/ صفحة 244 /
المعتزلة والمحدّثون
لحضرة صاحب العزة الاستاذالد كتور أحمد امين بك
كان للمعتزلة منهج خاص أشبه ما يكون بمنهج من يسميهم الفرنج العقليين، عمادهم الشك أولا، والتجربة ثانيا، والحكم أخيراً. وللجاحظ في كتابه الحيوان مبحث طريف عن الشك، وكانوا وفق هذا المنهج لايقبلون الحديث الا إذا أقره العقل، ويؤولون الآيات حسب ما يتفق والعقل كما فعل الزمخشرى في الكشاف، ولا يؤمنون برؤية الإنسان للجن لأن الله تعالى يقول: "انه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم" ويهزءون بمن يخاف من الجن، ولايؤمنون بالخرافات والأوهام، ويؤسسون دعوتهم إلى الإسلام حسب مقتضيات العقل وفلسفة اليونان، ولهم في ذلك باع طويل، ولا يؤمنون بأقوال أرسطو لأنه أرسطو، بل نرى في الحيوان أن الجاحظ يفضل أحيانا قول أعرابى جاهلى بدوى على قول أرسطو الفيلسوف الكبير.
هكذا كان منهجهم، وهو منهج لايناسب الا الخاصة، ولذلك لم يعتنق الاعتزال الا خاصة المقفين، أما العوام فكانوا يكرهونه.
وجرّهم هذا المنهج إلى تشريح الصحابة والتابعين كما يشرح سائر الناس، فهم في نظر هم عرضة للخطأ كما يخطى ء الناس، فلم يتور عوا عن أن ينقدوا أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يمنعهم أن يفضلوا بعضهم على بعض، ومن أجل هذا كانوا أقرب إلى الشيعة من المحدثين، بل كان بعض المعتزلة شيعة.
ويقابل هذا المنج منهج المحدّثين، وهو منهج يعتمد على الرواية لا على الدراية، ولذلك كان نقدهم للحديث نقد سند لا متن، ومتى صح السند صح المتن ولو خالف العقل، وقل أن نجد حديثاً نُقِد من ناحية المتن عندهم، وإذا عُرض
عليهم أمر رجعوا إلى الحديث ولوكان ظاهره لايتفق والعقل، كما يتجلى ذلك في مذهب الحنابلة