الأقليات المسلمة حقوقها وواجباتها

الأقليات المسلمة حقوقها وواجباتها

 

 

الأقليات المسلمة حقوقها وواجباتها

 

الشيخ موسى سليمان

مفتي جمهورية النيجر

 

الحمد لله والصلاة والسلام على من أرسل رحمة للعالمين، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم الذي تشرفنا به فكنا خير أمة أخرجت للناس.

أما بعد:

فأود بادئ ذي بدء أن انقل الى حضرتكم تحية إخوانكم النيجريين، شعبا وحكومة مقررين أنهم وأنتم جسم واحد لا يتجزأ، آملين ان يكون المؤتمر منطلقا لتاليف قلوب المسلمين ووحدتهم.

وأعتقد ان هذا المؤتمر مثالي وجدير بأن يكون منطلقا لذلك، نظرا لما يتضمنه من مفكرين وعلماء من جميع قارات العالم. وهؤلاء العلماء والمفكرون هم قادة وزعماء دينيون في بلادهم. ومن هنا فإن ما سيتوصلون إليه من نتيجة هي رأي الأمة الاسلامية.

أضف الى ذلك أن الموضوع المطروح موضوع آني ومعاصر، موضوع مهم جدا يحتاج عند تحليله ومعالجته إلى أولئك الجهابذة من العلماء حتى يعطى حقه.

وما من شك ان الحلول التي سيتوصل اليها حلول شافية ناجعة لدى الأمة، وخاصة في هذا الوقت الذي يتهم فيه المسلمون بالإرهاب وهم بريئون منه، وايضا لكون صورة الاسلام قد شوهت عند الغرب، فهم ينظرون الى المسلمين نظرة شرسة، نظرة مخالفة عما كان في حقيقتهم وحقيقة دينهم، فلابد إذن من وضع منهج قويم وسليم لرسم صورة الاسلام الحقيقية وكيفية التعامل والاحتكاك مع من ليسوا بمسلمين.

الانسان خلق ليعيش مع بني جنسه، وهذه الحياة الاجتماعية تفرض عليه حقوقا وواجبات، بغض النظر عن لونه ودينه ومكانته،  ولكن هذه الحقوق والواجبات تتنوع بحسب بيئته ومجتمعه ودينه.

وبما ان موضوعنا يتناول الأقليات المسلمة، فإننا سنتحدث عن الحقوق أولا، ثم الواجبات.

 

الحقوق:

المسلم، سواء كان في أرض الإسلام أو في المهجر، له حقوق، لكننا هنا لا نرى أهمية سرد أنواع هذه الحقوق، قد يكون المسلم في مجتمع غير اسلامي لكنه لا يجد مشكلة لنيل الحقوق التي يتمتع بها غيره من غير المسلمين، وقد يكون محروما من هذه الحقوق لأجل الدين الذي يعتنقه، وتعارضه السلطة التي هو تحت قبضتها، فعندئذ ينبغي أن يكون كيسا لمطالبة هذه الحقوق.

عليه ان يرجع الى الدستور الذي يؤمن به، الدستور الذي يرسم كل الأمور الدينية والاجتماعية الدنيوية والأخروية، ألا وهو القرآن الكريم.

وكذلك إلى من كان هذا الدستور معجزته، وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ألسنا نجد في القرآن قوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الاحزاب: 21).

فلزاما علينا ان نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته ونستنير به في كل مجاري أمورنا.

ونحن نعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ سبيل العنف في معاملته مع غير المسلمين من اليهود وغيرهم، وانما تعاطف معهم وأعطاهم ضمانات، ولم يفرق بينهم وبين المسلمين، كما انه منح لهم كل الحقوق والحريات العامة، كحرية المعتقد وممارسة الشعائر وحرية التفكير والتعلم وحرية التنقل وحرية ممارسة كل النشاطات الاجتماعية، كالأعياد والمهرجانات والزيارات، وحسن الصلة بينهم وبين المسلمين!

فالمسلمون الذين يسكنون في أراضي غيرهم، عليهم ان يتبعوا النظام الذي وضعته هذه الدول والقوانين، ولا يخرجون عن طاعة حكامهم بدعوى طلب الحقوق والحرية، عملا بقوله تعالى:)لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).

وإذا ثبت ان المسلمين متضايقون من تصرفات هؤلاء الحكام ومحرومون من حقوقهم فلا أرى جدوى لاتخاذ اسلوب العنف والهجوم في مطالبة الحقوق، وإنما التحلي بالصبر واتخاذ الحكمة اداة لحل المشكلة، قال تعالى تسلية لرسوله) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً( (المعارج:5).

فنحن نعيش في عصر يتهم الإسلام بالإرهاب، وإذ أن صورته مشوهة عند الغرب، فالمسلم الذي يعيش معهم عليه أن يتحلى بصفات حميدة، ويظهر روح التسامح والسلام، ومكارم الأخلاق، بذلك تؤخذ منه دروس حقيقية لحقيقة الاسلام التي عادت مستوردة ومشوهة. واعتقد بذلك بالأسلوب يعرف حقيقة الاسلام وتعطى للمسلمين حقوقهم.

 

الواجبات:

المسلمون الاوائل اجتهدوا وصبروا وعملوا، فكانت النتجية أن علا بنيانهم وسادوا البلاد وساد بهم الإسلام. فأقبل غير المسلمين إلى الاسلام وفودا شعوبا وقبائل يعتنقونه طواعية لما رأوا من حسن صورته وسهولته، ودواءً لأمراضهم الظاهرة والباطنة.

ونرى أن الأمر ليس بمستحيل أن يسترد الإسلام سيادته وقوته ومجده إليه في عصرنا الحاضر، وذلك عندما يعمل العاملون.

وعلى إخواننا الأقليات المسلمة أن يقوموا بواجبهم لايصال دعوة الإسلام الى المجتمع الذي يعيشون فيه.

الأمم السابقة مكلفة بشيء واحد، أن تؤمن بالله وبرسوله وأن تطيعه فقط.

أما هذه الأمة، فإلى جانب ما كانت مكلفة به الأمم السابقة، مكلفة هي بشيء زائد وهو أن تقوم برسالة رسولها من بعد أن يلحق بالرفيق الأعلى. ومن هنا كانت خير الامم: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110).

فنشر الاسلام الى الذين لم تصلهم دعوة الاسلام أو فهموه خطأ على اعناق العلماء والدعاة والمؤسسات الاسلامية. وهذه الامانة وهذه الرسالة إن تنكروا لها أو قصروا فيها فسيحاسبهم الله قبل ان يحاسب العاصين.

وفي اعتقادنا ان قصور الدعاة عن واجبهم أدى الى اتهام الاسلام بأنه دين تشدد ودين عنف، وهذا خطأ كبير. وما كان الاسلام إلا دين رحمة للعالمين. ولو سادت تعاليمه الأرض ونفوس الناس لسكنت الحروب وسكنت الكروب وانتشر الأمن في هذا العالم المفزع.

فالإسلام لا يقبل أي ارهاب ولا عدوان، وإنما دعوته قامت على المنهاج الرباني: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ( (النحل:125).

فالأمة تحتاج الى روح الداعية الحقيقية، روح تدفع عن الاسلام تهم التعصب وضيق الافق والعنف، لأنها هي روح الخير، روح التسامح روح الجدية، تزن الأمور بميزان القرآن، وبميزان رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخدام العقل الذي قدره القرآن الذي طلب منا جميعا ان نحتكم بعد القرآن وبعد سنة النبي، لنظرته ورؤيته، ولنعرف الواقع، ولنعرف الزمان، ولنعرف شؤون الناس، ولنعرف كيف نصل بالجميع الى شاطئ الامان.

وليكن في علم الاقليات المسلمة أنهم دعاة الى الله في الأوطان التي يعيشون فيها، وأنهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم في مهمته الارشادية، والقائمون مقامه في ابلاغ دين الله. واذا كانت مهمة النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه صعبة، فان مهمتهم اليوم كذلك صعبة، لأن الهدف واحد، وهو مخاطبة القلوب بالحكمة ومجادلة المخالفين بالحسنى. ([1])

وإن تأثير هؤلاء الدعاة بشخصيتهم اللامعة وصحتهم النفسية وإشعاعهم العلمي، وبما يملكون من قدرات على التحليل والاقناع، وإنعام في التفكير  وإلمام بمشاكل العصر وقضاياه مع الاطلاع على الثقافات المعاصرة وما ظهر في هذا العصر من مذاهب فلسفية، كل ذلك من أقوى العوامل التي تمكنهم من اداء رسالتهم على الوجه الامثل. فعليهم إذن التحلي بالصفات التالية:

1ـ الصدق والأمانة:

الصدق فضيلة يجب ان يتحلى بها الداعية، لأن الصادق لا يخالف الواقع، ولأنه يجب أن يتحلى بصفة الرسل ومنها الصدق، لأن الدعوة في حاجة الى صدق في التبليغ ودقة في النقل، حتى يتحقق لدى المخاطبين بالدعوة ان ما يقوله الداعية هو رسالة السماء.

قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ( (التوبة:119).

فالداعية مطالب ايضا بالصدق في معاملته مع من معه، فمن خلال سلوكه وصدقه وأمانته يدرك قيمة الاسلام وقيمة تعاليمه، وهذا بطبيعة الحال يكون سببا لانجذاب الناس إليه.

 

2- القدوة الحسنة:

يجب ان يكون الداعية صالحا في نفسه مستقيما في سيرته، وهو شرط ضروري بالنظر الى انتفاع الناس بإرشاده وتسابقهم إلى اجابته، )أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ( (البقرة:44).

وعليه يجب على الداعية أن يكون ذا نفس زكية وساحة تقية لا مطعن فيها ولا مجال للذم، فيكون كلامه أنفع وهدايته أبلغ.

 

3- الصبر على الأذى:

لاشك أن الدعاة يلاقون كثيرا من الأذى والعنت ممن يعيشون معهم، لأنهم يأمرون بالمعروف ينهون عن المنكر قال تعالى: )يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ( (لقمان:17).

 

4- الإلمام بالثقافة الإسلامية:

إن سعي الداعية لايثمر كثيراً اذا لم يكن ملما بالمعارف الاسلامية ـ لاسيمافي مجتمع لا يعرف عن الاسلام شيئا، أو له فهم خاطئ بالاسلام – فيتحتم على الداعية إذن معرفة القرآن الكريم والسنة النبوية وعلم العقائد الاسلامية والفقه واللغة العربية والسيرة النبوية وتاريخ الاسلام وغير ذلك.

أضف الى ذلك يستحسن أن يكون ملما بثقافة الاجتماع والثقافة العامة التي تعين الداعية في مجتمعه على مواجهة تحديات العصر بحكمة، وأن يكون ناجحا في دعوته مؤثرا في مجتمعه الذي لا يفهم الاسلام او الذي يفهم الاسلام فهما خاطئا.

وعلى الداعي أن، يؤاخي بين التعاليم الاسلامية وبين عادات مجتمعه الخيرة قدر المستطاع، حتى يأنسوا بالإسلام ويدخل الى قلوبهم بسلام. وعليه أن يباعدهم عن عاداتهم السيئة التي تعارض تعاليم الاسلام ألا يدفعهم دفعا ولا يصدهم صدا عنيفا، بل يأخذهم بالتدرج بعد تلك المؤاخاة التي يعقدها بين محاسن عاداتهم وفضائل الاسلام.

هذا ومن الواجبات التي على الداعية الانفتاح وعدم الانغلاق ومخالفة غيرهم والتعامل معهم معاملة حسنة يشاطرهم في فرحتهم، ويعزيهم عند ما تصيبهم المصيبة.

وعلى الاقليات المسلمة أن يكون لها نشاطات ثقافية واجتماعية، وأن تشارك في سياسة بلدانهم، فلا يبتعدوا عن ساحتها. وبذلك يتمكنون من التأثير على غيرهم تأثيرا بليغا.

وشكرا لكم على حسن استماعكم لي، وسامحوني على الأخطاء والهفوات وعلى ركاكة الأسلوب وعدم الدقة في طرح أفكاري لقلة بضاعتي في العلم.

والله أسأل أن يتقبل منا وان يوفقنا الى ما يحبه ويرضاه، ويكلل أعمال هذا المؤتمر بالتوفيق والنجاح.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

([1]) الدعوة الاسلامية اصولها../احمد احمد، ص: 432، دار الكتاب المصري / القاهرة 1987.