/ صفحه 86/
من الغيرة، فهي ذلك الوحش الضاري ذو العيون الخضراء، الذي يسخر من فريسته ويثير فيها كل يوم ضروباً من الشك ويلهو بشجوها المتزايد.
وكما صور شكسبير الغيرة، وكيف تفعل بالنفوس، صور لنا الطمع والجشع وكيف يغلب على النفس الإنسانية الهادئه فيقلب أوضاعها، ويصم آذانها، ويحل قلبها صخراً لايلين، فتقدم على قتل ضيفها، بعد أن سكن إليها، وارتاح إلى صحبتها واسلم إليها زمان أمره، نرى ذلك في قصة (مكبث) غدر وخيانة ما كانت لتصدر عن نفس هادئة مفكرة، ولكنها عوامل الطمع والاثرة، غالبة غلابة، قاتلة قتالة دفعت بمكبث إلى الجريمة، وهيأت له وسائلها، وحاطته بالمغريات، وحفزته بالدوافع، ولم تدع له سبيلاً لتدبر، ولا طريقاً لتراجع. فقتل (دنكان) ضيفه طمعاً في الملك. لقد كشف لنا شكسبير في شخصية مكبث الجحيم الذي كانت تدافع فيه نفسه بين الاحجام والاقدام، حتى اندفعت فاحترقت. وغير هذه كثير يفيض بها كتاب شكسبير، وليس هذا من عجب، فإن شكسبير خلق لفنه دنيا بأسرها متعددة الأجواء، مختلفة الأشخاص متلونة المظاهر تفيض بالحياة الخالصة، وهو في تنوعه وشموله لكل ما يمكن أن يخطر على البال وجوده بين البشر من الشخصيات قد بز الحقيقة الواقعة، وأضحت الدنيا العريضة تكاد تكون خاوية بالنسبة إلى دنياه العامرة بكل حي مهما تنوع قبيله، واختلفت صفاته.
من خطبة للإمام علي كرم الله وجهه
أيها الناس: احفظوا عني خمساً، فلو شددتم إليها المطايا حتى تنضوها لم تظفروا بمثلها: ألا لا يرجون أحدكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحي أحدكم إذا لم يعلم أن يتعلم. فإذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ألا وإنّ الخامسة هي الصبر. فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. من لا صبر له لا إيمان له. ومن لا راس له لا جسد له.