/ صفحه 44 /
وبعده وفي هذه التوسعة تخفيف للزحام ورحمة بالناس، ويأبى أكثر الحجاج إلا التزام الرمي بعد الزوال، ومن ذلك أن بعض ائمة المسلمين ذهب إلى أن الحصى يجمع من أي مكان، فيأبى كثير من الحجاج إلا أن يجمعوه من المزدلفة ومنهم من يعاني في هذا جهداً كبيراً.
ومن ذلك التزام ذبح الهدي والأضحية، واضاعة هذه الذبائح وأثمانها بغير فائدة، وولاة الأمر هناك يبذلون جهداً شاقا في دفن هذه الذبائح، وفي وقاية الناس من عفونة جلودها ودمائها وضرورياتها. والله سبحانه أعدل وأحكم من أن يطلب من المسلم إضاعة ماله، وهو سبحانه إنما يتقبل الصدقات ممن يصرفونها في مصارفها، وينتفعون بها في خير وجوه الانتفاع بها، فما دامت لم تتخذ الوسائل للإنتفاع بهذه الذبائح فالتصدق بالقيمة أنفع للفقراء، وما أحوج الفقراء هناك إلى مشروعات يدوم نفعها لهم، لا إلى لحوم يتخمون بها يومين في كل عام، ولاحظت أن كثيراً من الحجاج لا يفرقون بين ما فعله الرسول على أنه نسك من مناسك الحج، وبين ما فعله اتفاقا كما اقتضاه نظام سفره أو مقامه أو بواعث خاصة وقتية، ولهذا لما نزل رسول الله بالأبطح عند النفر من الحج قال عبد الله ابن عباس إن هذا النزول كان اتفاقاً، وليس من سنن الحج ولا من مناسكه. ولما رمل رسول الله في طوافه قال ابن عباس: إن الرمل في الطواف ليس من سنن الحج ولا من مناسكه، وإنما كان إظهاراً للجلادة لما سمع الرسول قول المشركين في المسلمين: حطمتهم حمى يثرب.
وكلمتي في الختام، أن الحاج لو عنى بالناحية الروحية والرياضة النفسية، ولم يقف عند الشكليات والصور، لكانت أيام هذه المناسك أياماً إلهية وشعر الحاج فيها أنه مع الملائكة، وأن روحه صفت من ظلمة المادية. ولو أخذ بالأيسر الأسهل وكفى نفسه عناء المشقات والمتاعب ما أمكن، لاستراح من الضجر والألم، وخلص لعبادة الله في راحة بال واطمئنان خاطر، وإذ ذاك تحقق المصلحة الفردية للحاج، ويعود مغفوراً ذنبه كيوم ولدته أمه.