الوحدة الإسلامية من منظار علي أمير المؤمنين (ع)

الوحدة الإسلامية من منظار علي أمير المؤمنين (ع)

 

 

 الوحدة الإسلامية من منظار علي أمير المؤمنين (ع)

 

 

                                                            السيد صادق الموسوي

                                            محقق ومؤلف " تمام نهج البلاغة " للإمام علي عليه السلام

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد وآله الطاهرين.

السلام عليكم أيها السادة العلماء والإخوة الأفاضل والحضور الكريم ورحمة الله وبركاته.

وبعد؛ إن موضوع الوحدة بين المسلمين هو أمر واجب بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون "، وإن كلمة " فاتقون " تهديد صريح للأمة بأنها إذا لم تحافظ على الوحدة فإن غضب الله سيشملها، وإذا غضب الله على أمة فويل لها ثم ويل لها في دار الدنيا ودار الآخرة.

وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صرح في قوله: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " بأن التقاتل بين المسلمين هو بمنزلة الكفر بأصل رالإسلام الحنيف، وإن المسلمَين بصريح الحديث الشريف إذا التقيا بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار.

وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بذل كل حياته في سبيل رفع راية الإسلام ما فتئ ينهى عن التفرقة بأقوى العبارات الممكنة، منها قوله: إِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ.

ثم يطلق أمره الصريح بتكليف المسلمين الشرعي في الحفاظ على الوحدة ورفض السماح باختراق صفوفهم من قبل أيّ كان وتحت أي عنوان وبأية ذريعة  في قوله عليه السلام: أَلَا مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هَذِهِ.

والإمام نفسه عليه السلام وطوال عمره الشريف حافظ على وحدة الصف الإسلامي وبذل غاية الجهد كي لا تتفرق الصفوف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رغم الصعاب التي واجهها ومحاولات المنافقين استغلال الظروف لخلق انقسامات في الصف الإسلامي الواحد في فترة ما قبل تسلمه أمور الحكم، وبعد أن بويع من عموم المهاجرين والأنصار وأهل المدينه ومن  تواجد فيها من أهل مصر والكوفة وغيرهما وتسلم مقاليد أمور المسلمين في حالة إجماع لا نظير له، عمل على إزالة حالة التشنج التي أصابت المسلمين قبيل مقتل غثمان، واحتواء مختلف الأطراف رغم الانقسام الحاد الذي كان قد أصاب الأمة.

ولما اضطُر إلى تعقب الناكثين عن البيعة فإنه بذل ما أمكن من الجهد لتجنب المواجهة الدموية، حيث استطاع عليه السلام أن يُقنع طرفين أساسيين هما طلحة والزبير ليتجنبا الانخراط في القتال بوم الجمل حيث ترك الزبير الساحة كليةً وخرج من ارض المعركة فلحقه أحد الناس وقتله بعيداً عنها، ووقف طلحة جانباً وتجنب المشاركة في القتال حتى رُمي بسهم من قبل أحد رموز الفتنة ونزف حتى مات من أثر النزيف.

ومن بعد انتهاء الحرب وانتصاره فيها لم يأذن لأحد بأن ينتقص من زوجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أن يقلل من شأنها وقال بصريح العبارة: " ولها بعد حرمتها الأولى "، وأعادها مع وافر الاحترام إلى المدينة المنورة.

وحاول بكل جهد أن يتجنب المسلمون الحرب بعد ذلك أيضاً، وعمل على إقناع معاوية بقبول البيعة مثل باقي المسلمين ونهاه مرات ومرات عن التمرد على إجماع الناس الذين بايعوه طوعاً دون رغبة منه في الولاية، وأرسل إليه من يقنعه بالدخول فيما دخل فيه المسلمون وظل ينتظر النتائج حتى اتُّهم بأنه يتهيّب الحرب، وهو قبِل بوقف الحرب في صفين رغم أنه أشرف على الانتصار فيها، ورضي بالتحكيم رغم اعتراضه على الشخص الذي فرضه المنافقون عليه أملاً في وقف القتال ومنع تجذر الفرقة بين المسلمين وتعمق الشحناء في النفوس.

ولما تحرك الخوارج بتحريض من قبل المنافقين في المرحلة الثالثة من المؤامرة ضد وحدة الأمة الإسلامية، عمل عليه السلام كل ما أمكن ليعودوا إلى رشدهم، فأرسل عبد الله بن عباس ليحاججهم، ثم ذهب هو بنفسه إلى خارج الكوفة حيث كانوا يخيمون وواجههم بشخصه، وردّ كل المزاعم التي ذكروها لتبرير خروجهم، وفنّد كل الأقاويل التي تمسكوا بها لتحركهم، حتى عاد أكثرهم إلى الطاعة، وتابوا عن عصيانهم.

ورغم ذلك لم يتعامل عليه السلام مع المتبقين منهم بقسوة، فلم يمنعهم من دخول المساجد لأداء صلواتهم فيها مع ما يتضمن اختلاطهم مع باقي الناس من مخاطر، وإمكانية تشويشهم لأفكار البسطاء أثناء تحاورهم معهم، ولم يمنع عنهم الفيء الذي كان يقسّم على عموم المسلمين رغم تمردهم على الإمام الشرعي وخروجهم عن طاعة ولي الأمر، وتعهد بعدم البدء في قتالهم ما داموا لم يبدءوا هم القتال، مع أنهم أعلنوا عصيانهم بكل صراحة، واتهموا أمير المؤمنين علياً بالكفر وهو الذي صرح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن الحق يدور معه حيث دار.

وإنه أخيراً لم يأذن لأحد بأن يتطاول على قاتله مادام حيّاً وقال قولته المشهورة: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولي دمي، عفو أو قصاص، وإن مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين.

ونهى أهله من التأثر بعواطفهم وتجاوز الحد في تعاملهم مع قاتله فقال: يا بني عبد المطلب لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين. ألا لا يُقتلن إلاّ قاتلي.

ولم يكتفٍ أمير المؤمنين عليه السلام بالوصية لعموم أهله يل التفت إلى ولده خاصة فقال مؤكٍّداً: انظر يا حسن إذا أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثلن بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.

وبعد هذا كيف يمكن لمن يدعي الانتماء إلى الإسلام أن يفرق صفوف الأمة ويحلل دماء من يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ويكفّر الناس لمجرد أنهم لا يذهبون مذهبه ولا يؤيدون فكره، ولا يتقيدون بطريقته.

اللهم وحّد صفوف المسلمين، ونوّر عقول الجاهلين، واهد قلوب الصالّين، ووفّق العلماء الصالحين ليُنيروا الدرب أمام الشباب المخلصين قبل أن تتلفقهم أيدي الخبثاء أعداء الدين فيجعلوا منهم أشلاء متفجرة تقتل الأبرياء من إخوانهم المؤمنين.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته