/ صفحة 175/
الفضيلة بدون دعوة
لحضرة الأستاذ الفاضل الدكتور محمد البهى
مدير عام البحوث والثقافة الإسلامية بالازهر
يظن بعض الناس أن الفضيلة - لانها فضيلة- لابد أن تشيع بين الناس بدون عناه، ان لم تدفع الناس دفعاً إلى دائرتها ويأسف هذا البعض أشد الاسف عند مايجد فريقا كبيرا لايتبع الفضيلة، ولا يسعى نحو القيم الرفيعة والمثل العليا في حايثه الخاصة والحياة العامة.
ولكن الحياة الإنسانية منذ القدم صراع بين شيئين لا ثالث لهما: بين ما يسمى بالحق والفضيلة والمثل العليا من جهة، وما يعرف بالباطل والرذيلة من جهة أخرى. وقيمة أي طرف من الطرفين ليست في غلبة أحد الطرفين على الاخر في وقت ما، بل هي قيمة ذاتية لا يؤثر فيها بريق النصر لطرف، ولا مذلة الهزيمة للطرف الاخر.
الفضيلة يعرفها الإنسان وهي موجودة في الحياة. ولكن الإنسان لايدركها الا إذا تأمل الحياة كلها، أو وجّه إليها من انسان سبق له أن تأمل الحياة وأدركها وركن إليها. ولذا هو يدعو لها. ليس كل الناس إذا يعرف الفضيلة - بله يتمسكون بها - لانها في حاجة إلى كشف فالانسان العادى أول ما يدرك من الوجود يدرك مظاهره المادية، وهي ليست الفضيلة، بل الفضيلة وراءها. وشأن الإنسان العادى شأن الطفل الذي يجرى وراء المحسوس ويسعى إلى أن يستولى على ما يلفت نظره فيه، ولا يصل إلى ما عدا المحسوس من مبادىء عامة أو قيم الا بعد تطوره في التفكير والتثقيف. وقلما مع ذلك يصل إلى الحقيقة كما هي الا بعد عناء الفكر والدرس، أو عن طريق الرسالة الالهية.