الاجتـهاد الفقـهي وأثره في التقريب بين المذاهب الإسلامية

الاجتـهاد الفقـهي وأثره  في التقريب بين المذاهب الإسلامية

 

 

الاجتـهاد الفقـهي وأثره  في التقريب بين المذاهب الإسلامية

 

د. عبد الستار إبراهيم الهيتي أستاذ بجامعة البحرين ـ قسم الدراسات الإسلامية

 

المقــدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.

 

وبعــد:

  فإن من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن جعل لها أئمة من أبنائها كانوا مصابيح هدى وسفن نجاة يدلونهم إلى الخير ويبينون لهم سبل الرشاد، يفسرون لهم القرآن، ويشرحون لهم السنة ويستنبطون لهم الأحكام الشرعية من خلال الآيات والأحاديث، فنتج عن ذلك أن تكونت المدارس الفقهية وتعددت المذاهب الإسلامية، لكل مذهب منهج، ولكل مدرسة طريقة، ولكل مجتهد أسلوب، ولكن الجميع متفقون على أن الغاية والهدف واحدة تتمثل في محاولة الوصول إلى الحكم الأرجح وتقديمه للمسلمين من أجل تنفيذ شرع الله وتطبيق حكمه، المشرع واحد وهو الله سبحانه وتعالى، والمصدر واحد وهو الوحي " قرآنا وسنة، والمبلغ واحد وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد أحسن الإمام البوصيري رحمه الله حين قال:

       وكـلهم من رسـول الله ملتمس     **     غرفا من البحر أو رشفا من الديم

هذا الاجتهاد الشرعي، وتلك المدارس الفقهية المتعددة المناهج والرؤى خلفت لنا ثروة فقهية ناضجة وكبيرة يحق للأمة أن تفخر بها وتعتز بعلمائها، ولذلك ينبغي علينا أن نجعل منها سبيلا للتقارب كما هي في أصل تكوينها، وليس وسيلة للتقاطع كما يريد بعض الجهلة من أتباع المذاهب أن يصورها، ليكون الاجتهاد الفقهي مصدر قوة للأمة وميدان تفاخر لأبنائها، وهذا لن يتحقق إلا إذا أدرك جميع أبناء الأمة على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم الفقهية أن الاجتهاد الفقهي باب من أبواب الوحدة الإسلامية، وليس منفذا من منافذ الفرقة والتشتت.

 وبناء على المعطيات التي أشرت إليها كان اختياري لهذا الموضوع تحت عنوان ( الاجتهاد الفقهي والتقريب بين المذاهب ) وقد عالجته من خلال المحاور التالية:

 1 ـ طبيعة الاجتهاد الفقهي وأهميته.

 2 ـ الوحي الإلهي والفكر البشري.

 3 ـ العلاقة بين أتباع المذاهب الفقهية.

 4 ـ الاجتهاد الفقهي سيبل للتقريب وليس وسيلة للتقاطع.

 أملي كبير أن أكون موفقا في عرض هذا الموضوع ومعالجته بما يتناسب وأهميته الشرعية، والله من وراء القصد.

 طبيعة الاجتهاد الفقهي وأهميته في حياة الأمة:

 يقول علماء الأصول إن الاجتهاد هو: بذل الجهد واستفراغ الوسع في الوصول إلى الأحكام الشرعية بطريق الاستنباط من دليل تفصيلي من الأدلة الشرعية[1].

 وإذا كان الاجتهاد بذلَ الجهد لمعرفة حكم الله عز وجل في أمر ما وفق الضوابط والأصول التي حددها علماء الأمة، فإنه ينبغي أن يكون عدّة كل مسلم ورفيقه في تعامله مع الله عز وجل من خلال تنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه.

 إلا أنه نظرا إلى تفاوت البشر في القدرات الفكرية ووسائل الدراية والاستنباط، ونظرا إلى اختلافهم في الانصراف إلى المشاغل الدنيوية التي تحول دون إمكان قيامهم جميعاً بهذا الواجب على السواء وبالوجه السليم، فقد كان من رحمة الله بعباده أن رخص  لهم في إتباع من أتيح لهم النهوض بهذا الجهد، وذلك من خلال خطابه الذي قال لهم فيه  (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))[2] وبهذا كان الاجتهاد واجبا كفائيا إذا قام به من يقعون موقعاً من الكفاية التي تحتاج إليها الأمة في التبّصر بأحكام دينها سقطت مسؤولية هذا الواجب الاجتهادي عن الباقين. ولئن كان الاجتهاد ضرورياً لكل زمان لمعرفة شرع الله تعالى ولإتباع الكتاب والسنة اللذين أمرنا باتخاذهما مصدرين أساسيين للتشريع فإن زماننا أولى العصور بذلك، وما ذلك إلا لتعدد القضايا الهائلة والمستجدة التي لم تنص عليها آية قرآنية أو حديث نبوي، الأمر الذي يقتضي وجود منهج متجدد لاستنباط الأحكام منهما ومعالجة النوازل.

 وبناء على ما تقدم فإنه من الضرورة بمكان وجود طائفة من العلماء المجتهدين في كل عصر، إذ لا يخلو كل زمن من جديد لم يكن موجوداً أو معلوماً من قبل، يحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الله فيه، وإنما سبيل ذلك الاجتهاد والاستنباط وإعمال الفكر، فإن خلا عصر من العصور من المجتهدين المهتمين بأحكام الشريعة وتفاصيلها، توّرط المسلمون كلهم من جراء ذلك التقصير في معصية لا ترتفع عن كواهلهم إلا بوفرة هذه الطائفة الكافية من العلماء الذين بلغوا مبلغ القدرة الاجتهادية على استنباط الأحكام من مصادرها.

 وإذا كان الجهاد في سبيل الله الذي هو من أهم ما فرضه الله على عباده وألزمهم به وهو ذروة سنام هذا الدين، فقد أباح الله تخلف نفر من الناس عن الخروج إلى الجهاد لكي يتفرغوا للتفقه في الدين الذي هو استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة فقال تعالى (( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ))[3] ولا شك أن هذا من أوضح الأدلة على أن الاجتهاد في فهم أحكام الدين فريضة كالجهاد، ولكنه فرض كفائي يكفي في القيام به نفر من الناس بحيث يشكلون مرجعاً كافياً لعامة الناس فيما قد يستشكلونه أو يسألون عنه.

 أما موضوع الاجتهاد فإنه يدور حول النص من القرآن أو السنة و يظلّ مرتبطاً به، خاضعاً له، باحثاً عنه، ذلك لأن الاجتهاد في مسألة ما من مسائل الدين، لا يعدو أن يكون استجلاء لمدى صحة النص وثبوته، أو تبيناً لمعناه ودلالته، ويدخل في الحالة الثانية البحث في مدى عموم النص أو خصوصه، أو إطلاقه أو تقييده، وفي مدى خضوعه للتأويل، وفي العلة التي يدور عليها حكمه.

 وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله ( ليس لأحد أبداً أن يقول في شيء حلّ أو حرم إلا من جهة العلم، وجهة العلم الخبر في كتاب الله أو السنة أو الإجماع أو القياس )[4] ومعلوم أن كلاً من الإجماع والقياس أثر من آثار النص لا يتقومان إلاّ به ولا ينهضان إلا عليه.

 ومن هنا فإنه لا يجوز للفكر البشري أن يتخطى حدود النص ومدلولاته عن طريق الاجتهاد لأن في ذلك إبطال لحكم الشريعة وتجاوز على قدسيتها، وقد أوضح الشاطبي هذه الحقيقة بدقة بارعة عندما أكد أنه لا يجوز للعقل البشري أن يتجاوز الوحي والنص، إذ أنه لو جاز للعقل تخطّي مأخذ النقل ـ أي النص ـ لجاز إبطال الشريعة بالعقل وهذا محال باطل. وبيان ذلك أن معنى الشريعة أنها تَحُدُّ للمكلفين ـ أي بالنقل الوارد إلينا من الله ورسوله ـ حدوداً في أفعالهم وأقوالهم واعتقاداتهم فإن جاز للعقل تعدي حدٍّ واحد، جاز له تعدي جميع الحدود، لأنّ ما ثبت للشيء ثبت لمثله... وهذا ما لا يقول به أحد[5]. وتمشيا مع هذه الأسس ذكر الشيخ الخضري بيك أنه ينبغي للمجتهد أن يكون قادرا على استنباط علل الأحكام من النصوص الخاصة والعامة، ولابد أن يعرف الأصول الكلية التي بني عليها الشرع الإسلامي لتكون له بمثابة شهود عدل على ما يستنبطه من العلل في الوقائع الجزئية[6].

 إن مما لا ريب فيه أن كل مجتهد من مجتهدي الأمة ومن سبقهم من علماء السلف لن يقول أحدٌ منهم قولاً ليخالف نصاً من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أشد الناس حذراً من ذلك، بل هم فيما بينهم لم يتعمدوا مخالفة بعضهم البعض، وقد يترك أحدهم رأيه موافقةً لرأي صاحبه أو مراعاةً لخلافه، وعليه فإن سلف الأمة وجميع الأئمة إنما اختلفوا في سبيل الوصول إلى الحق وتحقيق مقاصد الشرع بما أعطاهم الله من فهم للكتاب والسنة، لا سيما في مواطن الاحتمال ومسائل الاجتهاد والاستدلال، ولم يختلفوا ليخالف بعضهم بعضاً أو يخطئ بعضهم بعضاً. ولذلك فإن الاختلاف الناشئ عن الفهم والمستند إلى الضوابط والبحث عن الحقيقة مع عدم تعمد المخالفة لم يؤدِّ يوماً إلى التنازع أو شقّ وحدة المسلمين.

 وهكذا تبرز أهمية الاجتهاد في حياة الأمة كونه يمثل الحركة الدائمة التي تمد المسلمين بالأحكام الشرعية في نوازلهم ومستجدات حياتهم، بحيث لا يقف الفقه الإسلامي موقف الجمود والانكفاء في متابعة المستجدات المعاصرة، وإنما يأخذ دوره الريادي والقيادي في تقديم صياغة فقهية شرعية لكل ما تحتاجه الأمة في حياتها.

 

الوحي الإلهي والفكر البشري:

 إن تلازم الوحي الإلهي والفكر البشري في ميدان التشريع الإسلامي يطرح أمامنا عدة تساؤلات ويثير مجموعة من المداخلات.لابد من الوقوف عندها والإجابة عن الأسئلة التي تطرح في هذا المجال.

 

هذه التساؤلات والمداخلات هي:

 هل أن الفكر البشري " الاجتهاد " يأخذ نفس مكانة الوحي الإلهي في التشريع الإسلامي أم أن له مكانة أخرى ؟

 وبمعنى أدق هل أن للفكر البشري نفس القدسية والعصمة التي يقرها الإسلام للوحي الإلهي ؟

 وإذا كان الوحي الإلهي مقدسا ومعصوما ولا يجوز إنكاره ولا رفضه فأين موقع الفكر البشري من هذه الضوابط والمفاهيم ؟

 للإجابة عن هذه الأسئلة وللوقوف على رأي الإسلام فيها لابد لنا أن نحـدد أولا مفهوم كل من الوحي الإلهي والفكر البشري وأدلة كل منهما والمجالات التشريعية التي يعالجها كل جانب من هذين الجانبين. فنقول:

 الوحــي: هو إعلام الله تعالى من يختار من عباده ليكون رسـولا عنه ألوان العلوم والمعارف المتعلقة بالله والكون والبشر ولكن بطريقة سـرية غير معتادة للبشر[7].

 أما مكانة الوحي في التشريع الإسلامي فإن الإيمان بالوحي أمر علم من الدين بالضرورة فلا يجوز إنكاره ولا رفضه. وألوان العلم والمعرفة والهداية التي يتلقاها النبي عن طريق الوحي أمر لا يجوز الشك فيه لأنه جزء من أجزاء العقيدة التي أمر الله عباده أن يؤمنوا بها. فهو تشريع مقدس ومصان عن الخطأ لا يجوز تجاوزه ولا إنكاره ولا مجال للفكر أو الرأي فيه ومن هنا جاءت القاعدة الفقهية التي تقول: لا مساغ للاجتهاد في مورد النص[8]، وأنه لا اجتهاد في القطعيات[9]، فكل ما جاء عن طريق الوحي يجب على المسلمين الإيمان به قطعيا دون تردد أو إبداء رأي أو اجتهاد والى هذا يشير القرآن الكريم في عدة آيات. منها قوله تعالى ((وكذلك أوحينا إليك قرأنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير))[10] ومنها قوله تعالى ((وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم ))[11] وقوله تعالى (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ))[12] وينحصر الوحي الملزم بكتاب الله وسنة نبيه من بين مصادر التشريع الإسلامي الأخـرى.

 أما الفكر البشـري: فيعني الشروح والتفسيرات التي اهتمت ببيان ما جاء عن طريق الوحي الإلهي وفق  ضوابط اجتهادية محددة أنتجت لنا الكثير من المدارس والمذاهب الفقهية المتعددة.

 وهو بهذا المعنى يشمل كل ما أنتجه فكر المســلمين منذ مبعث النبي " صلى الله عليه وسلم " إلى اليوم في المعارف المتعلقة بالله تعالى والكون والإنسان والذي يعبر عن اجتهادات العقل البشري في تفسير تلك المعارف العامة في إطار المبادئ عقيدة وشريعة وسلوكا. ومن الملاحظ أن كثيرا من الباحثين في الفكر الإسلامي القديم والحديث وقعوا في خطأ الخلط بين الفكر البشـري والوحي الإلهي. دون أن يضعوا خطا فاصلا بين الأصول الإسـلامية الثابتة المتمثلة في الكتاب والسـنة والفكر الناتج عنها والتفاسير والاجتهادات التي تدور حولها.

 نعم إن الفكر الإسلامي الذي نقصده لابد أن ينطلق من ضوابط الإسلام ولكنه بالرغم من ذلك فهو عبارة عن مواقف اجتهادية لعلماء الإسلام و مفكريه. ومن هنا فانه لابد لكل مهتم بهذا الجانب أن يدرك ذلك الفصل الحاسم بينه وبين الأسس والثوابت التي ينطلق منها وهي الوحي الإلهي كتابا وسـنة.

 

حجـية الفكر البشـري

 أما حجية الفكر البشـري وأدلته التي يعتمد عليها فأنها تتمثل بما يأتي:

 

أولا ـ التفكير في القرآن الكريم.

 حيث يعد التفكير أهم مظهر من مظاهر وجود الإنسان وهو الميزة التي منحه الله إياها من أجل تمييزه عن عالم الحيوان فقد جعل الله الإنسان خليفة في الأرض وحمله الأمانة الكبرى من أجل تحقيق مسئوليته من خلال التفكـير قال الله تعالى (( أنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشـفقن منها وحملها الإنسـان انه كان ظلوما جهـولا )) [13] فالتفكير فطرة الله في خلقه والإسلام دين الفطرة فلا يرفضه بل يدعــو إلى اسـتعماله وعدم تعطيل طاقته وفسـح المجال الواسـع أمامه.

 ومما يؤيد ذلك أنه ليس هناك كتاب سماوي أو غير سـماوي دعا إلى التفكير وطلب من الإنسـان أن يحرك عقله ويعمل طاقته الفكرية ويشجعه على استعمالها مثل القرآن ويظهر ذلك جليا في كثير من الآيات التي تدعو إلى التفكير العميق في معالم هذا الكون والحياة والإنســـان[14]. من ذلك قوله تعالى (( أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون))[15] وقوله تعالى (( ويتفكرون في خلق السماوات ولأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ســـبحانك فقنا عذاب النار ))[16] وقوله تعالى (( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. والى الجبال كيف نصبت. والى الأرض كيف سطحت. فذكر إنما أنت مذكر ))[17] وقوله تعالى (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ))[18]             

 فكل هذه الآيات القرآنية وغيرها كثير دعوة صريحة من القرآن الكريم لبني البشر بضرورة النظر في ظواهر الكون والتدبر في معالم هذا الدين للوصول إلى الغاية التي أرادها الله تعالى من خلال إرسال الرسل وإنزال الشرائع عليهم  وهي إلى جانب ذلك إقرار وتعميد لصحة حركة الفكر البشري مادام غير خارج عن ضوابط الوحي وتوجيهاته.

 ثانيا ـ التفكير في السـنة النبوية.

 ومن خلال النظر إلى ما ورد في السنة النبوية عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم " نجد أنه حوّل الاتجاه القرآني في الدعوة إلى التفكير و التدبر إلى حياة عملية.و واقع شجع فيه صحابته "رضوان الله عليهم " والمسلمين من بعدهم  على أعمال العقل والتدبر في شؤون الحياة دونما  خلط بين المجالات التشريعية التي تكون حصرا على الوحي وبين المجالات الأخرى التي يحق للفكر البشري أن يجول فيها ويعمل و يتحرك.

 ومن أوضح ما ورد في هذا المجال أن الصحابة " رضوان الله عليهم " كانوا يسألون رسول الله" صلى الله عليه وسلم" عما يعرضه عليهم من الأوامر و التوجيهات أهو وحي الهي أم رأي منه عليه السلام.؟ فإذا أخبرهم أن ذلك كان اجتهادا ورأيا وتفكيرا عرضوا  آراءهم أمامه وفكّروا معه. ومن ذلك ما حصل قبيل معركة بدر من مشاورة أصحابه والنزول عند رأي الحباب بن المنذر الذي قال: يا رسول الله أ رأيت هذا المنزل أهو منزل أنز لكه الله ليس لنا أن نتقدم ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة.؟ قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة.قال يا رسول الله فأن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغوّر ما وراءه. فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال له (( لقد أشرت بالرأي ))[19]

 ولم يجعل رسول الله " صلى الله عليه وسلم " أمر التفكير و الاجتهاد وإبداء الرأي خاصا بالجانب الحربي أو الجانب المادي وإنما أقر صحابته على اجتهادهم وتفكيرهم حتى في أمور تخص العبادة بشرط أن لا تخرج عن دائرة الوحي. ومن ذلك إقراره الصحابة على الاجتهاد في أداء صلاة العصر أوتأجيلها لحين الوصول إلى أراضي بني قريضة عندما قال لهم (( من كان سـامعا مطيعا فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريضة ))[20]

 ويأتي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله رسول الله قاضيا إلى اليمن ليؤكد هذا المعنى أيضا حيث سـأله (( كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال بكتاب الله. قال فان لم تجد قال بسنة رسول الله. قال فان لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله، قال أجتهـد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ))[21]

 فهذه النصوص ومثلها كثير من سنة رسول الله " صلى الله عليه وسلم " تثبت إقرار النبي عليه السلام للتفكير والاجتهاد واسـتعمال الرأي على أن يكون ضمن دائرة الوحي الإلهي لا يخرج عنه ولا يتجاوزه مما يدلل لنا على حجية الفكر البشري من الناحية الإسـلامية.

 ثالثا ـ الفقهاء والفكر البشـري.

 فقد أدرك علماء الأمة وفقهاؤها من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين حقيقة الفكر البشري ومكانته فعدّوا الاجتهاد والتفكير واستعمال الرأي بضوابطه الشرعية أصـلا من أصول الشريعة و اعتمدوا  في ذلك وجوها كثيرة كالقياس والاستحسان وتحقيق المصالح وسد الذرائع ورفع الضرر وما إلى ذلك من وجوه الاجتهاد التي لا تتعارض مع ضوابط الوحي.

 ويكاد علماء الإسلام يصلون إلى حد الإجماع في القول باعتماد الاجتهاد والتفكير يقول الإمام الشـافعي (إن الله جل ثناؤه منّ على العباد بعقول فدلّهم بها على الفرق بين المختلف وهداهم السبيل إلى الحق نصّا ودلالة )[22] ويقول ابن حزم في مناقشـته لحجية العقل ورده على من أبطلوا اسـتعماله ( إننا لم نقل إن كل معتقد لمذهب فهو محق فيه.ولا قلنا إن كل ما اسـتدل به مستدل على مذهب فهو حق. ولكن قلنا إن من الاستدلال ما يؤدي إلى مذهب صحيح إذا كان الاسـتدلال مرتبا ترتيبا منطقيا على ما قد بينّاه وأحكمناه... وقد يوقع الاسـتدلال إذا كان فاسدا على مذهب فاســد وذلك إذا خولف به طريق الاسـتدلال الصحيح )[23]  أما ابن تيميه رحمه الله فقد خطّأ أولئك الذين يقدحون في الدلائل العقلية مطلقا لأنهم يتصوّرون أنها هي الكلام المبتدع الذي أحدثه من أحدثه من المتكلمين والفلاسفة[24].

 فهذه التوجيهات من لدن الفقهاء تشير إلى التفريق بين الفكـر البشري غير الملتزم بقواعد الكتاب والسنة وبين الفكـر البشري المنضبط بتلك النصوص الإلهية والنبوية.  فما كان مطابقا للكتاب والسنة فهو اجتهاد مقبول لا غبار عليه، وما كان خارجا عن قواعد الكتاب والسنة فهو اجتهاد مرفوض من الناحية الشـرعية ولا يعول عليه. ومن الجدير بنا في هذا المجال أن نقوم بجولة سـريعة عبر عصور التشـريع الإسلامي لنقف ونطّلع على ما قدّمه الفـكـر الإسلامي في هذا الميدان.

 

الفكـر الاجتـهادي  في حياة النبي "صلى الله عليه وسلم ":        

 على الرغم من أن التشريع في هذا العصر كان مبنيا على الوحي  الإلهي المتمثل في الكتاب والسنة إلا أن رسـول الله  "صلى الله عليه وسلم" كان يجتهد في مسائل معينة تشريعا للأمة وتمريـنا لها على سلوك هذا الأسلوب في إعمال أفكارهم ومن اجتهاداته صلى الله عله وسلم أخذه الفداء في أسـرى بـدر[25]، وإذنه للمتخلفين عن غزوة تبـوك بالبقاء في المدينة لما قدموه من الأعذار.[26]

 إضافة لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لبعض صحابته بالاجتهاد واستخدام الفكر كما حصل في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه قاضيا إلى اليمن[27].

 ومع ذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يدرب صحابته ويمرّنهم على الاجتهاد واستخدام الفكر كما حصل في قصـة صلاة العصر في بني قريضة، حيث ترك لهم أمر اختيار وقت الصلاة وأقر بالنتيجة عمل الفريقين لأن كل واحد منهم كان قد اســـتخدم فكره في فهم النص وإدراكـه.

 

الفكـر الاجتهادي بعد عـصر الرسـالة:

 وبعد التحاق رسول الله " صلى الله عليه وسلم " بالرفيق الأعلى وانقطاع الوحي ظهر استخدام الرأي والاجتهاد بشكل أكثر مما كان من ذي قبل تبعا للتغيير الحضاري الذي حصل للأمـة والمستجدات التي برزت في حياتهم.

 وكان الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم يجتهدون ويعرضون آراءهم للمناقشـة إذا لم يجدوا نصا في الكتاب أو السنة. أما ما ورد عنهم من ذمّ الرأي فهـو موجّه إلى الرأي الفاسد أو الاجتهاد فيما ورد فيه نص أو الرأي الذي يصدر من غير العلماء العارفين بأصول الشـريعة ومقاصـدها العامة[28]. أما الرأي والفكر المستنبط من الكتاب والسـنة فهو مقبول عندهم لما كانوا يعرفون من أن الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاســـد عنهم.

 ولقد اتجهت حركة الفكر الإسلامي في هذا العصر إلى اتجاهـين رئيسيين هـما:

 الاتجاه الأول ـ الاجتهاد في كيفية فهم النصوص الشرعية:

 فمثلا نجد أن القرآن الكريم أعطى للمؤلفة قلوبهم نصيبا في آية الزكاة يوم أن كان المسلمون في حالة من الضعف يحتاجون إلى تأليف قلوبهم وإبعاد الشر عنهم. ولكن بعد أن قويت شـوكتهم وعظمت دولتهم في زمن عمر بن الخطاب " رضي الله عنه " لم تبق حاجة لتنفيذ ذلك الحكم فأوقف سـهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة. وهو بذلك لم يلغِ الحـكم الوارد عن طريق الوحي ولكنه أدرك بفكره أن شـروط تنفيذه لم تكن متوفرة وأن الظروف الجـديدة قد أنهت وجـود المؤلفة قلوبهم من المجـتمع الإسلامي يومـئذ.

 الاتجاه الثاني ـ الاجتهاد في القضايا المستحدثة التي تجلب مصلحة راجحة أو تدفع مفسدة واضـحة: وذلك كاجتـهاد عـمر بن الخطاب وعـدد من الصحابة " رضي الله عنهم " في منع توزيع أرض العراق على المشتركين في الفتح لأنه رأى بفكره أن توزيعها سـيعمل على حصـر الثروات الطائلة بأيدي القلة وحـرمان الجمـهور الأعظم والدولة على أسـاس قوله تعالى (( كـي لا يكون دولة بين الأغنياء مـنكم ))[29] وهكذا سار التابعون ومن جاءوا بعدهم على النهج ذاته في إعمال الفكر واستخدام الرأي في المسائل المستجدة نتيجة لتطور الحياة. حتى ظـهرت المدارس الفقهـية وانتشـرت المذاهب التي تمثل طبيعة مرونة أحكام الشريعة الإسـلامية فقدمت بذلك للأمـة ثروة تشريعية ضخمة اسـتوعبت حياة أمم شـتى في أزمنة وأمكنة شـتى. مما يقدم دليلا قاطعا على مرونة وديمومة حركة الفكر الإسـلامي المبدع الذي اسـتطاع أن يواكب الأحـداث بفـهم دقيق لكتاب الله وسـنة رسـوله " صلى الله عليه وسلم " بلا تعقيد ولا جمود ولا إغلاق. بحيث كان هـذا الفكر مواكبا للفهم الإسلامي المنضبط دونما إفراط ولا تفريط.

 ومن خلال جميع ما تقدم فإنه يمكن لنا أن نثبت الحقائق الآتـية:

 1 ـ إن نصوص الوحي الإلهي جاءت مثبتة لأركان العقيدة الإسـلامية المتمثلة في الإيمان بالله وملائكـته وكتبه  ورسله واليوم الآخـر والقـدر خيره وشـره. ولا يجوز للعقل البشـري أن يتدخل في ماهية هـذه العقيدة  أو كنهـها إلا بالقدر الذي يمكّن الإنســان من إثبات عناصرها عن طريق إقامة الأدلـة والبراهين العلمية والمنطقية التي يتم من خلالها الوصـــول إلى الإيمان بتلك الأركان العقائدية.

 2 ـ إن كل فكر بشري لا يعتمد على نصـوص القرآن والسنة لا يعد فكرا إسلاميا سـواء كان فكرا صوفيا أو فـكرا تشريعيا عمليا لأن كل فكر بشري ينتج عن عـقل مستقل لا ينطلق من مفاهـيم الإسلام الثابتة لا يصـح وصفه بأنه فكر إسلامي لأن قولنا " فـكر إسلامي " يعني إسناده إلى الإسلام  وليس من المنطق  ولا من العقل أن يحسب فكر ـ  ما ـ على الإسلام وهـو غير نابع من أصـوله.

 3 ـ لا يمكن لنا أن نعتبر الفكر البشري الإسلامي هـو الإسلام نفسـه ولا يمكن أن نعتبره يمثل كل الإسلام عقيدة وشريعة، وإنما هـو وجه من أوجه الفـهم للوحي الإلـهي.

 وعلى هذا الأسـاس تعـددت المذاهـب الفكرية الإسلامية وتنوعت الاجتهادات في الفقه والشريعة. حتى قال الإمام الشـافعي رحمه الله ( مـذهبنا راجح يحتمل الخطأ، ومـذهب غيرنا مرجـوح يحتمل الصـواب )

 4 ـ لا يجـوز أن نصف الإسـلام بأنه فـكر أو نظرية. لأن الفكر والنظرية إنما هي من إفرازات العقل البشـري  والإسلام ليس كذلك. وإنما هو وحـي مقدس موحى به من عـند الله تعالى.  وشـتّان ما بين الوحي الإلهي والفكر البشري.   

 وعلى هــذا الأسـاس نقـول:

 إن الوحي الإلهي ديـن مقـدس لا يجوز المساس بنصـوصه أو الاعـتراض عليه. وإن الفكر البشـري وجـه من أوجـه الفهم الإنسـاني لهذا الوحي. فما كان موافقا للكتاب والسنة فهـو مقبول من الناحية الشرعية وما كان مخالفا للكتاب والسنة فهو مرفـوض من الناحـية الشرعية، ولأن الاجتهاد نوع من أنواع الفكر البشري المنضبط بأصول الشرع وقواعده، ولأنه وجـه من أوجـه الفهم للوحي الإلهي فإن على أصحاب الشأن من العلماء والفقهاء وحملة الفكر أن يجعلوا منه سبيلا للتواصل والتقارب، وليس وسيلة من وسائل التقاطع والتنافر،وعليهم أن لا يتعصبوا ولا يتزمتوا لرأي أو فكر إسلامي على حساب رأي أو فكر أو اجتهاد إسـلامي آخـر مادام أن كـلا الفــكريين والرأيـين والاجتهادين وجـه من أوجـه الفهم للإسـلام الذي هـو " الوحـي " وما دام أن كـلا الطرفين يدخل تحت دائـرة الاجتهاد الشرعي المنضبط الذي يقول عنه رسـول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا حكم الحاكم فاجتـهد ثم أصاب فله أجـران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر )[30].

 

العلاقة بين أتباع المذاهب الفقهية:

 إذا كان الاجتهاد واجبا شرعيا وحكما تكليفيا، وإذا كان التنوع فيه علامة صحة وموضوعية وليس علامة مرض وأنانية، ومادام الاجتهاد يؤكد التواصل الحقيقي بين الأمة وبين دينها للبحث في النوازل والمستجدات من الأمور من أجل مواكبة التطور الحضاري التي تمر به الأمم على اختلاف زمانها ومكانها، فإن العلاقة بين أتباع المذاهب الفقهية الإسلامية ينبغي أن تصطبغ بهذه الصبغة التوافقية لتمثل حالة من حالات التلاقي الفكري والتشريعي بين المسلمين على تعدد مدارسهم وتنوع مذاهبهم. ترى كيف يمكن لنا أن نرصد تلك العلاقة بين أتباع المذاهب في الماضي والحاضر ؟ وكيف ينبغي أن يكون شكل تلك العلاقة في الحياة المعاصرة ؟ للإجابة على هذه التساؤلات نقول:

 تلقت الأمة الإسلامية القرآن الكريم مكتوبا محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشرت رواية الحديث من قبل الصحابة والتابعين في مختلف الأمصار، ورحل العلماء يجوبون الأقطار ويدونون السنة، وكان من نتيجة ذلك أن تكونت المدارس الفقهية وتحددت أصول ومناهج تلك المذاهب واختلف العلماء فيما بينهم حول بعض الأصول الشرعية وتقديم بعضها على بعض، وقد أدى الاختلاف في بعض الأصول إلى الاختلاف في الفروع الفقهية، وكثر الجدل بين علماء هذه المذاهب وعقدت المناظرات والمساجلات، وشجع على هذا كله اهتمام الخـلفاء بالعلوم وخاصة علم الفقه ومشـاركتهم في هذه العلوم ورعايتهم لتـلك المناظرات والمداولات.

 وقد ساعد اشتغال بعض العلماء بالفقه الافتراضي في توسيع دائرة الخلاف، ولكن الخلاف كان محكوما بالدليل والبرهان، فقد كان العلماء في تلك الفترة يرفضون التقليد، وينظرون في الدليل، وينهون عن التعصب ويأخذون الحق ممن جاء به.

 وإذا كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم من العلماء المجتهدين قد اختلفوا في العديد من المسائل الفقهية، فإن اختلافهم كان ضرورة علمية وأمرا طبيعيا اقتضاه الفهم والإدراك للنصوص والأدلة الشرعية، وليس اختلاف تقليد وتعصب، أما المقلدون من أتباع المذاهب فإن الواحد منهم يظهر له الدليل ويقتنع علميا وموضوعيا بصحته ثم نراه لا يدع مذهبه.

 ولم يؤد اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين إلى التباغض والتفرق فكان بعضهم يدعو لبعض ويصلي بعضهم وراء بعض، أما هؤلاء المقلدون فقد تعادوا وتباغضوا وتركوا الصلاة خلف من يخالفهم في المذهب، وطعن أتباع المذاهب بعضهم في بعض، يقول الشيخ محمد رشيد رضا ( المتعصبون للمذاهب أبوا أن يكون الخلاف رحمة، وتشدد كل منهم في تحتيم تقليد مذهبه، وحرّم على المنتمين إليه أن يقلدوا غيره ولو لحاجة فيها مصلحتهم، وكان من طعن بعضهم في بعض ما هو معروف في كتب التاريخ وغيرها حتى صار بعض المسلمين إذا وجد في بلد يتعصب أهله لمذهب غير مذهبه ينظرون إليه نظرتهم إلى البعير الأجرب بينهم )[31] ويذكر الشوكاني أن بعض الذين ادعوا العلم من الزيدية كفّر رجلا صالحا بسبب رفع الأخير يديه في الدعاء مخالفا لطريقة الزيدية، ويذكر أن لقب سني في اليمن في عهده كان لقب ذم لأنه استقر في أذهانهم أنه لا يطلق إلا على من يوالي معاوية ويعادي عليا رضي الله عنهما[32].

 وقد وصل الخلاف والخصام بين مقلدي وأتباع المذاهب إلى درجة خطيرة، فقد عادى بعضهم بعضا وصار يسعى بالكيد والأذى للبعض الآخر، وقد تسبب ذلك في حدوث الفتن الكثيرة، ويروي التاريخ لنا حوادث متعددة من هذا القبيل، فمن ذلك ما ذكره الحافظ ابن كثير أن عزيز مصر وهو الملك الأفضل ابن صلاح الدين كان قد عزم في السنة التي توفي فيها وهي سنة 595هـ على إخراج الحنابلة من بلده وأن يكتب إلى بقية اخوته بإخراجهم من البلاد[33].

  ومنها ما ذكره أيضا من وقوع فتنة كبيرة ببلاد خراسان بسبب وفود فخر الدين الرازي إلى ملك غزنة الذي أكرمه وبنى له مدرسة في هراة، ولكن أهل البلاد الذين كانوا على غير مذهبه أبغضوه وناظروه وانتهت المناظرة بالسب والشتم حتى أثاروا الناس عليه فأمر الملك بإخراج الرازي من بلاده[34].

    ومنها ما روي عن الخلاف الشديد بين الحنفية والشافعية حتى كان يؤول الأمر في بعض الأحيان إلى خراب البلاد فقد ذكر ياقوت الحموي عند الكلام على مدينة أصفهان بعد أن ذكر مجدها القديم ( وقد فشا فيها الخراب في نواحيها لكثرة الفتن والتعصب بين الشافعية والحنفية والحروب المتصلة بين الحزبين، فكلما ظهرت طائفة نهبت محلة الأخرى وأحرقتها وخربتها ولا يأخذهم في ذلك إلّ ولا ذمة وكذلك الأمر في رساتيقها وقراها)[35].

 وأما الصراع بين الشيعة والسنة فأشهر من أن يذكر وقد امتلأت كتب التاريخ بوصفه، فمن ذلك ما رواه ابن الأثير في حوادث سنة 443هـ قال ( في هذه السنة تجددت الفتنة بين السنة والشيعة وعظمت أضعاف ما كانت قديما ) ثم روى كيف تطور الخلاف إلى القتال والنهب بسبب مقتل رجل هاشمي من أهل السنة، إذ حمله أهله واستنفروا الناس للأخذ بثأره ثم قصدوا المشهد ونهبوا ما فيه وأضرموا حريقا أتى على كثير من قبور الأئمة فقصد الشيعة إلى خان الفقهاء الحنفيين فنهبوه وقتلوا مدرس الحنفية أبا سعد السرخسي وأحرقوا الخان ودور الفقهاء[36].

 لقد أدى التعصب المذهبي المقيت إلى زرع الخلاف والشقاق بين أبناء الأمة وتفتيت وحدتها وتقسيمها إلى أمم متخاصمة تتقاتل وتتنازع، فاستغل العدو المتربص بها هذا الانقسام والفوضى، فبسط سيطرته عليها وأمعن في إذلالها وقهرها، وكان السبب المباشر في كل هذا انعدام المنهجية الصحيحة للحـوار بين أبناء الأمة الواحدة، ذلك أن الحـوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية لا يكاد يبدأ جدالا بالتي هي أحسن، حتى تتسلل إليه الحدة والشدة وتستولي عليه روح الضيق بالمخالفين والمسارعة إلى اتهامهم في أفكارهم ونياتهم وأخذهم بالشـبهة وسـوء الظن، فقد تصور الكثير من العاملين في حقل البحوث الفقهية من أبناء الأمة أن الحقيقة لا يمكن أن تتعدد وجوهها اعتمادا على التفسير الحرفي للنصوص وعزلها عن سياقها المقصود وعدم ربط الأحكام بعللها وغاياتها.

 إن التأمل الهادئ والتأني في التعامل مع النصوص الشرعية والجمع بينها وبين نصوص أخرى عديدة يثبت بما لا يقبل الشك الدعوة إلى النظر العقلي والاجتهاد في البحث عن الحق والصواب، مما يؤدي إلى موقف مختلف تماما عن التنازع والشقاق، حيث يتسع صدر " الإسلام " لاختلاف الآراء وتعدد وجهات النظر ولا يضيق عن الاجتهاد حتى ولو انتهى صاحبه إلى الخطأ ومجانبة الصواب.

 وبناء على ذلك: فإن أطراف الحوار حول قضايا الإسلام وأحكامه من أتباع المذاهب الفقهية الإسلامية يجب عليهم أن يدركوا أن وحدة " الحقيقة " لا تنفي تعدد زواياها واختلاف العقول في تفسيرها ومن هنا سجل التاريخ اختلاف الصحابة في أمور عديدة وردت فيها نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، كما سجل التاريخ اختلاف التابعين وتابعيهم والأئمة المجتهدين من أصحاب المذاهب من بعدهم في الكثير من المسائل الفقهية دون نزاع بينهم أو إيغار للصدور أو جرح للكرامة فالقاعدة عندهم " أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية " والأصل الذي يسيرون عليه يثبت أن " مذهبنا راجح يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا مرجوح يحتمل الصواب ".

 إن من الضروري للحوار فيما بين المذاهب والفرق الإسلامية وضع الحدود بين ما هو" وحي" لا يصح تجاوزه ولا يكون لمؤمن ولا مؤمنة بعده الخيرة من أمرهم، وبين ما هو فكر واجتهاد وتفسير للنصوص وتوضيح لمعانيها ومقاصدها وما هو من أمور الدنيا أو من أمور العادات بحيث يستطيع المتحاورون في شأنه أن ينطلقوا في حوارهم باحثين عما يحقق للناس مصالحهم وحاجاتهم دون أن يواجهوا عند كل منعطف بأنهم مارقون من الإسلام، أو مستخفون بأحكامه، أو هادمون لأركانه.

 

الحـوار الديني المنضبط:

 إن الحوار بين أتباع المذاهب والفرق الإسلامية اليوم إذا أردنا له النجاح في مسيرته والوصول إلى أهدافه، يجب أن يعتمد على جملة من الحقائق هي:

 1 ـ  إن تطبيق أحكام الإسلام في عصرنا يحتاج إلى اجتهاد عقلي واسع، ذلك أن النصوص الشرعية ـ قرآنا وسنة ـ محدودة ومتناهية، والحوادث متجددة غير متناهية تبعا لحركة الزمن وتطور أنماطه، ولا بد للتشريع أن يساير حركة الزمن وتطوره ليتحقق من خلال ذلك خلود الإسلام وصلاحية شريعته لكل زمان ومكان، وقد ثبت بالنص اعتماد الاجتهاد سبيلا للوصول إلى الحكم الشرعي عند عدم وجود النص، وذلك في حديث معاذ بن جبل حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن وسأله عما يفعل إذا عرض له قضاء، وافترض عليه أمورا ربما لا يجد لها حلا في كتاب الله وسنة رسوله، فقد أقره النبي على اجتهاده وأعلن أن ذلك مسلكا يرضى عنه الله ورسوله، فقد روي أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال كيف تقضي، فقال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال فبسنة رسول الله  صلى الله عليه وسلم، قال فإن لم يكن في سنة رسول الله  صلى الله عليه وسلم، قال أجتهد رأيي، قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله  صلى الله عليه وسلم[37]، ويؤيد ذلك ما تواتر من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم واجتهادات الصحابة في تفسير النصوص عند ورودها والبحث عن الحكم عندما لا يسعفهم النص، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة  فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم[38]، وفي هذا دليل واضح على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر اجتهاد صحابته الكرام ولم يعنف أحدا منهم على فهمه وإدراكه، ليكون التشريع ملبيا لمستجدات الأحداث غير المحدودة وغير المتناهية.

 2 ـ إن الإسلام نظام حياة تدور أحكامه مع العلل، وترتبط تشريعاته بالمقاصد المنضبطة التي تدركها العقول السليمة ولا تنفصل عنها، ولو انفصلت لذهبت الرحمة وسقط العدل واستحال التكليف ( فإن الشـريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسـدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشـريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشـريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها )[39]، والقول بغير هذا يتعارض مع توجيه الشريعة في ربط الأحكام بمصالح الناس وتيسير القرآن للذكر ليعملوا به، ومن هنا فإن الإسلام الذي يجب أن نقدمه للناس هو إسلام التفكير الناضج والاجتهاد المرن الذي يبحث عن العلل والمقاصد ولا يقف عند حرفية النصوص إلا حيث يتطلب الأمر ذلك في العبادات التي لا يمكن للعقل البشري أن يغور في عللها وأحكامها[40]. ومن هنا يمكن للعقل البشري أن يتعامل مع الأحكام الشرعية المرتبطة بالعلل والمقاصد بحيث يكون الحوار العلمي وسيلة لفهم النصوص الشرعية وتفسيرها والوصول إلى مراد الله تعالى منها.

 3 ـ إن الإسلام لا يضع أتباعه في صراع مع الحياة، لأن المسلم الحق هو الذي لا يكره الناس والدنيا، ولا يقضي عمره في معركة وهمية مع طبيعتها ونواميسها فهو يعتقد أن الحياة صنع الله تعالى الذي أحسن كل شيء خلقه ثم هدى، وقد خلق الله له ما فيها جميعا، ثم دعاه إلى تعميرها على حد قوله تعالى (( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ))[41] وقوله تعالى (( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ))[42] ولا يجوز أن يعيش المسلم فيها منغصا معقدا محزونا تملؤه الشكوك والريب والظن السيئ بالنفس وبالناس وبالحياة من حوله، وإنما عليه أن يتمثل بقول النبي صلى الله عليه وسلم (( من كان هينا لينا سهلا قريبا حرّمه الله على النار ))[43].

 إن موقف المسلم من الحياة اليوم قضية هامة، فلا يصح أن يعزل المسلم نفسه عن مشكلات الحياة المعاصرة، ولا يقف موقفا انعزاليا يتسم بالهروب من الواقع والفرار من المشكلات المستجدة، بل يجب عليه أن يتفاعل معها ويعيش ظروفها بروح مرنة وعقلية ناضجة معتمدة على نور المعرفة وإشراقات السماحة، كما يجب عليه أن يدخل في حوار علمي مع الطروحات التي يواجهها في جميع مجالات حياته.

 إن الملاحظ على أتباع المذاهب والفرق الإسلامية في هذه الأيام أنهم يتعاملون بسلبية بعضهم مع البعض الآخر، وهذا لاشك موقف انهزامي لا يحل مشكلة ولا يوصل إلى نتيجة ولا يحقق هدفا، ولذلك فإننا نوجه دعوة مخلصة إلى كل مسلم أيا كان مذهبه وإلى أي مدرسة فقهية ينتمي أن يوطن نفسه للحوار والمناقشة مع الأطراف الأخرى لنبدأ سوية رحلة ( الحوار مع الذات ) فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ومن لا يستطيع محاورة نفسه لا يستطيع أن يحاور الآخرين، ولتكن قاعدة الحوار فيما بينهم( مذهبنا راجح يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا مرجوح يحتمل الصواب ) وليحيا الجميع في ظل القاعدة الذهبية للاجتهاد الإسلامي التي روي مضمونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله(( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب كان له أجران وإذا اجتهد فأخطأ كان له أجر هذا لفظ النيسابوري وقال بن صاعد إذا قضى القاضي فأجتهد فأصاب فله أجران وإذا قضى فأخطأ فله أجر ))[44].

 إن العلاج الدقيق لهذه السلبيات يكمن بالعمل على تصحيح الأفكار وتقويم العـوج المستشري في فهم الإسلام من خلال طرح المجاملات جانبا وتهيئة النفوس لقبول الحق وطرح رداء التعصب المذهبي وإزالة الغبار عن روح التشريع الإسلامي ومقاصده العامة، ذلك أن الحوار الديني مطالب اليوم بترتيب الأولويات الشرعية في إطار عمل إسلامي يسعى لتحقيق المصلحة العامة، بغض النظر عن المذهب أو الجماعة التي ينتمي إليها، ليكون الهدف الأساسي من ذلك رصد مشاكل الأمة ودراستها بعقلية مرنة وتقديم الحلول المناسبة لها.

 وبناء على هذه المعطيات يجب أن يكون الحوار بين أتباع المذاهب والفرق الإسلامية موجها نحو المشـاكل الكبيرة التي تواجه الأمة، بعيدا عن المنازعات الفقهية التفصيلية التي ينبغي أن تكون ضمن إطارها الفني التخصصي المتمثل في صيغة وجهات النظر العلمية المتعددة بناء على أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وبذلك نضمن علاقة طيبة بين مختلف المذاهب الفقهية وحوارا هادفا يسعى لوحدة كلمة الأمة ويحفظ لكل مذهب خصوصيته ولكل فرقة استقلالها بما لا يتعارض مع شمولية البناء الحضاري للأمة ومصالحها العامة.

 

الاجتهاد الفقهي سيبل للتقريب وليس وسيلة للتقاطع:

 يتصور البعض أن تفاوت الآراء وتعدد وجهات النظر في المسائل الشرعية من خلال الاجتهاد الفقهي باب من أبواب تفتيت وحدة الأمة وتشتيت كلمتها، في الوقت الذي ينبغي أن نعلم أن تفاوت الأحكام في غيبة النصوص ـ أو في وجوه فهمها إن وُجدت ـ أمر لا ينبغي أن نفزع منه أو تخاف من عواقبه، بل من حقنا نحن المسلمين أن نستمد منه حرية عقلية مطلقة ونضجا تفكيريا يمدنا على الدوام بعوامل التجديد والتطوير والمواكبة الفقهية والشرعية لمستجدات الحياة ونوازلها المعاصرة.

 ومما يؤكد هذا المعنى أن الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ليس عملاً إبداعيا حرا مطلقا كالذي نعرفه في نطاق البحوث المتعلقة بكثير من المعارف والأفكار الإنسانية الأخرى. وإنما هو اتجاه مرسوم والتزام بمنهج محدد يتفق على أصوله وثوابته الأساسية جميع فقهاء الأمة ومجتهديها، إذ هو في حقيقته ليس أكثر من البحث عن حكم الله الذي خاطب وألزم به عباده في كتابه أو أوحي به وحياً غير متلو إلى نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. بحيث يتم ذلك استناداً إلى سبل ووسائل علمية محددة لا مجال لأحد من الناس مهما كان شأنه أن يتجاوزها أو يتحرر منها. إذن فالساحة الاجتهادية أمام الباحثين محددة ضمن قواعد وأصول ثابتة معينة في تفسير النصوص والقياس عليها  مما يجعله عاملا من عوامل التوافق والتقريب وليس بابا من أبواب الفرقة والتشتيت.

 

الخلاف والاختلاف:

 إن الاختلاف في الفروع أمرٌ من لوازم البشر ولا يمكن رفعه ومنعه وهو لا يُشكّل خطراً على الأمة ولا على وحدتها، فقد كان الناس يختلفون في الرأي مع اتحاد كلمتهم وتوحيد صفوفهم،  ذلك أن الخطر الذي يخشى منه إنما يكمن في الخلاف لا الاختلاف، وفرق شاسع بين الاختلاف والخلاف، ومن هنا فإن علماء الأمة وفقهاءها إنما اختلفوا في سبيل الوصول إلى الحق وتحقيق مقاصد الشرع بما أعطاهم الله من فهم للكتاب والسنة، لا سيما في مواطن الاحتمال ومسائل الاجتهاد والاستدلال، ولم يختلفوا ليخالف بعضهم بعضاً أو يخطئ بعضهم بعضاً، والاختلاف الناشئ عن الفهم مع عدم تعمد المخالفة لم يؤدِّ يوماً إلى التنازع أو شقّ وحدة المسلمين.

 وإذا كانت أصل مادة الخلاف والاختلاف واحدة وهو الفعل ( خلف ) فإن المتأمل يدرك أن هناك فرقا من حيث المعنى والدلالة بين الخلاف والاختلاف، فالخلاف: هو الذي يكون بقصد المخالفة والعصيان والامتناع عن تنفيذ الأوامر ومنه قوله تعالى (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ))[45] ولم يقل القرآن يختلفون في أمره لأن الاختلاف: إنما يراد به المغايرة والتفاوت في وجهات النظر ومنه قوله تعالى ((وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ))[46] وقوله تعالى ((وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ))[47] ومنه قوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام ((ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبيّن لكم بعض الذي تختلفون فيه ))[48] حيث عبر القرآن في هذه الآيات بالاختلاف عن التفاوت في الفهم والإدراك ولم يعتبره خلافا.

 وقد تعرض فقهاء الأمة إلى هذا الاختلاف في وجهات النظر واعتبروه نعمة من الله تعالى على عباده، وأنه نوع من النظر العقلي والنضج الفكري مادام يقوم على الدليل ويستند إلى الحجة، يقول الإمام الشافعي ( إن الله جل ثناؤه من على العباد بعقول فدلهم بها على الفرق بين المختلف وهداهم السبيل إلى الحق نصا ودلالة )[49] ويقول ابن حزم ( وإذا صح   الاختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم فلا يجوز أن يحرم على من بعدهم ما حل لهم من النظر، وأن يمنعوا من الاجتهاد الذي أداهم إلى الاختلاف في تلك المسألة إذا أدى إنسان بعدهم دليل إلى ما أدى إليه دليل بعض الصحابة )[50]

 إن الاختلاف في الفروع مع الحفاظ على وحدة الأصول لا يؤدي إلى اختلاف القلوب وانقسام الصفوف ولا يكون سبيلاً للبغي والفساد، والمجتهدون كلهم يتحرّون مقصود الشارع وإن اختلفت طرائقهم في ذلك، ومن هنا ظهر وجه التحابّ والتوادّ في مسائل الاجتهاد، لأنهم مجتمعون على طلب قصد الشارع، واختلاف الطريق في الوصول إلى الهـدف غير مؤثّر على علاقة بعضهم ببعض، بل أن كل واحد منهم كان يكن التقدير والاحترام للآخر ولذلك كان يقال: تختلف عقولنا ولا تختلف قلوبنا.

 ونتيجة لهذا كله تعامل سلف هذه الأمة وفقهاؤها فيما بينهم بصيغ من الأخلاق الفاضلة والخلال الحسنة، فقد روي عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ( اتقوا الله أيها الناس وإياكم في الغلو في عثمان وقولكم حراق المصاحف، فوالله ما حرقها إلا على ملأ منا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم )[51] وروي عنه أنه حزن على قتل طلحة والزبير ( بشر قاتل ابن صفية بالنار )[52] وعندما رأى طلحة مقتولاً قال ( عزيز عليّ يا أبا محمد أن أراك مجندلاً في الأودية وتحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عُجري وبُجري ـ أي سرائري وأحزاني )[53].

 وقد خالف ابن عباس زيداً في الفرائض وفي مسائل عدة في ميراث الجد، وقال: ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن يحل محل الابن ولا يجعل الجد يحل محل الأب ؟  وفي العَوَل حتى قال ابن عباس: لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفونني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين[54] مع كل ذلك فقد حكى الشعبي قال: ركب زيد بن ثابت فدنا منه عبد الله بن عباس فأخذ بركابه فقال له: لا تفعل يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال زيد: أرني يدك، فأخذها وقبلها، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم[55]

 وكان أحمد يدعو للشافعي مع أبويه، فقال له ابنه عبد الله: أي رجل كان الشافعي ؟ فإني أسمعك تكثر الدعاء له، فقال: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو عوض؟[56]

 ومن الصور الرائعة لأدبهم وأخلاقهم مع بعضهم ما روي أن صلى الشافعي الصبح في مسجد أبي حنيفة الصبح فلم يقنت ولم يجهر ببسم الله تأدباً مع أبي حنيفة رحمهما الله، وكان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرؤون البسملة لا سراً ولا جهراً، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ فصلى خلفه أبو يوسف ولم يعد

 ويتضح من خلال ما ذكرنا ومن مواقف أخرى لأهل العلم والفضل والاجتهاد أنهم ما كانوا يختلفون لأغراض شخصية ولا لأهداف دنيوية، وإنما كانوا يبحثون عن الحقيقة ويبذلون الجهد من أجل الوصل إليها حتى ولو كانت عند مخالفيهم، فالحق مقصدهم والحقيقة مبتغاهم والوصول إلى الحكم الشرعي هدف وغاية عملهم.

 

تعدد الآراء الفقهية رحمة وسعة:

 ما يمكن قوله هنا: إن اختلاف المذاهب في هذه الأمة خصيصةٌ فاضلةٌ لها، وتوسيعٌ في هذه الشريعة السّمحة السهلة  فقد كان الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبعث أحدهم بشرع واحد وحكم واحد، حتى إنه من ضيق شريعتهم لم يكن فيها تخييرٌ في كثيرٍ من الفروع التي شُرع فيها التخيير في شريعتنا.

 أما شريعتنا الإسلامية فقد جاءت بنصوص عامة وقواعد كلية تاركة التفاصيل والحكم على الفروع والجزئيات منوطا بالاجتهاد الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ الشهير واعتبره أحد الأصول التشريعية التي يستنبط منها الحكم الشرعي. لذلك فإن الاجتهاد وما ينشأ عنه من تعدد الآراء من ضرورة الشريعة الخاتمة  وهو مظهر رحمة بالعباد، ولا ضير فيه ولا غضاضة  فقد روي في الحديث: اختلاف أمتي رحمة[57]. وقد علق النووي على هذا الحديث وما ورد في الكلام عليه فقال: قال الخطابي والاختلاف في الدين ثلاثة أقسام أحدها في إثبات الصانع ووحدانيته وإنكار ذلك كفر، والثاني في صفاته ومشيئته وإنكارها بدعة، والثالث في أحكام الفروع المحتملة وجوها فهذا جعله الله تعالى رحمة وكرامة للعلماء وهو المراد بحديث اختلاف أمتي رحمة[58]

 وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في مقدمة كتابه المغني:‏ ‏أما بعد، فإن الله برحمته وطوله جعل سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام مهد بهم قواعد الإسلام وأوضح بهم مشكلات الأحكام ‏:‏ اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة‏[59]‏، وذكر ابن تيمية رحمه الله ‏:‏ ‏‏أن رجلاً صنف كتاباً في الاختلاف فقال أحمد ‏:‏ لا تُسمِّه كتاب الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة‏[60].

 ولتأكيد هذا المعنى فقد ذكر الفقهاء جملة من الضوابط والقواعد والأصول تفيد ضرورة الأخذ بجميع الآراء، وعدم الانكفاء في ثنايا مدرسة واحدة أو مذهب معين ن وأبرز تلك القواعد والضوابط:

  1 ـ لا يجوز للإمام أن يحجر نشر علم يخالفه‏:‏

 ليس لإمام المسلمين أن يحجر الناس من نشر علم يخالف رأيه أو مذهبه، بل عليه أن يترك كل مسلم وما اعتمد، فقد أفتى ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم بخلاف رأي عمر رضي الله عنه في متعة الحج، وأفتى حذيفة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بخلاف رأي عثمان رضي الله عنه في إتمام الصلاة بعرفة ومنى

 2 ـ عدم اتهام النيات:

 مهما كان مخالفك مخالفاً للحق في نظرك فإياك أن تتهم نيته، افترض في المسلم الذي يؤمن بالقرآن والسنة ولا يخرج عن إجماع الأمة، افترض فيه الإخلاص ومحبة الله ورسوله، والرغبة في الوصول إلى الحق، وناظره على هذا الأساس، وكن سليم الصدر نحوه‏.‏

 3 ـ قبول الحق من المخالف حق وفضيلة‏:‏

 فالمؤمن يجب أن يذعن للحق عندما يتبين له، ولا يجوز له رد الحق لأن رد الحق قد يؤدي إلى الكفر كما قال صلى الله عليه وسلم‏ (لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر)[61]، والمماراة هنا معناها المجادلة، ودفع دلالته بالباطل لأن هذا يكون تكذيباً لله ورداً لحكمه  وليس تكذيباً للمخالف ‏.‏

 4 ـ عدم التفسيق أو التبديع للمخالف في الرأي:

 لا يجوز اتهام المخالف ولا التشنيع عليه، ولا ذكره من أجل مخالفته ولا تبديعه ولا تفسيقه ومن صنع شيئاً من ذلك فهو المبتدع المخالف لإجماع الصحابة‏ وهدي السلف، يقول ابن تيمية:‏ ‏‏وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم، كمسائل في العبادات، والمناكح والمواريث والعطاء، والسياسة، وغير ذلك، وحكم عمر أول عام في المسألة المشتركة بعدم التشريك، وفي العام الثاني بالتشريك في واقعة مثل الأولى، ولما سئل عن ذلك قال ‏:‏ تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي‏[62]، ويقول الإمام الذهبي في ترجمة الإمام محمد بن نصر المروزي: ‏‏ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدّعناه وهجرناه، لما سلم معنا ابن نصير ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة[63].

 5 ـ عدم حمل الناس على الرأي الاجتهادي:

 لا يجوز لعالم مجتهد، ولا لإمام عام أن يحمل الناس على رأيه واجتهاده، كما لا يجوز لمذهب أو مدرسة فقهية أن تحصر الناس باجتهادها لأن من يقوم بهذا العمل إنما يضيق واسعا ويحاول أن يجعل الإسلام محصورا في اتجاه واحد وفهم واحد، وإن من الجناية على الإسلام أن يجعل في دائرة ضيقة بحيث لا يتسع إلا لمذهب واحد أو فكر معين أو مدرسة بذاتها، ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:‏ إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس بإتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه.

 وقد نقل عن كثير من السلف عدم الإنكار في مسائل الخلاف إذا كان للاجتهاد فيها مساغ يأخذ به، فقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل أنه: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولا يشدد عليهم[64]، وذكر النووي أنه: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جليا[65] وسئل القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به فقال: إن قرأت فلك في رجال من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وإذا لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله أسوة[66]. وفي هذا المعنى ما روي عن عبد الله بن عمرو قال خرجنا مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم منا الصائم ومنا المفطر  فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، رواه البزار وإسناده حسن، وعن أبي موسى قال كنا مع النبي  صلى الله عليه وسلم  فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم[67].

 وإذا أردنا أن نحدد ملام استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية من خلال الاجتهاد الفقهي وفقا للمعطيات والأفكار التي أشرنا إليها في هذه الدراسة، فإن ذلك يتطلب وضع آلية عملية ينهض بها علماء الأمة ودعاتها على اختلاف مذاهبهم، تتمثل فيما يأتي:

 1 ـ توجيه المسلمين إلى الفصل من حيث المفهوم والمكانة بين الوحي الإلهي وبين الفكر البشري باعتبارهما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي، ذلك أن الوحي الإلهي ديـن مقـدس لا يجوز المساس بنصـوصه أو الاعـتراض عليه. وأن الفكر البشـري وجـه من أوجـه الفهم الإنسـاني لهذا الوحي. فما كان موافقا للكتاب والسنة فهـو مقبول من الناحية الشرعية وما كان مخالفا للكتاب والسنة فهو مرفـوض من الناحـية الشرعية.

 وهذا يتطلب منا جميعا أن نعمل فيما اتفقنا عليه خاصة وأن ما اتفقنا عليه كثير جدا، فالمذاهب الإسلامية لديها مساحات مشتركة كثيرة سواء كانت في الأصول العقائدية أو في المجالات التشريعية أو في المجالات الأخلاقية أو في مجال المفاهيم والثقافة الإسلامية، كما يتطلب منا أن يعذر بعضنا بعضا فيما نختلف فيه من مجالات التشريع والأحكام التفصيلية الجزئية مادامت أسباب الاختلاف قائمة على أسس موضوعية وعلمية، ويعني هذا الرضا باختلاف الآراء والفتاوى حيث لا يوجد نهي شرعي عن الاختلاف في الآراء والاجتهادات،

 وإنما ورد النهي عن التنازع الذي يذهب بقوة الأمة ويفرق دينها ويمزق وحدتها، وهذا ما لا وجود له في ميدان الفكر البشري المنضبط بثوابت الشرع الحنيف.

 ولأن الاجتهاد نوع من أنواع الفكر البشري المنضبط بأصول الشرع وقواعده، ولأنه وجـه من أوجـه الفهم للوحي الإلهي فإن على أصحاب الشأن من العلماء والفقهاء وحملة الفكر أن يجعلوا منه سبيلا للتواصل والتقارب، وليس وسيلة من وسائل التقاطع والتنافر، وعليهم أن لا يتعصبوا ولا يتزمتوا لرأي أو فكر إسلامي على حساب رأي أو فكر أو اجتهاد إسـلامي آخـر مادام أن كلا الفكريين والرأيـين والاجتهادين وجـه من أوجـه الفهم للإسـلام الذي هو " الوحـي " وما دام أن كلا الطرفين يدخل تحت دائـرة الاجتهاد الشرعي المنضبط الذي يقول عنه رسـول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا حكم الحاكم فاجتـهد ثم أصاب فله أجـران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ))[68].

 2 ـ ضرورة التفريق بين الاختلاف والخلاف بين المسلمين، فالخلاف: هو الذي يكون بقصد المخالفة والعصيان والامتناع عن تنفيذ الأوامر وهو الذي يؤدي إلى حمل الضغينة والحقد بين المختلفين، أما الاختلاف فهو: التعدد في وجهات النظر والتفاوت في المدارك  والفهم من أجل الوصول إلى الحكم الشرعي من غير أن يحمل طرف على طرف ضغينة أو حقدا. ذلك أن الاختلاف في الفروع مع الحفاظ على وحدة الأصول لا يؤدي إلى اختلاف القلوب وانقسام الصفوف ولا يكون سبيلاً للبغي والفساد، ومن هنا ظهر وجه التحابّ والتوادّ في مسائل الاجتهاد، لأنهم مجتمعون على طلب قصد الشارع، واختلاف الطريق في الوصول إلى الهـدف غير مؤثّر على علاقة بعضهم ببعض، بل أن كل واحد منهم كان يكن التقدير والاحترام للآخر ولذلك كان يقال: تختلف عقولنا ولا تختلف قلوبنا.

 ومن هنا ينبغي الابتعاد عن ثقافة التكفير والتفسيق داخل المجتمعات الإسلامية، فهذه الثقافة تعتبر دخيلة على الفكر الإسلامي، إذ لا يجوز لمسلم أن يكفّر مسلما أو يفسّقه إلا إذا أنكر أمرا علم من الدين بالضرورة، ولذلك فإننا ندعو إلى التحول في هذه المسألة من مرحلة الإيمان والكفر إلى مرحلة الصواب والخطأ، ومن مرحلة التفسيق والتبديع إلى مرحلة الراجح والمرجوح، وبهذا يتسم التفكير الإسلامي بالموضوعية والعقلانية.

 3 ـ نشر ثقافة الحوار الهاديء بين أتباع المذاهب الإسلامية، ذلك أن أطراف الحوار حول قضايا الإسلام وأحكامه من أتباع المذاهب الفقهية الإسلامية يجب عليهم أن يدركوا أن وحدة " الحقيقة " لا تنفي تعدد زواياها واختلاف العقول في تفسيرها، ومن هنا سجل التاريخ اختلاف الصحابة في أمور عديدة وردت فيها نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، كما سجل التاريخ اختلاف التابعين وتابعيهم والأئمة المجتهدين من أصحاب المذاهب من بعدهم في الكثير من المسائل الفقهية دون نزاع بينهم أو إيغار للصدور أو جرح للكرامة فالقاعدة عندهم " أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية " والأصل الذي يسيرون عليه يثبت أن " مذهبنا راجح يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا مرجوح يحتمل الصواب ".

 إن الحوار هو المنطق السليم في نقل الفكر إلى الآخرين وإيصال المعلومة إليهم، وان الاستماع إلى الطرف الآخر والإطلاع على الآراء وإتباع أرجحها وأقربها للدليل، وعدم التجريح بالمخالف هو ما دعا إليه القرآن الكريم بقوله تعالى (( قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ))[69] فقد راعى القرآن مشاعر الطرف الآخر فلم يقل ( ولا نسأل عما تجرمون ) مع أن السياق يناسبه وإنما قال ( ولا نسأل عما تعملون ) احتراما للطرف الآخر رغم أن الحوار المقصود بهذه الآية موجه إلى غير المسلمين، فكيف إذا كان الحوار مع طرفين مسلمين في أدلة يؤمن بها الجميع من أجل الوصول إلى الحكم الشرعي الأرجح ؟

 4 ـ أن تتولد قناعة داخل المجتمعات الإسلامية بأن تعدد وجهات النظر والاختلاف في الأحكام الفقهية باب سعة ورحمة بالأمة وليس باب عذاب ونقمة عليهم، فاختلاف المذاهب في هذه الأمة خصيصةٌ فاضلةٌ لها، وتوسيعٌ في هذه الشريعة السّمحة السهلة، فقد كان الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبعث أحدهم بشرع واحد وحكم واحد، حتى إنه من ضيق شريعتهم لم يكن فيها تخييرٌ في كثيرٍ من الفروع التي شُرع فيها التخيير في شريعتنا.

 أما شريعتنا الإسلامية فقد جاءت بنصوص عامة وقواعد كلية تاركة التفاصيل والحكم على الفروع والجزئيات منوطا بالاجتهاد الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ الشهير واعتبره أحد الأصول التشريعية التي يستنبط منها الحكم الشرعي. لذلك فإن الاجتهاد وما ينشأ عنه من تعدد الآراء من ضرورة الشريعة الخاتمة، وهو مظهر رحمة بالعباد ولا ضير فيه ولا غضاضة، حيث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اختلاف أمتي رحمة[70].

 5 ـ تجنب الإساءة إلى اجتهادات المذاهب الأخرى، فقد منع القرآن الكريم الإساءة إلى الكفار مخافة الإساءة إلى معتقداتنا وديننا فقال تعالى (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ))[71] فكيف إذا كان الأمر بين المسلمين أنفسهم ؟ لا شك أن ذلك يفقد أتباع المذاهب توازنهم ويخلق أجواء معاكسة للتوافق والتقريب ويعود إلى الهدف بما يناقضه

 و لاشك أن العبء الأكبر في هذا الأمر يقع على عاتق العلماء والدعاة في مجال التقريب، من خلال توجيه الناس إلى أن الاجتهاد حكم شرعي، وأن الاختلاف في وجهات النظر أمر طبيعي مع تعدد الأدلة وتفاوت المفاهيم والمدارك، وإنما يدرك ذلك العلماء والفقهاء لأنهم ورثة الأنبياء وحملة الدعوة وبناة الجيل من جهة، وهم من جهة أخرى أعلم بالأسس والقواعد التي يعتمدها التقريب.

 

 المصادر والمراجع

 أولا ـ القرآن الكريم.

 ثانيا ـ الكتب، مرتبة على الحروف الهجائية:

 1 ـ الاجتهاد في الشريعة الإسلامية د. يوسف القرضاوي، دار القلم للنشر والتوزيع  الكويت الطبعة الثانية  1410هـ 1989م.

 2 ـ الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، دار الحديث القاهرة، الطبعة الأولى 1404 هـ.

 3 ـ إرشاد الفحول  للشوكاني، محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى 1412 ه ـ 1992.

 4 ـ أصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي القاهرة 1377هـ 1958م.

 5 ـ أصول الفقه، عبد الوهاب خلاف، دار القلم  الكويت، الطبعة السابعة عشرة 1408هـ 1988م.

 6 ـ أصول الفقه، محمد الخضري بيك، دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة السابعة  1405هـ 1985م.

 7 ـ إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل بيروت 1973م.

 8 ـ الاعتقاد، أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة  بيروت الطبعة الأولى 1401 هـ .

 9 ـ البداية والنهاية لابن كثير، مكتبة المعارف مصر  1966م.

 10ـ تاريخ الفقه الإسلامي، د. عمر سليمان الأشقر  دار النفائس عمان الأردن، مكتبة الفلاح الكويت  الطبعة الثالثة 1412هـ 1991م .

 11ـ الترغيب والترهيب للمنذري، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت  الطبعة الأولى  1417هـ.

 12ـ التمهيد لابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب، 1387 هـ.

 13ـ تهذيب الكمال للمزي، أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الأولى 1400هـ 1980م.

 14ـ تيسير الوصول إلى جامع الأصول. عبدالرحمن بن علي الشيباني. مؤسسة عيسى البابي الحلبي. القاهرة.

 15ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، دار الشعب القاهرة، الطبعة الثانية 1372 هـ.

 16ـ الرسالة للإمام الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق احمد محمد شاكر ـ طبعة القاهرة 1358 هـ 1939م.

 17ـ الزهد لهناد، هناد بن السري الكوفي، تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي  الكويت  الطبعة الأولى 1406 هـ .

 18ـ سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر بيروت.

 19ـ سنن البيهقي الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز مكة المكرمة 1414هـ 1994م.

 20ـ سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق أحمد محمد شـاكر، دار إحياء التراث العربي  بيروت.

 21ـ سنن الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر  الدارقطني، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة بيروت 1386 هـ 1966 م .

 22ـ السنة للخلال، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال، تحقيق عطية الزهراني، دار الراية الرياض، الطبعة الأولى 1410هـ.

 23ـ سير أعلام النبلاء للذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة التاسعة 1413 هـ.

 24ـ شرح العمدة في الفقه لابن تيمية، أبو العباس أحمد عبد الحليم بن تيمية، تحقيق سعود صالح العطيشان، مكتبة العبيكان  الرياض، الطبعة الأولى 1413 هـ.

 25ـ شرح النووي على صحيح مسلم، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الثانية 1392 هـ.

 26ـ شعب الإيمان للبيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية بيروت  الطبعة الأولى 1410 هـ.

 27ـ  صحيح ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة  بيروت، الطبعة الثانية  1414هـ  1993م .

 28ـ صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير بيروت، الطبعة الثالثة 1407هـ 1987م.

 29ـ صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي بيروت.

 30ـ الفتاوى لابن تيمية، أبو العباس أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق عبد الحمن محمد عاصم، نشر مكتبة ابن تيمية.

 31ـ  فتح القدير للشوكاني، محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر  بيروت.

 32ـ فقه السيرة د. محمد سعيد رمضان البوطي. دار الفكر دمشق.

 33ـ الفكر الإسلامي ( تقويمه وتجديده ) د. محسن عبد الحميد. دار الأنبار  العراق.

 34ـ فتح الباري ( شرح صحيح البخاري ) لابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب دار المعرفة بيروت 1379 هـ

 35ـ فيض القدير للمناوي، عبد الرؤوف المناوي، المكتبة التجارية الكبرى مصر، الطبعة الأولى 1356هـ.

 36ـ القرآن الكريم ( تاريخه وعلومه ) محمد عبد الله المهدي البدري، دار القلم دبي، الطبعة الأولى 1404هـ 1984م.

 37ـ قواعد الفقه، محمد عميم الإحسان المجددي، دار الصدف كراتشي، الطبعة الأولى 1407 هـ 1986 م.

 38ـ كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، تحقيق هلال مصيلحي، دار الفكر بيروت 1402 هـ.

 39ـ ما لا يجوز الخلاف فيه، عبد الجليل عيسى، دار البيان الكويت 1389هـ 1969م

 40ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الريان للتراث القاهرة ـ دار الكتاب العربي بيروت 1407 هـ.

 41ـ مختصر كتاب المؤمل لأبي شامة، مجموعة الرسائل المنيرية، إدارة الطباعة المنيرية، بدون تاريخ.

 42ـ مصنف ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة الكوفي  تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد  الرياض  الطبعة الأولى 1409 هـ.

 43ـ مصنف عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ.

 44ـ معجم البلدان لياقوت الحموي نشر مطبعة الخانجي وشركاه، الطبعة الأولى.

 45ـ المغني لابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.

 46ـ الموافقات للشاطبي، إبراهيم بن موسى الغرناطي المشهور بالشاطبي، تحقيق عبد الله دراز، دار المعرفة بيروت.

 47ـ النبذة الكافية لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1405 هـ.

 48ـ الوجيز  في أصول الفقه عبد الكريم زيدان مكتبة القدس بغداد ومؤسسة الرسالة بيروت 1405هـ 1985م.

  

 

[1] أصول الفقه ، محمد أبو زهرة ، دار الفكر العربي القاهرة 1377هـ 1958م ، ص 356 // أصول الفقه ، عبد الوهاب خلاف ، دار القلم  الكويت ، الطبعة السابعة عشرة 1408هـ 1988م ، ص 222 // الوجيز  في أصول الفقه عبد الكريم زيدان مكتبة القدس بغداد ومؤسسة الرسالة بيروت 1405هـ 1985م  ص 401.

 [2]  سورة النحل:  آية   43 .

 [3]  سورة التوبة:  آية 122.

 [4]  الرسالة للإمام الشافعي ، أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، تحقيق احمد محمد شاكر ـ طبعة القاهرة 1358 هـ 1939م ، ص 39.

 [5]  الموافقات للشاطبي ، إبراهيم بن موسى الغرناطي المشهور بالشاطبي، تحقيق عبد الله دراز ، دار المعرفة بيروت ، ج1 ص 88 .

 [6]  أصول الفقه ، محمد الخضري بيك ، دار إحياء التراث العربي بيروت ، الطبعة السابعة  1405هـ 1985م ، ص 368 .

 [7]   القرآن الكريم ( تاريخه وعلومه ) محمد عبد الله المهدي البدري ، دار القلم دبي ، الطبعة الأولى 1404هـ 1984م ، ص 50 .

 [8]   قواعد الفقه ، محمد عميم الإحسان المجددي ، دار الصدف كراتشي ، الطبعة الأولى 1407 هـ 1986 م ص 108 ، رقم القاعدة 260.

 [9]   إرشاد الفحول  للشوكاني ، محمد بن علي الشوكاني ، دار الفكر بيروت ، الطبعة الأولى 1412 ه ـ 1992 م ، ص 418  .

 [10]  سورة الشورى:  آية " 7 ".

 [11]  سورة الشورى: آية " 52 ".

 [12]  سورة الأحزاب: آية "36  ".

 [13]  سورة الأحزاب: آية "72 ".

 [14] الفكر الإسلامي ( تقويمه وتجديده ) د. محسن عبدالحميد . دار الأنبار  العراق  ص 10.

 [15] سورة الرعد آية "4 ".

 [16] سورة آل عمران  آية "191 ".

 [17] سورة الغاشية آية  " 17 21 ".

 [18]  سورة محمد  آية " 24 ".

 [19] فقه السيرة د . محمد سعيد رمضان البوطي . دار الفكر دمشق . ص 169.

 [20] فتح الباري ( شرح صحيح البخاري ) لابن حجر ، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب ، دار المعرفة بيروت 1379 هـ ج 7  ص 408.

 [21] سنن أبي داود ، سليمان بن الأشعث السجستاني ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الفكر بيروت ، ج 3  ص 303 // تيسير الوصول إلى جامع الأصول . عبدالرحمن بن علي الشيباني . مؤسسة عيسى البابي الحلبي . القاهرة . ج 4 ص 66.

 [22] الرسـالة للشافعي ، محمد بن إدريس الشافعي ، ص  501.

 [23] الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ، أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي ، دار الحديث القاهرة ، الطبعة الأولى 1404 هـ ، ج 1  ص 17.

 [24]  الفكر الإسلامي ، محسـن عبد الحميد ص 13.

 [25] مصنف عبد الرزاق ، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، المكتب الإسلامي بيروت ، الطبعة الثانية 1403 هـ ، ج5 ص 211.

 [26] فتح القدير للشوكاني ، محمد بن علي الشوكاني ، دار الفكر  بيروت ، ج 2 ص 413.

 [27] سنن البيهقي الكبرى ، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، مكتبو دار الباز مكة المكرمة 1414هـ 1994م، ج 10  ص 114.

 [28] إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية ، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي ، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ، دار الجيل بيروت 1973م ، ج1 ص 54- 66.

 [29]  سورة الحشـر آية "7 ".

 [30]  صحيح البخاري . أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، تحقيق مصطفى ديب البغا ، دار ابن كثير  بيروت ، الطبعة الثالثة 1407هـ  1987م ، ج 6 ص 2676.

 [31]  ما لا يجوز الخلاف فيه ، عبد الجليل عيسى ، دار البيان الكويت 1389هـ 1969م ص 134.

 [32]  تاريخ الفقه الإسلامي ، د . عمر سليمان الأشقر  دار النفائس عمان الأردن ، مكتبة الفلاح الكويت  الطبعة الثالثة 1412هـ 1991م  ص 175 ـ 176.

 [33]  البداية والنهاية لابن كثير ، مكتبة المعارف مصر  1966م ج 13 ص 18.

 [34]  البداية والنهاية لابن كثير ج 13 ص 19 ـ 21.

 [35]  معجم البلدان لياقوت الحموي نشر مطبعة الخانجي وشركاه ، الطبعة الأولى ج 1 ص 273.

 [36]  مختصر كتاب المؤمل لأبي شامة  ، مجموعة الرسائل المنيرية ، إدارة الطباعة المنيرية ، بدون تاريخ ج 3 ص 32.

 [37]  سنن الترمذي ، محمد بن عيسى الترمذي، ج 3 ص 616 ،، مصنف ابن أبي شيبة ، أبو بكر عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة الكوفي  تحقيق كمال يوسف الحوت ، مكتبة الرشد  الرياض  الطبعة الأولى 1409 هـ  ج 4 ص 543.

 [38]  صحيح البخاري ، محمد بن إسماعيل البخاري ، ج 1 ص 321 . صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج القشيري ، ج 3 ص 1391 ،، صحيح ابن حبان ، محمد بن حبان التميمي ، ج 4 ص 321

 [39]  إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم ، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي ، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ، دار الجيل بيروت 1973 م ج 3 ص 3.

 [40]  انظر في ذلك على سبيل التفصيل : الاجتهاد في الشريعة الإسلامية د. يوسف القرضاوي  ، دار القلم للنشر والتوزيع  الكويت الطبعة الثانية  1410هـ 1989م ص  114 ـ 172.

 [41]  سورة البقرة   آية  30.

 [42]  سورة  هود   آية  61.

 [43]  شعب الإيمان للبيهقي ، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول ، دار الكتب العلمية بيروت  الطبعة الأولى 1410 هـ ج 6 ص 271. /الترغيب والترهيب للمنذري ، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ، تحقيق إبراهيم شمس الدين ، دار الكتب العلمية بيروت  الطبعة الأولى  1417هـ  ج 2 ص 354 ، وقال رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم / الزهد لهناد ، هناد بن السري الكوفي ، تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي ، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي  الكويت  الطبعة الأولى 1406 هـ  ج 2 ص 596.

 [44]  سنن الدارقطني ، أبو الحسن علي بن عمر  الدارقطني ، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني ، دار المعرفة بيروت 1386 هـ 1966 م  ج 4 ص 204. / الاعتقاد ، أحمد بن الحسين البيهقي ، تحقيق أحمد عصام الكاتب ، دار الآفاق الجديدة  بيروت الطبعة الأولى 1401 هـ  ص 234/.

 [45]  سورة النور:  آية  63.

 [46]  سورة النحل:   آية  64.

 [47]  سورة  البقرة:  آية 213.

 [48]   سورة  الزخرف:  آية  63.

 [49]  الرسالة أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، طبعة القاهرة 1358هـ 1939م  ص 501.

 [50]   النبذة الكافية لابن حزم ، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز ، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1405 هـ  ص 21.

 [51]  الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني ، دار الشعب القاهرة ، الطبعة الثانية 1372 هـ ، ج 1 ص 54.

 [52]  السنة للخلال ، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال ، تحقيق عطية الزهراني ، دار الراية الرياض ، الطبعة الأولى 1410هـ ، ج2 ص 426.

 [53]  تهذيب الكمال للمزي ، أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي ، تحقيق بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة بيروت ، الطبعة الأولى 1400هـ 1980م ، ج 13 ص 420.

 [54]  مصنف عبد الرزاق ، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، ج 10  ص 255.

 [55]  فيض القدير للمناوي ، عبد الرؤوف المناوي ، المكتبة التجارية الكبرى مصر ، الطبعة الأولى 1356هـ ج 5  ص 382.

 [56]  سير أعلام النبلاء للذهبي ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة بيروت ، الطبعة التاسعة 1413 هـ ، ج 10  ص 45.

 [57]  شرح النووي على صحيح مسلم ، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، دار إحياء التراث العربي بيروت ، الطبعة الثانية 1392 هـ ، ج 11 ص 91.

 [58]  نفس المصدر ، ج 11 ص 92 .

 [59]  المغني لابن قدامة ، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ، دار الفكر بيروت ، الطبعة الأولى 1405 هـ ، ج 1  ص 17 .

 [60]  الفتاوى لابن تيمية ، أبو العباس أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني ، تحقيق عبد الحمن محمد عاصم ، نشر مكتبة ابن تيمية ، ج30  ص 79.

 [61]  مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، علي بن أبي بكر الهيثمي ، دار الريان للتراث القاهرة ـ دار الكتاب العربي بيروت 1407 هـ ، ج 1 ص 157.

 [62]  كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ، تحقيق هلال مصيلحي ، دار الفكر بيروت 1402 هـ،  ج 1 ص 312.

 [63]  سير أعلام النبلاء ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ج 14  ص 40.

 [64]   شرح العمدة في الفقه لابن تيمية ، أبو العباس أحمد عبد الحليم بن تيمية ، تحقيق سعود صالح العطيشان ، مكتبة العبيكان  الرياض ، الطبعة الأولى 1413 هـ ، ج 4 ص 567.

 [65]  شرح النووي على صحيح مسلم ، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ،  ج 2 ص 24.

 [66]  التمهيد لابن عبد البر ، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب ، 1387 هـ ، ج11  ص 54.

 [67]  مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، علي بن أبي بكر الهيثمي ، ج 3 ص 159.

 [68]  صحيح البخاري . أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، ج 6 ص 2676.

 [69]   سورة سبأ:   آية 25.

 [70]  شرح النووي على صحيح مسلم ، ج 11 ص 91.

 [71]   سورة الأنعام: آية  108.