/صفحة 165 /
في التاريخ والأدب
لصاحب الفضيلة الشيخ محمد الطنطاوي
الأستاذ في كلية اللغة العربية
ـ 2 ـ
الحسنيون في العهد العباسي:
انقضى العهد الأموي، وقد انطوت في صفحاته المآسي والجرائم النكراء مع الحسينيين، إذ هوت كواكبهم فيه صرعى كوكباً بعد كوكب، حتى زاح أمل الأحياء منهم في تدارك ما فات أسلافهم، غير أنه ما من شك أن تلك الأحداث الوحشية كانت ذات الأثر الفعال في تقويض بنيان ذلك العهد والتعجيل بانهياره.
هبت العواصف من خراسان على الشام، وشعارها الخلاص من ظلم الأمويين وإسناد الخلافة إلى الهاشميين، حتى تم القضاء عليهم، فتلقفها العباسيون بعد أن كادت تصافح الحسنيين، لأن انتشار الدعاية ضد الأمويين واجتذاب المسلمين إليها يرجع أمره إلى الهتاف بهم، إلا أن بعدهم عن الشام والعراق وخراسان واستيطانهم الحجاز أضاعها منهم.
وبذلك بدأ دور بني الحسن في العهد العباسي على مثال دور بني عمهم الحسين مع الأمويين ـ نعم إن العباسيين احتضنوهم أولا، وبسموا لهم وتلطفوا معهم فيما يعن لهم، وأجزلوا لهم العطاء، ونوَّهوا بقرابتهم، كل ذلك لينسوا أو يتناسوا ما يتطلعون إليه من أولويتهم بالخلافة.
غير أن أبا جعفر المنصور استبدل بالتوادِّ جفوة، وتنكر لهم بعد أن تناثرت إليه الأنباء في السر باعتزامهم الخروج عليه، ومناهضته في اغتصاب الخلافة منه، وفيهم عدد يؤهله ـ ما شبَّ عليه من كريم الشيم، وعرف عنه من علم وبيان، مع سمو الحسب والنسب ـ للقيام بأعبائها.