/ صفحه 374/
حَباة، كلهّا هِجرة
لحضرة صاحب الفضيلة
الأستاذ الكبير الشيخ محمد تقى القمى
السكرتير العالم لجماعة التقريب
يذكرنى شهر الحج بالهجرة، لأن المسلمين يهاجرون فيه إلى مكة، ولأن مكة ـ في نظرى ـ هى رمز الهجرة، فأول من نزل بقعتها مهاجر، وأول من تفجر له الماء في أرضها مهاجر، وأول من رفع قواعد البيت فيها مهاجر، "و إذ يرفع إبراهى القواعد من البيت وإسماعيل".
والرابطة قوية بين هجرة المسلمين إلى مكة، وهجرة الرسول منها، فمكة التي تتسع اليوم لمئات الآلاف من الحجيج، لم تتسع بالأمس لرسول الله وصبحه ـ على قلة عددهم ـ وضاقت بهم ذرعا.
والنفس تألف الحديث عن الهجرة لما فيه من لذة وسمو، ولأن الإنسان يألف الهجرة من طول ما تلازمة، فحياته سلسلة من الهجرات الطبيعية، ففى بطن أمه يهاجر من النطفة إلى العلقة إلى المضعة، إلى نهاية أطوار تكوينه السبعة المعروفة. ثم يخرج إلى الدينا، فيتنقل من منزل إلى منزل، ويهاجر من طور إلى طور.
ويتفق الفلاسفة والعرفاء والطبيعيون على حدث هذه الهجرة، وإن اختلفت نظرتهم إليها، وتسميتهم إياها.