في ذكرى ميلاد استاذ العلماء وقدوة العابدين

الإمام الحسن العسكري (ع).. نفحة من نفحات الرسالة الاسلامية

الإمام الحسن العسكري (ع).. نفحة من نفحات الرسالة الاسلامية

أطلق على الامامين علي بن محمد والحسن بن علي عليهم السلام (العسكريان) لان المحلة التي كان يسكنها هذان الامامان -في سامراء- كانت تسمى عسكر.

نشأ الامام أبومحمد(ع) في بيت الهداية ومركز الامامة الكبرى، ذلك البيت الرفيع الذي اذهب الله عن أهله الرجس وطهرهم تطهيرا.

وقد وصف الشبراوي هذا البيت الذي ترعرع فيه هذا الامام العظيم قائلا: «فلله درَ هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف، وناهيك به من فخار، وحسبك فيه من علوَ مقدار، فهم جميعا في كرم الارومة وطيب ... كأسنان المشط متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون، فياله من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماء عُلا ونُبلا وسما على الفرقدين منزلة ومحلا ... وكم اجتهد قوم في خفض منارهم، والله يرفعه وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه، وكم ضيَعوا من حقوقهم ما لايهمله الله ولا يضيعه.

صحب أباه ثلاثا وعشرين سنة وتلقَی خلالها ميراث الامامة والنبوة فکان کآبائه الکرام علما وعملا وقيادة وجهادا وإصلاحا لامة جده محمد(ص).

وقد ظهر امر امامته في عصر ابيه الهادي(ع) وتأکد لدی الخاصة من اصحاب الامام الهادي والعامة من المسلمين انه الامام المفترض الطاعة بعد ابيه عليهما السلام.

تولی مهامَ الامامة بعد أبيه واستمرت إمامته نحو من ست سنوات، مارس فيها مسؤولياته الکبری في أحرج الظروف وأصعب الايام علی اهل بيت الرسالة بعد أن عرف الحکام العباسيون - وهم احرص من غيرهم علی استمرار حکمهم - أن المهدي من اهل بيت رسول لله (ص) ومن ولد علي ومن ولد الحسين (عليهم السلام) فکانوا

يترصدون أمره وينتظرون أيامه کغيرهم، لا ليسلَموا له مقالد الحکم بل ليقضوا علی آخر أمل للمستضعفين.

لقد کان الامام العسکري(ع) استاذ العلماء وقدوة العابدين وزعيم المعارضة السياسية والعقائدية في عصره، وکان يشار إليه بالبنان وتهفو إليه النفوس بالحب والولاء، کما کانت تهفو الی ابيه وجده اللذين عُرف کل منهما بابن الرضا(ع) کل هذا رغم معاداة السلطة لاهل البيت عليهم السلام وملاحقتها لهم ولشيعتهم.

لقد کان الامام ابو محمد الحسن العسکري(ع) في معالي اخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الاسلامية فقد کان علی جانب عظيم من سمو الاخلاق يقابل الصديق والعدو بمکارم اخلاقه ومعالي صفاته، وکانت هذه الظاهرة من ابرز مکوناته النفسية ورثها عن آبائه وجده رسول الله(ص) الذي وسع الناس جميعا بمکارم اخلاقة.

وکان الامام حسن العسکري(ع) بالرغم من حراجة ظروفه السياسية - جادا في الدفاع عن الشريعة ومحاربة البدع وهداية المترددين والشاکين وجذبهم الی حضيرة الدين.

وعاصر الامام عليه السلام، مدة امامته القصيرة جدا کلا من الخليفة المعتز والمهتدي والمعتمد العباسي، ولاقی منهم أشد العنت والملاحقة والارهاب کما تعرض للاعتقال عدة مرات.

شخصية الإمام المؤثرة:

لقد اشترك الأئمة عليهم السلام كلهم بهذا الوصف الرائع أعني أن تأثيرهم في المقابل وقوة الجذب التي فيهم تجعل كل من جالسهم ينشد إليهم ولذلك كانت قريش تخشى مواجهة النبي صلى الله عليه وآله مواجهة حوارية ومنطقية وذلك لقوة شخصيته ورصانة منطقه وبيان حجته.

وهكذا إمامنا الحسن العسكري فكان كلامه أرق من النسيم وأفعاله ألين من سلسبيل المعين لا يمل من جالسه ولا يضجر من حاوره ولا يبتعد بالناس عن الواقع فكان معهم ولهم ولكنه فوقهم في الفضل والكمال ومن يكون أولى منه بالشموخ.

يروى أن جماعه من العباسيين من البلاط الملكي طلبوا من صالح بن وصيف مدير السجن أن يضيق الخناق على الإمام العسكري(ع) فقال ما أصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه ولكن حتى هذين الرجلين صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم فماذا أصنع به.

ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما ويحكما ما شأنكما في هذا الرجل فقالا ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليلة كله ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه منا فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين.

فالعبادة الخالصة كانت ترقى بالإمام العسكري عليه السلام إلى حد الصفاء الروحي التام وتتفجر حينئذ طاقته الروحية التي تعمل عملها في النفوس البشرية فتهزها هزا وهكذا تنساب شخصيته العظيمة في الروح والعقل ولا يقتصر الأمر على الإنسان بل إن صفاء الروح عند الأئمة عليهم السلام وتمام قواهم الروحية والغيبية تنصاع لها حتى السباع الكاسرة فيروى أن المعتمد كانت له بركة مغلفة فيها أسود وسباع فأمر ذات مرة بإلقاء الإمام العسكري إلى تلك السباع الجائعة فرموه إليها وبعد برهة نظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه عليه السلام قائما يصلي وهي حوله فأمر بإخراجه إلى داره.

واغتيل الامام العسكري(ع) في عصر الخليفة المعتمد فدسَ له السمَ، وقضی نحبه صابرا شهيدا محتسبا، في الثامن من ربيع الاول عام 260 للهجرة، وعمره الشريف دون الثلاثين عاما، ودفن الامام العسکري عليه السلام الی جانب ابيه الامام الهادي عليه السلام في سامراء.