الأقليات المسلمة في إفريقيا «مشكلات وحلول»

الأقليات المسلمة في إفريقيا «مشكلات وحلول»

 

 

الأقليات المسلمة في إفريقيا «مشكلات وحلول»

 

عبدالله محمد تقي القمي

سكرتير عام دار التقريب بين المذاهب الاسلامية- القاهرة

 

”  ما أكثر علاتي وما أعظم بلائي “.. لكأني بهذه الأمة الإسلامية وهذا لسان حالها يقول تلك العبارة , وحقا ما أكثر علات جسد هذه الأمة , ولعل الأقليات المسلمة في إفريقيا وما تعانيه من جهل مطبق وفقر مدقع ومرض مزمن يأتي على رأس تلك العلات الموجعة .

وإنا لنسأل بل ونتساءل لماذا تأتي الأقليات المسلمة دوما في ذيل القائمة عندما نتحدث في أي مجال من مجالات الحياة اقتصاديا كان أو اجتماعيا أو ثقافيا ؟

من المعلوم أن الأقليات المسلمة تنقسم إلى أقليات في الغرب المتقدم وأقليات في العالم النامي.

وفي هذه الورقة سنتناول مشكلة الأقليات المسلمة في العالم الثالث عامة وإفريقيا خاصة   (الأفقر في البلدان الفقيرة ) , محاولين مااستطعنا تحديد أسباب ذلك الوضع المتردي والمستوى المتدني لهذه الأقليات في سلم التمدن الإنساني وكذلك الحلول الممكنة لهذه المشكلة.

وبداية لن نتطرق إلى الحديث عن مسألة الحقوق والواجبات لهذه الأقليات المسلمة ؛ إيمانا منا بأن هذه المسألة من صميم الشئون الداخلية لهذه الدول , وأنه متى قام كل مواطن بما عليه من واجبات فإنه في المقابل يتمتع بنفس الحقوق المتوافرة للآخرين بغض النظر عن اللون أو العنصر أو العقيدة.

وبنظرة فاحصة إلى الإحصائيات الدولية نرى أنه ليست هناك دولة واحدة في العالم , حيث تتمتع الأقليات المسلمة بمستوى معيشة ودخل أعلى من المستوى العام للأغلبية في هذه المجتمعات, بل نراها دوما في مستوى متدن ووضع مترد بالنسبة للأغلبية.

فى الغرب هذا الفرق قد تكون أهميته بحثية أو أكاديمية بحتة ولا يعد مشكلة اجتماعية خطيرة , أما في إفريقيا فإن هذا الفرق يعد مؤشرا خطيرا يدل على وجود مشكلة واجبة الحل على وجه السرعة.

 

هناك عدة أسباب معروفة لتخلف هذه الأقليات المسلمة في إفريقيا منها :

1-                 الاستعمار الأوروبي وسياساته في هذه الدول , من إفقار لها على المستوى العام, مع تشجيع المؤسسات التبشيرية وإعطاء المزايا لغير المسلمين ( فرص العمل ــ التعليم ــ المستوى الاجتماعي المتميز.. إلخ ) , حتى أن الاستعمار عندما غادر هذه البلاد كانت الأقليات غير المسلمة مؤهلة للحكم بعد رحيله , حتى في الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل ( تنزانيا ــ الكاميرون ــ السنغال.. وغيرها ) , ونتيجة لذلك أيضا ازداد عدد المسيحيين من 5٪ في بداية العهد الاستعماري إلى ما يقارب الـ50٪ اليوم.

2-                 ترسيم الحدود بين هذه الدول ؛ بحيث أدى إلى توزيع وتشتت القبائل الإسلامية بين هذه الدول بعضها بعضا ؛ مما أدى إلى تفشي الضعف الاقتصادي والاجتماعي بسبب من وضع العراقيل أمام تعاون أفراد هذه القبائل.

3-                 إعطاء المزايا الاقتصادية والاجتماعية بل والنفوذ السياسي لمن يعتنقون الديانة المسيحية , أو على الأقل إعطاؤهم الأولوية في مختلف مجالات الحياة ؛ مما شجع الكثيرين على دخول الديانة المسيحية وساهم في تهميش الأقليات المسلمة إلى أقل حد ممكن.

4-                 ارتباط أغلب الدول الإسلامية المتحررة بعلاقات اقتصادية وسياسية بالدول الاستعمارية السابقة , مع ملاحظة أن هذه العلاقات تتم في الواقع بين المستعمر السابق ومن تركهم من أبناء جلدته أو من غير المسلمين في هذه الدول الذين كانت تربطهم علاقات ثقافية أو ديانة مشتركة ويتمتعون بالأولوية في هذه المعاملات , وما يترتب على ذلك من مكاسب اقتصادية ونفوذ اجتماعي.

وعلى الجانب الآخر يؤسفنا أن نرى بعض الدول الإسلامية في منطقتنا يميزون في الأجور بين القادمين من العالم الأول ونظرائهم من المسلمين القادمين من العالم العربي أو الإسلامي.

5-                 تأخر الدول العربية والإسلامية في مجالات العمل الإنساني والجمعيات التطوعية التي تسعى إلى خدمة المجتمع وتنميته , ولعل ذلك راجع إلى أن الاهتمام بالأقليات المسلمة هنا وهناك , لم يكن يحتل جانبا عظيما لدى أغلب هذه الدول بعد استقلالها.

6-                 ونتيجة لما سبق.. فإن أول ظهور للمؤسسات الخيرية والإنسانية الإسلامية ــ حكومية كانت أو أهلية ــ كان في أواخر السبعينيات ونما سريعا أثناء الثمانينيات ؛ مما جعلها ــ أي المؤسسات الخيرية ــ ذات أثر محدود في خدمة المجتمع نتيجة ضعف الخبرة مخلة المدة.

7-                 عدم تسهيل قيام جمعيات أهلية وخيرية في بعض الدول الإسلامية , وعدم تشجيع العمل التطوعي.

8-                 وضع العراقيل والعقبات في سبيل العمل التطوعي الإسلامي, بل وتوجيه الاتهامات والنظر إليه بنظرة الشك بدءاً من أحداث نيروبي 1997م , وزاد الأمر سوءاً بعد أحداث سبتمبر 2001م ؛ مما أدى إلى قلة وتدهور موارد هذه الجمعيات ؛ نتيجة تخوف المانحين من تجميد أموالهم إذا ما وجهت إليهم تهمة التبرع لهذه الجمعيات الإسلامية ؛ مما ترك فراغا كبيرا ملأته عن جدارة واقتدار الجمعيات التبشيرية.

 

ونرى حرصا منا على المصلحة , ومعالجة لهذه المشكلة العويصة ما يلي :

1-                 إيجاد هيئة للتنسيق بين أعمال المؤسسات الإسلامية المهتمة بشئون الأقليات في العالم الثالث ؛ وذلك لتعظيم العائد وعدم تشتت الجهود وتكرارها.

2-                 التركيز على القيم الإنسانية والتي هي جزء لا يتجزأ من عالمية الإسلام.

3-                 عدم نقل الصراعات الفكرية والمذهبية من الداخل إلى الخارج , والاكتفاء بنشر قيم الإسلام السمحة وأصوله العظيمة.

4-                 الاستفادة من خبرات الجمعيات أو المؤسسات الخيرية العالمية ــ غير التبشيرية ــ نظرا لكفاءاتها وخبراتها الطويلة في شئون الإدارة (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ).

5-                 تيسير وتشجيع إنشاء المؤسسات الغير حكومية في البلاد الإسلامية على غرار ”  أطباء بلا حدود و أوكسفام “ في مجالات التنمية المختلفة مثل التعليم والعلاج والمهارات الفنية والمقاصد الخيرية المختلفة ؛ بهدف التوسع في العمل التطوعي ذي الطابع غير الدعوي.

6-                 عدم اقتصار بذل الجهود على المجتمعات الإسلامية فقط بل مد يد العون والمساعدة لجميع المحتاجين في كل المجتمعات دون تمييز.

7-                 التركيز على كفاءة المؤسسات والأفراد العاملين في هذا الميدان قبل أي اعتبار أيديولوجي ( فخير الناس أنفعهم للناس كما قال المصطفى  عليه الصلاة والسلام ).

خلاصة القول هو إعطاء الأولوية للتعليم المواكب لمتطلبات العصر , وكذلك تعليم المهارات المهنية وتشجيع إنشاء المشروعات الحيوية التي توفر المياه النظيفة والعلاج الصحي والمستوى الاقتصادي المعقول.

وليكن هدفنا الأعظم أن نعمل جاهدين كي تنضم تلك المجتمعات ذات الأقليات المسلمة إلى قائمة المشاركين في ركب الحياة وليس قائمة المشاهدين لهذا الركب ؛ فنحن مدينون لهذه القارة السمراء بالكثير ؛ فقد كانت موطن هجرة المسلمين الأوائل فلا أقل من أن نرد لها الجميل ؛ برفع مستوى أبنائها علميا وصحيا واجتماعيا ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون “  صدق الله العظيم .