المنهج التكفيري يتجاوز خطره وحدة الأمة إلى ملامسة وجودها

المنهج التكفيري يتجاوز خطره وحدة الأمة إلى ملامسة وجودها


المنهج التكفيري يتجاوز خطره وحدة الأمة إلى ملامسة وجودها

 

 

الشيخ حسن بغدادي

عضو المجلس المركزي في حزب الله

ورئيس جمعية الإمام الصادق(ع) لإحياء التراث العلمائي

 

مقدمة:

المنهج التكفيري من العناوين الأساسية التي تشغل بال الأمة وبالأخص الواعين والمخلصين، بما يُمثّل هذا المنهج من خطرٍ يتجاوز القلق على وحدة الأمة إلى القلق الجدّي على وجودها .

وقيمة مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران، تكمُن بشخص أمينه العام، عندما يكون جامعاً للشرائط من العلم والمعرفة والثقافة والإطلاع على مذاهب المسلمين، والأهم أن يكون مؤمناً معتقداً بهذه المهمّة الإلهية، والتي تُعتبر اليوم من أهم الواجبات التي لو أغفلنا النظر عنها، أوعملنا بعكس ذلك لا سمح الله، فإنّ العقاب الذي ينتظرنا لا يقل ألماً عن عقاب أولئك المجرمين الذين عملوا على النيل من هذا الإسلام العزيز، فالأمل معقود على العلماء والمفكرين المخلصين من هذه الأمة، ونشد على يد سماحة آية الله الشيخ محسن الأراكي الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران، كي يُكمل هذا النهج في تحمّل الأعباء الكبيرة في هذه المرحلة الصعبة و المعقدة. 

المنهج التكفيري لا ينتمي إلى أساس ديني

مشكلتنا مع هذه الفئة من الناس أنها لم تولد من رحم المذاهب الإسلامية، كما هو الحال في المذاهب الإسلامية، ولو انتمى هذا المنهج إلى أحد المذاهب لهان الأمر، ولحاورناه وناقشناه، ولتوصلنا معه إلى قواسم مشتركة، كما تعايشت هذه المذاهب مع بعضها، ونظمت الإختلاف فيما بينها، والإختلاف في التفاصيل موجود في داخل المذهب الواحد، ولا أحد يدّعي أن هذه المذاهب الإسلامية الخمسة أو الثمانية متحدة في كلّ شيء، فقد نظمت الخلاف فيما بينها، بما لا ينعكس على الأصل وعلى الثوابت الأساسية.

وبالعودة إلى إطار المنهج التكفيري، فيمكن مقاربته من زاويتين:

الأولى: إطاره التنظيمي و الفكري، فهذه الذهنية والعقلية كانت تَتَنقّل من إطار إلى آخر بحسب الظروف و المرحلة، وأجلى صورها في التاريخ الماضي، تجلى في ظاهرة (الخوارج) الذين خرجوا على المسلّمات ورفعوا شعاراً فارغاً (لا حكم إلا لله)، فقال لهم الإمام علي(ع):" كلمة حق يُراد بها باطل"، وأدى هذا النهج إلى قتل الإمام المفروض الطاعة، مما أوجد في الأمة حالة تمزقٍ وفراغ، كان من نتائجها المأساة التي وقعت على آل رسول الله(ص) يوم العاشر من محرّم لعام 61 للهجرة، فقُتِل ذراري رسول الله (ص) وسبيت بناته، في سابقة خطيرة، لازلنا نعاني من تداعياتها إلى يومنا هذا.

وتمكّن أعداء الإسلام من مواكبة هذا النهج، وتطويره ضمن إطار مذهب جديد، فكانت الحركة الوهابية التي انطلقت على يد محمد بن عبد الوهاب سنة 1160هـ، بمواكبة بريطانيّة ورعاية أجنبية، كان الهدف من هذه الحركة تكفير المسلمين من دون تمييزٍ بين مذهب وآخر، لأجل تفتيت وحدتهم والنيل من عزيمتهم، وفرض نمطٍ باسم الإسلام عليهم، بما ينسجم مع مصالح الغرب وتحويل الأمة إلى عبيدٍ مستأجرين وخدمٍ عندهم، وبدل من أن يكون هذا الإسلام العزيز، قد جاء لسعادة البشر، يتحول إلى وسيلة استعباد وقهر، وهو بهذا يكون على خلاف ما جاء به من تحرير العبيد والعدالة و الحرية، وهو (ع) القائل: "كيف تكون عبد غيرك وقد ولدتك أمك حراً".

من هنا نجد كيف صنعت هذه الحركة الوهابية التكفيرية في بلاد المسلمين من الحجاز والعراق وغيرها من سفك دماء المسلمين وهتك أعراضهم وسلب أموالهم، على مختلف مشاربهم المذهبية، والوقت لا يتسع كي ندخل في تفاصيل ما قامت به هذه الحركة المشؤومة وما خلّفته من تداعيات على مصالح المسلمين، وكيف شكّلوا الغطاء الديني لكل الفساد الذي قام به آل سعود، سواء ما هو متعلّق بسلوكهم داخل المملكة، أو ما هو مرتبط بمصالح المسلمين في المنطقة، ويمكن لأي أحد مُتتبع أن يعرف ما هي الجرائم التي ارتكبت بحق الإسلام والمسلمين من خلال رعاية هذه الحركة المنافقة.

الثانية: مقاربة هذا المنهج التكفيري من خلال انتماء الجماعات المسلحة اليوم، والتي اختلفت أسماؤها، ولكنها جميعاً اليوم تنطوي تحت لواءٍ واحد وهو (القاعدة)، وهذا لا يحتاج إلى دليل بعد الذي فعلوه في العراق وسوريا وليبيا واليمن و....، فالموصل و الرقة ودير الزور وغيرها من بقية المناطق التي أعلنوا سيطرتهم عليها وأنّها باتت تخضع لحركتهم الدينية، فلنسأل أهل تلك البلاد ما الذي فعلوه بهم من الإعتداء على كرامتهم وعلى أعراضهم وعلى أموالهم، وفتاوى وعاظ السلاطين جاهزة لتغطية وشرعنة جرائمهم التي يندى لها الجبين ولا يمكن أن يقبل بها دين أو مذهب أو عقل، ولعل أبشع فتوى في تاريخ البشرية هي تشريع الزنا و الدعارة، من خلال (جهاد النكاح) مضافاً لمنع حريتهم وتحويلهم إلى عبيد في دولتهم، ووصل بهم الأمر أن يطلبوا من الإبن أن ينحر أبويه أمام الناس وهو يفتخر بذلك.

يبقى سؤال هام قد يطرحه أحد علينا، مفاده: أنتم تقولون هؤلاء لا مذهب ولا دين لهم، ولا عقل ولا منطق يحكمهم، إذاً لماذا تخاطبونهم و تدعونهم إلى الحوار؟

أقول: هذا صحيح، فهم لا دين لهم ولا عقل لهم ولا أسس فكرية يمكن البناء عليها، وإنّما نحن -أولاً- أمرنا بإلقاء الحجة على كل الناس حيث قال تعالى ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ﴾.

مضافاً، نحن نخاطب من خلالهم كل المسلمين على مختلف مذاهبهم، كي نلتفت إلى خطر هذا الفكر الوهابي التكفيري. إذاً، المطلوب من هذا الكلام ليس الحوار مع هؤلاء، ليس لأننا لا نريد أن نحاورهم، بل لأن لا قابلية لهم للحوار والنقاش، وإنما هي دعوة إلى الجميع للتنبه من هذا الخطر التكفيري، وأن يكون منبوذاً عندنا جميعاً ولا يتوهمنّ أحدٌ من المسلمين أنّ هؤلاء مع أحدٍ ضدّ آخر، وإذا ما انطوت ألاعيبهم على المسلمين ضمن شعارات كاذبة ومنافقة في فترةٍ زمنية محدودة، فإنّ ما حدث في السنوات الأخيرة في بلاد المسلمين يُظهر كذبهم ويثبت أحقية ما نقوله عنهم، فالمذاهب الإسلامية جميعاً هي هدفهم وبدون تمييز.

إذاً، هذا الكلام موجه إلى المذاهب الإسلامية للتنبه من هذا الخطر، ولدعوتهم مجدداً للحوار مع بعضهم والتواصل ونبذ التفرقة وقطع الطريق على هذه العقول المتوحشة التي يديرها الإستعمار، للنيل من وحدة المسلمين ومن كرامتهم، والوصول إلى ثرواتهم وتحويلهم إلى أيدي عاملة رخيصة يكون فيها العبيد أفضل حال منهم.

وكيف تفسّر ظاهرة آلاف الشباب في أوروبا الذين كانوا علمانيين وفاسدين، وفجأة بين عشيّة وضحاها، تحولوا إلى عُباد وعُشاق (للشهادة)، من خلال إدارة أمنية لعبت على مشاعرهم، وجذبتهم بالمال والنساء و السلطة.

والحل، هو أن نكمل مسيرة التوعية وإظهار الحقائق، ولعل إحدى مهام مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، أن يعمل على استقصاءٍ لأفكارهم ولجرائمهم، وتوزيعها على العلماء وأعيان المسلمين وهم بدورهم يُطلعون الناس عليها في مناطقهم.

و الشيء الآخر، هو مواصلة الصبر والثبات في سوح الجهاد ومواجهة الغطرسة الأمريكية التي على ما يبدو أننا أمام مسلسل أمريكي طويل، يموت فيه الممثل ويبقى المخرج، وأميركا ما لم يُلامَس أمنها المباشر لا تقبل بالحوار، وتكون هي في أفضل حالاتها عندما تستنزف دماء المسلمين وأموالهم، وحتى السلاح الأميركي الذي يُقتل فيه المسلمون من مختلف المذاهب، مدفوع الثمن من بعض الدول العميلة لها، لذا لا خيار أما شعوب المنطقة إلا أن يصار إلى إيجاد ردع حقيقي لهذه الدول العميلة كما صنعنا نحن في حزب الله مع العدو الإسرائيلي ووضعنا حداً لغطرسته، وبهذا نكون قد وضعنا حداً للغطرسة الأميركية وباتت غير فاعلة ومؤثّرة في منطقتنا.

توصيات إلى المؤتمر:

1- التمييز بين: التقريب بين المذاهب الإسلامية والوحدة الإسلامية، فالتقريب موضوعه - الفقه- والحوار، وهذا قد يعطله الحكام من خلال الضغط على العلماء والمخلصين وتفعيل دور وعاظ السلاطين وأصحاب الفتاوى الجاهزة حسب حاجة المخابرات. أما الوحدة الإسلامية والتي موضوعها: جمع المشاعر ولمّ الشمل، وهذه غالبا ما تكون خارج تأثير الحكام، وتفاعل الأمة معها خارج تأثير الحكام، كما حدث معنا في انتصار تموز 2006م. ولهذا، المطلوب من العلماء والفعاليات الفكرية العاملة في التقريب أن تلتفت إلى هذا التمايز، ليكون العمل على التقريب والوحدة ضمن هذين الإطارين، وكلّ واحد حسب ظروفه وأساليبه وطرقه.

2- أن نتّفق على نبذ كل ما هو خارج على هذه المذاهب الإسلامية، ولا يقلّلن أحد من شأنه أو من شأن موقفه، فعندما يطلع الله تعالى على صدقنا وإخلاصنا، سوف يبارك لنا وينصرنا، وسيأتي اليوم الذي تجد القيمة لهذه الكلمة أو لهذا الموقف.

3- أن يبادر مجمع التقريب إلى الخروج من الروتين، والعمل على تشكيل لجنة تمتلك القدرة على المتابعة، لأجل متابعة كل مايحدث ويقال وما يفعله هؤلاء التكفيريون، كي يكون العلماء والأعيان على اطلاع ومعرفة، حتى يعرفوا ماذا يحدث وكيف يواجهوا، وأن تكون الأدلة قوية بين أيديهم عند المحاججة، مع الذين لا زالوا مصرّين على أن التكفيريين هم الجهة المُخلّصة لهم من قوى الشّر والأنظمة المستبدة.

4- أن يُصار إلى إيجاد آلية تواصل عبر وسائل التواصل الإجتماعي بين جميع أعضاء التقريب، على اختلاق لغاتهم ليكون التواصل معهم يومياً، ويكون التواصل من بيروت لاعتبارات عديدة. وبهذا يصبح كافة الأعضاء على تواصل مع المركز بشكل يومي ومع الحدث ساعة بساعة، ونستطيع أن نستفيد من قدرات الأخوة القريبين منا، كي لا نحتاج إلى مصارفات كبيرة، قد تكون هي المانع من تنفيذ هذه المهمة.

 

الشيخ حسن بغدادي

عضو المجلس المركزي في حزب الله

ورئيس جمعية الإمام الصادق(ع) لإحياء التراث العلمائي