النبي محمد (ص) حامل لواء الوحدة الإنسانية السباعـية

النبي محمد (ص) حامل لواء الوحدة الإنسانية السباعـية

 

 النبي محمد (ص) حامل لواء الوحدة الإنسانية السباعـية
 
 
الأستاذ محمد جميل قلندر
رئيس مؤسسة "قُل" العالمية (QUL)
إسلام آباد - باكستان
 
 
يقول الحكيم الشرقي العلامة اقبال إن "نبي الإسلام يبدو أنه يقوم بين العالمين: القديم والجديد. أما فيما يَهْتَمُّ بمصدر وحيه فهو يعود وينتمي إلى العالم القديم وأما فيما يتعلق بروح وحيِه فَهُوَ يعيش العالَم الجديد، وفيه تكتشف الحياةُ مصادر أخرى للمعرفة لوجهتها الجديدة". (ص ص 100 – 101) هو ينقل للمؤرّخ والباحث الغربى ج. ه. دينيسون (J. H. Denison) قوله هذا: "كان يبدو أن الحضارة الكبرى ألتى قد استغرقت أربعة آلاف سنة لبنائها كانت على حافة الاندثار وأن البشرية كانت على وشك العودة إلى حالة البربرية حيث كانت كل قبيلة وطائفة تقوم ضدّ الأخرى وان النظام كان قد اصبح شيئاً مجهولاً، وان القيود والضوابط القبائلية القديمة قد فَقَدَت حُكمَها ولذلك فالطرق والأساليب الملكية القديمة لَمْ تعدَ تشتغل وإن الضوابط والحدود التى انشأها الديانة المسيحية كانت تعمل التفرفة والتمزيق بدلا من الوحدة والنظام، وكان ذلك زمنا محفوفاً بالمآسي. وإن الحضارة – كشجرة عظيمة كانت قد أورفَتْ باغصانها على العالَم وحملت ثمارا ذهبية من العلم والأدب – كانت قائمة تترنّح، وجِذْعها لم يَعَدْ حيَّا بنُسْغِ الولاء والتقديس، بل كان قد تعفّن وذبُل إلى صميمه مُمَزّقَّا بزوابع الحروب، ومتماسكا فقط بحبلالتقاليد والقوانين القديمة التى كان يحتمل أن ينهار في أى لحظةٍ. فهل كانت هناك أي ثقافة عاطفية كان يمكن الإتيان بها من أجل أن تجَمْع البشرية في حضن "التوحيد" وتنقذ الحضارة؟ وإن هذه الثقافة كان لا بد أن تكون من طراز جديد لأن القيود والضوابط القديمة كانت قد أصبحت ميتةً، وإن إنشاء الأخرى ذات نفس النوعية سيستغرق عمل قرون" (ص ص 116 – 117) وهو يستدطرد قائلا على حد تعبير العلامة اقبال ان العالم كان بجاجة إلى ثقافة جديدة لكي تحتلّ ثقافة العرش الملكي (الدكتاتوري) وأنظمةَ "التوحيد" المبنية على العلاقات العَصَبية.
و مما يد هشنا - كما يعبّر عن ذلك العلامة اقبال - أن هذا المؤرخ والباحث الغربي الكبير يفيدنا بأن مثل هذه الثقافة كان يجب أن تــنبَعِث من الجزيرة العربية، وذلك في زَمَن كان هناك حاجة ماسّة وملحّة إليها. ومن الجديد بالذكر أن ذلك الزمن كان قد تدهور فيه مفهوم الدين إلى أن أصبح على حدّ تعريف الأستاذ جيمس درمستتر (James Dermesteter) له "ما يشتمل على كل معلوم وكل سلطة لا تتفق والعلم".
اِن الملاحظات المشار إليها آنفا للأستاذ ج. ه. دينيسون يخلُص منها العلامة اقبال إلى قوله المَثَلي بأن "هذه الثقافة الجديدة تجد أساس الوحدة العالمية في مبدأ ‘التوحيد’ وإن الإسلام كسياسة مدنية ليس إلا وسيلة عملية إلى جعل هذا المبدأ عاملاً حيّاً في الحياة العقلية والعاطفية للبشر".
ماذا تفيد هذه الملاحظات وتعليق العلامة اقبال عليها؟ هي تفيد بأن فكرة "التوحيد" في الإسلام لا تعني – كما يزعم الزاعمون – مُجّرد توحيد (الإلٰه) مع تفرقة خلقه وعباده لأن الله ليس عبارة عن مجموعة افراد أو اجزاء حتى يحتاج إلى توحيدها، وهو الأحد الواحد مسبّقا سواء يعترف به المعترفون أم لا، وهو غنيٌّ عن العالمين، فمجرد الدعوة إلى توحيد (الإله) تحصيل حاصل، ومغالطة منطقية، بل هي أصلا تعنى توحيد كلمة البشرية بهدف حصول اجماعها على وقاية وصيانة العمران الإنساني والحضارة والثــقافة البشرية بثمارها من العلوم والمعارف والفنون والآداب.
نعم، إن فكرة "التوحيد" في الإسلام هي ترمي إلى هذا الهدف المنشود النبيل والجميل. ولعل خير شاهد على ذلك من شهداء العقل الغربي اولا هو الأستاذ العلامة مارغُليوث (Margoliouth) الذي قال في كلمته التمهيدية لترجمة القرآن الفصيحة والبليغة باللغة الانجليزية للأستاذ النابغة العقبرى الكبير ج. م. رود ويل (J. M. Rodwell): "ان القرآن يتمتع بميزة وهي أنه يشكّل نقطة بداية النهضة الأدبية والفكرية الجديدة التي أثّرت تأثيرا قويا في أجود العقول وأخصبها ثقافة من بين كلا الشعبين: اليهود والنصارى في القرون الوسطى وان هذا التقدم العام للعالم الإسلامي قد تعرقل إلى حد ما الا أن البحوث قد دلّت على أن ما امتلكه الباحثون الأوروبيون من معرفتهم بالفلسفة الاغريقية والرياضيات وعلم الفلك وما شاكلها من العلوم خلال قرون عديدة قبل النهضة العلمية كله مستمدّ من البحوث اللّاتينية المبنية نهائيا على الأصول العربية وكان ذلك هو القرآن الذي أدلى بأول حافز إلى هذه الدراسات بين العرب وحلفائهم وظهرت البحوث اللغوية والشعر وفنون الأدب الأخرى على إثر نثر القرآن أو متزامنا معه وان الحركة الأدبية المنطلقة بهذا النحو قد أدت إلى ظهور بعض أجود انتاجات النبوغ والعلم".  
و ثانيا ما قال الأستاذ ج. م. رود ويل الآنف الذكر في مقدمته لترجمته المذكورة: "ان الرعاة السذج البسطاء والبدو الرحل في شبه الجزيرة العربية تحولوا – كأنه بعصا السحر – إلى مؤسسي الامبراطوريات ومعماري المدن وجامعي المكتبات أكثر ممّا تم تدميرها في البادية، حيث ان المدن كالفسطاط وبغداد وقرطبة ودلهي تشهد بالقوة التي كانت أورويّة المسيحية ترتعد على قدميها".
لقد جرى القول مجرى ضرب المثل في اللغة العربية: "تعرف الاشياءُ بأضدادها؟ ان التوحيد كما بَيّنَهُ النبى محمد (ص) قولا وفعلا ويجري ويسري مضمونه في وحيه القرآني من البداية إلى النهاية جريان وسريان الدم في عضوية الإنسان، وكما أتى تبيانه وتمثيله في السنة النبوية (على صاحبها ألف صلوة وسلام) وسنة خلفائه الأئمه الاثنى عشر هو ضدّ الشرك. وما ادراك ما هو الشرك؟ ان الشرك – كما يدل عليه صَرَاحة وكناية وضِمْناً وأمرا ونَهْيا وبصورة مباشرة وغير مباشرة جميع الآيات القرآنية - هو التفرقة والضرار والارصاد من أجل بث الفتنة والفساد في الأرض وسفك دماء الأبرياء – المفهوم الذي يستفاد صراحة وكناية من سبع مجموعات من الآياتِ القرآنية على وجه التحديد، تؤكد على عروة ورابطة (الوحدة والتوحيد) الجارية والسارية في الخلق، وهي تدل على الترتيب على:
(1)         وحدانية (الألوهيّة) كمصدر خلّاق ومُدَبِّر للأمرالكوني العظيم (creative & directive source of grand cosmic plan) اُي: وحدانية مصدر الخلق والأمر (creation & direction).
(2)         وحدة الكون (بما فيه من الكائنات) كنظام كوني واحد يدلّ عليه لُغويّا الكلمة الإنجليزية المركبة (uni-verse) والكلمة اللاتينية – اليونانية cosmos كلتاهما مرادفة لِلكون، وتعني لُغوِيّا النظام الكوني الواحد.
(3)         وحدة عائلة الأحياء النباتية والحيوانية بما فيها "من" يَدِبُّ من الدواب على الأرض و"من" يطير بحناحيه من الطيور، يعتبرها القرآن الحكيم أُمَماً أمثال البشر. ويتحدث النبي محمد (ص) عن النخلة مُخْبِراً بأنها "عَمَّةُ" البشر، فيأمُرُ المؤمنين: "اِتَّقُوْا فِي عَمِّتِكُمُ النَّخْلَةِ".
(4)         وحدة أصل جميع الأحياء العاقلة وغير العاقلة، وهو "الماء" كمصدر أولي (primary source) ، و"نفس واحد" كمصدر ثانوي (secondary source) إلى حدّ اعتبار القرآن الحكيم خلق البشر وبعثهم كنفس واحدة. بعبارة أخرى، كِلا الماء والنفس الواحدة اصل مشترك لجميع الأحياء. يتحدّث الفيلسوف العرفاني ابن عربي عن "شجرة الكون" (كما سَمَّى كُتَيباً له بهذه التسمية)، والتي نبتَت ونمت وتفرّعت من بذرة / بيضة واحدة. ويتحدث النبي محمد (ص) عن وحدة الخلق ويقول: الخلق عيال الله. ومن البديهيي لُغويّا أن كلمة (الخلق) أعمّ واشمل من كلمة (الأحياء)، فمن ثَمَ يتكلّم القرآن عن (الله) ويُعرّفه بأنه "ربّ العالَمين" ما يدلّ على جميع (العالَمين).
(5)         وحدة البشر مع أخُوّةِ (المؤمنين) منهم. يصرّح القرآن الحكيم بأن الناس كانوا أمة واحدة وَهُمْ أصْلاً أُمّة واحدة إلّا أنهم اختلفوا من بعد ما جاءهم (العلم) التحليلي – العلماني المبني على فساد (الكسب والصُنع) االذى ابتعد بهم عن "دين" (الفطرة) المولود عليها كُل وليد وعن "مدينة" (المعرفة والتعارف)، كما عرّف القرآن الحكيم المؤمنين بأنّهم "إخوة" وهُمْ أمّة أخْرجّت للناس.
(6)                  وحدة النبوة والرسالة وعدم التفريق بين الله ورُسُلِه ووحدة الأديان والكتب السماوية.
يصرّح القرآن بانه:
ا. ما من أمة إلّا خلا فيها نذير
ب. لكل قوم هاد
ج. لكل أمة رسول
د. ما يقال لك إلا ما قبل للرُّسُلِ من قبلك
ر. إنه لفي زبُر الأولين
س. وفيها كُتُبٌ قيّمة.
و ان المجموعة السادسة من الآيات القرآنىية ذات الصلة بهذا العنوان تقاجئنا إذا أمْعْنّا النظىر فيها، بأن وحي النبي محمد (ص) انطلاقا من اعتبار (التفرقة) نوعاً خطيراً من الشرك، وايثاره الوحدة البشرية على التفرقة في كُلِّ حال من الأحوال يُعَلّمنا على لسان هارون (ع) من خلال قصّته وأخيه مُوسى (ع) والسامري وبني اسرائيل موقف الصبر لِصالح (الوحدة والتوحيد) حتّى على أسخف الأعمال الحُرافية كعبادة "العِجْل الذَّهَبِي" من عَمَل السامِري، وذلك من أجل توحيد "كلمة" بني اسرائيل والاجتناب عن أى فرصة صيرورتهم عُرضة للتفرقة, كما لا يؤْيدّ ويعترف فقط بالكتب السماوية لأهل الكتاب كالتوراة والزبور والإنجيل بَلْ يأمُرُهم بأن يحكمُوا بما أنزل الله إليهم في هذه الكتُب السماوية، بل يذهب إلى أبعد مدى، ويعتبر عدم قيامهم بذلك عبارة عن الكفر والظلم والفسق، ويُدْهشنا بذكر المؤمنين واليهود والنصارى والصائبين والمجوس ويجعلهم في فصل وصفّ واحد من التعليم ويكتفى منهم بالايمان الثنائي أى: الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح فقط كشرط أساسي يكفي لدخولهم في الحكم القرآني: "لا خوف عليهم ولا هُمْ يحزنون"، وذلك مع ذكر سُنة (الدفاع الإلهٰي) الجارية والسارية لوقاية وصيانة معابد أهل الكتاب جمعياً.
الله الكبر! كل ذٰلك حسب مبدأ (التوحيد) من أجل تمثيله في الوحدة البشرية ووحدة (الأمة المسلمة) التي يصرّح وحي النبي محمد (ص) بأن إيجادها وإخراجها هُو لِخير الناس أجمعين، كما تنص على ذلك هٰذه الآية: "كُنْتُمْ خَيْر أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاس".
إن كلمات الكُفر والظلم والفسق من أهم المصطلحات القرآنية. وهي ليسَتْ سَبّاً وشَتْما، بل هي مفاهيم وظيفية (functional concepts)، حيث إنّ الكفر: ستر النعمة وإخفاؤها عن أن تعمّ الآخرين. إنّ النبي محمد (ص) سأله أحد من اصحابه: يا رسول الله! ما معنى الكنود في الآية: إن الإنسان لِرَبِّه لَكَنُوْد. فقال (ص): إن الكنود هُوَ الكفور. فسأل: ما معنى الكنود؟ فقال (ص): إن الكفُور الذي يأكُلُ وَحْدَهُ، ويمنع رِفْدَه، ويُجِيعُ جَارَهُ. وقال النبي (ص) في خطبته ألقاها يوم حجة الوداع: فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْصُتكم رِقابَ بعضٍ. إن كلمة (الكُفّار) في هٰذا السياق – كما يفسّرها الباحث الّلغوي الإنجليزى ايدورد لين (Edward Lane) – يُراد بما المُغَطُّوْن بالسلاح من رأس إلى قدم من أجل الفتنة والفساد في الأرض وسفك الدماء. فإن المعنى الوظيفي لكلمة (الكافر) كامن فيها كرمز يحتاج إلى فكّه.
من هو المُسْلم؟ ومن هُوَ المُؤمن؟ ومَنْ هُوَ المُجَاهِد؟ هَلُمَّ نستمع لسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم كيف هُوَ يُعَرّف هٰذه الكلمات، وذٰلك في سياق خطبته المذكوره آنفاً، حيث قَال: "هذا يوم حرام وبلد حرام، فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام مثل هذا اليوم، وهذا اليوم إلى يوم تلقونه، وحتى دفعة دفعها مسلم مسلماً يريد بها سُوْءاً وسأخبركم من المسلم؟ المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه النّاس على أموالهم وانفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله". 
(7)                  وحدة الإمامة والخلافة الأرضية (المبنية على العدالة والاحسان والعلم والحلم):
إن تاريخ البشر – مصداقاً لأعتراض الملائكة على مخطّط جَعْل الله (آدم) خليفة في الأرض – تاريخ الإفساد في الأرض وسفك الدماء والفتن والمِحَن. إن الله تعالى أقنع الملائكة بعميق الحكمة الكامنة وراء مُخطّطه ذٰلك بِجَعْلِه (آدم) مهبط العلم الموسوعي المحيط بسلسلة (الأسماء) كُلِّها، الدالّة على (الأشياء) من الأزل إلى الأبد. كشرط ضروري مَبَرِّر لخلافته الأرضية. وإن مهمّة منصب (الخليفة) قد فَسَّرها وعلّلها الله باجراء الحكم بين الناس بالعدل المبني على عَدَم اتبّاع الهوى كما تنصّ على ذلك هٰذه الآية: "يا دُاودُ إنَّا جَعَلْنٰكَ خَلِيْفَةً فِي الأرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بَيْن العَدْلِ ولَا تَتَّبِعِ الهَوَى" (السورة 38: 37).
فإن (الخلافة) – كما يعرّفها وحي النبي مُحمّد (ص) – أمر منصوص ومفَضوّض من الله تعالى ومشروط بتواجد العلم الموسوعي والحلم والعدالة من أجل الحكم بين الناس بالعَدْل الموضوعي. وإن "الخلافة الأرضية" القائمة بهٰذه الصفة قد تسلسلت بعد رُجوع النبي محمد (ص) إلى حبيبه ورفيقه الأعلى متمثّله في مؤسسة الإمامة أى إمامة الأئمة الإثني عشر من ذريّة النبي محمد (ص)، وذلك حرصاً في، وإبقاءً على نظام العّدْل في العالّم ووقايةً وصيانة للعمران البشرى والحضارة والثقافة الإنسانية من الفتنة والفساد في الأرض وسفك الدماء، لا سيّما في ظروفنا وأوضاعنا الراهنة التي قد وَظَّفَ فيها الإنسان قُواها لإيجاد وسائل الدمار الرهيبة المهيبة – الوسائل التي قد أصبح بموجبها مستقبل الإنسان عُرْضةً لخَطَر وتهديد عظيم ناتج عن صراح العقول (battle of wits) وتنافس الشعوب وتلاعب الطبائع، المبني على الاعتبارات والأولويات المادّية التجارية. فالإنسان المعاصر أشدّ حاجة مِن ذي قبل إلى مؤسسة الإمامة التي هِيَ حبل الله الممدود الذي أمرنا الله بالاعتصام به بقوله تعالى: و"اعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ الله جَمِيْعاً ولَا تَفَرَّقُوْا".
إنّ مؤسسة الإمامة قد أشير إلَيْها صراحَة وكناية في وحي النبي محمد (ص) فيما يلي من آياته المباركة:
 
v                     إذْ قَالَ ربّك للملٰئكة إِنِّى جَاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيْفَةً
v                     فإذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُوْحِي فَقَعُوْا لَهُ سَاجِدِين
v                     يٰا دَاؤُدُ إِنَّا جَعْلَنٰكَ خَلِيْفَةً في الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بالْعَدْلِ ولاَتَتّبِعِ الهَوَى
v                     و عَلَّم آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا
v                     و كُلَّ شَيء أَحْصَيْنٰهُ في إمَامٍ مُبِيْن
v                     و كُلَّ شيء أَحْصَيْنٰهُ كتاباً
v                     يَوْم نَدْعُوْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ
v                     إذَا ابْتَلىَ إبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰتٍ فَأَتَمَّهُنّ فَقَالَ إنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا قال ومِنْ ذُرِّيَّتِي قَاَلَ لّا يَنَالُ عَهْدِي الظٰلمِين.
كُلَّ هٰذه الآيات يُفَسِّرُ بعضها بَعْضاً. وإنَّ مضمون الآية: (وَ كُلّ شيى أحْصَيْنٰهُ كِتَاباً) قَدْ فَسَّرُه الامام علَي (ع) فيما يَلي مِنْ أبيات ديوانه الشعري:
وَ تَحْسَبَ أَنَّكّ جرْمٌ صَغِيْر            وَ فِيْكَ انْطَوَى الْعَالَمُ الْاَكْبَرُ
وَ أَنْتَ الكِتَابُ الْمُبِيْنُ الّذِى                بِأَحْرُفُهِ يُظْهَرُ الْمُضْمَرُ
و إنَّ الآية الأخيرة المذكورة أعلاه تَصرّح بأن (الإمامة) لا يمكن أن يتواجد معها الظلم. وقال الإمام علي (ع) قولاً حكيماً مفاده أنه قد يُوجد الملك مع الكفر ولكنَّهُ لا يُوْجَد مع الظلم. وقال وَحْي النبي محمد (ص): "وَالّذِيْنَ آمَنُوْا ولَمْ يَلبِسُوْا إيْمانَهُمْ بِظُلْمٍ فَأُوْلٰئِكَ لَهُمُ الأمْن". فأن تأمين نُوْرِ الاْمْنِ ونفي ظُلُمَاتِ الظلم من أهمّ مهام (الإمامة) في العَالم. ونظراً إلى رسالة الأمن والسلام للنبي محمد (ص) فقدْ عَرَّفَه (ع) الإمام علي (ع) بأنه أمْنُ الله المأمُوْن، والذي عّرَّفَهُ القرآن الحكيم "برَسولٍ كريم ذي قُوَّةٍ عِنْدَ ذي العَرْشِ مَكيْنٍ مُطَاعٍ ثُمَّ أمِيْنٍ، المَبْعَوْث فِي بَلَدٍ اَمِيْنٍ والذي قَلْبُه منزل الروح الأمين بِكِتَابٍ مُبِيْنٍ والذي أمَرَ أوّل وحيه بقراءة كل ما خلق ربّ العالمين باسم رُبُوْبيته، ونطق بـ "نون والقلم وما يسطرون"، و"كتاب مِسْطور في رَقٍّ مَنْشُوْر" فمثل هذا الرسول (ص)، رسول الأمن والسلام، وبني الرحمة، ووسيلة المغفرة، وصاحب كوثر جوامع الكَلِم والعِلْمِ والحِكَمِ الباهرات، وقاسم الخيرات والبركات، ومغيث الغرباء واليتامى والمساكين والأرامل اليائسات، وصاحب (التعليم الأعلى) في الأرضين والسموات قد رُسِمَتْ صُوْرته في كتب السيرة والتاريخ كرسول الغزوات والمغامرات وفاتح الأقاليم الأرضية (بدلا من القلوب والأرواح) بالسيوف الشاهرات. وهكذا تمَّ ارتكاب أفظع وأشنع المغالطات اختفت بها حقيقة الحق في غُبار الحماقات والغباوات.
فيا لَلْعجب! فمن ثَمَ هناك حاجة ماسّة ومُلحّة إلى إعادة النظر في هذه السلسلة من الإهمال والإغفال في مهمة تدوين السيرة النبوية والتاريخ في الإسلام, والقيام ببحث عميق ودقيقٍ فيهما مميطٍ للثام عن الحقيقة لإزالة الشكوك والشُبهات والأوهام حول سيرة النبي (ص) حامل لواء الوحدة الإنسانية السباعية المتحدة الجهات.