الشيخ محمد رضا المظفر

الشيخ محمد رضا المظفر

 

الشيخ محمد رضا المظفر
عميد كلية الفقه في النجف الأشرف
1322 هـ ـ 1384 هـ
 

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم

نشأ الشيخ المظفر في البيئة النجفيّة وتقلّب في مجالسها ونواديها وحلقاتها ومحاضراتها ومدارسها، وحضر فيها حلقات الدراسة العالية وتخرج على كبار مراجع التقليد والتدريس، وترعرع في هذا البيت العريق من بيوتات النجف العلميّة، وابتدأ حياته الدراسيّة بما يتعارف عليه الطالب النجفي من حضور الدراسات الأدبيّة والفقهية والأصوليّة وتتلمذ على الشيخ محمد طه الحويزي في الأدب والأصول، كما أتقن الشعر وبعد أن أنهى الدور الإعدادي تفرغ للدراسات العالية في الفقه والأصول والفلسفة وحضر فيها على أخيه الشيخ محمد حسن وأخيه الآخر محمد حسين كما حضر درس الشيخ اغا ضياء العراقي في الأصول ودرس الشيخ محمد حسين النائيني في الفقه والأصول وحضر بصورة خاصة دروس وأبحاث الشيخ محمد حسين الأصفهاني الفقه والأصول والفلسفة الإلهيّة العالية وتخرج كذلك على مشايخه في الفقه والأصول والفلسفة واستقل هو بالاجتهاد والنظر والبحث وشهد له شيوخه بذلك، وكان خلال ذلك كله يشتغل بالتدريس على مستوى الدراسات الإعداديّة والدراسات العالية في الفقه والأصول والفلسفة.
ذلك كله خارج مدارس منتدى النشر وكليتها، امّا فيها فقد نذر حياته على تنميتها وتطورها بمختلف الألوان وكان يقوم بتدريس الأدب والمنطق والفلسفة والفقه والأصول من المستوى الأولي إلى المستوى العالي. وكان الشيخ يمتاز فوق ذلك كله بعمق النظر ودقة الالتفات وسلامة الذوق وبُعد التفكير فيما تلقينا عنه في الفقه والأصول والفلسفة، وقد حاول الشيخ في بدء حياته الدراسية أن يلم بعلوم الرياضة والفلك والطبيعة والعروض، فقد اتفق أن وقعت يد الشيخ على طرف من الثقافة العصرية وهو في بدء شبابه فتذوقها وحاول أن يشق طريقا إلى هذا اللون الجديد من الثقافة واتفق مع آخرين ممن كانوا يتذوقون هذا اللون الجديد من الثقافة على أن يراسلوا بعض المجلات العلمية كالمقتطف وبعض دور النشر لتبعث إليهم هذه الصحف والكتب التي تحمل إليهم هذا اللون الجديد من الفكر.
أما آثاره العلمية: فكان النشاط العلمي والكتابة والتأليف يشكل جزءا مهما من رسالة الشيخ محمد رضا المظفر ونشاطه، وفي كتاباته يقترن جمال التعبير وسلامة الأداء وحدة الصوغ وروعة العرض بخصوبة المادة ودقة الفكرة وعمق النظرة وجدة المحتوى، ويتألف منها مزيج من العلم والأدب يشع العقل ويروي العاطفة وقد توفق الشيخ إلى أن يضم إلى عمق المادة جمال العرض وأكثر ما يبدو وهذا التوفيق في كتابه (احلام اليقظة) حيث يناجي فيها صدر المتالهين ويتحدث معه فيما يتعلق بنظرياته في الفلسفة الإلهية العالية ويتلقى منه الجواب بصورة مشروحة وبعرض قصصي جميل، وقد حاول أن يخضع الكتابة للفلسفة أو يخضع الفلسفة للكتابة ويجمع بينهما في كتابه هذا وكذلك كتابه (المنطق) و(عقائد الإمامية) و(الأصول) و(الفلسفة) و(السقيفة) والى غيرها من المقالات ونظم الشعر..
وله في مجال التقريب الأبحاث والمناظرات نذكر مقتطفات منها بقلمه:
ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت والحكمة حيث وجدت، والحكمة ضالة المؤمن، أن أدير دفّة دراستي العلميّة لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى، تلك هي دراسة هذا المذهب في كتب أربابه وان أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم، ومن البديهي انّ رجال المذهب اشد معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة، أو أوتوا حظا من اللسن والإبانة عما في النفس.
وفضلا عن ذلك فإن «الأمانة العلمية» التي هي من أوائل أسس «المنهج العلمي الحديث» وهو المنهج الذي اخترته وجعلته دستوري في أبحاثي ومؤلفاتي حين أحاول الكشف عن الحقائق الماديّة والروحيّة.
هذه الأمانة المذكورة تقتضي التثبت التام في نقل النصوص والدراسة الفاحصة لها. فكيف لباحث بالغا ما بلغ من المهارة المتعلقة بالشيعة والتشيع في غير مصادرهم.. إذن لارتاب في بحثه العلمي وكان بحثه على غير أساس متين، ذلك ما دعاني أن أوسع في دراسة الشيعة في كتب الشيعة أنفسهم وأن اتعرف عقائد القوم نقلا عما كتبوه بأيديهم وانطلقت به السنتهم لا زيادة ولا نقص، حتّى لا أقع في الالتباس الذي وقع فيه غيري من المؤرخين والنقاد حين تصدروا للحكم على الشيعة والتشيع.
وإن الباحث الذي يريد أن يدرس مجموعة ما من الحقائق في غير مصادرها الأولى ومظانها الأصلية إنّما يسلك شططا ويفعل عبثا، ليس هو من العلم ولا من العلم في شيء. ومثل هذا ما وقع فيه العلامة (الدكتور أحمد أمين) حين تعرض لمذهب الشيعة في كتبه. فقد حاول هذا العالم أن يجلي للمثقفين بعضا من جوانب ذلك المذهب فورط نفسه في كثير من المباحث الشيعية كقوله «أن اليهودية ظهرت في التشيع» وقوله: «أن النار محرمة على الشيعي إلاّ قليلا» وقوله: «بتبعيتهم لعبد الله بن سبأ.» وغير هذا من المباحث التي ثبت بطلانها وبراءة الشيعة منها، وتصدى لها علماؤهم بالنقد والتجريح وفصّل الحديث فيها العلامة محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه «أصل الشيعة وأصولها».
وإني لواثق بأن فكرة التقريب بين المذاهب أصبحت اليوم حاجة ملحة وهدفا رفيعا لكل مسلم غيور على الإسلام مهما كانت نزعته المذهبية ورأيه في المخلفات العقائدية، وليس شيء افضل في التقريب من تولي أهل كل عقيدة أنفسهم كشف دفائنها وحقائقها وهذه الطريقة فيما اعتقد أسلم في إعطاء الفكرة الصحيحة عن المذهب وأقرب إلى فهم الصواب من الرأي الذي يعتنقه جماعته.
ولا يجهل خبير مقدار الحاجة اليوم خاصة إلى التقريب بين جماعات المسلمين المختلفة ودفن أحقادهم إن لم نستطع أن نوحد صفوفهم، وجمعهم تحت راية واحدة أقول ذلك وإني لشاعر مع الأسف أنّا لا نستطيع أن نضع شيئا بهذه المحاولات مع من جربنا من هؤلاء الكتاب كالدكتور أحمد أمين وإضرابه من دعاة التفرقة فما زادهم توضيح معتقدات الإمامية إلاّ عنادا وتنبههم على خطاهم إلاّ لجاجا، وما يهمنا من هؤلاء وغير هؤلاء أن يستمروا على عنادهم مصرين لولا خشية أن ينخدع بهم المغفلون فتنطلي عليهم تلك التخرصات وتورطهم تلك التهجمات في إثارة الأحقاد والحزازات.
أن من اعظم واجمل ما دعا إليه الدين الإسلامي هو التآخي بين المسلمين على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم ومنازلهم. بلى إن المسلمين لو وقفوا لإدراك ايسر خصال الاخوة فيما بينهم وعلموا بها لارتفع الظلم والعدوان من الأرض، ولرأيت البشر إخوانا على سرر متقابلين قد كملت لهم أعلى درجات السعادة الاجتماعية، ولتحقق حلم الفلاسفة الأقدمين في المدينة الفاضلة، فما احتاجوا حينما يتبادلون الحب والمودة إلى الحومات والمحاكم ولا إلى الشرطة والسجون، ولا إلى قانون للعقوبات، وأحكام للحدود والقصاص، ولما خضعوا لمستعمر ولا خنعوا لجبار، ولا استبد بهم الطغاة ولتبدلت الأرض غير الأرض وأصبحت جنة النعيم ودار السعادة (1).
_____________________
1 ـ عقائد الإمامية: 27 ـ 120.