشعر والحديث والأخبار تفيد في معرفة المراد منه، فطوف من ذلك في واد خصيب، وأتى بما لا يزال يؤثر عنه، ويؤخذ منه.
3 ـ ومن طرائف ما أورده الشريف رضي الله عنه أنه روى عن ذي الرمة الشاعر، وهو غيلان بن عقبة المكنّى بأبي الحارث أنه كان على مذهب أهل العدل وهو لقب المعتزلة، وإنما لقبوا به أنفسهم لقولهم بوجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى، وأنه يعاقب المسئ حتما على إساءته، كما يثيب المحسن حتما على إحسانه.
قال الشريف: ويشهد بمذهبه في العدل " ما جاء عن أبي عبيد من أنه اختصم هو ورؤبة عند بلال بن أبي بردة، فقال رؤبة: والله ما فحص طائر أفحوصا،