إهتمام بعملية الاجتهاد المجمعي

إهتمام بعملية الاجتهاد المجمعي

إهتمام بعملية الاجتهاد المجمعي


الدكتور يشار شريف داماد أوغلو
نائب المفتي باليونان

 

 بسم الله الرحمن الرحيم


  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد:
فإن " الأساليب الفكرية والعملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية" هذا الذي جعله المؤتمر العام "الرابع والعشرون" للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية عنواناً للمؤتمر ليتناوله المشاركون بالبحث والدراسة والمناقشة والتدقيق والتحقيق وهو موضوع في غاية الأهمية؛ لأنه موضوع الساعة والواقع ولا شك أنه موضوع عميق يحتاج إلى جهود كبيرة للغور في أعماقه حتى يستخرج منه الدرر الثمينة، والفوائد العظيمة.
وقد سطرت في محور ألف المعنون مقترحات فكرية حول "الإهتمام بعملية الاجتهاد المجمعي" صفحات متواضعة، داعياً الله سبحانه وتعالى أن يوفق المؤتمر إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين والبشرية أجمعين.
 ثم إنني أتقدم بالشكر الجزيل للجمهورية الإسلامية الإيرانية المتمثلة برئيسها السيد "أحمدي نجاة" حفظه الله والأمين العالم "للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية" المتمثلة برئيسها الأستاذ الدكتور محمد علي التسخيري وفقه الله لما يحبه ويرضاه، وجميع العاملين بالمجمع لما يحاولون بأقصى جهودهم؛ لأداء ما تحملوه من الأمانة ولا شك أن هذا توفيق من عند الله الكريم، فنحن من جانبنا سنحاول بكل ما نملك من رأي وما أعطينا من علم وفكر أن نقول ونقوم ما علينا إن شاء الله، والله مقصودنا ورضاه مطلوبنا .


مقدمة
فإن لكل عصر مشكلاته ومتطلباته وحاجاته المتجددة، وإن الحوادث والنوازل متجددة لا تنقطع ولا تنتهي، فالحاجة إلى الاجتهاد قائمة بتغير أحوال الزمان وبتطور المجتمعات الإنسانية. وقد نص على ذلك الشهرستاني في كتابه الملل والنحل حيث قال "وبالجملة نعلم قطعاً ويقيناً أن الحوادث والوقائع في العادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعد، ونعلم قطعاً أيضاً أنه لم يرد في كل حادثة نص ولا يتصور ذلك أيضاً، والنصوص إذا كانت متناهية، والوقائع غير متناهية، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى علم قطعاً أن الإجتهاد والقياس واجباً الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد"[1].
هذا ما قرره علماؤنا الأجلاء من أن العلة تدور مع الحكم وجوداً وعدماً وأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وأن الاجتهاد فرض لازم على من تتوفر فيه الشروط.
ولئن كان الاجتهاد لازماً وواجباً في العصور الإسلامية السابقة فهو ألزم وأوجب في عصرنا الحالي لما نعايشه من تطور مستمر في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والتقنيات الحديثة.
وإنه لحري بنا نحن معشر المسلمين أن نقوم بالحق جماعات وأفراداً، وأن نؤدي دورنا تجاه المستجدات والنوازل، وأن نجتهد لعصرنا كما إجتهد الأوائل.
والحق أن موضوع الاجتهاد قد حظي بدراسات عديدة وكثيرة، غير أن الذين عكفوا على دراسته انصبوا على جل مافي الكتب القديمة الأصولية والفقهية، فأخذوا ينقلون تارة ويلفقون أخرى وكأن ما كتب لا مجال للزيادة عليه، أو التغيير فيه وأن نهاية المطاف فيما وصل إليه الأولون، وليس بالإمكان أفضل مما كان.
والحقيقة أن الإجتهاد المعاصر اجتهاد له صفة خاصة وملامح جديدة؛لأن طبيعة العصر تفرض نفسها وتحديات الحاضر لا بد من مواجهتها بما يتفق مع روح الإسلام وشريعته الغراء.
وللأسف فإن بعض العلماء الذين جمدوا على القديم قرروا أنه لا مجال للزيادة على ما سطره الأولون غافلين عن حقيقة التشريع الإسلامي وكنهه، وعن معنى الإجتهاد وعمل العقل فيه.
إن أمتنا في أمس الحاجة إلى اجتهاد جديد لا يعزله الماضي عن الحاضر، ولا يعزله الحاضر عن الماضي، بل اجتهاد يصل الزمان بعضه ببعض، اجتهاد يستوعب أبعاد الوقائع الزمانية، اجتهاد يلم بتاريخ الواقع ويدرك حقيقته، ومن ثم يستشرف الآفاق المستقبلية في ضوء المؤثرات المحلية والإقليمية والعالمية، اجتهاد ذو إستراتيجي ونظر مستقبلي.
ذلك أن فقه الواقع فقه محل النص وموطن تنزيله، وهو يوازي في أهميته فقه النص، وتحقيق مناط الحكم الشرعي المنصوص عليه أو المعلوم بالإستقراء أو الاستنباط لا يمكن تطبيقه على الواقعة دون الإحاطة الشاملة لهذا النوع من الفقه.
إن الدعوة إلى العمل من خلال المؤسسات التي تتوافر فيها كل شعب المعرفة، وتنظم فيها كافة التخصصات العلمية المعاصرة مطلب أساسي لقيام الاجتهاد الجماعي المعاصر الذي يؤهل الأمة لمواجهة التحديات المتجددة والمتلاقة، والذي يستوعب مشكلات الإنسان ويتعرف على مجتمعه وقضاياه، ويجد الحلول الشرعية التي تتلائم مع الواقع في ضوء ظروفه وملابساته.
لقد أضحى الاجتهاد المجمعي ضرورة لا غنى عنها لرد كيد أبناء الغرب والمستشرقين وأتباعهم من مدعي التحرر، الذين يتهمون الشريعة الغراء بأنها غير صالحة لزماننا، وانها جاءت لوقت معين وظروف خاصة.
وليكون سداً منيعاً أمام أولئك الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على دين الله وشرعه وهم غير مؤهلين لقراءة نص عربي فضلاً عن شرعي.
نعتقد أننا بالإجتهاد الجماعي المجمعي يمكننا أن نواجه تأثير ظروف الزمان والمكان على إيجاد المجتهد المطلق كماً وكيفاً، ودفعاً للآثار الخطيرة والناجمة عن ندرة المجتهد المطلق عن الساحة التشريعية في العصر الحاضر.
ولن نجانب الصواب إذا قلنا: إنه من الصعوبة بمكان بل من الإستحالة التصدي باجتهاد فردي لمواجهة التغيرات الاجتماعية، والطفرات الصناعية، والمستجدات الاقتصادية، والمشكلات السياسية، والتطورات العسكرية، والانقلابات التكنولوجية، أضف إلى هذا التواصل المادي الذي يجعل العالم كأنه بيت صغير، فالاجتهاد الجماعي في المجامع ضرورة تفرض نفسها.
وليس معنى هذا أن الإجتهاد الفردي ما عاد له دور في عصرنا الحاضر وإنما هو الأساس المتين الذي يقوم عليه الاجتهاد المجمعي، وقوة الاجتهاد المجمعي تقاس بمكانة مجتهديه العلمية والفقهية.
فإن ردم فجوة التخلف لن يكون إلا بالفهم الصحيح للنص، ثم صياغة الأحكام الشرعية صياغة تحقق المقاصد الشرعية، وتحقق المبتغى من التشريع الإسلامي في حياة الناس، وهذا لعمري عبادة من أجل العبادات وغاية من أسمى الغايات؛ لأن تحقيق الشريعة هو غاية المبتغى ولن يكون هذا بالغفلة عن الحياة والمستجدات العصرية.
إن إبراز عنصر الخلود والامتداد للدين العظيم لن يكون إلا بفهم الواقع فهماً عميقاً شاملاً، ثم تحقيقه من خلال الاجتهاد الجماعي والفردي، قال تعالى" قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا" [2] ففقه الواقع والإجتهاد الجماعي ضرورة عصرية وفريضة دينية يجب أن تتضافر لها الجهود وتتوجه نحوها الأقلام.
هذا ما دفعني لاختيار محور الاهتمام بعملية الاجتهاد المجمعي؛ لتكون في النهاية النسيج الفقهي الذي يصلح الله به العباد والبلاد، وحسبنا أن نبذل الجهد والتوفيق بيد الله عليه نتوكل وهو ولينا ونعم النصير.
واقتضت منهجية البحث أن يشتمل على ثلاثة فصول:

الفصل الأول

المبحث الأول: تعريف الإجتهاد
1- الاجتهاد في اللغة:
مأخوذ من الجُهد بضم الجيم في أهل الحجاز، وبفتحه في غيرهم[3] قال ابن عرفة[4] " الجهد بضم الجيم الوسع والطاقة، والجهد المبالغة والغاية ومنه قوله تعالى " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ "[5] أي بالغو في اليمين واجتهدوا فيها، والاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر، وهو افتعال من الجهد والطاقة[6]. 
وصيغة الإفتعال تدل على المبالغة في الفعل، أي استفراغ ما في الوسع والطاقة؛ ولهذا يقال: اجتهد فلان في حمل الثقيل، ولا يقال اجتهد في حمل النواه[7].
والاجتهاد يكون في القول وهوعمل اللسان، وفي الفعل وهو عمل الجوارح والاجتهاد المقرون بالنية الخالصة جهاد، قال تعالى " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ "[8]  أي ابذلوا غاية وسعكم في سبيل إعلاء كلمة الله.
2- التعريف الإصطلاحي للإجتهاد:
عرف الأصوليون الاجتهاد بتعريفات كثيرة، تكاد تكون في جوهرها واحدة، ومن هذه التعريفات:
تعريف الإمام الغزالي: الإجتهاد: بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة[9].
وعرفه الإمام الشوكاني والزركشي  بقولهما: بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط[10].
وعرفه ابن حزم بقوله: استنفاد الطاقة في طلب حكم النازلة حيث يوجد ذلك الحكم[11].
وعرفه آية الله محمد مهدي شمس الدين بأنه: رتبة من المعرفة بالأدلة الشرعية يقدر بها الفقيه على تحصيل الحجة على الحكم الشرعي. أو على استنباط الحكم الشرعي من الحجة باستفراغ الوسع في الفحص[12].
أما الآمدي فقال: استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه[13].
أما الكمال بن الهمام وأمير الحاج وأمير بادشاه فقد وسعوا الدائرة بتعريفهم: إنه بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي عقلياً كان أو نقلياً قطعياً كان أو ظنيا[14]ً.
وعرفه الشيخ أبو زهرة بقوله: استفراغ الجهد وبذل غاية الوسع إما في استنباط الأحكام الشرعية وإما في تطبيقها[15].
بعد النظر والتأمل في التعريفات السابقة وغيرها نجد أن هناك قاسماً مشتركاً بين هذه التعريفات وهو: أن يبذل المجتهد الفقيه غاية وسعه في طلب الحكم الشرعي من الأدلة التفصيلية.
فالاجتهاد لا يكون إلا ببذل الوسع واستفراغ الطاقة؛ لتخرج بذلك الأمور الضرورية التي تدرك ضرورة من الشرع، إذ لا مشقة في تحصيلها.
والاجتهاد لا يقبل إلا إذا صدر عن مجتهد لتوفر شرائط الاجتهاد فيه، فلا عبرة باجتهاد العالمي وإن اجتمعت فيه بعض الشرائط، أو كان عالماً ببعض الأمور الشرعية.
ثم إن الاجتهاد سبيل للوصول إلى الحكم الشرعي إما بالاستنباط أو الاستدلال بالأصول، أما القياس فقط خالف أهل الظاهر، وبعض الشيعة وبعض المعتزلة البغداديين فلم يعتبروا تخريج المناط[16] مسلكاً من مسالك العلة.
إلا إنهم اختلفوا في مواضع منها: هل يقتصر مجال الإجتهاد على كل ما هو ظني أم أنه يشمل القطعي والظني معاً؟
فإذا حققنا المسألة نرى أن الشرع قد سطر لنا حيزاً للاجتهاد في بعض القطعيات، ذلك أن من الأحكام الشرعية أحكاماً معللة بعلل قطعية لا ظنية، ومن المعلوم أن الأحكام تدور عللها وجوداً وعدماً، فهي إذا موضع اجتهاد، والاجتهاد هنا ليس فيها أو بما يناقضها أو يقابلها، وإنما في تحقيق مناطها، وإنزالها منزلها الصحيح بما يحقق المقاصد الشرعية، وما يقتضيه ويفرضه الواقع في إطار الضوابط الشرعية.
وأظن أن الكمال بن الهمام ومن معه عندما وسعوا دائرة الإجتهاد فجعلوها تشمل الظني والقطعي لم يخرجوا عن هذا المعنى. كاجتهاد عمر بن الخطاب في سهم المؤلفة قلوبهم رغم أن الآية قطعي الثبوت قطعي الدلالة، فمنعه لما انتفى وجود مناط الحكم، فهم اجتهدوا في القطعي والظني مع مراعاة الضوابط الشرعية المجمع عليها في الكتاب والسنة.
وكذا الإجتهاد في العقليات (مسائل العقيدة وعلم الكلام)[17].
وأغلب الظن عندي أنه لا يوجد ما يمنع من أن يجتهد الفقهاء في مثل هذه المسائل؛ لأن الدين كل لا يتجزأ، وفي واقعنا المعاصر نجد أن المجامع الفقهية قد تناولت بعض الملل وعقائدها بالتمحيص والاجتهاد وبينت الأحكام الشرعية المترتبة على ذلك[18].
ولعل أهم ما يذكر في هذا الموضوع أن الواجب على العلماء الذين يجتهدون في هذا المجال أن يلتزموا بأدب الخلاف، وأن لا يكفر بعضهم بعضاً، يقول الإمام الشوكاني " واعلم أن التكفير لمجتهدي الإسلام بمجرد الخطأ في الاجتهاد في شيء من مسائل العقل عقبة كئود، لا يصعد إليها إلا من لا يبالي بدينه، ولا يحرص عليه؛ لأنه مبني على شفا جرف هار، وعلى ظلمات بعضها فوق بعض، وغالب القول بأنه ناشيء عن العصبية، وبعضه ناشيء عن شبه واهية، ليست من الحجة في شيء، ولا يحل التمسك بها في أيسر أمر من أمور الدين، فضلاً عن هذا الأمر الذي هو مزلة الأقدام، ومدحضة كثير من علماء الإسلام"[19].
3-  التعريف المختار:
الإجتهاد هو استفراغ الجهد وبذل غاية الوسع، إما في استنباط الأحكام الشرعية وإما في تطبيقها[20].

المبحث الثاني: تعريف الإجتهاد الجماعي.
1 ـ التعريف اللغوي للإجتهاد الجماعي:
سبق أن عرضنا للمعنى اللغوي للاجتهاد:
أما الجماعي: فهو نسبة إلى الجماعة وأصله جمع وهو تأليف المتفرق[21]، جمع وجمعه عن تفرق أي انضم بعضه إلى بعض، وجمعت الشيء جمعاً وجمعته بالتثقيل مبالغة الجمع[22]، والجمع اسم لجماعة من الناس والجمع مصدر قولك جمعت الشيء والجماعة من كل شيئ يطلق على القليل والكثير[23].
ويقال المزدلفة جمع؛ إما لأن الناس يجتمعون بها أو لأن آدم اجتمع هناك بحواء، ويوم الجمعة سمي بذلك لاجتماع الناس به، وضم الميم لغة الحجاز، وفتحها لغة تميم وإسكانها لغة عقيل[24]، وسمي يوم القيامة يوم الجمع؛ لأن الله يجمع الخلائق فيه، قال تعالى " يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ "[25] والجمع ضد التفرق[26].
2 - التعريف الأصولي للاجتهاد الجماعي:
لا شك أن الاجتهاد الجماعي كان منهجاً عملياً التزم به المسلمون في عصر الخلافة الراشدة، بيد أننا لا نجد تعريفاً كاملاً للاجتهاد الجماعي في كتب الأصوليين خاصة السابقين لهذا القرن؛ ولعل السبب في هذا أنهم أدرجوه مفهوم الإجماع. فالإجماع عند الجمهور اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد عصر الرسالة على حكم شرعي"[27].
ولا شك أن الجدل حول وقوع الاجماع وانعقاده ومدى إمكانية معرفته، والإطلاع عليه كان دافعاً رئيسياً للتفكير في صياغة جديدة وواقعية، صياغة تتفق في جوهرها مع التشريع الذي سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)عندما سأله علي رضي الله عن الأمر ينزل بالمسلمين، ولم ينزل فيه قرآن، ولم تمض فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[28]، فسن لذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التشريع الجماعي للنظر في النوازل الطارئة والأمور الخطيرة وهو ما سار عليه الخلفاء الراشدون ومن سلك مسلكم وحذا حذوهم في الالتزام بهذا المنهج، يقول الشيخ محمد رشيد رضا نقلاً عن أستاذه محمد عبده "إن ما أعتقده في الإجماع هو أن يجتمع العلماء النابغون الموثوق بهم ويتذاكروا في المسائل التي لا نص فيها ويكون ما يتفقون عليه هو المجمع عليه حتى ينعقد إجماع آخر منهم أو ممن بعدهم"[29] .
فالممارسة العملية للإجتهاد الجماعي سبقت المعرفة النظرية؛ لذا لا نكاد نجد تعريفاً للمتقدمين، وكان للمتأخرين الفضل في التنظير والتعريف بالإجتهاد الجماعي وعلى رأسهم الشيخ على حسب الله في كتابه أصول الفقه" كل اجتهاد اتفق المجتهدون فيه على رأي في مسألة وهو الذي دل عليه حديث علي رضي الله عنه حين سأل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)عن الأمر ينزل بالناس لم ينزل فيه قرآن ولم تمض فيه سنة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)"اجمعوا له العالمين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد"[30]. وهناك تعريفا أخرى، يمكن الرجوع إليها[31].
3 التعريف المختار للإجتهاد الجماعي:
أن يجمع العالمون من المسلمين ليبذلوا غاية جهدهم في التشاور والتحاور في نازلة من النوازل الطارئة التي لم يرد فيها نص صريح من كتاب الله ولا سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) للوصول إلى الحكم الشرعي في هذه النازلة باتفاق الجميع أو أغلبهم.
الفصل الثاني
المبحث الأول
 مشروعية الاجتهاد الجماعي
استدل الأصوليون جملة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة على مشروعية الاجتهاد بوجه عام والاجتهاد الجماعي على وجه خاص نذكر منها:
أولاً: القرآن الكريم: 
1.  قوله تعالى " وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ..."[32] .
وجه الدلالة:
ترشدنا الآية إلى وجوب رد الأمور الطارئة أو الحادثة في حالتي السلم أو الحرب في الأمور الدنيوية والدينية إلى منهج الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)وإلى أولي الأمر منا حتى يعلمه العلماء القادرون على الاستنباط والاجتهاد.
كما تفيد الآية وجوب إيجاد طائفة من العلماء القادرين على الاجتهاد في الحوادث وتنزيل الأحكام الشرعية على النوازل والواقعات[33].
2.  قال تعالى " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ" [34] .
من الثابت أن الأعراف قد تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، كما أقام عمر حد القذف على من عرض بمحدثة في لهجة غريبة؛ لأن التعريض قام مقام التصريح بحكم الاستعمال العرفي واللغوي، وأن المصالح قد تتغير بتغير ظروفها وملابساتها وأولوياتها، كما روي أن ابن تيمية مر مع بعض أصحابه في زمن التتار بقوم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معه.
فقال ابن تيمية: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم[35].
قال الدكتور توفيق الشاوي: إن الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني التزام الناس جميعاً بالشورى، والتزامهم سواء كانوا حكاماً أو محكومين بتنفيذ القرارات الجماعية الصادرة بالشورى وأنها وسيلتها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[36].
3.  قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"[37] .
وقد قيل في أولى الأمر آراء كثيرة يرجع إلى مظانها والذي أذهب إليه هو: أن لفظ الأمر معناه الشأن، وهو عام يشمل الأمر الديني والأمر الدنيوي، وأولو الأمر الدنيوي هم الملوك والأمراء والولاة، وأولو الأمر الديني هم المجتهدو، وأهل الفتيا، وقد فسر بعض المفسرين وعلى رأسهم ابن عباس أولى الأمر في هذه الآية بالعلماء وفسرها آخرون بالأمراء والولاة، والظاهر التفسير بما يشمل الجميع، وبما يوجب طاعة كل فريق فيما هو من شأنه، فإذا أجمع أولو الأمر في التشريع وهم المجتهدون على حكم وجب إتباعه وتنفيذ حكمهم بنص القرآن[38].
ثانيا: السنة النبوية الشريفة:
يمكن الإستدلال على الاجتهاد الجماعي بما يلي من الأحاديث
1) عن أبي سلمة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)سئل عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنة، فقال صلى الله عليه وسلم" ينظر فيه العابدون من المؤمنين"[39].
2) عن محمد بن الحنفية عن علي كرم الله وجهه قال: قلت: يا رسول الله إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان: أمر ولا نهي، فما تأمرنا قال تشاورون الفقهاء والعابدون، ولا تقضوا فيه برأي خاصة"[40]. وكذا حديث سعيد بن المسيب السابق.
فهذه الأحاديث التي تدل دلالة واضحة وصريحة على الاجتهاد الجماعي.
ومن الأحاديث التي استدل بها بعض العلماء قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"[41].قال البخاري وهم أهل العلم. وفي رواية لمسلم قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة"[42].
3) ومما يستدل به على الاجتهاد الجماعي ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"[43].
فهذا الحديث يدل دلالة قطعية على أن الله قد حفظ هذا الدين، وضمن له الإستمرار والصلاحية والثبات مهما تغير الزمان وتبدل، فدين الله قائم لا يتبدل بل يتجدد.
ويدل كذلك على أن الله قد تكفل ببعث من يجدد هذا الدين للأمة، أفراداً كانوا أو جماعات، وهو ما يؤخذ من عموم لفظة "من" والتجديد كذلك قد تتنوع طرائقه ووسائله إلا أنه يبدأ من نقطة واحدة وهي تجديد الفكر والفقه (الاجتهاد)[44].
4)  ومما يستدل به على الاجتهاد الجماعي جملة من الأحاديث تفيد وجوب التزام جماعة المسلمين.
1. قوله صلى الله عليه وسلم" عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو ما الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة"[45].وبحبوحة الجنة وسطها.
2. قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)"إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم"[46].
3. قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)"إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد على ضلالة، يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار"[47].
  وقد اختلف العلماء في معنى الجماعة المراد في هذه الأحاديث، عدهم الإمام الشاطبي إلى خمسة آراء ثم علق عليها قائلاً إن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد سواء ضموا إليهم العوام أم لا، فإن لم يضموا إليهم فلا إشكال؛ لأن الاعتبار إنما هو بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم، فمن شذ عنهم فمات ميتة جاهلية، وإن ضموا إليهم العوام فبحكم التبع؛ لأنهم غير عارفين بالشريعة، فلا بد من رجوعهم في دينهم إلى العلماء؛ فإنهم لو تمالئوا على مخالفة العلماء فيما حدد لهم لكانوا هم الغالب والسواد الأعظم في ظاهر الأمر؛ لقلة العلماء وكثرة الجهال، فلا يقول أحد: إن اتباع جماعة العوام هو المطلوب، وإن العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمون في الحديث، بل الأمر بالعكس، وإن العلماء هم السواد الأعظم وإن قلوا والعوام هم المفارقون للجماعة إن خالفوا، فإن وافقوا فهو الواجب عليهم. 
فالشاطبي يرى أن المراد بالجماعة، والسواد الأعظم هم أهل الاجتهاد، وهم الحجة على العالمين، وهو رأي له وجاهته؛ لأن أهم مقومات هذه الجماعة وهذا السواد هو التمسك بالدين، والدين قائم على التشريع، والتشريع يتجدد بتجدد الاجتهاد، والاجتهاد لا يقوم إلا بالمجتهدين الذين يجتمعون على رأي أو يجتمع سوادهم على رأي، والاجتهاد الجماعي هو أجل طريق يحقق هذه الفائدة.
المبحث الثاني
أهمية الاجتهاد الجماعي في عصرنا الحاضر
يمكن لنا أن نذكر الأسباب التالية التي نستدل به على أهمية الاجتهاد الجماعي
أولا: تحقيق المنهج التشريعي الذي سنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)لنا في مواجهة النوازل:
نستدل على هذا بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم)فيما رواه سعيد بن المسيب عن علي رضي الله عنه أنه قال "قلت: يا رسول الله ! الأمر ينزل ينا لم ينزل فيه القرآن ولم تمض فيه منك سنة؟ قال: اجمعوا له العالمين، أو قال: العابدين من المؤمنين، فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد"[48].
 وهذا الذي سار عليه أصحاب  النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والأئمة من بعده[49]. قال الآمدي "إن المشاورة إنما تكون فيما يحكم فيه بطريق الاجتهاد لا فيما يحكم فيه بطريق الوحي"[50].
ثانياً: مواجهة تأثير ظروف الزمان والمكان على إيجاد المجتهد المطلق كماً وكيفاً ودفعاً للآثار الخطيرة والناجمة عن ندرة وانحسار أعداد الفقهاء المجتهدين على الإطلاق:
 لا شك أن الاجتهاد منحة ربانية مستمرة يتمتع بها المسلمون بجهود المجتهدين الأكفاء في كل زمان ومكان، ولم تكن خاصة بعصر دون عصر، وبمصر دون مصر.
مع هذا فإن العالم الإسلامي يعاني من مشكلة قديمة ومتجددة ألا وهي تقاعس الهمم وفتور العزائم عن اكتساب الصفات والعلوم الشرعية واللغوية التي تؤهل صاحبها لبلوغ درجة الاجتهاد. ولا شك في أن اضطراب الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كان له بالغ الأثر في هذا الفتور الذي حمل بعض العلماء على القول بتعذر... بل بغياب المجتهد المطلق عن الساحة التشريعية اليوم.
 لا جرم أننا في حاضرنا المعاصر في أمس الحاجة إلى إنشاء مجلس شورى إسلامي يضم أبرز المجتهدين في فروع الحياة المختلفة، في مجال الاقتصاد والسياسة والإدارة والشئون الدولية والدفاعية، وعلم النفس والتربية والحياة والطب، وعلوم البيئة والفيزياء والكيمياء، وطبقات الأرض، مجلس يضم أبرز العلماء والمجتهدين في العالم الإسلامي، يكون بمثابة العقل المفكر والموجه لحياة المسلمين، إن العالم الإسلامي في أمس الحاجة اليوم إلى توحيد الفكر، وتوحيد الاتجاه والسير إلى الأمام، ونرجو أن تصبح لغة المجتهدين وأفكارهم وأفعالهم منسجمة مع روح العصر ومتطلباته، بحيث تنتهي القطيعة وتزول الفجوة بين حملة العلوم الدينية وحملة العلوم الدنيوية[51].
ثالثاً: المنهج الجماعي في التشريع خطوة أساسية في طريق الوحدة الإسلامية:
 لقد كان الفقه الإسلامي من أكبر العوامل في بناء الوحدة الإسلامية، وكان من أمتن الأسس فيها، فإذا لم يبق لهذا الفقه حياة، وإذا ما صار أمره إلى أن يصبح رسوماً وأحاديث، فقد أوشك المسلمون يومئذ أن يعمهم الله بالفرقة، وأن يقطع أمرهم بينهم، وأن يتناكروا فلا يعرف بعضهم بعضاَ، ولا يرجع آخرهم لأولهم، ولا يهتدي لاحقهم بسابقهم، وهذا هو واقع أمتنا الإسلامية اليوم، ولا سبيل للخروج من هذا المأزق ومواجهة المخاطر الجسام التي تهدد أمتنا الإسلامية إلا بإحياء الفقه القائم على المنهج الجماعي في التشريع، والذي يستلزم أن تكون قراراته صادرة من مجتهدي الأمة بإدارة الجماعة التشريعية الواحدة، وبهذا تكون شورى العالمين من أسس الوحدة لهذه الأمة قال تعالى " وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ"[52].
 أمتنا أمة واحدة قائمة على منهج تشريعي واحد تتعاون في تحقيقه جماعة تشريعية واحدة، يقول الشيخ عبد الوهاب خلاف" فباجتهاد الجماعة التشريعية المتوافرة في أفرادها شرائط الاجتهاد تنتفي الفوضى التشريعية وتشعب الاختلافات، وباستخدام الطرق والوسائل التي مهدها الشرع الإسلامي للاجتهاد بالرأي يؤمن الشطط ويسار على سنن الشارع في تشريعه وتقنينه"[53].  
رابعاً: التصدي للهجمات الشرسة والدعوات الباطلة:
 إن التحديات الفكرية والاقتصادية والحضارية المعاصرة التي تواجه الكيان العام، وتستهدف البناء القيمي التشريعي الإسلامي لن يكون مقدوراً عليها إلا بتشكيل العقل العام، والضمير الجماعي المتشبع بالروح العقدية، والفكرية الأصيلة، والروح المعنوية والوجدانية العالية، والنفس الإصلاحية والتعميرية الشامل، والرغبة في الشهادة على العالم، وإحياء الخيرية والرحمة لكافة الناس؛ فالأمة لن تقدر على التحرك لكيانها العام ودورها العالمي في القوامة والخيرية والشهادة على العالمين إلا إذا كان لها عقل جماعي يدرك هذه الأبعاد العالمية والإنسانية والحضارية ويميز بين سلبيات الإنغلاق على الذات والتعصب للمذهب أو التفتح المهزوم والتقليد الأعمى وبين التكتل الأصيل والانتفاع المعمر[54].
خامساً: يمهد الطريق إلى تطبيق الشريعة الإسلامية والاحتكام إلى شرع الله:
  لاشك أن إقصاء المنهج الجماعي في التشريع عن مجال الإمامة وحصره في دائرة الفتوى والقضاء، وانتقالنا من عهد الخلافة الكاملة المتمثل في عصر الخلفاء الراشدين، إلى عصر الخلافة الناقصة.. إلى يومنا هذا ما هو إلا ضعف وقصور في التطبيق الأمثل للشريعة الغراء، بل هو أول معول هدم في صرح التطبيق الأمثل للمنهج الرباني، كيف بنا الآن وقد فرضت علينا نظريات مستوردة وقوانين وضعية وانسلخ فريق منا عن قرآننا الخالد، ومزقنا كل ممزق، وبعدنا كل البعد عن تحقيق المنهج الجماعي في التشريع والمتمثل في شورى الاجماع والاجتهاد، إن الأمر جد خطير إن لم نستيقظ من سباتنا، ونواجه واقعنا بما يناسبه من حلول شرعية.
وحتى نكون منصفين لابد أن ننوه بأن هناك محاولات على المستوى الفردي والجماعي لتقنين الشريعة الإسلامية، ولتقديم الحلول الشرعية لما يواجهنا من مستجدات، لكنها محاولات في طور التنشئة والتكوين[55]. وهي أحوج ما تكون كذلك للجانب التطبيقي والعملي لما تسفر عنه من توصيات وتصدره من قرارات " وما لا يدرك كله لا يترك جله".
سادساً: حاجتنا الماسة إلى تجديد الفقه الإسلامي وتقنينه في صورة عصرية:
لقد عانى المسلمون لقرون طويلة من الجمود على الموروث بأن أغلقوا باب الاجتهاد؛ هرباً من تسلط بعض الحكام، أو خوفاً من استمالتهم لبعض من تسول لهم أنفسهم بمجاراتهم، أو لعلهم قد اكتفوا بما ورثوه من تراث فقهي. أيا كان السبب فإنا اليوم على أعتاب قرن جديد، تبدلت فيه الموازين وتغيرت فيه النظم، واختلطت فيه الأوراق في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. مما يحتم ضرورة تجديد الفقه وإعادة صياغته جديدة في ضوء المستجدات المعاصرة من جديد.
ولا يعني هذا التجديد هدماً لجهد السابقين، ما يقول بهذا أحد وإنما يعني محاولة لتطوير منهج الاستنباط على نحو لا يخرج على القطعيات بحال من الأحوال، وإنما يرى في الظنيات أو بعضها رأياً يكفل للاجتهاد قيادة الأمة في مختلف المجالات، ونبذ السلبية أو التراثية في معالجة المشكلات في عصر تختلف وقائعه وصراعاته الاجتماعية والفكرية كل الاختلاف عما كان من قبل. 
سابعاً: الحيلولة دون توقف الاجتهاد وتفعيل أثره في مواجهة التحديات الاستعمارية المعاصرة:
يقول د/ مصطفى الزرقا: كثر المتاجرون بالدين ولعل كثيراً منهم أغزر علماً وأقوى بياناً من العلماء الصالحين الاتقياء، وقد وجد اليوم من خريجي الدراسات الشرعية من أصدروا كتباً وفتاوى غرارة تدل على أن أصحابها قد وضعوا علمهم تحت تصرف أعداء الإسلام في الداخل والخارج ليهدموا دعائم الإسلام تهديماً لا يستطيعه أعداؤه. تحت ستار الاجتهاد وحرية التفكير...، فإذا أردنا أن نعيد للشريعة وفقهها وروحها وحيويتها بالاجتهاد الذي هو واجب كفائي لا بد من استمراره في الأمة شرعاً، فإن تحقيق ذلك يتطلب ركيزتين إحداهما: تنظيمية. والآخرى تعليمية، الركيزة التنظيمية: الاجتهاد الجماعي ومجمع فقهي عالمي. الركيزة التعليمية: التعليم الشرعي المؤهل للاجتهاد[56].
 ولن يكون هذا إلا بإحياء جذوه الاجتهاد وإذكاء روح التشريع الجماعي بإنشاء مجمع فقهي عالمي ينتخب فيه المجتهدون من أعضاء المجامع الفقهية وممن يستحق الانضمام لهذا المجمع من علماء جميع الدول والأقليات الإسلامية مادام يتوافر فيه شروط الاجتهاد، مع توفير الضمانات التي تحقق لعلماء الفقه والمشاركين في هذا المجمع الحرية الكاملة في الاجتهاد. 
ثامناً: الاجتهاد الجماعي أدق نظراً وأقوى دلالة وأعلى حجية من الاجتهاد الفردي:
من الثابت نصاً وتاريخاً أن اجتماع أولى الأمر في الأمة للتشاور في حكم مسألة لم ينص على حكمها في الكتاب أو السنة والوصل إلى رأي يتفقون عليه فيها نوع من أنواع الاجتهاد وأصل من أصول الأحكام الشرعية في الإسلام، واتباع رأي الجماعة حينئذ مقدم على العمل باجتهاد الفرد[57].
والاجتهاد الجماعي الحر يكون حجة ملزمة لجميع الأمة عملاً بالقاعدة: حكم الحاكم في المسائل المختلف فيها يرفع الخلاف، وهذا مقيد بما لا ينقض فيه حكم الحاكم، أما ما ينقض فيه فلا[58]، وقيام ولي الأمر بتنظيم الاجتهاد الجماعي يجعل له قيمة عملية ويضفي عليه صبغة قانونية. 
تاسعاً: ضرورة الأخذ بالمنهج الجماعي في التشريع لمواجهة المستجدات والنوازل:
ومما لا شك فيه أن وقائع الحياة تتجدد، ونوازل الأيام تختلف أشكالها باختلاف الزمان والمكان، فلكل عصر مشكلاته وواقعه، ولكل جيل قضاياه ومستجداته، ولكل نازلة اجتهادها المستلهم، والناتج من روح ذلك العصر.
 وعصرنا الحاضر في أمس ما تكون حاجته إلى اجتهاد جاد وبناء، اجتهاد عصري قائم على أسس شرعية وعلمية وثقافية؛ لمواجهة التغيرات الاجتماعية والطفرات الصناعية والمستجدات الاقتصادية، والمشكلات السياسية والتطور العسكري والانقلاب التكنولوجي، اجتهاد جماعي يقوم على العقل القاصد الناقد القادر على التحليل، والاجتهاد، والاستقراء، والاستنتاج، والتقويم، والمراجعة في ضوء معايير الوحي المعصومة، واختلاف القدرة على التعالم مع المتغيرات الدولية المتسارعة، والتقنيات الاعلامية المتوفرة، والمعلومات الكبيرة المتدفقة، والمعارف الإنسانية المتيسرة من خلال القيم الإسلامية الخالدة.
 ويجدر بنا أن نشير إلى ما أكدت عليه الندوة الدولية التي نظمها مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة بالتعاون مع جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بواشنطن: أن هيكل النظام العالمي الجديد يفرض على المسلمين العمل على بناء إدارة جماعية إسلامية من أجل إيجاد تضامن إسلامي يزيد من قوة الدول الإسلامية وقدرتها على التأثير في هيكل النظام العالمي الجديد[59].
المبحث الثالث
أركان الاجتهاد الجماعي
الركن الأول: أن يجمع له العالمين من المسلمين:
لا بد لممارسة الاجتهاد الجماعي أن يكون من أهل الاجتهاد، يقول الإمام القرافي " مهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، إذا جاء رجل من غير أهل أقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأجره عليه، وأفته به دون عرف بلدك، والمقرر في كتبك؛ فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين، جهل بمقاصد المسلمين، والسلف الماضين"[60].  
الركن الثاني: أن يبذلوا غاية جهدهم في التشاور والتحاور:
كل مجتهد يعرض لرأيه وحجته، ويستمع لما عند الآخر من وجهات نظر تكملها أو تعارضها، فيزول الخفاء، ويتجلى الغموض، وتتضح معالم الموضوع، ويتيسر استيعاب القضايا المعقدة التي قد ينوء بحملها مجتهد أو بعض مجتهدين، ليصدر الجميع عن رأي واحد تجتمع عليه الأمة.
  فأبو بكر رضي الله عنه كان إذا لم يجد في القضية كتاباً ولا  سنة، دعا رؤوس المسلمين وعلمائهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به[61].
وكان عمر رضي الله عنه يفعل مثل ذلك[62].
الركن الثالث: فقه النازلة:
النازلة في اللغة: المصيبة الشديدة تنزل بالناس[63]. والنازلة: هي الأمر الخطير الذي يهم جماعة من الناس وتتوقف مصالحهم عليه[64].
وفقه النازلة الذي يعد ركناً من أركان الاجتهاد الجماعي هو فقه المعضلات التي تهم جماعة من المسلمين، وتتوقف عليها مصالحهم الدنيوية والدينية، والتي لم ينزل فيها نص صريح من القرآن، ولم تمض فيها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)سنة.
أما إذا لم يكن من الأمور الخطيرة وكان من التشريعات الفرعية، فلا يستلزم جمع العالمين من المؤمنين، فيكفي فيه رأي مجتهد أو بعض مجتهدين، فلا شك أن النوازل المتعلق بمصالح المسلمين العامة محدودة.
الركن الرابع: الاتفاق:
المعني باتفاق هنا هو: اتفاق جميع المجتهدين الذين استنفروا للإجتهاد في المسائل الفقهية.
فإذا لم يتفقوا، فيجزئ في هذه الحالة رأي الأغلبية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)" إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم"[65]. من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)على حكم شرعي. بل نقصد 
المبحث الرابع
الاجماع وإمكانية وقوعه في عصرنا الحاضر
الإجماع في اللغة: الاتفاق والإزماع، وهو مشترك بينهما، فمن أزمع وصمم العزم على إمضاء أمر يقال: أجمع الجماعة إذا اتفقوا يقال: أجمعوا[66].
وفي الإصطلاح: اتفاق مجتهدي أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد وفاته في عصر من العصور على أمر من الأمور الشرعية[67].
والإجماع من الموضوعات التي اختلف فيها الأصوليون فمن العلماء من أنكر إمكان وقوعه كالنظام، وذهب الجمهور إلى القول بحجية الإجماع بل وبإمكان وقوعه في جميع العصور[68]. وقد حكي عن الإمام الشافعي وأحمد أنهما قالا بوقوعه في أصل الفرائض، وفي كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة[69]، وهذا رأي كثير من الأصوليين المعاصرين[70].
بل إن بعض العلماء والأصوليين المعاصرين لهم نظرة خاصة للإجماع؛ فالدكتور يوسف القرضاوي لا يدعو إلى التمسك بالإجماع الأصولي فحسب، وإنما يدعو أيضاً إلى التمسك بما أجمعت عليه الأمة واستقر عليه اعتقادها وتشريعها وفكرها، وتأسست عليه قيمها وأصول تقاليدها، وتفرعت عليه آدابها وأنواع سلوكها وعلاقتها[71].
وقد ذكر العلماء صوراً للإجماع التي تحققت نوجزها فيما يلي:
الصورة الأولى: الإجماع المفيد للقطع واليقين في حكم شرعي مظنون قبله كالإجماع على استحقاق بنت الابن السدس مع البنت تكملة للثلثين، وأن الجدة لا ترث مع الأم....
وفائدة الإجماع في هذه الصورة في أن أحكام هذه الفروع مظنونة قبله؛ لأنها مستندة إلى نصوص ظنية في ثبوتها أو دلالتها، وتصير بعده إلى إفادة العلم اليقيني، حتى لا يصح لأحد الخلاف فيها.
الصورة الثانية: الإجماع المفيد للقطع اليقين في حكم شرعي كان مقطوعاً به قبل انعقاد الإجماع، كالاجماع على استحقاق الزوج النصف عند عدم وجود الفرع الوارث، وأن له الربع إذا وجد الفرع الوارث...
وفائدة الإجماع في هذه الصورة تأكيد اليقين المستفاد من النصوص قبل انعقاده ويترتب عليه تأكيد اليقين بالإجماع على هذا النحو أنه لا يجوز لأحد التعرض لهذه النصوص بتفسيرها تفسيراً يستوجب المخالفة، والخروج على ما استقر عليه الإجماع، فهو ينفي تطرق الظن والاختلاف في تفسير النصوص.
الصورة الثالثة: الإجماع على تأويل النص على نحو معين، فلا يجوز الخروج على هذاالتأويل في الأجيال اللاحقة، ومن ذلك أن قوله تعالى " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ "[72] خاص بالاتهام بالزنا، حيث أجمع العلماء على تفسير رمي المحصنات بذلك، فلا يجوز تفسيره مما يشمل الاتهام الكاذب بالسرقة أو الغش، مع أن هذا كله من قبيل الرمي بالتهم الكاذبة...
ويفيد هذا الإجماع الوقوف عند تفسير النص على النحو الذي انتهى إليه العلماء بإجماع الوقوف عند تفسير النص على النحو الذي انتهى إليه العلماء بإجماع بينهم في عصر من العصور، ومعناه أنه لا يجوز استحداث تفسير آخر يبطل التفسير المجتمع عليه.
الصورة الرابعة: الإجماع على علة الحكم الشرعي، وما يجب به كالإجماع على أن علة القصاص والسبب الموجب له هو القتل العمد العدوان، أما القتل غير العمد فلا يجب القصاص به، ويترتب على أن السبب الموجب للقصاص هو القتل العمد وجوبه على الجماعة إذا قتلوا واحداً عمداً عدواناً طبقاً لما حكم به عمر، وأجمع عليه الصحابة في قضية المرأة اليمنية التي قتلت ابن زوجها بالاشتراك مع عاشقها وصديق له.   
الصورة الخامسة: الاتفاق على رأي واحد بعد الاختلاف إلى عدة آراء كاتفاق الصحابة على خلافة أبي بكر، وحكمهم بانعقاد البيعة له بعد اختلافهم فيمن يتولى الخلافة[73].
نستخلص مما سبق فائدتين هامتين:
الفائدة الأولى:
أن الإجماع في عصر الصحابة لم يقم على أصول الفرائض فقط بل تعداها، ومن ذلك اجتهاد عمر رضي الله عنه في سهم المؤلفة قلوبهم والأرض المفتوحة وإجماع الصحابة على ذلك بعد اختلافهم، ومثل هذا الإجماع قابل للإجتهاد عند تغير الواقع المجتهد فيه، قال يوسف القرضاوي "إن بعض مواضع الإجماع النقلي ذاته قابلة للإجتهاد إذا كان النص مبنياً على رعاية معين أو مصلحة معينة فتبدل العرف أو تغيرت المصلحة"[74].
الفائدة الثانية:
أن الإجماع إرث استقر في تشريع وفكر واعتقاد وشعور وسلوك الأمة، وهو كذلك ميراث فطري استقر في وجدان الصحابة ومن بعدهم فالإجماع إرث فطري توارثه الخلف عن السلف.
بناء عليه نستطيع أن نؤكد بإمكانية حدوث الإجماع في كل عصر وأن هذه حقيقة مسلمة لا جدال فيها. خاصة أن جمهور الأصوليين خاصة المتقدمين قالوا بإمكانية وقوعه عقلاً وعادة[75]؛ لأنه دين شامل حوى إجابات جميع المسائل والمستجدات في كل العصور مع ثبات قيمه ومبادئه وعقائده وضوابطه التي لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الزمان والمكان والأحوال والظروف والأعراف قال تعالى " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " [76].
يقول الصنعاني: ديننا الحنيف هو الدين الشامل الخالد الوحيد الذي يساير ركب الحضارة الإنسانية عبر العصور والأجيال، ويرحب بكل التغيرات الطارئة والمشاكل الناجمة من تحديد الظروف والمصالح على اختلاف المجتمعات الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها، ويعرض لها حلولاً مناسبة في ضوء الأحكام الكلية الأصول الثابتة من الكتاب والسنة"[77].
فإذا كان هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل إمكانية وقوع الإجماع ممكنة في كل عصر فإن لعصرنا الحالي ظروف أعتقد إنها تدعم إمكانية حدوث الإجماع منها:
1. تيسر وسائل الإتصالات وتطورها التي جعلت العالم الكبير بيتاً صغيراً، فما عاد انتشار العلماء في البلاد عاتقاً يحول دون الإجماع وما عاد لتذرع النظام ومنكري الإجماع سبيل إلى ما يقولون: ذلك أن موقعاً واحداً على شبكة الإتصالات  يمكن أن يجمع أقوال وتصريحات جميع العلماء والمجتهدين في العالم كله في وقت واحد حول قضية واحدة، ولكن الموضوع يحتاج إلى تنظيم وإعداد من قبل العلماء والمجتهدين الغيورين على دين الله بالتعاون مع الحكومات الإسلامية ما أمكن ذلك.
2. إن عصرنا عصر العولمة هذا الأخطبوط الذي يهدد كيان الأمة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والأمني ... مما يستثير في الأمة يقظة الإجماع النظري والعقائدي والتشريعي والفكري الشعوري والسلوكي الموروث عن السلف لمواجهة هذا الخطرالداهم.
3. كثرة النوازل والمستجدات مع ثبات الضابط والمعيار، مما لاشك فيه أن كثرة النوازل يترتب عليها وجود حيز كبير من الاختلاف فإن ثبات المعيار والضابط يؤدي إلى وجود حيز ولو محدودة للإتفاق أو بمعنى أدق "الإجماع" ونضرب مثالاً على هذا الاستنساخ،والاستنساخ البشري مجمع على تحريمه على المستوى العالمي، فالمسلمون واليهود والنصارى مجمعون على تحريم الاستنساخ البشري الناتج عن توليد كائن حي أو أكثر، إما بنقل النواة من خلية جسدية إلى بويضة منزوعة النواة وإما بتشطير بيضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز الأنسجة والأعضاء، أو بأية طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري[78].
علاقة الاجتهاد الجماعي بالإجماع
بالنظر إلى بعض اجتهادات الصحابة خاصة فيما لم يرد فيه نص من كتاب الله، ولم تمض فيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)سنة نجد أنها بدأت باجتهاد فردي، ثم تطور إلى مناقشات جماعية بين قبول ورفض ثم انتهى إلى إجماع وقبول عام من جماعة المسلمين خاصة وعامة.
ونذكر مثالاً لذلك اجتهادهم رضي الله عنهم في الأرض المفتوحة، روى أبو عبيد في الأموال أن عمر عمر بن الخطاب قدم الجابية فأراد قسمة الأرض بين المسلمين فقال له معاذ: والله ليكونن ما نكره، إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون، فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام سداً، وهم لا يجدون شيئاً، فانظر أمراً يسع أولهم آخرهم[79]، فاستشارعمر المهاجرين الأولين فاختلفوا، فأما عبد الرحمن بن عوف فكان رأيه أن تقسم لهم حقوقهم، ورأي عثمان بن عفان، وعلي، وطلحة، وعبدالله بن عمر رأي عمر وكان من أشدهم معارضة لعمر بلال رضي الله عنه[80].
مكث عمر يفكر يومين أو ثلاثة حتى ألهمه الله حجته فقرأ قوله تعالى" وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"[81]  "وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ".[82] فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم، فكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص يوم افتتح العراق: أما بعد... فقد بلغني كتابك أن الناس قد سألوا أن تقسم بينهم غنائمهم، وما أفاء الله عليهم، فانظر ما أجلبوا به عليك في العسكر من كراع أو مال فاقسمه بين من حضر من المسلمين واترك الأرض والأنهار لعمالها ليكون ذلك أعطيات المسلمين؛ فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء[83].
يقول د/ يوسف محمود قاسم " وهكذا أثبتت هذه الواقعة أن الإجتهاد الجماعي له أهمية بالغة، وأن موافقة سائر الصحابة عليه يدل على أهمية هذا النوع من الإجتهاد؛ لأنه بموافقة الصحابة عليه صار إجماعاً. فكان الإجتهاد الجماعي هو الخطوة الأولى أو الأساس الأول الذي يقوم عليه الإجماع بالمعنى الأصولي أي الإجماع بمعناه الذي قرره علماء أصول الفقه[84]. 
المبحث الخامس
حجية الاجتهاد الجماعي
ذهب جمهور الأصوليين إلى أن الإجماع الصريح حجة قطعية[85].
الاجتهاد الجماعي لا يكون حجة قطعية إلا إذا تمخض عنه إجماع صريح. أما فيما سوى ذلك فالإجتهاد سواء أكان فردياً أم جماعياً فهو ظني في حجيته وإن كان للإجتهاد الجماعي قوة لغلبة الظن بصوابيته تفوق قوة الاجتهاد الفردي في حجيته؛ لأن الشورى تجلي الفكر، وتقوي البصيرة، ورأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد مهماعلا كعبه في العلم.
لا شك في أن الاجتهاد الجماعي خطوة على طريق الإجماع، وأن الاجتهاد إن لم يؤد في حينه إلى إجماع، فإنه قد يؤدي إلى إجماع في المستقبل، وحتى لو لم يتربت عليه إجماع، فإن صدوره بالأغلبية يجعله مقدم على الإجتهاد الفردي. فالاجتهاد الجماعي حجة ملزمة للعوام، ولمن جهل الحكم من المجتهدين، وللحكام الذين ليس لهم دراية بالأحكام الشرعية. لكن قرارات الاجتهاد الجماعي لا تكون ملزمة لمن خالفها من المجتهدين، فالاجتهاد الجماعي، ليس حجراً على العقول أو مصادرة لحرية الرأي والاجتهاد، فلكل مجتهد أن يلتزم بما أداه إليه اجتهاده.
يقول أ.د. محمود أبو ليل " إن القول بإلزامية الإجتهاد الجماعي للمخالفين نوع من الحجر على العقول وكبت الحريات ومصادرة الأفكار، والتضييق على الناس، وجعل الاجتهاد حكراً على المؤسسات الإجتهادية، تستأثر بسر الفهم والتفسير للنصوص والتطبيق للقواعد، وليس في الإسلام طبقة رجال الدين على غرار مافي النصرانية، وباب الإجتهاد مفتوح لكل من ملك الأهلية، والاختلاف في الفروع ظاهرة صحية وسماحة دينية وثروة فقهية لا ضير فيه ولا غضاضة[86].
أما الدكتور يوسف القرضاوي فيرى أن الاجتهاد الجماعي المنشود يجب أن يؤمن من الإرهاب والكبت الفكري الذي تفرضه بعض الحكومات؛ لذا فهو يقترح أن يجتمع علماء المسلمين أو صفوتهم من كل أقطار العالم في صورة مؤتمر كبير يحدد زمانه ومكانه ليختاروا هم من بينهم من يرونه أحسن فقهاً وأقوم خلفاً؛ ليتكون منهم المجمع العالمي العلمي، وأن قرارات مثل هذا المجمع تكون إجماعاً وحجة على الجميع[87].
من خلال ما سبق نرى أن الإجماع الأصولي يختلف عن الاجتهاد الجماعي في عدة أمور:
1. يشترط في الإجماع اتفاق جميع المجتهدين وحجية هذا الإتفاق تكون قطعية، ويحرم مخالفتها ولو من مجتهد، أما الاجتهاد الجماعي فيكفي فيه اتفاق جماعة من المجتهدين وحجيته ظنية وللمجتهد أن يعمل بما أداه إليه اجتهاده في خاصة نفسه.
2. الإجماع الأصولي ملزم بذاته، أما الإجتهاد الجماعي فيكتسب عنصر الإلزام من سلطة أولى الأمر"[88].
3. الإجماع لا يمكن أن يكون مذهبياً بحال من الأحوال، أما الاجتهاد الجماعي فقد يكون مذهبياً وقد يكون مطلقاً، هذا ما قرره مجمع البحوث الإسلامية في قرارات مؤتمره الأول سنة 1964م[89].
4. الإجماع الأصولي يكون ملزماً في كل زمان ومكان إلا ماكان منه مستنداً إلى مصلحة أو عرف أو علة يدور معها الحكم، أما الإجتهاد الجماعي فقد يكون إلزامه قاصراً على زمان ومكان الاجتهاد، وقد يكون عاماً لكل زمان ومكان كتحريم الدعوة إلى تحديد النسل.
5. لا يشترط في الإجماع تشاور العلماء، أما الإجتهاد الجماعي فالشورى ركن لا بد منه، فاتفاق جماعة من العلماء على حكم شرعي دون تبادل وجهات النظر أو مشاورة ليس اجتهاداً إجماعياً، ولكنه رأي لجماعة من العلماء أو رأي لجمهرة من العلماء.
6. الإجماع الأصولي لا يتعدد في الموضوع الواحد في العصر الواحد، والإجتهاد الجماعي قد يتعدد في الموضوع الواحد وفي العصر الواحد[90].
7. الإجماع عام في كل الوقائع التي نزل فيها نص والتي لم ينزل فيها نص الطارئة وغير الطارئة، الخطيرة والاعتيادية، التي تخص مصالح عامة المسلمين والتي تختص بالمصالح العامة...، أما الاجتهاد الجماعي فهو قاصر على النوازل الخطيرة التي تخص مصلحة المسلمين عامة، والتي لم ينزل بها نص من كتاب ولم تمض فيها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)سنة.
المبحث السادس
حكم الإجتهاد الجماعي
لا شك أن الاجتهاد الجماعي وسيلة لمعرفة حكم الله تعالى في النوازل؛ فهو مصدر من مصادر التشريع الإسلامي ودليل شرعي عليه، وهو تكليف من الله للجماعة التشريعية المؤهلة للاجتهاد حتى تستنبط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة مقاصدهما.
والأصل في حكم الإجتهاد الجماعي الوجوب؛ لما رواه سعيد بن المسيب عن علي رضي الله عنه أنه قال قلت يارسول الله الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولم تمض فيه منك سنة؟ قال: اجمعوا له العالمين ـ أو قال: العابدين ـ من المؤمنين، فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد.
فلفظ اجمعوا فعل أمر يفيد الوجوب، ولفظ "فاجعلوه" أمر يؤكد الوجب، وكذلك "ولا تقضوا فيه برأي واحد" نهى عن انفراد مجتهد بالنازلة يفيد التأكيد على الوجوب أيضاً.
قال الشافعي رحمه الله إذا نزل بالحاكم أمر يحتمل وجوهاً أو مشكل ينبغي له أن يشاور، ولا ينبغي له أن يشاور جاهلاً؛ لأنه لا معنى لمشاورته، ولا عالماً غير أمين؛ فإنه ربما أضل من يشاوره، ولكنه من جمع العلم والأمانة[91].
وفي عصرنا الحالي ظهر الكثير من النوازل التي تحتاج إلى شورى العالمين، كالمعاملات المصرفية، والأسواق المالية، والمستجدات في مجال الطب والاقتصاد والاجتماع والسياسة والاعلام ... الخ.
ويكون الاجتهاد الجماعي فرضاً عينياً كذلك إذا اختلف العلماء في حكم مسألة، اختلافاً يؤدي إلى التعصب المذموم أو اضطراب الأحكام وبلبلة الناس أو ترتب عليه مفسدة عظيمة، قال الإمام المزني في كتاب فساد التقليد "إذا اختلف الأئمة وادعت كل فرقة أن قولها نظر الكتاب والسنة وجب الاقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم.
وطلبت الحق بالشورى الموروثة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ويكون فرضاً عينياً في زمن يندر فيه المجتهد المطلق؛ وذلك لضعف آلة المجتهد المقيد في مواجهة جميع النوازل والوقائع.
أما وقد تعددت المجامع الفقهية، وجماعات الاجتهاد الجماعي في عصرنا الحاضرـ فأغلب الظن عندي إنه إذا لم يخف من فوات النازلة، فإن قام بها بعضهم سقط الطلب عن الباقين ما دام هناك اطمئنان عام لهذا الحكم، وإن تركه الجميع أثموا كلهم. قال تعالى " فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ " [92].
ونجد أيضاً أن من اجتهادات مجامع الفقه المعاصرة: الاجتهاد في نوازل وقعت في المجتمعات الغربية عندنا، ولم تقع في البلاد الإسلامية، من باب الاستعداد للبلاء قبل وقوعه[93].
لا شك أن من المتوقع ما يأخذ حكم الواقع من حيث وجوب البحث والنظر والاجتهاد قال الإمام الزمخشري في تفسير سورة الأعراف" قد يجعل المتوقع الذي لا بد منه بمنزلة الواقع"[94].
وحكم الاجتهاد في مثل هذه النوازل المتوقعة والتي تتعلق بأمر ضروري أو حاجي واجب أيضاً، ومادون ذلك يكون مباحاً؛ بدليل مفهوم المخالفة المستفاد من قول علي بقوله "الأمر ينزل بنا.." والذي يفيد أن مالم ينزل يخرج عن دائرة الوجوب إلى الإباحة.
ولا يكون الاجتهاد الجماعي حراماً إلا إذا كان مصادماً لنص قطعي، أو سنة قطعية، أو مخالفاً للإجماع الأصولي أو متناقضاً مع مقاصد الشريعة وروحها.     


المبحث السابع
نقض الاجتهاد الجماعي
 الاجتهاد الجماعي لا يكون حجة قاطعة إلا إذا تمخض عنه إجماع صريح، وفي هذه الحالة لا ينقض الاجتهاد الجماعي؛ لأنه في منزلة النص القطعي، أما فيما سوى ذلك فالاجتهاد سواء أكان فردياً أم جماعياً فهو ظني في حجيته، وإن كان للإجتهاد الجماعي قوة لغلبة الظن بصوابيته، إلا أنه ينقض إن خالف نصاً صريحاً، أو مقصداً شرعياً، أو أصلاً من أصول العقيدة والشريعة، فالاجتهاد الجماعي ينقض بما ينقض به الاجتهاد الفردي؛ ذلك أن الشرع حجة على الجميع وليس لأحد حجة عليه.
نقض الإجتهاد بنوعيه الفردي والجماعي فهو على النحو التالي:
نقض الاجتهاد:
الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد: أي في الماضي، ولكن يغير الحكم في المستقبل؛ لانتفاء الترجيح الآن؛ ولهذا يعمل بالاجتهاد الثاني[95].
قال الشعبي رحمه الله: "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقضي بالقضاء ثم ينزل عليه القرآن بعد الذي قضى بخلافه فلا يرد قضاءه ويستأنف" وقال صاحب المحيط "وهذا يدل على أن القاضي إذا قضى بالاجتهاد في حادثة لا نص فيها ثم تحول عن رأيه فإنه يقضي في المستقبل بما هو أحسن عنده ولا ينقض ما مضى من قضائه"[96].
وقد حكم عمر رضي الله عنه بعدم تشريك الأشقاء في فرض أولاد الأمن وحكم بعد ذلك بالتشريك[97].
قال الآمدي: " ولو كان حكمه مخالفاً لدليل ظني من نص، أو غيره فلا ينقض ما حكم به بالظن لتساويها في الرتبة، ولو حكم على خلاف اجتهاده"[98].
قال الشاطبي: "لا ينقض مع الخطأ في الاجتهاد وإن تبين؛ لأن مصلحة نصب الحاكم تناقض حكمه، ولكن ينقض مع مخالفة الأدلة؛ لأنه حكم بغير ما أنزل الله"[99].
نقض الاجتهاد بغير الاجتهاد:
قال البزدوي "الاجتهاد لا ينقض بمثله ولكنه ينقض بدليل فوقه"[100]. وقال الفتوحي: "لا ينقض حكم حاكم في مسألة اجتهادية عند الأئمة الأربعة ومن وافقهم للتساوي في الحكم بالظن، وإلا نقض بمخالفة قاطع في مذهب الأئمة الأربعة"[101].
فالاجتهاد لا ينقض بالظن ولكن ينقض بكل دليل قاطع متيقن وبما يحقق المقاصد الشرعية والمصالح العامة.
ما ينقض به الاجتهاد:
أولا: بمخالفة للقرآن الكريم[102]:
وهذا مجمع عليه عند علماء الأصول، فكل اجتهاد خالف نص القرآن القطعي وخرج عن معانيه وأحكامه، أو عارض جميع مدلولات النص الظني فنقضه واجب، فالقرء في قوله تعالى " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ " [103]. لفظ مشترك بمعنى الطهر، أو الحيض، فلا يجوز إحداث قول ثالث يخرج عن مقتضى اللغة والشرع.
ثانياً: السنة المتواترة ويتبعها المشهورة قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"[104]. فالسنة النبوية المطهرة الشطر الثاني في المنظومة التشريعية الخالدة، وكل اجتهاد خالف نصوصها القطعية، أو عارض جميع دلالتها الظنية وخرج عنها فنقضه واجب[105].
ثالثاً: خبرالآحاد: اختلف علماء الأصول في نقض الاجتهاد بخبر الآحاد؛ ذهب بعضهم إلى أن الاجتهاد لا ينقض بخبر الآحاد كالقاضي أبو يعلى[106]، وكثير من الأحناف الذين يقدمون القياس على خبر الآحاد[107]. وذهب آخرون كابن بدان والفتوحي والهيثمي إلى أن خبر الآحاد لا ينقض بخبر الآحاد[108].
رابعاً: الإجماع: وهو مجمع عليه عند علماء الأصول؛ فالاجتهاد ينقض بالإجماع الأصولي المعروف، أما ما ادعاه الإمام السبكي من أن مخالف المذاهب الأربعة فهو كالمخالف فالإجماع فلا وجه[109].
خامساً: القياس: صرح بنقض الإجتهاد المخالف للقياس الجلي، كثير من الأصوليين[110].
وقال آخرون: منهم الظاهرية الذين لا يقولون بالقياس أن الإجتهاد المخالف للقياس لا ينقض به[111].
سادساً: المقاصد الشرعية:
الشريعة الإسلامية تقوم على العدل والرحمة وإيتاء كل ذي حق حقه، وكل ما خالف روح التشريع فنقضه واجب، وكل ما ترتب عليه ضيق ومشقة فلا حرج في دين الله في دفعه[112].
سابعاً: نقض كل مسألة لا تبنى على دليل، أو قامت على الهوى كالحيل المحرمة. قال ابن الجزري: أن يحكم بالظن والتخمين من غير معرفة ولا اجتهاد فينقضه[113].
ثامناًً: من قضى برأيه ناسياً:
ذهب الجمهور ومنهم أبو يوسف إذا أخطأ بلا تأويل فليرده وليطلب صاحبه فيقضي بحق. وقال أبو حنيفة ينفذ رأيه ولا إثم عليه[114].
هل ينقض الاجتهاد الفردي بالاجتهاد الجماعي:
القاعدة أن كل مجتهد ملزم باتباع اجتهاده سواء أكان مجتهداً مطلقاً، أم مجتهداً جزئياً يقول الإمام الشاطبي" فأما المجتهد الناظر لنفسه فما أداه إليه اجتهاده فهو الحكم في حقه"[115].
أما بالنسبة لإتباع العوام والمجتهد الذي يجهل الدليل؛ فعلاقة الاجتهاد الفردي بالاجتهاد الجماعي خاصة فيما اتفقت عليه الاجتهادات الجماعية أو المجمعية ـ علاقة المرجوع بالراجح، قال ابن دقيق العيد" المرجوع لا يدفع التمسك بالراجح"[116].
وقال الكاساني "المرجوح في مقابلة الراجح يلحق بالعدم"[117].

الفصل الثالث
المبحث الأول
 صفات العالمين
الشروط الواجب توافرها في أفراد الجماعة التشريعية كما نص عليها علماء الأصول:
أولا: الشروط التكليفية:
1.  الإسلام: بأن يكون عارفاً بصفات الله، وأسمائه، وأن يكون مصدقاً بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)ومعجزاته.[118]
2. العقل والبلوغ: لابد أن يكون بالغاً عاقلاً، يقدر على استخراج الأحكام من مأخذها؛ فالصبي والمجنون غير مكلفين لعجزهما عن الإدراك الكامل والتمييز السوي، ولعدم نضج ملكاتهما العقلية[119].
3.  العدالة: وهي شرط في قبول الإجتهاد لا في صحة الاجتهاد، لهذا ذهب معظم الأصوليين وجمهور العلماء، بل شدد بعض الشيعة الإمامية في اشتراط العدالة في المجتهد بأن يصل درجة عليا من العدالة[120].
ثانيا: شروط صحة الإجتهاد:
1.  العلم بآيات القرآن الكريم: من فهم دقيق للآيات، ودراية بعلوم القرآن، من أسباب النزول، وناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه، وشرط معرفة القرآن متفق عليه، إنما الخلاف في القدر الواجب معرفته من الآيات فالجمهور[121].
ذهبوا إلى عدم اشتراط معرفة جميع الكتاب، بل ما يتعلق به الأحكام.
وذهب آخرون: إلى وجوب معرفة جميع آيات الله[122]. واختلفوا في اشتراط حفظ القرآن.
 ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه يلزم أن يكون حافظاً للقرآن.
وذهب آخرون إلى عدم اشتراط الحفظ[123].
2. أن يكون عالماً بالسنة وأنواعها: ومايتعلق بها من علوم مصطلح الحديث، وعلم الناسخ والمنسوخ، وتاريخ الرجال...الخ[124].
ثم اختلفوا في معرفة القدراللازم معرفته من الأحاديث.
قيل: خمسمائة حديث.
وقيل: يكفي معرفة أحاديث الأحكام.
وقيل: غير ذلك[125].
يكفي للمجتهد أن يكون قادراً على البحث في كتب السنة، وأن يكون على علم بمواقع هذه الأحاديث، ويمكنه الاستعانة بالمكتبة ووسائل العلم الحديث من الحاسوب.
3. العلم بمقاصد الشريعة: يشترط في المجتهد أن يكون عالماً بمقاصد الشريعة مدركاً لآسرارها ومراميها خبيراً بمصالح الناس وأعرافهم.
فإن مقصود الشارع في الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه المصلحة فهو مفسدة، ودفعها مصلحة، وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات[126].
4. اللغة العربية: فإن علماء الأصول متفقون على ضرورة أن يكون المجتهد على علم باللغة العربية، ولا يشترط فيه علم جميع اللغة، وإنما يشترط القدر الذي يفهم به خطاب العرب.
5. العلم بأصول الفقه: وهذا الشرط متفق عليه، لا شك أن الإجتهاد المطلق في الفقه متوقف على معرفة الأصول والاجتهاد فيه، والحاجة إليه ظاهرة خاصة في باب الظواهر والدلالات، وأحكام التعارض بين الأدلة، والأصول العلمية[127].
6. فقه الواقع (فقه النوازل): وهذا الشرط لم يذكره الأصوليون في شروط الاجتهاد خاصة المتقدمين، إن المجتهد الذي يتصدى للاجتهاد ولا يفقه الوقائع والنوازل يخطئ الحكم ويباين الصواب، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، قال تعالى" وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ "[128] وقال جل وعلا " قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ "[129].
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)على علم كامل بمجريات الأمور من حوله وطبائع الشعوب، وكان الوحي ينزل عليه بما يغيب عنه من حقائق وسنن، ويكشف الحجب عما يعرض له من وقائع، فأقام (صلى الله عليه وآله وسلم)شريعته على الحق والعدل، وجلب المصالح ودرء المفاسد، ومراعاة ظروف الزمان والمكان، وأحوال الناس وعاداتهم وطبائعهم واختلاف إمكاناتهم في الفهم والاستطاعة.
قال الإمام الشافعي: "لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه"[130].
وفي عصرنا الحالي أولى الأصوليون هذا الشرط اهتماماً كبيراً ولعل السبب في هذا وجود كم كبير من النوازل الناتجة عن الثورة العلمية، والتطورات التقنية، والطفرات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والسياسية والنفسية... الخ التي غيرت موازين القوى العالمية، وماترتب عليها من آثار أدت إلى تغير أولويات النظر والبحث، خاصة وأن النوازل في عصرنا تختلف عن نوازل القرون السابقة؛ لأن بعضها قد يكتنفه الغموض وعدم الوضوح، وبعضها الآخر يتصف بسرعة التقلب والتطور، وبعضها الآخر ليست له جذور تاريخية فهو وليد اللحظة أو العصر الحالي.
يقول الشيخ أبو زهرة" ومن شروط الاجتهاد التي ذكرناها شروط أخرى وهي معرفة واقعة الاستفاء، ودراسة نفسية المستفتي، والجماعة التي يعيش فيها ليعرف مدى أثر الفتوى سلبياً وإيجابياً"[131].
ومن ثقافة عصرنا اليوم أن يعرف قدراً من علوم النفس والتربية والاجتماع والاقتصاد والتاريخ والسياسة والقوانين الدولية، ونحوها من الدراسات الإنسانية التي تكشف له الواقع الذي يعايشه ويعامله بل لا بد له كذلك من قدر من المعارف العلمية مثل الإحياء والطبيعة والكيمياء والرياضيات ونحوها؛ فهي تشكل قضية ثقافية لازمة لكل إنسان معاصر[132].
ولا يمكن تحقيقه على أكمل وجه إلا بالمجامع الفقهية. 
المبحث الثاني
ضوابط الاجتهاد الجماعي
 الضوابط الشرعية تجنبنا المزالق، وتنجينا من المهالك، وتقينا مخاطر عزلة الزمان والمكان، فمن ذلك الشروط والضوابط ما يلي:
1. أن يحقق المقاصد الشرعية: لأنها مقصود الشارع من التشريع، تحقيق العبودية الخالصة، والخضوع التام لله تعالى قال عز وجل " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "[133].
وقال تعالى " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ..."[134]. وحتى نكون عباداً خالصين لله فلا بد من الامتثال لمقصود الشارع من الخلق.
ومقصود الشارع من الخلق خمسة أمور هي: أن يحفظ على الخلق دينهم وأنفسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.
وهذه المقاصد لا تعدوا ثلاثة أقسام: أحدهما: أن تكون ضرورية، والثاني: أن تكون حاجية، والثالث: أن تكون تحسينية[135].
2. أن لا يعارض نصاً قطعياً وأن لا يخرج عن دلالات النص الظني: فكل اجتهاد عارض نصاً قطعياً فهو مردود ومرفوض، وهي التي تحتمل معنى واحداً وحكماً واحداً مثل قوله تعالى " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "[136].
فالاجتهاد إن عارض دلالة النص الواضحة أو عارض جميع دلالات الظاهر المحتملة، فهذا اجتهاد باطل لم يقل به أحد.
3. عدم معارضته للإجماع: كإجماع الأمة على تحريم الجمع بين المرأة وخالتها، وتحريم شحم الخنزير، وغير ذلك من المسائل التي تحقق فيها الإجماع القطعي، وفائدة الإجماع هنا ترجع إلى الاتفاق على الدليل الظني ورفعه إلى مرتبة القطعي.
أما الإجماع الذي يقوم على نص مبني على رعاية عرف معين، أو مصلحة معينة، فهو يدور مع العلة والمصلحة الشرعية وجوداً وعدماً، وإن تغير العرف ينتقل الاجماع إلى العرف الجديد.
4. أن لا يصادم القواعد الكلية في الفقه: التي هي : الأمور بمقاصده، واليقيق لايزول بالشك، والمشقة تجلب التيسير، والضرر يزال، والعادة محكمة[137].
5. أن يقوم الاجتهاد على أساس من الموازنة بين ما يجب تحقيقه من المصالح، وما يجب درؤه من المفاسد، وتقديم الأولويات في ضوء الواقع وظروفه، والأعراف ومتغيراتها[138].
قال العز بن عبد السلام " إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى فيها لقوله سبحانه وتعالى " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ "[139] وإن تعذر الدرء والتحصيل فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة قال تعالى في " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا "[140] حرمها الله لأن مفسدتها أكبر من منفعتها، أما منفعة الخمر فبالتجارة ونحوها، وأما منفعة الميسر فبما يأخذه القامر من المقمور، وأما مفسدة الخمر فبإزالتها العقول، وما تحدثه من العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهذه مفاسد عظيمة نسبة إلى المنافع المذكورة إليها، وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة، وإن استوت المصالح والمفاسد فقد يتخير بينها وقد يتوقف فيها، وقد يقع الاختلاف في تفاوت المفاسد.[141]
6. الضابط اللغوي: قال تعالى " لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ "[142]. قال أبو الحسين بن فارس تعلم علم اللغة واجب على أهل العلم؛ لئلا يحيدون في تأليفهم أو فتياهم عن سنن الاستقراء[143].
7. أن يكون محرراً من الضغط والرهبة والرغبة القادحة:  هذا الضابط من أهم الضوابط فهو الذي يضمن سلامة الفتوى وصدقها وبعدها عن المؤثرات التي قد تزيف وتزور تحقيقاتها، وباستقراء التاريخ والواقع يمكننا أن نقول: إن من المؤثرات ما يتعلق بالمجتهد، ومنها ما يتعلق بتسلط ذوي الجاه والسلطان، ومنها ما يتعلق بالدورة الحضارية وما يفرضه واقع الأمة، والضغوط والمؤثرات العالمية والمؤثرات التي تحاك في الداخل والخارج.
المبحث الثالث
مؤسسات الاجتهاد الجماعي في عصرنا الحاضر
سلك المسلمون المنهج الجماعي في التشريع ملتزمين بالتويجه القرآني في قوله تعالى " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ "[144].
والسنة النبوية المتمثلة في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)" اجمعوا له العالمين" في كافة العصور الإسلامية السابقة لهذه الفترة بصورة متفاوته تتأرجح بين القوة والضعف.
وفي القرن العشرين كانت البداية العملية لهذا النوع من الاجتهاد في 12 جمادي الأولى سنة 1354هـ الموافق 11/أغسطس/1935م عندما شكل الشيخ محمد مصطفى المراغي لجنة من كبار العلماء شمل المذاهب الأربعة للفتوى في الوقائع والنوازل. وفي سنة 1950 عقد أسبوع الفقه الإسلامي في باريس. وفي سنة 1961 عقد أسبوع الفقه الإسلامي بدمشق. وفي سنة 1976 مؤتمر الفقه الإسلامي في الرياض وكان بدعوة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ومن الأمثلة على الاجتهاد المجامعي في القرن العشرين:
أولاً: مجمع البحوث الإسلامية بمصر:
 وهو أول مؤسسة تنظيمية أسست لتحل محل جماعة كبار العلماء عام 1381هـ الموافق 1961م، عدد أعضائها لا يزيد على خمسين عضواً من كبار علماء الإسلام، يمثلون المذاهب الإٍسلامية، ويكون من بينهم عدد لا يزيد على العشرين من غير مواطني جمهورية مصر على أن يكون من بين أعضاء المجمع عدد مناسب لا يقل عن النصف متفرغين لعضويته[145].
ثانياً: المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي:
 في عام 1384هـ قرر المؤتمر الإسلامي المنعقد بمبنى الرابطة بمكة المكرمة تأسيس مجمع إسلامي يضم مجموعة من العلماء والفقهاء والمحققين من مختلف أنحاءالعالم الإٍسلامي؛ لدراسة الشئون الإسلامية الطارئة، وحل المشكلات التي يواجهها الإسلام والمسلمون في أمور حياتهم. وهذا المجمع يضم نخبة من فقهاء العصر ومفكريه، متخصصين في مختلف المجالات والعلوم الإسلامية من علوم القرآن والحديث والفقه واللغة والتاريخ والاقتصاد وغير ذلك ويمثلون اثنى عشر دولة إسلامية[146].   
ثالثاً: مجمع الفقه الإٍسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
  وكان ذلك في عام 1403هـ الموافق 1983م، والهدف الرئيسي منه هو عرض الشريعة الإسلامية عرضاً صحيحاً، وإبراز مزاياها، وبيان قدرتها على معالجة المشكلات الإنسانية المعاصرة، وعلى تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وفق تصور شامل للإسلام بأصوله ومصادره وقواعده وأحكامه، على أساس أن الفقه الإسلامي هو ثمرة تحكيم شريعة الله في الواقع الإنساني بكل أبعاده[147].
رابعاً: هيئة كبار العلماء في السعودية:
 أنشئت في عام 1391هـ ومهمتها إعداد البحوث وتهيئتها للمناقشة من قبل الهيئة، وإصدار الفتاوى في الشئون الفردية، وذلك بالإجابة على أسئلة المستفتين في شئون العقائد والعبادات والمعاملات الشخصية[148].
خامساً: الإدارة العامة للإفتاء في الكويت:
 هيئة الفتوى وتتكون من تسعة أعضاء من ذوي الاختصاص الشرعي العالي، بعضهم من خبراء الموسوعة الفقهية، وبعضهم الآخر من أساتذة كلية الشريعة[149].
سادساً: المجلس العلمي الأعلى في المغرب:
 يضم رؤساء مجالس الأقاليم برئاسة الملك وكل مجلس إقليمي له سبعة أعضاء، للمجالس العلمية الإقليمية أن تستدعي بعض العلماء ذوي الكفاءة العلمية لحضور اجتماعاتها؛ بقصد المشاورة وإبداء الرأي[150].

سابعاً: المجلس الأعلى في تونس:
 يضم خمسة وعشرين عضواً أغلبهم من ذوي التكوين الشرعي خريجي الزيتونة، وقد صدر الأمر بتكوين هذا المجلس1989م حيث نص فيه على أن المجلس الإسلامي الأعلى مكلف بالنظر في كل المسائل التي تعرضها الحكومة، وفي المسائل المتعلقة بتطبيق ما جاء بالفصل الأول من الدستور، وفي المسائل المتعلقة بالنواحي الفقهية والاجتماعية.[151] 
ثامناً: مجلس الإفتاء الشرعي في السودان:
 تم تكوين مجلس الإفتاء الشرعي بموجب القرار الجمهوري رقم 514 لسنة 1979 من سبعة عشر عالماً وخبيراً من السودانيين[152].
تاسعاً: مجلس الفكر الإسلامي في باكستان:
 يتألف من أعضاء لا يقل عددهم عن ثمانية ولا يزيد على خمسة عشر، يعينهم رئيس الجمهورية من بين أصحاب العلم والفلسفة كما هي واردة في القرآن الكريم وفهماً لمشاكل باكستان الاقتصادية والسياسية والقانونية والإدارية[153].
المبحث الرابع
قرارات المجامع الفقهية المعاصرة
 إن المجامع الفقهية المعاصرة تقوم بأدوار متعددة ومتنوعة لإحياء الفقه وإنعاش الاجتهاد بشتى صوره وأنواعه، فهي تقوم بدور حيوي في تجديد التفكير الفقهي الجماعي، من خلال متابعتها للمشكلات المعاصرة، والتصدي للاجتهاد والفتيا في نوازل العصر، ومسائل العلم وقضاياه، والبحث عن حلول لها واستنباط للأحكام الشرعية المناسبة لها، وبإحياء التراث الفقهي بتنقيحه وتحقيقه ونشره.
ووضع المعاجم للمصطلحات الفقهية لتيسير الفقه وتقريبه للناس في عصر سادت فيه العجمة، وإصدار موسوعات فقهية وترجمتها إلى لغات أجنبية وتجلية الفكر الإسلامي من كل ما يشوبه بمواجهة الهجمات الإستعمارية الفكرية الشرسة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الأدوار لا تقتصر على الجانب النظري التشريعي وإنما تتعداه إلى الجانب العملي. ويكفي الالتفات إلى الأدوار التي قام بها مجمع البحوث الإسلامية في التمهيد لإنشاء المصارف الإسلامية".
وكذلك الدور الذي تقوم به منظمة المؤتمر الإسلامي في محاولة إنشاء سوق إسلامية مشتركة مستعينة بقرارات مجمع الفقه الإسلامي ودراساته حول الأسواق المالية، والأوراق المالية والتطبيقات الشرعية لإقامة السوق الإسلامية[154].
دور المجامع الفقهية في تجديد وتطوير الفكر الفقهي بشكل عام وتحقيقه للإجتهاد الجماعي بشكل خاص.
اتفاق المجامع الفقهية واختلافها في المسألة الواحدة.
كان لتعدد المجامع الفقهية في البلدان الإسلامية أثر بالغ في إثراء الرصيد الفقهي للأمة الإسلامية في المسألة الواحدة المعروضة على أكثر من مجمع فقهي، أو المسائل التي استحوذت على اهتمام مجمع دون آخر، والناظر المتفحص لهذه المسائل الفقهية يرى أنها لن تخرج عن:
ـ اتفاق جميع المجامع الفقهية في  الحكم الشرعي على  المسالة الواحدة.
ـ اختلاف جميع المجامع الفقهية في الحكم الشرعي على هذه المسألة.
"والحقيقة المؤكدة أن تعدد المجامع الفقهية في هذا العصر هي ظاهرة صحية وسمة مميزة لجهود الأمة الإسلامية في سبيل تحكيم شريعة الله تعالى في كل القضايا المستجدة"[155].
والحقيقة أن اختلاف المجامع الفقهية في المسألة الواحدة يجب أن تدرس أسبابه، خاصة إذا علمنا أن المجامع الفقهية في جلها تعتمد مذهب أهل السنة والجماعة، ومدارس الفقه المعتمدة، وآراء الفقهاء المتقدمين والمحدثين الممتدة رأسياً في عمق الزمان منذ عصر النبوة، وأفقياً في ربوع الأوطان التي يظلها الدين الإسلامي ويحكم تصرفات أفرادها شرع الله..، ومن هنا فمن الفقهاء من يرى أن الاتفاق في الحكم الشرعي بين المجامع يوجب الاتباع ويحرم به المخالفة، بل وينزله منزلة الإجماع[156].
ومنهم من ذهب إلى أنه ملزم لغير المجتهد سواء أكان حاكماً من غير أهل الاختصاص أو عامياً أو لمجتهد جهل الحكم ولم يعمل ملكته في استخراجه أو حاول الاجتهاد وتساوت لديه الأدلة، ولم يظهر له ترجيح[157]. وهذا ما يمكن ترجيحه ذلك في حال اتفاق المجامع الفقهية في المسألة المعروضة، أما في حالة الاختلاف فلا بد أولاً من الأخذ ببعض الاعتبارات التي قد تعين المجتهد على الترجيح:
ـ استيعاب الاجتهاد والتشريع الإسلامي بعلمه لمتغيرات الزمان، والمكان، والأحوال والأعراف، وهيمنة التشريع على هذه المتغيرات، فاستجابة التشريع لمتغيرات الظروف والأعراف، حقيقة ثابتة وقديمة قدم التشريع الخالد.
وعلى ضوء هذه القاعدة فإن اختلاف القرارات المجمعية لاختلاف المتغيرات الزمانية والمكانية والحالية والعرفية لا يعد اختلافاً حقيقياً إنما هو استجابة ومعالجة لوقائع مختلفة استلزمت أحكاماً مختلفة.
ـ قد يكون هناك بعض مجامع تتميز بجديتها وواقعيتها في معالجة القضايا المعاصرة عن البعض الآخر، فإذا ما وجد مجمع بلغ مبلغه من الاهتمام الصادق المتواصل بفقه الواقعة وفقه النص وتجديد خبراته المجمعية ببحث المستجدات وتنمية ملكات الأعضاء من خلال عرض القضايا المستجدة على الخبراء المتخصصين في كافة الميادين ومناقشاتها من جميع جوانبها في مؤتمرات وندوات جماعية فمثل هذا يقدم على آخر يعاني من عجز الإمكانيات المادية أو العلمية، فقيمة القرار المجمعي لا تتوقف على فقه النص وإنما على المزاوجة بين الواقع والنص، فإن الأخذ بهذه الواقعية والعناية بها يعد أهم عوامل الترجيح والانتقاء.
ـ يستعان بوسائل وآليات الترجيح المعتمدة في كتب الأصول والخلاف الفقهي هذا بالنسبة لمجتهد. أما العامي فعليه أن يستعين بمجتهد يثق بدينه وعلمه ليتبعه في اجتهاده، بشرط أن لا يخرج هذا الاجتهاد عن مجموع اتجاهات النظر الفقهي المجمعي أو الجماعي[158].
الإصابة والخطأ في الاجتهاد الجماعي والمجمعي:
قال الإمام الشوكاني في المسائل الشرعية التي لا قاطع فيها: وقد اختلفوا في ذلك اختلافاً طويلاً، واختلف النقل عنهم في ذلك اختلافاً كبيراً:
فذهب جمع جم إلى أن كل قول من أقوال المجتهدين فيها حق وأن كل واحد مصيب وحكاه الماوردي والروياني عن الأكثرين.
وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأكثر الفقهاء إلى أن الحق في أحد الأقوال ولم يتعين لنا وهو عند الله متعين لاستحالة أن يكون الشيء الواحد في الزمان الواحد في الشخص الواحد حلالاً وحراماً، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يخطئ بعضهم بعضاً ويعترض بعضهم على بعض ولو كان اجتهاد كل مجتهد حقاً لم يكن للتخطئة وجه[159].
هذا هوالراجح قال أبو بكر الجصاص " فالمجتهدان إذا اجتهدا في الحادثة فكلاهما قد أصاب ما كلف، وكلاهما مأجور فيما صنع، وأن أحدهما قد أصاب الذي هو الصواب بعينه، وأخطأ الآخر"[160].
قال (صلى الله عليه وآله وسلم)" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر"[161].
فاختلافات في الفروع ثابتة يقول أبو بكر بن العربي " الاختلافات في الفروع من محاسن الشريعة"[162]؛ حيث ثبت في البخاري أن الصحابة اجتهدوا يوم الأحزاب في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)"لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدركهم العصر في الطريق فصلى بعضهم، ولم يصل آخرونن فلم يعنف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)واحداً منهم.
الاختلاف المحمود واحترام الرأي للرأي الآخر فردياً كان أو جماعياً أحد سمات التشريع الإسلامي.
قال عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولاً واحداً كان الناس في ضيق، وأنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة.
قال ابن عابدين: الاختلاف بين المجتهدين في الفروع ـ لا مطلق الاختلاف ـ من آثار الرحمة فإن اختلافهم توسعة على الناس، قال: فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر[163].   
يقول أبو بكر بن العربي: الاختلاف المنهي عنه هو الذي يؤدي إلى الفتنة والتعصب وتشتيت الجماعة، فأما الاختلاف في الفروع فهو من محاسن الشريعة[164].
من خلال ما سبق نقول أننا قد نختلف مع من يترددون في قبول اختلاف وجهات النظر المجمعي في الموضوع الواحد، فنحن لا نرفض هذا الاختلاف إلا إذا كان فيما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصاً بيناً أو كان اختلافاً يؤول إلى محظور شرعي.
تغير الاجتهاد المجمعي
كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري قاضيه على الكوفة: ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل[165]. بل إن العلماء قالوا إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)اجتهد في أمور الدنيا ورجع إلى رأي غيره، كما فعل في تلقيح النخل، والنزول ببدر ومصالحة الأحزاب[166]. بل كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يرجعون عن آرائهم إلى من ظهر الحق في جانبه، كما رجع عمر بن الخطاب عن رأيه إلى رأي أبو بكر في مانعي الزكاة.
فالاجتهاد المجمعي أو الاجتهادات المجمعية لا يخرجون عن هذه الدائرة فإذا تبين خطؤه فلا بد من الرجوع عنه إلى الصواب، وهذا ما حدث فقد تغير مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي الخامس في دورته السابعة حول التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب في الأسبوع السابع وهو الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من زوجين وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى للزوج نفسه، حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم حيث قرر مجلس المجمع أنه جائز بالشروط العامة المذكورة.
ثم تغير هذا القرار إلى عدم الجواز؛ لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن الزوجين مصدر البذرتين. وجاء هذا التغيير في القرار الثاني للدورة الثامنة[167].
المبحث الخامس
نموذج من الاجتهاد المجمعي المعاصر
دراسة مقارنة بين المجامع الفقهية
في نوازل فقه العبادة ( رؤية الأهلة وتحديد بداية الشهور العربية)
ما زالت رؤية الأهلة من القضايا الهامة التي تشغل بال المسلم لما لهذه الرؤية من آثار مباشرة على صحة العبادة المؤقتة بوقت دقيق مثل بداية صوم رمضان، أو وقوف الحجيج بعرفات وغير ذلك، ومنشأ الخلاف قديما كان في تعدد الأهلة والرؤية في العالم الإسلامي لتباعد الأقطار وعدم وجود وسائل معينة على الاتصال فكان كل بلد إسلامي أو إقليم يصوم على رؤيته الخاصة بالهلال، ولكن الخلاف الآن يكمن في مدى إمكانية الاستعانة بالحسابات الفلكية في حساب بدايات الشهور القمرية، وكذا في إمكانية توحيد بداية الشهور القمرية لتعم بلدان العالم الإسلامي بما يحمله ذلك من معاني وحدة الأمة في المشاعر والشعائر.
والحقيقة أن هذا الخلاف قديم، إلا أننا نتعرض للآراء المعاصرة الفردية والمجمعية في هذه النقطة فقط، خوفاً من التطويل.
تعددت اتجاهات النظر الفقهي المعاصر في هذه القضية وتأثرت بمعطيات العلم الحديث وبالتطور التقني والتكنولوجي في عصر السماوات المفتوحة والأقمار الصناعية والمراصد العظيمة مما دفع كثير من علماء المسلمين إلى أن يجددوا فهمهم للأحاديث الشريفة الورادة في هذا الموضوع ويعيدوا النظر في كثير من أقوال العلماء المتقدمين، خاصة وأن هناك الكثير من النصوص القرآنية تؤكد أن الحساب علم لا بد للمسلم من التحصن به في تحقيق منهج العبودبة الخالصة لله عز وجل قال تعالى " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ"[168]  وقال تعالى " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" [169].
من هذه الاتجاهات الفقهية المعاصرة:
الإتجاه الأول: وجوب الإعتماد على الرؤية دون الحساب.
وبه قال الشيخ أحمد حمد الخليلي[170] والشيخ عبد اللطيف الفرفور[171] وهو رأي مجمع العالم الإسلامي في دورته الرابعة[172].
الإتجاه الثاني: وهو جواز الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات أوائل الشهور القمرية دون الحاجة إلى الرؤيا، وهذا رأي د/ مصطفى الزرقا[173].
الاتجاه الثالث: وجوب الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس بالحساب[174].
وبه قال عبدالستار أبوغدة، والشيخ محمد صديق الضرير، وهذا رأي مجمع الفقه لمنظمة المؤتمر الإسلامي[175].
الاتجاه الرابع: وهو الاعتماد على الرؤية شريطة أن لا تخالف الحساب الفلكي القطعي.
وبه قال الشيخ الحبيب بالخوجة، والشيخ المختار الإسلامي، والشيخ عبد العزيز عيسى[176]. وهو رأي مجمع البحوث الإسلامية [177].  أما للأدلة فيرجع إلى مظانها من القرارات.

الخاتمة
1. التعريف المختار للاجتهاد الجماعي:
أن يجمع العالمون من المسلمين ليبذلوا غاية جهدهم في التشاور والتحاور في نازلة من النوازل الطارئة التي لم يرد فيها نص صريح من كتاب الله ولا سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)للوصول إلى الحكم الشرعي في هذه النازلة باتفاق الجميع أو أغلبهم.
2. الاجتهاد الجماعي ثابت بنص كتاب الله تعالى وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وعمل الصحابة رضوان الله عليهم.
3. الاجتهاد الجماعي واجب في عصرنا لتحقيق المنهج التشريعي ومواجهة ظروف الزمان والمكان، وهو خطوة في طريق الوحدة الإسلامية، على طريق تطبيق شرع الله في الأرض، والتصدي للهجمات الشرسة والدعوات الباطلة.
4. أركان الإجتهاد الجماعي:
أـ أن يجمع له العالمين من المسلمين.
بـ ـ أن يبذلوا غاية جهدهم في الشاور والتحاور.
جـ ـ أن يكون في النوازل.
دـ الاتفاق بين أغلبية المجتهدين في الحكم الشرعي.
5. العلاقة بين فقه الواقع وفقه النازلة: علاقة عموم وخصوص، ففقه الواقع يشمل كل الوقائع العامة والخاصة، البسيطة والمعقدة، الاعتيادية والطارئة، التي نزل به نص صريح من كتاب الله، ومضت بها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لم ينزل بها نص صريح، ولم تمض فيها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)سنة، أما فقه النوازل فهو خاص بالوقائع الطارئة الخطيرة التي لم ينزل بها نص صريح من القرآن أو السنة، وهو لفقه عام يهم جموع المسلمين لتوقف مصالحهم عليه غالباً.
6. إمكانية تحقيق الاجماع الأصولي في عصرنا الحاضر.
7. الاجتهاد الجماعي لا يكون حجة قطعية إلا إذا تمخض عنه إجماع صريح، أما فيما سوى ذلك فالاجتهاد سواء كان فردياً أو جماعياً فهو ظني في حجيته، وإن كان للإجتهاد الجماعي قوة لغلبة الظن بصوابيته تفوق حجية الاجتهاد الفردي؛ لأن الشورى تجلي الفكر وتقوى البصيرة، ورأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد مهما علا كعبه في العلم.
8. الاجتهاد الجماعي وسيلة لمعرفة حكم الله تعالى في النوازل، فهو مصدر من مصار التشريع الإسلامي، ودليل شرعي عليه، والأصل في حكم الاجتهاد الجماعي الوجوب عند النوازل.
9. الاجتهاد الجماعي لا يكون حجة قاطعة إلا إذا تمخض عنه إجماع صريح، وفي هذه الحالة لا ينقض الاجتهاد الجماعي؛ لأنه في منزلة النص القعطي، أما فيما سوى ذلك فالاجتهاد سواء أكان فردياً أم جماعياً فهو ظني في حجيته.
10. الصفات الواجب توافرها في الجماعة التشريعية:
أولاً: الشروط التكليفية.
أـ الإسلام.
بـ ـ البلوغ.
جـ ـ العدالة.
ثانياً: شروط صحة الاجتهاد
أـ العلم بآيات القرآن الكريم.
بـ ـ العلم بالسنة بأنواعها.
جـ ـ العلم بمقاصد الشريعة.
دـ اللغة العربية.
هـ ـ العلم بأصول الفقه.
وـ فقه الواقع (فقه النوازل).
11. ضوابط الاجتهاد الجماعي:
1ـ أن يحقق المقاصد الشرعية.
2ـ أن لا يصادم نصاً قطعياً وأن لا يخرج عن دلالات النص الظني.
3ـ عدم معارضته للإجماع.
4ـ أن لا يصادم القواعد الفقهية الكلية.
5ـ أن يقوم الاجتهاد على أساس من الموازنة بين ما يجب تحقيقه من المصالح وما يجب درؤه من المفاسد.
6ـ الضابط اللغوي.
7ـ أن يكون محرراً من الضغط والرهبة والرغبة القادمة.
12. الاجتهاد الجماعي والعمل المؤسسي هو الوسيلة المثلى القادرة على مواجهة تحديات العصر ونوازله ووضع الأحكام الشرعية في مكانها الصحيحة،ويجب تشجيع المؤسسات القائمة والعمل على إيجاد صيغة تجميعية تجمع كل المؤسسات الفقهية المجمعية في صورة اتحاد لتنسيق الجهود وتلافي أوجه القصور والنقص.
13. وجوب الدعم السياسي والمعنوي للمجامع الفقهية القائمة وحمايتها شر التقلبات السياسية لتقوم بدورها في حماية الدين والذود عن الشريعة، وكذلك وجوب الدعم المادي الحكومي لها وكذلك من خلال الأفراد.
14. تطوير الإمكانات المادية والبشرية اللازمة وفتح باب العضوية لذوي الخبرة والكفاءة من العلماء والمشهود لهم بالعلم والتقوى والورع.
15. تفعيل قرارات المجامع الفقهية بنشرها وتعريف الناس بها والاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة للإشارة بها.
16. العمل على إيجاد محاضن تربوية وعلمية تتبنى أصحاب المواهب والكفاءات في الدراسات الشرعية، في صورة معهد أو مؤسسة ذات صبغة علمية وعملية خاصة، وتفريغ المنتسبين لها من شواغل الحياة حتى يتسنى لهم التعلم على أرقى درجات، جامعين بين مميزات الصورة القديمة والتقليدية، وآخذين بتطورات العصر وأساليبه في العلم والعمل.

 

---------------------------------

[1] الملل والنحل 1/199 .

[2]  سورة سبأ 46.

[3]  المصباح المنير 1/176.

[4]  ابن المنظور 3/106.

[5]  سورة الأنعام 109.

[6]  لسان العرب 3/108.

[7]  إرشاد الفحول 250.

[8]  سورة الحج 78.

[9]  المستصفى 341.

[10]  التلويح على التوضيح 1/234.

[11]  الإحكام في أصول الأحكام الظاهري 587.

[12]  الإجتهاد والتقليد 75.

[13]  الإحكام في أصول الأحكام 4/309.

[14]  تيسير التحرير 3/291؛ التقريب والتحبير7/178.

[15]  أصول الفقه أبو زهرة 301.

 [16] المناط:موضع التعلق ومناط الحكم علته وتخريج المناط هو: النظر والاجتهاد في إثبات علة الحكم إذ دل النص أو الإجماع على الحكم دون علته، وذلك أن يستخرج المجتهد العلة برأيه، كالاجتهاد في إثبات كون الطعم علة ربا الفضل في البر ونحوه، حتى يقاس عليه كل ما سواه في علته (الموسوعة الفقهية 11/40) أما تنقيح المناط: فهو النظر والاجتهاد في تعيين ما دل النص على كونه علة من غير تعيين، بحذف مالا مدخل له في الاعتبار مما اقترنت به من الأوصاف (الموسوعة 14/77) وهذا النوع أقر به أكثر منكري القياس بل قال أبوحنيفة: لا قياس في الكفارات وأثبت هذا النمط من التصرفات وسماه استدلالاً، يقول الغزالي: فمن جحد هذا الجنس من منكري القياس وأصحاب الظاهر لم يخف فساد كلامه (الموسوعة  الفقهية 14/79). وتحقيق المناط: هو إثبات وجود العلة في مسألة معينة بالنظر والاجتهاد، قال الإمام الغزالي: هذا النوع من الاجتهاد لا خلاف فيه بين الأمة. (الموسوعة الفقهية 10/233). وزارة الأوقاف الكويتية. 

 [17] وهذه القضية مسار جدل عريض بين العلماء بل وإن هناك خلافات كثيرة بين العلماء والفرق الإسلامية حول بعض القضايا العقلية، على سبيل المثال الإباضية ينكرون رؤية المؤمنين لله في الدار الآخرة، ويشتركون مع المعتزلة في إدعائهم أن القرآن مخلوق، ويخالفون أهل السنة بقولهم: إن مرتكب الكبيرة خالد مخلد في النار في الوقت الذي يزعم فيه المعتزلة أنها منزلة بين المنزلتين (الحق الدامغ أحمد بن حمد الخليلي 95؛ المذاهب الإسلامية أبو زهرة 151). 

[18] راجع قرارات مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي؛ ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي ص 13 قرار رقم 4 بشأن القاديانية وبعضها تناول الغزو الفكري.  

[19]  إرشاد الفحول الشوكاني 260.

[20]   إلى هذا المعنى أشار الإمام الشاطبي في موافقاته حيث قسم الإجتهاد إلى نوعين: الأول: الاجتهاد الناقص وهو المتعلق بتحقيق المناط. والثاني: وهو ما يمكن أن ينقطع وهو ثلاثة أنواع: (تنقيح المناط، تخريج المناط، تحقيق المناط) وتحقيق المناط نوعان: عام وهو الأصولي، وخاص: وهو ناشيئ عن نور يقذفه الله في قلب المؤمن قال تعالى " إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً " سورة الأنفال 19.

[21]  القاموس المحيط 3/14 الفيروز آبادي.

[22]  المصباح المنير 1/170.

[23]  لسان العرب 9/404.

[24]  المصباح المنير 1/171.

[25]  سورة التغابن 9.

[26]  القاموس المحيط 3/15.

[27]  المعتمد في أصول الفقه 2/457.

[28]  حديث سعيد بن المسيب عن علي رضي الله عنه عندما سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فقال:الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولم تمض فيه منك سنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا له العالمين من المؤمنين، فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد" أي برأي فردي، بل جماعي من أهل العلم والعبادة والصلاح.

[29]  تفسير المنار 5/181

[30]  أصول التشريع الإسلامي 93.

[31]  فقه الشورى والاستشارة 242؛ التعريف بالاجتهاد الجماعي ص:31؛ ندوة الاجتهاد الجماعي جامعة الإمارات العربية المتحدة كلية الشريعة والقانون؛ مصادر التشريع فيما لا نص فيه ص:13؛ الاجتهاد الجماعي عبد المجيد السوسوة كتاب الأمة.

[32]  من الآية 83 سورة النساء.

[33]  أصول التشريع الإسلامي 104 وقد استدل بهذه الآية الشيخ على حسب الله ؛ ندوة الاجتهاد الجماعي 1/134؛ الاجتهاد في الشريعة الإسلامية 16 مقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي جامعة الإمام محمد بن سعود 

[34]  سورة آل عمران 110.

[35]  إعلام الموقعين 3/3.

[36]  فقه الشورى والاستشارة 54.

[37]  سورة النساء 59.

[38]  أصول الفقه الشيخ عبد الوهاب خلاف 47.؛وهناك آيات أخرى يستدل بها على الإجماع مطلقا. سواء الفردي أو الجماعي منها: قوله تعالى " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ".[سورة التوبة 122] وقوله " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" [سورة النحل 43] وقوله  " الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا" [سورة الفرقان 59]. وقوله " قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " [سورة سبأ 46]. وقوله " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " [سورة الشورى 38].

[39]  سنن الدارمي باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولاسنة حديث رقم 117 جـ1 ص61؛ إعلام الموقعين 1/50.

[40]  رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثوقون من أهل الصحيح حديث رقم 1641 ؛ مجمع الزوائد الحديث 833-884، كتاب العلم 1/428-431 ورد الشيخ على حسب الله على من قالوا: إن رواته ممن لا يحتج به بقوله: إن معنان في غاية من الصدق والصحة؛ لأنه دعوة إلى الشورى في مهام الأمور يؤيدها القرآن الكريم على ذلك وعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وعمل أصحابه من بعده [ أصول التشريع الإسلامي 71].

[41]  رواه البخاري في كتاب الاعتصام رقم 47311 .

[42]  رواه مسلم في كتاب الإمارة رقم 1037.

[43]  سنن أبي داود كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة رقم 91

[44]  الاجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تحقيقه في عصرنا الحاضر رسالة جامعية  ص: 35.

[45]  جامع الترمذي كتاب الفتن باب ماجاءفي لزوم الجماعة 4/466؛ رقم 2165.

[46]  سنن ابن ماجة كتاب الفتن باب السواد الأعظم حديث رقم 1395.

[47]  جامع الترمذي كتاب الفتن، باب ماجاء في لزوم الجماعة رقم 2167.

[48]  سبق تخريجه.

[49]  أحكام القرآن 4/92.

[50]  الإحكام في أصول الأحكام 4/311.

[51]  مجلة المسلم المعاصر رأي في تكوين المجتهدفي عصرنا د/ محمد فاضل الجمالي عدد 10 ص 136.

[52]  سورة المؤمنون 52.

[53]  الإجتهاد فيما لا نص فيه ص 13.

[54]  مجلة الأمة ص 83.

[55]  إن موضوع تطبيق الشريعة نوقش في مؤتمر الفقه الإسلامي الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود في عام 1976. فمثل هذه المؤتمرات مطلوبة على المستوى الجماعي والمجمعي فهي ومضات مضيئة في طريق التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية.

[56]   مجلة الدراسات الإسلامية ، إسلام أباد باكستان عدد أكتوبر ديسمبر 1985.

[57]  أصول التشريع الإسلامي ص:3.

[58]  الدر المنثور الرزكشي 2/69.

[59]  المنار الجديد ص 134 عدد يناير 1998.

[60]  الفروق للقرافي 1/176.

[61]  إعلام الموقعين 1/50.

[62]  منهج عمر في التشريع د/ محمد بلتاجي ص 528.

[63]  المصباح المنير مادة نزل.

[64]  منهج عمر في التشريع ص: 528.

[65]  سبق تخريجه.

[66]  المستصفى ص: 137.

[67]  شرح التلويح على التوضيح 2/81.

[68]  إحكام الأحكام 1/139.

[69]  الإحكام في أصول الأحكام 1/139؛ أصول الفقه لأبي زهرة ص: 158.

[70]  مناهج التشريع الإسلامي في القرن الثاني الهجري ص2 ؛ أصول الفقه د/ زكريا البري ص: 8.

[71]  كيف نتعامل مع القرآن 350.

[72]  سورة النور 4.

[73]  أصول الفقه د/ محمد سراج

[74]  الإجتهاد في الشريعة الإسلامية 39.

[75]  كشف الأسرار 3/294؛ حاشية العطار 2/229.

[76]  سورة النحل 44.

[77]  إرشاد النقاد ص:11.

[78]  قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظة المؤتمر الإسلامي بجدة ص 219، قرار رقم 94 (2/10).

[79]  الأموال لأبي عبيد 75.

[80]  منهج عمر في التشريع د/ محمد بلتاجي 125؛ أحكام القرآن للجصاص 3/643.

[81]  سورة الحشر من آية 7.

[82]  سورة الحشر من آية 10 .

[83]  المغني لابن قدامة 2/717.

[84]  حجية الإجتهاد الجماعي 2/112.

[85]  دراسات حول الإجماع والقياس 74ـ75.

[86]  الإجتهاد الجماعي ضرورته وحجيته 2/991.

[87]  الاجتهاد في الشريعة الإسلامية 97 و183.

[88]  إعداد الممارسين للإجتهاد الجماعي رؤية فقهية وتاريخية 2/1044.

[89]  قرارات وتوصيات مجمع البحوث الإسلامية 16.

[90]  ندوة الاجتهاد الجماعي جامعة الإمارات العربية المتحدة.

[91]  الأم للشافعي 7/100.

[92]  سورة التوبة 122.

[93]  قرارات وتوصيات مجمع الفقه لمنظمة المؤتمر الإسلامي ص 138.

[94]  الكشااف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 2/92.

[95]  الأشباه والنظائر السيوطي 103؛ الدر المنثور الزركشي 1/95.

[96]  تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق  الزيلعي 6/222.

[97]  الأشباه والنظائر السيوطي 101.

[98]  الإحكام في أصول الأحكام 4/325.

[99]  الموافقات للشاطبي 4/124.

[100]  كشف الأسرار على أصول البزدوي 3/84.

[101]  شرح الكوكب المنير 10/612.

[102]  الفروق للقرافي 2/110؛ الأشباه  والنظائر ص:105؛ القوانين لابن جزي 155؛ المستصفى الغزالي 367.

[103]  سورة البقرة 227.

[104]  سورة النساء 59.

[105]  القوانين الفقهية 1/195.

[106]  المدخل لابن بدران 384.

[107]  أسباب اختلاف الفقهاء 75.

[108]  المدخل لابن بدران384.

[109]  الأشباه والنظائر 105.

[110]  كالآمدي والغزالي والقرافي والسبكي وغيرهم: الإحكام في أصول الأحكام 4/335.؛ الإبهاج للسبكي وولده 3/266.

[111]  المدخل لابن بدران 384.

[112]  يراجع : المستصفى 376؛ المدخل لابن بدران 384؛ الدر المنثور للزركشي 95. لأشباه والنظائر للسيوطي 104.

[113]  شرح الكوكب المنير 614.

[114]  تبصرة الحكام لابن فرحون 1/80.

[115]  الموافقات 4/242.

[116]  إحكام الأحكام 2/140.

[117]  بدائع الصنائع 2/215.

[118]  كشف الأسرار 4/16؛ فواتح الرحموت 2/363؛ شرح الكوكب المير 4/604.

[119]  حاشية البناني وشرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع 2/384.

[120] البحر المحيط 6/423؛ الاجتهاد والتقليد 293.

[121]  الفصول في الأصول  4/274؛ نهاية السول على منهاج 549؛ التاج المذهب 1/7.

[122]  إرشاد الفحول 250.

[123]  تيسير التحرير 4/181.

[124] كشف الأسرار 4/15.

[125]  شرح مسلم الثبوت مع شرح فواتح الرحموت 2/363؛ الاجتهاد والتقليد 81.

[126] التاج المذهب 1/7.

[127]  الاجتهاد والتقليد 80؛ البحر الزخار للمرتضى 3/63.

[128]  سورة النحل .116

[129]  سورة يونس 59.

[130]  الرسالة 500..

[131] أصول الفقه أبو زهرة 319.

[132]  الاجتهاد في الشريعة الإسلامية يوسف القرضاوي 47.

 [133] سورة الذاربات 56.

[134]  سورة البقرة 193.

[135]  المستصفى للغزالي 174؛ الإحكام في أصول الأحكام 3/185.

[136]  سورة الإخلاص 1.

[137] الأشباه والنظائر لابن نجيم 8.

[138]  قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي 100.

[139]  سورة التغابن 16.

[140]  سورة البقرة 219.

[141]  قواعد الأنام العز بن عبد السلام 1/98.

 [142] سورة النحل 103. 

[143]  البحر المحيط للزركشي 2/228.

[144]  سورة أل عمران 159.

[145]  الاجتهاد الجماعي 195.

 [146] كتاب قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي 10.

[147]  الاجتهاد الجماعي 1/409.

[148]  الاجتهاد الجماعي ندوة  كليةالشريعة جامعة الإمارات 436.

[149]  ندوة الاجتهاد 546.

[150]  المرجع السابق.

[151]  المرجع السابق.

[152]  ندوة الاجتهاد الجماعي 611.ـ 613.

[153]  المرجع السابق.

[154]  المرجع السابق.

[155]  ندوة الاجتهاد الجماعي في العالم الإسلامي 2/898.

[156]  المرجع السابق.

[157]  المرجع السابق.

[158] الموسوعة الفقهية 13/163.

[159]  إرشاد الفحول للشوكاني 261.

[160]  الفصول في الأصول 4/297.

[161]  نيل الأوطار 8/301.

[162]  أحكام القرآن 1/382.

[163]  الموسوعة الفقهية 2/296.

[164]  أحكام القرآن 1/382.

[165]  إعلام الموقعين 1/68.

[166]  الموسوعة 22/132.

[167]  قرارات المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ص 137 ـ 143 & 150 ـ 157.

[168]  سورة الرحمن 5.

[169]  سورة يونس 5.

[170]  مفتي الإباضية لسلطنة عمان مجلة المجمع الفقهي 1025.

[171]  مجلة مجمع الفقه منظمة المؤتمر الإسلامي 1072.

[172]  قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ص 66.

[173]  مجلة مجمع الفقه لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

[174]  مجلة المجمع 1016.

[175]  قرار ص 37.

[176]  مجلة المجمع 1072.

[177]  نفس المجع السابق