/ صفحه 85/
الطبيعة في أجلى مظاهرها تداعب أذنه شقشقة الطيور وأغاريد العصافير، ويهز أعطافه خرير الماء، يندفع في موسيقى حلوة هادئة، بين شاطئ نهر الافون الجميل.
ذاق هذا الفتى مرارة العيش، وقسوة الزمن وهو بعد حدث لم ينضج، فقر الألم في نفسه، واكتملت معاني الوجود في حسه، حتى إذا أرادت المقادير أن تلهب هذا الحس، وأن تثير مكنون هذه العبقرية، وجدت الشعلة الإلهية صدراً مليئاً لما أرادته له.
وفي العشرين من عمره فر وليم شكسبير من قريته إلى لدن العاصمة، وقلب إنجلترا النابض، وهناك بزغ نجم هذا الفتى المغمور، وسكن الدهر ليستمع لصوت هذا العابر الذي لم يحفل لمقدمه أحد، ولا وعى تاريخ حياته الأول إنسان. علا نجم هذا الفتى، وإذا هو بعد فترة غامضة، قد تكون هي فترة التجربة شاعر مجيد، يكتب في الخب وللفن كتابات عاشت، وستعيش على الزمن، لأنها وحي الخلود، ونتاج العبقرية، عشرون عاماً عاشها هذا الفتى عبداً لقلمه، يكتب ويؤلف للمسرح قصصاً حياً رائعاً يصف الحياة بما فيها من خير وشر، ويحلل النفس الإنسانية تحليلاً صادقاً عميقاً هو الحق بعينه، تقرؤه فتجد فيه صور الحياة كما تحسها أنت.
فانت تقرأ في كتاب شكسبير صور العظمة ونفاذ البصيرة وتقرأ فيه الوشاية والدس والحقد وكيف تعمل في السيطرة على النفوس حتى تنقلب من الحب والإجلال إلى السخط والكراهية، ترى ذلك مجسما في قصة عطيل وكيف استطاع (إياجو) النمام أن يحبك أحابيله، وان يوقع فيها هذا البطل المدره والمارد الجبار (عطيل) فإذا هو قد هدته الغيرة، وأعمت بصره وبصيرته فتأجج أتون الغضب في صدره، واشتعلت نار الحقد بن جوانحه فقتل زوجته وحبيبته التي ضحت بهناءتها من أجله فلما أتى فعلته، وتبين إفك صاحبه، انهار كيانه، وتصدعت أركانه، وتحطم بنيانه، وأصبح لا شئ بعد أن كان كل شئ.
واستمع إلى شكسبير يصور الغيرة على لسان (إياجو) فيقول: حذار يا مولاي