المذاهب الإسلاميّة وجه مشرق للوحدة

المذاهب الإسلاميّة وجه مشرق للوحدة

 

 

المذاهب الإسلاميّة وجه مشرق للوحدة

 

 

الأستاذ نور خالص مجيد

أستاذ في جامعة جاكارتا – أندونيسيا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين على أمر الدنيا والدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله والصّلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد: أيّها الساداة الكرام وحضرات العلماء الأعزّاء والمؤتمرين الشرفاء:

كم أتشرّف بأن أكون معكم في هذا المجمع الشريف، وأحمد الله على نعمة الاشتراك معكم، وأشكر كذلك جميع المسؤولين على هذا المجمع المبارك، مجمع التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، أشكرهم على أنَّهم قد تفضّلوا بدعوتنا، أنا وأخي وأُستاذي السيد محمّد أسد شهاب في الحضور إلى هذا المؤتمر، ولن أنسى أن أشكر رئيس الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية سعادة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ الرفسنجاني على تأييده المخلص لهذه المحركات التقريبيّة، وفوق كلّ ذلك نشكر القائد العظيم حضرة الإمام الخامنئي حفظه الله الذي شجّعنا جميعاً على بذل الجهد في سبيل إيجاد التقريب والاتحاد والتعاون بين المسلمين في العالم.

أريد في البداية أن أشرح لكم عن بلدي أندونيسيا، وهو بلد مجهول عند كثير

ـ(328)ـ

من المسلمين؛ فأندونيسيا أكبر البلدان الإسلاميّة، حيث يبلغ عدد سكّانه من المسلمين مائتي مليون نسمة، أي 99 % منّا مسلمون، وأندونيسيا نفسها بلد كبير جدّاً مساحة، وفيه أربعمائة قبيلة لكلّ قبيلة لغتها الخاصّة بها، وعدد جزرها سبعة عشر ألف جزيرة صغيرة وكبيرة، مسكونة وغير مسكونة، ورغم كلّ ذلك فالأندونيسيون متّحدون متآلفون بحمد الله وتوفيقه، وزادنا شكراً أنَّ الأساس الاجتماعي والثقافي لهذا التناسق والاتحاد ليس إلا تعاليم الإسلام الحنيف، حيث إنَّ تعاليم الدين مترسّخة في أذهان الأندونيسييّن، والمظاهر الإسلاميّة واضحة على الأندونيسيين نتيجة تأثّر أندونيسيا بالثقافة الإسلاميّة.

بناء على كلّ ذلك فإنّنا نقيم وزناً عظيماً لمسألة الوحدة والاتحاد والتعاون والتفاهم، ونهتمّ بمسألة الوحدة في التنوّع، التي تناولها السيد محمّد حسين فضل الله في حديثه بالأمس، بل تلك العبارة هي شعارنا الجمهوري، ولذلك فإنّ هذا الاجتماع المبارك للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة له قيمته العظمى وتأثيره القوي بالنسبة لنا.

فالأندونيسيون مسلمون سنيّون شافعيّون، وإنّا لم نكن نعرف شيئاً عن الشيعة قبل قيام الثورة الإسلاميّة المباركة في إيران. بعد ذلك قمنا نبحث عنهم من خلال كتب شيعيّة حصلنا عليها في أندونيسيا، فوجدنا أن الشيعة مذهب إسلاميّ يتميّز على بعض المذاهب الأخرى في وجه من الوجوه، كما أنَّ كلّ مذهب يتفوّق على باقي المذاهب الأخرى في وجه من الوجوه. واتّجه بعض الأندونيسيين وخصوصاً الشبّان في الجامعات نحو التشيّع، وبدأ كثير من الفرق الإسلاميّة الأخرى بتكفير الشيعة والمنتسبين لهم وتحريم كتبهم ومنشوراتهم، وقالوا: إنّ الشيعة لهم قرآن غير القرآن المعهود، وأنَّهم عبدوا مقابر أئمّتهم وعظمائهم فهم مشركون وليس هناك من أعمالهم ما يدّل على توحيدهم الخالص.

وفي مقابل ذلك رفض هؤلاء المنتسبون للشيعة الاقتداء في صلاتهم وراء علماء السنّة،

ـ(329)ـ

ولذلك كنت أتمنّى أن تتاح لي الفرصة للحضور في هذا المؤتمر للاستماع إلى حضرات السادة العلماء وهم يبحثون عن ضرورة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة في العالم.

فالتفرقة هي أهم نقطة ضعف بين المسلمين جميعاً، واستغل أعداء الإسلام نقطة الضعف هذه لإيقاع العداوة بين المسلمين، كأنّ الآية المباركة ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾(1) منطبقة على المسلمين في الوقت الحاضر.

واسمحوا لي أن أعرض بخدمتكم أنَّ رضا الناس غاية لا تدرك، وأنّ معاملة الناس بشكل متساوٍ شيء مستحيل، ولكنّي أرى أنَّ التنوّع هو سنّة من سنن الله تعالى في خلقه ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾(2) ثم ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾(3). فالتقريب في نظري هو التفاهم والتعارف والتعاون رغم الاختلاف والافتراق واستباق الخيرات ﴿... وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ...﴾ وإذا كان المسلمون الآن متفرّقين إلى فرق يكاد لا يحصى عددها، فإنّهم كانوا متفرّقين منذ بداية الإسلام، وإنَّ ما وقع بين صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من الاختلاف والشجار، بل الصّراع، بل الحروب السياسيّة أمر لابدّ من قبوله، فقد قاتل بعضهم بعضاً، وكلّ هذا قد وقع بقدرالله تعالى لحكمة إلهيّة، وهي سرّ من أسرار الله تعالى، فليس لنا أن نرجع إلى الماضي، ولكن نفوّض الأمر إلى الله تعالى ونسلّم إليه تسليماً، فإنّ الصحابة كلّهم مرضيّون عند الله وراضون بالله – كما يرى ذلك كثير من المسلمين – رضي الله عنهم ورضوا عنه فلهم الجنّة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وبالرغم من ذلك يجب علينا أن نعترف بجميل هؤلاء الصحابة الكرام المرضيّين عند الله فإنّهم ورثة الدين الحنيف، وها نحن نرث منهم ذلك الدين الحنيف، فما أكبر

_______________________________________

1 – سورة الحشر: 14.

2 - سورة الروم: 22.

3 - سورة المائدة: 48.

ـ(330)ـ

الإسلام نعمة من نعم الله علينا، وما أعظم الإيمان رحمة من رحمات الله علينا، فالحمد لله.

أمّا التنوّع في الناس كما أشرتُ آنفاً، فهو شيء جبري طبيعي في النوع الإنساني، وليس القول بهذا يعني اعترافاً بمحموديته وممدوحيته، فإنّ التنوّع إذا ارتفع إلى مستوى الصراع مذموم قطعاً، ولكنّ القول بذلك يعني، أنّ التنوّع سنّة من سنن الله ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾(1)، فعلى ذلك الأساس فإنّ كلِّ جهد مبذول للتقريب والائتلاف والاتحاد ممدوح، وأنّه جهاد في سبيل الله وفي طريق مرضاته، وكما قال الله تعالى ﴿... وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ...﴾. فإنّا نفهم من أنَّ لكلّ واحد منّا ومن كل الفرق الإسلاميّة الواقعيّة تاريخاً وعلينا أن نستعمله ونستفيد منه للاستباق إلى الخيرات، الخيرات الكثيرة وليس بخير واحد فقط. الاستباق إلى الخيرات بين الفرق يجب أن يمثّل التعاون على البرّ والتقوى بأفضل صوره. فالخيرات هي سبل السلام والقرآن يهدي به من اتّبع رضوانه سبل السلام، وليس بسبيل واحد، ولما كان لكلّ فرقة منّا ما آتاها الله من فضله ورحمته، فإنّ لكل منّا مزية على الآخر بوجه من الوجوه، ولذلك يجب علينا تنمية التفاهم والتراحم والتعارف والعرفان بالجميل بيننا، فأنا أرى أنّ هذا يمثل روح الأُخوّة الإسلاميّة: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(2).

ثم لننظر كيف بيّن الله الخطوات اللازمة والعمليّات الضروريّة لدعم الأُخوّة فقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

لنتدبّر كيف أشار الله تعالى باستعمال لفظ عسى، فلكلّ فرقة من الفرق الإسلاميّة مزية من المزايا يجعلها خيراً من الأخرى بوجه من الوجوه، ولا ينبغي أن يدخل في

_______________________________________

1 - سورة فاطر: 43.

2 - سورة الحجرات: 10.

ـ(331)ـ

قلوبنا ريب، إنّ لفظ عسى بقوله ﴿... عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ...﴾و﴿...عسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ...﴾(1). فيه حكمة إلهيّة عظيمة يجب علينا التدّبر فيها.

ثم نقرأ مزيداً من الهداية الإلهيّة لدعم الأخوّة الإسلاميّة، فقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ $ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾(2). بل من الإعجاز القرآني أنّه أكّد أن أساس الأخوّة لا ينحصر بين المسلمين فقط، بل يعمّ الناس جميعاً، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(3).

نعم إنّ الله هو العليم الخبير، أنّه هو العليم بذات الصدور فليس من حقّ أيّ شخص أن يقوم بإعطاء صكوك غفران لبعض الناس ويحكم على إيمانهم وتقواهم فإنّ ذلك كلّه حقّ من حقوق الله، بل ولا حتّى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يعلم ما في قلوب الناس، وكما قال الله لرسوله الكريم ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾(4) فلا يحقُّ لأيّ شخص يدّعي الإسلام والإيمان أن يكفّر أخاه ويفسّقه ويدخله في النّار، كأنَّه يحتكر الجنّة لنفسه وهو لا يزال حيّاً في الدنيا هذه، ولم يمت بعد، فينظر إلى الجنّة والنار ويتأكّد أنّ الجنّة له والنار للآخرين من الناس المخالفين له، فإنّ هذا هو نوع من الطغيان، الذي أشارت إليه الآية المباركة

_______________________________________

1 - سورة الحجرات: 11.

2 - سورة الحجرات: 11 – 12.

3 - سورة الحجرات: 13.

4 - سورة الأحقاف: 9.

ـ(332)ـ

﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى $ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾(1) إنّ كلّ إنسان تستبد به نفسه حينما يستغني عن الآخرين وكأنّه يستطيع أن يقوم بنفسه مع أنّ القيام بالذات من دون حاجة إلى الآخرين هو صفة لله وحده، قال تعالى ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ $ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾(2) فلنتلوا القرآن حقّ تلاوته وبالله التوفيق والهداية والله أعلم بالصواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

_______________________________________

1 – سورة العلق: 6 – 7.

2 – سورة الروم: 31 – 32.