/ صفحه 310/
محمد محمد المدني
دعائم الاستقرار في التشريع القرآني(1)
من طبيعة الإنسان أن ينفر من كل تكليف يحد من حريته، ويقيده في تصرفاته بشيء من القيود. ذلك أن الإنسان - من بين الكائنات الحية - ذو اعتداد بفهمه، وشعور بقوته التفكيرية وسلطانه العقلي، فهو يتساءل دائما: لماذا يقيد؟ وبأي حق يقيده الآخرون؟ وهل هم في تقييدهم إياه منصفون أو متحكمون؟ فإذا استطاع أن يجيب على هذه الأسئلة في نفسه إجابات معقولة يطمئن إليها، أو أن يسمع من غيره إجابات تريحه وتقنعه، قبل مبدأ التقيد والنزول عن حريته، واعترف بحق الذي يقيده وأذعن لسلطانه، وهيأ حياته على حساب هذا القيد طائعا مختارا حتى يصبح بعد حين أمرا مألوفا لديه، يحبه، ويدافع عنه، ولا يرضى به بديلا؛ أما إذا لم يقتنع بالإجاباب النفسية أو الخارجية عن هذه الأسئلة أو عن بعضها، فإنه يثور على هذا القيد أو على من يحاول فرضه عليه، أو يبيح لنفسه التخلص منه في خفية كلما أمكنه هذا التخلص وأمن معه على نفسه وماله وما يهمه.
لهذا كانت كل القوانين والتكاليف محتاجة إلى دعائم ثلاث، لكى تستقر وتؤدى إلى الغاية منها، وتصبح في نظر المجتمع قاعدة التعامل والسلوك: تلك الدعائم الثلاث هي:
1 إقناع المكلفين بحاجتهم إلى قبول مبدأ التقيد في الجانب المعين الذي يراد التكليف به، وفرض أي نوع من أنواع الالتزام فيه؛ وبعبارة أخرى: مجيء هذا التقييد بعد أن يشعر المكلفون أنفسهم بحاجتهم إلى مجيئة.

*(هوامش)*
(1) من كتاب جديد بهذا العنوان لفضيلة الأستاذ رئيس التحرير.