الشخصية الانتحارية من المنظور النفسي تشويه للوجه الحضاري على يد التكفيريين

الشخصية الانتحارية من المنظور النفسي تشويه للوجه الحضاري على يد التكفيريين

 

   الشخصية الانتحارية من المنظور النفسي تشويه للوجه الحضاري على يد التكفيريين

 

 

أ‌.        م. د. هدى محمد سلمان / جامعة بغداد – مركز البحوث التربوية والنفسية

 

الشخصية الانتحارية من منظور نفسي:

    ان الأبحاث المرتكزة على التحاليل النفسية لشخصيات الإرهابيين المنتحرين قليلة جدا،ربما لأن المادة غير متوفرة بما فيه الكفاية،فالانتحاري لا يعود إلى الحياة لكي نجري له تحليلاً نفسياً، نكتشف فيه دوافعه إلى الانتحار بتفخيخ سيارة أو بالحزام الناسف حول خصره. كما أن الانتحاريين قلما يفشلون في تفجير أنفسهم والانتحار على هذا النحو العدمي الفظيع والمؤلم،ولعل الإرهابية العراقية ساجدة الريشاوي التي فشلت في تفجير نفسها في فندق راديسون ساس في عمان عام 2006 كانت فرصة سانحة لإخضاعها للتحليل النفسي الحديث، لمعرفة دوافعها الفعلية للإقدام هي وزوجها على الانتحار على هذا النحو العدمي المؤلم، سيما وأنها رفضت تمييز الحكم بالإعدام أو استئنافه، وطلبت من المحكمة تنفيذ إعدامها وكانت زوجة وأماً، وتبعاً لعلم النفس التحليلي،فإن أي شخص قادر علي ممارسة أقصي حدود العنف بما قد يصل لقتل النفس أو الآخرين،إذا ما تعرض لضغوط ومؤثرات خارجية قد تصيبه بخوف شديد يفقد فيه السيطرة علي المنظومة السلوكية التي يتبعها في حياته اليومية،أي حالة خلل مفاجئ في المسيرة الفكرية والنفسية للفرد تؤدي إلي انهيار سلوكي.فالخوف وعدم الأمان النفسي والاجتماعي من أهم أسباب انتشار العنف.فالشخص الطبيعي من الممكن أن يتحول إلي قاتل في لحظة إذا فقد قدرته علي التكيف النفسي ،والرضا الاجتماعي نتيجة لمؤثر خارجي لحظي أو دائم لفترة زمنية طويلة،وهنا يتم التحول من العنف الغريزي الذي قد يهدف الدفاع عن النفس إلي العنف الموجه ضد فئة أو جماعة بعينها،ويتحول الشخص الطبيعي إلي شخص سيكوباتي (مضاد للمجتمع).

فالشخصية السيكوباتية،شخصية توجه العنف تجاه الآخرين دون الشعور بأي ألم نفسي أو ذنب أو حتي التعاطف معهم. فالعدوان كما صنفه علماء النفس، نوعان غير موجه وتتسبب فيه مشاعر الغضب،والموجه وهو الذي يتسم بمزيد من التحديد،ويستخدم لتحقيق أفكار وأهداف أخرى،ويأتي الغضب فيها في المرتبة الثانية.وشخصية الإرهابي من الصنف الثاني،تتسم بعدوانية معقدة (عبد الحميد،2010، http://www.bg-pravo.com//)

لا يوجد ما يثبت قطعياً أن العنف والدين مرتبطان عضوياً،فليس بالضرورة أن يتسم سلوك المتدين بالعنف أو التطرف،ولكن المشكلة تكمن في صراع نفسي أكبر من فكرة التدين بمفهومه الشامل،فطبقاً لنظرية فرويد عن النفس البشرية ،بأنها تتكون من ثلاث منظومات رئيسية،وهي (الأنا الأعلي) وتمثل المعايير والقيم،و(الهو) الغريزة والرغبة،و(الأنا) منظم الغريزة والقيم.وبالتالي كل رغبات الإنسان لابد أن تُلبي ضمن منظومة اجتماعية أو دينية خاصة،ومن ضمنها العنف كغريزة أساسية.دور الدين كقيمة عليا تنظيم الرغبات الإنسانية لتحقيق السمو الإنساني، ولكن في حال تناول الدين بشكل متطرف أو خاطئ،وتأويله بما يتفق مع الرغبة،تفقد (الأنا) السيطرة علي (الهو)،ويمثل الدين أو الفهم الخاطئ له مكمن الخطر،فشخصية الإرهابي تنتمي لمجموعة من الرغبات المريضة التي يجد لها قبولاً في منظومته الأعلي وهي الدين،وبالتالي يندفع في القتل الغريزي دون أن يشعر بأي تأنيب قد يأتيه من الأنا الأعلي أو منظومة القيم أو الضمير.فالإرهابي ينتمي كلياً إلي الجماعة التي يشعر معها بأمان نسبي، والتي تمثل بالنسبة له منظومة القيم التي تحدد سلوكه وأفكاره، خاصة مع ما تمارسه الجماعات المتطرفة من فرض سياج من العزلة علي عناصرها الداخلية،أو الأفراد المشكلين لها،حتي تستطيع أن تعزز قيم العنف الذي أصبح في هذه الحالة مقدساً ،أو دينياً (فاضل،2011: http://www.diwanalarab.com).

الإحباط النفسي:

      يلعب عامل (الإحباط النفسي) دورًا أساسًيا في الرشد أو الكبر في إبراز السلوك (الإرهابي) إلى العلن عندما تنعدم أو تكاد القنوات الديمقراطية السانحة للتعبير والمتنفس عن الرأي والفكر, وكذلك الشعور بالقمع والخوف المصاحب. وكما أجريت دراسة نفسية استطلاعية مصرية حول الإرهاب فإن الإحباط النفسي شكل نسبة 58,02%. وبالتالي أضيف إلى عامل /العدوانية/ عامل (الإحباط النفسي), وكلاهما خلل نفسي, يتوجب التعامل معه وفق هذا المنحى. الإحباط هو: إعاقة المرء عن بلوغ هدف ما, وسد الطريق, التي يسلكها نحو الوصول إلى هدفه, سواء أكان السعي سعيًا واعيًا أم غير واع. وتطلق لفظة الإحباط مجازًا على كل نوع من العراقيل, التي تحول دون بلوغ الهدف المنشود والاقتراب منه. يمكن لهذه العرقلة أن تعاش على صورة إخفاق مباشر أو دون مشاركة من جانب الوعي. وتقتصر أبحاث السلوك في استخدامها لهذا الاصطلاح على عملية محددة تعيق الإنسان أو الحيوان عن إظهار استجابة معينة Krueger,2002,47)ويبقى أن كبار السن أو من هم في سن الرشد ممن هم منخرطون في حالة العنف ضد المجتمع والنظام, منهم من تشربه منذ مراهقته أو شبابه - كما أسلفنا - أو ممن غلبت عليه المصلحة لتحقيق هدف سياسي وأغلب أعمالهم انحصرت في التنظير والتمويل والتخطيط في هيكلية أشبه بالمافيوية الخفية تشابكت فيها المصالح واستفادوا من التدفق المالي والتبرعات الداعمة للأهداف ذات الطابع الشخصي أو الأيديولوجي. وكون هيكلة شبكة الإرهاب أشبه بهيكلية (المافيا), يصعب للفرد الواقع في أعلى سلمها التراجع عن قرار الانخراط, أو العدول عن الأفكار علنا, أو التخلي عن العنف لأنه سيواجه بلاشك السخط أو التصفية الجسدية بحكم (المرتد عن الجماعة) من قبل أفرادها, وليس له من بد أو خيار إلا الاستمرار فيما هو فيه, في حين لايستبعد التخلي عن أفكار الجماعة أو أن تتخلى الجماعة عن العنف بشكل جماعي, معلنة التخلي عن أفكارها متجهه نحو المنحى السلمي،حالة من عدم الارتياح والتوتر والكآبة, ولكنه لا يؤثر في تماسك شخصيته إلى حدود تعطيل عمله أو إنتاجه. (إن سلوك العصابي مفهوم, ولكن سلوك الذهاني مبهم ومحير) (الحجازي،2005:بلا)

     وهناك عدد وافر من الدوافع الفردية لممارسة الإرهاب. فهي بالنسبة للبعض، إعطاء شعور بالقوة لمن لا حول ولا قوة لهم في حين أن الانتقام هو الدافع الرئيسي بالنسبة للبعض الآخر واكتساب شعور بالأهمية، دافع آخرين غيرهم،وبدلا من علم النفس الفردي،فإن ما يبرز كأقوى عدسة مكبّرة ينظر من خلالها لفهم السلوك الإرهابي هو علم نفس المجموعة والمنظمة وعلم النفس الاجتماعي،مع تأكيد خاص علىالهوية الجماعية التي يتم ترسيخ الهوية بالنسبة لبعض الجماعات،خاصة الجماعات القومية/الإرهابية،في وقت مبكر جدا،بحيث يتم غرس الكراهية في النفس منذ نعومة الأظافر وليس من الممكن المبالغة في التشديد على أهمية الهويات الجماعية وعمليات تشكيلها وتغييرها،والإرهابيون أشخاص أخضعوا هويتهم الفردية للهوية الجماعية،بحيث أن ما يخدم الجماعة أو المنظمة أو الشبكة هو الأمر ذو الأهمية الأساسية (الصغير،2011: بلا)

الانتحاري والأفكار الوسواسية:

       ان شخصية الانتحاري غالباً لا تفكر في أي شيء غير تلك الوساوس التي تعززها مشاعره السلبية بالانهزامية،والحرمان العاطفي، والتنشئة الاجتماعية التي قد تتسم بالقسوة أو العنف.
فالانتحاري يتسم في عمقه بالطفولية وعدم قدرته علي الاستقلال،وغالباً ما تكون تلك الشخصيات هي الأدني في أي تنظيم ديني أو سياسي، فهي غير ناضجة انفعالياً أو عقلياً،مما يسهل قيادتها والسيطرة عليها سواءً بالاستغلال الخاطئ لأفكار العالم الآخر والحياة بعد الموت، أو غيرها من المنظومات التي تشكل القيم الأساسية في الجامعات الدينية أو التنظيمات السياسية،تحت مسميات الشهادة والخلود.فالانتحاري شخصية لا تتسم بالقوة وترغب في الموت من الأساس،وبالتالي ما يضفيه الإرهاب خاصة في إطاره الديني من شرعية لهذا الفعل،تنفي لديه أي شعور مسبق بالذنب أو مجرد التساؤل عن ضرورة القتل (الحبيب، 2003: بلا)

    وقد أثبتت الدراسات التي أجريت علي التعامل الإعلامي والحكومي مع حالات ما بعد الأحداث الإرهابية،أنها قد تزيد من شيوع الإرهاب وانتشاره،خاصة من الجانب النفسي،فالإلحاح الإعلامي علي التأثيرات السلبية التي أنتجتها الأحداث الإرهابية في المجتمع،يحقق أهداف الإرهاب بشكل كامل.فالهدف الأصلي من العمليات الإرهابية أو الانتحارية هو إثارة الرعب والتخويف ،وتحقيق الذات المتضائلة لشخصية الإرهابي،الذي يجد نتيجة فعله واضحة في زعزعة الأمن وإثارة الفتن الداخلية والخارجية، وبالتالي تشجع ما يضفيه الإعلام من أسطورية علي شخصية الإرهابي- كما فعلت الولايات المتحدة مع أسامة بن لادن،أو غيره،والاحتفاء السنوي بالحدث الشخصيات ذات السمات السيكوباتية الكارهة للمجتمع أو النظام السياسي أن ينضم لجماعة ما تساعده علي تخليد ذكراه بعملية مشابهة، بل والأخطر أن يتم هذا بشكل فردي،بحيث قد يذهب أحدهم متطوعاً للقيام بأعمال انتحارية لنيل الشهرة،فيقرر قتل أقرب مجموعة منه يشعر معها بحالة من الزهو  (عبد الحميد،2010، http://www.bg-pravo.com/)

    ونلاحظ أن معظم الإرهابيين المنتحرين عدميون. وأن معظمهم يحتقر الحياة الدنيا، ويسعى مسرعاً إلى الحياة الآخرة. ويقول الباحث الفرنسي في شؤون الأصولية الإسلامية برونو إيتيين مؤلف كتاب "الأصولية الراديكالية، 1987"، و "فرنسا والإسلام، 1989"، و "طريق من أجل الغرب، 2001"، وأخيراً كتاب "هواة نهاية العالم: لكي نفهم أحداث 11 سبتمبر، 2002"، إن الأسباب الكامنة وراء الأعمال الانتحارية للإرهابيين المسلمين كثيرة، ولكن أهمها العامل الديني المحض. "فصورة برجي نيويورك وهما يشتعلان تشبه صورة نهاية العالم، أو يوم القيامة. والواقع أن غلاة الأصوليين يستعجلون الآخرة والانتقال إلى ملكوت الله، تخلصاً من هذه الحياة الدنيا الفاسدة، التي وصفها القرآن في ثلاث سور بأنها لعب ولهو ﴿وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو﴾ (سورة الأنعام: 32)، و (سورة العنكبوت:64)، و (سورة محمد: 36)، وزاد عليها الزينة في (سورة الحديد:20) حين قال ﴿إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة﴾. واستعمل فقهاء الإرهاب – كعادتهم دائماً – هذه الآيات وفسروها تفسيراً حرفياً – كما يفعلون دائماً- فاصلين هذه الآيات عن سياقها التاريخي وعن المجتمع الذي نزلت له، وفيه، ومن أجله. مبتعدين عن النقد التاريخي الذي ننادي به دائماً، والذي يضع النصوص المقدسة في مكانها الصحيح. ولعل الإصلاح الديني الكبير الذي اعترى المسيحية الأوروبية جاء من الالتزام بالتفسير والنقد التاريخي للنصوص المقدسة، والابتعاد عن الحرفية في التفسير(المصدر نفسه).

 ويذكر(صالح،2006) أن لا معنى للحياة في عُرف هؤلاء الإرهابيين المنتحرين. بل إن اندفاعهم إلى الآخرة هو ابتعاد عن الدنيا الموصوفة باللهو واللعب والزينة. ومن هنا يعتبر الإرهابي المنتحر، أن انتحاره هو ابتعاد عن حياة الفسوق والفجور والكفر، وكل ما يمتُّ إلى الحضارة الحديثة. ويعتقد الانتحاري الإرهابي كذلك، بأن سعيه لتدمير هذا العالم هو في حقيقته استئصال جذور الشر من هذا العالم، ذلك أن يوم القيامة قد اقترب، وهو يسبق هذا اليوم إلى الآخرة(صالح،2006: بلا)

  ومن الملاحظ، إن القدرة الجبارة على الانتحار، متأتية من ضرورة نصرة أفكار الأمة التي آمنا بها، وهي على غرار كهنة إيزيس الذين كانوا يدخلون في هذيان مقدس،فيجرحون أنفسهم وغيرهم لحل الصراعات النفسية التي انفجرت في دواخلهم كالبركان. ولعل هذا التعصب هو أب لجميع انتهاكات حقوق الإنسان والمواطن الآخر. وتتلخص دوافعه في نرجسيتنا، وعبادتنا للأب الاجتماعي المتمثل بالزعيم أو الإمام أو الشيخ المفتي،فلا تعصب بدون زعيم،ولا تعصب بدون العداء للديمقراطية– كما نادى الزرقاوي في العراق وحاول منع الناخبين من الاقتراع-فالديمقراطية تتميز بغياب الزعيم،وتفضل التفاوض والانتخاب على الانتحار(جلوب،2010،بلا).

    إن اضطراب الشخصية هو اضطراب مستبطن دائماً في السلوك الانتحاري ويرافقه بنيوياً في الغالبية العظمى من الحالات، كما توضح ذلك بوضوح الأدبيات الغربية.ينطوي السلوك الانتحاري على نموذجين أساسيين من اضطراب الشخصية يتراوحان بين الشخصية الهلامية (الحَدَّية من الحد الذي يفصل شيئين)، والشخصية المعادية للمجتمع.

فالأولى: تتميز بعدم استقرار الوعي والسلوك تجاه مكتنفات الوعي تجاه الذات والمجتمع المحيط، ونحو البعد  العاطفي في حياة الإنسان ، والميل الدائم إلى نوع من السلوك الأرعن غير المتبصر، والذي ينظر بمنظار التقزيم والاحتقار لذاته نفسها، واستعداده المتكرر لإيذائها المترافق بعدم الاكتراث بمشاعر وعواطف الآخرين، نتيجة الإحساس الجارف بالخواء العاطفي الداخلي .ويحكم المزاج الخنوع والمستكين صاحب الشخصية الهلامية، حيث يكون أول المنسحبين في لحظات الشدّة. بالإضافة إلى معاناته من أعراض التفارق والانفصال عن الواقع بطريقة تقارب مرض الفصام حيث لا يعود فيه الواقع مدركاً من الناحتين الذاتية والموضوعية،  فيصبح الشخص بعيداً عن التفاعل مع النبض العام في المجتمع الذي يعيش فيه.


والثانية:( أي الشخصية المعادية للمجتمع)، فهي تميز بتصرف أصحابها دون أي اكتراث بأي حق للآخرين، وبحيث يصبح مقبولاً كسر القوانين باستمرار والكذب، والسلوك المتهور الطائش، وعدم الشعور بأي مسؤولية تجاه الآخرين والعدوانية الصارخة تجاه الوسط الاجتماعي المحيط بمكوناته الحية والجامدة، وانعدام الشعور بتأنيب الضمير  أو الندم لتألم الآخرين وهم جمعيهم- أي أصحاب الشخصية المعادية للمجتمع - يقتربون كثيراً أو قليلاً من مختلف أشكال السلوك الإجرامي.أما في حالة الاستشهاديات والاستشهاديين، فإننا نستطيع التأكيد مرة ثانية على كونهم منحدرين من مختلف الفعاليات الاجتماعية ومن مختلف المشارب الفكرية الأيدلوجية المنسجمة ضمن نسيج الحياة الاجتماعية العام الذي يعمل أولاً من أجل إنتاج متجدد لاستمرار حياة المجتمع وأفراده، وهذا يعتبر أول إشارة نحو عدم وجود أي اضطراب في بنى شخصيات هؤلاء الفدائيين، إذ أن أي بنية سلوكية تتعلق بالشخصية تصبح بنية مرضية حين تعيق اندماج هذا الفرد في وسطه الاجتماعي المحيط أو قدرته على العطاء من أجل البقاء فرداً اجتماعياً فاعلاً ومنفعلاً بشروط المجتمع الذي يعيش فيه.وإذا ما حاولنا تقصي السمات العامة لشخصية الفدائي الاستشهادي، والتي تشكل صورة مناقضة إلى الحد الأقصى، لذلك النموذج المرضي في الشخصيتين الهلامية والمعادية للمجتمع واللتين تميزان السلوك الانتحاري كما أوضحناً سابقاً. فإننا نستطيع أن نشير إلى الملامح العامة التي تسم الشخصية الفدائية الاستشهادية:قد يكون العنصر الأول في هذه الشخصية هو الاستقرار المطلق في كل مكونات الوعي حول مفهوم النضال التحرري اللازم والضروري بأشكاله المختلفة الوسائل والمتطابقة الأهداف هو الاستقلال والحرية وصولاً إلى أسمى تلك الوسائل تضحية و إيثاراً في الفعل الاستشهادي،والسمة الثانية التي يجب المرور عليها، هي العمق الانفعالي بمعاناة الذات الداخلية كمعبر عن ألم المجتمع ككل من ويلات الاحتلال الغاشم؛حيث يكون هذا الانفعال مزيجاً بين الشفافية والرهافة التي لا تقدر على استمراء الظلم،وبين الإرادة الصبورة الجبارة لتحدي الحيف بنموذج نضالي يستدعي النموذج الأكثر سمواً من الوعي الذاتي- الاجتماعي الذي يتجاوز كل الخصوصيات الهامشية للذات ليصهرها في بوتقة الطموح والأمل الجمعي الذي ينظم كل الشبكة الاجتماعية بحيث يصبح الجوهر الأساسي للوعي هو الحفاظ على الذات من خلال الدفاع عن المجتمع وقابليته للاستمرار حراً عزيزاً، وبحيث يصبح تهديد المجتمع مماثلاً لتهديد الذات، والدفاع النضالي المستمر عن المجتمع  هو الهدف الأسمى لبقاء الذات(فاضل،2011:بلا).

وعلى النقيض من كل النماذج التي لا تعرف إلا الاحتماء بجحور الجرذان، يكون النسق العام للشخصية الفدائية هو الوعي الاستبسالي الصبور المقاتل والذي لا يقبل الهروب والانسحاب في لحظات الشدة، لإحساسه ووعيه المتجذر بأن معركة الدفاع عن بقاء المجتمع والأمة لا تحتمل التخاذل أو الاستكانة والخنوع كما يفعل بعض من يشترط بهم أن يكونوا في طليعة المتصدرين لمقارعة الغزاة الطامعين بكل الأرض وكل المقدرات، فيحاولون التعامي عن ذلك وفق فلسفة النعام والأنانية والقزامة المجهرية التي سيكون التاريخ وضمير الشعب لها بالمرصاد الذي لن يسامح أياً من المستكينين الخانعين(الحجازي،2005:بلا).

الصفات التي يتميز بها المنتحر:

1- لديه خلل على صعيد الأنا، فهو لا يستطيع أن يبلور طاقاته الدفاعية كي يتعامل مع الناس ومع واقعه.

2- الشعور بالنقص والخسارة، وهو شعور ممكن أن يكون واقعياً وخيالياً.

3- عدم قدرته على تخطي ظروفه.

4- الطعنة النرجسية : وتحدث عندما يوظف الشخص كل طاقاته الذاتية حول شيء معين ولا يفكر في شيء آخر وإذا فشل في هذا الشيء تخيل الفشل.

5- لديه ضعف في الصور الخيالية،تتميز الصحة النفسية بأنها تنفس طاقات وضغوطاً معينة عن طريق الخيال،لذا فإن الشخصية الانتحارية يكون لديها ضمور وعدم قدرة على التنفيس وضعف في الطاقة التخيلية.

6- العنف على الذات ويكون نابع عن كبت كما أن لديه صعوبة في التعبير.

7- ضعف ثقته بنفسه، إذ يكون دائماً بحاجة إلى امتداح الآخرين وطمأنينتهم له.

8- ذو شخصية تتميز باللامسؤولية إذ يبدو وكأنه مراهق أبدي، لا يمتلك الاستقرار العاطفي والنفسي وهو بلا هوية جنسية ويعيش بحالة فراغ مستمرة ويشعر بالاكتئاب.

9- يفقد القدرة على التأقلم مع المحيط والظروف والأوضاع المختلفة.

10- يمكن اعتباره فاقداً لمادة الاستمرارية وعاجزاً عن رؤية الحلول، مع العلم بأن الحل موجود دائماً ولكنه وصل إلى درجة لا يرى غير الانتحار حلاً مناسباً، عن موقع عشتار للكاتب أوزجان يشار http://hayatnafs.com/8ar2to_lak/suicideinhistory.htm

ولعلنا نرصد أهم الأمور التي تعتمد عليها الجماعات التخريبية: (الحبيب،2003: بلا)

أولاً: الرصد الحذر ومراقبة سلوكيات من يُريدون تجنيده ، عبر أشخاص عليهم سمة الصلاح والتقوى ، ولا يدور حولهم أي شك في سلوكياتهم. هؤلاء الأشخاص يقومون بتعميق التدين بصورةٍ مخالفة للممارسات الدينية السائدة في المجتمع ، وغرس الكراهية لدى الشاب لمجتمعه عبر ضرب أمثلة للأمور السيئة التي توجد في المجتمع ويرى هذا الشخص ردة فعل هذا الشاب ، ومن هنا يكون الانطلاق نحو تعزيز فكره لكراهية المجتمع،تقريب الشاب من اشخاص آخرين ، إذا رأى فيه بذرة جيدة لتجنيده ، وينسحب الشخص الذي بدأ معه. عندئذ يتم جمع هذا الشاب مع آخرين في أماكن أخرى غير المساجد كاستراحات يستخدمها هؤلاء المدبّرين لنقل الشاب لمرحلةٍ أخرى.

ثانياً: عندما يصل الشاب إلى هذه المرحلة من الاجتماعات في الاستراحات ، وتكون لديه فكر مسبق لسوء المجتمع وفساده ، فهنا يتم عبر أشخاص متخصصين في غسيل الدماغ حول الجهاد ودروس من التاريخ الاسلامي والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل هذا الدين الذي تخلى عنه الخلصاء من أهله وأصبح الشيوخ لا يهتمون لنصرة هذا الدين ، حيث ركنوا للدعة ورغد العيش ، وإن الإسلام بحاجةٍ إلى من يذود عنه لإعادة المجد الإسلامي المفقود.

ثالثاً: عند تكرار هذه الدروس والأفكار على الشاب ، يرون من خلال شخصيته هل هو من الذين تأثروا بشكلٍ كبير وأصبح جاهزاً لأن يُسلّم نفسه لشيوخه ويفعل أي أمر يُطلب منه. حيث يبدأون في الثناء على الشباب الذين منّ الله عليهم بالشهادة وأنهم الآن ينعمون برغد العيش في جنات النعيم حيث أنهم استشهدوا وكرّمهم الله بهذا الفضل العظيم ويتمنون لو أنهم مكان هؤلاء الشهداء.

رابعاً: لا يطلبون من الشخص مباشرة أن يرتدي حزاماً ناسفاً ويذهب إلى تفجير نفسه ، بل يختبرون إلى أي مدى وصل تأثره بالخطوات التي مرّ بها. ويقومون بتجنيد أشخاص أمامه للقيام بعمليات انتحارية ، ويرى مدى السرور الذي يبدو على مُحيا هؤلاء الذي تم اختيارهم للقيام بعمليات انتحارية (وكما شاهدت على احدى قنوات التلفزيون عبر شريط بثته القاعدة ، شابا –يبدو أنه فعلاً تحت تأثير أدوية نفسية- في مقتبل العمر يستعد لتفجير ناقلة مياه (وايت ماء) بأن ليس بينه وبين الجنة سوى هذا الحقل ! وبعدها يذهب إلى الحور العين اللاتي ينتظرنه ويراهن في المقعد المجاور له،عندما يرى هذا الشاب حماس رفاقه فإنه يتحمّس مثلهم ويتمنى بأن يكون واحداً ممن يشتركون في العمليات الانتحارية القادمة.

خامساً: ثمة أمور تساعد الجهات التي تُنفذ العمليات الانتحارية ، ويعي ذلك جيداً المخططون والممولون للجماعات ، فالشاب الذي يُعاني من ضياع في الهوية ، ويبحث عن انتماء لأي جماعة ليشعر بأنه شخص مرغوب به من جماعة أياً كانت ، فهذا صيدٌ سهل وربما تم تسريع عملية تجنيده. الشاب الذي يُعاني من الاكتئاب ؛ لأن الاكتئاب في سن المراهقة يرتفع ، حتى أن بعض الدراسات الأخيرة أشارت الى أن الاكتئاب قد يصل إلى ما نسبته 13% بين المراهقين . الشاب المكتئب لديه كره للحياة ويرى أن الحياة عبء عليه ، لذلك فهو يُفكّر في الموت كثيراً ، لذلك وجود من يُعطيه سبباً رائعاً ( من وجهة نظر الشاب) ، يجعله ينتشي لفكرة الموت لسببٍ سامٍ وهو الذود ورفعة الدين الاسلامي وقتل الكفّار (والكفاّر هؤلاء من وجهة نظر المخططين ، قد يكونون مسلمين أو غير المسلمين). مثل هذا الشاب قد يُستغّل بأسرع وقت حتى لا يصحو من اكتئابه!

الشباب الذين يُعانون من مشاكل أسرية ، كالخلافات بين الوالدين وعدم استقرار الأسرة ، أو أن يكون والده مدمنا أو ليس من الآباء الذين ينتبهون لأبنائهم بشكلٍ جيد ، مثل هذا الشاب الذي يُعاني تمزق عائلته ، تقوم الجماعات باحتوائه وإعطائه العاطفة والشعور بالأمان الذين يفتقده ويوهمونه بأنهم عائلته ويقومون بإمداده بنصائح ظاهرها الخير وباطنها الشر. يقدمون له المسكن إذا أراد أن ينتقل من عند والديه ويغدقون عليه بالأمور المادية ، ويُشجعونه على أن يكون فعلاً ابناً لهم.

الفروق بين السلوك االتكفيري لانتحاري والسلوك الاستشهادي:

1-انفصال الذات عن الوسط الاجتماعي:قد يكون الملمح الأول المميز للسلوك الانتحاري هو التمركز المفرط حول الذات والتي غالباً ما تحتضر في بؤسها، حيث تنحصر رؤية المقدم على الانتحار برؤية نفقية محدودة لا تبصر إلا إعتام النفق الطويل دون بؤرة الضوء في آخره لشدة ضيقه وإعتامه فكرياً ونفسياً، إذ لا يتبين المقدم على الانتحار إلا انفصال الذات ووحشتها ووحدتها في محيطها الاجتماعي، والميل التراكمي لتكريس هذه العزلة دائماويلحظ في نفس سياق انفصال الذات عن محيطها الحيوي الاجتماعي، هو إحساس ذلك الشخص المقدم على الانتحار بعدم المقدرة على محبة الآخرين وعدم الاكتراث بالحياة وإمكانياتها المتعددة التي لا يمكن تفعيلها إلا من خلال التفاعل البناء مع الوسط الاجتماعي المحيط والذي يكون السلوك الانتحاري بأبعد ما يكون عنه، إذ يسيطر الشعور بفقدان القدرة على التفاعل العاطفي مع الآخرين والإحساس بالعقم النفسي المطلق وعدم القدرة على الانخراط إنسانياً في شبكة العلاقات الروحية الحميمة مع الآخرين ليبقى التفكير متمركزاً حول بؤس الذات المنفصلة عن واقعها وحاجاته وعن علاقتها الضرورية معه. وإن هذا البؤس يستمر في النمو بشكل تراكمي متصاعد ليعيد إنتاج نفسه بمرور الزمن وبشكل أعمق وأشد.
أما في حال الفعل الاستشهادي، فإننا يمكن أن نرصد الملمح الأول النقيض لانفصال الذات، والمتمثل في الإلتحام الكلياني بهمِّ ومعاناة الآخرين، منظوراً إليهم بكونهم جزءاً من الشبكة الروحية الإنسانية البسيطة التي يشكل فيها الفرد جزءاً لا يمكن له أن ينفصل عن معاناة أخوته في المجتمع الذي يعيش فيه، فيكون نتاج ذلك اندماج عضوي بالحالة النضالية اليومية، بحيث يدافع الفرد عن الكل، والكل عن الأفراد، ويصير الهمُّ الأكبر حاوياً ومذيباً لكل الحيثيات الجانبية الخلافية ضمن سعي نضالي ملموس للاتحاد بذلك الزخم النضالي الجماعي بحيث يمكن لنا أن نسميه وفق مصطلحات علم النفس بالمنهج الإيثاري في التعامل مع القضية الاجتماعية بحيث يصبح النضال والتضحية من أجل محبة الآخرين والحفاظ على سعادتهم هي المقام الأول قبل أي سعادة فردية، وتصبح بذلك مصلحة المجتمع في مطلق التقديم على مصلحة الفرد الضيقة وإن ذلك الوعي الاندماجي بلحظة التكاتف والإيثار المطلق ينتج تفاعلاً حميمياً يومياً ومنتجاً شبكة نضالية تشكلها لحمة جميع المجاهدين الذين يذوِّبون كل الخصوصيات الذاتية الخارجية عن إطار الوحدة الوطنية الجهادية ضد المحتل الغاصب، وبإقبال شجاع مؤمن بقدرة العطاء للذات المؤمنة بهدفها وحلمها النضاليين، المندمج صميمياً بمعاناة المجتمع الأولى وهمه الأول ألا وهو معركة التحرير التي تسير دائماً كما الوعي الإيثاري بشكل معطاء مستمر يعيد إنتاج العطاء والإيثار والتضحية لضمان إستمرار مهمة إعادة إنتاج المجتمع والحفاظ على الكتلة البشرية-الاجماعية التي يحتويها .

 2- سلوك تدمير الذات:وهو واسم ملموس للسلوك الانتحاري، وتجمع عليه بإطلاق معظم أمهات الكتب الأنجلوساكسونية في مجال علم النفس والطب النفسي، والذي سنشير فيما يلي إلى الملامح العامة لسلوك تدمير الذات ضمن سياق السلوك الانتحاري:يلاحظ على صاحب السلوك الانتحاري ميل للإقبال على الإدمان بأشكاله المختلفة وخاصة الإدمان الكحولي منه، وعلى الأدوية النفسية، المقترن بالإهمال الواضح لشروط الحفاظ على الصحة الذاتية، والإفراط في تناول الطعام وبعشوائية واضحة. والأهم من ذلك كله هو السلوك الإجرامي المتهور والذي يحكمه التوجه غير الواعي لدى صاحب السلوك الانتحاري برؤيته التي ترى عدمية وعبثية وجود الذات التي تعاني من انفصالها المطلق عن أي رابط اجتماعي أو أي شرط مطلوب للحفاظ على مصلحة الذات وبالتالي المجتمع، لإحساسه بالانفصال المطلق عن أي رابط يصله بذاته المدمرة أو بمجتمعه المنفصل عنه.أما في حالة الاستشهاديين والاستشهاديات لا يمكن لأي كان أن يطابق بين سلوك تدمير الذات وبين هؤلاء المجاهدين، إذ لا يمكن وضعهم تحت نموذج تصنيفي واحد يحكمهم كما يحكم أولئك المقدمين على الانتحار، ولبُّ ذلك في أن هؤلاء الاستشهاديين لولا معركتهم النضالية الحاسمة للدفاع عن وجودهم الإنساني لكانوا أناساً بسطاء نموذجيين ،طلاباً ومعلمين وحرفيين ومختلف أشكال العمل المهني في المجتمع ، إذ أنهم كانوا قبل نضالهم التحرري منخرطين في مختلف الفعاليات الحياتية اليومية، وسيعود أسلافهم لحياتهم الطبيعية النموذجية عقب انتصارهؤلاء المجاهدين الأبطال. ومن ناحية أخرى، لا يمكن لأحد أن يطلق على هذا الطيف الواسع من التنوع في تلاوين ومشارب أولئك المجاهدين المنتسبين إلى مختلف الفصائل الوطنية والدينية على اختلاف سويات وعيها النظري والتطبيقي، المتوحد حول مهمات النضال الوطني التحرري، بأنهم ميالون للإدمان أو السلوك الإجرامي، فهولاء الشباب والفتيات الذين نفذوا العمليات الاستشهادية بالتأكيد ليسوا إدمانيين أو متهورين إجراميي التوجه، مذهبهم كسر العرف الاجتماعي والمصلحة الاجتماعية، إذ أن تحليلاً نفسياً أولياً للسيرة الذاتية لأولئك الشباب اليانعين كفيل بأن يعكس الجوهر الطيب والمرهف والبسيط، والذي لم يستطع القبول بالضيم والذل، فنظر إلى مصلحة الآخرين قبل المصلحة الشخصية، وضحى بأغلى ما يملك من أجل ذلك.

3- الجوهر الاكتئابي للسلوك الانتحاري :يجمع معظم المؤلفون على تزاوج الظاهرة الاكتئابية مع نموذج السلوك الانتحاري، وتذهب بعض الاحصائيات إلى القول بأن الاكتئاب الصريح يمثل توأماً للسلوك الانتحاري فيما يزيد عن 70% من الحالات، أما الحالات الباقية فتترافق مع ظواهر الاكتئاب المقنع والذي سيظهر عاجلاً أم أجلاً، حتى لو تأخر ذلك الظهور الواضح والجلي له إلى لحظة الإتيان بفعل الانتحار، إذ أن الاكتئاب هو محرك جوهري لذلك السلوك الانتحاري.ويمكن أن نشير فيما يلي إلى الأعراض الأساسية في حديثة البعد الاكتئابي للسلوك الانتحاري

أ‌تجريم الذات والإحساس بالقزامة النفسية وعدم القدرة على العطاء من أجل الذات نفسها أو من أجل الآخرين، المترافق مع إحساس مقيم بالعجز النفسي المطلق الذي يحول دون الرغبة والقدرة على القيام بأي فعل إيجابي نحو الذات والآخرين في الوسط الاجتماعي المحيط.

ب‌الإحساس بغياب الطاقة والحيوية وفقدان القدرة على العمل والعطاء نفسياً وجسدياً، وعدم القدرة على الإحساس بالسعادة أو الألم في إطار من السوداوية المطلقة المتنامية حول الإعتام النفسي الداخلي.
ج- ضعف القدرة على التركيز الذهني والجسدي، وضعف أداء الذاكرة وعدم القدرة على استيعاب أبسط القضايا، والإحساس العميق بخواء الذاكرة التي تعجز عن تعلم أشياء جديدة أو استعادة ما كان واجباً تعلمه في وقت سابق لإظلامها كما البنى النفسية الأخرى.

د- ضعف القدرة على الأداء الفعلي الجسدي الدقيق، والإحساس بالخمول الشديد، وتردي معظم المهارات الحركية جميعها لصالح نموذج إنساني يعاني من الجمود العقلي والعضلي الحركي.

أما في حالة الاستشهاديين ، فإننا يمكن أن نتلمس نقيض الجوهر الاكتئابي، والذي يمكن أن ندعوه:
الجوهر الإشراقي للبنية النفسية الإيثارية المضحية، والتي يمكن لنا تمثل عناصرها المميزة والتي تشكل النقائض المباشرة لأعراض البعد الاكتئابي للسلوك الانتحاري. ولذلك سنعرضها بنفس الترتيب الذي وضعنا به أعراض البعد الاكتئابي للسلوك الانتحاري، لتبدو النقائض جلية في تفارقها وتميزها:
أ- الإحساس العارم بانصهار الذات المطلق في بوتقة الهم الجمعي، والتسليم المطلق بضرورة التضحية من أجل حرية الشركاء الآخرين في المجتمع المقاتل، وذلك ضمن إحساس مغرق في الاندماج بمعاناة المجتمع ككل، والتي تستدعي أسمى أنواع الفعل الإيثاري الاستشهادي كقمة وتتويج لكل الفعل النضالي الذي شكل جوهر حياة الاستشهادي السابقة، من خلال السعي ضمن كل السبل المتاحة المادية والمعنوية للدفاع عن المجتمع، والذي كان الفعل الاستشهادي قمته وجوهره الأسمى كعطاء إيجابي محمل بالأمل بتحرر المجتمع والذات الإنسانية التي تعاني في معركة تحررها.

ب-الانفعال العميق والتحسس المتوجع لكل المعاناة التي تحاصر المجتمع وذات الاستشهادي، مما يولد عنده ذاتاً نضالية متوقدة بالرغبة بالعطاء المطلق، والنضال الصبور الذي لا يقبل الاستسلام، وبنشاط عقلي وجسدي يصابر على كل الظروف الشاقة التي تمثل شروط الحياة اليومية في ظروف معركة التحرر الوطني، يحدوه الأمل الكفاحي بمستقبل متحرر لأولئك اللذين سيبقون بعده على أرضهم عقب انتصار المناضلين في معركة التحرر الوطني.

ج - التوقد الذهني والجسدي العالي والذي يعكسه التدريب الملحوظ والذكاء اللماح عند أولئك الاستشهاديين في التخطيط والدقة في التنفيذ، والسيطرة العصبية الناضجة على كل شروط التسيير العصبي- الفكري والتوازن العضلي الحركي، لاستثمار كل طاقات العقل المتعطش للتحرر والانعتاق من ظلم العدو المحتل.


د-النشاط الجسدي والعضلي الحركي العالي والذي يوضحه الصمود الأسطوري لأولئك الأبطال على كل الهمجية والبربرية لآلة القهر العسكرية للعدو الغاشم، حيث كان الصبر الاستثنائي على تحمل أقسى الظروف الجسدية والنفسية السلاح الأول في معركتهم النضالية التحررية

4-الخواء العقائدي للسلوك الانتحاري:تشير الدراسات والأبحاث النفسية جميعها ومن ضمنها الدراسات المرجعية الأنجلوساكسونية التي يمثلها بشكل أكثر وضوحاً البحوث والإحصائيات الأمريكية، إلى أن السلوك الانتحاري يرتبط بشكل وثيق بالخواء العقائدي الذي يتمثل بعدم ارتباط صاحب السلوك الانتحاري بأي منهج خاص لتفسير العالم بحيث يكون ذلك المنهج مدخلاً يمكنه  من فهم وتفسير التناقضات التي تتظهر في الشبكة الاجتماعية – الاقتصادية – الثقافية التي يعيش الفرد فيها . وينطوي منهج تفسير العالم على عدة اتجاهات تتمثل في المناهج الدينية المختلفة، والمناهج الأيدلوجية-السياسية المتعددة . وتوضح تلك الدراسات أن نسبة الانتحار أقل عند المسيحيين الكاثوليكيين والأرثوزوكس من تلك التي عند البروتستانت نتيجة الارتباط الأوثق للمجموعة الأولى  بالتعاليم الكنسية المسيحية، أكثر من هؤلاء الآخرين الذين يبدو أنهم يرتبطون بشكل واه مع الكنيسة. وتكون نسبة الانتحار في المستويات الأدنى عالمياً عند المسلمين اللذين يرون تحريم الانتحار ولكنهم بالمقابل يجلّون الاستشهاد فهم أقل المنتحرين ولكنهم أكثر الشعوب تقديماً للشهداء، والتاريخ سيظل يذكر الجزائر أرض المليون شهيد، وسيتذكر تلك الأراضي العربية الأخرى المستعدة لتقديم الملايين الأخرى.

وتكون نسبة الانتحار في أدنى مستوياتها أيضاً عند أولئك المنخرطين في منظومة إيدلوجية ذات طبيعة إنسانية، حيث تشير الدراسات إلى التدني الملحوظ في معدلات الانتحار عند الشيوعيين والاشتراكيين عموماً، وأعضاء أحزاب البيئة، والحركات النقابية والعمالية، والعاملين في حقل جمعيات المجتمع المدني ومؤسسات العمل الأهلي.

5-التهتك الاجتماعي وهرم السلوك الانتحاري :وهنا يمكن أن نشير إلى ثلاثة عناصر مميزة للسلوك الانتحاري تستطيع أن تقدم بنية مكملة ووصفية لذلك التناقض الجلي بين سمات وملامح السلوك الانتحاري مع نقائضه الموجودة في الفعل الاستشهادي المضحي، وفيما يلي نشير إلى هذه العناصر الثلاثة.

  وتشير هذه الملاحظة الملموسة إلى انتماء المنتحرين إلى أوساط اجتماعية مفككة يسودها التهتك الاجتماعي والأسري، إذ أن نسبة الانتحار تتدنى كثيراً لدى اللذين يعيشون في وسط اجتماعي متلاحم عائلياً واجتماعياً، ولا يمكن لأحد أن يعتقد بكون المجتمع العربي النضالي في الأرض العربية الفلسطينية (على سبيل المثال) مجتمعاً مفككاً متهتكاً، إذ أنه في نتاجه الكفاحي وصبره النضالي أعطى مثالاً وصفياً عن المجتمع المتلاحم والرصوص كبيت واحد في المعاناة والمأكل والنضال، فأصبح المثال الحي عن المجتمع الذي يلد الاستشهاديين المناضلين وليس المنتحرين، إذ أن أكثر المجتمعات المتهتكة اجتماعياً وأسرياً توجد في أمريكا وليس في البنية العربية التي لا زال التلاحم الأسري والحميمية الاجتماعية أحد أهم المميزات التي تزداد الهجمة  الإمبريالية- الصهيونية شراسة لنزعها من الوجدان العربي الشعبي الملتحم عضوياً من المحيط إلى الخليج بطموح التحرير والفداء(المصدر نفسه)

 

 

المصادر:

1.    جلوب،منذر(2004):  العلاقة بين الإنسان وجسده، من وجهة نظر الدين(من الصوم إلى العمليات الانتحارية)

2.الحبيب، حيدر جابر(2003): الشخصية الإرهابية في ضوء نظرية التحليل النفسي .. دراسة تحليلية،مجلة الجيش،(ع) 218http://www.openfilm.com،

3.صالح، هاشم (2006): كتاب معضلة الأصولية الإسلامية.

4.الصغير جاسم (2011):رؤية في سيكولوجية الانتحاري ،البناء الانفعالي والعقلي لمن يفجر نفسه وسط المدنيين الأبرياءhttp://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic

5.عبد الحميد، معتز محي(2010): شخصية الانتحاري،الدوافع والغايات.. والموروث الاجتماعي بغداد / المدى http://www.bg-pravo.com/ /

6.فاضل،خليل(2011): لتحليل النفسى لشخصية الانتحارى فى العمليات الإرهابية http://www.diwanalarab.com

7.الحجازي، مصطفى(2005): التخلف الاجتماعي, مدخل إلى سيكولوجية الارهاب, الحرب والسلام، الحوار المتمدن،ع( 1199 ).

 

 

1.  Krueger, Alan and Jitka Malechkova. )2002(Education, Poverty, Political Violence and Terrorism: Is there a Casual Connection?NBER Working Paper N9047, Cambridge, MA< National Bueau of Economic Research.