هل يمكن أن تتصالح السنة والشيعة؟

هل يمكن أن تتصالح السنة والشيعة؟

مجدي محمد علي
باحث شرعي

هل يمكن أن تُحل تلك المعادلة المستعصية ويلتقي السنة والشيعة على أصول الإسلام وعلى محكمات القرآن ونغلق باب المزايدات أمام أعداء الاسلام الذين يلعبون على وتر الخلافات بين السنة والشيعة وتأجيج العداوة بينهما. الجميع يعلم أن الأمة الإسلامية تمر اليوم بمرحلة عصيبة من أحلك مراحل تاريخها الطويل حيث أفشلها النزاع والشقاق وذهبت بذلك قوتها وشوكتها مصداقا لقول الله تعالى: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". 

لقد تكالبت علينا الأمم مع اتساع الفارق الكبير بيننا وبينهم في القوى المادية والعدة والعتاد ولكنّ هذا التكالب لا يمثل لنا أي مشكلة فإن الله تعالى تكفل بحفظ الإسلام وأمة الإسلام إلى قيام الساعة قال تعالى: "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" وقال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر"، والحديث رواه أحمد وصححه الألباني فلا خوف على دين الله ولا خوف على الأمة من الأعداء.

إنما الخوف من الفرقة والاختلاف لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا

أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا" أخرجه مسلم.

البصيرة أخص من العلم لأنها تشمل العلم والفهم والوعي والإدراك والفقه في الدين والحرص على وحدة المسلمين وإذا كان هناك غلو من كافة الأطراف في تقييم المواقف فلابد من علاجه بالبصيرة في الدين .

إذن الخلل يتمثل في الفرقة والاختلاف والعداوة والبغضاء بين المسلمين لقد تفرقت أمة الإسلام أحزابا وشيعا يقتل بعضها بعضا ويسبي بعضها بعضا بسبب الغلو والخلل الذي آل بالفرق إلى تكفير بعضها بعضا واستحلال دماء وحرمات بعضهم بعضا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أزال الغمة في بيان من هم أهل الأمة فقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته"، ولا يصح تفريغ الحديث من معناه فمن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين فلا يصح أن يهلك بعضها بعضا ولا أن يسبي بعضهم بعضا وقد جعلنا الله تعالى أمة واحدة من دون الأمم قال تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ أمة واحدة خاطبها الله تعالى بقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا".

هناك خلل في فهم الدين والبصيرة به وهناك خلل في فهم إطاره الواسع ومن هم الداخلون فيه لقد اهتمت الفرق الإسلامية في بيان حدودها ولم تهتم ببيان إطار الإسلام الذي يجمع الجميع هناك خلل في فهم الأصول التي بها يكون المرء مسلما له ما للمسلمين وعليه ما عليهم هناك خلل في فهم تلك الأصول وتجريدها عن فروع الاجتهاد التي تقبل مساحة من الاختلاف والتفصيل.

حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ المُسْلم عَلَى المُسْلم حَرَامٌ دَمُهُ ومَالُهُ وعرْضُهُ"، رواه مسلم فلم يقل كل أهل السنة على أهل السنة حرام ولا قال كل الشيعة على الشيعة حرام بل قال كل المسلم على المسلم حرام والجميع من أهل الإسلام فلا يصح أن يستحل بعضنا دماء بعض.

لقد سألني مرة أحد الأصدقاء سؤالا أليست الشيعة على الكفر البواح قلت لماذا فقال لانهم يسبون أبا بكر وعمر وهما عمودا الإسلام فقلت له أيهما أشد إثما سب الصحابي أم قتله فقال بل قتله فقلت له لقد قتل ابن ملجم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ولم يكفره الصحابة والتابعون من جيش الإمام علي بل اعتبروه باغيا وقتلوه حدا فهل نكفر نحن الساب والصحابة لم يكفروا القاتل فسكت.

لقد وضح القرآن الكريم أهم مؤهلات العمل لدين الله قال سبحانه: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، والبصيرة أخص من العلم لأنها تشمل العلم والفهم والوعي والإدراك والفقه في الدين والحرص على وحدة المسلمين وإذا كان هناك غلو من كافة الأطراف في تقييم المواقف فلابد من علاجه بالبصيرة في الدين.

لقد عاش السنة والشيعة لأكثر من ألف عام في تصالح ووئام وتراحم في اليمن وفي العراق وغيرها من بلاد المسلمين وفي الكويت إلى زمن قريب جدا كانت الأسر السنية والشيعية يصاهر بعضها بعضا ويزوج بعضها بعضا وترى العائلة الواحدة فيها السني والشيعي وجميعهم يجلس على مائدة

واحدة تجمعهم أصول الإسلام ومحكمات القرآن فما الذي حدث؟ لابد من تشخيص الأسباب فالتشخيص نصف العلاج ولابد من بيان خطوات العلاج لذا سأتناول هذا الأمر على صورة نقاط منها ما يتناول الأسباب ومنها ما يطرح الحلول وهاهنا لا تصلح المجاملة ولابد من المصارحة حتى نعلم بمقدار الخطر.

النقطة الأولى: هناك غلو شيعي بسبب اتباع المذهب الصفوي الشاذ حتى على الشيعة أنفسهم وهذا المذهب مغرق في تكفير أهل السنة واستحلال دمائهم بدعوى الاقتصاص لدم الحسين سيد شباب أهل الجنة عليه السلام وهل يرضى الحسين رضي الله عنه بذبح المسلمين وانتهاك حرماتهم على ذنب لم يقترفوه وقد حدث بغتة وفي ظروف غامضة مر عليها مئات السنين ولم يرض بها المسلمون لا آنذاك ولا اليوم والحاصل أن المذهب الصفوي لا يمثل الشيعة المعتدلين.

النقطة الثانية: في المقابل غلو سني بسبب اتباع المذهب الوهابي الشاذ حتى على أهل السنة أنفسهم حيث يطرحون صورة مشوهة عن الإسلام وعقائده وعلومه صورة تمتلئ بالحشو والتجسيم في حق الإله الرب المعبود بسبب الجهل المركب بقواعد التقديس وتمتلئ بالفهم السطحي السقيم لظواهر المتشابهات يحسبون أنهم وحدهم المسلمون وأن من خالفهم من الهالكين صورة تمتلئ للأسف بالغلو في التكفير والتبديع صورة مغايرة لما عليه مذاهب أهل السنة والجماعة المتخصصة في شتى جوانب الدين صورة فيها علو زائد في تكفير المسلمين واتهامهم بالشرك والبدعة والضلالة في مسائل هم فيها أهل الخلل والحاصل أن المذهب الوهابي لا يمثل السنة المعتدلين.

النقطة الثالثة: هناك غلو في مقابل غلو وكلا الفرقين من أهل الغلو يطرح نفسه على أنه الصورة الحقيقية للإسلام وبهذا الغلو يصدق فيهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا" أخرجه مسلم وعامة أهل الإسلام سواد المسلمين الأعظم براء من الغلو هنا وهناك.

النقطة الرابعة: معادلة الحل الأولى تعتمد على التعقل وتخفيف حدة الصراع وذلك عن طريق تحديد إطار عام صحيح عدل وسط لأهل الإسلام يدخل فيه كل مسلم ينطق بالشهادتين مهما تلبس هذا المسلم بأخطاء وشبهات وعقائد مخالفة ما كان محافظا على أصول الإسلام ومحكمات القرآن.

النقطة الخامسة: تقنين الخلاف بين طوائف الأمة بما يُعالج الغلو ويحارب التطرف ويكشف الخلل ويبين أطر التعامل مع المخالف ما كان هذا المخالف ينتسب إلى الإسلام.

النقطة السادسة: احترام مذاهب التخصص العلمي الرصين تلك المذاهب التي لها عمق التاريخ الإسلامي والتي انتمى إليها على مر عصور الإسلام سواد المسلمين الأعظم تلك المذاهب الخالية من الغلو والتطرف تلك المذاهب التي عاش في كنفها المسلمون بشتى طوائفهم في سلام وأمان ولم نسمع عندما سادوا وقادوا أنهم استحلوا محارم المسلمين أو سفكوا دماء أطفالهم وشيوخهم بل نشروا العلم الراسخ والفقه الواعي في الدين لم يكفروا أحدا من فرق المسلمين ولم يستحلوا دماء أحد منهم إن احترام هذا التخصص هو أحد مخارج الحل.

النقطة السابعة: الوقوف أمام تيارات الغلو هنا وهناك ومنع الأبواق المغالية التي تفتت وحدة المسلمين ولا تخدم إلا الأعداء الأصليين.

واختم هذا المقال بالتأكيد على أنه لن ينجي هذه الأمة من المحنة التي تمر بها حاليا سوى التصالح والولاء العام للإسلام نفسه لا الطوائف المنتسبة.