/ صفحه 45 /
إلى الديِّن من جديد
لحضرة صاحب المعالي
السيد محمد رضا الشبيبي
رئيس المجمع العلمي بالعراق
اقتبست غير دولة واحدة من الدول الإسلامية نظمها الحديثة للحكم من الدول الغربية، فأصبح نظام الحكم في بعض هذه الدول الشرقية ديمقراطيا، وشكله نيابيا، ووضعت في كل بلد قواعد دستورية عامة لا معدى عنها في الحكم ظاهراً، ومع أن هذه الدساتير المتبعة في بعض هذه البلاد الإسلامية تنص على أن الإسلام دين الدولة، فان سياستها العملية سارت على قاعدة فصل الدين عن الدولة، واقصائه عن المدرسة والمعاهد العلمية، حاذية في ذلك حذو كثير من الشعوب الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا، والواقع أن الفرق بعيد، والبون شاسع بين الشرق والغرب من هذه الناحية، فلما نودي في فرنسا وفي غير فرنسا بفصل الدين عن الدولة في العصر المعروف عندهم بعصر البعث، أو عصر النهضة، ولما اعتبر القوم في الغرب أن الدين من جملة القضايا الشخصية، أو هو رابطة خاصة تربط بين الخالق والمخلوق التفّت الشعوب الأوربية حول رموز أخرى يعتزون بها كما يعتزون بالدين، ومن ذلك رمز الوطن، ورمز الجنس، محاولين إحلال العقائد السياسية أو القومية أو الوطنية محل العقائد الدينية.
على هذا الأساس بني التعليم في فرنسا، وفي كثير من الدول الأوربية، وهو من جملة الأسس التي بنيت عليها الحضارة المادية الحديثة، فنهضت أوربا نهضة قوامها الصناعة الآلية والعلوم التجريبية، وبذلك ارتفع مستوى الشعوب المشار إليها من حيث المعيشة، وبذلك أيضاً تم للغربيين السيطرة على العالم، واستغلال الشعوب الشرقية الضعيفة.