/ صفحة 281 /
حاجه القانون إلى الدين
لحضرة الأستاذ الدكتور محمد البهي
أستاذ الفلسفة بكلية اللغة العربية
وضع القانون ظاهرة من ظواهر نزعة الاستقلال لدى الإنسان، واعتداده بنفسه، ورغبته في عدم الإصغاء إلى مصادر التوجيه السابقة، فالإنسان البدائي كان يحتكم إلى العادات المتوارثة في بيئته في حسم النزاع والخصومات التي تقع في جماعته، والإنسان المتدين في القديم كان يلجأ إلى الكهنة يطلب منها الرأي والفصل فيمها يعرض له من مشاكل، والأديان السماوية بعد ذلك تكفلت بإبداء النصيحة للإنسان سواء أكان للفرد في أموره الخاصة أم في علاقته بغيره من معاشرية، وأصبحت نصيحتها له شرعة يلتزم الأخذ بها والاطمئنان إليها، ونصائح هذه الأديان كانت في بداية أمرها جملة من المادىء العامة تقرها الفطرة الإنسانية ألسليمة، ثم تطور عنها فيما بعد كثير من التفريعات والتفصيلات المختلفة وتتصل كثرتها اتصالا وثيقاً بأحداث الجماعة والأخذ في علاجها في دائرة تلك المبادئ العامة، ومع أن هذه التفريعات من اجتهاد الإنسان نفسه وعمله الفكري الخاص لها من قداسة الدين ما لذلك الأصل الذي ترد إليه.
ولكن الإنسان لم يشأ أن يستمر في توجيهه في السلوك الفردي أو السلوك الجماعي مرتبطا ارتباطا كليا بإملاء خارج عنه، صادر من مصدر معين لعقيدة خاصة أومن وحى وظيفة معينة; لم يشأ أن يسلم تماما بما ينصح به الدين، وبما يحكيه رجال الدين باسمه، بل رغب في أن يكون له رأيه فيما يروى له،