الصحوة الإسلامية ... الواقع والمعايير

الصحوة الإسلامية ... الواقع والمعايير

 

الصحوة الإسلامية ... الواقع والمعايير

 

الشيخ مصطفى ملص

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاة

مقدمة:

الإسلام هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشرية والانتقال بها من الضلال إلى الهدى، ومن الغواية إلى الرشاد، ومن الفساد إلى الصلاح، والانتقال بهم من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى الذي خلق الخلق كلهم، ووظيفة الإسلام بما احتوى عليه من أحكام واخلاق وقيم ومبادئ وأوامرَ ونواهٍ انما هي ضمان قيام حياة اجتماعية انسانية سليمة، لا مكان فيها للظلم أو العدوان أو الطغيان أو اغتصاب حقوق الخلق، ولا مكان فيها للخرافة والاساطير والتدجيل، حياة تنزل كل واحد في منزلته الحقيقة، فالله هو الرب الإله الذي لا قول لأحد مع قوله، ولا حكم لحاكم من بعد حكمه، والإنسان هو عبدٌ مخلوق بإرادة الله عز وجل، مطيع لأوامره، محبٌ لشريعته، راضٍ بِقَسْمِهِ، يعلم أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، وليس لأحد أن يُلزم الخالق بشيء مهما كانت عظمة هذا الشيء وقوته.

والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان حراً، ووهبه نعمة العقل ليحتكم إليه في أمور حياته، وأمره أن يعمل عقله في كل ما يعرض له، وجعل العقل مناط التكليف، فإذا ذهب العقل أو فُقِدَ صار صاحبه معطلاً، أي غير مكلف، وغير مسؤول عن ما يصدر عنه، في الدنيا والآخرة.

وأمر الله عز وجل الخلق والإنسان على وجه التخصيص بعبادته وأفراده بالعبودية، وحظر عليه أن يتخذ الهاً آخر يعبده، وتلك هي السبيل الاسلم لتخليص الإنسان من القيود التي تكبله وتجعله رهن أمر مخلوق مماثل له، فعبودية العبد لله عز وجل تعني أنه حرٌ تجاه كافة خلق الله، وهكذا يريد الله لعباده أن يكونوا أحراراً غير مستعبدين لأحد سواه، فإذا كانوا كذلك كانوا أحراراً حقاً.

إذن جاء الإسلام كدين الهي ليحقق للبشر أموراً عدة منها:

1-      أن يكون الناس أحراراً غير مستعبدين.

2-      أن يكونوا ملتزمين النهج الذي يكفل صلاحهم، وهو المنهج الالهي المتمثل في القرآن الكريم.

3-      أن يعملوا عقولهم في مختلف مناحي حياتهم بما يصلح أحوالهم.

4-      أن يكون الناس جميعاً متساووين، فلا يعلوا أحدٌ على أحد، ولا يفخر أحدٌ على أحد.

5-      أن يكونوا متعاونين على ما يُصلح أحوالهم، (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان).

6-      أن يكون الإيثار ميزتهم وليس الطمع والجشع.

7-      أن يكونوا خاضعين لأمر الله.

 

أعداء الإنسان:

إن الوصول إلى حالة السعادة في الحياة، وهي التي عبر عنها الإسلام بمفهوم التقوى، أمرٌ دونه صعوبات وعقبات كثيرة، يحتاج تجاوزها إلى جهود وصبر وتضحية تصل إلى حد التضحية بالنفس أحياناً، ذلك أن للإنسان أعداءً كثراً بعضها خارجي وبعضها داخلي، أي من داخل نفسه، فالشيطان هو عدو الإنسان الأول الذي أخذ على نفسه عهداً باغواء الإنسان وابعاده عن الصراط المستقيم عبر تزيين المنكرات والمحرمات اليه وتبغيضه بالمعروف والواجبات وهو أمر ذكره القرآن الكريم عن إبليس - لعنه الله - عندما طلب من ربه أن يمهله إلى يوم يبعثون ولما أجاب الله تعالى طلبه قال "لأغوينهم اجمعين" وابليس مخلوق يملك سلطة الوسوسة للإنسان، وهو غير مرئي، ويأتي الإنسان من داخل نفسه، فالإنسان يبقى أبداً تحت تهديد هذا الخطر، لذلك عليه أن يكون منه على حذر، وأن يستعين بالله تعالى لمواجهته والتصدي لإغراءاته عبر التمسك يهدي الله في كتابه، وهدي رسوله في سنته.

وفي الإنسان شهوات وغرائز وحاجات يحتاجها، وهذه كلها تضغط على الإنسان لإشباعها وتلبيتها بشتى الطرق، ولكن الإنسان لا يملك ذلك أحياناً بالوسائل المشروعة، أو ما يسمى بالحلال فيستغل الشيطان هذه الشهوات والغرائز والحاجات ليدفع الإنسان إلى الوقوع فيما حرم الله عليه.

اما الأعداء الذين هم من خارج نفس الإنسان فهم أهل الاستكبار والظلم من الناس، وأهل الاطماع الذين يعملون على أبعاد الإنسان عن الصراط المستقيم، أما بالترغيب، وأما بالترهيب، كما هو حال الفراعنة ومن شابههم من أصحاب السلطة أو طلاب الثروة والشهرة والشهوة، وأصحاب المطامع الدنيوية التي لا حصر لها.

 

أبدية الصراع:

من هنا أوجب الإسلام على المسلم أن يتصدى لكل هؤلاء المفسدين إلى حد أمره له بالجهاد والقتال، ولو أدى ذلك إلى هلاك النفس، لأن ردع المفسدين لا يمكن أن يتم إلا بالقوة والإقتدار، كما قال تعالى:"واعدوا لهم ما استطعتم من قوة وفق رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم..."

ولما كان أهل الشرور متربصين دائماً بأهل الخير، أهل الايمان، ويتحينون الفرص للسيطرة عليهم، وجب على أهل الايمان أن لا يغفلوا عن أنفسهم، وأن يعتبروا أن الحياة تقوم على الصراع بين الحق والباطل، وهذا ما أشار إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:

"الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة" فلا يمكن لأحد أن يزعم أن عهد الجهاد قد ولى، وهذا العهد باقٍ إلى الأبد".

الصراع بين بني البشر - وان كان يقع لأسباب غير مادية في الظاهر إلا أن أسبابه الحقيقة مادية بحته، وهي الثروة والسيطرة والسلطة، مهما حاول البعض اخراجها بصور صراع على مبادئ أو قيم أو عقائد أو غير ذلك من الاعتبارات المعنوية، فلا بد من أن يكون دافع أحد الطرفين ما سبق ذكره.

ولأن الاطماع تتحكم في سلوك البشر ممن لا يحملون رسالة ذات مبادئ سامية، بحيث يتحول هؤلاء الطماعون إلى طغاة مهما كانت قوتهم،

ولأن أصحاب الرسالة ذات المبادئ السامية مأمورون بإحقاق الحق ورفض الظلم ومناصرة المستضعفين والأخذ على يد الظالم،

ولأن الطغاة لا يفهمون إلا لغة القوة والاكراه، كان الصدام محتوماً بينهم وبين أصحاب الرسالات السامية، وهكذا كانت حياة الأنبياء والرسل، وأجلى صورها ما كانت عليه حياة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم. وهكذا استمرت الحياة على مر العصور، "سنة الله في الذين خلو من قبلكم، ولن تجد لسنة الله تحويلاً ولن تجد لسنة الله تبديلاً" صدق الله العظيم.

 

النموذج واختلاف المناهج:

عاش رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ينشر الدين بين الناس بالدعوة بالكلمة، وبيان حقائق الكون والحياة، فتصدى له كبار القوم من مشركي قريش، وهم أهل مكة حينئذٍ، فعذبوا أصحابه، وآذوه، وأخرجوه من أرضه ووطنه، وكذلك فعلوا مع المؤمنين به من أصحابه، ثم شنوا عليه الحروب لوضع حد لدعوته، وهو مأمور بالدعوة بالحسنى وكان يأمر المؤمنين به بالصبر والتحمل والهجرة، مرتين إلى الحبشة، ومرة إلى المدينة المنورة، حتى نزل أمر الله تعالى "أذِنَ للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير" صدق الله العظيم.

فلم يكن أمره تعالى للمؤمنين بالقتال إلا بعد أن أصر الكفار والمشركون على الحؤول بين الناس وبلوغ الدعوة إليهم بالقوة، مع النهي عن البدء بالقتال عند المسجد الحرام ما لم يكن البادئ به المشركون، قال تعالى:"ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإنه قاتلوكم فيه فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين". فالقتال هو آخر مراحل الجهاد، ولا يلجأ إليه إلا عند تعذر تحصيل الغاية المرجوة بما هو أفضل منه من وسائل الدعوة والحوار.

وهذا الأمر يتوافق مع الفطرة الإنسانية، بخلاف من يزعم أن القتال هو الأصل في الدعوة وتبليغ رسالة الإسلام، إن هذه النظرية قد أساءَت إلى الإسلام كثيراً، وشوهت صورته في أعين كثيرٍ من الخلق، وأظهرت الإسلام بأنه دين القتل والارهاب.

فبدلاً من أن يسعى المسلم لهداية الكافر والانتقال به من الضلالة إلى الهدى بالإقناع بواسطة الحجة والدليل والبرهان، صارت مهمته ووظيفته قتل الكافر والقضاء على حياته أو اكراهه على الايمان وذلك بخلاف قوله تعالى:"لا اكراه في الدين"

والإسلام شريعة الهية، نصها الأساسي هو القرآن الكريم، وهو نص الهي المصدر، وكل النصوص الأخرى تدور حول القرآن، وتستمد شرعيتها منه، ابتداءً من السنة النبوية المطهرة التي اتفق العلماء على أنها مبينة للكتاب ومفسرة له وصولاً إلى آراء الفقهاء والمفسرين والأصوليين، وغيرهم ممن تناول هذا النص المقدس يشكل من الاشكال.

وتمتاز السنة النبوية عن بقية النصوص بأنها مسددة بالوحي، وأنها صادرة عمّن وكل إليه أمر بيان ما في الكتاب، بخلاف الآخرين الذي يُعملون عقولهم وأفهامهم، فيحتمل ناتج عملهم أن يكونَ صواباً أو أن يكون خطأً، وهذا ما عبر عنه الامام مالك بن انس الأصبحي عندما كان يلقي دروسه قرب ضريح النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم فقال:"كل الناس يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا المقام" وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم.

لهذا نحن نعتقد أن كل الثروة الفقهية وجميع التفاسير، انما هي ناتج الفهم البشري لأحكام الدين أو على الأصح للنص الالهي والبيان النبوي، وكذلك بقية العلوم الإسلامية.

ومن هنا وقع الاختلاف في فهم النصوص تبعاً لاختلاف الافهام، أو لثبوت الدليل وعدمه، أو لإختلاف الثقافات والبيئات والتجارب الإنسانية، ولعوامل أخرى كثيرة ليس هنا مجال تعدادها. لذلك لا بد من التسليم بأن المسلمين ليسوا أصحاب تجربة واحدة، ولا أصحاب فهم واحد، وتوجد بينهم فوارق، كما أنهم أصحاب روئً ثقافية واجتماعية وعرفية. قد أثرت جميعاً في تجاربهم، وما اختلاف المذاهب الفقهية والمدارس الفكرية والاعتقادية إلا خيرُ دليل على ذلك.

ومن المعروف أن الدولة الإسلامية التي نشأت مع تمكين الدعوة الإسلامية في المدينة المنورة قد عاشت بعد عهد النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم صرعات متعددة، سواءٌ دولة المدينة أم دولة النجف أم دولة دمشق أم دولة بغداد. فكان هناك ثورات وتمرد وحركات اصلاحية وتقسيم ودويلات ضمن الدولة الواحدة ودول مستقلة عن الدولة المركزية وغير ذلك من أشكال الصراعات والنزاعات، مما يدل على أن المسلمين قد عاشوا تجارب مختلفة ومتنوعة ومتعددة، وكل تجربة كانت محكومة بظروف خاصة ومعينة في الزمان والمكان والناس.

وهذا يدلنا على أمر مهم، وهو أن الإسلام لا يُرغم الناس في أمور دنياهم على تصرف معين، ما دام لا يتعارض فعلهم مع ثوابت الكتاب والسنة النبوية، وأن أمورهم موكولة إليهم تداولونها وفق أحكام الدين وآدابه واخلاقه، وكان التوجيه الالهي لهم كما ورد في سورة الشورى "وأمرهم شورى بينهم" فإذا وقعت الشورى وتوصلوا إلى الوجهة الاسلم التي تنسجم مع توجهات الدين أخذوا بها، كذلك فإن أمر الشورى ليس له كيفية واحدة ملزمة، إذ أن الكيفية تختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف المحيطة، والمهم حصول النتيجة على الوجه الاسلم.

ولم يكن حكام المسلمين على نهج واحد، ولا على سلوك متفق عليه على مر الأيام، فمنهم من وصف بالصلاح، ومنهم من عرف بالفساد، ومنهم غير ذلك ممن تختلف الآراء في تحديد صفتهم السلوكية في الحكم، والذي نستطيع استخلاصه من خلال الاطلاع على المسار السياسي إن أداء الحكام قد أساء في معظم الأحيان إلى الإسلام، أو على الأصح فإن أداءهم قد ألحق ضرراً بحالة التدين بشكل عام، ولم يكونوا عوناً للناس على صدق الالتزام بأحكام الدين.

 

الإسلام والسلطة:

والأمر الإيجابي أن الناس كانت تدرك أن تصرف الحاكم ليس دليلاً على الإسلام، وبالتالي فإن تصرفه ان جاء وفقاً لأحكام الدين قُبل، وإن جاء مخالفاً لأحكام الدين لم يقبل، رغم أن الحاكم كان يحاول دائماً أن يسبغ شرعيةً ما على تصرفاته، عبر شراء ذمم بعض العلماء، الذين كانوا يعرفون بأنهم علماء  السلطان، ولكن شرعية علماء السلطان كانت محل طعن، فبدل أن يضفي العالم شرعية على تصرف السلطان، كان وقوف العالم خلف السلطان مسقطاً لشرعية العالم.

أدى تجسد الإسلام في دولة إلى قيام رابط ذهني لدى كثير من المسلمين يعتبر أن الدولة والإسلام صنوان لا يفترقان، وينظر هؤلاء إلى هزيمة الدولة أو انكسارها أو اضمحلالها وزوالها على أنه مصيبة تحل بالإسلام، مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث له:"... آلا إن السلطان والقرآن سيفترقان فدوروا مع القرآن حيث دار". وفي هذا إشارة صريحة إلى ضرورة عدم الربط بين السلطان والقرآن. وكانت نهاية السلطنة العثمانية على ايدي الأوروبيين ومن تعاون معهم من المسلمين نهاية مرحلة تاريخية امتدت مئات السنين، وبداية مرحلة جديدة قسمَّ فيها العالم الإسلامي إلى كيانات قطرية صغيرة، خاضعة بمجملها لدول غير إسلامية فرضت عليها حدودها ونظامها السياسي الذي كان في حقيقته فك ارتباط بين الدولة والإسلام، وان حافظت معظم الدساتير على عبارة:"الإسلام مصدر اساسي من مصادر التشريع"، أو عبارة:"دين الدولة الإسلام".

وواصل العالم العربي والإسلامي تراجعه على كافة الصعد، وانحدر مستوى المعيشة فيه إلى حد أنه أصبحت هناك هوة سحيقة بين مستوى الدخل في الدول الغربية ومستوى الدخل في العالم الإسلامي، ولم تفلح النظريات السياسية والاقتصادية التي تم استيرادها في تقديم الحلول لشعوب العالم الإسلامي، مما دفع بهذه الشعوب للبحث عن بديل لتلك النظريات، فكان الإسلام أحد أهم البدائل السياسية.

ولأن الإسلام ليس نظرية سياسية، بل هو دين يشتمل على نظرة شاملة للحياة بكل نواحيها، وهو ذات بعدين، أحدهما ايديولوجي نظري وهو ما يعرف بالعقيدة، وآخر تشريعي عملي وهو ما يعرف بالشريعة، لبناء المجتمع، والآخر أخلاقي متعلق بالسلوك الفردي أو الجماعي. فإن التوجه الإسلامي السياسي يختلف عن غيره من التوجهات السياسية التي تتناول جوانب الحياة السياسية دون غيرها من النواحي الأخلاقية والسلوكية والعبادية، وهذا يعني أن التزام التوجه الإسلامي السياسي لا يعني شيئاً ما لم يقترن بالتزام بقية المنهج، وهو ما يرتب على المرء أعباءً وتكاليف تجاه نفسه وتجاه المجتمع، وبالمختصر فإن الإسلام مسؤولية بكل ما للكلمة من معنى.

حينما نتحدث عن الإسلام فإننا ندرك أننا نتحدث عن منظومة ليست طارئة على مجتمعنا كبقية النظريات السياسية الأخرى، وهي منظومة شكلت المرجعية الأساسية لمعظم أنظمة الحكم التي سادت المنطقة منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحتى وقوع البلاد تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي في مطلع القرن العشرين.

 

التأثر والتأثير عند المفكرين المسلمين:

ومع اقتراب نهاية السلطنة العثمانية وادارك العديد من المفكرين أن هذه الامبراطورية آيلة إلى السقوط والزوال ظهر العديد من المفكرين الإسلاميين ليقدموا طروحات سياسية اما للإصلاح واما لنظام بديل يرث السلطنة العثمانية ويحل محلها، وكانت معظم هذه الطروحات صادرة عن رجال تأثروا كثيراً بما كان سائداً في أوروبا آنئذٍ، لذلك كانت طروحاتهم تحمل شيئاً من المزاوجة بين النظريات الإسلامية والنظريات الأوروبية على أمل أن يشكل هذا التزاوج نقطة انطلاق قوية للمجتمع المسلم تأخذ بيده نحو التنظيم والقوة والتقدم. كان هؤلاء المفكرون الرواد لا ينطلقون من منطلق قراءة التجربة الإسلامية السابقة، أو من منطلق التأسيس المرتكز إلى القيم والمبادئ الإسلامية المجردة، وانما كانوا محكومين بمنطق المحاكاة أوردة الفعل، وهذا حال العديد من رواد الفكر السياسي الإسلامي الذين كانوا يريدون مضاهاة الفكر السياسي الغربي، فكلما طرح الغربيون نظرية ما في السياسة نرى الإسلاميين يقتلون النصوص بحثاً وتنقيباً لإثبات ان ما جاء به الغربيون موجود في الإسلام، أو سيقهم الإسلام إليه، فجعلوا الشورى في مقابل الديمقراطية وجعلوا حفظ المال مقابل الليبرالية، وفقاً لنظريات الضرورات الخمس التي قال بها كل من الجويني أمام الحرمين، والشاطئ صاحب المقاصد.

وكذلك قال بعضهم بالاشتراكية الإسلامية مقابل الشيوعية مستحضرين تجربة الصحابي أبي ذر الغفاري وخلافه مع عثمان بن عفان الخليفة الثالث.

ومن هؤلاء الرواد برز خير الدين التونسي، وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو، ورشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي، ثم حسن البنا وأبو الأعلى المودوي وأبو الحسن الندوي ثم جاء بعدهم السيد قطب، وقد نظر هؤلاء جميعاً لفكرة حاكمية الإسلام من دون أن يعني ذلك أنهم كانوا أصحاب رؤية موحدة، كذلك برز من بين رجال الفكر عالم مهم تناول مسائل الفكر السياسي والاقتصادي في الإسلام وكان صاحب اجتهاد ظاهر، هو السيد محمد باقر الصدر الذي ترك أثراً فكرياً مميزاً.

وأهم من تمييز في مسألة الإسلام السياسي فقيه ثوروي مجاهد قاد حركة فكرية وفقهية وسياسية عملية وضعت نصب اعينها مسألة إقامة دولة إسلامية ومجتمع إسلامي، ونجحت إلى حد بعيد في تحقيق أهدافها، أنه الامام روح الله الموسوي الخميني الذي نجح في القضاء على نظام الشاه وفي اقامة الجمهورية الإسلامية في إيران تحت قيادة الولي الفقيه.

 

أسئلة حول الصحوّة:

هل استطاع دعاة إقامة المجتمع تحت حاكمية الإسلام الوصول إلى ايجاد رأي عام في العالم الإسلامي يتبنى هذه الفكرة ويدافع عنها ويسعى لتحقيقها؟

نطرح هذا السؤال كمقدمة لبحث موضوع الصحوة الإسلامية، وللوصول إلى جواب حول وجود صحوة حقيقية إسلامية ام أن ما هو كائن لا يصل إلى مستوى وصفه بأنه صحوة!

بداية أقول أننا من الناحية العاطفية يسعدنا القول أن هناك صحوة إسلامية، وكعاملين من أجل إقامة مجتمع إسلامي يريحنا جداً أن نسمع التحليلات التي تصل إلى نتيجة مفادها أن هناك صحوة إسلامية.

ولعل النتائج التي أدى إليها الحراك الشعبي في كل من مصر وتونس والمغرب حيث فازت بأغلبية المقاعد النيابية أحزاب وحركات تتبنى الطروحات السياسية الإسلامية، تظهر أن الشعوب في العالمين العربي والإسلامي ترغب في أنظمة حكم تسير وفق المنهج الإسلامي الذي يستمد أفكاره واحكامه ونظرياته من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومما لا شك فيه أن التجربة الإيرانية التي قادها الامام الخميني قد قدمت نموذجاً طيباً للناظرين إليه بتجرد ومن دون خلفيات عرقية أو مذهبية، كما أن اقبال الشعب التركي على منح الغالبية العظمى لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية له دلالة واضحة على توجه الشعب التركي الذي يشعر بالضيق من علمانية متزمتة فرضها عليه تحكم العسكر الاتاتوركي المُنَصّب حارساً على العلمانية الاتاتوركية.

لكن ما هي الصحوة الإسلامية، وأين أصبحت؟

عندما نتحدث عن الصحوة الإسلامية فإننا نتحدث عن الحركة الكبرى التي تطالب وتسعى لكي يكون الإسلام المرجعية الوحيدة للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المسلم والأمة المسلمة، وهذه الحركة موجودة وناشطة اليوم في معظم مناطق العالم الإسلامي، ولكن السؤال المطروح هو عن قدرة هذه الحركة على الفعل والتغيير الجدي والتأثير في دفع المجتمع إلى تبني الإسلام كمرجعية دستورية وقانونية، بالإضافة إلى مرجعيته الايمانية، والسؤال الثاني الذي لا بد من طرحه هو: هل حركات وأحزاب ومكونات الصحوة موحدة الرؤى والأهداف والاستراتيجية؟ أم أنها تختلف فيما بينها حول هذه الأمور إلى حد التناقض والامتثال.

والسؤال الثالث والأخير هو حول كيفية، أو امكانية التفريق بين الحركات التي يشكل الإسلام وقيمه ومبادئه هدفاً اسمى لها تسعى لجعله مرجعية للمجتمع والدولة والعلاقات مع الآخرين والتي تعتبر بحق جزءاً من الصحوة الإسلامية الحقيقية، وبين الحركات التي تجعل من الإسلام هدفاً صورياً لها وتتخذه ستاراً لأهداف أخرى خفية شخصية أو سلطوية أو مادية.

إن الجواب على هذه الأسئلة وسواها مما قد يطرح في سياق البحث قد يشكل رداً على اشكالات كثيرة تثار حول المسألة بسبب الظروف الاقليمية والمحلية والدولية، وبسبب ما تشكله الصحوة من تهديد لمصالح القوى العالمية النافذة والمسيطرة على مقاليد العالم السياسية والاقتصادية والمالية والعلمية والمتحكمة في حياة ومصائر الشعوب.

إن الجواب على السؤال الأول المتعلق بقدرة حركات الصحوة على الفعل والتأثير والتغيير من الأمور المسلم بها من وجهة نظرنا، فالإسلام يختزن قوة محفّزة لا مثيل لها لدى الايديولوجيات الأخرى نظراً لشموليته لكافة نواحي الحياة أولاً، وثانياً لأثره في الدارين الدنيا والآخرة، لأن تضحية المسلم لها جزاء في الدنيا والآخرة، أما غير المسلم فعاقبته في الدنيا فقط.

ولكن ما لا يجب أن نغفل عنه هو أن الصحوة تعني السير في خط الصراع مع القوى  المتضررة من نجاح الصحوة الإسلامية، وهذه القوى تملك من الامكانات المادية والمعنوية ما لا يمكن مواجهته بسهولة، فهي تملك المال والسلاح والدعاية والإعلام، وهي قادرة على تزييف الحقائق وشراء الذمم وخداع الناس.

لهذا نرى مسيرة الصحوة تتقدم في منطقة أو تتأخر في أخرى، وقد تنجح في مكان وتفشل في آخر، وبناء عليه لا يمكن تعميم حالات النجاح ولا حالات الفشل، وعلى العاملين في سبيل الإسلام أن يثابروا وأن يستفيدوا العبرة من التجارب، وأن يطوروا أساليب العمل بحيث يتمكنوا من النفاذ عبر الثغرات الكثيرة، ونقاط الضعف الموجودة عند اعداء الإسلام، ليحققوا غاياتهم المشروعة.

ولقد علمتنا التجارب أن لا نيأس من المواجهة، وأن نعمل وفق الآية الكريمة "ولا تهنوا في ابتغاء القوم أن تكونوا تألمون فإنهم يآلمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون".

ولدينا تجربة المقاومة الإسلامية التي تمثل أرقى مستويات الصحوة في جهادها ضد العدو الاسرائيلي حيث استطاعت ان تنتصر عليه وأن تدفعه للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة عام 2000، كما ألحقت به هزيمة نكراء في تموز عام 2006.

ولقد وصلت قيادة المقاومة إلى أعلى مستوى يمكن الوصول إليه في كسب اعجاب واحترام الشعوب، حتى غدت أكثر القيادات شعبية في العالمين العربي والإسلامي إلى حد أزعج الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل وحلفاؤهما، وأوقعهم جميعاً في خوفٍ من سيادة هذا النموذج، مما دفع الإدارة الأميركية وباعتراف جرى على لسان معاون وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فلتمان أمام الكونغرس الأميركي إلى انفاق مبلغ يزيد على خمسمائة مليون دولار أميركي من أجل تشويه صورة المقاومة وقيادتها في العالمين العربي والإسلامي، وقد استعمل هذا المبلغ المعترف به لشراء ذمم صحافيين ورجال إعلام ومحللين سياسيين ليبثوا الاكاذيب والافتراءات ضد المقاومة، وقد لجأ معظم هؤلاء إلى شهر سلاح الخلاف المذهبي لنشر الكراهية والحقد ضد أنبل ظاهرة شهدها العالم الإسلامي في القرنين الحالي والسابق.

 

وحدة أو اختلاف الرؤى والأهداف:

إن الحركات الإسلامية التي تزعم انها جزءٌ من الصحوة الإسلامية في العالم ليست موحدة الرؤى والأهداف، فهي تختلف في الاستراتيجية كما تختلف في التكتيك، وهي تنقسم فيما بينها على أسس فكرية ومذهبية وفقهية وعرقية، كما تنقسم على أسس سياسية وشخصية، ويبدو التعاون فيما بينهما متعذراً نظراً لهذه الاعتبارات أو بعض منها.

إنها لا تملك تصوراً موحداً جامعاً، لا على كيفية العمل للإنتقال بالمجتمع من حالة التهاون بالإسلام أو اللا إسلام إلى الإسلام ولا على كيفية مواجهة الاعداء، بل أنها لا تتفق على تحديد من هو العدو ومن هو الصديق ومن هو الخصم ومن هو الحليف.

وينظر بعض هذه الحركات إلى بعضها الآخر باعتباره عدواً يجب القضاء عليه وتشويه صورته وسمعته وليس باعتباره منافساً، وخذ على ذلك مثالاً الحركات الصوفية والسلفية والوهابية والشيعية، والاخوانيون والتحريريون. ويصل الأمر ببعض هذه الحركات الى أن يكفر بعضها البعض الآخر، والتكفير كما هو معلوم اقصاءً للمكفر عن الإسلام بالردة غالباً مما يجعل المُكَفّر مستباح الدم والعرض والمال، ولا لقاء معه إلا على حد السيف. ومسألة التكفير هي النقطة التي يعمل عليها اعداء الإسلام لإيقاع الاقتتال بين المسلمين، كما هو حاصل في أفغانستان بين طالبان وبقية تنظيمات المجاهدين الافغان، أو كما نرى في باكستان والعراق حيث يقوم مسلمون انتحاريون بتفجير انفسهم داخل مساجد وحسينيات ممتلئة بالمصلين من المسلمين، مما يؤدي إلى مجازر انسانية بشعة بل لا تحتمل، وكذلك حال أهل الصومال، وبعض هؤلاء الذين يبيجون دماء المختلفين معهم من المسلمين ويقومون بقتلهم، لا يجدون غضاضة في التعاون مع الغرب الكافر والاستعانة به لمساعدتهم في قتال المسلمين.

كيف نميز بين من يعمل للصحوة ومن يستغل الإسلام لأغراضه؟

رغم كل ما ذكرناه من أمور حول حركات الصحوة وما يشجر بينهما من مشاكل واختلافات، إلا أننا نعتبر أن كل ذلك ناجم عن سوء فهم أو سوء تقدير وتدبير، أو عن مكائد تدبر للإيقاع بين المسلمين، يسعى بها اعداء الإسلام، فتصور المسلم في عين أخيه كافراً أو منحرفاً، والمسألة ليست بسيطة، انها اشكالية كبيرة تحتاج للوقت والعمل من أجل حلها.

وعلى كل حالٍ فإن مسألة التمييز بين الحركات التي يشكل نشاطها تنمية وتطويراً للصحوة، وتلك التي تسيء بما يصدر عنها من أعمال وأقوال لهذه الصحوة ليست بالأمر الهين، فنحن ندرك أن لكل جهة ظروفها ومعاييرها المختلفة في تحديد مسارها ضمن حركة الصحوة. ولا يخفى علينا أن الكل يعتبر نفسه جزءاً من الصحوة أو مساهماً فيها باعتبارها الحركة الواعدة لصناعة مستقبل الأمة.

والصحوة الإسلامية ليست حركة فرد أو أفراد، إنها ممارسة جماعة يتكامل عملها بأبعاده المختلفة وبشكل تراكمي، وهذه الجماعة لا بد أن تكون فاعلة ومؤثرة وتغييرية، وقادرة على الإنجاز، ولا بد من أن يكون تأثيرها على مستوى واسع بحيث لا يمكن محاصرته وخنقه في مهده.

كما أنه لا بد أن تكون حرة وغير مرتبطة بما هو متناقض مع الإسلام وقيمه ومبادئه.

لذلك لا يمكننا التسليم بأن بعض الجماعات التي تنسب نفسها الى الإسلام وترتبط في الوقت نفسه بالسلطان الجائز على الصعيد المحلي، أو بقوى أجنبية استكبارية وتتحالف معها تحالفاً ظاهراً معلناً أو تحالفاً خفياً مضمراً بأنها جزء من مسيرة الصحوة.

كما أننا ننظر بنفس القدر من الإرتياب إلى قوى تعتبر نفسها جذرية، وبعضها يرى نفسه الحركة الأم في مسيرة الصحوة، ثم نجد أنها دخلت في صفقات مع الدول الاستكبارية ومع الأدوات الطاغوتية المحلية من أجل الوصول إلى السلطة على حساب المبادئ والقيم والتاريخ الطويل من الشعارات الرنانة التي جرى التخلي عنها فجأ وتم سحبها من التداول.

اما هذا الإعلام الذي يقدم نفسه على أنه إعلام الصحوة الإسلامية، وهو يقوم في نفس الوقت ببث الفرقة والتنازع وضرب أسس الوحدة الإسلامية، وهذا الإعلام يستمد دعمه من جهات وقوى معادية للإسلام وللصحوة الإسلامية عبر موازنات مشبوهة، فهل هذا هو إعلام الصحوة الإسلامية؟!

إننا لا نشك مطلقاً في أن البعض قد وجد أن الزمن المقبل هو زمن الإسلام فوجد في حمل شعارته تجارة رابحة واستثماراً مستقبلياً، فأعلن التحاقه بمسيرة الصحوة رغبة في تحصيل المكاسب ليس إلا، أو رغبة في التأثير فيها من الداخل لحرفها عن خطها المستقيم، وادخالها في في متاهات ومشكلات تقضي على دورها وفاعليتها.

من هنا نرى أن مسيرة الصحوة الإسلامية حالة غير نقية بالكامل فيها ألغث والثمين وأن الواجب يقتضي منا أن نضع معايير محددة للتمييز بين الدخيل والأصيل، وبين الغث والثمين.

وقبل أن نحدد المعايير علينا أن نحدد معنى الصحوة، فالصحوة في اللغة هي اليقظة بعد الثُبات، أو الانتباه بعد الغفلة، يقال صحا فلان من نومه أي استيقظ، ويقال صحا بمعنى انتبه بعد غفلة.

والصحوة في المجال الذي نتحدث عنه هي انتباه الأمة أو قسم كبير منها إلى أن لديها ما كانت تفتقده من أجل نهضتها، وتحصيل عزتها وكرامتها، وما يحقق لها حياة طيبة، وهو الإسلام عقيدة وشريعة، ايماناً ومنهجاً قانوناً ودستوراً. وهي التي كانت قد تركته أو غفلت عنه ولجأت إلى سواه في مختلف مجالات الحياة.

وأنها اليوم ترى فيه الخلاص مما هي فيه، ومما تعانيه، ولم يعد الأمر مجرد احساس أو رغبة أو فكرة أو نظرية، بل تحول بالفعل والممارسة إلى واقع عملي وإلى حياة معيوشة، وقد بدأ يعطي بعض الثمار المرجوة، وإنها أصبحت ظاهرة ملحوظة.

وإذا أردنا أن نحدد المعايير الصحيحة فإن علينا أن نحدد مكامن الخلل في الواقع الذي تريد الصحوة تصحيحه أو تغييره، فما هو الواقع الإسلامي؟ وما هو المرتجى؟

 

أفات العالم الإسلامي:

يمثل العالم الإسلامي جغرافيا مترامية الأطراف ممتدة من المغرب الأقصى على حدود المحيط الأطلسي الى أندونيسيا في أقصى الشرق على المحيط الهادي ويبلغ عدد سكانه سدس سكان الأرض، وتزخر أرضه بثروات هائلة كفيلة لو أحسن استخدمها ووزعت أو استثمرت بشكل عادل أن تضمن رفاهية الشعوب الإسلامية أو على الأقل أخرجها من دائرة الفقر والعوز.

ومع ذلك فإن شعوب العالم الإسلامي تعيش تحت سيطرة أمم أخرى تسلب خيراتها وتحول دون تقدمها وتطورها على كافة الصعد لا سيما العلمية والتقنية والصحية. وبالإضافة إلى ذلك هناك الأمراض الداخلية والآفات والأوبئة الاجتماعية والسياسية.

وإذا أردنا عرض ما يعانيه العالم الإسلامي فسنجد ما يلي:

1-       التجزئة والتناحر والصراع.

2-       التبعية والاستلحاق وفقدان القرار الحر والإرادة الحرة.

3-       الفقر والتخلف الاجتماعي على كافة الصعد.

4-       التحلل الاخلاقي والابتعاد عن القيم الإسلامية.

5-       الرضوخ لإملاءات الاعداء عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

6-       سيطرة القوى الخارجية وتحكمها في ثروات الأمة وشعوبها.

7-       التركيز على الخلافات المذهبية بين المسلمين والتكفير وما يستتبعه من فتن وصراعات.

8-       الاختلافات العرقية والقطرية والدينية.

9-       ضعف التعاون والتنسيق بين الدول الإسلامية، وفشل المنظمات الاقليمية في تحقيق مستوى معقول من التعاون والتنسيق.

10-   الحروب الإعلامية التي تسمم الأجواء بين المسلمين وتخلق العداوات والفتن.

11-   الافلاس العلمي والتقني للعالم الإسلامي.

12-   الشخصانية الطاغية لدى حكام العالم الإسلامي، والاستعلاء الأجوف فيما بينهم.

 

إن هذه المشاكل التي ذكرناها هي عناويين تندرج تحتها تفاصيل كثيرة لا مجال لذكرها في هذه العجالة.

إذن نحن أمة تعيش واقعاً متخلفاً يجعلها في أدنى سلم التقدم والحضارة، والتخلف مناقض للإسلام وأهدافه وغاياته، فهو يرفضه ويدعو إلى تغييره، لهذا نحن نقول أن الإسلام كفيل بإيجاد الإنسان الذي يغير الواقع المتخلف إلى واقع متطور متقدم.

ولا نقبل التهمة التي أطلقها العلمانيون بحق الإسلام وهي زعمهم أن الإسلام سبب تخلف المسلمين، أو التهمة التي أطلقها الملحدون بأن الدين أفيون الشعوب.

 

المعايير السليمة للصحوة الإسلامية:

المعيار الأولى: رفض الاحتكام لغير الإسلام كمنهج في الحياة.

المعيار الثاني: رفض الارتباط أو الخضوع للشرق أو الغرب في كل مجالات الحياة.

المعيار الثالث: العمل من أجل وحدة الأمة الإسلامية، ورفض أي تفرقة على أسس مذهبية أو عرقية أو لغوية أو اقليمية.

المعيار الخامس: رفض ومقاومة كل احتلال أو عدوان وعدم القبول بأي تسوية معه.

المعيار السادس: الموقف من احتلال فلسطين، ومن قضية الشعب الفلسطيني، ففلسطين هي أرض عربية إسلامية يجب تحريرها واخراج اليهود الوافدين الها منها، ورفض كل معاهدة أو اتفاقية تتنازل لليهود عن أي ذرة من ثرى فلسطين.

 

 

الصحوة الإسلامية- إيران نموذجاً:

إننا نعتقد أن التجربة التي خاضتها إيران بقيادة الامام الخميني تمثل نموذجاً يمكن الاقتداء به للصحوة الإسلامية.

لقد كانت إيران على زمن محمد رضا بهلوي تعيش نفس الأزمات التي عاشها ويعيشها العالم الإسلامي والتي ذكرناها آنفاً.

وقد عمل العلماء والدعاة على تكوين رأي عام في إيران تبني فكرة عودة الإسلام كمرجعية للحياة السياسية والاجتماعية وقد نجحت الصحوة في اطلاق الثورة التي قضت على طغيان الشاه ونظام حكمه العميل لأميركا والخادم لها، وقطعت العلاقة بقوى الظلم والاستكبار، ووحدت الشعب الإيراني على قيم الإسلام وانهت التبعية للأجنبي أياً يكن، وحققت مشاركة الشعب في الحكم وادارة البلاد، وعرف الشعب الإيراني الانتخاب كطريق لايصال ممثلين عنه إلى المجالس التمثيلية والتنفيذية، ووضعت الثورة إيران على طريق التقدم العلمي والتكنولوجي وها هي اليوم تقف في مصاف الدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً، وصولاً إلى الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية، بل ما هو أكثر تطوراً على الصعيد العلمي، وها هي إيران اليوم أيضاً تواجه قوى الاستكبار العالمي وتفرض شروطها المحقة عليهم وتؤدي دورها في الدفاع عن المستضعفين دون تردد.

إننا ندرك أن أمام إيران الكثير من الاشكالات الواجب حلها على صعيد التنمية وغيرها من الصعد، ولكنها تسير على درب الانجاز وقبول التحدي بشكل أزعج بل أقلق قوى الاستكبار العالمي.

ولم تكن إيران لتصل إلى ما وصلت إليه لولا تلك الصحوة التي انتجت الثورة الإسلامية.

فهل يدرك العالم الإسلامي أن الثورة الإسلامية في إيران هي النموذج الأمثل الذي يقتدى به للدخول في عصر الإسلام الحديث.