/صفحة 390/
الأضحية والقرابين
للأستاذ الدكتور على عبد الواحد وافى
يدلنا البحث في نشأة الأديان وتاريخها على أن فكرة التقرب للمعبودات بتقديم الأضاحى والقرابين، واتخاذها سلّما تصعد عليه رغبات عالم الأرض ومخاوفه إلى عالم السماء، والتوسل بها لجرّ ما يبتغيه الأفراد والجماعات من منافع ودفع ما يتهددهما من أضرار، كل ذلك قد نشأ مع الإنسانية، وظل ملازما للتفكير الدينى في مختلف مراحله، ويسظل باقيا مادامت العقائد والعبادات. فلم يخل من هذه الشعيرة دين من الأديان، ولم تعر منها حياة شعب من الشعوب: جاءت بعبادات الطوطميين والمجوس والوثنيين والصائبة والمائوية وعبدة الكواكب والحيوان; كما جاءت في شرائع اليهود والمسيحيين والمسلمين. نعثر عليها في أبسط مظاهر التدين وأكثرها اضطرابا; كما نجدها في أرقى أشكاله وأشدها دقة وإحكاما. ولا أدل على قدمها وعموم انتشارها من الكلام عنها في جميع أسفار "العهد القديم" وم أن القرآن الكريم يحدثنا عن شكل من أشكالها جرى العمل به في عهد آدم أبى البشر نفسه إذ يقوا. "وآتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قرّبا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. . . "(1).
وقد جرت هذه العبادة الدموية على بنى الإنسان كثيرا من المصائب والويلات. فكم أثكلت أمهات ويتمت أطفالا وأيّمت نساء، وكم ذهبت في سبيلها أرواح برينة طمعة للنيران وغذاء للأسماك، وكم حملت الآباء على تقديم أبنائهم قرباناً للآلهة وإزهاق أرواحهم بأيديهم، وكم دعتهم إلى وأد بناتهم أو إغراقهن ابتغاء مرضاة المعبودات، وكم دمرت من مدن وقضت على شعوب.
وذلك أن الضحايا في أقدم أشكالها وعند طائفة كبيرة من الشعوب البدائية
ـــــــــــــــــــــ
1-آية 27 من سورة المائدة.