التوحيد و الوحدة

التوحيد و الوحدة

 

التوحيد و الوحدة

 

عدة فلاحي/ باحث في الاسلاميات                     الجزائر نوفمبر 2016

  

       لقد جاء في الحديث النبوي الشريف " اعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك" و  إذا كان هذا الامر العضوي يتعلق بحياة الشخص في حياته الشخصية و في علاقته مع ربه و مع الآخرين و ما يتطلبه من مجاهدة حتى  تنضبط النفس و تسوي على الصراط المستقيم كما انرها ربها فيمكن القول كذلك في حياتنا الاجتماعية كاملة بأن أخطر ما يتهددنا هو التيارات الدينية و الفكرية التي تريد مصادرة الحقيقة و احتكار الاسلام و تفسيره من وجهة نظرها التي ترى بأنها صائبة و تتوافق مع النص المقدس و ها هي في الحقيقة إلا قراءة متخلفة و سطحية للنص ، و هذه التيارات غالبا ما يكون مشروعها متطرفا و كارها و عدوا للآخر باسم الاسلام ضد جزء من المسلمين ممن لهم مشروع و رؤية و تفسير آخر للدين و الورقة القوية التي تشهر في وجه الآخر دائما و عبر مسار تاريخ الامة الاسلامية  للأسف هي " ورقة التكفير " ففي وقت متقدم من تاريخنا كانت ابرز جماعة ظهرت هي الخوارج التي استحلت دماء المسلمين و بشكل مأساوي غير مبالية بوصية الرسول صلى الله عليه و سلم التي جاءت في حجة الوداع و التي توصي بحرمة دم المسلم مع حرمة دينه و عرضه و ماله طبعا و لكن هذه الدماء ما كانت لتستباح هكذا بسهولة لو لم تكن هناك سوابق كسرت هذا الحاجز النفسي و العقادي و هي " معركة الجمل " و حرب صفين " التي كان ضحيتها الامام علي كرم الله وجهه  و جماعته و التي سقط فيها الآلاف من القتلى و لم يكن مطروحا حينها ثنائية سنة / شيعة و بالتالي ما يمكن قوله أن الحركة التكفيرية في عصرنا الحاضر لها مرجعيتها التراثية التي تستند اليها و تستعين بها لدعم حجيتها في المواجهة و لكن هؤلاء القوم لا يدركون بان نتيجة هذه المواجهة  هي الخاسرة للأمة الاسلامية لأن الامة التي تفقد وحدتها تفقد حريتها و سيادتها و بالتالي تقع في التبعية و العبودية للآخر.

      إن تشتيت صفوف المسلمين و  ضرب وحدتهم من الكبائر كيف لا و قد قال رسول الله (ص) ليس منا من دعا الى جاهلية و من خصائص الجاهلية هي العصبية القبلية و العرقية و الله تعالى قال :" و ان هذه امتكم امة واحدة و انا ربكم فاعبدون " و بالتالي لا يمن فصل هذه عن تلك و إذا حاولنا ان نكون اكثر دقة موضوعية فيجب القول بان التيارات التكفيرية التي تتغذى على تمزيق صفوف المسلمين لغاية يعلمها الخاص و العام في غالبيتها مرجعيتها سنية و هي زبادة على انها تكفر صراحة إخواننا اهل الشيعة  و انما كذلك تكفر و تبدع حتى الفرق السنية التي ليست تحت مظلتها بل و حتى تلك التي تدعو الى الوحدة بين جميع مكونات الطيف الاسلامي و تدعوا الى التقريب سواء كانوا اصحاب هذا المسعى في تنظيم جماعي او شخصيات مستقلة، فلقد تم تكفير و تبديع جماعة الاخوان لان فصيلا كبيرا منها كان من العاملين و السباقين لفكرة التقريب و في مقدمتهم الامام الشهيد حسن البنا و الشهيد سيد قطب  كما تم التشكيك و الطعن حتى في وثيقة شيخ الازهر الشيخ شلتوت التي افتى فيها بجواز التعبد بالمذهب الشيعي ، و إذا كانت مثل هذه الحملات الهدامة من الطائفة الوهابية بالدرجة الاولى في المشرق العربي فإن المغرب العربي لم يسلم هو كذلك من مثل هذه الحملات التي يستخدمها العالم الغربي الذي استعمرنا بالأمس و يريد اليوم العودة مجددا و لكن بأقل الخسائر و ذلك بإشعال و إذكاء حرب مذهبية و طائفية بين المسلمين أنفسهم ثم يأتي هو لبقطف الثمرة، ففي المغرب العربي قلت بأن من الشخصيات التي نالها ما نالها من الجور و الحيف المفكر المرحوم مالك بن نيي الذي اتهم بالتشيع و إن كانت هذه تهمة تشرف صاحبها و لكن الهدف منها كان  سلبيا و في غير هذا الاتجاه و هذا عندما دعا الى ضرورة الوحدة في اطار كومنويلت اسلامي يظم جميع الاقطار الاسلامية و على خلفية لقائه بالإمام موسى الصدر الذي كان لا يتخلف  هو الامام حسين فظل الله الشيخ آية الله تسخيري عن حضور ملتقيات الفكر الاسلامي التي كانت تنظمها الجزائر خلال ثمانينيات القرن العشرين و لكن للأسف جاء من بعد مالك بن بي من يفسد هذه الوحدة الاخوية و ممن يدعي أنه تلميذه و هو الاستاذ  نور الدين بوكروح الذي كان من الاوائل الذي سافروا الى طهران بعد نجاح الثورة الاسلامية لتقديم التهاني للامام الراحل آية الله الخميني و لكنه اليوم نعم اليوم ينقلب على عقبيه و يقول في سلسلة مقالاته التي جاءت بعنوان غريب "  تغيير  تصورنا للوجود.. الصراع السني الشيعي ..من سينصره الله ؟ "، ما خلاصته بأن ايران قد ضيعت عقودا من الزمن لتصل في الاخير الى اتفاق تفاهم مع الغرب حول التكنولوجيا النووية  مقابل رفع العقوبات الاقتصادية و بالتأكيد انها بعد ذلك ستفكر في شن حروب مع جارها القريب قبل البعيد  .. !!  فهذا النوع من الكتابات و التحليل السياسي  من رجال ينتمون الى النشاط السياسي و الثقافي لا تقل خطورة عن الفتاوى الدينية التي لا تفقه طبيعة الصراع الدولي الذي تتحكم في المخابر و المخابرات الغربية بما فيها و سائل الاعلام التابعة لها و التي تؤدي ادوارا مهمة في تضليلنا و في تشويه المفاهيم لتغليط الرأي العام العالمي و الاسلامي حتى يغرق هذا الاخير في الفوضى..

      إذا اعتبرنا مالك بن نبي من الشخصيات المهمة في الجزائر التي حملت رسالة التقريب و الوحدة بين المسلمين فإن العلامة علال الفاسي بالمغرب الاقصى هو ثاني اثنين من اعلام المغرب العربي ممن تحمل مسؤوليته و لو كره الكافرون بالوحدة و الاخوة الاسلامية فلقاءاته المتكررة مع المراجع الشيعية لتجاوزات الخلافات المفتعلة و تحقيق التضامن المشترك نموذج يجب الاقتداء به، فعلال الفاسي  الذي ترأس الملتقى الدولي بجامعة مشهد سنة 1970  و ذلك بمناسبة  مرور ألف سنة على ميلا د الامام ابو جعفر الطوسي الذي لم يتعرض له علماء السنة المشاركون في الملتقى حينها بسوء عكس ما هو عليه الامر اليوم للأسف،  أكد في عدة مناسبات بأن الخلافات هي سياسية و ليست عقادية كما يريد ان يروج لها من في قلوبهم مرض من ابناء أمتنا و بالتالي لا يجب ان يفسد الخلاف للود قضية كما يقال و في كل الحالات الخلافات السياسية موجودة و بحدة حتى بين الدول العربية الجارة فيما بين بعضها البعض رغم القواسم المشتركة التي تجمع فيما بينها من حيث التاريخ و الجغرافيا و المذهب فهل يمكن التذرع بان خلفية الامر و أسبابه مذهبية ؟ فالتأكيد لا، فدول المغرب العربي عجزت و لم تستطع تحقيق الوحدة رغم ان ما يجمعها اكبر من الذي يفرقها و لكن الخطر القادم و الذي يجب الانتباه له هو التوظيف الخبيث لمصطلح " الغزو المذهبي الشيعي" لهذه الديار السنية و ليس خفيا بان من يزع هذه الفوبيا هم المتطرفون و المجانين من اتباع السلفية الوهابية الذين يجاهرون بعداوتهم هذه في بعض مساجد الجزائر التي يتخذوها منبرا لخطبهم كما انهم لا بتورعون في نشر الكتيبات و القصاصات في باحات المسجد و في الطرقات يحذرون من الشيعة و من ايران و هم بالتأكيد من خلال هذا التصرف يستعدون اخواتهم ظلما و عدوانا و يخلقون البلبلة في صفوف المسلمين  و امام هذه السلوكيات المشينة و الحمد لله لا نجد رد فعل مماثل من الشيعة في بلادنا لأنهم احرص على أمن البلد و سلامة المجتمع و أبعدهم عن الدخول في المواجهة لان ذلك ليس في صالح الجميع و هذا هو الوعي الذي نتمنى ان يتحلى به كل صاحب قناعة ولكن صاحب القناعة الخاصة الذي له هذا الحق الطبيعي يجب أن يتحصن كذلك من القابلية للاستعمار الذي يريد العودة من جديد و بطرق و اساليب أخرى ربما نحن الذين نمدوه بها من حيث ندري او لا ندري، فإعادة قراءة التاريخ و اخذ العبرة فريضة و ضرورة و يكفي العودة الى كتاب " الخلافة و الملك " للشيخ المودودي يكفي لندرك بان الخلافة الاسلامية طوال القرون  التي خلت كلها من حياتنا كانت سنية و مع ذلك سادها فساد و ظلم و قتل و فرقة اوصلت بنا بعد هذا السفر الطويل الى عبيد للاستعمار الحديث ثم فيما بعد الى دول وطنية و لكن باستقلال و حرية مبتورة و منقوصة العزة و الكرامة كان الدور و المتسبب فيها كذلك للتكفيريين المتخلفين الذين يجب معالجة عقولهم حتى و غن اقتضى هذا العلاج الكي فالحكم تقول :" آخر العلاج الكي" .