في الذكرى السنوية لاستشهاد العلامة شهيد المحراب البوطي

العلامة الشهید البوطي من الدعاة الوحدة الاسلامية و التقريب

العلامة الشهید البوطي من الدعاة الوحدة الاسلامية و التقريب

العلامة الدكتور الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي هو عالم متخصص في العلوم الإسلامية ، ومن أهم المرجعيات الدينية في العالم الإسلامي و من رواد التقريب و الوحدة الاسلامية .

كلمة حق تقال في هذا الشيخ الجليل العلامة الدكتور الشهيد محمد سعيد رمضان الذي كان ضد قتل الناس و المسلمين في اي منطقة ومن بينها الجزائر في العشرية السوداء في الوقت الذي كان فيه علماء البلاط الوهابيين في السعودية يفتون بجواز قتل الجزائريين واولادهم وسبي نسائهم كان هذا الشيخ يدافع عنهم ونظرا لاعتداله ورفضه لهم قاموا بتكفيره .
كانت تحقيق الوحدة  و التقريب بين المذاهب الاسلامية ، ضمن اولويات العلامة الدكتور الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي  في كل نشاطاته خاصة في الخطابات والكلمات التي كان يلقيها في المناسبات المختلفة وتجنب العصبوية العمياء وكان يؤكد دائما على الالتزام بالاخلاق الحسنة والاخلاص في العمل .


من روائع الخطب للعلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي حول المودة والوحدة الاسلامية  بتاريخ : 06/03/1998


" أرأيتم لو أن ثلاثة إخوة يسيرون في طريق يجتازونه إلى بلد ما، وخرج عليهم أثناء المسير أعداء؛ قُطاع طريق وقفوا في وجوههم، يستطيعون أن يُجردوهم من أموالهم إذا شاءوا ولم تكن لديهم القدرة الكافية في مواجهة الأعداء، يستطيعون أولئك الأعداء - قُطاع الطرق - أن يجردوهم من كل ما معهم حتى من ثيابهم، يستطيعون إذا شاءوا ربما أن يقتلوهم، ولكن هل يستطيع قطاع الطريق هؤلاء أن يحيلوا مودة ما بين هؤلاء الإخوة إلى عداوة؟ هل يستطيع قُطاع الطريق هؤلاء أن يُقطعوا صلة القربى السارية بين هؤلاء الإخوة؟ هذا ما لا يستطيع قُطاع الطريق أن يفعلوه، مهما كثروا ومهما قل هؤلاء الإخوة.

كل الأموال يمكن أن تُأخذ بواسطة القوة، وكل المقدرات يمكن أن تجرد من أصحابها بواسطة القوة، وكل أنواع الأذى المادية يمكن إنزالها بهؤلاء الإخوة إلا المودة السارية فيما بينهم، وإلا الوحدة التي تجمعهم. فهذا لا يستطيع الأعداء أن يفعلوه مهما كثروا، ذلك لأن المودة نابعةٌ من الأعماق، ومن ثم فإن الوحدة ثمرة لهذه المودة.

هذا المثل الذي أقوله ينطبق على واقع هذه الأمة الإسلامية اليوم .. أما أن يتجه الأعداء إليها فيجردوها من ممتلكاتها، هذا يمكن عندما يكون الأعداء أقوياء وتكون هذه الأمة ضعيفة. وأما أن يحتل هؤلاء الأعداء أو بعض منهم جزءاً من أوطانهم أو يستلبوا بعضاً من حقوقهم فهذا أيضاً ممكن، وأما أن يعمد هؤلاء الأعداء فينصبوا عليهم حرباً لا هوادة فيها ويسلطوا عليهم أسلحة الدمار الشاملة التي يملكونها ولا يريدون لغيرهم أن يمتلكها فهذا أيضاً ممكن. ولكن هل يمكن لهؤلاء الأعداء إذا كانت هذه الأمة متحدة وإذا كان الود سارياً فيما بين أفرادها .. هل يمكن لهؤلاء الأعداء أن يقطعوا صلة القربى فيما بينهم وأن يحيلوا مودتهم الموجودة والنابعة من عبوديتهم لله ووقوفهم تحت مظلة الإيمان بالله عز وجل؟ هل يستطيع هؤلاء الأعداء أن يسلكوا إلى ذلك سبيلاً؟

كل عاقلٍ منكم يعلم الجوب، لا يستطيع الأعداء مهما كثروا ومهما كثرت حيلهم أن يحققوا شيئاً من هذا أبداً؛ ولذلك تجدون كتاب الله عز وجل أيها الإخوة لا يأمر الناس المسلمين والمؤمنين بشيء كما يأمرهم بالاتحاد، وكما يأمرهم بالمحافظة على هذه الوحدة التي رسّخها الإيمان بالله فيما بينهم. لا يأمرهم بالقوة كما يأمرهم بهذه الوحدة، لا يأمرهم بشيء لا يأمرهم بمحافظة على وطن، ولا بمحافظة على مال، ولا بمحافظة على كنوز ومدخرات كما يأمرهم بالمحافظة على هذه الوحدة. ذلك لأنها الكنز الوحيد الذي يملك الإنسان أن يطرد الأعداء جميعاً عندما يطمعون في هذا الكنز، لذلك يقول: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" يقول: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" يقول: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ" يكرر هذا كله.

ولكن لعل فينا من يقول: فمال هذه الأمة قد فقدت وحدتها فعلاً؟! وهاهم أولاء الأعداء قد استطاعوا أن يحيلوا المودة التي أكرمهم الله عز وجل بها إلى تدابر بل إلى عداوة أحياناً؟! ها هم أولئك الأعداء قد استطاعوا أن يفعلوا ذلك؟!

إنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك قهراً أبداً، ولكنهم استطاعوا أن يقضوا على وحدة هذه الأمة عندما رغبت هذه الأمة معهم في أن تزول وحدتها، عندما تعاون المسلمون مع أعداءهم في أن يسحقوا وحدتهم ويقطعوا الشمل الموصول فيما بينهم.

أي عدوٍ هذا الذي يجبر أخاً أن يعادي أخاه بعد أن أوجد الله سبحانه وتعالى صلة القربى وصلة الود بين الأخ وأخيه!؟ ولكن عندما أراد العدو أن ينال من هذه الأمة منالاً علم أنه لا يستطيع أن يصل إلى أموالها، ولا يستطيع أن يحطم قوتها، ولا يستطيع أن ينال شيئاً من أوطانها إلا إذا بدء قبل ذلك فمزق الوحدة التي تتمتع بها. وعندما حاول العدو أن يقضي على هذه الوحدة لم يجد سبيلاً إلى هذه الأمة عن طريق الإجبار أبداً، ولكنه انتظر أن تنكص هذه الأمة على أعقابها وأن تترك الحبل الذي جعله الله سبحانه وتعالى المحور الجامع لها، والأداة الموحدة والجامعة لشملها، انتظر أولئك الأعداء إلى أن ترك المسلمون هذا الحبل وتوجهت قلوبهم إلى الأموال بدلاً من أن توجه إلى هذا الحبل الذي عصمهم الله عز وجل به عبر قرون ٍ وأجيال. اتجهت نفوسهم إلى حب الشهوات والأهواء، اتجهت نفوسهم إلى حب المغانم بدلاً من تحمل المغارم، عندئذٍ اتخذ العدو من المال الذي أصبحنا نحبه، من الشهوات التي أصبحت هي مهوى قلوبنا وأفئدتنا، جعل العدو من ذلك سلاحاً للقضاء على وحدتنا.

لو كان الإخوة إلى اليوم يُضحون بالمال في سبيل هذه المودة التي أشاعها الإسلام بالأمس فيما بينهم، لو كان هؤلاء الإخوة المسلمون يُضحون بالأهواء والشهوات في سبيل هذا الحبل الذي جمع شملهم، وفي سبيل الأُخوة التي ارتضاها سبحانه وتعالى لهم إذا قال: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" هل كان العدو أياً كان يستطيع أن يفرق بين الأخ وأخيه عن طريق المال؟ هل كان العدو يستطيع أن يفرق بين الأخ وأخيه عن طريق سباق الشهوات؟ لا بشكلٍ من الأشكال. بل سيدور ويدور ويدور تماما ًكالكلب الذي يدور حول الحمى من أجل أن ينقض إلى داخله لينال منالاً من الأغنام التي فيه، ولكنه مهما دار ولف لن يجد سبيلاً لأن يخترق الحصن أو الحمى إلى الداخل أبداً، ولكن العدو نظر فوجد أن المسلمين اليوم لم يعودوا كالمسلمون من قبل، كان المسلمون من قبل يُضحون بالمال ويجعلونه فداءً لوحدتهم، كان المسلمون من قبل يُضحون بالدنيا كلها حتى بالأوطان إن اقتضى الأمر ليجعلوا ذلك فداءً لوحدتهم.

أما اليوم بعض مسلموا اليوم يُضحون بوحدتهم في سبيل أن ينال الواحد منهم مزيداً من الثروة ويسبق أخاه إليها. أما المسلمون اليوم فأناسٌ يُضحون بعقائدهم إن اقتضى الأمر، ويُضحون بوحدة مابينهم إن اقتضى الأمر في سبيل أن يضمن الواحد منهم لنفسه مزيداً من الأهواء والشهوات التي يطمح إليها. رأى الأعداء هذا الواقع الذي آل إليه حال المسلمين اليوم، فتسللوا إلى حمى هذه الأمة. لم يفعلوا ما فعلوا من تقطيع صلة القربى بين المسلمين بمعجزة أوتوها، ولم يجبرونا على ذلك ولكننا نحن الذين ارتضينا لأنفسنا أن نتدابر في سبيل المال، وأن نتعادى في سبيل الشهوات والأهواء، عندئذ بدء العدو يلعب لعبته.

وكتاب ربنا ينادينا صباح مساء أن عودوا إلى رشدكم، المال الذي أعطيتكم إياه ثمرةً لوحدتكم، الأوطان التي أكرمتكم بها ثمرة من ثمرات وحدتكم، القوة التي متعتكم بها ثمرة من ثمرات وحدتكم، فإذا شئتم أن تحافظوا على الثمر فحافظوا على الجزع، حافظوا على أشجار الثمر. هكذا يقول لنا الله عز وجل.

ولكن الأغبياء اليوم، ولكن المسلمين الأغبياء اليوم مُنوا بالغباء قبل أن يمنوا بضعف الإيمان بالله سبحانه وتعالى. تاهوا عن هذا الرشد ولحقوا الثمار وتركوا الأصول والجذور، فلم يُبقوا لا على أصولٍ ولا جذور، ولم يبقوا على الثمار التي تسابقوا من أجلها وسال لعابهم في سبيلها. في سبيل المال تدابروا وتخاصم الجيران فأين هو المال؟ ذهب المال الذي تدابروا من أجله إلى العدو.

 و من  خطب اخرى للعلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي حول وحدة الاسلامية بعنوان :" الاعتصام بحبل الله محور وحدة الأمة " و الذي القا ها الجمعة‏، 15‏ شوال‏، 1431 الموافق ‏24‏/09‏/2010

: " لا أعلم أن أمراً وجَّهَهُ القرآنُ إلى الناس يتمتع بالقدسية والأهمية التي تتمتع بها الدعوة إلى الوحدة وإلى التضامن وإلى نبذ أسباب الفرقة والشتات، بل أنا لا أعلم أن نعمةً امتنَّ الله سبحانه وتعالى بها على عباده كنعمة تحويله لهم وانتشاله إياهم من أقصى دَرَكَاتِ الفرقة والتباغض والتهارج والتقاتل إلى أعلى قمم الود والتآلف والتضامن والحب، ألا ترون إلى الآية التي لا يجهلها ذو جنان ولا يكاد يفتر عن تردادها لسان ولا يخلو جدار في بناء أو قاعة إلا وتجد لها رسماً على جدرانها وتفنناً في كتابة خطوطها ألا وهي قول الله سبحانه وتعالى: )وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[ [آل عمران: 103].

وإني لأعلم أن شعوب العالم والدول العربية والإسلامية كانت في هذه العصور المتأخرة ولا تزال تسعى بكل الوسائل إلى استعادة هذه الوحدة، إلى استعادة هذا التضامن، وإنها لترفع في سبيل ذلك الشعارات المتنوعة في المناسبات المختلفة. 

دائرة الاتحاد بين الأفراد أيَّاً كانوا ومهما كانوا من الكثرة والقلة لا تتحقق بدون محورٍ جاذب، يعرف ذلك علماء الفلسفة والمنطق ويعلم ذلك علماء الهندسة على اختلافهم، من أجل هذا وضع البيان الإلهي المحور الجاذب قبل أن يأمر عباده بالتلاقي والتضامن والوحدة فقال أولا: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً[ هذا هو المحور، الاعتصام بحبل الله، ثم قال بعد ذلك: )وَلاَ تَفَرَّقُواْ[ ولو أنه بدأ فقال: )وَلاَ تَفَرَّقُواْ [لن يتأتى لعباده أن يجتمعوا عن تفرق، وعلام يجتمعون؟

لا يمكن للأمة أن تتلاقى إلا على هدف، إلا على محور. وربنا سبحانه وتعالى حكيم كما تعلمون ولذلك وضع المحور المتمثل في حبل الله أي المتمثل في كتاب الله وما يتضمنه من عقيدة وشرعة ومبادئ، فلما استقر فيما بينهم هذا المحور جاء دور الدعوة إلى الاتحاد.

يقول المحور الرباني مبيناً المبدأ الذي به يسمو الإنسان أو به يهبط في مجتمعه الذي يعيش فيه، يقول:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[ [الحجرات: 13].

ننظر وإذا بأيدٍ قد غَيَّبَتْ هذا المحور، وإذا بمحاور أخرى حلَّتْ محله، محاور العصبية، محاور المبالغة في الاعتداد بالقوميات المختلفة فكان من نتائج ذلك أن تحولت هذه المحاور إلى سبب جديد للفرقة بدلاً من السبب الذي رسمه بيان الله عز وجل.

إليكم هذا المثال : يضعنا المحور الرباني أمام تحذير بعبارات لا تقبل التأويل، يحذرنا المحور الرباني من أن نستسلم للسلم الذي يأتي بمظهر السلام فيقول: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ[ [محمد: 35]

انظروا إلى هذا المثل الآخر، يضعنا المحور الرباني – نحن المسلمين – على أساسٍ إنساني من التعايش والتآلف والتعاون مع غير المسلمين من أهل الكتاب فيقول: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[ [الممتحنة: 8]. ونظرنا اليوم وإذا بأناس يُغَيِّبُون هذا المحور الرباني ويحلون محله مشاعر الأحقاد والضغائن وما يُعَبَّرُ عنه اليوم بالإرهاب ونحو ذلك.

آتيكم بأمثلة أخرى؟ حسناً. يضعنا المحور الرباني من كتابه المبين بعبارة لا تقبل التأويل أمام كفتين أو دعامتين متساويتين لجهود كلٍّ من المرأة والرجل في هذا المجتمع الإنساني لينهض المجتمع على جهود كلٍّ منهما بتساوٍ فيقول: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ[ [التوبة: 71]

يرسخ مبدأ الولاية المتبادلة التي لا تعلمها إلى اليوم القوانين الوضعية ويقول: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ[ [آل عمران: 195]. ونظرنا فوجدنا اليوم من يُغَيِّبُ هذا المحور أو يتجاهله أو يلقيه وراءه ظهرياً ثم يزعم ويتهم أن القرآن إنما رسخ المجتمع الذكوري لينهض على حطام وأطلال حقوق المرأة. غُيِّبَ المحور القرآني الذي نقرؤه ووضع مكانه هذا الذي يثير الجدل والنقاش والخصام.

هذه نصوص ذكرتُهَا كأمثلة على المحور الجامع وكلها نصوص قاطعة الدلالة لا تقبل تأويلاً قط، ولكن لاشك أن من وراء هذه النصوص القاطعة الدلالة جملاً وبياناتٍ وألفاظاً أخرى في كتاب الله تقبل التأويل وتقبل أكثر من تفسير ومن هنا وجدت المذاهب بل من هنا وجدت الفرق، ينبغي أن نعلم أن هذه الفرق التي تكاثرت من خلال تفسير النصوص المُحْتَمِلَة التي تقبل التأويل ينبغي أن تتسع صدورنا لها جميعاً وينبغي أن نعلم أنها جميعاً تستظل بظل الإيمان وأنها جميعاً تسمو إلى صعيد الإسلام وأنها ستلقى الله عز وجل إن كانت صادقة في اجتهاداتها هذه وهي مثوبة إن بأجرٍ أو بأجرين.

هذه خلاصة ما يبغي أن نعلمه أيها الإخوة من أمر الوحدة وقدسيتها في كتاب الله وهذا ما ينبغي أن نعلمه من السبب الذي جعل عودة الأمة إلى هذه الوحدة مستعصية وكم وكم من الناس تساءلوا عن سبب ذلك، سبب ذلك أن المحور الذي يجذب للوحدة قد غاب وحلَّت محله محاور متناقضة مختلفة. المحاور المختلفة المتناقضة تمزق بدلاً من أن تجمع وبدلاً من أن تحقق وحدة هذه الأمة.

وخلاصة ما ينبغي أن أقوله لنفسي وأن أقوله لإخواني في الإسلام والإنسانية أن لنا أن نجتهد في فهم كتاب الله عز وجل ما وسعنا ذلك وفي فهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن على أن نتصور أننا قادرون على أن ندافع عن اجتهاداتنا يوم نقف بين يدي الله عز وجل إذ يقوم الناس جميعاً لرب العالمين، فإذا علمتُ أنني أستطيع أن أدافع عن اجتهادي في ذلك الموقف الخطير العظيم المخيف فيا مرحباً باجتهادي اليوم في الحياة الدنيا ولكن إذا علمتُ أن لسانيَ سيتلجلج وأنني لن أستطيع أن أدافع عن اجتهادي الذي تبنيته اليوم عندما أقف بين يدي رب العالمين فلأعد إلى نفسي ولأمحص نظرتي هذه ولأحوال ألا أرتحل من هذه الدنيا إلا بقلب سليم كما دعا سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

و يقول سماحة العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي في خطبة اخرى بتاريخ : 24/02/2012

وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ

إن حبيبنا المصطفى محمداً  شبَّه أمته قادةً وشعوباً بالجسد الواحد كما تعلمون، وانطلاقاً من هذا التشبيه الذي اعتمده حبيبنا المصطفى r أقول لكم: إن جسد هذه الأمة يعاني اليوم من أمراضٍ خطيرة مستقرة في كيانه، يعاني من أمراض لم تفد إليه من الخارج بسبب هواءٍ فاسد أو بسبب جراثيم أقبلت إليه من هنا وهناك لا، وإنما هي أمراض انبثقت من داخل كيانه، هو المسؤول عنها وهو الذي يتحمل وزرها، ولولا هذه الأمراض التي أحدثكم عنها لما استطاعت العداوات المستشرية المختلفة أن تنال من هذا الجسم منالاً قط، ولولا هذه الأمراض المستشرية في كيان هذا الجسد لما أصاب شيء من شؤم أصدقاء إسرائيل، أقولها لكم باختصار أيها الإخوة: إن أسباب العداوات والبغضاء التي تحيط بنا والأسى الذي يُمَارَسُ ضدنا، أسباب ذلك أمراضنا الداخلية.

وليست أمراضنا الداخلية متسببة عن تلك المآسي وتلك الأنواع من البغضاء والعداوات المستشرية. ولقد قال العرب في أمثالهم: إن قطعة فأس وقعت في غابة بين الأشجار الكثيرة والكثيفة فذعرت الأشجار من هذا العدو المداهم المفاجئ، ولكن شجرة هرمة أتت عليها السنوات الطوال اتجهت إليها نادتها قائلة: لا تُذْعَروا ولا تخافوا ولا يهولنكم أمر قطعة هذا الفأس، فلو بقيت هذه القطعة فيما بينكم دهراً طويلاً لن تستطيع أن تنال منكم منالاً إلا أن تبرع غصنٌ منكم بأن يكون مقبضاً لها. وإنكم لتعلمون أن كثيرة من الأغصان تتسابق من أجل تكون مقابض لفأس العدوان الذي يستشري ضدنا. هذه الأغصان منا وهي جزء لا يتجزأ من أمتنا، وهذا ما أريد أن تعلموه. أمراضنا منبثقة من داخلنا، والعداوات التي تستشري من حولنا من آثار هذه الأمراض التي نعاني منها.

موجز عن السيرة الذاتية للعلامة الشهيد البوطي (رحمه الله)

العلامة الدكتور الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي   تأثر بوالده الشيخ ملا رمضان الذي كان بدوره عالم دين، تلقى التعليم الديني والنظامي بمدارس دمشق ثم انتقل إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف وتحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الشريعة، له أكثر من أربعين كتاباً تتناول مختلف القضايا الإسلامية، ويعتبر أهم من يمثل التوجه المحافظ على مذاهب أهل السنة الأربعة وعقيدة أهل السنة  .

ينحدر البوطي من أصل كردي. ولد عام 1929 في قرية عين ديوار شمال سوريا ، ثم هاجر مع والده ملا رمضان البوطي إلى دمشق في عام 1933، وكان عمره آن ذاك أربع سنوات. 

يعد البوطي من علماء الدين السنة المتخصصين في العقائد والفلسفات المادية بعد أن قدم رسالته في الدكتوراه في نقد المادية الجدلية، لكنه من الناحية الفقهية يعتبر مدافعا عن الفقه الإسلامي المذهبي وله مواقف وخطابات يدعو فيها الى التقريب بين المذاهب الاسلامية و الوحدة الاسلامية.

إستشهدفي 21 مارس 2013 في مسجده “مسجد الإيمان” بدمشق و على المنبر عن طريق تفجير إنتحاري ارهابي بحزام ناسف كان موجها ليه.

و السلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت و يوم تبعث حيا.

اعداد و تدوين علي اكبر بامشاد