المسلمون في أوربا : واقعهم ومشكلاتهم

المسلمون في أوربا : واقعهم ومشكلاتهم

 

 

المسلمون في أوربا : واقعهم ومشكلاتهم

 

                                                                                                                                        

                                                                                                                    أ.د. محمد فؤاد البرازي

                                                                                                       رئيس الرابطة الاسلامية في الدنمارك

       عــضو مجـمع فقهـاء الشـريعة

 

الاسلام دين سماوي جعله الله تعالى خاتم الأديان، وجعل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، واختار أتباعه شهداء على العالمين.

ومنذ بزوغ فجر هذا الدين فتح الله تعالى له قلوب العباد، ومهّد له في كثير من البلاد، حتى عمَّ كثيراً من أصقاع المعمورة لأنه الدين الذي يتلاءم والفطرة السليمة التي فطر الله تعالى الناس عليها، كما أن مبادئه وأحكامه تحرر الإنسان من عبودية البشر إلى عبودية الله رب العالمين، لهذا قال ربعي بن عامر: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام..."

وما دام الأمر كذلك فلا عجب أن نرى وجوداً إسلامياً في أوربا منذ قرون طويلة وإن كانت نسبته متباينة  من  دولة إلى أخرى... فبينما يشكل المسلمون في ألبانيا ومقدونيا وإقليم كوسوفو والبوسنة والهرسك والسنجق والشيشان وغيرها نسبة عالية جداً، تصل في بعضها إلى أكثر من 90 %  نجدهم  جاليات وأقليات  في  بلاد  أخرى، مما يدل  دلالة  واضحة  على وصول الإسلام إلى أوربا، ودخول بعض شعوبها أو مجموعات منها في هذا الدين.

 

مدلول الجالية الإسلامية والأقلية الإسلامية :

 لقد تداول الناس عموما، ومعهم الكثير من العاملين في الحقل الإسلامي على وجه الخصوص مصطلح الجالية الإسلامية ومصطلح الأقلية الإسلامية  على أنهما مترادفان، مع أنهما في  حقيقة  الحال متغايران، لهذا كان لابد من بيان المدلول الدقيق لكل منهما لإيضاح الصورة الحقيقية لهما.

فالجالية الإسلامية : هي  مجموعة  أو   جموع  من  الناس  تنتمي  إلى  أصل معين، هاجرت من وطنها لأسباب علمية  أو  اقتصادية  أو  سياسية.

أما الأقلية الإسلامية : فهي  مجموعة  أو  جموع  بشرية  من  جاليات  إسلامية  متعددة  تقيم  بين أغلبية  غير مسلمة.

ويدخل في هذا التعريف أي  مجموعة  بشرية  من  بلد  غير مسلم  اعتنقت   الإسلام، وثبتت عليه،  وكانت  جزءاً  من  نسيج   ذلك  المجتمع  غير  الإسلامي. وقد  أدخلتها تحت هذا المصطلح لكونها غير مهاجرة.

وبناءً على ذلك فإن مفهوم الأقلية الإسلامية الذي يشمل جنسيات إسلامية متعددة  يعتبر  أوسع  وأشمل  من  مفهوم الجالية  الإسلامية  الذي  يقتصر على جنسية  مهاجرة  واحدة.

غير أن تنامي هذه الأقليات المسلمة بشكل كبير يجعل من العسير تحجيمها  بهذا  المصطلح  اللغوي ، لاسيما  وأن   كثيراً  منها  تتمتع   بالمواطنة  الأصلية، وتـتــشــــبث  بأوطانها منذ  قرون  طويلة، زد  على  ذلك  حصول  أعداد  كبيرة  من الجاليات  الإسلامية  المهاجرة  على  جنسية  الدول  التي  يقيمون  فيها، مما  يجعلهم مواطنين أصليين، ويجعل  وصفهم  بالأقلية  تحجيماً  لدورهم  حتى  وإن  كانوا أقلية  بالنسبة  لعدد  سكان  المجتمعات  التي  يقيمون  فيها.

لهذا أرى أن استبدل بالأقليات الإسلامية في أوربا لفظ : المسلمون في أوربا، وكذلك الحال في كل بلد أوربي، فنقول : المسلمون في بريطانيا،  والمسلمون في فرنسا، والمسلمون في ألمانيا، والمسلمون في الدنمارك، وهكذا..

ولهذا الاعتبار كان عنوان هذا الموضوع :

المسلمون في أوربا، واقعهم ومشكلاتهم

المسلمون في العالم غير الإسلامي :

يتوزع المسلمون  في العالم غير الإسلامي على كثير من دول  ذلك  العالم، وقد يعجب المرء إذا  قلنا  إن   عدد   المسلمين  في   هذه   الدول   يزيد   على  أربعمائة  مليون نسمة  من  أصل   التعداد   الكلي   للمسلمين   في   العالم  الذي   يبلغ  حوالي  مليار ونصف.

ولهذا العدد الكبير أهمية  كبيرة بالمنظور الاستراتيجي للطاقة البشرية، لاسيما وأن نسبة  منهم لا يستهان  بها قد اكتسبت  علوماً ومعارف  متــنوعة  بحكم اختلاطها بالأمم  والمجتمعات  المتعددة، ومعرفتها لمواطن القوة والضعف فيها. وإذا ما عرفنا أن الهند وحدها يوجد فيها أكثر من مائة وخمسين مليون  مسلم، والصين  الشعبية  يتواجد  فيها  قرابة  مائة  مليون  مسلم، إضافة  إلى  أكثر من ســــبعين مليون مســــلم في الدول غير الإسلامية من قارة إفريقيا، مروراً بحوالي  ســــتين مليون مســـــلم  في أوربا وأمريكا واســــــــتراليا،

أقول : إذا ما عرفنا وجود هذه الأعداد الإسـلامية الكبيرة الموزعة على كثير من دول العالم أيقنا مدى الأهمية البالغة لها، والآمال المعقودة عليها في المستقبل، لاسيما إذا تهيأت  لأصحاب الكفاءات  العلمية  والتقنية  منهم  العودة  إلى بلادهم ، وتجنيد خبراتهم  لصالح  المجتمعات الإسلامية.

 

الحقوق التي حصل عليها المسلمون  في أوربا:

إن المتتبع لأحوال  المسلمين  في  البلاد غير الإسلامية  يجد  أن  الكثير منهم   يعيش في ظروف صعبة، ويتهدد  البعضَ  منهم مخاطرُ  جمّة  نتيجة  العدوان عليهم، وإهدار حقوقهم ،  والعمل  الدؤوب   على طمس هويتهم،  بل  والتطهير  العرقي  الذي   مورس  علانية   ضد   بعضهم ،  ويمارس  في  الخفاء  ضد  البعض  الآخر  منهم.

ورغم هذه الممارسات التي يلقاها المسلمون في بعض البلاد غير  الإسلامية، فمن الإنصاف أن نعترف أن حالة مسلمي معظم الدول الأوربية  أفضل بكثير من أحوال  المسلمين  الآخرين الذين يعيشون في دول أخرى غير إسلامية  على الرغم   من  القوانين  الجديدة  التي  أصدرتها  الدول  الأوربية  في السنوات  الأخيرة.

لقد حصل  المسلمون  في  أوربا  على  كثير  من  الحقوق، وأتيحت  لهم  من  فرص  الدعوة  إلى  الله  تعالى  وإنشاء المؤسسات الإسلامية  ما لم  تــُتــَح  لهم   في  مواطنهم الأصلية التي هاجروا منها، وأُجملُ  أبرز هذه  الحقوق  فيما يلي :

1. الجنسية : لقد تجنس الكثير من  المهاجرين  المسلمين  بجنسية   الدول  التي هاجروا إليها  بحيث  أضحوا جزءاً من نسيج  تلك  المجتمعات ،  وشغل   بعضهم   مواقع  مهمة  في  المجتمع.

2. الرعاية الصحية : لقد  حصل  المتجنسون  والمقيمون  في  تلك  البلاد  على الرعاية  الصحية  الكاملة   مقابل  تأمين   بسيط   في  بعض  الدول، وبدون مقابل  في   دول  أخرى.

3. التعليم   المجاني :  كما  منح   هؤلاء  حق   التعليم   بكافة   مراحله    وفروعه.

4.الضمان الاجتماعي :  لقد  تكفلت  الدولة  برعاية  المسنين  والعاطلين  عن العمل،  ووفرت   لهم  رواتب  شهرية  تسد  حاجتهم  حتى لايبقى  في  المجتمع  سائل  أو   محتاج.

5. الحرية الدينية : لقد ضمنت أوربا الحرية الدينية لأصحابها، لهذا أنشأ المسلمون كثيرا من المؤسسات الإسلامية كالمساجد والمراكز والجمعيات والمدارس. وبذلت بعض هذه المؤسسات جهوداً مشكورةً بين الجالية الإسلامية  والمجتمعات المتواجدة على أرضها، فأقامت الشعائر الديـنية ، وعقدت  المؤتمرات  السنوية، وافتتحت الندوات  الموسمية،  ومارست  حريتها  في  الدعوة  إلى  الله  تعالى للمحافظة على  الهوية الإسلامية من الذوبان في تلك المجتمعات غير الإسلامية.  

صحيح إن  تلك  المدارس التي أنشأتها بعض المؤسسات الإسلامية رغم  ندرتها ليست بالمستوى المطلوب سواء من حيث الكفاءة، أو التجهيزات، غير أنها  تؤدي  رسالة سامية،  وتسد ثغرة  كبيرة، ووجودها خير  من  عدمها  لقيامها  بتعليم   أبناء  المسلمين   في  تلك   الديار  دينهم   ولغتهم.

ونتمنى  أن تنمو  هذه  الجهود،  ويزداد  عطاؤها حتى  تؤدي دوراً أكبر، وتقوم  بأداء رسالتها على وجه  أفضل  لتخريج  أجيال  تكون  عدة  لمستقبل  مشرق  مضيء.

مشكلات المسلمين في أوربا :

لئن حصل المسلمون  في أوربا على مستوى  معيشي جيد، ورعاية  صحية كاملة، وأتيح  لهم  تلقي العلم  في مختلف  المستويات  والمجالات، وممارسة  حرية التعبير كأهل  البلاد  الأصليين ، إلا أن هناك مشكلاتٍ جمّة  تواجههم، وصعوباتٍ  عديدة  تعترضهم، نجملها فيما يلي :

1- عدم الاعتراف الرسمي بالإسلام :

تعتبر هذه  المشكلة  من أبرز المشكلات التي  تواجه  المسلمين  في  الأغلبية الساحقة للدول غير الإسلامية، لما تؤدي  إليه من تجاوزات  تجاه  المسلمين  في تلك البلاد، تـُنسى بسببها بعض حقوقهم الأساسية.

ففي غياب هذا الاعتراف السياسي يفقد المسلمون حقوقاً تتصل بهويتهم الإسلامية، مثل حقهم  في  تعلّم  اللغة  العربية  والتربية  الإسلامية  في المدارس الحكومية، وحقهم  في وجود  مقابر  خاصة  لدفن  موتاهم، إلا  إذا  تفضلت عليهم الدولة  تفضُــلاً  لاحقا  قانونيا مكتسبا  ًبتخصيص  مقبرة  لدفن  موتاهم ، كما يفقدون  حقهم  في  تولي  بعض  المناصب   العالية  في  بعض الدول، وحقهم  في  قانون الأحوال الشخصية.

إن فقد هذا الاعتراف يعرض هويتهم للخطر، ومستقبلهم للضياع إن لم تتعهدهم العناية الإلهية بالحفظ، ثم المؤسسات الإسلامية والعلماء والدعاة بالتعليم والتذكير والدعوة..

وقد اعترفت بعض الدول الأوربية بالإسلام كبلجيكا، وإسبانيا، والنمسا، والمجر، ومنحت المسلمين هناك حقوقاً ما كانت لهم من قبل، إلا أن ظروفاً دولية معقدة أبقت هؤلاء في دائرة الضوء، وبعيدين عن التأثير..

2- الذوبان في المجتمعات غير الإسلامية :

لقد أعدت الدول الأوربية وغيرها خططاً محكمة لصهر المسلمين لديها في مجتمعاتها، وأطلقت على ذلك : الدمج الاجتماعي. وتعد مشكلة فقد الهوية الإسلامية أخطر المشاكل التي تعاني منها الجاليات الإسلامية بشكل عام، وترجع خطورة هذه المشكلة لأسباب متعددة من أهمها:

أـ عدم وجود الحصانة الديــنية اللازمة، والثقافة الإسلامية الكافية لدى الكثير من هؤلاء الناس، فيتأثرون بالأوضاع السائدة في تلك المجتمعات، ويتطبعون بقيمها وأخلاقها، ويتجردون شيئاً فشيئاً من المبادئ والأخلاق الإسلامية، ثم يذوبون كلياً أو جزئياً في المجتمع الذي يعيشون فيه.

ب - كما أن فريقاً منهم يصاب بالانبهار الحضاري لما يرى من تقدم تلك الأمم في العلوم والفنون، وتنظيم شؤون الحياة، وما يلحظه من إنجازات عظيمة كانت من أعظم ما وصل إليه العقل البشري حتى هذه الأيام، فتتضاءل أمته بتاريخها وأصالتها، بل ودينها في نظر هذا الفريق من الناس، فيقلدون  تلك المجتمعات  بخيرها وشرها، وقد يغيرون أسماءهم، ثم يذوبون  ذوباناً    كاملاً.

وإذا ما تزوجوا بالأوربيات من أهل الكتاب وهم على هذه الحالة فإنهم يرفدون المجتمع بأبــناء تنشئهم أمهاتهم ومجتمعاتهم تنشئة تتفق مع دين المجتمع  وتقاليده  دون  أن  يهتم  بهم أولئك الآباء  الذين ضاعوا قبلهم.

وكثيراً ما تنشأ في نفوسهم الكراهية الشديدة لمجتمعاتهم الأصلية المتخلفة في ميادين العلم والثقافة، فيصبحون سيفا مسلطاً عليها، بدلاً من كونهم خير عون لها.

ج- ج - ولئن كنا نؤيد سياسة الاندماج الإيجابي في المجتمع  التي نعني بها الاستفادة من المعطيات  الحضارية  لتلك  المجتمعات ، وكون المسلم  فيها عامل  بناء  لاعامل هدم ، إلا  أن  سياسة   الدمج  الاجتماعي  التي سبقت  الإشارة  إليها، التي  تعتمدها بعض  الدول، تهدف في حقيقة الأمر  إلى  سلخ  تلك الجاليات  عن هويتها وإن  لم تـُظهر نفسها  بهذا  الشكل. وكثيراً  ماقيل  للبعض عند  استعصائهم على  هذه  السياسة  وعدم  تأقلمهم  معها  :  هدفنا هو أبناؤكم!!!

إن إلزام الرجل والمرأة بالعمل والدراسة في أجواء مختلطة هو واحد من بنود هذه السياسة، وإلزام الأسرة بإلحاق الأطفال الصغار بدور الحضانة، وتغذيتهم بروح المجتمع وعاداته وثقافته بند آخر من بنود هذه الثقافة، بل هو أخطر هذه البنود، حيث يترك هؤلاء الأطفال من الصباح الباكر وحتى عودة الآباء والأمهات من أعمالهم التي ألزموا  بها  بأيدي كادر تعليمي يعرف مهمته تمام المعرفة، وخلال ذلك تتم عملية التشكيل كما يريد هؤلاء.

وإتقاناً لهذا الدور فإن هؤلاء يعاملون الأطفال بمنتهى اللين والرفق وفق أساليب حديثة تجعلهم يعشقون هذه الحضانات، ويألفون تلك المعلمات اللاتي يسلخنهم من القيم الإسلامية، ويرضعنهم عادات وقيم تلك المجتمعات مع الطعام الذي يأكلون، والشراب الذي يشربون.

 ثم يتابع هؤلاء الأطفال مراحل التعليم في مدارس لا تراعي ديناً يُلتزم، ولا خلقاً يُحترم، ولا آداباً إسلامية تـُراعى، فيذوب كثير من هذا الجيل، وذوبانه أسرع وأخطر من الجيل الذي سبقه.

لقد  فعلت  سياسة الدمج  فعلها في الجاليات الإسلامية، بحيث  أذابت البعض، وزعزعت البعض الآخر، ولم يسلم لنا من الأجيال الصاعدة إلا من ترعاه عناية الله، ثم الأسر المسلمة الملتزمة، والمراكز الإسلامية الفاعلة.

3- الفرقة والاختلاف :

لقد نقلت الجاليات الإسلامية من بلادها خلافاتها المذهبية، وصراعاتها الحزبية، وجعلت أجواءُ الحرية المتوفرة في بلاد المهجر الفرصةَ سانحة لإعلان المواقف، وتوزيع الكتب والنشرات، مما وسع الهوة وزاد في حدة الخلاف.

والحركات الإسلامية التي يُفترض أن تكون أمل الأمة، وواسطة العقد التي تلتقي حولها جماعاتـُها متفرقةٌ فيما بينها، ليس لها اتحاد يضمها، ولا قيادة واحدة تجمعها.

والقليل من الجمعيات والمراكز في بعض الدول نجحت في إنشاء مجلس ينسق بين مواقفها، ولكنها في الغالب من طيف واحد، ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا القليل النادر نتيجة لظروف سياسية فرضت ذلك عليها.

وفي ظل عجز هؤلاء عن إيجاد مجلس يمثلهم، لجأت حكومتا بلجيكا وفرنسا إلى تدخل رسمي نشأ بموجبه مجلس إسلامي يمثل المسلمين في هاتين الدولتين، تعترف به الدولة، وتحاوره فيما ترى من أمور.

وأعتقد أن الدول الأوربية الأخرى ستحذو حذو  فرنسا وبلجيكا إذا لم تسارع هذه المؤسسات الإسلامية  إلى  لمِّ  شملها، والتـنسيق فيما بينها، وتشكيل مجلس عمل واحد يمثلها.

إن غياب هذا المجلس الذي يمثل المسلمين، ويتبنى قضاياهم  يؤدي إلى ضياع هيبتهم، وإهدار حقوقهم، وإيقاد  نار  الشحناء  فيما  بينهم.

 4- بروز جماعات الغلو والتطرف :

إن الإسلام دين الفطرة، "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله. ذلك الدين القيّم"، كما أنه دين الوسطية "وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً".

ومن قواعد هذا الدين اليسر ورفع الحرج "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا". أخرجه البخاري.

 

وكما  جاء  الإسلام  باليسر، فقد جاء أيضاً برفع   الحرج  الذي   يؤدي  إلى  المشقة  الزائدة  في  البدن  أو  النفس. قال الله تعالى : "وما جعل  عليكم  في الدين  من حرج". وقال رسول الله  صلى  الله  عليه وسلم : "إن  الله  لم  يبعثني  معنتاً  ولا  متعنتاً،  ولكن بعثني معلماً ميسراً" أخرجه مسلم.

ومن أعظم توجيهاته نبذ التنطع  والغلو  في  الدين. وقد  عرَّف  ابن  تيمية رحمه  الله  تعالى  الغلو  بقوله : هو مجاوزة   الحد ،  بأن   يزاد   في   الشيء   في  حمده  أو  ذمه، أو صفة  فعله على  ما يستحق، ونحو  ذلك"[1].

لهذا  ذم  الله   تعالى   الغلو   في   الدين ،  فقال  سبحانه  : "يا أهل  الكتاب لا تغلوا في دينكم"،  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هلك المتنطعون". أخرجه  مسلم  وغيره.

وقد  كان  الغلو  في الدين  سبباً في  هلاك  أمم  كانت  قبلنا،  فعن  ابن  عباس رضي  الله  عنهما  قال : قال رسول الله  صلى  الله  عليه  وسلم  غداة  جمع : "هلم  القط  لي  الحصى"  فلقطت   له  حصيات  من  حصى  الخذف، فلما  وضعهن  في  يده   قال : " نعم   بأمثال  هؤلاء، وإياكم  والغلو  في  الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم". أخرجه ابن ماجة.

والعنف  أشد  صور  الغلو  في   الدين  لأنه  محاولة   لفرض  القناعات   عن طريق  القوة  التي  يصل  الحال  في  بعض مراحلها إلى إراقة  الدماء، وإزهاق  الأرواح.

ومما يؤسف  له  تبنّي بعض الجماعات  أو  الأفراد  لهذا  الأسلوب المنافي  لسماحة  الإسلام، بسبب غياب  الفقه  الراشد  عن أذهانهم  نتيجة فقر  البيئة  الأوربية  بالعلماء، ولأسباب  أخرى  أفرزها  تعصب  ذميم  من هنا أو هناك.

وقد  نجم عن ذلك  وضع  الإسلام  والمسلمين  في  دائرة  الضوء،  فتضاعفت مشاعر التعصب والكراهية  ضد  المسلمين  عموماً،  وارتفعت  أصوات تنادي  بطردهم  من  أوربا. وفُرضت   قوانين   جديدة  ما كانت  قبل ذلك.

والمشكلة  الأساسية  لهؤلا ء المتطرفين  تأتي  من  عدم فقه  بعضهم  في الدين،   أو  تأويل  بعضهم  الأخر  لنصوصه   تأويلاً   غير   سليم ،  وهذا  ماجعلهم   يقاتلون  في  غير  ميدان ،  ويتعاملون  مع   الآخرين  دون إحسان،  ويعادون  من  المسلمين  من  لا يرى   رؤيتهم،  أو  يقتنع  بوجهة  نظرهم.

5- غياب المرجعية الإسلامية :

إن غياب الفقه القويم ،  والوعي  السليم  أدى  إلى  اختلافات  في الرؤى جعلت التوافق بين جميع الأطياف الإسلامية  أمراً  صعباً.

ونتيجة  لذلك  بات  لكل مؤسسة  إسلامية  فكرها  الذي  تستقل  به عن غيرها، وفي  ظل  هذه  الفرقة  غابت  الوحدة  عن عملها ،  وافتـُقد التـنسيق فيما بينها إلا في أضيق الحدود.

وفي  ظل  هذا  الوضع  أيضاً  فقدت  الجاليات  الإسلامية  المرجعية  الديــنية التي ترجع إليها في فتاواها، وتركن إليها لحل مشاكلها.

ولئن حاولت  بعض الجهات  عمل  شيء تشكر عليه في هذا السبـيل، إلا أن ما يصدر عنها لا يمثل  الرؤية  الشرعية  المعترف بها  لدى تلك الدول، ولا  لدى  عديد من الأطياف  المسلمة  في  تلك  البلاد ، لكن تلك المبادرات  خطوة على الطريق  الصحيح   يمكنها   استيعاب  المخالفين  إذا  أحسنت   العمل ،  وتقيدت   بضوابط   الفتوى   لتـنأى  بنفسها عن الزلل. 

6- غياب الزعامة السياسية :

تقوم الأحزاب السياسية  في  المجتمعات  الغربــية  بالتـنافس السلمي للحصول  على أصوات  الناخبين، وتطبيق  برامجها  السياسية  التي  فازت بموجبها.

ورغم أهمية   هذا  الأمر  إلا  أن  المسلمين  في أوربا  وأمريكا  لم  يحسنوا  التعاطي  مع  هذا  الموضوع الهام، فلا  هم  شكلوا حزباً  سياسياً  يتبنى  مطالبـهم،  ويحصل  لهم  على  حقوقهم   إذا  لم يكن في  ذلك  حرج  عليهم ،  ولا هم   انخرطوا   في   أحزاب   سياسية   تتبنى قضاياهم ، ويصلون  من خلالها إلى  مواقع  القرار  إن   لم  يكن  تشكيل حزب  سياسي  خاص  بهم  ملائماً  لأوضاعهم ،  ولا   هم   سجلوا  نجاحات   في  عقد  تحالفات  سياسية  مع  أحزاب   قوية   مؤثرة  يحققون   من خلالها مطالبهم ،  ويصلون  إلى   كامل   حقوقهم   إذا   كان  الانخراط  في  تلك  الأحزاب السياسية  متعذرا  عليهم.

إن وجود زعامة  سياسية  للمسلمين تجعل الأحزاب  السياسية  تخطب تأييدها للحصول على أكبر عدد من أصوات  الناخبين  يُمَكنُ الحزب الفائز من تشكيل  الحكومة، وتسيير دفة  الحكم.

ولو وجد  للمسلمين حزب  سياسي  إسلامي  بزعامة  حكيمة  يفتح  صدره  لقبول  عضوية   المعتدلين  من  غير  المسلمين  الذين  يتبنون القضايا الإسلامية  ،  ويعقد  مع  الأحزاب  الأخرى  اتفاقيات، ويقيم تحالفات  لتحققت  للمسلمين  في  تلك  البلاد  حقوق  أكثر  بكثير  مما  هم عليه الآن.

صحيح  إن بعض  الأفراد  دخلوا  هذه  اللعبة  السياسية ،  وانخرطوا ببعض الأحزاب الموجودة، إلا  أن  ذلك  كان  ـــــ  في  الغالب  ـــــ  بدوافع  ذاتية ،  ولتحقيق مكاسب  شخصية، وليس لهم وزن  يذكر لدى المسلمين  لذوبانهم  في  المجتمع ،  وعدم  اهتمامهم  بالقضايا  الإسلامية. والقليل جداً من هؤلاء من كان خارجاً عن هذا الوصف.

وإلى  أن  يتم  وجود  الزعامة  السياسية  فإن  المسلمين  في  أوربا وأمريكا يحتاجون إلى توعية  سياسية   بأهمية   الموضوع ، مدعمة بأسانيد  شرعية ،  لقطع  الطريق  على  المتشنجين  الذين  يعتبرون  ذلك ضرباً من الولاء لتلك المجتمعات المخرج من الملة.

7- غياب القوة الاقتصادية :

إن العامل الاقتصادي أمر في غاية الأهمية، تقوم من أجله صراعات، وتنشب في سبيله حروب، ويتم من خلاله الضغط على السياسيين، والتأثير في سياسة الحكم.

وقد  استطاع  اليهود   بهذه  الوسيلة   وغيرها من  الوسائل  التأثير  في السياسات الأمريكية  والأوربية لإمساكهم  بزمام القوة  الاقتصادية.

فأهم  الشركات، وأكبر الأثرياء، وأضخم  المشروعات  نجد  وراءها  رأسماليين  من  اليهود، ومن  هم  على شاكلتهم   في  التفكير  والتأثير.

أما  المسلمون  في  أوربا  وأمريكا  فليس لهم  قوة  اقتصادية  مؤثرة، لهذا  فقدوا  التأثير السياسي  والإعلامي ، فضلاً  عن  الاقتصادي الذي  نحن  بصدده  الآن.

وعلى  الرغم   مما  تقوم   به   الدول   الإسلامية   وأثرياء   المسلمين من  ضخ   المليارات من الدولارات  لإيداعها  في  البنوك الأوربية والأمريكية، واستثمارها في  المشاريع  الاقتصادية، إلا  أنها  لم تـُستخدم في  يوم  من الأيام لمصلحة  قضايانا  العادلة، ولا  لمصلحة المسلمين  في   بلاد   المهجر، بل  ولا  في   بلدانها  الأصلية   التي   هي   في  أمس  الحاجة  إليها.

ولو أننا رشدنا سياستـنا الاقتصادية  بمنهجية  سليمة، لأدت دورها الفعال  في  خدمة  المسلمين  في  تلك  المجتمعات.

8- غياب الوسائل الإعلامية :

لقد بات  الإعلام  في  هذه  الأيام سلاحاً  فاعلاً  في   تشكيل العقول، وتغيير  القناعات، وحشد  الطاقات.

وتمكنت  بعض  الدول  بواسطة  إعلامها القوي من  قلب  الحقائق، وترسيخ  الأباطيل على أنها حق لا ريب  فيه.

فهدم  البيوت   حتى  فوق  أصحابها  صار   مشروعاً  بفعل  الآلة   الإعلامية!! وقتل  النساء  والأطفال  صار   مبرراً  ما دامت  وراءه  طبول إعلامية !! وقهر  إرادة   الشعوب   واحتلال   أراضيها  ونهب  خيراتها صار  مقبولاً  مادامت  وراءه  عقول   إعلامية   محترفة  تعمل  على تشكيل  قناعات  الناس !!!

بل  إن  هناك  انتصارات  عسكرية  تحققت   بفعل  هذه  الآلة الإعلامية  قبل  أن  يفتك  السلاح   بالخصم ،  ويريق   شلالات   من   الدم، ويحيل  الأجساد   إلى  قطع  متناثرة  من  اللحم.

كما  نجح   الصهاينة   في  امتلاك   قوة   إعلامية   مرئية   ومسموعة ومقروءة   تركت  تأثيرها  الكبير  في  الرأي   العام  الأوربي  والأمريكي، حتى  باتت   نتيجة   الانتخابات    محسومة   غالباً   قبل  بدايتها  لمن  يؤيده  الإعلام  الصهيوني، ويقف  بجانبه.

أما  المسلمون   رغم   ملياراتهم    فهم   كالأيتام  ،   حيث    إنهم   لا يملكون  شيئاً  مذكوراً  من وسائل  الإعلام، فليس  لديهم  وسائل  مرئية  ولا مسـموعة  ولا  مقروءة   تصدر   بلغة   القوم ، وتســاعد  على  معرفة  الحقائق، والتأثير  في  الرأي  العام.

حتى  إن  المجلات  التي  تصدر  هناك  باللغة   العربية  تستدعي  الشفقة، فهي شهرية لا تواكب الأحداث، بل  ولا تعتني  بالسياسة  العالمية  إلا  بعبارات نادرة لا تسمن ولا تغني من جوع، زد على ذلك  تقوقعها  في حدود  ضيقة  جداً  داخل  الجالية العربية، ومعاناتها من مشكلات مادية تجعلها تئن تحت وطأتها وتستصرخ...

وتتفاقم  المشكلة  إذا  علمنا أن  الإعلام الغربي  ينال  من الإسلام،  ويظلم  المسلمين  ويشهر  برموزهم ،  ويتعرض بالسوء لهم  ويبخسهم حقوقهم،  ويكتم  إيجابياتهم ويضخم سلبيات أفرادهم، ولا ينشر آراءهم الإيجابية  ومقالاتهم , ويتم ذلك  كله  في  الوقت  الذي  لا نجد فيه وسيلة إعلامية حتى لو كانت متواضعة  تدافع  عنهم، وترد  على مايكتب ضدهم.

ولا أدل على ذلك مما نشرته صحيفة " يولاند بوسطن " الدانماركية من رسوم كاريكاتيرية مسيئة لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  فأساءت بذلك إلى الإسلام والمسلمين، ومع فداحة  الخطب  فلم نجد وسيلة إعلامية للمسلمين  في  الدنمارك  ولا  في أوربا  كلها تخاطب الشعوب  الأوربيـة  بلغاتها لترد على تلك الإساءات، وتفند تلك المفتريات.

لهذا أنادي أهل الغيرة الإسلامية، والحمية الدينية  أن يغرسوا في البلاد الأوربية وسيلة إعلامية يومية، و قناة تلفزيونية فضائية، تخاطب تلك المجتمعات بلغاتها، وتشرح لهم سماحة ديننا، وعدالة قضايانا، وترد  على  سيل المفتريات التي  توجه نحونا.

9- تفاقم المشكلات الاجتماعية  :

إن  الحياة  التي  يعيشها المسلمون في أوربا في ظل القوانين التي صاغها  الأوربيون  بما يتـناسب  مع  ثقافتهم  وعاداتهم  وتقاليدهم   تصطدم  في  بعض تفاصيلها مع  عقيدة  المسلمين وعاداتهم  وتقاليدهم، وكثيراً  مايلجأ  أحد  الزوجين  إلى  هذه  القوانين  إذا  ماشعر  أنه  المستـفيد  منها، حتى  ولو  كانت   مخالفة  لديــنه  ومبادئه ،  وهذا  مايؤدي   إلى   إشــــكالات   كثـــيرة لاســـــيما  في   مجـــــــال   الأسرة.

وقد  تفاقمت  هذه  المشكلة  حتى  غدت  ظاهرة  مقلقة ،  لاسيما  بعد  تفكك  نسبة  لايستهان  بها  من  الأســـر  المســـلمة ،  نتيجة  خلافات  حادة  دفعت  بعض  النســـــــاء  إلى  بــيوت  المطلقات ،  وقد  ينتهي  الأمر  في  كثير  من  الحالات  إلى  الفراق ،  واللجوء  إلى  الطلاق  المدني  الذي  تغيب  فيه  الضوابط  الشرعية .  وفي  خضم  ذلك  يفسد  كثير  من  الأولاد ،  وتضــيـــع   نسبة   كبيرة   من   البنات .

10-  بروز  المشكلة  الثقافية  :

تعاني  الأجيال  المســـــــلمة  في  أوربا  من  المشـــــــكلة  الثقافية،  لأنها  تتلقى  تعليمها  في  مخـتلف  المراحل  في  أجواء  بعيدة  عن  الالتزام  الإسلامي  حيث  تـُدرس  الثــقافة  الجنســـية  التي  تثــير  الغــرائــز ،  وتبعث  الكــوامن ، ويمارِس  الطلبة  والطالبات  الســــباحة  والرياضة  المختلطة  وهم  في  ســن  المراهقة ،  وأوائل  سـن  البلوغ، مما يؤدي  بهم  إلى  علاقات   غير  مشروعة ،  ونتائج  غير  محمودة ..

ومما يزيد  المشكلة  تعقيداً  غياب التوجيه  الديني ،  والإرشاد  الخلقي  في مختلف تلك المراحل،  وإذا  ما أضيف  إلى  ذلك  غياب  الرعاية  الأسرية ،  انقلب   هؤلاء  إلى كتـلة  متـفجرة  من  الشـــــر ،  تمارس  الفســــــاد ،  وينتحل  بعضُـــها  الإجرام .

إن  نشأة  الأجيال  المتلاحقة  في  بيئة  غير  إسلامية ،  وتلقيها  العلم  باللغات  المحلية  في  مدارس  لاتراعي  المبادئ  والقيم  الإســـلامية  ــــ  إضافة  إلى   الاعتبارات    الســـــابقة    ـــــ يرســـــخ    في    نفوســـــــهم    الانتماءَ     لبلد  النشـــــأة ،  والارتباطَ   الوثيق    به ،  وهذا   مايؤدي   إلى   ضعف    الانتماء   إلى    البلد   الأم .

ويحاول   المهتمون  بأمور  المسلمين  في الغرب  سد  هذه  الثغرة  عن  طريق  افتـتـاح  مدارس  رســـمية  تتــلافى  ثغرات  المدارس  الحكــومية،  لكــنها  لاتســـد  الحاجة   لقلة  عددها ،  وضعف  كفاءاتها ،  ولأنها  ـــــ  في  الغالب  ــــــ  لاتتعدى   المرحلة   الإعدادية ، أو  بدايات المرحلة   الثانوية   في   أحسن   الأحوال.

كما تقوم  بعض  المراكز  الإســـــــــلامية  بتعليم  الأطـفال  في  نهـــــــــاية  الأسبوع  مايفتــقدونه   في  المدارس  الرســمية  من  اللغة  العربـــية  والتربــية  الإسلامية .  وهي  جهود  متواضعة  تبذل  لوقف  سيل  جارف  يهدف  إلى    القضاء على هوية  أجيالنا ،  وجعلِ  انتمائهم  لأمتهم  أو اهتمامهم   بها  ضعيفاً   على   أقل   تقدير .

هذه نفثات مصدور كتبت بعجلة المستوفز، ولا أزعم أنها قد حصرت أفكار هذا الموضوع واستقصت عقباته، ولكنها سلطت الأضواء على أبرز عناصره الخطيرة التي تحتاج منا إلى دراسة متأنية، وتخطيط مكافئ، حتى نحافظ على وجودنا الإسلامي، وهويتــنا الإسلامية، لاسيما وأننا  في   زمن  الاستضعاف.

ولا يسعني في  نهاية  المطاف إلا  أن أتوجه  بالشكر  الجزيل للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في الجمهورية الإسلامية في إيران على  استضافته  الكريمة  لهذا المؤتمر، و على  اختياره الموفق  لهذا  العنوان  الهام  :

المسلمون في الأقطار غير الإسلامية : حقوقهم، واجباتهم، مشاكلهم وحلولها

وصلى  الله  على  سيدنا محمد، وعلى آله  وصحبه  وسلم

                والحمد لله رب العالمين

 

[1]- اقتضاء الصراط المستقيم 1/289.