المواجهة الفكرية

المواجهة الفكرية

 

المواجهة الفكرية

 

الشيخ محمد سعيد الفقيه

 

موريتانيا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على رسوله الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين

في ظل الأجواء السائدة في المجتمعات الإسلامية،  وما تشهده من اضطراب واحتراب، وصل إلى الحالة التي وردت في الحديث  الذي في  صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتَل، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتِل»  ، حالة دبّت فيها البغضاء بين أبناء الأمة الواحدة، وصوبت المدافع الرشاشة إلى رؤوس موحدين لم تشفع لهم  كلمة الشهادة وهم يرددونها على مرأى ومسمع من الجميع، كما استهدفت رءوس مستأمنين دخلوا بلاد المسلمين في خفارة ولاة الأمر،  ونشر هذه الممارسات على الشاشات أمر مدبر، أريد به إظهار الإسلام في صورة مشوهة،  وهو وضع لا يجوز السكوت عليه، ولا اليأس من إصلاحه رغم استفحاله، ونحن في هذه الورقات نطرح معكم أفكارا في المحور الأول وهو المواجهة الفكرية متحدثين في النقاط التالية:

  أبعاد التيار التكفيري

  القيادات التكفيرية والفقه في الدين

  علاج هذه الظاهرة ومواجهة التكفيريين

  وسائل الإعلام والتيارات الفكرية.

  دور العلماء في مواجهة التكفير

  مسؤولية الجمهورية الإسلامية في إيران

I - أبعاد التيار التكفيري

لقد تعددت أساليب ومظاهر الإرهاب ولجأ الإرهابيون إلى استخدام وسائل العلم الحديث وتطبيقاته في سبيل الوصول إلى أغراضهم وتحقيق أهدافهم، واتخذ الإرهاب مظهرين أساسين أحدهما فكري، والثاني عنفي تدميري

أولا:  الإرهاب الفكري  ومن أكبر  مظاهره وأعظمه خطرًا  التكفير والحكم بذلك على الأشخاص والجماعات والأنظمة دون فقه أو تثبت ، أو اعتبار للضوابط الشرعية ، وهو ما وقع فيه بعض الأفراد والجماعات في هذا العصر ، حيث توجهوا إلى تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله ، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ورتبوا على ذلك استباحة الدماء والأموال ، والاعتداء على حياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم ، والاعتداء على مصالحهم العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها ، فحصل بذلك فساد كبير في المجتمعات الإسلامية  .

البعد الثاني للإرهاب: بُعْد عنفي تدميري

سلك الإرهاب نهجا تدميريا تمثل في اغتيال الشخصيات السياسية وأجهزة الأمن، واحتجاز الرهائن وتدمير المنشآت الحيوية والمساجد والحوزات العلمية. 

وقد تنادى المجتمع الدولي لمكافحته وقعت اتفاقيات للحد من جرائمه، لكن هذا الإرهاب لا زال يستفحل، والمتتبع لمؤشرات انتشاره يرى أنه يتوسع ويكسب نقاطا بمرور الزمن.

ومهمتنا في هذا اللقاء المبارك إيجاد حل جذري لهذه المعضلة التي أرّقت المجتمع الدولي واكتوى بنارها الأقربون قبل الأباعد، واستهداف المسجد النبوي في رمضان الماضي أكبر مثال على هذا الانحراف، الذي يجود فيه المفجر بنفسه في الحرم النبوي الشريف قاتلا زوار هذا الحرم الآمن ومروعا للمجاورين، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ولا إخال هذه الحادثة إلا إيذانا بأفول نجم هذه الظاهرة، فاستهداف المدينة المنورة نذير شؤم ، وقد ورد في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قَالَتْ : سَمِعْتُ سَعْدًا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول:ُ "لاَ يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلاَّ انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ" .

فهنيئا لكم معشر المؤتمرين بانمياع هذا الخط التكفيري الذي سيطر ردحا من الزمن واستعمل مقدرات الأمة في بث الفرقة بين أبنائها، وذلك وعد من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم  

II -القيادات التكفيرية والفقه في الدين

يستند التكفيريون إلى أفكار منحرفة يحسبونها من القرآن والسنة وهي بعيدة عنها كل البعد؛ {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ، وهم فتية، نصبوا أنفسهم قضاة على عباد الله، يخرجون من الملة من خالفهم، ويقدمون على ما يترتب على هذا الحكم من سفك للدماء وإثارة الفتن.  ويمكن حصر أسباب الخلل في الفقه التكفيري في النقاط التالية:  

1.  الجهل بطرق الاستنباط، وتنزيل النصوص على الأحكام فهم لا يفرقون بين العام والخاص والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، والنص والظاهر والمجمل والمبين.

2.  الأخذ بظواهر النصوص دون فقه ولا اعتبار لدلالة المفهوم، ولا قواعد الاستدلال، ولا الجمع بين الأدلة، ولا اعتبار لفهم العلماء، ولا نظر في أعذار الناس

 

سفارت موریتانی, [۰۶.۱۲.۱۶ ۱۷:۲۷]

3.    الجهل بمقاصد الشريعة؛ وهي غاياتها، والحكم والمعاني والمصالح التي شرعت الأحكام من أجلها والتي تعود إلى إقامة المصالح الأخروية والدنيوية

 قال الشاطبي رحمه الله: " النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا ، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة ، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل ، فقد يكون  مشروعًا لمصلحة فيه تستجلب ، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه ، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ، ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى المفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية  وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق محمود الغِبّ ، جار على مقاصد الشريعة

ذلك أن القيادات الشبابية التي تتصدر المشهد التكفيري  لم تنل حظها من الفقه في الدين، بل أخذت علمها من المطويات والأشرطة، وقد وصف الحديث النبوي الشريف قوما يأتون في آخر الزمان بأنهم: "قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم"، قال ابن بطال: فمعناه أنهم لما تأولوه على غير تأويله لم يرتفع إلى الله ، ولا أثابهم عليه ؛ إذ كانت أعمالهم له مخالفة بسفك دماء من حرم الله دمه وإخافتهم سبلهم  وربما يكون في التعبير بالحناجر إشارة خفية على  التركيز على مهارة الخطابة، فبها يسيطرون على الجماعات؛ فبأيديهم زمامها، وهم الذين يقيمونها ويقعدونها ، وقد أتقنوا فنّ هزّ المشاعر وتحريك أوتار القلوب، واستمالة النفوس، وتهييج المشاعر، فيسرع المجندون باسمين بأحزمتهم الناسفة إلى الموت المحقق،  مقاومين خوف الألم المتوقع بجرعات مما أعدّ الله للشهداء من النعيم المقيم، غافلين عن تحقيق المناط، ناظرين إلى مطلق النكاية دون الملابسات التي تحيط بتلك النكاية، فترى هؤلاء يقدمون على قتل الجموع الكثيرة، دون النظر إلى رجال مؤمنين ونساء مؤمنات، وقد قال تعالى في بيان أسباب عدم إذن الله في قتال المشركين عام الحديبية { وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فتَصُيِبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }  .

وقد زكى الله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم لا يتعمدون وطء المؤمنين كما زكت النملة سليمان وجنده بقولها: { ياأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}

يفعلون ذلك، غير معرّجين على شروط الجهاد التي من أهمها: الانضواء تحت راية إمام، ومنها امتلاك القوة والقدرة على قتال العدو المحارب بحيث يكون لدى المجاهدين قدرة بشرية، ومالية، وعتادية، والنتيجة التلقائية لهذا الجهل غالبا هي توجه البنادق إلى رؤوس المسالمين أو إلى الإخوة في الدين أو حتى إلى رفقاء الدرب المخالفين في الرأي:

وأحياناً على بكرٍ أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا

فاتخاذ القرارات الخطيرة في إطار خلايا صغيرة لم تمتلك من الفقه ما يكون لها حجة عند الله، ولا من أدوات اتخاذ القرار ما تتجنب به العطب هو الهلاك بعينه، ومن الصفات الكاشفة لهذه الطائفة سعيها إلى تأجيج الروح الطائفية واستعداء المخالفين في الرأي سواء تعلق الأمر بأتباع المذاهب الأخرى، أم بالاختلاف في الرأي السياسي.  

III - علاج هذه الظاهرة ومواجهة التكفيريين

لقد عُمّرت المقاربات المنطلقة من التبسيط، وشاخت التدابير الأمنية رغم الإمكانات والإجماع الدولي على استئصال هذه الظاهرة وهي لا تزال في طور النشوء، فلم تفلح تلك الحروب، بل تغوّلت هذه الظاهرة وانتشرت، وغيرت طريقها من حرب العصابات، وتحيُّن الغِرّات إلى إنشاء الدول والتوسع وتحقيق مكاسب على الأرض.

فلا بد من بحث عن أسلوب جديد للتعامل مع هذه الظاهرة التي استعصت على الجميع والتفكير خارج المربعات المألوفة علّنا نجد لها حلا، فأهلها يستعذبون الموت في سبيلها، وهم مستعدون لصنوف الأذى في سبيلها:

كفى بك داء أن ترى الموت شافياً ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا

 

سفارت موریتانی, [۰۶.۱۲.۱۶ ۱۷:۲۷]

وعليه؛ فإنّ مواجهة التكفيريين تحتاج إلى دراسات نفسية لظروفهم الخاصة، وفكرية لآرائهم الباطلة، وهو ما يستلزم مواجهة تلك الأفكار بأسلوب مخطط ومنسق ومقنع يتولاه متخصصون في علم النفس وعلم الاجتماع، ذوو علم وخبرة في معالجة مثل هذه الحالات الشاذة، ولا شك أن الغلو يحارب بنشر العلم الصحيح والفهم المستقيم، وإتقان فنّ الاحتواء والحوار والتوجيه، وعلى هذا المسار يجب أن يكون توجه الكتاب والمثقفين والمفكرين ووسائل الإعلام والمربين.

ولا بد لاحتواء هذه الظاهرة من تخفيض مثيرات التطرف والعنف إلى أدنى مستوى، وذلك من خلال منع الظلم على المستوى الفردي والاجتماعي، وإرساء العدل ومنع تفشي الفواحش والمنكرات وإرساء قواعد التكافل الاجتماعي ومحاربة الفساد، حتى تسدّ كل الطرق أمام هذه الظاهرة الغريبة.

  IV وسائل الإعلام والتيارات الفكرية.

إن أمتنا الإسلامية اليوم تواجه صراعاً معلناً وخفياً لم يسبق له مثيل، مخططات تستهدف أصولها ومبادئها، ومكر بالليل والنهار لتذويبها وسلخها من دينها، عمل دؤوب لقلب الحقائق، وتمييع المفاهيم، وإغراق المجتمعات المسلمة بشتى صنوف الشهوات والشبهات، حتى غدا أمر الأمة ملتبساً، وحالها في التيه والغواية مرتكساً، ونشأ جيل بل أجيال لا تعرف سوى اسم الإسلام ورسم القرآن، ولا علاقة لهم بشعائره وشرائعه.

وقد مرت قرون اعتمدت فيها قوى الظلام الكافرة والأمم المستكبرة على قوتها العسكرية في إخضاع الشعوب وتليين قناتها، وربط مقدراتها بمصالحها رباط العبد الذليل على باب سيده، غير أن كل هذه القوة والجبروت كانت غالباً ما تعود خائبة مهما مر من سنين وأيام؛ هذا غير ما كانت تحدثه من يقظة هائلة في وجدان المسلمين تزيدهم قوة في المواجهة وقدرة على تحقيق الانتصار والتحرر.

ومن هنا تغيرت مخططات أعداء الأمة فعمدوا إلى تمزيق وحدتها، ببث روح الفرقة، وإثارة النزاعات العرقية والمذهبية، سلاحهم الأكبر الذي يستخدم في هذا الصراع المحموم هو وسائل الإعلام المختلفة مرئية ومسموعة ومقروءةً وتكنولوجية.

وعبر هذه الوسائل ينهال على المسلمين كم رهيب من صور الفساد العقدي والانحراف الخلقي، الذي باتت تضج منه أمة الإسلام، وتصطلي بناره، خاصة وأن كثيراً من القائمين على هذه الوسائل من أبناء الأمة الذين تنكبوا الطريق وتنكروا لأمتهم ودينهم، ورضوا بأن يكونوا أداة طيعة، بل ورؤوس حربة لأعداء الأمة ومخططاتهم الخبيثة.

وقد ووجهت هذه الحملات الشرسة بمؤسسات إعلامية إسلامية، لكنها ظلت دون المستوى المطلوب لانطلاقها من رؤية مذهبية ضيقة، وقد آن الأوان لاتحاد المؤسسات الإعلامية التي  تتخذ من الإسلام في العهد النبوي مرجعا، إسلام ما قبل الملل والنحل، تعمل وفق ضوابطه، وتلتزم بأحكامه، مؤسسات تبيّن حقائق الإسلام وصفاء عقيدته ونقاء شعائره ومتانة شريعته وصلاحيتها لكل زمان ومكانيه، مؤسسات تركز على نقاط الالتقاء، يتصدر المشهد فيها إعلاميون محترفون، يتصدون للتيارات الفكرية المنحرفة، مؤسسات ترجع المسائل الخلافية التي طغت على المشهد إلى حجمها، حيث يجعل المغرضون (رأياً قيل في مسألةٍ اجتهادية أمراً قاطعاً تدور حوله الولاءات ، وتقطع من أجله الصلات الشرعية القطعية ، مع أن هذا الرأي  (لا يعدو كونه) يعبر عن صاحبه ، ووجهة نظره في فهم المسألة) ،  ولا بد إذا أردنا مواجهة هذه الموجة أن توضع  جميع مسائل الخلاف على طاولة الحوار، حتى نتمكن من محاربة الأفكار المتطرفة في أطوارها الثلاثة:

  بوضع بدائل شرعية لها وهي في طور النشوء قبل أن تتمكن

  وهزّ الأرجل المرجعية لها وهي قناعة

  ونسفها بالأدلة الدامغة وهي معتقد

V- دور العلماء في مواجهة التكفير

إن الدور الأكبر في مواجهة هذه الفتنة التكفيرية يقع على العلماء، وقد تخلى معظم هؤلاء للأسف الكبير عن دورهم وتصدّر المشهد وعّاظ السلاطين، الذين لا همّ لهم إلا تبرير سياساتهم الخاطئة، وتمرير مخططات أسيادهم في الغرب، فقهاء أعماهم الهوى والتعلق بالجاه والمنصب والشهرة والأضواء، والقرب من أرباب المال والجاه والسلطة، فصاروا يتورطون في الكذب على الله وتحريف آياته {وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . وكان حريا بهم أن يمتثلوا لقوله تعالى: {وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تَعْلَّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} ، لأن العلم مجرد مقدمة لا بد لها من نتيجة...ونتيجته الطبيعية هي الربانية، أي أن يكون العالم ربّانيا، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، فالمجاهدة بالعلم والعمل، والهداية التي تقرب من الله وتجعل المرء ربانيا، هبة منه سبحانه وتعالى لمن علم إخلاصه وصدقه وصواب عمله.

 

سفارت موریتانی, [۰۶.۱۲.۱۶ ۱۷:۲۷]

إن اتخاذ الهوى إلها والجهل دليلا يؤديان بالعلماء إلى الفساد، وفساد العلماء كبير الخطر، عظيم الضرر، وضرره الأكبر بكتمان العلم، سواء أكان كتمانهم بإخفاء الأحكام، أم بالزيادة فيها، أم بتحريف معانيها وتوظيفها لغير أهدافها أم بتأويلها إلى غير مقاصد الشريعة.

ولا بد لاحتواء آثار هذا الوضع الكارثي الذي أسند فيه الأمر إلى غير أهله أن يرفع الحرج عن الصفوة الباقية والقلة المتمسكة بالحق من العلماء الربانيين في انتقاد السياسات الخاطئة للحكام في وسائل الإعلام العمومية، وبذلك ترجع المرجعية إلى ذويها، ويمسك القوس باريها.

VI- مسؤولية الجمهورية الإسلامية في إيران

لقد أراد الله جلّ وعلا في سابق أزله أن يكون النصيب الأوفر، والقِدح المُعلَّى في نصرة هذا الدين، لآل البيت النبوي الشريف، في خطة محكمة، لم تظهر تفاصيل حبكتها إلا بعد مئات القرون، فلم يكن أحد يتصور كيف يمكن أن تتمكن ثلة باغية   صغيرة من قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع رأسه الشريف وهتك حرمات دوحة الشرف من مصاحبيه من آل البيت النبوي الشريف في أول القرون المزكاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم (سنة إحدى وستين من الهجرة النبوية).

لكن  الله  جل في علاه لا يعجل كعجلة أحدنا " إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ "   وقد تبيّن لنا حتى الآن من حكم هذا الحادث الجلل حكمتان:

إحداهما: إكرام سيدنا الحسين ومن معه بالشهادة

والثانية: أن تكون شهادته جحيما على الطغاة في القرن الخامس عشر الهجري، فبتلك الشهادة واستلهام معانيها رحل الشاه وقامت الجمهورية الإسلامية على يد الإمام الخميني في إيران، وبها أَخَرجَتْ ثلة قليلة من المرابطين الكيان الصهيوني صاغرا من جنوب لبنان، وباستلهامها إن شاء الله تستعاد القدس...

ونحن الآن في مؤتمرنا هذا أشد حاجة إلى استلهام حكمة ثاني السبطين وتنازله عن الخلافة صونا لدماء المسلمين، وحفاظا على البيضة، ذلك الموقف الذي استحق به لقب السيادة؛ فقد ورد في صحيح البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" . فباستلهام هذا الموقف تقوم الجمهورية الإسلامية بمبادرة، قد تكون مؤلمة، لأن فيها اعترافا برفعة غير المؤهلين، ومدّ اليد لأهل الأهواء، والغض عن سوءات متبعي الشهوات، الماردين على بيع شرف الأمة بأخسر الصفقات، إلا أنها طريق إلى العزة إن شاء الله، وخطوة في التمهيد لخروج المهدي عليه السلام الذي كنا ونحن صغار نسمع الأمهات عند ما تضيق الأحوال يقلن: ( يا المهدي اعشاك الليلة افكدحانّ}  استعجالا لخروجه لتخليص الناس من شظف العيش أو تسلط التسلطين،  هذا الإمام  الذي تتفق – معشر أهل السنة – معكم على الانضواء تحت لوائه والجهاد معه ودك حصون الشرك {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله}  

هذه جملة خواطر أرجو أن تجد طريقها إلى أولى الأمر في هذ البلد المبارك أولا، هذا البلد المزكى أهله أولا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}  فقال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يجبه فعاد ومضى سلمان فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على منكبه, وقال: "لو كان الإيمان معلقا بالثريا لتناوله رجال من قوم هذا"  ، وبعد نضج الفكرة وتهيئة آلياتها  تجد طريقها إلى صناع القرار في بلاد الإسلام  تحت شعار قول النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، عند مفاوضة قريش:  " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا" 

جمع الله شمل أمتنا وألف بين قلوبنا وأصلح شأننا.

السلام عليكم ورحمة الله