المقاومة مظهر وحدة الأمّة

المقاومة مظهر وحدة الأمّة

                                                                                                                                                                      

المقاومة مظهر وحدة الأمّة

 

الحاجة فاطمة حرب

 

·          الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية ودورها في دعم المقاومة بقيادة الإمام الخميني (قدس سرّه) والإمام الخامنئي (حفظه الله).

    

وأشرقت الشمس بنور ربّها، هو تجلٍ من الله عزّ وجل، فيض من صاحب الأمر إلى روح الله محقق حلم الأنبياء لتشرق شمس العدالة وإحقاق الحق من الشرق الفارسي..وبقيادة محقق حلم الأنبياء الإمام روح الله الموسوي الخميني..

لقد استطاع الإمام الخميني بإيمانه الراسخ بالله عزّ وجل واتّباعه لمنهج الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته الكرام أن يقف بوجه الطّاغية الشّاه الدّيكتاتوري وأسياده المستعمرين في صورة علنية وصريحة ومباشرة. وإذا ما أردنا كبداية توضيحية لما قام به الامام،  فإننا نلخص أسباب نهضته ودوافعها فنجدها في الأمور التالية:

1.       محاولة منع انحراف الأمة الإسلامية.

2.       حشد طاقات جماهير إيران المسلمة ضد الصّهيونية.

3.       فضح المشروع الأميركي.

4.       الدّفاع عن مبادئ الشّريعة الإسلامية.

5.       إقامة الحكومة الإسلامية. وهي النّقطة الأبرز والأهم وذلك من خلال ترسيخ أصل ولاية الفقيه في البنية العقائدية الإسلامية والتي كانت منذ زمن الرّسول الأكرم وفقدت في ظل السلطات الحاكمة الظالمة، فجاء الإمام وأعادها،حيث أنّ الأمّة تحتاج إلى أمرين في غياب الإمام المعصوم:

أ‌.          معرفة التكليف المطلوب منها.

ب‌.     تضييق الشريعة في الحياة الخاصّة والعامة وقد جعل الإمام الخميني (قدس سرّه) صلاحيات الولي الفقيه عين صلاحية الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وفي هذه يقول (قدس سرّه): "فتوهم  أن صلاحيات النبي (صلّى الله عليه وآله) في الحكم كانت أكثر من صلاحيات أمير المؤمنين (عليه السلام) وصلاحيات أمير المؤمنين (عليه السلام) أكثر من صلاحيات الفقيه وهو توهم خاطئ وباطل. نعم إن فضائل الرسول بالطبع هي أكثر من فضائل جميع البشر لكن كثرة الفضائل المعنوية لا تزيد في صلاحيات الحكم[1].

لقد بزغت حركة الإمام بداية في الجمهورية الإسلامية بدءاً من تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر امتدادًا إلى مقارعة الظلم والظالمين ومساعدة المظلومين والكادحين، والكفاح ضد النّظام الملكي اللاإسلامي والسعي لإقامة دولة إسلامية حقة. بهذا الشكل وهذه السّعة إلا مع الإمام الخميني (قدس سره) وذلك لسببين:

الأوّل: الاهتمام العالي بها من قبله وبثّها في نفوس الناس عبر المحاضرات التي ألقاها أثناء نفيه إلى النجف الأشرف والتي بيّن رؤيته فيها.

الثاني: التطبيق العملي باسقاطه للشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران ووضع دستور مبني على الولاية كقاعدة أساسيّة في الحكم الولاية المستمدة من الإسلام المحمدي الأصيل.

وهنا نرى إنّ تصدي الإمام لكل هذا لم يسبقه مثيل منذ عهد الأئمة عليهم السلام، كل ذلك جعل من مسلمي العالم يرتبطون به ارتباطا معنويًّا، روحيًّا وعقائديًّا فهو كان مثالاً وعنواناً لمن يحمل الإسلام ويعمل للإسلام.

وبما أنّ الإمام أدار الأمّة الإسلامية في إيران كمرشد وقائد وموجّه ومشرف على النّظام الإسلامي، وأضحى يحدد التّكليف السّياسي لعامة المسلمين في البلدان المختلفة في معاداة الإستكبار، وحرص  على استقلال الموارد الذاتية لبلدان المسلمين عن سلطة وديكتاتورية المستكبرين، وعمل من أجل الوحدة وخاصّة في القضايا المصيرية والمشتركة ومواجهة العدو الصّهيوني المزروع ظلماً واستكباراً في فلسطين من قبل بريطانيا فرنسا وأميركا. ورفض أشكال الظّلم ورعاية المستضعفين وتعزيز الوحدة الإجتماعية بين الناس.

وكلّ ذلك رأيناه عمليًّا في التجارب التي مرت في لبنان وفلسطين وكل دولة إسلامية تتعرض للظلم والاحتلال من قبل الاستكبار العالمي، وإنّ ما جاء بيانه خير دليل على ذلك:

"أني أعلن بكل صراحة لرؤساء الدّول الإسلاميّة والعربيّة والعالم أجمع، أنّ علماء الإسلام وشعب إيران المؤمن والجيش الإيراني الأبي يرتبطون بوشائج الأخوة الحقة مع الشعوب العربية والدول الإسلامية المتحررة، يشاركونهم همومهم في السّراء والضّراء ويعلنون استنكارهم وشجبهم لتحالف السلطة الملكية مع إسرائيل عدوة الإسلام وإيران. لقد أعلنتها بصراحة، وليخطط عملاء إسرائيل لإغتيالي"[2].

ثم خلفه في كل ما تقدّم آية الله الإمام الخامنئي (حفظه الله) في الموقع والصّلاحيات نفسها وإكمال الخط والمسيرة.

عندما كان العام 1982 احتل الصهاينة الأراضي مدعياً أن ذلك سيؤدي إلى ضرب البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية المسلحة كما سيؤدي إلى إبعاد المقاومين الفلسطينيين عن لبنان إلى تعطيل قدرتهم المستقبلية على المقاومة مما يساعد الكيان الغاصب على ضمان حدوده واستمراريته وأمانه واطمئنانه.

وعطفاً على ذلك بدء ثلّة من الشباب المؤمن المقاوم بالتصدّي للإجتياح الإسرائيلي انطلاقا من أمر الولي الفقيه وإصداره للفتوى بأن اسرائيل غدّة سرطانيّة ويجب قتالها وهنا باشر المجاهدون في المقاومة الإسلامية عملياتهم ضد اسرائيل بما تيسر لهم من مقومات بسيطة جدا بشرية أو مادية كخطوة على استكمال مشروع الإمام (قدس سره) بإقامة مشروع مقاوم متكامل يرفض الذّل والهوان ويحمي العرض والأرض ولا يقبل استغلال العدو لضعف الواقع الفلسطيني والعربي كي يحقق أهدافه.

لم يكتف الإمام بإصدار الفتوى بل كلّف الإخوة في الحرس الثوري بالتّوجه إلى لبنان وإقامة معسكرات التدريب، ولم يكن التدريب عسكريًّا بل حضرت التعبئة الثّقافية الروحية، الأخلاقية والجهادية والتي تميز بها شباب الحرس الثوري.

وفي ذلك يقول السيد عباس الموسوي في مقابلة له أجرتها معه جريدة العهد في 16/10/1987: "أستطيع القول أن الشباب المسلم أثناء الاجتياح الإسرائيلي، لو لم تطل عليهم رايات الحرس الثوري لكانوا وصلوا إلى حد اليأس القاتل.

لقد انتشر آنذاك الرعب الكبير نتيجة استعمال أمريكا والمتعددة الجنسيات وإسرائيل كامل شراستها وقوتها وتدخلها المباشر. ولو لم تحصل هذه الإطلالة لقتلت معنويات الناس.

من هذا المنطلق، أعتقد أنّ المتنفس الوحيد للمسلمين في تلك الفترة، كان وجود الحرس. ومنذ تلك الفترة أخذ الناس يعبؤون بشكل صحيح ضد العدو الإسرائيلي وضد الاستكبار العالمي، ويتعرفون على مبادئ الثورة الإسلاميّة.

وأنا أقول بصراحة من موقعي كإنسان تخرّج من أهم صرح من صروح الحوزات العلمية في النجف أقول مع كل ذلك وعندما دخلت إلى صفوف الحرس وجلست بين يدي الأخوة في الدورة الأولى التي أقاموها في البقاع، شعرت أنني حقيقة دخلت في الإسلام الحقيقي، ها شعوري أنا في موقعي المتقدم على المستوى المدرسي، فكيف بالشاب الآخرين الذين التحقوا بصفوف الحرس؟

يشعر الإنسان وهو يتلقى الدروس على أيدي الأخوة الحرس أنه أمام رجال، لا نستطيع أن نقول عنهم إلا كما قالت الروايات {فرسان النهار رهبان الليل}.

مثلا في ذهني بعض المشاهد التي يستحيل أن أنساها: نستيقظ في الليل على بكاء الأخوة الحرس في {صلاة الليل} أليست هذه أعظم مدرسة يمكن أن يتخرج منها."

وأنا من موقعي كزوجة الشهيد القائد السيد ذولفقار الذي كان طوع بنان الإمام الخميني والسيد القائد أشهد أنّه لم يكن ليتوانى لحظة واحدة عن أمر أو تكليف يتلقاه من الولي، واضغاً الشهادة دائماً نصب عينيه، وأننا نشهد على أن الحرس الثوري كان بالنسبة لنا مدرسة في فنون المواجهة والجهاد وإنّ كل المتغيرات التي حصلت على مستوى لبنان والمنطقة إنما كانت بفضل شباب الحرس الثوري والدعم المادي والمعنوي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية على امتداد الزمن منذ 1982 وحتى يومنا الحاضر حتى بتنا جزء من الجمهورية وما يصيبها يصيبنا والعكس أيضاً. لقد كان السيد يتنقل في كل مكان يتطلب أن يكون فيه في مواجهة الأعداء. فمن لبنان وجراحه في خلدة أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، إلى الوقوف جنباً إلى جنب في قضايا الجمهورية الاسلامية مما عرضه للاعتقال في الكويت، ومن الكويت إلى لبنان لمواصلة مجابهة ومحاربة العدو الصهيوني ومن ثم مواجهة الأمريكان في العراق وأذنابهم في اليمن لينتقل إلى سوريا حيث واجه المشروع الاميركي والصهيوني والوهابي المتمثل بداعش وغيرها من المنظمات الإرهابية ومن سوريا إلى جوار الله حاملا كتابه بيمينه ملبياً نداء الامام الحسين A  "لبيك يا حسين"، راحلاً وعنوان شهادته حفظ الاسلام والوحدة بين المسلمين لكن أي إسلام، هو الإسلام المحمدي الأصيل.

·          قضيّة فلسطين والثّورة الإسلامية، أربعون سنة دعم متواصل...

فلسطين أرض عربية إسلامية محتلة، ويجب على المسلمين العمل لتحريرها، هذه القضيّة الرّئيسية التي سعت الجمهورية الإسلامية لأن تكون الدّاعم الأول والمستمر لها هذا أن القوة العسكرية الإسرائيلية والدعم السياسي الدولي بزعامة أمريكا قوة الضغط لفرض التنازلات وتشريع الأمر الواقع الذي أحدثه الاحتلال. لذا أصدر سماحة الإمام الخميني فتواه الفريدة فعلاة على إعلان مساندته وتأييده للكفاح المسلح الذي يخوضه الشعب الفلسطيني البطل أصدر فيها جواز صرف الزكوات والتبرعات والصدقات لدعم الفدائيين وتقوية الحركة الفدائيّة، وكادت فلسطين وقضيتها أن تترك لمواجهة مصيرها بنفسها بعد أن تخلى عنها الجميع في أواخر سبعينات القرن الماضي لولا الشرارة الأولى التي أطلقها الإمام الخميني الراحل فأولى الخطوات التي قام بها هي إعادة القضيّة الفلسطينيّة إلى مكانها الحقيقي وإعادة ضبط بوصلة الأمة وتوجيهها إلى فلسطين، هذا وقد اعتبر السيد الإمام الخامنئي (حفظه الله) أنّ تحرير القدس كما هو مسؤوليّة أهلها هو مسؤوليّة كل المسلمين بما فيهم الجمهورية الإسلامية وأشار في العلاقة التاريخيّة التي تربط الثورة الإسلاميّة في إيران منذ البدء بقضية القدس وعن ذلك قال الإمام السيد الخامنئي في إحدى خطبه: "إنّ مسألة القدس هي مسألتنا القديمة وقد قلنا مراراً إنها مسألتنا الإستراتيجيّة فنحن لا نتكلم عن القدس في وقت ما من أجل مصلحتنا، فالقدس بالنسبة لنا مثل مدينة طهران ومشهد، إنّها بيتنا...مدينة القدس لأهل القدس وهي مدينة إسلامية، وكما أننا نعتبر مدن أصفهان وشيراز وطهران ومشهد مدنًا اسلامية، عندما كانت بأيدي العدو كنا نحاول إخراجها من سيطرته، كذلك بالنسبة لمدن فلسطين القدس وكل المدن الموجودة نشعر بأنها مدن إسلامية تقع تحت سيطرة أعداء الإسلام ويجب أن تخرج من أيديهم وتعطى لأهلها[3].

وهكذا وجدنا الجمهورية الإسلامية تدعم الإنتفاضة من أجل تحرير القدس اعتباراً من أنها مسؤولية اسلامية، كما أثبتت للجميع أنّ مجرد الإلتزام الفكري بقضية القدس ليس كافيًا بدلًا من تجسيد ذلك مهما كان الثمن الذي سوف تدفعه غاليًا.

·          مسؤولية العلماء والنّخب والفئات الاجتماعيّة، كالشاب والمرأة والمراكز الإسلامية تجاه المقاومة..

إنّ المعركة اليوم مع العدو الصهيوني سواء في سوريا أو لبنان أو فلسطين تحتاج إلى الاحتضان الشعبي والعلمائي والمجتمعي، فالطرف المقابل والذي يشكل كامل العداء للإسلام المحمدي الأصيل يحظى بكل أشكال الدعم المادي، الاقتصادي، التكنولوجي، الإعلامي. إذاً فالأعداء لا يقصدون مع من يمثلهم في هذه المعركة ولابد من تكافل العلماء والنخب والمجتمع المقاوم والشباب والنساء كلهم مع المقاومة الإسلامية في كل البلدان المحتلة لمواجهة هذا العدو وهذا يتطلب وقفة وتضامناً من قبل هذه النخب كل من دوره وتخصصه فالعلماء يجب أن ينشؤوا المراكز العلمية والفقهية والثقافية ويشخصون الأعداء ويعبؤون الناس ويسعون لنشر الوعي في المجتمعات. أما المجتمع فيجب أن يحتضن المقاومين ويقدم لهم الدعم المعنوي والمادي، أو النساء منهم صانعات الرجال فالمرأة تصنع المقاوم وتربيه وتبث الإندفاع والعزم في نفس الرجل ولها أسوة في السيدة زينب (عليها السلام) كدور إعلامي وثقافي وتربوي وما إلى هنالك.

·          نشر تعليمات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عامل أساسي في إيجاد الوحدة..

إنّ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أسسا للأمة الإسلامية مبادئ الإنسانية وفق العقل السليم والكمال الإنساني والبناء العقائدي والإنسان مفطور على الاجتماع والاجتماع السليم لا يكون إلا بالأخوة الإيمانيّة وهذا ما تحققه الوحدة الإسلامية وكما جاء في القرآن الكريم ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[،] إنّ هذه أمتكم أمّةً واحدةً وأنا ربكم فاتقون[، ]وألف بين قلوبهم لو أنفقت بين الأرض جميعاً ما ألفت قلوبهم[، "إنّما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم".

لقد جاء كلام الله دعوة للوحدة الإسلامية، فالحكمة الإلهية تؤكد على انّ الوحدة الإسلامية تساهم في مواجهة التحديات الكبرى التي تستهدف عقيدة الأمّة الإسلاميّة وشخصيتها وثقافتها ومقومات وجودها ودورها الحضاري المنشود، وتتعرض لمؤامرات لتمزيقها جغرافيًّا ومذهبيًّا وتاريخيًّا.

الخاتمة:

إنّ العام 1979 كان العام الذي استعيد فيه العمل على استكمال مشروع الرسول (صلّى الله عليه وآله) في تحقيق المشروع الإلهي على الأرض مشروع خلافة الله على الأرض. في ظلّ الأجواء التي أحاط بها مناخ عربي متراخٍ ومستسلم كان يمكن لإسرائيل أن تحقق فيه ما تريد مع استعداد بعض الفلسطينيين والأنظمة العربية لإنجاز تسوية بتوقيع فلسطيني وحماية عربية من أجل إقفال الملف الفلسطيني وفق الشروط الإسرائيليّة، وبحمد الله استطاع الإمام الخميني والإمام السيد علي الخامنئي بكسر إرادة اسرائيل وأميركا وقوى الاستكبار العالمي...

[1]  - الحكومة الإسلامية ص 86

[2]  - من بيان الإمام في ذي الحجة سنة 1382 ه.

[3]  - آراء القائد الإمام الخامنئي ص 178-179