أهل البيت (عليهم السلام) في الحياة الإسلامية الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام)

أهل البيت (عليهم السلام) في الحياة الإسلامية الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام)

 

 

أهل البيت (عليهم السلام) في الحياة الإسلامية الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام)

 

آية الله السيّد محمّـد باقر الحكيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الأول: النظرية

تقديم:

البحث الذي نريد أن نتناوله هو الحديث عن النظرية الإسلامية في موقع أهل البيت (عليهم السلام) في الرسالة الإسلامية: (الإمامة).

وهذا الموضوع من الموضوعات المهمة، حيث نشير في البداية إلى مفهوم (الإمامة)، ثمَّ إلى أبعاد النظرية الإسلامية فيها.

نظرية الإمامة:

وفيما يتعلق ببيان (النظرية)، يلاحظ بأن الرسالات الإلهية السابقة كانت تعتمد في إدامتها واستمرارها وبقائها على مجموعة من الأنبياء الذين يأتون بعد كل نبي من الأنبياء اُولي العزم، يتحملون مسؤولية هذه الرسالة على مستوى الإدامة والتطبيق والتفسير، ولكن الرسالة الخاتمة التي هي أعظم هذه الرسالات وأفضلها، وأراد الله لها الإستمرار والبقاء إلى آخر الحياة البشرية، يلاحظ فيها أنها رسالة لا يوجد فيها نبي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لما نص عليه القرآن من قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبًآ أَحَد مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ...) ([1])، وكذلك ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتواتر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لدى المسلمين من قوله لعليٍّ (عليه السلام): (... أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي) ([2]).

إذن، فهذه الرسالة ـ من ناحية ـ هي أعظم الرسالات الإلهية، وأُريد لها الإستمرار والدوام أكثر مما أُريد للرسالات الإلهية الأخرى، ومن ناحية أخرى فهل نجد أن هذه الرسالة لم توضع لها ضمانات للإستمرار والبقاء، كما وضعت ضمانات للرسالات السابقة التي جاء بها الأنبياء اُولو العزم، حيث كانوا يقومون بمهمة إدامة زخم تلك الرسالة ومتابعة الإشراف على تطبيقها ودعوة الناس إليها؟، أو أنَّ الله تعالى وضع ضمانة من نوع آخر؟

هذا السؤال هو الذي يفرض الحديث عن وجود الإمامة، وموقع ودور أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  منها، وأنَّ الله تعالى شاء أن يكون استمرار الرسالة الخاتمة عن طريق (الامامة)، وأن تكون هذه الإمامة في أهل البيت سلام الله عليهم.

وهذا الموضوع وإن كان يحتاج إلى بحث وشرح واسع، ولكن سوف أشير إليه في حدود الإثارة وبعض خطوطه العامة فيما يأتي من البحث ـ إن شاء الله تعالى ـ حيث نحاول معالجة سؤالين حوله:

الأول: ما هي ضرورة وجود الإمامة في الرسالة الخاتمة.

الثاني: لماذا كان استمرار الإمامة في الرسالة الخاتمة في خصوص أهل البيت (عليهم السلام) ؟ ولم يوضع هذا الدوام بصيغة أوسع وأشمل من هذه الأسرة الشريفة وهم (أهل البيت)، ووضعت الإمامة والإختصاص في خصوص (آل النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)).

وجواب كل واحد من هذين السؤالين يحتاج إلى بيان بعدين:

أحدهما: تفسير هذه الظاهرة، لأن الظواهر الإلهية والإسلامية بصورة عامة ليست ظواهر اعتباطية، أو مجرد قضايا تعبدية، وإنما هي ظواهر لابد أن تكون وراءها حكمة ومصالح تفسر هذه الظواهر، وهو بُعد من البحث ذو طابع جديد نسبياً.

والبعد الآخر: هو الإستدلال بالطرق العلمية المتبعة على ثبوت هذه الظاهرة في الإسلام واختصاصها بأهل البيت (عليهم السلام).

ولكن سوف نقتصر في البحث على البعد الأول لاستمرار النبوة وهو التصور النظري لها.

فأولاً: نحتاج بالنسبة إلى النظرية أن نتبين دور الإمامة وضرورتها في الرسالة الخاتمة من أجل ملأ هذا الفراغ الرسالي، ببيان خصوصيات ما يملأ فراغ ضرورة استمرار الرسالة، حيث اُريد لهذه الرسالة الخاتمة أن تكون رسالة أبدية تنتهي بعمر البشرية.

وثانياً: نحتاج أن نتبين اختصاص أهل البيت (عليهم السلام)  بهذا الدور دون غيرهم من الناس، وتفسير هذا الاختصاص، وهل أنه هو مجرد اصطفاء غيبي دون وجود تفسير له علاقة بحركة البشرية والحياة الاجتماعية، أو أن هذا الإصطفاء له علاقة بهذه الحياة البشرية، ومن ثمَّ وجود الإرتباط بين الأمر الأول والثاني.

وسوف نتناول ذلك كله في مدخل وفصلين.

أما المدخل: فهو في بيان مفهوم (الإمامة).

الفصل الأول: في ضرورة (الإمامة) وموقعها في الرسالة الإسلامية.

الفصل الثاني: في اختصاص (الإمامة) بخصوص (أهل البيت (عليهم السلام)).

 

نظرية الإمامة

المدخل

مفهوم الإمامة:

أشرنا في التقديم، إلى أنَّ مفهوم الإمامة في الثقافة الإسلامية العامة الرسمية المعروفة يتبادر منه الولاية والحكم، ويمثل هذا الفهم لهذا المفهوم تصوراً تحريفياً لمفهوم الإمامة، إذا أردنا أن نرجع فيه إلى المصادر الإسلامية الأصيلة، كالقرآن الكريم والسنة النبوية.

ولعل السبب في هذا التحريف لهذا المفهوم هو فرض الأمر الواقع في التاريخ الإسلامي، وجعله مبرراً لاستنباط هذا المفهوم وتحريفه، حيث أن مدرسة تبرير الأمر الواقع فرضت نفسها على الكثير من المفاهيم والتلقي والاستنباط للنصوص الإسلامية، وما يعبر عنه بالإجتهاد في مقابل النص، أو التفسير بالرأي، وذلك بتحميل النص العناصر الذاتية والميول الخاصة أو الظروف السياسية والاجتماعية وتفسيره بها، بحيث يتحول الأمر الواقع والسلوك الخاص لهذه الجماعة وتلك حقيقة يقاس ويفهم بها النص الإسلامي.

بدل أن يؤخذ النص الإسلامي بصورة موضوعية، ويفهم من خلال مداليل الكلام لغة، ومن خلال القرائن الحالية والمقالية التي أحاطت به، ويصبح بذلك ـ مع الأسف ـ السلوك الاجتماعي للإنسان مفسراً وموجهاً للنص الإسلامي، بدل أن يكون النص الإسلامي هادياً وموجهاً للسلوك الاجتماعي.

وقبل الإستغراق بذلك، يحسن بنا الرجوع إلى النصوص القرآنية التي تعتبر أفضل مصدر لفهم مدلول (الإمامة)، ثم نستعين بالنصوص النبوية في هذا الفهم، لنخرج بذلك بمفهوم صحيح عن (الإمامة).

ولعل أفضل نص يمكن أن نتعرف من خلاله على مفهوم الإمامة، هو الآية الكريمة التي تحدثت عن جعل الإمامة لإبراهيم (عليه السلام)، والذي تؤيده مجموعة نصوص قرآنية أُخرى.

(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)([3]).

حيث يمكن أن نفهم من هذا النص عدة أبعاد لمفهوم الإمامة:

الأول: أنَّ الإمامة هي هداية الناس إلى الله تعالى من خلال تقدمهم في المسيرة الربانية عملياً.

وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمـَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ([4])، وكذلك ما ورد في سورة الأنعام في معرض الحديث عن الأنبياء منذ نوح (عليه السلام) إلى عيسى (عليه السلام): (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)([5]).

ويبدو من هذه الآيات الكريمة أنَّ الهداية ليست مجرد الموعظة والإرشاد وبيان الحقائق الإلهية، (بل هي الهداية التي تقع بأمر الله تعالى، وهذا الأمر هو الذي بين حقيقته في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *  فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)([6]).

ولعله بذلك كانت هذه الإمامة مجعولة من قبل الله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)([7]).

الثاني: أنَّ الإمامة عهد إلهي إلى عباده الصالحين ـ كما تصرح بذلك الآية الكريمة ـ (قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، ويفهم ذلك من قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)، والسر في ذلك ـ ما أشرنا إليه ـ من أنها هداية بأمر الله تعالى.

ولذلك لابد أن نفترض فيها جانب من الاصطفاء والإجتباء من ناحية كما تشير إليه الآيات الكريمة التي تحدثت عن الاصطفاء، مثل قوله تعالى: (إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *  ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ)([8]).

كما افترضنا فيها ـ في الوقت نفسه ـ درجة خاصة من الهداية العملية، بحيث تكون هداية بأمر الله تعالى، لا بأمر الإنسان ومبادراته واجتهاداته وفهمه للدين، من خلال الإكتساب للعلم والتفقه في الدين وقيامه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثالث: أنَّ الإمام لا يمكن أن يكون ظالماً ـ كما تصرح بذلك الآية الكريمة ـ (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، ولابد أن يكون انتفاء الظلم عن الإمام بدرجة عالية لما تقتضيه عدة قرائن حالية ومقالية، ثم تناولها في أبحاث التفسير ([9])، ترجع في نهايتها: إما إلى مناسبات الحكم والموضوع، حيث أن السؤال أو الطلب من إبراهيم (عليه السلام) لإمامة ذريته، إنَّما يتناسب مع سؤال أو طلب الإمامة للمؤمن من ذريته، وحين يأتي النفي لوصول العهد إلى الظالم فهو نفي للظالم المؤمن، وهذا يدل على النقاء المطلق.

أو إلى أنَّ طبيعة هذه الهداية الربانية العملية التي تكون بأمر الله تعالى وباصطفائه وجعله، إنَّما تناسب الإنسان الذي يكون سعيداً ومهتدياً بذاته، دون أن يكون بحاجة إلى هداية غيره، وهذا يعني بلوغ درجة العصمة العالية التي تؤهله لهذه الهداية.

أو أن هذا الجعل الإلهي للإمامة والهداية الخاصة بعد الابتلاء والامتحان، إنَّما يتناسب مع هذا المستوى العالي الراقي من التكامل الإنساني، والذي تمَّ تأكيده بقوله تعالى: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

الرابع: أنَّ الإمامة هي مرتبة عالية أعلى من درجة النبوة التي كان عليها إبراهيم (عليه السلام) عند مخاطبته بهذا الجعل الإلهي، كما يبدو ذلك من بعض القرائن القرآنية من مخاطبته بها بعد الإبتلاء والامتحان، وهو ما تحقق بعد النبوة، ومن سؤال أو طلبه الإمامة لذريته، ولم تكن له ذرية إلاَّ في آخر عمره.

وهو ما تشير إليه الآيات الكريمة التي تحدثت عن الأنبياء السابقين، من أنَّ هذا الجعل كان بعد نبوتهم، وما تنص عليه بعض الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، مثل ما رواه الكافي عن الصادق (عليه السلام): Sإنَّ الله عز وجل اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وأن الله اتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً، فلما جمع له الأشياء قال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)، قال (عليه السلام): فمن عظمها في عين إبراهيم قال:  (... قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، قال (عليه السلام): لايكون السفيه إمام التقيّR([10]).

وعندما تكون الإمامة أعلى درجة من النبوة، فلابد أن تجتمع فيها أبعاد النبوة ومسؤولياتها بأعلى درجاتها، بل يمكن أن نقول: بأن الإمامة تمثل تطوراً وسمواً في حركة النبوة، يتناسب مع تطور الإنسان في إدراكه وفهمه للحياة والمشاكل التي تواجهه في هذا الفهم، وتطور المجتمع الإنساني في علاقاته ومشاكله الحياتية، بحيث يتحول دور النبي فيها من دور الإخبار وبيان الحقائق وحمل الرسالة الإلهية إلى الناس وإبلاغها لهم، إلى دور أعظم وهو: دور التجسيد العملي الاجتماعي لهذه الرسالات، بحيث يصبح هادياً لهم من خلال ذلك أيضاً، ودور التزكية والتطهير والتعليم وإقامة الحق والعدل بين الناس، وحل مشاكلهم والحكم في ما يختلفون فيه.

الخامس: إنَّ هذه الإمامة هي إمامة عالمية وللناس جميعاً، وليس خاصة بالقوم والجماعة أو المنطقة والإقليم، بل هي للناس  (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً).

وهذا جانب آخر من تطور النبوة في مساحة عملها وحركتها الخارجية، وليس في آفاقها النظرية، إذ يمكن أن نفترض أنَّ النظرية كانت عامة، ولكن لم تأخذ طريقها إلى الواقع من خلال حركة النبوة الخارجية.

وهذا البعد يلقي بظلاله على محتوى ومفهوم هذه الإمامة، بحيث تكون قادرة على الوفاء بجميع هذه الحاجات الإنسانية.

أبعاد الإمامة في نظر أهل البيت (عليهم السلام):

وانطلاقاً من هذا الفهم للنصوص القرآنية، يمكن أن نلخص أبعاد الإمامة في نظر أهل البيت (عليهم السلام)، بحيث تمثل نظرية الإمامة في مدرسة أهل البيت:

الأول: بُعد الاصطفاء والإجتباء والإختيار من قبل الله تعالى للإمام، كما هو الحال في النبوة ـ أيضاً ـ وذلك من أجل القيام بالمهمات الخاصة التي اصطفى الله سبحانه وتعالى من أجلها الأنبياء والأولياء، والتي أشار إليها القرآن الكريم في مواضع عديدة مثل: الشهادة والهداية وإبلاغ الرسالات والبشارة والإنذار والتزكية والتعليم وإقامة القسط والعدل بين الناس.

ولكن الإمامة في الحالات التي تنفصل فيها عن النبوة، قد تكون أدنى من النبوة في بعض هذه المجالات، كمجال إبلاغ أصل الرسالة الإلهية عن الله تعالى، ولأنَّها ميزة النبوة، وهي أرقى من النبوة في بعض المجالات الأُخرى كالتزكية والتعليم وإقامة القسط والعدل بين الناس.

وهذا البعد يمكن أن نفهمه من الجعل والاصطفاء للأنبياء، كما ذكرنا سابقاً.

الثاني: الاستمرار والامتداد لمهمات الرسالة الإلهية، عندما لا يتسع زمان الرسول صاحب الشريعة للوفاء بالقيام بمهماته كاملة، لأن عمر الرسول ـ عادة ـ يكون أقصر من عمر الرسالة، وبذلك قد تستمر الرسالة من خلال الأنبياء التابعين للأنبياء أولو العزم، أو من خلال الأئمة عندما تنقطع النبوة، كما في الرسالة الخاتمة، أو عدم الحاجة إليها في بُعد الإبلاغ.

ويمكن معرفة هذا البُعد من آية (إمامة إبراهيم (عليه السلام))، فيما تبادر إلى ذهن إبراهيم من بقاء الإمامة واستمرارها، مما أثار السؤال عن استمرارها في ذريته، حيث جاء الجواب الإلهي مؤكداً لذلك، كما سوف نشرحه في توضيح النظرية.

الثالث: الإمتياز بالعلم والأخلاق والصفات الروحية المكتسبة ـ عادة ـ من خلال الممارسة والتجربة والامتحان والابتلاء، بحيث يكون المتقدم في ذلك على أهل زمانه، فهو أعلمهم وأفضلهم في صفات الكمال.

وليس من الضروري أن تكون هذه الصفات مكتسبة، بل قد تكون منحة إلهية ـ كما سوف نشير ـ ولكن من الضروري أن تكون ثابتة فيه، ليكون مؤهلاً لهذه الإمامة.

وهذا البُعد يمكن أن نستفيده مما أشارت إليه الآية وغيرها، من أنَّ هذا الاستحقاق بسبب هذا التأهيل: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ... (، إذ يفهم منه أنَّ الابتلاء بالكلمات كان السبب في هذا الجعل والتأهيل له.

وكذلك ما ورد من قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا...)، حيث يفهم منه أنَّ الصبر كان وراء هذا الاستحقاق.

ويؤكد ذلك ما يفهم من الآية وورود التصريح به، وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام)، من أن الإمامة أعلى درجة من النبوة.

الرابع: الولاية والحكم والإدارة لشؤون الناس، لإقامة الحق والعدل والقسط بينهم، لأنَّ من يتقدم الناس في هذا الأمر، ويتصدى له منهم ويتحمل مسؤوليته بالاصطفاء الإلهي له، لابد أن يكون مستحقاً لهذه الولاية والإدارة والحاكمية.

وهو بُعد يمكن أن نستنبطه من الآية الكريمة، ومن الآيات الأُخرى التي أكدت وجوب الطاعة للرسول ولأولي الأمر، وذكرت قيام الناس بالقسط والحكم فيما يختلفون فيه هدفاً لإرسال الرسل وبعثة الأنبياء، قال تعالى:

Pلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ...O([11])، وقال تعالى: Pكَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ...O([12]).

الخامس: وجوب الحب والولاء والمودة الخاصة والتقديس والتعظيم للإمام بما يتناسب مع مواصفاته الإيمانية الممتازة ومسؤوليته الإلهية الخطيرة، كما تشير إلى ذلك الآيات الكثيرة التي دلت على حب الرسول، وأنه حب لله تعالى وولائه وتقديسه وتعظيمه...

السادس: أنَّ الإمامة والإمام يمثل التكامل الإنساني في مسيرة البشرية، والهدف الذي خلق الله الإنسان على الأرض من أجل تحقيقه والدرجة العليا في المصير الأخروي، وهو ما تشير إليه الآية الكريمة وتذكره بصورة أوضح آية جعل الخلافة للناس على الأرض، في قوله تعالى: P وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً... O([13])، وكذلك الآيات التي تتحدث عن السبب في خلق الإنسان والجن، قوله تعالى: Pوَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِO([14]).

وذلك لأنَّ الإمام هو الذي يتقدم مسيرة الإنسانية كلها ليهديها إلى هذه الأهداف، فلابد أن يكون المثال الكامل الذي نقتدي به في هذا الطريق.

إنَّ هذه الأبعاد التي يمكن أن نستنبطها من القرآن الكريم تمثل أبعاد نظرية أهل البيت (عليهم السلام)، وهو موضوع بحثنا الذي سوف نتناوله ـ بإذن الله ـ بقسميه:

الأول: استعراض النظرية وتصورها.

الثاني: الاستدلال عليها.

والله ولي التوفيق والسداد

نظرية الإمامة

الفصل الأول

ضرورة الإمامة:

السؤال الأول: لماذا كان من الضروري أن تستمر الرسالة الإسلامية من خلال (الإمامة)، مع أن هذه الرسالة هي رسالة خاتمة، ثم لماذا لم يكن هذا الإستمرار بهذه الصورة في الرسالات السابقة، بل كان من خلال النبوات التابعة؟

أما عدم الإستمرار من خلال النبوات التابعة، فلأن الاستمرار للنبوة في الرسالات السابقة كان أمراً طبيعياً، وذلك للوصول بالرسالة والإنسانية معاً إلى مرحلة التكامل الرسالي والإنساني، فكان من الضروري أن يأتي أنبياء تابعون للرسالة الإلهية التي يرسل الله تعالى بها نبياً من الأنبياء أولي العزم، لأن الرسالات الإلهية كانت تتعرض إلى التحريف فيها لدرجة تفقدها دورها الرسالي المطلوب من ناحية، كما أن الرسالات لم تبلغ التكامل الرسالي المفروض الذي بلغته في الرسالة الخاتمة من ناحية أخرى، والإنسانية لم تبلغ مرحلة التكامل الرسالي في ثبات الأصول والمبادىء الأساسية للرسالات الإلهية في مسيرتها من ناحية ثالثة، فنحتاج إلى هذه النبوات التابعة التي قد يندمج فيها دور النبوة والإمامة في بعض الأحيان، وقد ينفصل حسب طبيعة المرحلة والزمان، فنشاهد: أنبياء دون إمامة لإبلاغ الرسالة وبيان أو كشف ما تعرضت له من تحريف.

أو أوصياء دون نبوة، ليكون دورهم هو مواصلة دور النبوة السابقة المحدود.

أما في الرسالة الخاتمة وبعد فرض تكاملها الرسالي والإنساني معاً، سواء على مستوى النظرية أو ثبات الأصول والمبادىء الأساسية للرسالة، فنحن لسنا بحاجة إلى أنبياء تابعين يبلغون الرسالة، ولذا أنقطعت النبوة في الرسالة الإسلامية([15]).

 وأما لماذا كان هذا الإستمرار من خلال خط الإمامة في الرسالة الخاتمة دون النبوة؟

فقد أشرنا في حديثنا إلى أن الحاجة في الرسالة الخاتمة إلى الإستمرار والبقاء ـ بسبب أهميتها وجلالتها وسموها وامتيازاتها على الرسالات السابقة ـ أكثر من الحاجة بالنسبة إلى الرسالات السابقة، لأنها الرسالة الأهم والأعظم، فكيف لا تحتاج إلى من يتابعها، مع أن الرسالات الأقل إحتاجت إلى مثل هذه المتابعة؟!

ولكن هذه المتابعة ليست على مستوى مواصلة إبلاغ الرسالة، أو المحافظة عليها من التحريف، والسبب في ذلك:

إما على مستوى إبلاغ الرسالة، فإنَّ الرسالة قد أصبحت من حيث مضمونها ومحتواها الرسالي رسالة خاتمة وكاملة، ولا تحتاج عندئذ إلى متابعة على مستوى (الأنبياء) لبيان أصل الرسالة وتثبت الأصول لها، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكملها في بلاغها وعرضها على الناس، وقد صرح القرآن الكريم بذلك: Pالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناًO ([16])، إذن، فالرسالة الخاتمة من هذه الناحية لا تحتاج إلى إكمال ومتابعة على مستوى البلاغ والتبشير والإنذار الذي يتحمله الأنبياء التابعون عادة، لمعالجة الإنحرافات وتثبيت الأصول والأسس، نعم قد تحتاج إلى إكمال بيان بعض التفاصيل، ولكن ذلك وحده لا يفسر الحاجة إلى (الإمامة) ودورها الكبير في النظرية الإسلامية.

وأما على مستوى المحافظة عليهامن التحريف، فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تختص الرسالة الإسلامية من بين الرسالات الأخرى بضمانات ووسائل الحفظ من الضياع والتحريف المطلق في مضمونها، وذلك من خلال عدة عناصر أساسية ومهمة، يأتي في مقدمتها القرآن الكريم، والمحافظة عليه من التحريف والزيادة والنقصان، ببركة قيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتدوينه، وكذلك وجود العدد الكبير من الصحابة الأفذاذ الصالحين وفي مقدمتهم الإمام علي (عليه السلام)، الذين تمكنوا من حفظ القرآن في الصدور، وغير ذلك من الأسباب الغيبية أو المادية Pإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَO ([17])، ولاشك أن لوجود أهل البيت (عليهم السلام) دور مهم وعنصر أساس ـ أيضاً ـ في ذلك ([18]).

وهي بذلك لم تعد بحاجة إلى نبوات تابعة كما ذكرنا.

ولكن مع ذلك كله، تبقى الرسالة الإسلامية الخاتمة بحاجة إلى وجود متابعة لهاعلى مستويات أخرى مهمة، ومن أجل ذلك كان وجود الإمامة وإستمرار الرسالة من خلالها ضرورة لازمة.

ولتوضيح ذلك، أشير إلى ثلاث نقاط رئيسية، لابد من الإهتمام بها ومتابعتها وبحثها بدقة:

الإمامة والإختلاف في العبادة:

النقطة الأولى: أن الأنبياء عندما يرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى عباده كانوا يقومون بمهمات ذات بعدين رئيسيين:

أحدهما: البلاغ والإنذار لهؤلاء الناس فيبيّنوا الرسالة بتفاصيلها المطلوبة، وهذا ما قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرسالة الخاتمة، وقام به الأنبياء السابقون ـ أيضاً ـ في الرسالات الأخرى.

ثانيهما: مواجهة ظاهرة الإختلاف في المجتمع الإنساني والعمل على حله، لأن الله تعالى يقول: P...فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ...O([19]).

وتدخل مهمة التزكية والتطهير ومهمة التعليم، كنتيجة لهاتين المهمتين الرئيسيتين.

إذن، قضية الإختلاف هي قضية مهمة جداً يواجهها الأنبياء في عملهم وحركتهم ويتحملون مسؤولية حلها.

والإختلاف هنا هو أختلاف في المثل العليا التي يتخذها هؤلاء الناس للعبادة وفهمهم للحياة والكون وحركتهم الاجتماعية، حيث يتخذ هؤلاء الناس لهم الآلهة المصطنعة ـ والمثل المحدودة، أو التكرارية([20])، والأسماء المزيفة المستلهمة من القوى الموجودة في هذا الكون، أو الشهوات والأهواء والميول، أو الطغاة والمستكبرين والمترفين، أو من تقليد الأباء والأجداد ـ يعبدونها من دون الله.

ولما كان عمر الرسول محدوداً ـ عادة ـ لايستوعب الزمان الكافي لحل هذا النوع من الأختلاف خارجياً، بحيث يمكّنه من إزاحة جميع العوائق والموانع التي تقوم أمام الرسالة في حركتها الاجتماعية والإنسانية، تصبح الرسالة بحاجة إلى قيادة (معصومة) للحركة الاجتماعية وإدامة العمل لحل هذا النوع من الإختلاف، وهذه الحاجة ثابتة في كل الرسالات الإلهية، فكيف إذا كانت الرسالة رسالة خاتمة طويلة الأمد، يراد لها أن تعم الأرض كلها، وتزيل جميع الآلهة المصطنعة، والأمثلة التي يبتدعها الإنسان وتنتصب في وسط طريق التكامل الإنساني.

لذا كانت الحاجة قائمة لوجود القائد وهو الإنسان الكامل الذي نعبر عنه بـ(الإمام)، ليقود خارجياً معركة تحرير الإنسان من كل هذه الآلهة والقيود، وتحقيق العبادة المطلقة لله تعالى، دون غيره من الآلهة، وهو المثل الأعلى للحق، لأن معركة التحرير هذه تحتاج إلى شخص يتصف بالاستيعاب الكامل والرؤية الواضحة للرسالة من ناحية، والشعور العالي بالمسؤولية أمام الله تعالى في إدامة المعركة من ناحية ثانية، والإدارة القوية في إدارة المعركة التي تعتمد على جهاد النفس من ناحية ثالثة.

وهذا السبب هو ما أشار إليه الشهيد الصدر (قدس سره) في حديثه حول ضرورة الإمامة بعد الرسول، وقد أعطى الإمامة مضموناً شاملاً، يتحد مع النبوة أحياناً، عندما تكون الحاجة إلى النبي والقائد معاً، ويفترق عنها أحياناً أخرى، عندما تكون الحاجة إلى القائد وحده، ولكنه على أن يرتبط بهذه المهمة الخاصة وهي قيادة المعركة، وهو ما عبر عنه الشهيد الصدر (قدس سره) بقيادة المعركة التي يواجهها الأنبياء في المجتمعات الإنسانية، لإزالة كل الأمثلة المزيفة والآلهة المصطنعة الذي يخترعها الإنسان ويبتدعها، سواء كانت هذه الأمثلة المصطنعة والآلهة المزيفة عبارة عن طواغيت يحكمون بين الناس أو كانت شهوات وهوى يتحكم في مسيرة هؤلاء الناس، أو كانت أفكار منحرفة يختلقها الإنسان ويبتكرها، فيجعلها مثالاً له يقتدي ويهتدي به، فيتحول إلى إله يعبده من دون الله، كما قال تعالى: Pإِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍO ([21])، فهي معركة إزاحة هذه الآلهة المصطنعة عن طريق الهدى والصلاح والخير الذي يقوده الأنبياء ([22]).

وهذه المعركة عمرها أطول من عمر النبي، فإن عمر الرسول مهما طال زمانه، لا يستوعب زمان الإختلاف، لأن الله تعالى جعل قضية الإختلاف بين الناس سنّة من السنن الطبيعية التي تحكم حركة التاريخ في كل الأدوار، فقضية الأختلاف، قضية قائمة لا يختلف فيها زمان عن زمان، ولا تنتهي هذه القضية إلا بنهاية حركة البشرية، أو بلوغها سن الرشد الاجتماعي، والقرآن الكريم يشير إلى ذلك ـ أيضاً ـ في قوله تعالى: Pوَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ...O([23]).

إذن، فالمعركة ضد الإختلاف تحتاج إلى من يقودها، وزمنها أطول من زمن النبي، ولو كانت هذه المعركة تنتهي بزمن النبي كان يمكن للنبي أن ينهي المعركة ولا نحتاج إلى من يقودها من بعده، ولكنه لما كانت هذه القضية هي سنّة تحكم حركة التاريخ، فنحتاج إلى من يقود هذه المعركة، معركة إزاحة الآلهة المزيفة والمصطنعة أمام الحركة التكاملية للإنسان.

وقيادة هذه المعركة تارة تكون من قبل نبي يقوم بدور الإمام ـ أيضاً ـ كما في كثير من الأنبياء السابقين التابعين، وأخرى تكون من قبل الإمام الذي لا يتصف بعنوان النبوة لعدم الحاجة إليها، ولما كانت الرسالة الإسلامية هي الرسالة الخاتمة، الكاملة، المحفوظة، ونبوة محّمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نبوة بعدها، اقتضى أن يكون الدور للإمامة التي لا تتصف بالنبوة.

والشواهد التاريخية على هذه الحقيقة عديدة تؤكد النظرية التي أشارت إليها الآيات القرآنية المذكورة، وهذه الآيات تكفي أن تكون شاهداً ودليلاً عليها، ولكن الواقع التاريخي شاهد ـ أيضاً ـ على هذه الحقيقة، فإن ظاهرة الأختلاف ظاهرة قائمة وثابتة في التاريخ الإنسانيـ كما ذكرنا ـ كما أنها ظاهرة ثابتة في التاريخ الإسلامي في زمن النبي وبعده، ولا يمكن لأحد من الناس أن ينكرها أو يخفيها، فهذه القضية ليست مجرد قضية نظرية، وإنما هي قضية ذات واقع قائم في المجتمع الإنساني والإسلامي كله، وهذا هو ما نواجهه ـ أيضاً ـ في هذا العصر والزمان.

الإمامة والإختلاف في التأويل:

النقطة الثانية: إن الرسالات الإلهية تواجه ـ عادة مع غض النظر عن الإختلاف الأول الذي ذكرناه في النقطة الأولى ـ بعد ثبوتها ورسوخ أقدامها نوعاً آخر من الإختلاف وهو الإختلاف في تفسير هذه الرسالة، وفهم مداليها وتأويلها وتجسيد المصاديق الخارجية فيها، وهذا نوع آخر من الإختلاف، أشار إليه القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة التي تحدث فيها عن أهل الكتاب وما اختلفوا فيه من تأويل الكتاب، منها قوله تعالى: Pإِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌO([24]).  P... وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَO([25])، كما أن بعض الآيات القرآنية أشارت ـ أيضاً ـ إلى كلا النوعين من الإختلاف، كما في قوله تعالى: Pكَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍO([26]).

وهذا النوع من الإختلاف هو معركة أخرى تخوضها الرسالات الإلهية ـ عادة ـ وهو غير الإختلاف الناشىء من تحريف أصل الرسالة بمعنى ضياع بعض معالمها المهمة، والذى حفظ في الرسالة الإسلامية، فهو تحريف في التطبيق والفهم، ويحتاج ـ أيضاً ـ إلى قيادة معصومة في فهمها الكامل للرسالة وفهم مضمونها وآفاقها، وفي معرفتها لتفاصيلها التي لايمكن ـ عادة ـ للنبي أن يبينها لجميع الناس ـ كما تدل على ذلك شواهد كثيرة ([27]) ـ وكذلك معصومة في حرصها على الرسالة وقيمها ومُثلها ومبادئها وصبرها واستقامتها في هذا الطريق، وتحمّلها لمسؤوليتها وأعبائها.

وقد كان يتم ذلك ـ أيضاً ـ عن طريق النبوات التابعة من الرسالات الإلهية الأخرى، أو الأوصياء الذين كانوا يتحملون هذا الدور من الإمامة ـ أيضاً ـ وأما في الرسالة الخاتمة فقد تمحّض هذا الأمر في دور الأمامة.

وهذا النوع من الإختلاف هو الذي يفسر لنا ما ورد في أحاديث عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندما كان يتحدث مع علي (عليه السلام)، وغيره عن مستقبل الايام في التاريخ الإسلامي وتطورات الأحداث فيه، حيث كان يتحدث هناك عن معركتين إحداهما على (التنزيل) كان يقودها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواجهة المشركين وأهل الكتاب، ومعركة أخرى هي معركة على (التأويل) الذي كان يخبر الرسول عن دور الإمام علي (عليه السلام) في قيادتها، فقد روى سعيد بن المسيب، عن سعيد بن مالك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: S يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، تقضي ديني وتنجز عدتي وتقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل، يا عليّ حبّك إيمان وبغضك نفاق ولقد نبّأني اللّطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة، معصومون مطهّرون، ومنهم مهديّ هذه الأمة، الّذي يقوم بالّدين في آخر الزمان كما قمت به في أولهR([28]).

إذن، فهذه المعركة هي قضية حقيقية قائمة في التاريخ الرسالي والتاريخ الإسلامي وقد ذكرها القرآن الكريم على مستوى تاريخ الأنبياء ـ أيضاً ـ وأكدتها الأحداث التي جرت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كحقيقة من الحقائق التاريخية، أخبر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مستقبل الأيام.

الإمامة والولاية:

النقطة الثالثة: إن الرسالة الخاتمة إمتازت بإمتيازات عديدة لم تشبهها فيها الرسالات الإلهية السابقة وكان من جملة الإمتيازات في الرسالة الخاتمة ـ كما ذكرنا سابقاً ـ هو أن الله تعالى شاء أن يحفظ هذه الرسالة بمضمونها الرسالي بصورة كاملة من خلال القرآن الكريم، ولذا لم تحتاج إلى النبوات التابعة، أما الرسالات السماوية الأخرى فقد تعرضت للتحريف والضياع، لأسباب يطول الحديث فيها ([29]).

وكان أحد الإمتيازات المهمة ـ أيضاً ـ هو أنها تمكنت من أن تقيم الدولة الإسلامية (الكيان السياسي الإسلامي) في المجتمع الإنساني في عصر صاحب الرسالة وبعده.

فقد دعت الرسالات السابقة إلى إقامة الحق والعدل بين الناس وإلى تحكيم ما أنزل الله تعالى بين الناس، كما دعت الرسالات الإلهية الأُخرى إلى ذلك، فقد قال القرآن الكريم في سياق الحديث عن نزول التوراة: P... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَO، وقال في سياق الحديث عن نزول الإنجيل: P... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَO، كما قال في سياق الحديث عن نزول القرآن الكريم: Pوَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَO([30]).

إذن، فقضية الدعوة إلى إقامة الحكم بين الناس ليست خاصة بخصوص الرسالة الإسلامية، بل أن قضية إقامة الحكم بما أنزل الله بين الناس هي قضية ترتبط بكل الرسالات الإلهية.

ولكن شاء الله تعالى في حركة وتاريخ هذه الرسالات الإلهية أن يقوم الحكم بين الناس كحالة سياسية اجتماعية خارجية، نعبّر عنها بقيام الدولة الإسلامية، شاء الله تعالى أن يقوم ذلك في خصوص تاريخ الرسالة الخاتمة، دون بقية الرسالات الأخرى.

فنوح (عليه السلام) لم يتمكن من تحقيق قيام دولة إسلامية، ولو بمستوى الإسلام الذي جاء به نوح (عليه السلام).

كما أن إبراهيم (عليه السلام) وهو شيخ الأنبياء لم يتمكن أن يقيم هذا الكيان السياسي الإسلامي، وموسى (عليه السلام) شاء الله تعالى أن يقبضه إليه قبل أن يتمكن من إقامة هذا الكيان السياسي الإسلامي، بعد أن كان قد مهد له بإخراج بني إسرائيل من سلطة فرعون، وجاء بألواح التوراة، ليحقق ذلك، ولكنهم رفضوا الإستمرار في المسيرة ودخول الأرض المقدسة، لتحقيق هذه المهمة الإلهية الصعبة، فكتب الله عليهم أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة ([31]).

وكذلك الحال في النبي عيسى (عليه السلام)، حيث رفعه الله قبل أن يحقق هذا الهدف الإسلامي العظيم.

ولم يتمكن الحواريون من أن يقوموا بذلك ـ أيضاً ـ فولدت الرهبانية والإنعزال، وانحرفت المسيحية على يد بولس، عندما تحولت إلى الحكم والسلطان والقيصرية.

وشاء الله تعالى أن يكون ذلك من امتيازات نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

إذن، فهذا من الامتيازات الخاصة التي امتازت بها الرسالة الإسلامية ([32]).

إذن، فعندما تكون من خصائص هذه الرسالة وجود هذه الدولة، فهذه الدولة تحتاج إلى قيادة تقودها، وهذه القيادة لابد أن تكون في منذ البداية معصومة، ومن هذه التفاصيل تفسير ظاهرة قيام الدول التي أقامها بعض الأنبياء، كداود وسليمان(عليهما السلام)، وغيرهما من الأنبياء الذين أقاموا دولاً، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك، عندما يتحدث عن تفضيل ونعم الله على بني إسرائيل بقوله تعالى: (...إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً...)، المائدة: 20، فأن بعض هؤلاء الأنبياء أقاموا دولة، ولكن هذه الدولة التي أقاموها تختلف بحسب مضمونها وهويتها وخصوصياتها عن هذه الدولة الإسلامية التي أقامها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليس بحسب سعتها ودائرة وجودها وتفاصيلها، بل بحسب الهوية والمضمون ـ أيضا ـ وهذا بحث أشرت له بصورة موجزة ـ أيضاً ـ في بحث (العالمية والخاتمة والخلود) كصفات للرسالة الإسلامية.

ولكن بصورة اجمالية يمكن أن نقول: إن الدول التي أقامها هؤلاء الأنبياء أقاموها من خلال التحولات البشرية للقدرة والسلطان، فهي دولة ملك سلطان يمكّنه الله تعالى من القدرة في المجتمع، فيقيم حكم الله تعالى، لا أنها دولة أقيمت منذ البداية على أساس الحركة التغييرية للمجتمع الإنساني الذي تقودها الرسالة التي جاء بها هذا النبي، والصـراع السياسي والتغيير في المجتمع الإنساني، لإقامة حكم الله في الأرض.

فقد مكّن الله تعالى داود (عليه السلام) كقائد عسكري من أن يمسك بالقدرة، فيقيم ـ بطبيعة الحال ـ حكم الله، ولذا توجه إليه الخطاب الإلهي: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى...)، ص: 26، فمن الطبيعي أن يحكم بين الناس بالحق.

إذن، فكانت هناك قدرة بموجب طبيعة حركة انتقال السلطة بين الناس، ومن بعد هذه القدرة أقيمت هذه الدولة.

أما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أقام دولة الإسلام كمشروع طرحه منذ البداية، ثم أسسه وأقام دعائمه.

لتتخذ الدولة صيغتها الإسلامية الكاملة في التطبيق، المتميزة عن الصيغ الأخرى، وهذا إنما يتحقق من خلال الإمامة.

لأن مثل هذه الدولة، ومثل هذه التجربة لا يمكن أن تقاد وبصورة كاملة وصحيحة، بحيث تحقق كل الأهداف التي جاءت بها الرسالة، إلاّ بمثل هذه القيادة التي نعبّر عنها بالإمامة.

وهنا ينفتح أمامنا باب بحث الخلافة الإلهية، فأن بحث الخلافة الذي هو من الأبحاث الكلامية المهمة التي يتناولها علماؤنا، ويستدلون فيها على تشخيص من يتولى الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقوم بإدارة هذه الدولة، هذا البحث فيه بعدان:

بُعد يرتبط بالجانب العقائدي وهو إستمرار الرسالة في الإمامة وعصمة هذه الإمامة كعصمة الرسالة وهو ما نريد أن نشير إليه في هذه الحديث، وبُعد آخر يرتبط بالجانب التاريخي والسياسي والنصوص التي وردت في ذلك، والتحولات الاجتماعية والظروف السياسية التي اقترنت بهذا الموضوع، وهذا البعد له حديث آخر غير هذا الحديث ([33]). (1).

إذن، فنحن عندما نتحدث عن موضوع الخلافة، وأن هذه الخلافة لابد أن يقوم بها الإمام المعصوم، وتكون تجسيداً واستمراراً للحكم الإلهي النبوي، عندما نتحدث عن هذا الموضوع، لا نتحدث عن أمر تاريخي قد يقال عنه: أنَّه ذهب مع الزمن وانتهى وقته، وإنما نتحدث عن أمر عقائدي، يرتبط بفهمنا للإسلام وللرسالة الإسلامية، ولتكامل هذه الرسالة، وهذا قضية مهمة جداً.

إذن، فالنقطة الثالثة في ضرورة الإمامة، هي ضرورة وجود قيادة معصومة للحكم الإسلامي والكيان السياسي.

لأن هذا الكيان السياسيي من أجل أن يكون قادراً على تطبيق الحق والعدل على البشرية بصورة كاملة ودقيقة، تتناسب مع الهدف الكبير لهذه الرسالة الإسلامية، لابد له من وجود قائد معصوم لهذا الكيان السياسي الإسلامي حتى يمكن تحقيق هذا الهدف الكبير، ولذلك نعتقد بظرورة الإمامة المعصومة من أجل تحقيق هذا الهدف ([34]).

العصمة والإمام المهدي:

نحن نعتقد أنه بسبب عدم تولي الإمامة المعصومة لقيادة الحكم الإسلامي لتحقيق هذا الهدف العظيم في إقامة الحق والعدل الكامل، شهد التاريخ الإسلامي هذا القدر الكبير من الإنحراف في مجال تطبيق العدل والحق، بحيث جعل الرسالة الإسلامية كلها في موضع الشك والريب بسبب الظلم والاستبداد والطغيان الذي مارسه كثير من الحكام المسلمين في عدة قرون من الزمن، في العهود الأموية والعباسية والعثمانية، ولولا الفترة القصيرة للقيادة المعصومة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وللإمام علي (عليه السلام) التي تمكنت أن تبين الوجه الناصع الحقيقي لطبيعة الحكم الإسلامي، لكان مواجهة هذه الشبهة واقعياً وعملياً أمراً عسيراً، ولاسيما وأن فترة الخلافة الأولى بعد رسول الله التي كانت تتسم بالإعتدال النسبي، شهدت الإضطراب والتذبذب في صيغة الحكم الإسلامي، وفي النتائج المروعة التي انتهت إليها في مقتل الخليفة الثالث، ومن هنا كانت وجود فكرة الإمام المنتظر(عج) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فكرة مطروحة منذ البداية في الرسالة الإسلامية وهي مما يجمع عليها المسلمون.

نظرية الإمامة

الفصل الثاني

الإمامة في أهل البيت (عليهم السلام)

أما جواب السؤال الثاني: وهو أنه إذا سلمنا بضرورة استمرار خط الإمامة بعد الرسالة الخاتمة، فلماذا كان خط الإمامة مستمراً في خصوص أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه الأسرة الشريفة الطيبة الطاهرة، هل أن القضية مجرد قضية تشريف وتكريم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعلت الإمامة في أهله وأسرته، أو أن هناك شيئاً أهم وأعظم وأوسع من ذلك بالنسبة لاستمرار الإمامة في أهل البيت (عليهم السلام)  ؟

كان يمكن أن يفترض نظرياً أن يكون الأئمة المعصومون في أسرة ووسط آخر غير هذا البيت الشريف، كما عرفنا في التاريخ الإنساني والرسالي وجود أسر وجماعات أخرى كان فيها أئمة معصومون، كما هو الحال في إسحاق وإسماعيل من ذرية إبراهيم (عليه السلام)، وكما في الأنبياء من ذرية يعقوب الذي يسمى في القرآن الكريم بإسرائيل، فأن هؤلاء كانوا يتصفون بالعصمة ـ أيضاً ـ وكان بعضهم له دور الإمامة في حركته الرسالية، ومن ثم فلماذا كان إختصاص الإمامة في خصوص أهل البيت (عليهم السلام)، فهل أن القضية ـ كما أشرنا ـ هي قضية تكريم وتشريف لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره الرسول الخاتم، فأراد الله تعالى أن يكرَّمه ويشرّفه بذلك، ويجعل ذلك نعمة منه سبحانه وتعالى على هذا العبد الصالح الذي أفنى كل وجوده في سبيل الإسلام وفي سبيل الله وفي سبيل تكامل مسيرة الإنسان، أو أن تكون القضية تعويض إلهي عن الجهود التي بذلها في سبيل الله والحق والعدل والإنسانية، كما قد يفهم ذلك من قوله تعالى:

 

(...قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) ([35])، فيكون أجراً له على ذلك، وإنما اختص هذا الأجر به دون بقية الأنبياء الذين أكد القرآن على أنهم لا يبغون أجراً على رسالتهم إلا الإيمان بالله تعالى، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بذل جهداً لم يبذل مثله أحد من الأنبياء، وقد تحمل من الآلام والمحن ما لم يتحمله أحد قبله ولا بعده... أو أن هناك شيئاً آخر غير موضوع التكريم والتشريف ([36])؟

 

هنا يمكن أن نشير بهذا الصدد إلى عدة نقاط ـ أيضا ـ مع قطع النظر عن الروايات التي وردت في هذا الموضوع والإستدلال على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)  من خلال النصوص الشريفة التي دلت على إمامتهم ([37]).

التكريم والتشريف:

النقطة الأولى: هي قضية التكريم والتشريف التي أشرنا إليها في طرح السؤال، حيث نلاحظ من خلال القرآن الكريم ومسيرة التاريخ الرسالي لكل الرسالات الإلهية أن الله تعالى شاء بلطفه وكرمه وفضله على أنبيائه بأن يجعل من ذرياتهم أئمة وهداة يقومون بهذا الواجب الإلهي تكريماً لهم ونعمة منه تعالى عليهم، وكان هذا التكريم في الوقت نفسه رغبة وأمنية من أمنيات الأنبياء أنفسهم، تعبر عن حالة فطرية في الإنسان الكامل هي الإتجاه والرغبة إلى البقاء والإستمرار من خلال ذريته الصالحة، وقد أكد هذه الحقيقة الفطرية القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة في عدة مواضع ([38]).

إذن، فهذه القضية هي قضية ترتبط بكلا الجانبين، الجانب الإلهي الخالق المنعم الكريم الجواد المتفضل على أنبيائه، المجيب لدعائهم وندائهم، وبالجانب الإنساني العبودي، المتمثل بهؤلاء الأنبياء الذين أخلصوا لله تعالى في العبودية ـ أيضاً ـ فأنه من جملة إخلاصهم وإحساسهم بالعلاقة الأكيدة مع الله تعالى، إنهم كانوا يتمنون على الله ويرجون منه ويدعونه في أن يجعل من ذرياتهم أئمة وهداة، يضمن لهم البقاء والإستمرار في عبوديتهم لله تعالى ودورهم ومهمتهم في الحياة الإنسانية.

فهذا إبراهيم (عليه السلام) وهو شيخ الأنبياء، عندما خاطبه الله تعالى وابتلاه بكلمات من عنده، فجعله إماماً للناس (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ...(، كان أول شيء يطرحه على الله تعالى ويرجوه منه، أو يسأل عنه، عندما يحملّه الله تعالى هذه المسؤولية، هو أن تكون هذه الإمامة في ذريته ـ أيضاً ـ (... قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)([39]).

وكذلك الحال في إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) وهما يقيمان دعائم البيت (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) هؤلاء في البداية يطلبون القبول من الله تعالى لهذا العمل العظيم، ثم يدعوانه تعالى أن يكونا مع ذريتهما من المسلمين المهتدين المنيبين إليه المقبولين لديه، (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ثم لا يكتفون بأن تكون هذه الذرية ذرية مسلمة مهتدية مقبولة، بل تترقى هذه الدعوة بأن يطلبوا أن تكون هذه الذرية ذرية تتحمل مسؤولية النبوة والرسالة ـ أيضاً ـ

) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُO([40]).

ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يفتخر ويقول: (أنا دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام)) ([41])، يعني كان يرى نفسه في تحمله لهذه الرسالة إن ذلك كان إستجابة لدعوة إبراهيم (عليه السلام) عندما كان يرفع القواعد في البيت.

 

الإمامة في الذرية سنّة:

النقطة الثانية: إننا نلاحظ في دراستنا لتاريخ الأنبياء والمرسلين، أن هذا التكريم قد تحول إلى سنّة من السنن الواضحة في التاريخ الرسالي، وذلك عندما نرجع إلى القرآن الكريم ومفاهيمه وآياته وتصوره لحركة الرسالات الإلهية والأنبياء، ومن ذلك ما نقرأه في قوله تعالى: Pوَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍO([42])، فعندها نجد أن القرآن الكريم يتحدث عن إبراهيم (عليه السلام) وكيف جعل الله تعالى في ذريته النبوة، ويذكر مجموعة من أسماء الأنبياء من ذريته بدون ترتيب زماني، ثم يشير إلى أمرين يمكن أن نفهم منهما هذه السنة التاريخية:  أحدهما: الإنتقال بالإشارة إلى نوح (عليه السلام) (وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ) ليربط هذا التاريخ بما قبل إبراهيم (عليه السلام).

ثانيهما: تعميم النعمة على الآباء والذريات والأخوان، مما يفهم منه القانون العام (وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ وَذُرِّيَّـتِهِمْ وَإِخْوَ نِهِمْ).

وهكذا ما ورد في سورة مريم، عندما تحدث القرآن الكريم عن مجموعة من الأنبياء: إبراهيم وبعض ذريته وإدريس قبل إبراهيم ثم يختم الحديث بالقانون العام (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيّاً)([43]).

والشيء نفسه ـ أيضاً ـ يذكره القرآن الكريم في سورة الحديد، ولكن على نحو الإشارة، وذلك عندما يتحدث عن نوح وإبراهيم (عليهما السلام)، حيث جعل في ذريتهما النبوة، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) ([44]).

وموارد أخرى لا يسع المجال لتفصيلها.

إذاً فهذه من السنن التي كانت تحكم مسيرة الرسالات الإلهية، فلا نرى غرابة في أن هذه السنّة تجري ـ أيضاً ـ في هذه الرسالة الخاتمة، بل هي امتداد لسنّة إلهية، شاء الله أن يجعلها حاكمة على مسيرة الأنبياء والمرسلين منذ بداية الرسالات الإلهية وإلى نهايتها.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الإمامة بدأت من نوح (عليه السلام) ـ كما يذهب إلى ذلك العلامة الطباطبائي (قدس سره) وأستاذنا الشهيد الصدر (قدس سره) ـ فقد نرى أن التأكيد في القرآن الكريم على نوح وإبراهيم (عليهما السلام)، وجعل النبوة في ذريتهما، إنما هو إشارة إلى قضية الإمامة واستمرارها في ذرية هذين النبيّين، ولا سيما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ـ أيضاً ـ من ذرية إبراهيم (عليه السلام)، حيث أنه ينتمي إلى إسماعيل (عليه السلام)، وإسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام) ونبينا هو دعوة إبراهيم (عليه السلام)، وبذلك تصبح القضية مرتبطة تماماً بهذه السلسلة المباركة للأنبياء من ناحية، وهذه السنّة التي كتبها الله تعالى في الرسالات الإلهية، وهي سنة التكريم والتشريف لهم، والنعمة الإلهية عليهم.

حكمة الإمامة في الذرية:

النقطة الثالثة: التي يمكن أن يشار إليها بهذا الصدد وهي أن قضية التشخيص في أهل البيت (عليهم السلام)، ليست مجرد عملية تكريم وتشريف وفضل ونعمة أنعم بها الله تعالى على أنبياءه، بل أن وراء ذلك أموراً أخرى، يمكن أن نلاحظها عندما نريد أن ندرس هذه الظاهرة؟ وهي أمور ذات أبعاد: غيبية، وتاريخية، ورسالية، وإنسانية.

وهذه الأبعاد التي يمكن أن نلاحظها من خلال دراستنا للقرآن الكريم ومراجعتنا ومطالعتنا للرسالة الإسلامية قد تفسر النقطتين السابقتين، ببيان الحكمة في هذا التكريم الإلهي وهذا الإتجاه الفطري في الإنسان الذي تحول إلى سنة في مسيرة الأنبياء، والله سبحانه وتعالى أعلم.

البعد الغيبي:

متمحضاً في الجانب المادي فقط، وإنما فيه عنصر غيبي، وهذا العنصر الغيبي امتياز، شاء الله تعالى أن يتعامل معه ـ أيضاً ـ من خلال الغيب، بمعنى أن هناك الكثير من الأسرار في حركة الإنسان وحركة التاريخ الإنساني ترتبط بالغيب، ولم يشأ الله تعالى أن يكشف هذه الأسرار للإنسان في هذا العالم، ولكن قد يكون لهذه الأسرار أثر في تكامل حركة الإنسان في حياته الدنيوية التي لها إرتباط ـ أيضاً ـ بالغيب في هذا العالم المشهود، وكذلك التكامل في حياته الأخروية، لأن الحياة المادية الدنيوية لهذا الإنسان هي حياة محدودة، والحياة الحقيقية ـ كما يعبر القرآن الكريم ـ إنما هي الحياة الآخرة، (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)([45])، وهي الحياة الممتدة الطويلة الأبدية الخالدة، وهذه الحياة الحقيقية هي حياة غيبية.

فهناك الكثير من الأسرار ذات العلاقة بالإنسان، وحياة هذا الإنسان لم تكشف لهذا الإنسان، ولها تأثير في حياته في العالم الآخرة، بل ومن خلال حركة الإنسان ـ أيضاً ـ في هذه الدنيا.

وهذا الأمر لابد أن نؤكد عليه دائماً في تفسير الكثير من الظواهر الإنسانية، فانه لا يمكن أن نفسر الظواهر الإنسانية بالتفسيرات المادية فقط، لوجود الجانب الغيبي في الإنسان، ومن ثم فلابد أن نفترض وجود جانب من التفسير يرتبط بهذا الغيب.

وهذا الأمر ليس مجرد فرضية واحتمال عقلي، وإنما يمكن أن نجد له شواهد من القرآن الكريم ـ أيضاً ـ فقد أشار القران الكريم إلى هذا الجانب الغيبي في الإنسان وحركته التكاملية ـ كما ذكرنا ـ ومن ثم فيمكن أن نفترض في أهل البيت (عليهم السلام)  ـ كما ورد في النصوص والروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل البيت (عليهم السلام)  ـ وجود أسرار غيبية ترتبط بجعل الإمامة بأهل البيت (عليهم السلام)، لها تأثير في حركة الإنسان وتكامل هذه الحركة.

أما الشواهد القرآنية التي تتحدث عن ارتباط الحركة التكاملية للإنسان بالغيب، فهو ما نلاحظه في مجموعة من المؤشرات:

الأول: ما ذكرناه من أن الله تعالى خصّ الإنسان من دون جميع الكائنات بهذا الوصف الخاص وهو أنه نفخ فيه من روحه.

إذن، فهذا الإنسان موجود ومخلوق يختلف عن بقية الكائنات التي لم توصف بمثل هذا الوصف، وترتبط بالله تعالى هذا الربط في جانب الخلقه.

الثاني: ما يشير إليه القرآن الكريم في مجال خلق الإنسان من أن الله تعالى عندما خلق الإنسان، أخذ عليه عهوداً ومواثيق في عالم الغيب، وليس في عالم الشهود والعالم المادي فقط، كما يبدو ذلك من القرآن الكريم، قال تعالى:

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) ([46])، يعني أن الله تعالى انتزع من ظهور هؤلاء الناس ذريات، ثم بعد ذلك أشهدهم على الحقيقة العظمى في هذا الكون والحياة وهي (الربوبية).

وهذه الشهادة التاريخية، لا ندركها الآن كأفراد نعيش الحالة المادية، فلا ندرك ونتذكر هذا الجانب من الشهادة والعهد والميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على بني آدم في ذرياتهم، وشهدوا واعترفوا بذلك، وأنه سوف يحاسبهم الله تعالى في يوم القيامة ـ أيضاً ـ على هذه الشهادة، لئلا يقول الإنسان في يوم القيامة إني كنت غافلاً عن ذلك، فتكون الحجة لله.

نحن الآن لاندرك ذلك بصورة مشهودة، فهو أمر غيبي في خلق الإنسان، نعم قد ندرك بفطرتنا وبوجداننا هذه الحقيقة المعبرة عن هذا الجانب الغيبي وهذا الإعتراف بالحقيقة الإلهية، عندما تكون الفطرة سليمة، ولكن هذا المشهد الذي يشير إليه القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة لا نحس به في حالتنا المادية ـ وإن كنا ندرك الحقيقة في وجداننا وفطرتنا، من خلال إيماننا بالله تعالى والإعتراف بالربوبيه له تعالى ـ وإنما هو مشهد غيبي يتحدث عنه القرآن الكريم في أصل خلق الإنسان، ومن ثم فهناك عنصر غيبي يتحكم في هذا الجانب.

الثالث: والذي يمكن أن نستنبطه من القرآن الكريم ـ أيضا ـ هو حديث القرآن الكريم الواسع والكثير، الذي يمتد في عدد كبير من الآيات والمناسبات والآفاق حول (الإصطفاء) و (الإجتباء) في حركة التاريخ.

 

القرآن الكريم في آيات كثيرة ومنها قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ([47])، يتحدث عن ظاهرة الإصطفاء كظاهرة غيبية، وقضية من القضايا الإلهية الغيبية التي لا تخضع للتفسيرات المادية سارية ـ أيضاً ـ في حركة التاريخ، اصطفى الله تعالى آدم اصطفاءاً خاصاً، واصطفى نوحاً، ثم اصطفى إبراهيم وآل إبراهيم، ثم اصطفى عمران وآل عمران، وكذلك أكد القرآن الكريم أن هذا الإصطفاء ليس أمراً واقفاً على هذه الأسماء وهذه الجماعات، وإنما هو قضية ذات إمتداد في الذرية، ذرية بعضها من بعض، يعني حركة تاريخية تتحرك فى التاريخ الإنساني، يمكن أن نسميها حركة الإصطفاء، وكذلك قد تكون حركة في الأسرة أو في الجماعة والأمة.

 

إذن، فلماذا لا يمكن أن نفترض وجود هذه الحركة وهذا العامل الغيبي في إصطفاء الله تعالى لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ـ أيضاً ـ ما يشير إليه القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: (... إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ([48])، ويتم تأكيد ذلك ـ أيضاً ـ في آية المباهلة وغيرها.

 

إذن، فيمكن أن يكون هذا سرّاً من الأسرار الإلهية الغيبية التي لها دلالات معروفة ـ كما سوف نشير إلى بعضها ـ ولكن لها ـ أيضاً ـ دلالات وآثار في حركة التاريخ، وتكامل الإنسان الدنيوي لا نعرفها في فهمناالمادي المحدود لحركة التاريخ، ويكون لها ـ أيضاً ـ أبعاد في مستقبل حياة الإنسان الأخروية.

البعد التاريخي:

البعد الثاني: البعد التاريخي، وقد أشار الشهيد الصدر (قدس سره) ـ في ما كتبه حول خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ـ إلى هذا البعد التاريخي، إذ يذكر إننا نلاحظ في تاريخ الأنبياء والرسالات الإلهية أن الله تعالى اختار الأوصياء والقادة ـ كما يعبّر الشهيد الصدر (قدس سره) ـ من أؤلئك الأقربين للأنبياء من أقاربهم أو ذرياتهم، وهذا نص كلامه: (في تاريخ العمل الرباني على الأرض نلاحظ أن الوصاية كانت تعطى غالباً لأشخاص يرتبطون بالرسول القائد إرتباطاً نسبياً أو لذريته ([49]).

 

وهذه الظاهرة لم تتفق في أوصياء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فحسب، وإنما هي ظاهرة تاريخية اتفقت في أوصياء عدد كبير من الرسل ويشير الشهيد الصدر (قدس سره) كشاهد على هذه الحقيقة إلى الآيات القرآنية، كقوله تعالى:  (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ...) ([50])، وكذلك قوله تعالى: في الآيات السابقة 83 ـ 87 من سورة الأنعام.

 

إذن، فهذه ظاهرة تاريخية، ومن ثم فقد طبقت ـ أيضاً ـ على رسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بأعتبار أن الرسالة الخاتمة وإن كانت هي رسالة كاملة وبكمالها تتميز على الرسالات السابقة، ولكن هذه الرسالة الخاتمة هي في الحقيقة إمتداد لتلك الرسالات الإلهية، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء من أجل أن يصدِّق تلك الرسالات، ثم يهيمن عليها، وقد ورد في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يؤكد ذلك، وأن ما تشهده هذه الرسالة الخاتمة يتطابق تماماً مع ما شهدته الرسالات السابقة حتى جاء التعبير في مقام التطبيق الكامل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لتركبن سنّة من كانت قبلكم حذو النعل بالنعل... ) ([51]).

 

إذن، فإذا كانت هذه الظاهرة هي ظاهرة تاريخية في الرسالات الإلهية، وهو أن تكون الوصاية في أقرباء النبي القائد، فلماذا تختلف الرسالة الإسلامية ـ بعد فرض ضرورة الإمامة واستمرارها ـ عن هذه الظاهرة التاريخية التي هي موجودة في كل الرسالات الإلهية؟!

ولكن هذه الظاهرة التاريخية تحتاج إلى تفسير تاريخي، ولعل ذلك ـ والله العالم ـ لأحد أمرين:

الجذر التاريخي ودوره:

الأمر الأول: أن الوصي والإمام عندما يكون له هذا الجذر التاريخي والإرتباط النسبي بالرسالة، يكون إحساسه بالإنتماء إليها وشعوره بالمسؤولية تجاهها، متجذراً بدرجة عالية جداً، وذلك حينما يرى في نفسه فرعاً من شجرة طيبة أصيلة، تمتد في جذورها الرسالية عبر القرون في التاريخ الرسالي والإنساني، وتمده بالعزم والإرادة والصبر والصمود والقدرة على تحمل المحن والآلام والشدائد والإنتصارات والتقدم والبركة الإلهية التي شهدتها هذه الشجرة الطيبة في تاريخها.

ويؤكد هذا التفسير عدة مؤشرات، يمكن أن نلاحظها في القرآن الكريم:

 

الأول: تأكيد القرآن الكريم على الجذر التاريخي للرسالة الإسلامية، مع أن الرسالة الإسلامية هي أفضل الرسالات الإلهية، وهي الرسالة المهيمنة عليها ـ كما ذكرنا ـ وهي الرسالة الخاتمة، ورسولها أفضل الأنبياء على الإطلاق، ومع ذلك كله كان القرآن الكريم يؤكد على هذا الجذر التاريخي والإنتماء للأنبياء السابقين، ولا سيّما إبراهيم (عليه السلام) الذي ينسب إليه القرآن الكريم الإسلام في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *  وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)([52]).

 

بل أن إبراهيم (عليه السلام) هو الذي سمى الأمة الخاتمة بهذا الأسم منذ البداية، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)([53]).

 

الثاني: ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) ([54]).

 

فقد ذكرنا سابقاً أن وجود رسول الله كان بدعوة من إبراهيم (عليه السلام)، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يفتخر بأنه كان دعوة أبيه إبراهيم (عليه السلام).

 

الثالث: ذكْر القرآن الكريم لقصص الأنبياء وتأكيده أن أحد الأهداف لذلك هو تثبيت النبي، كما طلب الصبر والثبات منه تأسياً بالأنبياء السابقين (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) ([55]).

 

الأمر الثاني: أن سنة الله في التاريخ تكامل الرسالات الإلهية تدريجياً، وهي تمر عبر الرسالات المتعددة التي يكمل بعضها بعضاً، كذلك الحال في تكامل الرسل والأنبياء والمرسلين، فانها يمكن أن تكون ـ أيضاً والله العالم ـ سنة تمر عبر التكامل في الجذر التاريخي للحركة الوراثية للنبي والاستمرار في الذرية وأهل البيت.

 

وهذه السنة هي سنة قائمة في كثير من مظاهر الطبيعة ومخلوقاته عزَّ وجلّ، فالشجرة الطيبة القوية المثمرة هي الشجرة ضاربة الجذور في الأرض، بخلاف الشجرة الخبيثة.

 

وكذلك الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة التي ضربها الله مثلاً لها، فأنها هي التي تكون لها أصول وجذور.

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ([56])، وهذا بخلاف الكلمة الخبيثة، فهي كالشجرة الخبيثة، قال تعالى: (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) ([57]).

 البعد الرسالي:

البعد الثالث: البعد الرسالي، وما يترتب على ذلك من تحقيق مصالح الرسالة وإعداد الأفراد لمهماتها ومسؤولياتها، وتحمل أعبائها الثقيلة.

 

فقد عرفنا في جواب السؤال الأول أن عمر الرسول ـ عادة ـ يكون أقصر من عمر الرسالة وأعبائها ومهماتها، وهذا ما شاهدناه ـ أيضاً ـ في الرسالة الإسلامية، فقد كان عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محدوداً بالنسبة إلى أعبائها ومهماتها، حيث توفي رسول الله بعد مضي ثلاث وعشرين سنة من البعثة الشريفة، وبالرغم من الجهود المضنية التي بذلها، والإنجازات العظيمة التي حققها في هذه المدة القصيرة، فقد بقيت أعباء الرسالة الإسلامية العالمية قائمة وموجودة إلى حد كبير في مجال التفهيم والتوضيح وفي مجال التطبيق والتنفيذ، حيث لم تتجاوز المساحة التي انتشر فيها الإسلام الجزيرة العربية، من حيث الحركة والقدرة والسيطرة، وأن كان قد خاطب رسول الله بها الأقوام المجاورين للجزيرة، أو دخل في بعض المعارك العسكرية معهم.

 

بل كانت بعض الجيوب والمناطق في الجزيرة العربية نفسها لا زالت غير مستكملة في التفاعل مع الرسالة الإسلامية، كما يشير القرآن الكريم إلى ذلك في الحديث عمن يطلق عليهم اسم الأعراب، من اؤلئك الناس الذين كانوا يعيشون في البوادي ولم يتعلموا الإسلام أو يتخلقوا بأخلاقه.

 

أو المؤلفة قلوبهم من ضعفاء الإيمان والإعتقاد من العرب الجاهليين الذين استسلموا للواقع السياسي والاجتماعي للهيمنة الإسلامية والنصر الإلهي، فأعلنوا دخولهم في الإسلام، وإن لم يدخل الإيمان قلوبهم، قال تعالى:  (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)([58]).

 

أو اؤلئك المنافقين الذين أظهروا الإسلام، ولكن أضمروا الكفر والعصيان والتمرد، ويشير القرآن الكريم إلى هذه النماذج في كثير من الموارد، ومنها في سورة التوبة والحجرات والمنافقين.

 

وأفضل شاهد على هذه الحقيقة السياسية والاجتماعية هو ما شاهده المسلمون من حركة الإرتداد بعد وفاة رسول الله مباشرة في بعض مناطق الجزيرة العربية، أو مواقف بعض الأشخاص والجماعات السلبية من أهل بيته (عليهم السلام).

 

وإذا كان الوضع الثقافي والسياسي في الجزيرة العربية بهذه الصورة، فكيف الحال في خارجها؟

 

ومع هذا الوضع لا يمكن أن نفترض بأن مهمات الرسالة قد انتهت بنهاية عمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإكمال عملية البلاغ العام.

 

نعم يمكن أن نقول بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أنهى مهمة التبيين وإقامة الحجة ومهمة التأسيس وإقامة القواعد الاجتماعية، وإيجاد الجماعة الإنسانية التي يمكنها أن تتحمل هذه الأعباء بصورة عامة.

 

وعندئذ، فلابد من وجود الإمامة، لتحمل هذه الأعباء الثقيلة الأخرى بعده، كما ذكرنا سابقاً.

 

ولكن تحمل هذه الأعباء الثقيلة يحتاج إلى إعداد كامل يتناسب مع طبيعة وحجم هذه الأعباء الضخمة التي سوف يتحملها هؤلاء (الأئمة) بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

وهنا يمكن أن نقول بأن عملية الإعداد هذه التي يراد إنجازها من أجل تحمل هذه الأعباء، إنما يمكن أن تتم في داخل البيت الرسالي بصورة أفضل وأكمل من إنجازها في خارج البيت الرسالي.

 

وهذا ما أشار إليه الشهيد الصدر (قدس سره) في قوله: (فاختيار الوصي كان يتم عادة من بين الأفراد الذين انحدروا من صاحب الرسالة ولم يروا النور إلا في كنفه وفي إطار تربيته، وليس هذا من أجل القرابة بوصفها علاقة مادية تشكل أساساً للتوارث، بل من أجل القرابة بوصفها تشكل عادة الإطار السليم لتربية الوصي وإعداده للقيام بدوره الرباني.

 

وأما إذا لم تحقق القرابة هذا الإطار، فلا أثر لها في حساب السماء قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ([59]).

فالذرية عادة تكون قابلة ومهيئة للإعداد الرسالي بصورة أفضل في حركة التاريخ الإنساني ([60]).

 

ومن هذه النماذج ابن نوح (عليه السلام)، عندما يذكره القرآن الكريم كنموذج لخروج ولد لرسول عن أهداف الرسالة ومسيرتها.

 

ونموذج آخر يذكره القرآن الكريم، له بعد آخر من الخروج وهو أب إبراهيم ـ كما يعبّر عنه القرآن الكريم ـ الذي قد يكون هدف القرآن الكريم من التأكيد عليه هو تفسير موقف (أبي لهب) من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره قريباً لرسول الله وعمه، ومع ذلك خرج على هذه الرسالة، وهو الشخص الوحيد الذي ذكره القرآن الكريم بالاسم من المشركين، أو أراد به بعض أقرباء الرسول الذين كانوا بمستوى الأعمام في الحالة النسبية والإرتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

ونموذج ثالث يذكره القرآن الكريم هو زوج نوح ولوط، كمثل لما يمكن أن تقفه الزوجة من صاحب الرسالة، فانها وإن لم تكن من ذريته وبيته، ولكنها عادة ما تكون تحت تأثير عمله.

 

ولكن بصورة عامة وإجمالية يفترض بأن عملية الإعداد عندما يراد إنجازها بصورة كاملة، تكون أسهل وأفضل وأكمل في دائرة البيت الرسالي من إنجازها في خارج دائرة البيت الرسالي.

الإعداد والواقع التاريخي:

وهذه الفكرة إذا أردنا أن ننظر إليها من خلال الواقع التاريخي الذي عاشته الرسالة الإسلامية، نراها ـ أيضاً ـ فكرة متطابقة تماماً مع هذا الواقع التاريخي، حيث نرى أن الوصي الذي كان هو الإمام علي (عليه السلام) قد احتضنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وهو طفل صغير، حيث تذكر بعض النصوص أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد تكفله بالتربية قبل البعثة، من خلال التخفيف من مسؤوليات الإنفاق ـ أو المسؤوليات الاقتصادية إذا صح التعبير ـ عن أبي طالب.

 

وبدأ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه المرحلة بتربية علي (عليه السلام)، وبذلك ـ أيضاً ـ يجمع المسلمون ـ تقريباً ـ أن علياً (عليه السلام) كان أول من أسلم، وأنه لم يعرف في حياته عبادة الأصنام أو عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر يجمع عليه المسلمون، ولذلك عندما يذكر اسمه جمهور المسلمين، يخصونه بدعاء (كرّم الله وجهه)، وهم بذلك يشيرون إلى هذه الخصوصية لعلي (عليه السلام)، وهذه الخصوصية إنما كانت ـ أيضاً ـ بحسب النظر إلى الظروف التاريخية ومن هذه الزاوية، بسبب إعداد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام).

 

طبعاً، العنصر الغيبي، في الإصطفاء والإعداد ـ كما ذكرنا ـ قائم في نفسه مع العناصر الأخرى، ولكن من هذه الزاوية وهذا الجانب نرى ـ أيضاً ـ هذه الحقيقة قائمة.

 

مضافاً إلى ذلك، ما تشير إليه النصوص التاريخية وتؤكده روايات بعض الأشخاص ـ حتى ممن لم يكن يميل إلى عليّ (عليه السلام) من الناحية الروحية والنفسية ـ من إعداد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام) علمياً ومعنوياً، فيما كان يسارّه في ليله ونهاره، لأن عليّاً (عليه السلام) كان قريباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بحيث كان يأخذ منه العلم والأخلاق في كل مناسبة، بل في كل وقت.

 

والكلمة معروفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن عليّ (عليه السلام) بهذا الشأن، أما عن النبي، فهي عندما قال: ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ([61])، وأما عن عليّ (عليه السلام)، فهي عندما قال: ( علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب ) ([62]).

هذه الحقيقة إذا أردنا أن ننظر إليها من الناحية التاريخية والمادية، نراها كانت قائمة من خلال هذا الإقتراب في دائرة عليّ (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تربى في حضن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ابن عمه، تزوج من ابنته، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخل إلى بيت عليّ كما يدخل إلى بيته، وعليّ يدخل على رسول الله كما يدخل إلى بيته.

 

هذه العلاقة كانت موجودة بدرجة عالية، الأمر الذي أثار ـ أحياناً ـ غيرة بعض نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو حساسية، أو أي تعبير آخر يمكن أن نقوله أو نعبر عنه في هذا المقام بصورة مناسبة ([63]).

 

إذن، فمن الناحية الواقعية والخارجية ـ أيضاً ـ نشاهد بأن التاريخ يؤكد على هذه العملية وهذه الفكرة والنظرية، وكان لها واقع خارجي في الرسالة الإسلامية من خلال إعداد عليّ (عليه السلام)، وقد تحدث عليّ (عليه السلام) شخصياً فيما روي عنه ذلك، كما تحدث أئمة أهل البيت ـ أيضاً ـ عن ذلك، وهو ما سوف نشير إليه ـ إن شاء الله ـ في بعض الأبحاث الآتية.

الإعداد والنظام العام:

ومن الطبيعي ـ أيضاً ـ أن نفترض، كما نفترض في عقائدنا بأن هؤلاء الأئمة يمكن أن تتحقق لهم الإمامة دون هذا الإعداد، لإن الله تعالى قادر على كل شيء، ولا يمنعه شيء من إلهام الأشخاص والأفراد ـ لحكمة ـ بكل المعلومات دون ذلك الإعداد السابق، هذا الشيء يمكن أن نفترضه، وفيه الكثير من الواقع والحقيقة بالنسبة إلى الكثير من الأفراد الذين عرفهم التاريخ ([64]). (2)، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن نفترض أن النظام العام في الحركة الإجتماعية للإنسان يراد لها أن تسير في الكثير من الموارد، حسب النظام العام، وليس من المفروض لها دائماً أن تكون خارجة عن النظام العام، إلا بقدر الحاجة إلى هذا الإستثناء، كما هو الحال في موارد المعجزة مثلاً، وهذا يعني أنه مادام الإعداد ممكناً حسب النظام العام، فسوف يتم كذلك ويكون الإستثناء عند الحاجة والضرورة، فيتم الإعداد من خلال نظام آخر وهو النظام الغيبي.

 

إذن، فالطريق الطبيعي للإعداد الأفضل والتأهيل الأكمل إنما يكون في دائرة البيت القريب، ويمكن أن نرى هذا الشيء في معالم أخرى من التاريخ، وفي مفردات وصور عديدة.

 

وهذه الظاهرة نراها قد تجسدت ـ أيضاً ـ في الأسر العلمية الشريفة في تاريخ جماعة أهل البيت (عليهم السلام)، حيث قامت بأعمال شريفة في هذا التاريخ، وتحملت مسؤوليات كبيرة في مختلف أدوار التاريخ.

 

فأننا عندما ننظر إلى تاريخ ما بعد الغيبة الصغرى، بل حتى في تاريخ زمن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  نلاحظ أن هناك ظاهرة كانت موجودة وقائمة في جماعة أهل البيت، وهي ظاهرة وجود الأسر العلمية، مثلاً أسرة زرارة بن أعين، هذه الأسرة كانت تعّرف كأسرة بحيث كان جميع رجالها ثقات، أو أسرة بني فضّال هذه الأسرة كانت ـ أيضاً ـ تعّرف كأسرة، أو أسرة الأشعريين الذين أقاموا اُسس العلم في مدينة قم المقدسة، أمثال سعد الأشعري وأسرته، وهكذا نلاحظ أسرة بني بابويه الذين كان لهم دور عظيم جداً كأسرة، حيث عندما نرجع إلى التاريخ نجد أن هؤلاء يمثلون عدداً كبيراً جداً من العلماء والفضلاء الذين كانوا يتحملون هذه المسؤوليات، وهكذا يتسلسل هذا الأمر، ولا أريد الآن أن أطيل الحديث في ذكر الشواهد، ولكن عندما يرجع الإنسان إلى التاريخ، يجد أن هذا الأمر كان من الأمور الواضحة جداً في جماعة أهل البيت (عليهم السلام)  وفي علماء أهل البيت، بحيث كانت هناك أسر علمية تتوارث هذا العلم جيلاً بعد جيل حتى أوصلت هذا العلم إلى هذا العصر، وهذا التوارث إنما كان باعتبار هذه الخصوصية، وهي إن عملية الإعداد والتربية والتأهيل في إطار البيت الواحد تكون أسهل مما تكون هذه القضية في خارج البيت الواحد ([65]).

البعد الاجتماعي:

البعد الرابع: البعد الاجتماعي، وهو ما يترتب على الإختصاص بأهل البيت من مصالح اجتماعية في التأثير على حركة الأمة وهدايتها وارتباطها بالرسالة الإسلامية وصاحبها، حيث أن هذه الإمامة التي تريد أن تقوم بهذه المسؤوليات الكبيرة أو الضخمة في المجتمع الإنساني تحتاج إلى مؤهلات اجتماعية، كما تحتاج إلى المؤهلات الروحية والفكرية.

 

كما أن الناس في حركتهم الاجتماعية والروحية والنفسية يتأثرون بمثل هذا العامل الإنساني، وينظرون إلى الشرف والإصالة في الإنتماء وتكامل الأسرة والعائلة والعشيرة والقبيلة نظرة معنوية وإنسانية واجتماعية خاصة.

 

أما بالنسبة إلى حاجة الإمامة إلى المؤهلات الاجتماعية، فهو من الأمور التي يشار إليها في أبحاث علم الكلام.

 

ولا ينبغي أن يذهب الظن إلى أن هذا الاعداد لايمكن أن يتم إلاَّ من خلال ذلك، بل قد نجد في التاريخ أشخاص متميزين في التقوى والعلم والشجاعة لم يعرفوا بأنهم من أبناء هذه الأسر، ولكن المقصود أن الأسرة تمثل عاملاً طبيعياً للاعداد.

 

من قبيل أن لا يكون في النبي أو الإمام نقص في الأعضاء مخلاً بوضعه الاجتماعي، أو أن لا يكون النبي أو الإمام وضيعاً في المجتمع الإنساني أو من عائلة وضيعة وغير شريفة، أو ممتهنا لحرفة ومهنة وضيعة، إلى غير ذلك من القضايا التي يشار إليها في علم الكلام عند الحديث عن مواصفات الأنبياء والأئمة الذين يتحملون هذه المسؤولية.

 

وأما بالنسبة إلى تفاعل الناس وتأثرهم بهذا العامل الاجتماعي، فهو أمر مشهود في تاريخ الأمم والمجتمعات الإنسانية السابقة واللاحقة يتفاضلون فيه، ويفتخرون ويتأثرون به، لأنه عامل إنساني واقعي في الحركة التاريخية وله تأثير إيجابي في حركة الأمم وبناء المجتمع، وإن لم يكن من العوامل المؤثرة في تكامل الإنسان كفرد عند الله تعالى، أو مما يدخل في حسابه يوم القيامة، كما تشير إلى ذلك النصوص الدينية، ومنها قوله تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ) ([66])، ولكنه على أي حال من العوامل المؤثرة في حركة التاريخ الإنساني والعلاقات الإنسانية ([67]).

 خلفيات البعد الاجتماعي:

ولعل مرجع هذا العامل إلى عدة قضايا، نفسية، واجتماعية، وفطرية.

اما القضية النفسية، فهي تأثر الإنسان روحياً بمعالم العز والشرف والكرامة والمنجزات العلمية والاجتماعية.

 

وأما القضية الاجتماعية، فهي ـ ما أشرنا إليه في البعد الثالث ـ من أن التأهيل والإعداد في بيوت الشرف والكرامة والعز والطهارة، يكون بصورة طبيعية لتحمل المسؤوليات، وإنها تنبت الشرف والكرامة والعز والطهارة بموجب السنة والقاعدة القرآنية (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً) ([68])، وهو أمر يدركه الناس من خلال رؤيتهم للتاريخ وحركة النظام العام للمجتمع الإنساني، وإن كان قد يشذ بعضهم عن هذه القاعدة.

 

ولذا ورد التأكيد في الإسلام، في عدة موارد على هذا الإتجاه في الزواج وفي المشورة، وفي المصاحبة والصداقة والمعاشرة.

 

وأما الجانب الفطري، فهو يرتبط بنظرة الإنسان الفطرية التي أكدتها الشريعة الإسلامية، وهي أن تكامل المجتمع الإنساني بصورة عامة يقوم على تكامل الأسرة والعائلة والقبيلة.

 

وهذا بحث اجتماعي مهم له مجال آخر، ولكن بنظرة إجمالية يمكن أن نقول: أن الإسلام يرى أهمية تكامل الأسرة وارتباطها وامتدادها التاريخي في القبيلة والعشيرة، وإن ذلك هو الطريق الأفضل لتكامل المجتمع الإنساني بصورة عامة، إذا أردنا تنظيم هذا المجتمع بصورة صحيحة ومحكمة وقوية.

 

إذن، فهذا الإنتماء يعطي الوصي والخليفة والإمام موقعاً (اجتماعياً) متميزاً في الحركة الاجتماعية، ولعل ذلك أحد العوامل والأسباب في هذا الإمتداد.

الهامش:

([1]). سورة الأحزاب: 40.

([2]). البحار 21: 208، حديث 1، مستدرك الحاكم 3:109، صحيح البخارى 3: 58، راجع كتاب المراجعات: 119، مراجعة رقم 28، وقد ذكر فيه مصادر علماء المسلمين.

([3]). سورة البقرة: 124.

([4]). سورة السجدة: 24.

([5]). سورة الأنعام: 88 -90

([6]). سورة يـس: 81 ـ 83.

([7]). سورة البقرة: 124.

([8]). سورة آل عمران: 33 ـ 34.

([9]). يمكن مراجعة بحث هذه الآية في كتاب تفسير الميزان 1: 273 ـ 274، للعلامة الطباطبائي v.

([10]). وروي هذا المعنى بأسانيد أُخرى عن الباقر والصادق(عليهما السلام)، وللعلّامة الطباطبائي v بحث روائي جميل ومفيد حول هذا الحديث، الميزان 1: 276 ـ 279.

([11]). سورة الحديد: 25.

([12]). سورة البقرة: 213.

([13]). سورة البقرة: 30.

([14]). سورة الذاريات: 56.

([15]). عالجنا هذا الموضوع في بحثنا حول خصائص الرسالة الإسلامية (العالمية، الخاتمية، الخلود)، ولمزيد من التوضيح يمكن مراجعة البحث المذكور.

([16]). سورة المائدة: 3.

([17]). سورة الحجر: 9، عالجنا هذا الموضوع في بحث ثبوت النص القرآني من كتابنا علوم القرآن: 99.

([18]). أشرنا إلى هذا الدور في بحث التفسير عند أهل البيت b الذي نشر جانب منه في كتابنا علوم القرآن: 307.

([19]). سورة البقرة: 213.

([20]). إصطلاح إستخدمه الشهيد الصدر v في بحثه حول المجتمع الإنساني من بحوث التفسير الموضوعي، عندما طرح فكرة المثل الأعلى في العبادة، محاظرات التفسير الموضوعي: 184، طبعة دار التعارف.

([21]). سورة النجم: 23.

([22]). التفسير الموضوعي: 195 ـ 196.

([23]). سورة هود: 118 ـ 119، ولعل في الاستثناء إشارة إلى سن الرشد هذا.

([24]). سورة البقرة : 174.

([25]). سورة الجاثية : 16-17.

([26]).سورة البقرة: 213.

([27]). ذكرنا هذه الحقيقة مع بعض شواهدها في بحثنا عن التفسير في زمن النبي (علوم القرآن) وفي بحثنا الآخر عن التفسير عند أهل البيت، وسوف نتناول هذا الموضوع مرة أخرى بصورة تفصيلية في البحث عن المرجعية الفكرية لأهل البيت b.

([28]). البحار 36: 331، حديث 190، وقد ورد مضمون القتال على التأويل والقتال على التنزيل في عدد من النصوص التي رواها الفريقان، راجع تاريخ ابن عساكر 3: 127 ـ 136، ومستدرك الصحيحين 3:122، قال الحاكم: هذا حديث صحيح.

([29]). لا أريد أن أتعرض هنا إلى جميع إمتيازات الرسالة الخاتمة على الرسالات السابقة، وقد أشرت إلى بعض هذه الإمتيازات في بحث (العالمية والخاتمية والخلود) في رسالة الإسلام، ولكن أريد أن أشير هنا إلى الإمتيازات التي هي محل الشاهد في بحثنا هذا.

([30]).سورة المائدة: 44 و 45 و47.

([31]). وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في سورة المائدة الآيات 21 ـ 26.

([32]). هذا بحث عميق وفيه الكثير من التفاصيل، وقلت انني أشير هنا إلى العناوين الكلية.

([33]). سوف نتناوله بشي من التفصيل، عندما نتحدث عن (الولاية) ودور أئمة أهل البيت في قيادة الحكم الإسلامي.

([34]). وهذا هو ما أشار إليه الشهيد الصدر في حديثه السابق عن المجتمع الإنساني، في بحوث التفسير الموضوعي.

وذلك من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير في الحكم والانتشار على مستوى العالم البشري، وفي الكيف على مستوى التطبيق الكامل للحكم الشرعي، وعندئذً تكون كل المساعي التي بذلها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهم بعيدون عن قيادة الحكم الإسلامي والتجربة الإسلامية، وكذلك كل المساعي الأخرى التي بذلها ويبذلها العلماء المجاهدون والمؤمنون في طول التاريخ الإسلامي، كل هذه المحاولات إنما هي تمهيد لظهور هذه الدولة المباركة الكريمة التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.

([35]).سورة الشورى: 23.

([36]). هذا البحث ينفعنا ـ كما سوف نتبين ذلك ـ في تفسير ظاهرة اصطفاء ذرية إبراهيم وآل عمران وغيرهما أيضاً.

([37]). هذا البحث سوف نتناوله في محله الخاص، وهو القسم الثاني من هذا الموضوع، وهو بحث كلامي عقائدي له أساليبه وأدلته وبراهينه الخاصة به ـ أيضاً ـ وإنَّما نريد في هذا البحث أن نفسر هذه الظاهرة، ظاهرة تعيين الإمامة وتشخيصها في خصوص أهل البيت (عليهم السلام) تفسيراً ينسجم مع الأطر العامة التي جاء بها الإسلام، وأكدها القرآن الكريم، وترتبط ـ أيضاً ـ بمسيرة الإنسان وتكامله.

([38]). هذا بحث قرآني واجتماعي مهم يرتبط بدراسة علاقة الإنسان بذريته، وشعوره بالبقاء والخلود من خلالها.

([39]).سورة البقرة: 124.

([40]).سورة البقرة: 129.

([41]). البحار 12: 92، حديث 1.

([42]).سورة الأنعام: 83 ـ 87.

([43]). سورة مريم: 58.

([44]). سورة الحديد : 26.

([45]).سورة العنكبوت: 64.

([46]). سورة الأعراف: 172.

([47]).سورة آل عمران: 33 ـ 34، وهناك آيات عديدة، يمكن أن يجدها الباحث في مادة الإصطفاء والإجتباء وغيرها، في المعجم المفهرس.

([48]). سورة الأحزاب: 33.

([49]). الإسلام يقود الحياة/ خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء: 166، كما في لوط (عليه السلام) الذي كان يرتبط بإبراهيم، أو في يوشع الذي كان يرتبط بموسى، أو يرتبطون به وبذريته، كما هو الحال في إسحاق وإسماعيل ويعقوب وذرية يعقوب التي أشرنا إليها.

([50]). سورة الحديد: 26.

([51]). البحار 28: 8، حديث11، عن تفسير القمي، وجاء هذا الحديث في كتب الفرقين إما بلفظه أو بمضمونه، مثل مجمع البيان 5: 49، وكمال الدين: 576، طبعة مكتبة الصدوق، وصحيح البخاري: باب 50 من كتاب الأنبياء، وصحيح مسلم الحديث 6 من كتاب العلم، سنن بن ماجه باب 17، من كتاب الفتن... الخ.

([52]).سورة البقرة: 131 ـ 133.

([53]). سورة الحج: 78.

([54]). سورة البقرة : 129.

([55]). سورة الأحقاف: 35.

([56]). سورة إبراهيم : 24 - 25.

([57]). سورة إبراهيم : 26.

([58]). سورة الحجرات: 14.

([59]). سورة البقرة: 124، الإسلام يقود الحياة/ خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء: 167.

([60]). صحيح أنه قد نشاهد ـ أحياناً ـ في داخل البيت الرسالي أشخاصاً يشذّون عن المسيرة وعن الإرتباط بالرسالة، كما يذكر القرآن الكريم بعض النمادج.

([61]). البحار 28: 199، حديث 6،وجاء في مستدرك الصحيحين 3: 126، عن ابن عباس ما لفظه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وكذلك جاء في كنز العمال 11: 600، حديث 32890، و614، حديث 32978، و32979، و13: 147، حديث 36463.

([62]). البحار 26: 29 ـ30، حديث 36 و 37، و33 عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام)، في تفسير الفخر الرازي الكبير، في ذيل تفسير قوله تعالى: ( ان الله اصطفى آدم ونوحاً... )، (آل عمران: 33)، قال: علي (عليه السلام): علمني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب من العلم واستنبطت من كل باب ألف باب، قال: فاذا كان حال المولى هكذا فكيف حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك جاء الحديث في كنز العمال 13: 114، حديث 36372.

([63]). لهذه البيوت الطاهرة خصوصيات، قد يعجز الإنسان عن اختيار الألفاظ المناسبة المؤدبة تجاهها، عندما يريد أن يتحدث عن بعض علاقاتها، ولكن على أي حال التاريخ يشهد في كثير من النصوص، بأن هذا الإقتراب من عليّ (عليه السلام)، وعناية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام) في هذا الجانب ـ جانب الإعداد والتعليم والتأهيل لتحمل هذه المسؤولية ـ كان يثير في كثير من الأحيان الحسد أو الغيرة أو غير ذلك من الإنفعالات حتى في دائرة الأشخاص القريبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

([64]). مثل يحيى وعيسى(عليهما السلام)وغيرهما من الأنبياء، ومثل الإمام الجواد والإمام الهادي(عليهما السلام)وغيرهما.

([65]). في العصور المتأخرة كانت هناك أسر علمية أخرى من قبيل أسرة آل بحر العلوم، وإسرة آل كاشف الغطاء، أسرة آل شيخ راضي، وآل الجواهري، وآل الصدر، وآل شبر، وهكذا أسرة الشيخ الأنصاري ـ من بناته ـ وقبلهم الشيخ المجلسي، والوحيد البهبهاني، وغيرهم الكثير.

([66]). سورة المؤمنون: 101.

([67]). تذكر بعض النصوص استثناءاً في التأثير لنسب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم القيامة، وهو أمر يحتاج إلى بحث علمي واجتماعي لهذه النصوص، لا مجال له في حديثنا في الوقت الحاضر.

([68]). سورة الأعراف: 58.