/ صفحه 88/
وأساس هذا الدين هو القرآن الكريم والسنة المطهرة، بهما تقررت عقائده وأصوله، ومنهما استنبطت قواعده وأحكامه، وإليهما يرجع المسلمون في كل شأن من شئون دينهم ودنياهم.
تلقى المسلمون الأولون هذا الدين كما انزله الله، والتفوا حوله يعتقدون عقيدته، ويدرسون شريعته، ويمضون على سنته وطريقته، فما كان من نص ظاهر واضح في دلالته، قاطع في معناه، اجتمعوا عليه، ونزلوا على حكمه متوافقين. وما كان محل نظر وتأمل أعملوا فيه عقولهم واجتهدوا فيه بقدر وسعهم في دائرة الأصول التشريعية، والمقاصد التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله. فإذا شجر بينهم خلاف عالجوه بالحجة والاقناع، ولم يتجاوزوا به دائرة العلم والبحث ولم يسمحوا له ـ مهما تباعدت وجهات النظر فيه ـ أن يقطع ما بينهم من الأواصر أو يفسد ما أصلحه الله من القلوب، بل كانوا يتبادلون الثقة والمحبة والاحترام، وربما سأل بعضهم بعضاً عن دليله أو مدركه على ما يقول، فإذا لقنه واستراح إليه سارع إلى إعلان قبوله والرضى عنه غير مستكبر على الحق، ولا متعنت في الخطاب.
هكذا كان شأن الأمة الإسلامية في أولها ثم عدت عليها بعد ذلك عواد جعلتها تتفرق فرقاً وتنقسم طوائف وشيعاً وابتدأت هذه الانقسامات بأواخر عهد الراشدين ثم ما زالت السياسة والحرب الأهلية تغذيها وتنفخ في نارها حتى تمخضت البلاد الإسلامية عن فرق شتى، وتشعبت كل فرقة إلى شعب وكان هذا هو الأساس الأول لما عاناه وما يزال يعانيه المسلمون إلى الان، من تفرق وتنازع وتقاطع وتدابر.
وقد كانت المساجد والمجامع والمجالس أندية رأى ونقاش وجدل، ذهبوا فيها مع الحرية الفكرية والنشاط العقلي إلى مدى بعيد جعلهم يخوضون حتى فيما نهوا عن الخوض فيه من البحوث العقيمة، والمسائل التي لا تتصل بها فوائد علمية، وساعد على اتساع دائرة هذا الجدل امتزاج الثقافات المختلفة والعلوم الجديدة التي جاءتهم من الأمم الأخرى حين دخل الناس في دين الله أفواجاً من كل جنس ولون حاملين معهم قضايا تفكيرهم وأساليب منطقهم وجدالهم.