تطور الحياة.. وضرورة الاجتهاد

تطور الحياة.. وضرورة الاجتهاد

 

تطور الحياة.. وضرورة الاجتهاد

 

الأستاذ الدكتور جعفر عبد السلام

الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية – مصر

 

مدخل:

التطور والتجديد سنة من سنن الحياة، لا يمكن أن تستمر بسلام إلا إذا تحقق بشكل مستمر، لذا فإن المجتمعات المتقدمة لديها دائما من يقوم بالتجديد فيها في مختلف الهيئات، بل إنها صارت وظيفة مؤسسية في هذه المجتمعات، وعلى سبيل المثال، فإن الجامعات تعقد مؤتمرا سنويا للتقويم والتجديد في نفس الوقت، يعقد هذا المؤتمر في كل قسم وفي كل كلية وفي كل جامعة، ويكون الباب مفتوحا أمام جميع أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم لإبداء الرأي ووضع المقترحات الكفيلة بتجديد المناهج والبرامج وأساليب العمل في الجامعات، وهدف هذه المؤتمرات السنوية هو تحسين العمل الجامعي وتجديده ليلائم حاجات العصر ومقتضيات التطور والتقدم في المجال العلمي.

ونجد لدى كل الشركات المنتجة للسلع والخدمات "مكاتب علمية" تعني بجودة المنتج وتطويره دائما إلى الأفضل، لذا ففي شركات الحاسب الآلي على سبيل المثال لا يكاد يمر يوم دون أن تجد هناك تجديدا في تكوين الحاسب أو في البرامج التي تستخدم فيه، ويتم ذلك عادة بمساعدة الجامعات والمؤسسات العلمية في مختلف الدول.

وفي كل مجتمع اليوم توجد مجالس تشريعية وتنفيذية، والمجالس التشريعية تقوم بعدة وظائف مرتبطة بوظائف التشريع نفسه وأهمها تنظيم العلاقات الاجتماعية وتطويرها، ووظيفة تنظيم الحياة الاجتماعية واضحة وضرورية، فدائما هناك حاجات جديدة تحتاج إلى تناولها بالتنظيم ويكون من أغراض التشريع دائما تطوير المراكز وتجديدها وتحسين أدائها، ومن ينظر في جدول أعمال مجلس الشعب عندنا يجد العديد من المشكلات المعروضة عليه، منها مشروعات لقوانين جديدة لتنظيم مشكلات جديدة مثل مشروع القانون الذي ينظم الثروة العقارية وضرورة الحفاظ عليها، ومشروع القانون الذي يحاول تنظيم أعمال البناء، وذلك الذي يعالج زراعة ونقل الأعضاء البشرية، وهذا الذي يهتم بمعالجة ظاهرة الإرهاب، وذاك الذي ينظر ويتابع كل ما يجد من مشكلات ويضع تصورا لحلها.

وإذا ما نظرنا إلى الفكر الإسلامي، فإننا نجده يخضع لنفس الأسس، فالفكر ظاهرة تشتمل على تراث الأمة والفلسفات المكونة له، والأسس التي يتخذ منها أصوله، وهي ظاهرة مرتبطة بكل مجتمع. ولما كان الدين الإسلامي هو آخر الأديان، ويقوم على أصول ومنطلقات ثابتة فقد وجد في مجتمعات عديدة، يبلغ عدد من يعتنقون الإسلام، قرابة المليار ونصف أي حوالي خُمس سكان العالم، وسوف نجد مساحة هذا الفكر واسعة، ولا يمكن أن يخرج عن القواعد التي تحكم كافة ظواهر الحياة وأعني بها التطور والتجدد لأن التجديد في فهم الدين والاجتهاد ضرورة للتأكيد على أن الإسلام دين صالح للتطبيق والتجديد والتطور؛ فهو يقوم في أحكامه على الحركة في إطار الثوابت.

لقد عاش الإسلام الآن ما يقرب من خمسة عشر قرنا وكان أتباعه في البداية قلة، ولكن عددهم زاد الآن زيادة كبيرة، والتغيرات التي مرت بالحياة في هذه الحقبة من الزمن كثيرة وعميقة في نفس الوقت، مما يؤثر بشكل أو بآخر على الفكر الإسلامي.

وللفكر الإسلامي مصادر يستمد منها أحكامه وهي القرآن الكريم والسنة النبوية ثم اجتهادات الفقهاء والمفكرين التي تستمد منها، كما أن هذا الفكر انطوى على مدارس فقهية وفلسفية ومعلوماتية عديدة لم تجمد في أي مرحلة من مراحل الزمن ولم تقف أبدا عند محطة من محطات التاريخ العديدة.

ومع ذلك فلابد أن نعترف بأن الفكر الإسلامي قد اعتراه بعض صور القصور بفعل أسباب وظروف عديدة، مما جعل البعض يقول بإقفال باب الاجتهاد في الفقه الإسلامي لفترة طالت لبعض الوقت، وترتب عليها أن أصبح فقهنا وفكرنا شرحا على المتون تارة، وتكرارا للمكتوب في عصور سابقة تارة أخرى وهكذا.

ولكن المجتمعات الإسلامية بدأت تصحو وتستيقظ، وهذه الصحوة بدأت نتيجة لإعادة الدين إلى حياة المسلمين، وإن أخطأ البعض في الاجتهاد مما أوجد أكثر من اتجاه في تحديد التجديد المطلوب.

لا شك في الأهمية الفائقة للتجديد والاجتهاد في مختلف شئون الحياة، وفي مجال الدراسات الإسلامية سواء ذات الطابع الفكري أو الفلسفي بشكل عام ، أو في مجال الدراسات ذات الطابع الفقهي.



خصائص النظام القانوني الإسلامي المعاصر

1 - الفقه الإسلامي:

من المُسلـَّم به أن الإسلام عقيدة وشريعة، والعقيدة تنظم العلاقة بين الإنسان وخالقه وتتصل بشكل عام بأسس الإسلام وما يقوم عليه من أركان مثل الشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، ثم تبحث في الإيمان وأسسه، أي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والإيمان بالساعة وبأن الإنسان سينتقل من حياة مؤقتة إلي حياة دائمة.

أما الشريعة فتتمثل في الأحكام التي أنزلها الله سبحانه وتعالى لتنظم علاقة الإنسان بمجتمعه بشكل عام، فهي أحكام تحيط بأفعال الناس وتنظمها، وبالذات من حيث بيان ما يحل من الأمور وما يحرم، وما هو مندوب وما هو مكروه، ثم ما هو مباح... إلخ.

فما يميز المسلم عن غيره، هو اعتقاده بأن الله - سبحانه وتعالي - له حكم في كل فعل من أفعال العباد، ومن ثم فإن فقهاء المسلمين قد بذلوا جهودا كبيرة لإظهار أحكام الشارع في مختلف المشكلات والقضايا والأفعال والأقوال التي يقوم بها العباد، وتكون من ذلك مذاهب الفقه الإسلامي المعروفة، ومنها مذاهب أربعة سنية (المذهب الحنفي، والمالكي، والشافعي والحنبلي)، ومنها مذاهب شيعية عديدة من أهمها: المذهب الجعفري والمذهب الزيدي. وتكون من ذلك كله الفقه الإسلامي.

وهذا الفقه يتميز بخصائص معينة، كما أنه يستقي أحكامه من مصادر محددة تختلف عن سائر القوانين الأخري، وكذا يستمد قوته الملزمة من أوامر الشارع.

2 - القانون الإسلامي:

والواقع أن استخدام مصطلح القانون الإسلامي هو استخدام جديد، إذ إن المسائل التي تعالجها القوانين الوضعية الآن قـد عولجت جميعها تحت مصطلح الفقه الإسلامي، والشريعة الإسلامية وإن كانت مقدسة وتهتم أساسًا بالقواعد الكلية، غير أن الفقه باعتباره شارحًا للشريعة نصًا ومفهومًا يتسع مجاله لتناول جميع التفصيلات، ولا يقف عند الكليات. ونستطيع أن نقرر أن الفقه الإسلامي قد تولد منه القانون الإسلامي وهو يعني الاتجاه الحديث لتقنين الفقه وجعله صالح للتطبيق السهل والمباشر علي واقع الحياة.

وهدفنا هو طرح المشكلات الرئيسية التي يثيرها تطبيق أحكام الشريعة في عصرنا الحاضر؛ لأن هذا التطبيق، هو أمل المسلمين جميعًا وفي كل مكان.

إن مسيرة الفقه الإسلامي توضح إلي أي مدي كان هذا الفقه ناضجًا، ومتطورًا، ويحيط بحياة الناس، وبأنشطتهم ويقدم الحلول الواقعية، مستندًا إلي القرآن والسنة، ومستخدمًا العقل وأدوات علمية ترتكز علي الفهم الواعي والمنطق السليم.

الطابع الديني للنظام القانوني الإسلامي:

معلومٌ أن القانون الإسلامي هو قانون ذو طابع ديني. ويعني هذا أن الفقيه وولي الأمر وكل من له دور في ظل النظام القانوني الإسلامي إنما يسعي إلي إيجـاد حكم الله سبحانه وتعالي في المشاكل والمسائل التي تعرض للنـاس في حياتهم. وهو يسعي إلي بيان هذا الحكم من القرآن الكريم أولاً، فإذا لم يجد فمن السنة، فإن لم يجد فعليه أن يجتهد برأيه مستندًا إلي هذين المصدرين الرئيسين للشريعة. فالبرغم من أن الفقه الإسلامي هو صناعة بشرية؛ لأن الإنسان هو الذي يقوم بتفسير نصوص الوحي الإلهي، غير أن الفقيه والمقنن في المجتمع المسلم يلتزم منهجًا في الاجتهاد ويعتمد أساسًا علي مصدري الشريعة الرئيسين (الكتاب والسنة). ومن هنا جاء الطابع الديني للنظام القانوني الإسلامي.

ومع ذلك فبالرغم من أن الفقيه يجتهد وفقًا لمعايير علم أصول الفقه، فهو وإن كان ما يقوله عملية بشرية غير أن اجتهاده يختلف عن اجتهاد الفقيه القانوني، لذا تعددت آراء الفقهاء في المسألة الواحدة. علي خلاف الاجتهاد القانوني الذي يقوم بعملية عقلية صرفة، بينما كل فقيه يستند إلي حجة ويستند إلي مصادر الشريعة وأدلتها.

إن الفقه الإسلامي هو العلم المتعلق باستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. فهو علم يعتمد علي التفسير والاجتهاد المنظم.

إن احترام الشريعة وتطبيقها السليم هو الغاية، والفقه هو الوسيلة.

ويميز الفقهاء بين نوعين من أنواع الأحكام الشرعية:

النوع الأول: هي الأحكام الثابتة بأدلة مباشرة في نصوص الكتاب والسنة ذات الدلالة الصريحة علي الأحكام، وتشمل أحكامًا كلية تعتبر أساس الشريعة، وهي وإن كانت محصورة عددًا، غير أنها لا تتناول التفاصيل.

النوع الثاني: فيتمثل في الأحكام التي لا توجد لها نصوص مباشرة في الكتاب أو السنة، وإنما عملت فيها عقول الفقهاء استنباطا واجتهادا من أدلة غير مباشرة في الكتاب والسنة، أو عن طريق القياس أو الاستصحاب أو رعاية للعرف والمصالح المرسلة بأنواعها... إلخ، وهذا المجال هو مجال عمل الفقه.

والأحكام المتصلة بالنوع الأول تطابق الشريعة، أما الأحكام الخاصة بالنوع الثاني فهي تتصل بفهم الناس للشريعة وتتسم بتعددية الرأي ([1])

لذا فلا يوجد تطابق بين الفقه والقانون الإسلامي والشريعة، وإنما يحاول المجتهد أن يصل إلي حكم الشرع في المسألة، وإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد. ولا يستطيع أحد الفقهاء أن يدعي أنه ينطق بحكم السماء بلا خلاف، ولا ينفي ذلك الطابع الديني للأحكام الشرعية، أن الفقيه ليس حرا في أن يتبني الرأي الذي يراه بنفسه علي أساس المصلحة العامة أو علي أساس المنطق، وإنما عليه أن يبني حكمه علي مصدر من مصادر الشريعة وهذا ما يميز أحكام القانون الإسلامي عن أحكام القوانين الوضعية التي لا تهتم بالنقل، ولا تهتم بالوحي، وإنما تبني الأحكام علي أسس أخري، قد تدخل في اعتبار الفقيه والمجتهد في الإسلام، ولكن لا يجوز له أن يعتمد عليها وحدها.

والقانون الوضعي يهتم بما تسير عليه العلاقات في الواقع ويستخرج القواعد مـن تطبيق المجتمعات لها، أما القانون الإسلامي فيعتمد علي مبادئ وقواعد أنزلها الله سبحانه وتعالي علي نبيه. لذا فهي ملزمة. لكن لأن البشر هم الذين يفهمونها ويفسرونها بعقولهم، فإن الأحكام العملية والاجتهادية في الفروع لا تحوز صفة القداسة، وبالتالي يمكن أن تتغير من عصر إلي عصر، ومن مكان إلي مكان، وتسير- خاصة في المعاملات - علي علل وحكم واضحة إذا تغيرت العلة فيها تغير الحكم الشرعي، لذا قيل بأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.

ولا شك أن هذه المسائل تحتاج إلي إيضاح أكثر نعرضه فيما يلي من صفحات البحث.

قوة الإلزام للأحكام الشرعية:

لا أريد أن أدخل في الجدل الذي دار حول طبيعة القانون بشكل عام، وهل هو يمثل مبادئ عامة مجردة لا تختلف كثيرا من مجتمع إلي آخر، أي قواعد عامة سرمدية خالدة كما تقول مدرسة القانون الطبيعي، أم يمثل أحكاماً تولدها الأحداث وتحيط بالحياة الاجتماعية لضبطها في كل مجتمع، أم هي قواعد ومبادئ خالصة ترتبط ببعضها البعض وترتد جميعها إلي قاعدة أعلي كما تقول المدرسة القاعدية. وأستطيع أن أقول إن جانبًا كبيرًا مـن هذه القواعد تشملها أحكام الإسلام المتمثلة في الأوامر التي نزلت من السماء لتحكم الإنسان في علاقاته الاجتماعية بمختلف صورها.

إن جانبًا كبيرًا مـن القانون الإسلامي يمثل قواعد آمرةJus Cognes أمرنا الله سبحانه وتعالي' في قرآنه الكـريم وفي سنة نبيه صلي الله عليه وسلم أن نتبعها، لكن يبقي الكثير من هذه الأوامر والنواهي مصاغًا في كليات ومن ثم تحتاج دائمًا إلي عمليات تفسير.

ونستطيع القول بأن أساس ([2]) التزام الناس بالأحكام الشرعية في تصرفاتهم، ترجع إلي أن هذه الأحكام تعبر عن إرادة الله وأوامره إليهم، يقول الله تعالي':( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) [المائدة: 67]، (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44]، (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً)[النساء: 105].

وقُرِنَ اتباع أحكام الشريعة بالإيمان في قوله تعالي': (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) [النساء:65]، (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) [النساء:59]

ويقول سبحانه وتعالي': (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7].

وهكذا نجد أن القاعدة الشرعية قاعدة ملزمة لأنها أوامر الله سبحانه وتعالي' إلي المؤمنين والتي يشترط اتباعها لتحقق وصف الإيمان.

ولكن لا يعني ذلك أن الشريعة تأخذ بالاتجاه الوضعي، بل العكس هو الصحيح. فالشريعة لا تربط القاعدة الشرعية بإرادة السلطة الحاكمة؛ وإنما إرادة الله سبحانه وتعالي، كما أن بعض مدارس القانون الطبيعي متأثرة بالفقه الإسلامي، إذ تري القانون تعبيرا عن إرادة إلهية سرمدية خالدة ([3]).

وقد سبق أن رأينا أن في ارتباط مختلف جوانب الإيمان بالقواعد التشريعية ما يضفي علي القاعدة الشرعية قوة خاصة باعتبارها نابعة من اعتقاد الإنسان وإرادته طاعة الله عند الأخذ بها.

ومع ذلك فإن البشر يقومون بتفسير النصوص، وتوسع الفقهاء علي مر العصور في فهمـها والبناء عليها، وفي مختلف الأزمنة والأماكن التي دخلها الإسلام وعاشت علي قواعده.

فعندما يقول المولي في كتابه الكريم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى)[البقرة:178]. فلابد أن يعرف معني القصاص علي وجه التحديد، وهل يختلف مـن حالة إلي حالة؟ وكيف ينفذ القصاص؟ وما شروط تطبيقه؟ وما حكم القتل الخطأ أو الضرب الذي أفضي إلي مـوت إلي آخـر هـذه القضايا، والقضايا الأخري العديدة التي يثيرها معرفة المعـني الدقيق لهذا النص والأحكـام التي يتضمنها. وعندما يقول القرآن الكريم: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا)[المائدة: 38]، نجد أن الفقه الإسلامي قد وضع شروطًا عديدة تتصل بتطبيق هذا الحكم أيضًا، فمن السارق؟ وما الشروط التي يجب أن تتوافر فيه؟ وما السرقة؟ وكيف تكيف الجريمة في الإسلام؟

لقد استقر الفقهاء علي وضع ضوابط شديدة لتطبيق هذا الحد، من حيث تقدير ما يعتبر سرقة أومن حيث إثبات الجريمة. إن جريمة السرقة لكي تقوم اشترط الفقهاء في المسروق:

- أن يبلغ نِصَابا (أي مبلغا معينا من المال) لابد أن يختلف باختلاف العصور، لكن الحد الشديد - قطع اليد - لا يمكن أن يطبَّق إذا كان المسروق مالاً يسيرا.

- وأن يكون في حرز مغلق حتي لا يحمل الشخص العادي وزرًا نتيجة إهمال من لا يحافظون علي أموالهم.

- وهناك شروط أخري من أهمها كذلك ألا تكون هناك شبهه ملكية للمال لدي من يسرق.

ولعل من أهم ضوابط تطبيق هذا الحد، هو ألا يحتاج السارق إلي المال المسروق ليسد رمقه ([4]).

وهكذا نجد أنه ولو أن الأحكام التي يتشكل منها الفقه الإسلامي قـد نزلت من السماء، إلا أنها لابد أن تُفسَّر تفسيرا بشريا؛ لذا إذا اكتسبت صفة التقديس في أصولها المباشرة والكلية، إلا أننا لا يمكن أن نضفي هذه الصفة علي عمليات التفسير التي تُعد عملا بشريا يختلف من مفسر إلي مفسر، ومن فقيه إلي آخر. وقد أدي ذلك إلي قيام حركة فقهية وعلمية كبيرة ميزت القانون الإسلامي. فلقد وُلِدتْ مدارس للفقه اختلفت فيما أتت به من أحكام وفقا لاختلاف ظروف الزمان والمكان والتركيب الفكري والديني للفقيه والمفسِّر، وهذا يفسر بأن هناك دائما اجتهادات فقهية، وتجديد فكري لجعل النصوص تطبق بسهولة علي وقائع الحياة المتجددة دائما والمتغيرة دائما. وظل الفقه الإسلامي يحكم المشكلات التي تثور للناس في حياتهم التي تتطور من عام إلي عام. وكان من الطبيعي أن تختلف الحلول، ومن ثم كانت عندنا أكثر من مدرسة للفقه الإسلامي([5]).

إن النصوص الظنية التي تحتمل أكثر من معني قد جاءت في الأحكـام التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، وهذه يجتهد فيها العلماء في ضوء القواعد الكلية ومقاصد الشريعة لاستخراج الأحكام الجزئية التي تلائم زمنهم وبيئتهم، وتناسب عاداتهم وأحوالهم، وفيها يكون الاختلاف باختلاف طرائق الاستدلال، ولا يؤدي هذا الاختلاف إلي ضرر أو مفسدة ما دامت مسائل الدين الأساسية، (الاعتقادية والعملية) موضع اتفاق، تجتمع عليها الأمة، بل في الاختلاف بالجزئيـات وتعدد الآراء في حكمها ما فيه يسر، إذ يتيح هذا لولي الأمر أن يختار منها ما يحقق مصالح الناس، ويتفق مع ما تتطلبه حياتهم، ويرفع عنهم الضيق والحرج، وهي التي كانت مصدر ثروة تشريعية عظيمة، وتراث فقهي رائع، يستوعب ما يجد للناس من أقضية، في ظل شريعة الإسلام الخالدة، وما كان لنصوص الشريعة القطعية المتناهية أن تحكم ألوان النشاط البشري المتجدد الذي لا ينتهي، ولو جاءت أدلة الأحكام كلها قطعية، لكان في هذا حجر علي العقول، وجمود في التفكير، وحرج شديد يقف الناس أمامه عاجزين عن معرفة أحكام المسائل المتجددة في كل عصر.

وقد اكتسبت الشريعة الإسلامية بأدلتها الظنية مرونة كثيرة، إذ أتاحت للعلماء المجتهدين أن ينظروا فيها، وأن يستنبطوا الأحكام التي تتفق مع المصالح المعتبرة شرعاً بما يناسب البيئة والزمان، وهذا هو الذي أدي إلي اختلاف الفقهاء، فكان في اختلافهم سعة علي الأمة، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: " ما يسرني أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا، لأنهـم إذا اجتمعوا علي قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة " ([6]).

ومع ذلك، ولكي يكون هذا الخلاف محكوما؛ فقد اجتهد العلماء في وضع مقاييس يلتزم الفقيه بالرجوع إليها، ووضع الفقهاء علم أصول الفقه، هذا العلم الذي يمكن أن نقول عنه إنه علم المصادر والأدلة للفقه الإسلامي، فهو يوضح المصادر التي يجب الرجوع إليها في معرفة المبادئ والقواعد، أو بالتعبير الاصطلاحي، الحكم الشرعي، كما يضع الوسائل التي تعين علي استنباط الحكم الشرعي أو بمصطلح حديث الآليات التي تُوصِّل إلي هذا الحكم. ونجد الأصوليين يتوسعون في شرح معني القياس وكيفية تطبيقه، والاستصحاب والاستحسان، وسد الذرائع والمصالح المرسلة. وأنتج الفقهاء والأصوليون معا ما يعرف اصطلاحا بالقواعد الفقهيه، كقاعدة لا ضرر ولا ضرار والمشقة تجلب التيسير، والضرر الأقل ُيتحمل لدفع الضرر الأكبر والأمور بمقاصدها … إلخ.

واستنبط الأصوليون كذلك نظرية المصالح، ومقاصد الشريعة، وهذه المقاصد هي بمثابة المرشد العام للفقيه وللأصولي أيضا، يجب أن يسترشد بها دائما عند قيامه بالتفسير ومحاولاته وضع الحلول. ومن هذه المقاصد مثلا رفع الحرج وإصلاح الناس وتدعيم الخير في المجتمع والتيسير علي الناس في أمور حياتهم. كما تستهدف الشريعة دائما تحقيق العدالة، وبث مكارم الأخلاق للجماعة المسلمة. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا. وتراعي الشريعة في هذا الشأن أيضا إيجاد التنظيم الذي يساعد علي رعاية الأسـرة وضبط إيقاع المجتمع بها وجعلها الخلية الأولي للحياة الاجتماعية في الإسلام.

إن الدراسات حول مقاصد الشريعة تعد من أهم الدراسات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار ونحن نتحدث عن الفقه والقانون الإسلامي. كما اجتهد علماء الأصول في بيان العلل والحكم التي بنيت عليها أحكام التشريع الإسلامي، وردها بشكل عام إلي تحقيق المصالح المادية والمعنوية للناس وتحقيق العدالة، وتطبيق الأخلاق، وإعطاء كل ذي حق حقه في المعاملات... إلخ. وتكونت نظرية كاملة للمصالح اعتبرت أن معظم أحكام المعاملات أُقيمت لتحقيق هذه المصالح.

إن الله سبحانه وتعالي شرع أحكامه لهداية الناس وتحقيق السلام والمحبة بينهم، وحثهم علي التكافل الاجتماعي الذي يجعل المجتمع الإسلامي مجتمعا قويا بالترابط بين أشخاصه.

لذلك سنتحدث أيضا فيما يتصل بحكمة التشريعات الإسلامية باعتبارها أساس الاجتهاد والتجديد في المبحث الثاني..



الحكم التي يقوم عليها التشريع الإسلامي

مما لا شك فيه أن من أهم وسائل التجديد والاجتهاد في الفقه الإسلامي، معرفة أسباب التشريعات، وهذه الأسباب يطلق عليها الأصوليون العلل والحكم. والحكم الشرعي يدور مع علته وجودا وعدما، لذا فإن معرفة العلة ركن أساس في الاجتهاد وتستخدم بسعة في مباحث القياس علي وجه الخصوص.

أما الحكم فهي أسباب تقل في درجة الاعتماد عليها من العلل. وسنحاول في هذا المبحث الوصول إلي الحكم العامة التي تنبني عليها الأحكام والتشريعات في الفقه الإسلامي.

ولا شك أن كتاب الله هو معجزة الإسلام الكبري، بل هو معجزة الحياة كلها بما تضمنه من أحكام خالدة، ومبادئ سامية لا يتقادم عليها عهد، ولا يذهب قيمتها تطور. إنها الأحكام التي وضعها خالق الكون لتحكم الحقبة الأخيرة من حياة الإنسان، لذا فهي دائما متجددة، قادرة علي احتواء كل ما ينتجه الإنسان العصري من علوم ومعارف، وبحوث وكشوف واختراعات([7])

ونعني بالاحتواء هنا تنويه القرآن الكريم وإشاراته إلي كافة وجوه هذا النشاط الإنساني الخلاق، والتنبؤ به قبل أن يحدث وفي كافة المجالات.

ورحلة الإنسان مع التشريعات التي تصلح لحياته وتستقيم أموره بها رحلة طويلة بدأت مع بداية خلقه، وسوف تستمر إلي نهايته، فلا مجتمع بلا قانون يحكمه، ولا لزوم للقانون إن لم يكن هناك مجتمع.

علي أن الإنسان رغم تزايد إدراكه، ووصوله إلي مراحل كبيرة من العلوم والتقدم لا نراه قد وصل إلي الطريق الصحيح في مجال التشريع، ولا تلبث خطواته أن تتقدم في هذا الاتجاه حتي تعود القهقري إلي حالة من التأخر والإخفاق. نقول ذلك بسبب التردي الشديد في تشريعات بعض الدول عن بلوغ الأسس الأخلاقية التي ينبغي أن تُقام عليها صروح المجتمعات. فتحت تأثير دعاوي الحرية، نجد أن العقال قد أطلق لشهوات البشر لتتحدي النظام والأخلاق ولتهوي بالإنسان إلي هوة سحيقة من الرذيلة وسوء الأخلاق. وهل نقول إن حرية المرأة الكاملة في بعض المجتمعات الإسلامية نموذج لذلك؟ هل نقول إن التردي في هذا المجال قد وصل إلي حد مُخيف ينذر بالخطر للمجتمعات الغربية بشكل عام؟ هل نذكر أيضا الشذوذ الجنسي وكيف استطاعت أغلبية في دولة عريقة مثل بريطانيا أن تقرر إباحته رغم المرض الخطير الذي بات يهدد الناس في كل مكان من جراء إباحة مثل هذه العلاقات "الإيدز"؟ كذلك تستطيع المجالس النيابية في مختلف الدول أن تضع أي تشريع أو تُجري أي تعديل علي تشريع قائم، والمقياس في ذلك ما تراه هي محققا للصالح العام، دون قيود. ولا يمكن أن نقول أن ما تأتي به هذه المجالس يحقق الصالح العام دائما، لذا فإن الإعجاز القرآني يبدو واضحا من هذه الزاوية.

إن الشارع هو الله، ويجب أن تحكم المجتمعات الإنسانية بما أنزله من أحكام وما سنَّه من تشريعات حتي نتخلص من حقبة الحكم بالأهواء. ونجد معالجة حاسمة لهذه المسألة في القرآن الكريم في قوله تعالي': (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) [المائدة: 47-49].

فمن حق المجالس أن تُشرِّع وأن تضع الأحكام التي تصلح للمجتمعات، ولكنها ليست مطلقة الحق في أن تضع ما تشاء من الأحكام وإنما هي مقيدة، ليس فقط بما لا يتعارض مع الشريعة كما يصرح المسئولون في مصر في بعض الآونة، وإنما أيضا لابد أن تكون هذه المصلحة متمشية مع جوهر الدين الإسلامي مما ورد في نصوصه وأحكامه وما تم الاتفاق علي أنه يحقق المصالح المعتبرة للناس.

ومن هنا تبدو الأهمية الفائقة لفهم الحكمة من كل تشريع إسلامي حتي نصل إلي السمات العامة التي تهيمن عليه، والتي ينبغي علي المشرِّع أن يرجع إليها ويقيس عليها المصالح التي يريد اعتبارها أو تلك التي يريد إلغاءها.

إن صيغة الأمر والنهي صيغة بغيضة علي الناس، لا يحبونها عادة؛ لذا فإن اقتران الأمر بما يستوجبه من حكمة مسألة ضرورية في عصر الحريات، وفي عصر نما فيه الإدراك الإنساني ووصل فيه التمسك بالحرية إلي مدي بعيد.

والله خالق العباد، ويعلم طبيعتهم وما فُطروا عليه من عناد، لذا فإنه ما أنزل حكما إلا وله حكمة، وما وضع مبدأ إلا ووراءه مصلحة، وما شرع من قواعد إلا وقد بين فائدتها للخلق، وما يترتب علي إهمالها من أضرار.

إنه وجه كبير من وجوه الإعجاز أن نرى آيات الأحكام ترتبط في العادة بالحكمة من تشريعها، والغريب أن القرآن الكريم يفعل ذلك حتي في التشريعات المتصلة بالعبادة والتي تعتبر حكمتها وغايتها التقرب من الله وعبادته، ولكنه ينبِّه الناس إلي فوائد دنيوية وأخروية عالية لتشريع العبادات. ويفعل ذلك بشكل أكثر تفصيلا في التشريعات المتصلة بالمعاملات، أي التي تُنظـِّم علاقات الأفراد مع بعضهم وهي الأمور التي تُعني بها التشريعات الحديثة، إلي الحد الذي جعل الحكم يدور مع علته - وهي سبب وجوده - وجودا وعدما.

وهناك آيات جليلة تشرح الحكمة العامة من التشريعات الإسلامية فضلا عن أن الآيات المختلفة في نطاق ما تشرعه من أحكام، تذكر الحكمة من ورائهـا في الغالب. وهكذا يمكن ببساطه أن نتكلم عن كل تشريع، ونبحث عن الحكمة من ورائه. ففي مجال العبادات نستطيع أن نتحدث عن حكمة الصلاة كما تبدو من الكثير من الآيات وهي النهي عن الفحشاء والمنكر.

ونستطيع كذلك أن نتحدث عن حكمة الصيام وهي بث التقوي في النفوس وتُعوّدُ الصبر، وحكمة الزكاة طهارة النفس والقضاء علي ظاهرة الفقر، إلي غير ذلك من الأمور، وهي بالفعل أمور تستحق التوقف عندها، ففي كل عبادة حكمة أو حكم بالغة يحتاج الناس دائما إلي الوقوف عندها والاستفادة منها في الدين والدنيا.

كذلك يمكن تناول الحكمة من التشريعات المتعلقة بالمعاملات، فتحريم الخمر والميسر يرجع لما فيها من الإثم، فضلا عن تلافي كيد الشيطان الذي يريد أن يوقع الناس في العداوة والبغضاء، وهي أمور واضحة جلية نشهدها في حياة من استباحوا هذه الأمور فجعلتهم أسري أهوائهم، يرتكبون أشد أنواع الجرائم بسببها.

كذلك في العقود والعهود وفاء، وهو ما يتمشي مع متانة الروابط وحسن الخلق ونجد القرآن الكريم يشبِّه من ينقض عهده بمن تنقض غزلها الذي تعبت فيه، وفي القصاص حياة، وفي تطبيق كل حد حكمة ظاهرة، وإن كان القرآن يتحدي هنا بجميع آيات الحدود موضحا أنها جاءت لمنع الاعتداء علي الجماعة التي يترتب علي المساس بها أضرار بالمجتمع الإسلامي كله، ومن ثم يضع لها عقوبات رادعة وزاجرة لهذه الجرائم تكفل البعد عنها، والخوف من الاقتراب منها.

فحد القذف، يواجه من يحبون أن تشيع الفاحشة في الأمة بما يترتب علي ذلك من هوان الجماعة وشيوع الفساد فيها، وحد الزنا يواجه الخيانة من الزوجة أو الزوج واختلاط الأنساب وهي قيمة جماعية تحرص أية جماعة علي صيانتها، وحد الحرابة يستهدف هؤلاء الأشرار الذين ينقضُّون علي الجماعة، يسلبون وينهبون ويقتلون ويروعون الآمنين. وحد الشرب، يحمي من يضيعون عقولهم ويهيئّون أنفسهم لارتكاب الجرائم غير عابئين بالمجتمع وبأعراض الناس، وهكذا نجد وجه التحدي هنا ظاهرا، فالحدود تمثل جرائم واقعة علي فرد واحد، إلا أنها لتأثيرها البالغ علي الجماعة حرمها الله وأضفي عليها صفة جماعية. ولعل ما يمثل هذا الطابع أبلغ تمثيل قوله تعالي': (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)[المائدة:32].

ولا نستهدف في هذه الأوراق التعرض لكل حكمة من حكم التشريعات الإسلامية، فهذا مما يحتاج إلي دراسات واسعة تعطي هذه المسألة حقها وأن ما سوف نهتم بإبرازه هنا الحكم العامة وراء التشريعات الإسلامية، والسمة العامة للتشريع الإسلامي، أو بعبارة أخري فلسفة التشريع الإسلامي، والدعائم التي يقوم عليها. ويستدعي ذلك أن نقوم بدراسة استقرائية تُستخلص من حكم مختلف التشريعات، الحكمة العامة التي تهيمن علي التشريع الإسلامي وهناك بلا شك آيات بينات في هذا المجال، يتكامل الإيضاح الذي تُورده مع الإيضاح الذي يتبين من تناول الحكمة من وراء مختلف الأنظمة والتشريعات الإسلامية.

ودون أن ندَّعي أن هذه الدراسة تُجيب علي هذه المسائل الواسعة نستطيع القول بوجود محاور رئيسة تدور حولها التشريعات الإسلامية، سيقتصر همنا في هذا الفصل علي التناول السريع لها بالقدر الذي يكفي لإعطاء صورة واضحة للحكمة من وراء معظم هذه التشريعات، وستكون خطوة نرجو الله أن يوفقنا لأن نُتْبعها بخطوات أخري في هذا الطريق.

وبتحليل الحكم العامة للتشريع الإسلامي نجدها ثلاث حكم أساسية هي:

1 - العدالة. 2 - المصلحة.

3 - حسن الخلق.

وسنعرض لهذه الحكم بشيء من الإيضاح.

1 - العدالة والتشريعات الإسلامية

دور العدالة في صناعة القاعدة القانونية:

تُعتبر العدالة مقصدا عاما لكافة التشريعات التي يضعها الإنسان لحكم العلاقات الاجتماعية، وحكمة رئيسية تدور حولها مختلف القوانين.

لذا يقال بأن أي قانون لابد أن يعتمد علي شيء من العدالة، ونجد أن أجهزة تطبيق القانون تسمي بأجهزة العدالة، فيقال عن المحاكم أنها دور العدالة، ويقال وزير العدل ولا يقال وزير القانون، وإذا كانت المحاكم تطبق القانون إلا أن هدفها هو تحقيق العدالة، ومن هنا فإن القانون ليس في النهاية إلا وسيلة لتحقيق العدالة، وإذا حدث أن التطبيق القانوني قد تجافي مع العدالة لسبب أو لآخر، فيجب أن يقوم القاضي بالتدخل لتخفيف وطأة الحكم القانوني أو لتكملة النقص فيه أو لطرحه في بعض الأحيان، ووضع الحل الذي يتفق مع العدالة([8]).

وهكذا نجد أن فكرة العدالة تمارس دورًا مهمًا في نشأة القاعدة القانونية وتطبيقها في مختلف الدول. إنها الفكرة التي كانت - ولا تزال - تحكم العلاقة بين المعتدي والمُعتَدَي عليه، والآباء والأبناء، والحاكم والمحكوم... إلخ.. وسبب سيطرة فكرة العدالة علي النظام القانوني هي أنها تهدف إلي تحقيق المساواة التامة بين الناس، وإلي إقامة التعادل بين ما يأخذون وما يعطون. إنها الفكرة التي تقضي أن يحترِمَ الشخص كلمته وأن ينفِّذَ عهده بحسن نية، وأن يبتعد عن الغش والخداع في التعامل مع الناس، وأن يعوِّض الغير عما يلحقه من ضرر، ويقال عادة - ولهذه الأسباب - أن العدالة هي الأم التي ولدت القانون.

وإذا كانت العدالة ليست مصدرا أصليا للتشريع في مختلف الدول، إلا أنها - بلا أدني شك - مصدر مادي يسمح بأن تتولد عنه أسس مباشرة تدخل فيه، وهو ما يفعله المُشرِّع العاقل عندما يستنبط قواعد قانونية من فكرة العدالة أو من الإحساس بها، فلا ريب أن الإحساس بما هو عادل وما هو غير عادل لدي المشرع أو القاضي أو المتعاقدين يؤثر بجمعه علي إنشاء وتطوير القواعد القانونية الداخلية والدولية علي السواء.

ويحدد البعض عناصر صناعة القاعدة القانونية في مسائل ثلاث، هي السياسة والقانون والعدالة، ولكل عنصر من هذه العناصر دور تكثر فاعليته أو تقل بحسب ظروف الزمان والمكان الذي توجد فيه، ويتقابل القانون والعدالة في دائرتين مركزيتين، الأولي أكثر تحديدا من الثانية. ومع ذلك فإنه يتكون من مجموعهما كافة القواعد التي تحكم الروابط البشرية. وتلك الدوائر ليست منفصلة بحواجز لا يمكن تعديها، بل إن الفاصل بينها ليس محكما دائما وكثيرا ما يحدث التداخل بينهما، وذلك نتيجة الاختراق المتزايد للأفكار المعنوية في دائرة القانون. ويحدث ذلك بصفة خاصة في العصور المضطربة عندما يموج ضمير الأفراد بأحاسيس وأفكار نبيلة تؤثر في سلوكهم وتدفع قانونهم وفقا لذلك لأن يتغير ويساير النهج الأخلاقي العادل.

وهكذا يتفق الفقه القانوني علي أن للعدالة دورًا له أهميته في خلق القواعد القانونية وفي تطبيقها بشكل عام، وإن كان هذا الدور يتأثر بالسياسة السائدة في كل مجتمع ويأتي القانون ليقيم توازنا بين اعتبارات العدالة والسياسة واعتبارات الأخلاق واعتبارات المنافع؛ لذا يفتقر دائما إلي الوصول إلي الحل العادل، لأن السياسة تجعله يتأثر بالأهواء.

وهكذا فمن الضروري أن يتطابق القانون الوضعي مع قواعد مثالية-قواعد القانون الطبيعي - والتي نسميها هنا قواعد الشريعة وأهمها - بالطبع - العدالة، فكيف توجد العدالة في التشريعات الإسلامية، وإلي أي مدي تطابق الحلول في القانون من هذه الناحية؟

الإعجاز القرآني في مجال العدالة:

يختلف الأمر في الشريعة الإسلامية عنه في التشريعات الوضعية فيما يتصل بوضع العدالة كهدف لا تؤثر فيه السياسة، ولا المنافع أو الأهواء الشخصية للحكام؛ لأن الله سبحانه وتعالي هو العادل مع خلقه، وألزمهم بها في تعاملهم مع بعضهم البعض لذا يتجلي الإعجاز القرآني في الآيات الكريمة التي تحدثت عن العدالة فجعلتها قيمة مقدسة يجب دائما الوصول إليها أيا كان الضرر الذي يظن تحققه منها.

ويقول أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة في هذا المعني "إن سمة الإسلام العدالة". وكل تنسيق اجتماعي لا يقوم علي العدالة منهار - مهما تكن قوة التنظيم فيه - لأن العدالة هي الدعامة وهي النظام وهي التنسيق السليم لكل بناء([9]).

فالله سبحانه وتعالي سيعامل الناس يوم القيامة بعدالة كاملة، ولن يترك شيئا لا يحاسب عليه، فيجازي المحسن ويعاقب المسئ، بالقسط. يقول سبحانه وتعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47]. ويقول سبحانه وتعالي':( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة: 7-8].

وأوصي سبحانه وتعالى رسله وعباده بأن يقيموا العدالة في الأرض، فيقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].

ويقول جل جلاله:( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [النحل:90]

كما يقول: (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الأنعام: 152].

وهكذا تظهر الآيات السابقة العدل كقيمة أخلاقية سامية يجب اتباعها في الحياة وفي المعاملات وفي استنباط الأحكام بشكل عام.

وينبِّهنا الله جل جلاله إلي ضرورة الحكم بالعدل في الخصومات والأقضية في الكثير من الآيات الأخرى، مثال ذلك قوله تعالي: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)[النساء:58].

ويقول أيضًا: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) [المائدة: 42].

وفي مجال العلاقة بين الدولة الإسلامية والدول الأخري يقول سبحانه وتعالي': (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8].

والواقع إن حصر ما ورد في القرآن الكريم بشأن العدالة وضرورة الوصول إليها في أي نظام تشريعي، من الأمور الصعبة، إذ لا أكون مبالغا إن قلت إن كافة الآيات الكريمة التي رسمت أسلوب الحياة للناس ووضعت مناهج للسعي في الأرض ترتبط بالعدالة وتجعلها مقصدا رئيسا لها. لذلك اكتفينا بذكر أمثلة من هذه الآيات وردت بالنسبة إلي بعض صور المعاملات.

العدالة الاجتماعية:

يعتبر تقسيم العدالة إلي عدالة التوزيع - عدالة القسمة ([10])- وعدالة تعويضية أو تبادلية([11])، هو أهم التقسيمات المقررة للعدالة وتنجلي الصورة الأولي في توزيـع الجـاه والمـال وكـل ما يمكـن قسمته بين هؤلاء الذين يعترف بهم الدستور. فيجب أن يقوم نوع من التوزيع النسبي للمزايا الاجتماعية وللأعباء كذلك علي كافة المواطنين بحسب قدرتهم وإمكاناتهم ودرجة مساهمتهم في تحمل أعباء المجتمع ([12]).

ونجد القرآن الكريم يعبر عن هذه الصورة من صور العدالة في العديد من الآيات الكريمة. من ذلك قوله تعالي': (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر:7]. وعلي أساس هذه الآية قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنع توزيع الأراضي المفتوحة علي الفاتحين. وتفصيل ذلك أنه عندما توسعت الدولة الإسلامية وانضمت إليها بعض الأقاليم الجديدة بالفتح، اختلف عمر مع الصحابة في طريقة التصرف في الأرض، وبينما مال الغالبية إلي قسمتها بين الفاتحين وفقا لآية الغنائم، اعتمد هو علي الآيات الكريمة التي ذكرناها، ورفض التقسيم ووضع قاعدة مؤداها ترك الأرض لأهلها وفرض خراج عليها حتى يمكن الاستفادة منه في الإنفاق علي المرافق العامة للمسلمين كافة. فقد فهم هذا النص علي أنه يعني ترجيح مصلحة الأمة الإسلامية التي تقتضي عدم استئثار فئة من الناس بتملك الأراضي؛ لأن ذلك مخالف للعدالة وللنص القرآني، الذي أكمل الآية التي ذكرها عندما عدَّدَ فئات مَنْ يستحقون وذكر في آخرهم: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ) [الحشر:10].

وأخذ عمر بن الخطاب يدافع عن وجهة نظره بقوله: "أرأيتم هذه الثغور لابد مـن رجـال يلزمونهـا، أرأيتم هذه المدن العظام كالشام ومصر والكوفة، لابد لها من أن تُشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم، فمن أين يعطي هؤلاء إن قسمت الأرضين"؟!!

وهكذا أعمَلَ عمر بن الخطاب قاعدة العدالة التوزيعية أو ما يطلق عليها حديثا "العدالة الاجتماعية" فقد رأي ضرورة حصول جماعة المسلمين علي موارد تنفق علي المحتاج منهم وعلي رعاية المصالح العامة وإدارة المرافق في الدولة الإسلامية، ورجح هذه المصلحة علي مصلحة قلة من الغزاة والفاتحين وأبنائهم، فقد كان ريع هذه الأرض كلها سيذهب إليهم ([13]).

ومن ذلك يمكن القول: إننا أمام نص محكم يحدد ضرورة استفادة كل الناس بالأموال العامة، لا الذين يوجدون منهم وقت تكونها فحسب؛ بل الذين يأتون من بعدهم، هل يمكن تصور نص وضعي يعنيه ذلك الآن؟ صراحة: لا أظن. ونري أيضا تطبيقا يدل علي عبقرية مبكرة وقدرة علي النفاذ إلي حكمة من حكم التشريع الإسلامي في وقت لم تكن فيه مدارس ولا معاهد ولا جامعات، ولكنها جامعة الرسول ومدرسة القرآن.

وبالنسبة إلي الصورة الأخري من صور العدالة - أي العدالة التعويضية أو التبادلية - فهي تلعب دورا تصحيحيا في العلاقات التي تتم بين الأفـراد، وتتطلب ألا يأخذ أحد في العقود والمعاوضات أكثر مما يستحق، وعليها تم بلورة ضرورة قيام توازن مالي واقتصادي في العقود والصفقات.

ونري هذا المقصد واضحا أيضا بشكل معجز في القرآن الكريم والسنة الشريفة، فالقرآن الكريم يمنع أي استغلال في التعامل ويوجب أن تقوم العقود علي أسس متوازنة.

ولا شك أن حـرص القـرآن الكـريم علي سلامة التعامل والتوازن بين أطرافه، لا يواتيه أي حرص لأي مُشرِّع آخر في أي قانون. ولن ننظر طويلا في التشريعات الإسلامية في هذا الشأن وإنما سأكتفي بما ورد بشأن الربا في القرآن. يقول سبحانه وتعالي: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [البقرة: 275].

ويشدد الله سبحانه وتعالي النكير علي من يأكلون الربا فيقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَفَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة: 278-279].

ويصل القرآن الكريم بالناس إلي قمة المسئولية في هذا المجال، فلا يجعل المال ينتج مالا في حالة التأخر في السداد لعذر فيقول: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة: 280-281]

2 - المصلحة والتشريعات الإسلامية:

إن وجود مصلحة واضحة في كل تشريع، أمر ضروري لإمكان الاقتناع به والإقبال علي تنفيذه؛ لذا كانت فكرة المصلحة، أو كما يتحدث رجال القانون، الصالح العام، هدفا رئيسيا لكل تشريع.

وفي الشريعـة الإسلاميـة تقـوم المصلحـة بـدور مهـم في المجال التشريعي، ربما لا تقوم به في أي نظام آخر. فهي ليست هدفا عاما للشريعة، ومقصدا كليا من مقاصدها فحسب؛ بل هي حكمة واضحة وجلية من سننها وتقريرها؛ لذا يوجد الحكم الشرعي حيث توجد المصلحة، وينتهي الحكم حيث لا توجد المصلحة.

كذلك فإن استخلاص الأصوليين لفكرة بناء الأحكام علي المصالح جعلهم يضعون "المصالح المرسلة" أساسا آخر لتشريع الأحكام في الإسلام، مما أعطي لأولي الأمر في النظام الإسلامي سلطة واسعة في تفسير أحكام جديدة لم يتعرض لها الفقهاء من قبل إذا ما استبان فيها مصلحة المسلمين.

ويقول الأصوليون إن هذه المصلحة تتحقق، إما بجلب النفع للإنسان، أو بدفع الضرر عنه فكان من رحمة الله بالناس في التشريع أنه قصد حفظ التوازن بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة؛ لذا فإن ما جعله الشرع مباحا مأذونا أو واجبا مفروضا علي الإنسان، فهو إما نافع له نفعا محضا أو نفعه أكثر من ضرره أو أنه محقق له المنفعة لأكبر مجموعة من الناس. وما جعله الشرع حراما أو مكروها فهو لأنه محض ضرر أو لأن ضرره أكثر من نفعه. وهكذا شرع الله كل ما يحقق النفع للإنسان ويدفع الضرر عنه لكي يتحقق له ما خلق من أجله من الخلافة في الأرض وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى.

وهكذا يمكن أن نقول: إن كافة الأحكام الشرعية ترتبط بالمصلحة. أي تستهدف خير الناس ونفعهم أو منع الضرر عنهم. وهذه الحقيقة محل إجماع الأصوليين والفقهاء علي اختلاف مدارسهم.

يقول الشيخ عبد الوهاب خلاف في هذا المعني: "إنه من المتفق عليه بين جمهور علماء المسلمين أن الله سبحانه وتعالي ما شرع حكما إلا لمصلحة عباده، وأن هذه المصلحة إما جلب نفع لهم أو دفع ضرر عنهم. وهذا الباعث علي تشريع الحكم، فإباحة الفطر للمريض في رمضان حكمته دفع المشقة عن المريض، واستحقاق الشريك أو الجار الشفعة حكمته دفع الضرر عنه، وإيجاب القصاص من القاتل حكمته حفظ حياة الناس"([14]).

وقد توسع الأصوليون في هذا المنهج توسعا كبيرا، وانتهوا إلي نتائج بالغة الأهمية تأسيسا علي قيام الأحكام الشرعية جميعها علي حكم، إن لم تكن واضحة دائما فمن الضروري الوصول إليها أو علي الأقل الوصول إلي علة الحكم والتي هي جنس من الحكمة التي وضعوها للوصول إلي "الأمر الظاهر المنضبط الذي بني عليه الحكم" فالحكمة من تشريع بعض الأحكام قد تكون خفية غير ظاهرة فلا يمكن التحقُّقُ من وجودها، ولا من عدم وجودها، ولا يمكن بناء الحكم عليها ولا ربط وجوده بوجودها، وعدمه بعدمها، ولكن ذلك أمر يمكن بالنسبة للعلة، ومن ثم فالحكم الشرعي يوجد حيث توجد علته ولو تخلفت حكمته.

كذلك استعان الأصوليون بعلة الحكم الشرعي لبسط الحكم الشرعي علي الحالات المتحدة في العلة عن طريق القياس الذي هو "إلحاق واقعة لا نص علي حكمها بواقعة ورد نص بحكمها في الحكم الذي ورد به النص، لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم.

ثم أخذ الأصوليون بفكرة المصلحة المرسلة - كما وضحنا - واعتبروها من مصادر الشريعة. والمصالح المرسلة هي مصالح سكت عنها الشارع، فلم يشهد لها بالاعتبار، أو الإلغاء بنص معين فلا دليل يدل علي الإذن بتحصيلها وبناء الأحكام عليها؛ بل تركها لأولي الأمر من المجتهدين يأخذون بها إذا اقتضي حالها الأخذ بها ويتركونها إذا ترتب عليها مغبة أو أدت إلي ضرر؛ لأن شأنهم الإمعان في تحديد وتجلية النصوص وسبر مدلولاتها لاستخراج علـة الحكم أو ضبط هذه المدلولات أو الترجيح بين احتمالاتها أو الكشف عن عمومه أو مخصصاته أو الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص"([15]).

والواقع إن الفقهاء قد اتفقوا علي أن المصالح المرسلة تعتبر أحد الأدلة التي يمكن استخدامها لوضع أحكام جديدة بشرط ألا تخرج علي النصوص أو الأحكام المجمع عليها من جماعة المسلمين فلابد أن يقوم المجتهد بتحليل نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة واستخراج العلل والمقاصد والغايات التي تقوم عليها، فإذا وجد حالة لم يرد فيها حكم، ولكنه لاحظ فيها ما راعاه الشارع الإسلامي في وصف مناسب تتحقق فيها مقاصده، اعتبر الحالة ووضع لها حكما يجيز العمل بها، وإذا رآها تتيح ضررا ولا تحقق نفعا ألغاها. فالمصلحة إذن تسير في جوهر الدين مما ورد في نصوصه وأحكامه، وما تم عليه الإجماع مما جاء ملائما للمصالح المعتبرة..

لذا لا يبني الحكم علي مصلحة جاءت مخالفة للأدلة. ولا تصلح الموازين العقلية والتجريبية وحدها لفهم مصالح العباد؛ بل لا بد من عرض النتائج علي نصـوص الشريعة وحكمهـا فإن كان بينهما اتفاق أخذ بها، وإذا كان بينهما تعارض، بأن كان ما رآه الناس مصلحة مخالفا لما جاءت به النصوص الشرعية أُهمل وتُـرك([16]).

أنواع المصالح:

وتبدو العبقرية الفقهية الشاملة لدي علماء المسلمين في وقت مبكر، عندما توصلوا إلي مقصود الشارع من وضع مختلف الأحكام والأنظمة التي عليها الناس في الأرض، هذا حجة الإسلام الإمام الغزالي يوضحها لنا بجلاء في كتابه "المستصفي" فيقول:

"إن مقصود الشارع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة. وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة".

فأي تتبع واضح لمختلف الأحكام القانونية يجعلنا نقرر أنها تدور حول حفظ الشخص والمال والجماعة، ثم الدين في التشريعات ذات الطابع الأخلاقي، ولا يخلو تشريع لأية دولة من الدول غير العلمانية من حماية الدين بأحكام عديدة في التشريعات.

فكافة التشريعات تحمي الفرد وتقرر له العديد من صور الحماية لجسمه وعقله وحريته كما تحمي المال بصور شتي من صور الحماية وتعاقب من يعتدي عليه، كما تحمي حق الإنسان في تكوين أسرة وتحمي استمرار الجنس البشري واحترام تناسله، وهكذا علي تفصيلات يتبينها كل من يطالع أحكام القانون المدني وأحكام قانون العقوبات في أي تشريع من التشريعات.

3 - حسن الخلق والتشريعات الإسلامية:

إن الأخلاق تشترك مع القانون في ضبط سلوك الأفراد والوصول بالجماعة إلي أفضل وضع أخلاقي، تستهدف الوصول إليه، وحكمة أساسية لمعظم ما جاءت به من أحكام.

والواقع إن الإعجاز القرآني في هذه الزاوية تشهد به آيات عديدة فيه، ويبدو فيه الربط بين حسن السلوك والمعاملة الحسنة للناس، والوصول إلي مرضاته ودخول جنته واضحا، كما نجد فيه أيضا بناء الأحكام التي وضعت للتطبيق علي الناس عن طريق ولي الأمر أمرا أكثر وضوحا إلي حد جعل فقيهًا دوليا بارزًا مثل "جيسوب" يقرر أن القانون الدولي الحديث يحتاج إلي التلقيح بالمبادئ الأخلاقية التي وردت بالشريعة الإسلامية وذلك لتهذيب قواعده، وتخفيف الشدة التي تبدو في كثير من أحكامه([17]).

ولعل من الأحاديث البليغة التي تلخص حكمة الشرائع الإسلامية قوله صلي الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وفي التحديد لهذا المقصد الهام للشريعة نجد آيات واضحة الدلالة علي هذا المعني، إذ يقول تعالى:( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرا) [الإسراء:9].

كذلك يصف الله سبحانه وتعالي' المؤمنين بأنهم: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].

وأول ما يطلبه علم الأخلاق هو السلوك الحسن والسير القويم ويأتي هذا المطلب من القرآن العظيم بشكل معجز بجمعه لخصائص هذا السلوك القويم في آيات متصلات من سورة الفرقان تقول: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) [الفرقان: 63-71].

ونجد ارتباطا واضحا بين حسن الخلق وبعض الأنظمة الشرعية بحيث يكون الامتثال لها متمشيا مع حسن الخلق والعكس صحيح في العديد من الأمور، نذكر منها:

الوفاء بالعهد: فهذا مبدأ أخلاقي حسن من ناحية، ومن ناحية أخري أساس للتعهدات في الشريعة الإسلامية يأمر القرآن باحترامه ويتوعد المخالفين له بأوخم العواقب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ). (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).

كذلك فإن الإحسان إلي الفقراء وتقديم الصدقات، لهم عادة حسنة وفضيلة سامية، وهي في بعض صورها في الشريعة قاعدة قانونية يجب علي ولي الأمر أن يقوم بأخذها من الأغنياء ويقوم بتوزيعها علي الفقراء: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)«التوبة».

كذلك الحفاظ علي الشرف كقيمة أخلاقية كبري، وقد أدخلته الشريعة الإسلامية في مجال الواجبات الجماعية، وجعلت النيل من الأعراض موجبا للجزاء والمساءلة في الدنيا والآخرة.

فالزانية والزاني تُفرض عليهما عقوبة قاسية هي الجلد والرجم: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2]

كذلك هناك حد علي من يرمي المحصنات ولا يكون معه أربعة شهداء يقول تعالي': (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 4].

إن قيام الشريعة علي حسن الخلق جعلها تتوسع في مجال تقرير العقوبات القاسية علي من يقترف أية جريمة ضد العِرض علي نحو لا يعرفه أي تشريع آخر؛ لذا تتعرض المجتمعات الغربية لانهيار كبير قطع أواصر الأسرة، وأربك الحكومات، وحير العلماء.

كذلك من قبيل الأخلاق الفاضلة أن يتعاون الناس وأن يتحابوا. وتفرض الشريعة في كثير من الحالات هذا التعاون والتكافل، ليس في مجال تشريعات الزكاة فحسب؛ بل في كثير من الحالات الأخري علي ما نري في نظام النفقة المقررة بسبب القرابة وفي إقامة الشريعة رابطة الزواج علي المودة والرحمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21]. كذلك يحث الله سبحانه وتعالي المؤمنين علي الترابط والتماسك فيقول:

َ(اعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103]

ولكي يستقيم هذا الترابط وتمتد أواصره، يجب أن تكون دعامته وجود أمة (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].

وهكذا نجد أن حسن الخلق دعامة من الدعامات الرئيسة والمحورية التي تتطلبها الشريعة الإسلامية وتبني عليها أحكامها.

ويرتبط حسن الخلق ورعاية المصالح وإقامة العدل بين الناس ارتباطا وثيقا ببعضه البعض يجعل أحكام الإسلام والتشريعات الرئيسة فيه محققة لخير الإنسان، جالبة لسعادته في الدنيا والآخرة.

وننتهي من ذلك إلي أهمية معرفة مقاصد الشريعة من الأحكام والأسباب والعلل والحكم التي تقوم عليها ليقوم المجدد والمجتهد بمد الأحكام الشرعية إلي الحالات التي تماثل الوقائع التي شرعت من أجله، وليتجدد بذلك الفقه الإسلامي باتساع محتواه، وتجدد أخلاقه.



تجديد دراسات الفقه الإسلامي

يتم تدريس الفقه الإسلامي في معظم الجامعات الإسلامية في كليات الشريعة، وكليات الحقوق. ومن الظواهر الملفتة للنظر أن الدراسات في كليات الشريعة اتجهت إلي التطوير بإدخال الدراسات القانونية المكثفة فيها، ولم يحدث العكس، أي لم تطور للأسف دراسات الفقه الإسلامي في كليات الحقوق؛ بل ظلت علي حالها تدرس علي المنهج الغربي ولا تفتح أبوابها لدراسات الشريعة والفقه الإسلامي إلا لماما. ولا شك أن هذا من نتاج العديد من العوامل، كما إنه قد ترتب عليه العديد من الآثار. وإذا كنا نتجه الآن إلي تحديد هويتنا ومواجهة التحديات التي تواجهها فيجب أن نضع هذه القضية في مقدمات المسائل التي يجب الاهتمام بها: تحدي تدريس شريعتنا الغراء، بحيث تساعد الدراسات التي تنتجها عقولنا علي تجاوز ما نحن فيه.

أولاً - وصف الواقع الذي تدرس به الشريعة:

في برامج المدارس من الابتدائي حتي الثانوي لا نكاد نجد تدريسا للشريعة أو الفقه إلا فيما يتصل بأحكام العبادات وبدرجات تختلف من دولة إلي أخري. ونستطيع أن نقرر، والأسف يملأ قلوبنا، أن كمَّ ما يدرَّس يتعرض للنقصان يوما من بعد يوم. كما أن الدراسة في هذه المراحل المهمة من مراحل عمر الطفل تخلو من الممارسة الفعلية للعبادات، وللأخـلاق الإسلامية المرتبطة بها والناتجة عنها. وكذلك فإن تطوير مناهج الدراسات الأخري والذي يشهد مراجعات دورية - يكون دائماً علي حساب الدراسات الشرعية. ويجب أن نعترف أن الموضوعات التي تدرَّس، وأسلوب تدريسها في مناهج الكثير من الدول الإسلامية ليس علي المستوي الذي يرغِّب في الدراسات الشرعية أو حتي يساعد علي حب التوسع أو التخصص فيها والذي يظهر في مرحلة مبكرة من عمر الأشخاص.

وهناك زاوية يجب ألا تفلت عن الرؤية وهي أن الهيمنة الغربية علي معظم دولنا الإسلامية تترك بصماتها بوضوح علي مناهج المواد الدينية([18]).

وتوجد أسباب وهمية لعدم احتساب درجات التربية الدينية ضمن مجموع الطالب والذي يدفعه عملا إلي الإهمال التام لها، وهكذا لا يمكن أن تتساوي النتيجة مع السبب، أقصد أن السبب هو خوف تمييز من يدرس المادة الدينية المسيحية بالدرجات مثلا عن الذي يدرس التربية الإسلامية، ولا بأس من زيادة بعض الدرجات أو الاتفاق علي معايير موحدة بين من يدرسون التربية الدينية بدلا من هذه النتيجة العملية السيئة.

وتوجد ظاهرة مقلقة هي انتشار مدارس اللغات الأجنبية وتعلق النخبة المتميزة في المجتمعات الإسلامية بها. وتدرس كل المواد - عدا اللغة العربية والدين أحياناً - هذه المدارس بلغة أجنبية. وواضح أن الاهتمام بدراسة التربية الدينية في هذه المدارس يكاد يكون منعدماً، وواضح كذلك التغريب الذي تمارسه هذه المدارس علي عقول أبناء النخبة.

وبالمقارنة فإن مدارس الأزهر الشريف أصبحت في مصر، أو المعاهد العلمية في السعودية واليمن لطبقة فقيرة وشبه معزولة ويتم تدريس ما يعرف بالمواد الثقافية إلي جانب المواد الدينية ويتزايد كمُّ هذه المواد يوماً بعد يوم علي حساب المواد الدينية، كما إن الإحساس بالازدواجية في الدراسة أصبح طاغياً علي هذه الفئات؛ فالسنة الدراسية لا تستوعب منهجا دينيا متكاملا مع منهج تعليمي متكامل للمواد الأخرى التي تُدرَّس في المدارس الرسمية.

وهكذا لا تتيح الدراسات الدينية التي تقدم في المدارس الرسمية للطالب معرفة أساسيات الشريعة والفقه الإسلامي. كما إن مناهج معاهد الأزهر محشوة بمواد كثيرة ولا يمكن للطالب العادي أن يستوعب هذه المناهج الكبيرة؛ لذا فإن استفادة طالب الأزهر من دراسات الشريعة في مرحلة التعليم الأساسي محدودة.

تدريس الشريعة في الجامعات:

إذا انتقلنا إلي الجامعات فإننا نجد أن دراسات الشريعة والفقه الإسلامي تنحصر في كليات الشريعة وكليات الحقوق. تدرس في كليات الشريعة بطريقة تقليدية تعتمد علي المذهب الواحد في دولة كمصر، وتهتم بدراسة الفقه المقارن في بعض الموضوعات

ومنذ عام 1966 في مصر أُدخل فيها كل الدراسات القانونية وفقاً لمناهج كليات الحقوق، أي تدريس مواد الشريعة إلي جانب مواد القانون، وفعلت المثل العديد من الدول الإسلامية، وترتب علي ذلك نتائج عديدة، وللأسف لم تفعل كليات الحقوق المثل في تدريس مواد الشريعة الإسلامية.

ولا تدرس كليات أخري حتي تلك التي تدرس المواد الإنسانية والاجتماعية، دراسات شرعية، ولا تقترب من مواد العقيدة أو الدين إلا نادرا.

وبجانب ذلك أستطيع أن أقرر أن برامج الدراسة الجامعية في جامعات الدول الإسلامية، كلها مبنية علي التصورات الغربية، وتتأثر بمن وضعوا المناهج في بداية هذا القرن وهم عادة ممن درسوا في الغرب. ولم يستطعوا بسهولة أن يتعمقوا في الدراسات الإسلامية ليضعوها في داخل المنهاج أو ليضعوا لها موادا مستقلة. وأصبح ما تم تقريره، وضعا قائماً من الصعب المساس به. عبثا تقنع أستاذ اجتماع درس علي المنهج الغربي أن يضع (ابن رشد) أمام (إميل دركايم)، أو (ابن خلدون) بجوار " أوجست كنت" في دراسات علم الاجتماع أو الفلسفة، وإذا كان الاستعمار قد رحل، فقد ترك هيمنة شاملة علي حياتنا ومناهج تدريسنا وأسلوب تفكيرنا فضلاً عن الهيمنة الإعلامية التي نري أثرها فينا بوضوح الآن.

ونعود إلي دراسات كلية الشريعة. نجد أن أساس الدراسة فيها مادتي الفقه وأصول الفقه. وبرغم محاولات الإصلاح والتطوير في مضمون المواد ووسائل التدريس إلا أن الثابت حول هذه المواد أنها تدرس وفقا للأسس والأساليب التي وضعها الأقدمون. ومن الآن أقرر أن الأقدمين اجتهدوا وتقدموا في نطاق عصرهم، لكن الحياة تتطور وهناك ثورة في التعليم وبرامجه وتخصصاته، كما إن الحياة تطرح كل يوم مشكلات جديدة، والفقه ليس علما جامدا؛ بل هو علم يرتبط بالفروع ويستهدف وضع الأحكام التي تحكم أفعال العباد عن طريق الاجتهاد ووفقا لقواعد الأصول، لكن ما نراه في معظم ما يكتب ويدرَّس في الفقه هو ما كتبه الأقدمون "بدون تصرف" كما يقال إلا فيما نَدُرَ. وفي دراسات الفقه المقارن يختار أعضاء هيئة التدريس أية موضوعات للدراسة مقارنة بين مذهب ومذهب دون خطة مسبقة. أما دراسات الأصول فهي دراسات صعبة ومعقدة ولا تهتم بدراسات الاجتهاد ولا تعمق الآن الدراسات الخاصة بعلل التشريع والحِكم التي يقوم عليها.

وتقوم الدراسة علي أسلوب التلقين، ولا تترك للدارس فرصة لكي يعبر عن نفسه بأي شكل، ويبدو أن هذا النمط من الدراسة لم يخرج مثقفين ومجتهدين بالمعني الدقيق طوال مسيرة الدراسة بالجامعات الإسلامية في العلوم الشرعية بشكل عام.

إننا ننظر حولنا ونحن في نهاية قرن لنفتش عن العلماء الذين تفوقوا في دراسات الشريعة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فلا نكاد نعد عشرة علماء مجددين أو مجتهدين.

ورغم دخول الدراسات القانونية بشكل عام في مناهج كليات الشريعة، إلا أنه قلما نجد مقارنات تجري بين الدراسات القانونية والدراسات الشرعية، كل يدرس في واد، وبالتالي بعدت القواعد والمبادئ التي تعالج المشكلات الحديثة عن دائرة الدراسات الشرعية، ولم تحقق الهدف من إدخالها في دراسات كليـات الشريعة وهو بسط قواعد الاجتهاد علي القضايا التي أبرزتها القوانين، وهي التي شهدت تطورات عديدة بحكم أن القانون بطبيعته ليس علما جامدا وإنما هو إطار للحياة الاجتماعية يسير معها ويستوعبها ليضع القواعد المناسبة لحكمها.

ورغم النهضة الكبيرة في دراسات التخصص "الماجستير" والعالمية "الدكتوراه" إلا أنها لا تزال دراسات غير مبتكرة ولا تعالج مشكلات الحياة المعاصرة بشكل جدي.

وإذا انتقلنا إلي كليات الحقوق، فنجد المشكلة أكبر، ففي كل سنة دراسية نجد مادة واحدة تُدرَّس([19])، إلي جانب ما يقرب من عشر مواد قانونية. و تكاد الدراسات الشرعية في كليـات الحقوق أن تكون جامدة ولم نجد تغيرا يذكر قد أُدخل عليها أو علي موضوعاتها أو علي أسلوب تدريسها منذ وضعت في الربع الأول من هذا القرن ([20]).

وعند تدريس المواد القانونية نجد الاهتمام بالتفاصيل وكثرة الحشو بالجزئيات، وقليلا ما نجد فقيهًا يعطي في الدراسات التي يقدمها للطلاب مقارنات مع الشريعة، وتتأثر المواد التي تدرس النظريات الغربية بالتناول الفرنسي علي وجه الخصوص لدراسات القانون.

ومع ذلك لا يمكن أن نقلل أبداً من أهمية بعض الدراسات التي خرجـت من بعض كليات الحقوق - وبالذات كلية حقوق القاهرة التي تضمنت دراسات مقـارنة مع الشريعة؛ بل لابد أن نُشيد بمواقف بعض الأساتذة الذين لا يقبلون رسـالة دكتوراه قانونية لا تتضمن بالمقارنة بالشريعة مثل أستاذنا - المغفور له بإذن ا$ - حامد سلطان، ولكن لابـد أن نعترف بالحقيقة المرة، وهي أن ما يخرج من دراسـات في الشريعة الإسلامية بكليات الحقوق لا يزال متواضعا خاصة أنه ليس مطلوبا بحسب القانون أو اللوائح، تطوير الدراسات الشرعية في كليات الحقوق، وربما يكون ذلك من مهام كليات الشريعة والقـانون.

إن الأسباب التي أوصلتنا إلي الوضع القائم في دراسات مواد الشريعة الإسلامية سواء علي مستوي التعليم العالي أم التعليم الجامعي واضحة، ويمكن أن نوردها علي النحو التالي:

1 - التخلف:

فالعالم الإسلامي يمر بمرحلة تخلف حضاري واسعة.

وهذا التخلف يتصل بكل أشكال الحياة التي نحياها، فهناك أمية تنتشر فينا بنسبة كبيرة، وهناك بعد عن استخدام العقل لأسباب كثيرة، وهناك إحساس بالدونية والهزيمة الفكرية يسوقنا.

ويؤدي هذا التخلف كما هو معروف إلي التقليد، والتقليد هنا يكون للمنتصرين علينا، والمنتصر علينا وعلي العالم الآن هو الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

فمن الحقائق العلمية المعروفة أن المهزوم يميل إلي تقليد المنتصر، وإذا كان فينا بعض القادة الذين يقاومون الهزيمة، فإن قدراتهم محدودة وأصواتهم خافتة والمقاومة ضدهم كبيرة.

إن الهيمنة الغربية علينا قوية وأسلحتها عصرية جارفة، وفي مقدمتها الإعلام بما يملكه من إمكانيات قادرة علي تغريب أمتنا والإساءة إلي عقيدتنا، إن العولمة التي تصوغها الدول الكبري تضغط علينا لضرورة التسليم بالنظام الاقتصادي الذي تضعه. فالعولمة في النواحي الاقتصادية تعني أن تخضع بلدان العالم المختلفة لنظام عالمي يسير بقوانين طبيعية حتمية، ومن هنا فإن السياسات القديمة في النواحي الاقتصادية ستنتهي أو تقل إلي حد كبير. وفي النواحي الثقافية تواجه أمتنا الإسلامية تحديا أكبر يحاول زلزلة ثوابت العقيدة والشريعة لأمتنا؛ بل وإذابتها في ثقافة عالمية.

ولا شك أن ذلك يؤثر بشدة علي قوانينا، فنحن أطراف في علاقات تجارية دولية أردنا أو لم نرد، وهناك قواعد قانونية يفرضها الغرب علينا، ومنها صياغات العقــود، ويفـرض أن تكـون خاضعـة لنمـط غربي موحـد علينـا أن نُسلِّـم بـه، وهـو لا يتفق دائما مع قوانين الإسلام، فهذه العقود النموذجية تنص في العادة علي استحقاق "الفوائد" وأحيانا بنسب عالية. كذلك فإن الكثير من النصوص - خاصة في مجال التأمين - تقوم علي الغرر، وتخالف الشريعة ولا نملك لها مقاومة في واقع الأمر.

2 - الفرقـة:

لعلني لا أبالغ إذا قلت: إن من أهم أسباب تنحية الشريعة الإسلامية عن حكم حياتنا، الفرقة القائمة بين الدول الإسلامية، وضعف البناء السياسي والوحدوي بيننا. إذ لا نجد سلطة واحدة أعلي فوق الدول الإسلامية، واستطاعت الدول الغربية أن تشتت تجمعنا وتقضي علي الرمز الضعيف لوحدة أمتنا في الربع الأول من هذا القرن، لتستبعد قضية الوحدة، وتخرجها من دوائر اهتمام دولنا، وحكوماتنا؛ بل وشعوبنا كذلك.

وتوجد الأمة الإسلامية في أكثر من خمسين دولة، وهم أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، والمنظمة تعيش بين الدول الإسلامية في إطار التنظيم التنسيقي، ومن الواضح ضعف إرادة التوحد فيها. ويتبين ذلك بوضوح إذا نظرنا إلي أهم القرارات التي تتصل بالوحدة أو بحل المنازعات بين هذه الدول، فهي لا تأخذ الطريق إلي التنفيذ أبدا، يصدق ذلك علي قرار إنشاء السوق الإسلامية المشتركة الذي صدر عام 1989م ولم ينفذ، وقرار إنشاء محكمة العدل الإسلامية والذي اتُّخذ في دورة الكويت عام 1978م.

وفي إطار توحيد التشريعات التي تحكم الدول الإسلامية فإن هناك إجماعا علي أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا علي أساس الشريعة الإسلامية؛ لأنها الأساس الوحيد الذي يجمع مختلف الدول الإسلامية. وقد خطت جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي خطوات لها أهميتها، ولكن هيمنة سياسة الفرقة وانعدام الإرادة علي التوحد سيطرت في النهاية ولم تخرج هذه التشريعات إلي النور حتي الآن. والواقع أن الإسلام يدعو إلي الوحدة بين الأمة الإسلامية ويدعونا إلي نبذ الاختلافات والفرقة، كما يدعونا إلي أن نحتكم إلي الله في كل أعمالنا وتصرفاتنا، يقول سبحانه وتعالي': (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [آل عمران: 103].

والواقع أنه إذا ما اتحدت إرادة الحكام المسلمين علي تطبيق الشريعة الإسلامية، ونشطت الدراسات المساعدة علي التطبيق في هذه الدول، وإذا تحقق ذلك فإن القانون الإسلامي سيتحول إلي قوة كبيرة تحكم خمس سكان العالم، وسيفرض علي من يتعاون مع المسلمين احترام قواعد العدالة والمساواة في العقود ومختلف المعاملات، واستبعاد الظلم والإجحاف منها.

3 - الجمود وإغلاق باب الاجتهاد:

وهذه هي قضية من أهم القضايا وسبب رئيس لتخلف الدراسات الفقهية؛ بل ولتخلف المجتمعات الإسلامية بصفة عامة.

ومعني الجمود هو "عدم الاجتهاد في الدين، يعني في أي فرع من فروع المسائل الفقهية والحوادث العملية المتجددة لإيجاد حلول شرعية مناسبة لها، علي وجه التحديد، وهذا صحيح لا يحتاج إلي دليل، وإنما الشئ الذي ينبغي أن يلحق بتعطيل الاجتهاد ولا ينفك عنه، بل ينبغي أن يقدم عليه، ويعتبر بالنسبة له بمنزلة السبب من المسبب، هو نضوب الفكر وجمود العقل كذلك في سائر مناحي العلوم والمعارف واللغة والأدب والثقافة والخبرات والصناعات، وفي السياسة والحكم، وفي الأنماط المختلفة لحياة المسلمين بشكل عام" وفي اصطلاح العلماء يعني الجمود "تعطيل الطاقة العقلية وعدم استعمال القدرة الفكرية في البحث والنظر، والوقوف عند حد النص أو القول أو العمل تقليدا وتسليما، والتعصب لصاحب الرأي والمذهب دون طلب حجة أو بحث عن دليل" ([21]).

يفيد الجمود في ناحية من نواحيه إذن ما يفيده التقليد من معني؛ لأن المقلد جامد لا يستعمل عقله، وقد يكون الإنسان جامدا أي واقفا علي لاشيء مستمسكا بغير عروة، لا من كتاب ولا من سنة ولا تقليد حسن ولا غير ذلك.

والواقع أن هذا التوقف عن بذل الجهد في الإحاطة بالأحداث الواقعة التي تحيط بالأمة، وعدم الاجتهاد لبيان الحكم الشرعي لها، هو مفتاح الشر الذي أصابنا بالتخلف والذي وصل منه القانون الأجنبي إلي بلادنا. لو كان الفقه يواصل ما بدأه العلماء الكبار الذين لم يتوقفوا أبدا عن بذل الجهد لاستيعاب ما يجد، ما وجدنا أنفسنا نتوقف لفترة طويلة عن الاجتهاد مما جعل بضاعتنا الفقهية غير قادرة علي حكم العلاقات المستجدة.

إن العالم الآن يعرف تعاملات مختلفة عن التي كان يعرفها من قبل، وهي تعاملات تحتاج إلي اجتهاد جديد، وقديما قال الإمام الشهرستاني: "نعلم أن الوقائع في الأعمال والتصرفات غير متناهية، والنصوص متناهية ومالا يتناهي لا يضبطه ما يتناهي؛ لذا يجب أن يكون الاجتهاد متحققا لكي يكون مصدر كل حادته اجتهاده".

إنني بالصدفة أكتب الآن عقدا دوليا بخصوص استيراد الجدود grandparent من الدواجن لشركة مصرية فهي تجارة مهمة؛ لأن بها نقلا جزئيا للتكنولوجيا في نطاق الجينات والهندسة الوراثية التي تؤدي إلي تخليق أباء قوية للدواجن تقوي النتاج الفردي بعد ذلك. وهي عملية تخدم الدول الموردة لها باتخاذ تدابير لحماية اختراعها، ولا يتم ذلك إلا عن طريق الاجتهاد في الإطار القانوني الحالي. ولو كان معنـا فقهـاء مسلمـون مجتهدون لاستطاعوا أن يستخرجوا من أحكام الشريعة مبادئ هادية في هذا النطاق. فمن العدالة أن تحمي نتائج الابتكار والاختراع؛ لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

كذلك فإن هناك مسائل جديدة تتصل بالاستنساخ وبالتلقيح الصناعي للقضاء علي العقم، وهناك بيوع تجارية جديدة مثل نظامCXF والبيع Fob…... إلخ.

إن الفقه الإسلامي بسبب عدم الاجتهاد والادعاء بتوقف الاجتهاد لا يقدم إسهاما كبيرا في مجال المعاملات الدولية للأسف الشديد، رغم أن في منهاج أصول الفقه ما يمكن من يجتهد من الوصول إلي حكم شرعي للقضايا الجديدة.

4 - الانفصال بين مؤسسات الاجتهاد ومؤسسات التدريس:

توجد مؤسسات وأجهزة للاجتهاد في كثير من الدول الإسلامية مثل مجمع البحوث في مصر وهيئة كبار العلماء في السعودية، فضلا عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وأجهزة أخري عديدة مهمتها الاجتهاد والإفتاء.

وتُعرض العديد من المشكلات الجديدة علي هذه الهيئات، وبعض ما يعرض، يتم بحثه بعمق في هذه الهيئات، لكن مما يؤسف له أن نتائج هذه الدراسات والفتاوي تبقي في الأَدراج ولا تري النور، وبالتالي لا تجد الفرصة لكي يتم تدريسها في الجامعات والمعاهد العلمية المعنية بالدراسات الشرعية ودراسات الفقه الإسلامي.

ثانيا - النتائج المترتبة علي هذا الواقع:

أهم ما نلاحظه من نتائج هو البعد عن الدراسات الشرعية وواقع الحياة، فلا صلة للدراسات بالواقع، وهي ليست مدعوة الآن لحكم الواقع الجديد الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية؛ لذا فالمحرمات شائعة ولا يوقفها أحد، وألاحظ أن الأطفال والناشئة تشرب كثيرا من التصرفات دون إحساس بحرمتها، فلم يعد التمييز الرئيس بين ما هو حلال وما هو حرام قضية تشغل أغلبية المسلمين الآن. فعري المرأة - مثلا - ظاهرة شائعة في الغرب. ويسلمها المجتمع الغربي لمجتمعاتنا علي أنها مسألة عادية في الأفلام والمسلسلات، وفي واقع العلاقات اليومي الذي أصبح أمامنا بحكم تطور العلاقات الدولية وكون العالم الآن يتجه إلي التوحد بحكم هيمنة العولمة عليه. ونلاحظ أن ظاهرة التغريب في المجتمعات الإسلامية هي نتائج لهذه الأوضاع المتردية. إن أمتنا يسلب إسلامها منها والخصائص الذاتية لها والطريقة المثلي التي تربت عليها، كل هذا معرض لخطر شـديد الآن.

إن غياب التشريع الإسلامي أوجد ظـاهرة عدم التمييز بين الحلال والحرام؛ بل أشاع الحرام في مجتمعاتنا؛ ومما يؤسف له أن اتجاهات فكرية عديدة شاعت بيننا الآن تساعد وتركز هذا التحول النخب المثقفة التي تعتبر أن الدين الإسلامي هو سر تـأخرنا، وأنه لا منجاة لشعوبنا من الفقر والتخلف إلا بالابتعاد عنه وبالالتصاق بالغرب وحضارته. التليفزيون والسينما التي لم تعد أبدا تعرف حـراما وهي تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتهدر قيم المجتمعات الإسلامية. هذا فضلا عن انزواء من يدعون إلي الله أو مجاراتهم للتيار، وهو عيب يؤخذ علي المؤسسات الدينية الرسمية في معظم الدول الإسلامية. كذلك فلقد بـدأت كليات الحقوق، بدلا من التركيز علي الدراسات الشرعية والفقهية، تفتح أقساما لتدريس القانون باللغات الأجنبية، بل تدريس القانون الأمريكي والإنجليـزي والفرنسي في أقسام جديدة، وبالطبع فإن هذه الدراسة تخالف الدراسات العادية في كليات الحقوق، وتوجه للنخب الغنية التي تستطيع دفع المصروفات الباهظة لهذه الدراسات الجديدة.

ثالثا - طرق الحل:

1 - اتضح الآن أنه لا مناص من تطوير دراسات الفقه الإسلامي بحيث تكون دراسات مقارنة من ناحية، ومتضمنة الدراسات القانونية في نفس أبواب الفقه وإسباغ الحكم الشرعي عليها عن طريق الاجتهاد.

2 - كذلك من الضروري أن نبذل الجهد لتحويل الفتاوي والآراء الفقهية إلي نصوص واضحة تدمج في الدراسات القائمة ليتعلمها الطالب، ولابد من إحياء علم أصول الفقه ودراسته دراسة جديدة توضح أهداف الشريعة ومقاصدها وحِكم الأحكام وعللها ومقاصد الشريعة لكي يسهل الوصول إلي أحكام شرعية للمشكلات الجديدة، ولكي نوجد مـا يمكن أن نسميه التواصل الفقهي بحيث نتجاوز المرحلة التي وقف الاجتهاد فيها عن تتبع التغيرات.

لا يمكن أن نطالب الطالب أو حتي القاضي الحديث أو المحكِّم أن يستخرج أحكاما منضبطة من بطون كتب الفقه التي تتناول موضوعات كثيرة ربما دون تحديد كاف، ودون بلورة منضبطة؛ لذا فإن التقنين ضروري، والتطوير أكثر ضرورة.

3 - سنحتاج بلا شك إلي مراجعة علمية شاملة لدراسات النظم الإسلامية والقوانين التي تدخل في دائرة القانون العام علي وجه الخصوص. إن نظام الشوري وأسلوب تطبيقه قضية مهمة تحتاج إلي تدخل تشريعي عام نتبادل فيه الآراء مع كل المجتمعات الإسلامية لمعرفة الآليات المنـاسبة لتطبيقه، كما أن نظاما مثل نظام الحسبة يجب أن يبحث علي ضوء مستجدات العصر، ونفس الوضع بالنسبة لنظام الوقف.

إن القوانين المالية وقانون الضرائب ونظام الزكاة أيضا مسائل تحتاج إلي بحثها في العصر الحديث ووضع آليات تطبيقها، كذلك يجب إحياء دور الوقف تدريسا وتطبيقيا.

4 - كما إن القانون الدولي الإسلامي يحتاج إلي إعادة نظر علي أن يعاد تأسيسه علي ضوء التغيرات العميقة التي حدثت في المجتمع الدولي وجعلت كل دولة مرتبطة باتفاقات وعهود، وبالتالي فإن نظريات مثل "دار الإسلام" و "دار الحرب" و "نظرية الجهاد" تحتاج إلي إعادة دراسة علي ضوء متطلبات العصر.

5 - كذلك ينبغي أن تدخل دراسات الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي بشكل أكثر اتساعا وأكثر شمولا من الوضع القائم حاليا. ففضلا عن إدخال مواد جديدة مثل المدخل لدراسة التشريع الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، والحضارة الإسلامية، في برامج كليات الحقوق، يجب الاهتمام بإبراز النواحي الإسلامية وبالذات الحلول للمشكلات في الدراسات الأخرى المتصلة بالقانون المدني والقانون التجاري وقانون العقوبات والقانون الدولي، إلي غير ذلك من الدراسات.

6 - يجب الاهتمام بالتدريبات العملية في مناهج الدراسة والتوسع في عرض مشكلات المجتمع وأهم القضايا التي تعرض علي المحاكم من خلالها. مع تدريب الطلاب علي مد أحكام الفقه الإسلامي علي المشكلات حتي يتبين الحكـم الإسلامي لمشاكلنا وإلي أي مدي يختلف القانون الإسلامي عن القانون الوضعي وإلى أي مدي يتفقان.

7 - يجب إحياء تدريس كتب التراث التي تعد مراجع أساسية في الفقه الإسلامي، وتعويد أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعدين والمعيدين علي التعامل الجيد معها.

8 - يجب علي كليات الشريعة وكليات الحقوق أن تعمق دراسات الفقه الإسلامي، وأن تشجع البحوث العلمية فيه وأن تحشد من أجلها الجوائز والمكافآت لمن يتميزون في هذا الحقل.

إن مؤسسات المجتمع المدني - كما يطلقون عليها اليوم - مؤسسات علمانية تستبعد دور الدين والشريعة في حكم وتنظيم المجتمع، ولابد من مواجهة موقفها بموقف أقوي، يحيي دراسات الشريعة والفقه الإسلامي ويجعلها تحيط بحياة المجتمع وتقـنن حركتـه دون إعاقـة أو تثبيـط، مـع الاجتهـاد الفقهـي الواسع والذي لا يتقيد إلا بالقيود التي وضعها العلماء لوجود الاجتهاد وحتي لا تحدث فوضي في التشريع.

9 - من الضروري أن نواجه تحدي دراسة الشريعة والفقه الإسلامي بتدريب من بيدهم سلطة التطبيق والتنفيذ علي الدراسات الشرعية، ويجب أن نساعد علي تكوين ملكات الاجتهاد والاستنباط لدي القضاة والمطبقين للقانون بشكل عام.

10 - ولعل من أهم الخطوات الواجبة الاتباع كذلك أن تقوم المجالس التشريعية بعرض التشريعات علي الهيئات الفقهية فيها لاستطلاع رأيها بشأنها وعدم إقرار أي قانون إذا كان به ما يخالف الشريعة.

ولا يغني ذلك - في نظرنا - عن القيام بعمليات تقنين كاملة للنصوص الواجبة التطبيق علي مشكلات الناس اليوم بدلا من الاكتفاء بدراسة خلوها مما يعارض الشريعة.

11 - يجب التوسع في دراسات الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي في الكليات الأخري، التي تهتم بالعلوم الاجتماعية والنفسية مثل كليات الآداب وكليات الخدمة الاجتماعية والإعلام والألسن.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ راجع في عرض القضية مؤلف الشيخ القرضاوى بعنوان: مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية مكتبة وهبه 1990، ص 241 وما بعدها.

[2] ـ راجع للمؤلف بالاشتراك مع أ.د عماد الشربيني، مقدمة في أصول التشريع في المملكة العربية السعودية، دار الكتاب الجامعي، القاهرة 1983، ص 29 وما بعدها.

[3] ـ وصل الدكتور محمد كامل ياقوت إلى إثبات أن (فيتوريا) وهو من واضعى مدرسة القانون الطبيعي قد عاش في الأندلس وتأثر بالفقه الإسلامي في فهم القانون ومن ثم اقتبس نظرية القانون الطبيعي منه، راجع رسالته: الشخصية الدولية في الشريعة الإسلامية والقانون الدولى . القاهرة 1970 ص 420.

[4] ـ راجع مؤلف الشيخ مناع القطان، معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية، مكتبة وهبه 1991، ص 97 وما بعدها، وراجع المغنى لابن قدامة، ج7، ص 671.

[5] ـ راجع د عبد العال الشناوى النظام الشريف في الإسلام، دار الحسين الإسلامية بالأزهر القاهرة 2003، ص 30 وما بعدها.

[6] ـ راجع معوقات تطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص 104.

[7] ـ انظر المراجع الآتية:

الدليل الإرشادى إلى مقاصد الشريعة، المجلد الثاني، للدكتور محمد كمال إمام، نشر مؤسسة الفرقان للتراث الحديث 2008.

الصلاة مقاصدها للحكيم الترمذى، تحقيق: حسنى نصر زيدان ، نشر دار الكتاب العربي بمصر 1965.

محاسن الشريعة في فروع الشافعية: للإمام أبى بكر محمد بن على بن إسماعيل المعروف بالقفال.

غياث الأمم في التيات الظلم (الغياث) أبو المعالى الجويني تحقيق مصطفى حلمى ود فؤاد عبد المنعم نشر دار الدعوة الإسكندرية 1979.

[8] ـ راجع دراسات واسعة عن العدالة في بحث لنا بعنوان "العدالة والإنصاف في القانون الدولى" منشور في مجلة الاقتصاد والإدارة التي تصدر عن جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية العدد الثاني محرم 1396هـ/1976م، ص55، وما بعدها.

[9] ـ يطبق القاضى العدالة من تلقاء نفسه في حالة عدم وجود نص يحكم الحالة التي أمامه أو وجود نقص في القاعدة (مشكلة الثغرات)، أو عندما تعرض عليه حالة شاذة يؤدى انطباق القاعدة عليها إلى المساس بالعدالة، "مشكلة الملاءمة" وله في بعض المذاهب أن يطرح القاعدة القانونية جانبا ويطبق قاعدة العدالة بدلا منها، مع تحفظات واسعة على هذا الحل. وراجع للمؤلف المدخل إلى دراسة التشريع السعودى بالاشتراك مع الدكتور عبد الناصر العطار.

[10] ـ وهى إعطاء كل ذى حق حقه في قسمة المشاع أو المال العام.

[11] ـ وهى إعطاء عوض معادل للعوض الآخر المراد مبادلته بعقود المعاوضات.

[12] ـ راجع: دبنيس لويد، فكرة القانون، ترجمة سليم الصويص، عالم المعرفة، الكويت. ص 162، وصوفي أبوطالب، مبادئ تاريخ القانون، طبعة 1969، ص 250.

[13] ـ راجع الخراج لأبى يوسف فقه الصحابة والتابعين، محمد يوسف موسى، القاهرة 1954 ص 65 المصالح المرسلة وموقف الفقهاء منها محمد مدكور مجلة مصر المعاصرة- يوليو 1968، ص 160

[14] ـ راجع عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه،الطبعة الثانية، القاهرة 1942، ص 68 وما بعدها

وراجع كذلك:

محمد الصالح العالى، رسابلة في السياية الشرعية.

محمد البنا: السياسة الشرعية، القاهرة 2007م.

[15] ـ راجع عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، طبعة 1924، ص 88 الدكتور زكريا البرى الدلة الشرعية، دار النهضة العربية.

[16] ـ هناك خلاف فقهى حول هذه المسألة، فمن الفقهاء مكن يرفض الخذ بالمصلحة مطلقا المذهب الظاهرى "فقد اعتبروا أن المصالح هى ما ورد بظاهر النصوص فحسب وإلا كانى الوضع بمثابة تشريع بالهوى، وذهب فريق آخر إلى التمسك بالمصالح حتى ولو لم يكن لها شاهد بالاعتبار من نصوص القرآن والسنة والرأى الذى أخذناه هو الرأى الوسط والذى يتمشى مع حيوية التشريع افسلامي وبنائه على السياسة العامة والحكم والهداف التى يقصدها الشارع منه.

راجع في تفاصيل هذا الخلاف، د. جلال الدين عبد الرحمن المصالح المرسلة ومكانها في التشريع مطبعة السعادة عام 1983. ص 58 وما بعدها. "

[17] ـ راجع في التفاصيل للمؤلف قواعد العلاقات الدولية في القانون الدولى والشريعة افسلامية مكتبة السلام العالمية بالقاهرة، طبعة 1986، ص 23.

[18] ـ أرسل لنا أحد العلماء المسلمين الذين يعيشون في قطر معلومة مرفقة لكتب هى أن نماذج الصور التى كانت تدرس للطلاب في كتب التربية الدينية قد اختلفت في السنوات الأخيرة عما كانت عليه من قبل فقد كانت الفتيات تقدم صورها وهى محجة والآن اثر للحجاب في هذه الصور.

ونعرف المعركة الشرسة التى قادها أحد وزراء التعليم المصرى ضد الحجاب كما أن المواد العلمية التى تتصل بنظرة الإسلام إلى اليهود على وجه الخصوص قد تناولتها يد التعديل.

[19] ـ يدرس في السنة الأولى مدخل لدراسة الشريعة، وفى السنة الثانية يدرس الأحوال الشخصية والزواج والطلاق، وفي السنة الثالثة يدرس الميراث والوصية والوقف وفي السنة الرابعة يدرس أصول الفقه.

[20] ـ مما يؤسف له أن الأمثلة التى تقدم للطلاب في موضوعات كثيرة هى نفسها التى عالجتها الكتب القديمة مثل العبد الأبق أو حرمة بيع آلات الموسيقى مزامير الشيطان مما يعنى أن العلماء المحدثين لم يهضموا القاوعد جيدا لكى يمكنهم التعبير عنها بأمثلة حديثة مما يقع في العالم الآن.

[21] ـ د. محمد أبو ليلة مشكلة الجمود وقضية الاجتهاد، دراسة ضمن ةندوة التحديات القانونية التى عقدتها الرابطة في الفترة من 21-23 إبريل 1999.