الأئمّة دعاة الوحدة الإسلامية

الأئمّة دعاة الوحدة الإسلامية

 

 

الأئمّة دعاة الوحدة الإسلامية

 

السيّد باقر الموسوي المهري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يختلف اثنان في أهمية وضرورة الوحدة والانسجام بين كافة المسلمين والتمسك بحبل الله المتين والعروة الوثقى لا انفصام لها والسير تحت ظلال القرآن الكريم وراية «لا إله الاّ الله محمّد رسول الله».

 

والسر في هذا الأمر هو أن كل إنسان مسلم غيور على دينه وإسلامه وقرآنه يعتم بأن يعلو الإسلام ولا يعلى عليه وأن يكون الدين كلّه لله وتكون الغلبة على الكفار والمشركين والصهاينة المجرمين، يرى أن هذه الأمور لا تتحقق في الخارج الاّ من خلال التقريب بين المذاهب الإسلامية والوحدة بين صفوف المسلمين.

 

وقبل أن بحث حول موقف أئمّة الشيعة (عليهم السلام) بخصوص هذه المسألة ينبغي أن نذكر بعض النقاط لكي لا يلتبس الأمر:

 

الاولى: حينما ندعو إلى الوحدة والتقريب ليس مقصودنا ان ينتازل اتباع كل مذهب عن عقائده وآرائه ومتبنايته فيصبح السني شيعياً او يصبح الشيعي سنياً بل كل يبقى على مذهبه وأحكامه الفقهية المرتبطة بمذهبه ولا نريج من النقريب أكثر من هذا.

 

الثانية: ان نحكم على آراء وعقائد وفقه وتفسير كل مذهب بما يراه ذلك المذهب، لا ان نتقول عليهم وننسب إليهم اموراً لا يرضونها ولا يتبنونها أصحاب ذلك المذهب.

فمثلا بالنسبة إلى تحريف القرآن الكريم فالشيعة على الإطلاق يرون أنّ القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والله سبحانه وتعالى صانه من التحريف (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون).

 

أمّا أن نحمل الشيعة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن فهذا ليس بصحيح وخلاف الواقع والحقيقة.

 

الثالثة: عدم استغلال الآراء والأفكار والفتاوى الشاذة المنقولة في بعض الكتب في باب النوادر عند هذا المذهب أو ذاك وثم الحكم عليه بأنّه يتبنّى هذا الرأي كما فعل بعض من كان هدفه تمزيق وحدة المسلمين وضرب بعضهم بالآخر وكذلك ينبغي أن يعلم أنّ هناك أفراداً في كل مذهب يقومون بأعمال ومواقف تنافي الخلق الإسلامي والمبادئ الإسلامية ولا تحترم الرأي المقابل وعقائده بل بتحامل على هذا وذاك فهؤلاء لا نحسبهم على المذهب مطلقاً.

 

الرابعة: أن يعترف كل مذهب بالمذاهب الأخرى بأنّها إسلامية ومرتبطة بالله سبحانه وتعالى وبالقرآن الكريم وأن لا يكفّر الطرف الآخر.

 

بعد أن أوضحنا هذه النقاط نقول: إنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم خير الأنام وقدوة وأُسوة لجميع المسلمين كانوا يهتمون بالوحدة والتعايش السلمي بين المسلمين وكانوا يحثون شيعتهم بالمشاركة في صلواتهم والحضور في مساجدهم، وأن يكون عيدهم واحداً وأن يزوروا مرضاهم ويشيعوا جنائزهم ويوفوا بالعقود والعهود معهم.

 

قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا للناس حقوقهم فإن الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدّى للناس الامانة وحسن خلقه معهم وقيل هذا شيعي يسرني ذلك».

 

حتى يبقى المجتمع الإسلامي مجتمعاً قوياً متماسكاً وصفاً واحداً كالبنيان المرصوص لكيلا يطمع أعداء الإسلام بهم وإضعافهم وتشتيت كلمتهم وتمزيق وحدتهم وبث سمومهم وأفكارهم الفاسدة في مجتمعنا.

 

فعلى المسلمين في العالم الاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً وتطبيق كلامهم وتوجيهاتهم الحكيمة لسعادة المجتمع والأُمّة الإسلامية ولتقوية شوكة المسلمين أمام الاداء والكفّار والاستكبار العالمي.

 

وإذا تصفحنا التاريخ الإسلامي نرى أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يفتون بوجوب الوقوف في عرفات والمشعر الحرام مع سائر المسلمين وأن يكون عيدهم يوماً واحداً وأن كل من نسوّل له نفسه بأن يخالف موقف عامّة المسلمين فعمله بكون باطلا وحجّه غير صحيح.

 

ونرى أيضاً في حياة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) مواقف وحدوية مع أعدائهم للحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية عدم تفكّكها وتمزّقها، فقد وقف الإمام اسجّاد (عليه السلام) مع الخليفة الاموي وعلّمه كيفية ضرب النقود الإسلامية في مقابل ملك الروم الذي كان يهدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي والحاجة إلى نقودهم ـ بالرغم من عداء الخليفة للإمام (عليه السلام) ـ فانقذ الإمام زين العابدين (عليه السلام) الخليفة الاموي بخطّته الرائعة وتوجيهاته وأحبط مرامرات الفكر والالحاد والشرك المتمثّل بملك الروم آنذاك.

 

فنعرف من سيرة الأئمّة (عليهم السلام) أنّ مصلحة الحفاظ على الوحدة بين المسلمين من أهمّ المسائل وتقدم على سائر المصالح.

 

ثم ان نقاط الاشتراك والمواقف المشتركة بين مذاهب المسلمين أكثر من نقاط الخلاف، فالربّ واحد والرسول واحد والكتاب واحد والكعبة واحدة والقبلة واحدة والصلاة والصيام والحج والزكاة امور مشتركة بين سائر المسلمين كافّة.

 

وعلى المسلمين أن يلبوا نداء الوحدة الإسلامية التي تنطلق من مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية كمؤتمرنا هذا، لطرح قضايا المسلمين في العالم وحل مشاكلهم لأجل تقوية المسلمين وإضعاف الكفّار المنافقين وإفشال خطط المتآمرين على الإسلام والقرآن.

 

ومن الجدير بالذكر أنّ اليهود قتلة الأنبياء والصهاينة المجرمين وأسيادهم قاموا بقتل الابرياء من النساء والأطفال والشيوخ في ارض فلسطين المحتلة نتيجة لمزّق صف الأمة الإسلامية وعدم اتحاد كلمتهم وموقفهم تجاه اسرائيل الظالمة التي تعيث في الأرض فساداً فلو كان المسلمون في شتى ارجاء العالم يتحدون في الموقف ضد اسرائيل ويتركون الخلافات المذهبية لما امكنهم قتل المسلمين الشرفاء وهدم بيوتهم ومنازلهم ثم السطرة على مقدرات امورهم واخضاعهم للجلوس على طاولة المفاوضات والتسليم للدول العظمى التي تساند وتدافع وتدعم اسرائيل بالسلاح والقوة.

 

إنّ حاجة الأمة الإسلامية إلى الوحدة والتقريب بين المسلمين في هذا الزمان أكثر واشد من أي وقت مضى لأنّ حقن دماء الابرياء والشرفاء وإيقاف المجازر الوحشية ضد الفلسطينيين الابرياء والوقوف أمام اسرائيل المتغطرسة لا يمكن الا بالوحدة والتماسك والانسجام والالتحام ورص الصف ونبذ التفرقة الطائفية البغيضة.

 

وقد أفتى مراجع الشيعة العظام في العراق مستلهمين من توجيهات الأئمّة بوجوب الجهاد وإخراج الاستعمار البريطاني تحت راية الحكومة العثمانية السنّية المتعصّبة حفاظاً على الإسلام بقطع النظر عن مذاهبه المختلفة.

 

وقد قال الإمام الراحل الخميني (قدس سره) كلمة رائعة خالدة حول موضوع التقريب بين السنّة والشيعة: بأنّ من يفرق بين الشيعة والسنّة لا هو بسنّي ولا هو بشيعي بل هو عميل للاستعمار.

 

وقد جسد هذا الإمام العظيم في حياته العملية هذا الموضوع وفقاً لتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) قبل انتصار الثورة وبعدها، حيث أفتى بجواز دفع الزكاة إلى الاخوة الفلسطينيين السنّة ودعمهم مادياً ومعنوياً وأيّد المشاريع الوحدوية والتقريبية وكذلك خلفه الصالح آية الله العظمى السيّد الخامنه أي دام ظلّه.

 

وبعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة أعطى للاخوة السنّة في إيران كامل الحرية في جميع المجالات فلهم ممثلون في مجلس الشورى الإسلامي ولهم مساجدهم وحوزاتهم العلمية ومعاهدهم الخاصّة بهم حتّى خصصت الدولة الإسلامية ميزانية معينة للحوزات العلميّة السنّية في مناطق تواجدهم وقد عرف اخواننا السنّة اهتمام الإمام ودولته المباركة بهم فعتفوا «لا شيعي لا سنّي قائدنا خميني»، ففي الجمهورية الإسلامية يدرس الفقه السنّي وآراءهم وعقائدهم في بعض الجامعات الإسلامية.

 

وكان يهتم ويطمح المرجع الشهيد الصدر بتدريس الفقه المقارن في حوزة النجف الأشرف بالإضافة إلى تدريسه في كلية الفقه من قبل بعض علماء النجف الأشرف.

 

ولا ينسى العالم الإسلامي الجهود التقريبية الحقيقية للمرحوم الإمام كاشف الغطاء ومنعه لبعض الأعمال المنافية لروح الإسلام السمحة وخلقه الرفيع.

 

ونرى بوضوح هذه الروح العالية الرفيعة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وفي رواة الأحاديث عنهم فإنّ هناك مجموعة من رواة الأخبار عن أئمّة الهدى من أبناء العامّة ومقبولون عند الشيعة وقد ألّف كبار علماء الطائفة تعض الكتب الفقهية تعرض من خلالها إلى آراء السّة بالإضافة إلى أنّ جميع كتب السنّة منتشرة في أوساط الشيعة وفي مكتباتهم ومنازلهم وقلّ أن نجد مكتبة شيعية لا يوجد فيها كتب أهل السنّة كلّ ذلك ببركة التوجيهات الحكيمة للأئمّة (عليهم السلام).

 

والخلاصة: إذا حذفنا بعض المتشنجين المتعصّبين الّذين يتهجّمون على مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ويقومون بجمع الروايات الضعيفة النادرة التي لا يعمل بها الشيعة ثم ينسبونها إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويفترون على هذه المدرسة الطاهرة ويقومون ببثّ الأكاذيب والأراجيف خدمة للمستعمر الكافر ولو لا شعورياً نرى أنّ عموم السنّة وكافة الشيعة اخوة متحابّين في الله وفي الإسلام ولا يهتمّون بهذه الأصوات الشاذّة الخارجة من حناجر الحاقدين على الإسلام بل نرى أحياناً أنّ أهل السنّة يقفون بوجه هؤلاء المتعصّبين ويؤلّفون الكتب المفيدة في الرد عليهم حفاظاً على الوحدة الإسلامية.

 

ونحن في الكويت اتحدنا ونبذنا التفرقة الطائفية البغيضة ببركة تعاليم أهل البيت حينما غزا بلدنا الحبيب زبانية صدام وجنوده وجيشه المجرم فلم يبق في الكويت سنّي ولا شيعي إلاّ ووقف بكلّ شجاعة أمام هذا الجيش الغازي حتّى قتل مجموعة من أبناء المقاومة الكويتية واختلط الدم السنّي بالشيعي وامتزجت الدماء فأثمرت هذه الدماء الحمراء القانية واينعت ثمارها فخرج العدو البعثي من أرض الكويت يجر ذيول الخيبة والحرمان نتيجة للوحدة والاتّفاق ورصّ الصفوف ولو كان الاخوة في الكويت يختلفون حول مسائل مذهبية وطائفية لما نصرهم الله على أعدائهم ونحمد الله على أنّ هذه الحالة موجودة في بلدنا والتعاون والانسجام والتلاحم ظاهرة محسوسة عندنا وجميع العلماء في الكويت يقفون أمام الفتنة الطائفية البغيضة التي تحرق الأخضر واليابس وتوجبالفساد والتفرقة والتمزّق والتفكّك.

 

وقد حاول صدام أن ينفذ في الكويت من خلال تجزئة المجتمع والتفرقة الطائفية بين السنّة والشيعة ولكنّه لم يجد هذا الأمر مطلقاً فخاب ظنّه.

 

ونشاهد في هذا الزمان أنّ الكفر العالمي ودول الشرك والإلحاد والضلال تحاول القضاء على قوة المسلمين وشوكتهم وعظمتهم ومجدهم من خلال التفرقة الطائفية فعلينا الالتفات والحذر واليقظة من هذه الخطط الجهنمية والوقوف بحزم أمام الشيطان الأكبر الذي بدأ بنشر أفكار الطائفية والتفرقة المذهبية لإيجاد الشرخ في جدار الاخوة الإسلامية والوحدة بين المسلمين حتّى يسيطر ويهيمن على البلاد الإسلامية وينهب ثرواتها ويروج ثقافتها المعادية للإسلام.

 

وأخيراً أقول: إنّ من الضروري جدّاً إقامة مثل هذه المؤتمرات لغرض وحدة المسلمين وإقاظهم من سباتهم العميق ولتوسيع دائرة المحبّة والاخوة ونسيان الخلافات والعمل في دائرة المشتركات في المواقف الجادّة ضدّ الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية وأقترح على هذا المؤتمر ما يلي:

 

أولا: محاسبة المتعصّبين الّذين يكفرون سائر المذاهب الإسلاية ويعتبرون أنفسهم مسلمين فقط وكذلك الفحص والتفتيش عن أسباب ودوافع هذا الاندفاع نحو الطائفية والتكفير ونحن قد فحصنا في الكويت ورأينا أنّ الّذين هم وراء اتّهام الشيعة وتكفيرهم وسبّ علمائهم وخصوصاً تجاسرهم على رمز الإسلام الإمام الخميني جماعة من المرتزقة الّذين باعوا دينهم ولهم ارتباط بالنظام العراقي الكافر وغيرمقبولين عند جميع المذاهب الإسلامية.

 

ثانياً: طبع كتب تقرب وجهات النظر بين المسلمين وتوضّح لهم آراء ومتبنيات وعقائد كلّ مذهب من خلال كتبهم المعتبرة وأقوال كبار علمائهم.

 

ثالثاً: الاتحاد في الموقف السياسية للمسلمين حول قضايا مصيرية من خلال هذه المؤتمرات والدعوة إلى توحيد الكلمة وتوحيد الموقف ضد الصهيونية العالمية من خلال خطب الجمعة ومناسبات أخرى كذلك حول الموضوعات المطروحة عالمياً كمشكلة العولمة وغيرها ومواجهة الغزو الثقافي الكافر المتميع وقضايا مهمّة أخرى.

رابعاً: الرجوع في موارد الخلاف المذهبية إلى كتاب الله الكريم الثقل الأكبر والثقل الأصغر فإنّ المسلمين إذا تمسّكوا بهما لن يضلّوا أبداً، كما قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحعلنا من المتمسّكين بحبل الله وعروته الوثقى التي لا انفصام لها وأسأله أن يحفظ هذه الدولة الإسلامية وقائدها الحكيم آية الله العظمى الخامنئي ـ دام ظلّه ـ رمز الوحدة الإسلامية.

والحمد لله ربّ العالمين.