/ صفحه 397/
ولا تقرمص سبع قرموصا إلا بقضاء من الله وقدر، فقال ذو الرمة: والله ما قدَّر الله على الذئب أن يأكل حلوبة عيايل ضَرائك، قال رؤبة، أفبقدرته أكلها ؟ هذا كذب على الذئب ثان، فقال ذو الرمة: الكذب على الذئب خير من الكذب على رب الذئب، وهذا الخبر صريح في قوله بالعدل، واحتجاجه عليه، وبصيرته فيه ـ يريد أن فعل الذئب شر، والله لا يريد الشر كما يقول المعتزلة ـ فأما العيايل فجمع عيّل، وهو ذو العيال، والضرائك جمع ضريك وهو الفقير.
ثم روى عن لبيد بين ربيعة العامري ما استُدِل به على أنه جبري، وذلك قوله:
إن تقوى ربنا خير نَفَل ****** وبإذن الله ريثي والعجل
من هداه سبل الخير اهتدى ****** ناعم البال، ومن شاء أضل
ودفع هذا عنه بقوله: " وإن كان لا طريق إلى نسبة الجبر إلى مذهب لبيد إلا هذان البيتان فليس فيهما دلالة على ذلك، أما قوله: " وبإذن الله ريثي والعجل " فيحتمل أن يكون " بعلمه " كما يتأول عليه قوله تعالى: " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله: أي بعلمه، وإن قيل في هذه الاية انه أراد: يتخليته وتمكينه، وإن كان لا شاهد لذلك في اللغة أمكن مثله في قول لبيد، وأما قوله: " من هداه اهتدى ومن شاء أضل " فيحتمل ان يكون مصروفاً إلى بعض الوجوه التي يتأول عليها الضلال والهدى المذكوران في القرآن مما يليق بالعدل ولا يقتضي الاجبار، اللهم إلا أن يكون مذهب لبيد في الاجبار معروفاً بغير هذه الأبيات، فلا يتأول له هذا التأويل، بل يحمل مراده على موافقة المعروف من مذهبه ".
وهذا باب من القول خب فيه الشريف ووضع، ولعله ما ساق كتابه إلا له، ولا بناه إلا عليه، فلا نكاد نجد آية أو خبرا يحتمل ظاهره خلافاً، وأن يكون له دلالة على الجبر، ومناقضة لما يراه " المعتزلة "، إلا تكلم في ذلك وخرّجه وحمله على معنى يصرف عن التمسك به، والاحتجاج بظاهره.
وقد أتخذ كتابه في هذا الشأن مرجعاً وفيصلا وثبتا لآراء أصحابه، وما لم من قول واحتجاج، ولعلنا نرجع إلى ذلك يوماً بلابسط والتفصيل إن شاء الله.