/صفحة 82/
في التاريخ والادب
لصاحب الفضيلة الشيخ محمد الطنطاوي
الأستاذ في كلية اللغة العربية
تمهيد:
لقد حم القضاء، وأنجز المقدور في علم الله، ولا يكون الا ما أراد، اذا ائتمر ثلاثة الخوارج بمكة، وتعاهدوا بعد أن عقدوا الخناصر على الفتك غيلة مرة واحدة في ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سننة أربعين من الهجرة عند الغلس في صلاة الفجر ـ بالثلاثة: عبد الرحمن بن ملجم المرادي بالامام علي كرم الله وجهه، والحجاج بن عبدالله الصريمي المعروف بـ (البرك) بمعاوية، وعمرو ابن بكير التميمي بعمرو ابن العاص ـ لأنه الوقت الذي يمكنهم من الغدر بهم دون تعرض أحد لهم في مخيلتهم.
فشحذوا سيوفهم، وأسقوها السم حتى لفظتة، وقاموا بتنفيذ ما تواعدوا عليه في الليلة المعينة.
فأما البرك فانه ضرب معاوية بسيفه وهو يصلى، فأصاب مأكمته (لحمة على رأس الورك)، وكان معاوية ضخم الوركين، فقطع منه عرقا (عرق النكاح) وبقى حيا، غير أنه لم يولد له بعدئذ، فكان ذلك سببا لاتخاذه المقصورة والشرط على رأسه اذا سجد، وحرس الليل، فهو أول من أحدثها في الإسلام.
وأما ابن بكير فقد خاب مسعاه، لأن عمراً اشتكى تلك الليلة بطنه، وأناب عنه في الصلاة خارجة فكان القتيل، ولما أمسك به وأدخل دار الامارة على عمرو فعجب وقال: أردت عمراً، وأراد الله خارجة.