حول التقريب والشرائط المطلوبة فيمن يحكم البلاد الإسلامية

حول التقريب والشرائط المطلوبة فيمن يحكم البلاد الإسلامية

 

 

حول التقريب والشرائط المطلوبة فيمن يحكم البلاد الإسلامية

 

الشيخ محمد عبد الحسين البغدادي

باحث في الحوزة العلمية - قم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية نطرح هذه المسألة ونقول ما هي الصفات التي لابدّ من توفرها في ولى أمر المسلمين حاكمهم الأعلى وزعيمهم المطلق وهو الرجل الذي تجتمع عنده جميع الصلاحيات وتلتقي عنده جميع السلطات وبيده تسيير جميع أمور الدولة مع الاقتدار التام والسلطة المطلقة في قالبية التصرف والمحددة بالقانون الإلهي.

جاء الإسلام إلى العالم والأرض تحكم بغلبة أو وراثة وعهد من السابق ومرجع الثانية إلى الأولى في واقع الحال.

جاء الإسلام بنظم ومناهج لم تتعارفها الدنيا بل لم يتهيأ لـه المجال لتطبيق مفرداتها بيهئاتها إلى يوم الناس هذا أي بتلك الصيغة الأساسية التي حددها المولى سبحانه.

ارتأت الدنيا أن تختار لنفهسا بمناى عن أنبياء الله ورسله وتشريعاته فما ذا اختارت؟ البعض يرى الحكم هبة لأناس تنتمى لاعراق نبيلة ولهم أن يحكموا كما شاؤوا ويتمتعوا بما أرادوا وعلى الناس السمع والطاعة.

وبعض يعطي الحق لمن تغلّب فلا حسيب ولا رقيب.

وبعض ارتأى ان أمر الأمم بيد أشخاص وعليهم الاختيار وعلى الناس التسليم.

ـ(574)ـ

وقننوا القوانين المدنية الحديثة فجعلوا أمر الاختيار بيد أكثر الأُمة أو من يمثل أكثر وبعض أضافت شرط العمر فلا يحكم إلاّ من أناف على الأربعين وبعض حصره بقومية معينة أو حزب معين.

وواقع الأمر ان حال الحكم في اغلب أمم الأرض على مرّ تاريخ البشرية الطويل قائم على الخضوع لمنطق الثلة المتغلبة وعلى الأكثرية العزلاء الصمت والخضوع والإلقاء بيد.

وقد بينا ما جاء به الإسلام إذ أناط وحصر أمر الحكم بيد الإنسان الكامل المعصوم المسدّد من السماء والحائز من الخصال والمواهب والكمالات على مالا يدانيه فيه بشر وأناط به مسؤوليات عظام إذ عليه لو سلّمت الأُمة أمرها إليه.

إقامة أسعد حياة إنسانية متصورة ومتكاملة في الوجود

وبناء أكمل إنسان ـ لكل الناس ـ في شخصيته وروحه واستقامته وسلامة نفسه وجسده ونور عقله بما لا يمكن مثيله من غيره.

وهداية الناس عقائدياً وسلوكياً وأخلاقياً والآخذ بأيديهم إلى مراضي المولى سبحانه في الدنيا بأكمل صورة وقيادتهم إلى الجنّة في الآخرة وتحقيق أسعد مسيرة للجنس البشري من أول ظهوره للدنيا إلى حلوله في دار النعيم.

فهداية النبي وأوصيائه للأُمة المستمدة من الهداية الربانية والمسدّدة من المولى على نحو الإيصال إلى المطلوب حتماً لا على نحو ارائة الطريق مع الخلو من الجبر والقسر ـ وإنّما:

أ ـ بتسديد المولى.

ب ـ وإرشاد الإمام.

ج ـ إطاعة الأُمة.

ولهذا المقام العظيم والهدف السامي ورد بحق الإمامة والإمام ما ورد وأيدّ الله

ـ(575)ـ

سبحانه الأئمة القائمين بشأنها بالتأييدات والمواهب المعينة على إتمام ما كُلّفوا به.

وبعد الأئمة: ما كان الإسلام ليهتم بكل صغيرة وكبيرة في حياة الفرد والأُمة ويذر معتنقيه وشأنهم في أهم مسألة تتوقف عليها حياة الأديان والشعوب فضلاً عن الأفراد.

وإن عاشت أمم كثر بعدما اختارت ما لـه ارتأوا في أمر الحكم والزعامة فلا يغررك هذا فكم من أمة ميتة وهي تأكل وتشرب وتبني القصور والأحلام.

كم من أمة هي شر على الأرض وسكانها من كل كوارث الأرض والسماء.

كم من أمة ترتقي الكواكب البعيدة وهي تعبد أحجاراً لا تضرّ ولا تنفع أو تعبد بهيمة عجماء لا تعقل.

تعرضت كتب الجمهور إلى الصفات التي يفترض توفرها في الحاكم الأعلى للمسلمين لكن الملاحظ ان كل من حكم بلاد المسلمين من بعد عصر النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم في معظم الحالات لم ينصّب على أساس وجود تلك الصفات فيه أو ثمانية شرائط صحة تنصيبه. بل ان ما كتبوه إمّا بناء على صحة الواقع الخارجي فتثبت شرائط عدة لا يعضدها دليل أو أنها أحكام مستقاة من أدلة مسجلة فتذكر وإن لم تجد لها في ساحة الواقع صدى ولم يبحث علماء الإمامية شرائط ولي أمر المسلمين في مدوناتهم وموسوعاتهم الفقهية لقلة الجدوى منها في تلك الفترة ولأجواء الكبت السائدة وخنق الحريات المانعة من تسجيل ما ينافي توجهات الفئة الحاكمـة وتطلعاتها.

نعم بحثوا تلك الشرائط في كتبهم الكلامية لكون الإمامة عندهم من أصول الدين والتزموا هناك بان الإمام الأصل للمسلمين والأوحد هو النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته تنتقل صلاحياته القيادية لأوصيائه وخلفائه المعصومين المعينين من الله تبارك وتعالى والمنصوص عليهم بوضوح من رسول الله والمشترط فيهم العصمة ـ كما قدّمنا (1).

___________________________

1 ـ البيع/ الإمام الخميني ج 2 ص 464.

ـ(576)ـ

فلما كان واقع الإمام عندهم انّه معين من الله تعالى وانه معصوم مسدّد لم يحتج الأمر لبيان توفر صفات معينة فيه إذ تنصيبه من الله تعالى حاسم في المقام وكاشف لجمعه كل الشرائط المطلوبة لمن يتولى هذا المقام وتمكنه من القيام بكل ما هو محقق لارادة المولى وإسعاد البشرية. ولعل ذكرهم لشرائط عدة تعارفوا ذكرها في هذا الباب لتأييد تلك الأدلة الكثيرة والقطعية المثبتة لإمامتهم ولكل مناصبهم وان الأئمة عليهم السلام جمعوا كل الخصال الكريمة والمزايا الفريدة وأفضليتهم على جميع من سواهم فهم يستحقون هذا المقام وإن لم يكن هناك نص كيف والنصوص بحقهم لاتُعدّ ولا تستقصى برواية جميع فرق المسلمين بلحاظ ان كل ما ذكروه في لزوم وجود الإمام جائز في لزوم وجود قائد للمسلمين وولي لأمورهم ومدبر لدولتهم.

وبلحاظ ان الشروط التي ذكروها للإمام مصححة لزعامة من يتولى أمر الأُمة باستثناء شرطي النص والعصمة المختصين بالإمام ـ فيمكننا والحال هذا اعتمادها باعتبارها رأي الإمامية في شرائط ولي أمر المسلمين وحافظ كيانهم.

غيبة الإمام عليه السلام وإنشاء الدولة الإسلامية وقد أورثت غيبة الإمام الثاني عشر وهو آخر خلفاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأوصيائهم المنصوص عليهم بحسب معتقد الإمامية قاطبة وبسبب ظروف الضغط التي طالت مئات من السنين وأناتت على الألف قناعة عند البعض باستحالة قيام دولة إسلامية وفق الشرائط المطلوبة والمنصوص عليها والمحققة لأهداف الإسلام وإلاّ لانتهت الغيبة وظهر الإمام وقام بتأسيسها فما علة الغيبة؟

والجواب: ان الإمام عليه السلام وهو خاتمة سلسلة خلفاء الله وأوليائه في الأرض ومن يصلي عيسى ابن مريم خلفه قد أعدّه الله تعالى وأيده وأدخره ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويبدّل واقع النظام السياسي والاجتماعي البشري والى الأبد بهيمنة الدولة الإسلامية العالمية

ـ(577)ـ

 على جميع أرجاء المعمورة وهذا ممتنع الآن بهذه السعة وبهذا الهدف إذ لم تتوفر بعد شرائطه والى حين ظهوره لا يمتنع قيام دولة إسلامية في بقعة أو بقاع عدة من العالم تحكم بالموازين الإسلامية الصحيحة وفق العناوين الأولية والثانوية بحسب مقتضيات الحال بل لا يمتنع حتى قيام منظمة إسلامية عالمية تجمع تحت ظلّها الدولة الملتزمة بمباديء الإسلام وقوانينه وتحكم كل دولة بأحكام الإسلام وفق اجتهاداتها الخاصة بها أو المتفق عليها. إذ ظهور الإمام عليه السلام لمثل كذا دولة بما يعرّض حياته المقدسة للخطر الأكيد وهذا معناه استشهاده وانعدام الأمل وافتقاد الأسباب لتلك الغاية الربانية وقد جعل المولى سبحانه لكل شيء سبباً والسبب هنا المهدي(عج) فلابد من حفظه إلى اليوم الموعود. أو ان حياته المقدسة ستتوقف على المعاجز وهو ما لا يمكن بناء حياته عليه أو بقاء دولة الحق في خلاله وفق السنن الكونية الربانية إلاّ في حدود ضيقة جداً كما حصل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ليلة الهجرة حينما صممت قريش على قتله فخرج مهاجراً بعد ان قام علي عليه السلام في مكانه وفدى مهجة نبيّه بمهجته ونزلت فيه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾(1).

ولو كان تمام الأمر بالمعاجز لنهض بهذا الأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأحكم بنيان دولة الحق وأنهى مأساة البشرية والى الأبد.

ولو ابتنت دولة الإسلام على المعاجز لكان هذا خير عذر ومبرر للحاكمين عبر التاريخ لتبرير إرهابهم لأممهم وما يتبعوه من تجبر وإذلال لإخضاع الناس وتسهيل قيادها من أنه لا يمكن السيطرة على الأمم إلا بالقبضة الحديدية وبث أجواء الرعب وفعل الأفاعيل. والواقع ان السبب الوحيد لهيجان البشرية واضطرابها ولعدم قيام دولة الحق إنّما هي طموحاتهم ومكرهم.

 على ان هناك من الأدلة ما يوضح بجلاء جواز إقامة الدولة الإسلامية المحققة

___________________________

1 ـ سورة البقرة: 207.

ـ(578)ـ

 لاهداف الإسلام والحاكمة بموازينه في كل عصر بل بوجوبها.

بل لا يُعقل أن يسمح الإسلام بترك الأمر كيفما اتفق مع ما تعلم من توقف سعادة الدارين عليها وانتظام أمور المعاش والمعاد بها وكونها من أعظم المهمات للجمع البشري خصوصاً في مثل زماننا إذ ازداد تعقيده الحياة وأصبح منع استشراء الرذائل المهلكة المدمرة متوقفاً على وجودها بل ان الأراذل لن يتركوها أبداً ونحن نشهد نتائج وصول أمثال هؤلاء إلى مقام الأمر والنهي المطلق وما آلت إليه أمور الناس وما حُلّ بتعاليم الدين فهل يُعقل أن يهتم الإسلام بيتيم توفي والده ولم يوص بأمر تدبيره وتدبير مآله إلى شخص فيكفله ويرعاه عبر تعيين ولي لـه حتى يبلغ مراشده ويترك حبل أمّة عظيمة على غاربها بذل النبيّ كل عمره المقدس لبناء كيان لها وإسعادها، أفهل تُترك بلا أمر بتدبيرها أو بعدم وضع ضوابط لشؤونها.

وما ذكروه في شأن الأمور الحسبية كاف في المقام: إذ الأمر الحسبي هو كل أمر جزمنا بإرادة الشارع المقدس لوجوده خارجاً ولم نتبين الجهة التي أوكل لها أمر القيام به فالقدر المتيقن في المقام الفقيه.

وجمع من الفقهاء الكرام يرون في زعامة الأُمة منصباً مختصاً بالفقيه الجامع لشرائط الإفتاء كاختصاص حق القضاء والإفتاء به، ولا يجوز لغيره الحلول محلّه في هذا المنصب وإلا فقد تولى ما ليس لـه وهو جائر وإن عدل. فبان هذا الحكم باختصاص المنصب بالفقيه وإلى بأول حكم إسلامي لم ينفذه على وجهه.

على ان تولي غير الفقيه لزمام الأُمة وقيامه بشؤونها حق القيام فرض يتعسر بل يتعذر تنفيذه ولا واقع لـه بشهادة الوجدان إذ سعة افقه الفقهي في مهم الأمور ودقيق المسائل والتي تعينه أيضاً بالتالي على التمتع بمستوى عال من الورع والاستقامة مما لا نظير لـه عادة وقد نبه الإمام الحكيم ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في مستمسكه على الزعامة والرئاسة مزلة للأقدام ومخطرة للرجال العظام وإن علت درجاتهم وقل نظائرهم فما ظنك بغيرهم. فهذا فرض وإن أمكن دليلا إلاّ انه متعذر خارجاً وفق المنظور.

ـ(579)ـ

وكلامنا كله في الزعيم الأعلى لبلد المسلمين والذي تجتمع في يده جميع الصلاحيات والسلطات ويكون مهيمناً على الكل وذو القدرة التامة في الفعل والترك وصاحب مثل هذا المنصب لا يمكن الأخذ على يده ـ عادةً ـ لو أراد أن يأخذ بالأمة طريقاً لا يُرتضى فلابدّ من أحكام الأمر من بدءه حتى لا يفلت الزمام ولات حين مندم.

الأصل في المقام: ذكروا: ان الأصل في المقام عدم ولاية أحد على أحد إلاّ بدليل.

هذا في غير المولى سبحانه وإلا فالأصل هو الولاية المطلقة من جميع الجهات للمولى سبحانه على جميع الموجودات بما انه خالق، وبما انه ربّ تبارك وتقدّس فله الحكم والأمر والنهي في عباده بحسب مشيئته وما تقتضيه حكمته.

وقد كتب المولى سبحانه للنوع البشرى الخلود وان عليهم بلوغ مراتب الكمال بسعيهم وجهدهم حتى يتأهلوا للخلود مع الملائكة في النعيم المقيم.

ولما كان النوع البشري غير متمكن من السير في طريق الكمال والانتهاء إلى غايته لما تنتابه من عوارض الغرائز المركبة فيه ولطاقته المحدودة في تعرّف السبل إلى ذلك الكمال فقد أرسل المولى سبحانه أنبيائه ورسله بالكتب المتضمنة للقوانين، المتكفلة لإيصال النوع إلى ذلك الكمال، والمنظمة لأمور معاشهم بما فيه العدل والأنصاف وانتظام الحال إلى آخر الدنيا.

وقد عهد المولى سبحانه أمر الخلق إلى النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم فعليه تبليغ رسالات الله سبحانه والسعي في هدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور وله رئاستهم في جميع الشؤون ديناً ودنياً. وقد قام النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم بكل ما عهد إليه خير قيام ونشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية كلها وهيأ الجيوش لنشر الدين في الأرض وأكمل

ـ(580)ـ

نظام دولته بأحسن وجه فلما اكتمل البناء وقام على سوقه وانتظم أحسن انتظام وسارت الأُمة في طريق الهداية والصلاح إلاّ أنّ كل شيء في أول عهده وبدء نموه، أيتركه ويمضي لتفعل الاتفاقيات في هذه التركة العظيمة التي أعدّت لهداية البشرية جمعاء إلى يوم القيامة فعلها أو لينتهز فرصتها كل طامع وما أكثرهم وفي المدينة من يتربص بالأمة الدوائر ومنهم من مرد على النفاق ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1).

فكان أن عهدها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى علي أمير المؤمنين في مناسبات كثيرة منها يوم نزول ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(2) في أول البعثة ومرة يوم الغدير في حجة الوداع في آخر البعثة وآخرها كان يوم الخميس(3). وما أدراك ما يوم الخميس وفيما بينها مرات كثيرة تجدها مسطورة في كتب الجمهور المعتبرة.

وأوصى علي عليه السلام إلى الحسن عليه السلام وهكذا إلى المهدى(عج).

واليوم، هل يُترك الأمر لمن شاء وأراد أو للأُمة ترفع على عرشها من أحبت ولمن ينفذ أحكام الإسلام، أم ماذا، ومن أين يعرف الإسلام وكيف.

الأصل في هذا المقام عدم استحقاق أحد للولاية على أحد ـ كائناً من كان ـ إلاّ بدليل. ومجرد الشك في استحقاقه كاف لمنعه منه.

فلما نعلمه من أهمية هذا المقام وكونه وراء معظم المآسي التي نالت الجنس البشري والى ساعتنا هذه ولما نعلمه من اهتمام الإسلام به بشكل جعل لـه مركزية ومحورية في قضاياه وتعاليمه فلابدّ من الجزم وتحصيل اليقين بان صاحب الشروط الكذائية لـه تسنم زعامة الإسلام والمسلمين حتى يُخلى بينه وبينها.

___________________________

1 ـ سورة التوبة: 98.

2 ـ سورة الشعراء: 214.

3 ـ المراجعات: السيد عبد الحسين شرف الدين، ص 258 ففيه تفصيل أمرها.

ـ(581)ـ

وبحسب الأدلة لا يستحق اعتلاء هذه المراقي إلاّ الاوحدي من الناس والذي جمع خصالاً هيئته لارتقاء مقام الأنبياء والأوصياء.

عن علي عليه السلام لشريح القاضي: «يا شُريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصي نبي أو شقي»(1).

فما ظنك بمن يتولى أمر المسلمين في جميع مناحي الحياة.

وعن مولانا الإمام الصادق عليه السلام: «اتقوا الحكومة فان الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصيّ نبي»(2).

وعن مولانا الصادق عليه السلام: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عزّ وجل فهو كافر بالله العظيم»(3).

فما قولك فيمن يحكم في الدماء والأعراض والنفوس ويوجه مسار حياة الناس وعقولهم وغرائزهم ويكون السبب الأقوى في هداية الناس وضلالهم.

قال الله تبارك وتعالى:«ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»(4).

رأي الجمهور في الشرائط والصفات المفروض توفرها لاستحقاق زعامة الأُمة: ذكر في الفقه على المذاهب الأربعة ـ إنهم اتفقوا على ان الإمام يشترط فيه أن يكون مسلماً، مكلفاً، حراً، ذكراً، قرشياً، عدلاً، عالماً، مجتهداً، شجاعاً، ذا رأي صائب سليم السمع والبصر والنطق.

وفي الأحكام السلطانية للماوردي شروط سبعة: العدالة، العلم المؤدي إلى الاجتهاد وفي النوازل والأحكام، سلامة الحواس، سلامة

___________________________

1 ـ وسائل الشيعة، ج 27 ص 17.

2 ـ وسائل الشيعة ج 7: 17.

3 ـ وسائل الشيعة، ج 27 ص 32.

4 ـ سورة المائدة: 44.

ـ(582)ـ

الأعضاء، الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو، النسب.

قال: وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع لـه وتأكيد علماء الجمهور على شرطية القرشية بحيث نصّ الماوردي على انعقاد إجماعهم عليه وتوفر النصّ فيه يفسّر لنا دعاوى النسب والمشجرات التي يطلقها بعض أهل السياسة فجأة من دون سابقة وهذا بعينه سبب ترك آل عثمان لمذهبهم وانتقالهم إلى مذهب آخر لا يشترط قرشية من يتولى حكم المسلمين مع انك ترى نصّ الماوردي على إجماعهم في المقام وإصرار المتعرضين للمسألة على شرطيته.

ذكر الفيلسوف والمفسّر الجليل السيد محمد حسين الطباطبائي:

«طالما كانت الولاية ضرورية بحكم الفطرة لما يستلزمه وجودها من حفظ وإدامة للمصالح الاجتماعية العليا وطالما قام الإسلام على أساس الفطرة فان حاصل جمع هاتين المقدمتين يجعلنا نؤكد باطمئنان إلى ان الشخص الذي تتعين فيه الولاية ينبغي أين يكون الأكثر تقوى من بين الآخرين بالإضافة إلى من تقدمه على غيره في الكفاءة وحسن التدبير وفي الوعي والاطلاع وبذلك ليس ثمة شك في أن المتصدين للولاية والحكم يجب أن يكونوا من بين افضل الكفاءات التي يحتضنها المجتمع»(1).

وذكر في دراسات في ولاية الفقيه:

«ان العقل يحكم بلزوم توفر الشرائط التالية في الحاكم: العقل، القدرة، الإسلام، العلم بل الاعلمية، العدالة، المعرفة بالإدارة والتدبير(2).

ونبه السيد الحائري إلى اشتباهه في كون هذه الأمور إنّما صدرت عن حكم العقل وإنّما الصحيح ـ بقرينة كلامه المتقدم ـ ان العقلاء جرت سيرتهم على اشتراط هذه الأمور

___________________________

1 ـ مقالات تأسسية: السيد الطباطبائي ص 186.

2 ـ دراسات في ولاية الفقيه ص 277.

ـ(583)ـ

فيمن يولونه عملاً، والحكم من أعظم الأعمال وأهمها إطلاقاً ـ ولعل مقصوده كذلك ـ والسيرة العقلائية هذه حجة شرعية في هذا المقام لإمضاء الشارع المقدس لها وعدم ردعه عنها(1).

هذا وذكر الإمام الخميني ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في كتابه «البيع» شروطاً ثلاثة لمن يتولى مقاليد الزعامة للأُمة الإسلامية.

1 ـ العلم بالقانون. ومقصوده أن يكون الزعيم مجتهداً مطلقاً كما نصّ عليه فيما بعد(2).

2 ـ العدالة.

3 ـ الكفاية. أي قدرته على القيام بما أُنيط به.

وعلى هذا الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي(3) والسيد حسن طاهري خرم آبادي(4) متابعة للسيد الإمام. وإن أعطيا عنواناً للثالثة مغايراً وسيأتي ذكره ان شاء الله تعالى إلاّ أنه يلتقي بما أرد الإمام ذكره.

وذكر العلامة الحلي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ لابد أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه(5) كما ذكر الباقلاني في لزوم كونه من أمثلهم في العلم وسائر هذه الأبواب التي يمكن التفاضل فيهـا(6).

___________________________

1ـ ولاية الأمر في عصر الغيبة، السيد كاظم الحائري ص 98.

2 ـ البيع، الإمام الخميني، ج 2: 465.

3 ـ ولاية الفقيه، الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، ص 126.

4 ـ ولاية الفقيه، السيد حسن طاهري خرم آبادي: ص 52.

5 ـ تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، فصل مثال أهل البغي.

6 ـ التمهيد، الباقلاني، ص 181.

ـ(584)ـ

وفي دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية:

المادة الخامسة:

تكون ولاية الأمر والأُمة في غيبة الإمام المهدي عجلّ الله تعالى فرجه في جمهورية إيران الإسلامية للفقيه، العادل التقي، العارف بالعصر، الشجاع، المدير والمدبّر، الذي تعرفه أكثرية الجماهير وتتقبل قيادته وفي حالة عدم إحراز أيّ فقيه لهذه الأكثرية فان القائد أو مجلس القيادة المركب من الفقهاء جامعي الشرائط يتحمل هذه المسؤولية وفقاً للمادة السابعة بعد المائة.

المادة السابعة بعد المائة:

إذا عرفت وقبلت الأكثرية الساحقة من الشعب بمرجعية وقيادة أحد الفقهاء جامعي الشرائط المذكورة في المادة الخامسة من هذا الدستور كما هو حادث بالنسبة للمرجع الديني الكبير قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام الخميني تكون لهذا القائد ولاية الأمر وكافة المسؤوليات الناشئة عنها وفي غير هذه الحالة فان الخبراء المنتخبين من قبل الشعب يبحثون ويتشاورون حول كافة الذين لهم صلاحية المرجعية والقيادة فإذا وجدوا ان مرجعاً واحداً يملك ميزة خاصة للقيادة فانّهم يعرفونه باعتباره قائداً للشعب وإلاّ فانهم يعينون ثلاثة أو خمسة مراجع جامعي الشرائط باعتبارهم أعضاء في مجلس القيادة ويعرّفونهم للشعب.

المادة التاسعة بعد المائة:

شروط وصفات القائد أو أعضاء مجلس القيادة هي:

1 ـ الصلاحية العلمية والتقوى اللازمة للإفتاء والمرجعية.

2 ـ الرؤية السياسية والاجتماعية والشجاعة الكافية والقدرة والإرادة الكافية للقيادة.

ـ(585)ـ

شروط الحاكم:

ذكرت مجموعة من الشروط وفي المقام نرغب باستعراضها على عُجالة.

1 ـ البلوغ:

ذكر الجمهور هذا الشرط وقد تقدم نقل صاحب الفقه على المذاهب الأربعة اتفاقهم على شرطيته ولم يذكره الإمامية والسبب في أعراضهم عن انهم اعتبروا في الإمام الأصل النصّ عليه وعصمته ومع النص وهو هنا علة تامة في المقام فلا مانع لشيء عن استحقاقه للمنصب كما ان حصول هذا خارجاً أوّل دليل على إمكانه ويستشهدون بما ورد في عيسى عليه السلام وبما ثبت في حق بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام. وهذا ليس محل ابتلاء فعلي.

اما ما هو محل الابتلاء وهو اشتراطه في ولي أمر المسلمين فالجواب ان لا دليل معتبر على صحة تولية الطفل ومجرد الشك في أمثال المقام مع عدم الرافع لـه كاف لاشتراطه على أنا سنذكر اشتراط قدرة المتولي للأمر على القيام بهذه المسؤولية العظيمة وهذا شرط يفتقده غالب البالغين فكيف بالطفل وأي طفل ـ مهما بلغ ـ لـه هذا الاستعداد كما ان الإمام الخميني وغيره ومجموعة من أعلام العامة اشترطوا تحقق الاجتهاد فيمن يتولى زعامة الأُمة كما اشترط الفقهاء البلوغ في القاضي والفتوى والحكم الصادران من الطفل لا أثر لهما فإذن المسألة بحكم المفروغ منها. مع ملاحظة ان الطفل عليه الولاية الشرعية نفساً ومالاً فكيف يتولى أمور المسلمين قاطبة.

2 ـ العقل:

وأيّ عاقل يعهد لمجنون تولي حكم المسلمين وارتقاء أخطر منصب وأهمه.

نعم الكلام فيما لو جنّ أثناء ولايته فهنا يُعزل فوراً ويعتبر كلما صدر منه أثناء جنونه لاغياً.

وقد نُقل اتفاق مثل هذه الحالة لأحد سلاطين بني عثمان واستمر في الحكم فترة قليلة ثم خُلع.

ـ(586)ـ

3 ـ عدم كونه من أهل البخل والطمع والمصانعة:

هذه الصفات ترجع في الحقيقة إلى شرطية العدالة خصوصاً مع التزامنا بكونها على درجة عالية عما عليه إمام الجماعة والشاهد فمنصب الوالي الأعظم أخطر من هذين بكثير فالمرتبة التي يجب أن تكون فيها عدالته عالية كثيراً عنهما.

4 ـ الحرية:

هذه الصفة متوفرة في جميع الناس ولا موضع لها في الخارج كي يُبحث فيها.

على ان الآية المباركة تذكر: ﴿عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ...﴾(1).

والعبد شأنه متابعة احتياجات مولاه.

ووضع العبد النفسي والاجتماعي ومؤهلاته الشخصية تسلبه القدرة على القيام بهذه المسؤولية الجسيمة.

5 ـ القرشية:

شرط هذا أكثر الجمهور منهم الماوردي بل ادعى كثير منهم تحقق الاتفاق عليه ولم يذكر فقهاء الإمامية هذا الشرط ولم يعتبروه.

نعم كلما ورد بهذا الشأن فإنما هو في سياق بيان استحقاق الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام لزعامة الأُمة دون غيرهم وليس هذا هو الملاك فيهم بل النصّ القطعي(2).

6 ـ سلامة الأعضاء والحواس:

وهذه مرجعها إلى توفر القدرة على القيام بشؤون الحكم وإحكام تدبيره فكل ما

___________________________

1 ـ سورة النحل: 75.

2 ـ الروايات مسرودة في ولاية الفقيه ط 1 ص 374.

ـ(587)ـ

يعوقه فقد سلب قدرته وبه امتناع التولية.

وإلاّ فمجرد عدم سلامة بعض الأعضاء مما لا يؤثر في قدرته لا يشكل مانعاً عن الولاية عقلاً أو شرعاً.

7 ـ ان لا يكون ولد زنا:

لم يتعرض علماء الجمهور لهذا الشرط وذكره فقهاء الإمامية في شرائط القاضي والمفتي.

والمعروف صعوبة الإثبات الشرعي لجريمة الزنا وندرة حصول من ثبت في حقّه هذا على مؤهلات الزعامة.

على ان مثل هذا الفرض بحكم العدم ـ أي وجود شخص بهذه الصفة مع تأهله لهذا المقام.

نعم قد يُسمع عن وصول بعض الغربيين لقمة السلطة في دولهم أو ترشيح من يحمل هذه الصفة لمقام الزعامة عندهم. وما ذكرناها إلاّ لاستقصاء ما قيل.

واستكمالاً للمطلب انه قد وردت في ابن الزنا روايات شديدة جداً ومحيرة شارحة لخبث ذاتي في ابن الزنا وتلوث في فطرته يمنع عن السماح لـه بترقي هذا المنصب.

8 ـ الذكورة:

وهذا الشرط من ضمن ما يعبر عنها بـ(حديث الساعة).

فقد اتفق فقهاء الجمهور على اشتراط الذكورة في الزعيم الأعلى للمسلمين.

واختلفوا في اشتراطه في القضاء.

 فاتفق الثلاثة غير الأحناف على الاشتراط وقال الأحناف بالتفصيل.

فما قبلت فيه شهادة النساء قبل منه قضاؤهن.

ـ(588)ـ

 وما رُدت فيه شهادة النساء لم يقبل فيه تصديهن للقضاء.

وأمّا فقهاء الإمامية فلم يتعرضوا في بحث الإمامة لهذا الشرط وقد قدمنا ان النصّ قاطع لكل جدال.

على انه لم يحصل عبر التاريخ البشري الطويل توفر امرأة لمقام الرسالة والنبوة أو الإمامة نعم مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بضعة النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم معصومة وهي سيدة نساء العالمين وقولها حجة لمكان عصمتها ولذلك يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ومن آذاها فقد آذى الله إلى غير ذلك بما ورد في حقها.

لكن يبقى مقام الزعامة العظمى لأبيها النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم ولبعلها أمير المؤمنين عليه السلام ولذريتها الأحد عشر عليهم السلام بحسب ما دلت عليه النصوص المتوفرة في كتب الفريقين وكذا مريم(س) معصومة وسيدة نساء عالمها ومقام الزعامة في زمانها لغيرها كولدها المسيح عيسى أحد الرسل من أولي العزم عليه الصلاة والسلام. كما كان في زمانها يحيى وزكريا عليهم السلام.

ذكر السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره القيم الميزان حول الآية المباركة: «الرجال قوّامون على النساء» انها ذات إطلاق تام ويمكن استفادة العموم منها وان ما بعدها بعض تطبيقاتها فليست مختصة بحالة الزوجية(1).

وقد ذكروا في شروط الفقيه والقاضي لابديّة كونه ذكراً ومن شروط الحاكم الأعلى كونه فقيهاً فاذن لابدّ من هذا الشرط بالنسبة لولي أمر المسلمين وإن وقع البحث مؤخراً عند الهيئات التشريعية في الجمهورية الإسلامية في إيران حول شرطية الذكورة للقاضي وإمكانية السماح للمرأة بتولي منصب القضاء. وميل بعض الأعلام لرفع هذا الشرط إلاّ ان هذا غير مؤثر في المقام لبقاء هذا الشرط في المفتي.

على ان منصب القضاء في الجمهورية يغلب على متوليه الذكور عدم الاجتهاد

___________________________

1 ـ تفسير الميزان، السيد الطباطبائي ج 4 ص 343.

ـ(589)ـ

وفضلاً عن ان يطلب هذا من النساء وتُعالج هذه الثغرة برفع الدعاوى بعد تشخيص حكمها إلى دوائر التمييز للبتّ في حكمها والمصادقة عليها نهائياً.

ووردت بعض الروايات التي يستفاد منها نتيجة عدم اقتدار المرأة وعدم توفر حسن التدبير فيها لهذا الأمر الخطير مما يُرشد على عدم تحقق الشرائط اللازمة فيها وهذا مانع عن توليتها فمما روي كما في البخاري وغيره(1).

عن أبي بكرة: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أيام الجمل بعدما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فاقاتل معهم قال لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ان أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»(2) وقد صححه الترمذي.

وفي كنز العمال: لا تكون المرأة حكماً تقضي بين العامة(3) فمنعها عن مقام الولاية العظمى أولى. وقد روي هذا عن عائشة.

وفي الكافي بسندٍ وصف بأنه في غاية الصحة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: «ذكر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم النساء فقال: «اعصوهن بالمعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر» وتعوذ بالله من شرارهنّ وكونوا من خيارهنّ على حذر»(4).

وكيف كان فلا جدوى من البحث في هذا الشرط ما دامت المرأة ممنوعة عن القضاء والحكم بين الناس وممنوعة الفتوى لغيرها ـ نعم لها أن تجتهد لنفسها وتعمل برأيها المستنبط عن موازين صحيحة على انه لم يتيسر عبر التاريخ الإسلامي كله امرأة توفرت فيها الصفات التي تمت بصدد عدّها هنا كالاجتهاد ـ مع الاعلمية أو بدونها مع الاقتدار التام على تسيير وإدارة أمر الدولة وحسن تدبيرها والسيطرة على زمام الأمور فيها مع علو مرتبتها في العدالة وضبطها لغرائزها وما تعرف به المرأة من عاطفة شديدة وسرعة

___________________________

1 ـ صحيح البخاري ج 3 ص 90.

2 ـ سنن الترمذي 3 ص 360 الحديث 2365.

3 ـ كنز العمال: المتقي الهندي: ج 6 ص 79، ح 14921.

4 ـ الكافي، الشيخ الكليني، كتاب النكاح، باب في ترك طاعة النساء ح 2.

ـ(590)ـ

اندفاع في اتخاذ قرارها حينما تستعطف أو تستثار وأجمل صفات المرأة وأفضلها وأكملها مانع لها ـ مع توفرها فيها ـ عن تسنم هذا المقام هذا كله مع ما يستنبطه الفقيه الخبير من ما نعيته هذا من خلال ما ورد من منعها من الاجتهاد والقضاء وإمامة الجماعة ومنعها من مقام الشهادة بالحدود المسموحة للرجل ومن توجهات الشرع في منعها من الاختلاط ودعوتها للتستر والاحتجاب حتى ورد في شأن نساء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم «وقرن في بيوتكن»(1) فما الشأن بغيرهن.

9 ـ الإسلام:

اصل اشتراط الإسلام فيمن يحكم بلاد المسلمين مما لا ينبغي التوقف فيه إذ هل يُعقل ان يرضى الله سبحانه ورسوله بتسليم بلاد المسلمين ومقدساتهم وأعراضهم ونفوسهم إلى من لا يؤمن بصحة الدين الإسلامي ولا يرى لـه ولا لأهله حرمة (كيف وان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة) إذ تسلطهم على بلاد المسلمين سواءاً الجمع منهم أو الفرد موجب لفتكهم بها لكونهم لا يرون للإسلام وأهله حرمة ولاقتفاء إيمانهم بدينهم معاداتهم لكل ما عداه والتوسل بكل سبب لإيقاع الوهن فيه وإدخال الضرر عليه اعزازاً لدينهم وشأنهم.

على ان ملاحظة حال الكافر على ما في الآيات والروايات يؤدي إلى القطع بهذا الشرط إذ الكافر أما أن يُسلم كما في غير أهل الكتاب وهومفاد أوائل سورة براءة:

﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

وان كان من أهل الكتاب فلا يحصّن نفسه وما يتعلق به إلاّ بمعاهدة مع ولي المسلمين

___________________________

1 ـ سنن الترمذي ج 3 ص 360، ح 2365.

ـ(591)ـ

أو استحصاله الآمان. قال سبحانه:﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾.

نعم في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية المادة الرابعة عشرة من الفصل الأول بحكم الآية الكريمة: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ فإن على جمهورية إيران الإسلامية وعلى المسلمين أن يعاملوا غير المسلمين بالأخلاق الحسنة والقسط والعدل الإسلامي وأن يراعوا حقوقهم الإنسانية.

لكن هذا غير أن يولي زعامة الأُمة الإسلامية ويحكم فيها ويدعى إلى تطبيق القرآن والسنّة وفق موازين شرعية صحيحة والأمر واضح.

10 ـ الإيمان:

المقصود من شرط الإسلام هو إظهار المرء للشهادتين، والتزامه بالإسلام وتشريعاته من غير أن يظهر منه ما ينقض هذا وينافيه ويكون علامة واضحة على كفره وعدم إعراضه والإيمان هو التزام المرء بكل ما جاء به الإسلام لساناً وقلباً عن أي أمر ورد في الشريعة بل كل ما ثبت بدليل اعتنقه والتزم به بغض النظر عن التزامه التطبيقي ببعض التشريعات وتساهله فيها فان هذا ينافي العدالة بينما ترك الاعتقاد والالتزام القلبي لما جاء في الإسلام وثبت عنه ينافي الإيمان ويهدمه لكنه يبقى مسلماً مصون الدم والعرض والمال، وانفراط حاله في الآخرة محقق.

فمن يرفض بعض ما جاء به الإسلام على الرغم من ثبوته بحجة كيف يُراد منه إقامة

ـ(592)ـ

حكم الله في الأرض وتطبيق كل ما جاءت به الشريعة في حكم الأُمة وإقامة موازين العدل والأنصاف وهذه النقطة على حاجتها لإشباعها في الكلام والإيضاح الأكبر لحدودها فقد أعرضنا عن هذا لمقام آخر ان شاء الله تعالى.

11 ـ الشجاعة:

وهذه الصفة في الواقع وان ذكرت مستقلة في الدستور الإيراني وغيره لمكان أهميتها فتحتاج للتنبيه والتأكيد عليها.

غير انها يمكن اعتبارها داخلة في شرط الكفاءة والقدرة فمن ليس بشجاع والولاية تحـتاج لشجاعة كبيرة وقوة قلب فليس بكفوء لها ولا بقادر على إدارتها بضبط وحزم واستقرار.

12 ـ البصيرة:

وهي القدرة على تشخيص الموضوع والحالة وعلى تشخيص حكمه المناسب والتصرف المناسب بإزائه.

وهذه أيضاً ـ كالسابقة ـ راجعة إلى صفة الكفاءة والقدرة بالبيان السابق. ويشخّص بصيرته وحنكته في إدارة الدولة أهل الخبرة بها وتثبت لـه بممارسته مهام المناصب على صعيد الدولة وتمرسه فيها وتشخيصه المناسب لكل حالة يواجهها ويحسن التفرس والحدس فيما يواجهه من مواقف أهل السياسة والرئاسة.

13 ـ المعرفة بالعصر:

وهو ما ذكر في دستور الجمهورية الإسلامية ـ المادة الخامسة ـ والحق ان هذا الشرط راجع إلى شرط الكفاية الذي ذكره الإمام الخميني في كتاب

ـ(593)ـ

البيع وإنّما نُبّه عليه بخصوص لالفات النظر إليه وللتأكيد عليه.

14 ـ الهيبة:

ذكر العلامة الحلي انه يُشترط أن يكون الإمام ذكراً كي يكون مهاباً فيظهر من كلامه هيبته شرط.

وفي الحقيقة ان هناك كثير من الصفات النفسية والجسدية والمظهرية ينبغي لـه بل قد يجب أن يتصف بها فقد يكون المرء فقيهاً إلاّ أنّ طريقة حديثه أو أسلوب عشرته أو شكله الخارجي وغير هذه تدفع الناس دفعاً إلى الضحك منه أو أهانته أو كراهيته.

وقد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام في منتهى المهابة والكمال وكانت لهم تأثيراتهم في الأُمة بصفات الكمال هذه المتوفرة فيهم بالإضافة إلى بقية ما ثبت لهم وتوفر فيهم.

والحقيقة ان هذا الشرط وغيره يجمعها اشتراط الكفاية.

بل اننا نؤكد على توفر عُلقة المحبة بين القائد وأمته فإن الشعب إذا أحبّ قائده سهل عليهم اتباعه وسهل عليه هدايتهم وقيادتهم وأغنته محبتهم هذه عن كثير من الاستعدادات الأمنية التي يبثها في الأُمة لحماية أمنها وكيانها ودفعها إلى مراشدها ولعلّ هذا من حكم أيجاب المولى سبحانه على الأُمة مودة آل النبي صلى الله عليه وعليهم لان مودة ومحبة الأُمة لهم تُسلس قيادة المسلمين وبأيدي أولئك الأطهار وتسهل الوصول إلى أهداف الشريعة في المجتمع.

ولعله توجد هناك شرائط عدة ذكرها البعض وجميع ما ذكر راجع إلى الصفات المذكورة هنا فترجع أما إلى العلم أو العدالة أو الكفاية والاقتدار وحسن التدبير وإنّما يُنبّه عليها بخصوصها لشدة الحاجة إليها وللتأكيد عليها وللأشعار بأهميتها.

ـ(594)ـ

الشروط الرئيسية والجامعة:

1 ـ القدرة وحسن التدبير:

أن يتمكن بما يتوفر عنده من ملكات ومواهب واستعدادات من القيام بما يجب عليه في تسيير شؤون الحكم وتحقيق الأهداف المطلوبة منه.

وقد عُبّر عن هذا الشرط بتعابير عدة ففي كلمات الإمام الخميني ـ أعلى الله تعالى مقامه ـ ذكر بعنوان الكفاية وعبّر عنه غيره بالقوة وحسن الولاية وفي الدستور الإيراني بالمدير والمدبر وبالقدرة والإدارة الكافية للقيادة وعند بعض بالتدبير وآخر بالمهارة في الإدارة.

وكيف ما كان عنوانها فلا مجال للتوقف في إثبات هذا الشرط واعتبار ركنيته الأكيدة في ولي أمر المسلمين وزعيمهم.

فلابدّ ان يستطيع من إدارة شؤون البلاد السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بالشكل الذي به استقرار أركان الدولة ويعزز أمنها وهيبتها ويكون في تمكن دائم من توجيه دفة الأمور فيها.

ولا يمكن تشخيص توفر هذا الشرط في ولي أمر المسلمين إلاّ بعد ممارسته شؤون الحكم لفترة في المناصب العالية وملاحظة حسن تدبيره وأدارته وتصريفه للأمور وتوجيهه لمن يعمل معه وسعة صدره وترويّه في إصدار الأحكام والقرارات وحكمته في مواجهة الأزمات وسيطرته على مرؤوسيه ومحافظته على تطبيق أحكام الشريعة وعدم اضطرابه في تطبيقها خصوصاً حينما يُستفز أو تتعرض منافعه الشخصية ومستقبله السياسي للعواصف.

 

العدالة:

أتـانــي الحكـم ثــلاثـة  الـعـلـم والـعــدالـة والـكفايـة

ولا عـدالــة بــلا عــلـم وأعظم كل الصفات العلم والعدالة

ـ(595)ـ

وأساس الحكم كله: العدالة.

اعظم مهم يريده الإسلام من حاكم أمر المسلمين ووليهم وأعظم ما تريده الأُمة من قائدها.

ومعناها: أن لا يرتكب أي محرّم كبيراً أو صغيراً ولا يترك أي واجب.

فيُحافظ على قانون الإسلام في جميع مجالات حياته.

وتكون استقامته هذه بشكل مستقر فلا تكثر منه الخطايا وان كثرت منه التوبة، ولا يكتفى منه بما يكتفى به في عدالة أمام الجماعة والشاهد وما يطلب من جميع الناس بل لابدّ أن يكون على مرقاة عالية من درجات الورع والتقى والاستقامة كي يستحق الإمساك بزمام أخطر منصب يدير من خلاله المجتمع الإسلامي وقد يتوقف عليه وجود الإسلام والمسلمين ورفعة شأنهما أو عكسه.

وللشيعة من الحاكم الجائر الظالم موقف معروف ومسطور ولعلنا نختم بذكره البحث ان شاء الله تعالى ثم ان العدالة من شرائط صحة الرجوع للفقيه والفقاهة شرط في زعيم الدولة فإذن لابدّ من العدالة وقد وردت روايات كثيرة من طرق الإمامية تُلزم باتباع العادل الجامع للشرائط وتنهى نهياً شديداً يحيّر الألباب عن اتباع غير العادل وسنورد الرواية الآتية التي بمعناها الكثير والمقطوع بمفاده ففي كتاب تحف العقول للشيخ الحسن بن على الحراني الأمامي عن الإمام الصادق عليه السلام في جواز العمل مع الوالي العادل وتحريم العمل مع غيره.

فعنه عليه السلام(... فإحدى الجهتين من الولاية ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم على الناس وولاية ولاته وولاة ولاته إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو وال عليه والجهة الأخرى من الولاية ولاية ولاة الجور وولاة ولاته إلى أدناهم باباً من الأبواب التي هو وال عليه فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر الله

ـ(596)ـ

بمعرفته وولايته والعمل لـه في ولايته وولاية ولاته وولاة ولاته بجهة ما أمر الله به الوالي العادل بلا زيادة فيما أنزل الله به ولا نقصان منه ولا تحريف لقولـه ولا تعدّ لأمره إلى غيره فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية لـه والعمل معه ومعونته في ولايته وتقويته حلال محللّ وحلال الكسب معهم وذلك ان ولاية والي العدل وولاته أحياء كل حق وكل عدل وإماتة كل ظلم وجور وفساد فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه والمعين لـه على ولايته ساعياً إلى طاعة الله مقوياً لدينه.

وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته، الرئيس منهم واتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو وال عليه والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام ومحرّم معذّب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير لان كل شيء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر وذلك أنّ في ولاية الوالي الجائر درس ـ دروس ـ الحق كله وأحياء الباطل كلّه وإظهار الظلم والجور والفساد وأبطال الكتب وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سُنّة الله وشرائعه، فلذلك حَرُم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة)(1).

وقد نقلنا هذه الرواية بطولها لما فيها من فوائد في المقام والاعتماد جماعة من الأعلام عليها واستنادهم إليها.

وأما الجمهور فقد نقل في الفقه على المذاهب الأربعة إجماعهم على اشتراط العدالة فيه إلاّ انّ لهم مسلكاً معروفاً في السكوت عن ولاة الجور وعن المتغلب معروف فاشترطوها فقهاً وأهملوها عملاً.

وقد قدمنا ان العدالة المطلوبة في ولي أمر المسلمين لابدّ أن تكون أعلى بمراتب من المطلوبة من أمام الجماعة والشاهد بل القاضي، لما في يد الولي من إمكانات وقوى

___________________________

1 ـ تحف العقول: الشيخ ابن سغبة الحراني، ص 332.

ـ(597)ـ

هائلة وما يمثله من تهديد لو انحرف.

وهناك من الأعلام من يشترط على مستوى العدالة في مرجع التقليد فلابدّ ان تكون في الولي بنفس المستوى لأنه هو هو أو أرفع لخطورة منصبه.

إلا ان مستوى ورعه وتقواه يجب ان لا يزاحم حزمه إذ أن كثيراً من مهام الدولة تتطلب حزماً وحسماً سريعين قبل استفحال الشرّ وتأزم الأوضاع وإلاّ عادت الأمور وبالاً وانفراطاً وسوء إدارة.

الاجتهاد:

أن يكون مجتهداً مطلقاً لـه القدرة على استنباط الأحكام الشرعية في جميع ابتلاءات الحياة في أدلتها المقررة بالموازين الشرعية.

مع قدرة تامة على تشخيص الموضوعات الخارجية وتخريج حكمها المناسب لها والمعيّن بدليله الشرعي بدون تحكم منه وإنّما يجري مع النصوص الشرعية والأدلة حينما تأخذ بـه.

أي انه قادر على تشخيص الأحكام الكلية والأحكام الجزئية للموضوعات والمصاديق الخارجية وهذا الشرط في الحقيقة هو من أهم الشرائط في يومنا هذا لحصر جمع من فقهاء الإمامية وفقهاء الجمهور حق الحكم به وتسجيله كشرط أساسي مقوم للحاكم وولي أمر المسلمين في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتنفرد به عملاً عن كل البلاد الإسلامية قاطبة مع التزام فقهاء الجمهور به فتوى لـه.

ذكر في الفقه على المذاهب الأربعة ان هذا الشرط متفق عليه بينهم.

واما عند الإمامية فان النصوص أرجعتهم إلى من نظر في الحلال والحرام وعرف الأحكام والمقلّد ليس ممن نظر في الحلال والحرام ولا معرفة لـه بالأحكام ولا يصدق عليه شيء من العناوين الواردة في النصوص.

ـ(598)ـ

ثم انّ النص المعتبر عند جمع منهم انه ورد عن الإمام المهدي عليه السلام في توقيعه إلى بعض الإمامية: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»(1).

فأما الحوادث الواقعة فهي الأمور الجزئية المبتلى بها وشؤون الحكومة من مصاديقها والرواة هم الفقهاء لان الإمام لا يُرجع إلى راو بما هو لان الراوي لا فقه لـه ولا دراية كاملة لـه وصحيحة بأحكام الله سبحانه والراوي المقصود وهو الفقيه وهذه الرواية الشريفة كُتب حولها الكثير سنداً ومتناً وما سجلناه هو نتيجة القول فيها.

مضافاً إلى انهم اشترطوا في القاضي الفقاهة، ومنصب الولاية العظمى أولى بهذا الشرط لكون القضاء شعبة من شعب الولاية بل غير المجتهد لا قدرة لـه على إدارة البلاد بالموازين الشرعية ولا يؤمن منه الاستقامة في هذا التيار. وان كان هذا راجعاً لشرط القدرة.

ولا ينفرد الإمامية بهذا بل قد نقلنا إجماع الجمهور عليه وذكر هذا الشرط النووي في منهاجه والجويني في إرشاده والايجي في مواقفه والماوردي في الأحكام السلطانية.

وقال ابن خلدون في مقدمته حول شرطية الاجتهاد للحاكم(فأما اشتراط العلم فظاهر لأنه إنّما يكون منفذاً لأحكام الله تعالى إذا كان عالماً بها وما لم يعلمها لا يصّح تقديمه لها ولا يكفي من العلم إلاّ أن يكون مجتهداً لان التقليد نقص والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال).

بل لابد من أعلميه من يقود الدولة الإسلامية على غيره من فقهاء الإسلام ويشهد لهذا الشرط ما ورد فيه من روايات عند الإمامية.

وأمّا الجمهور فقد ذكره منهم القاضي أبي يعلي الفرّاء إذ ذكر ان الشرط الرابع للإمامة ان يكون في أفضلهم في العلم والدين وذكره أيضاً الباقلاني.

___________________________

1 ـ الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 2 ص 543.

ـ(599)ـ

وقد استدلّ لشرط الفقاهة بقوله سبحانه: ﴿... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾(سورة يونس: 35).

ودلالتها تامة في المقام. وان ناقش فيها بعض الأعلام وهي تذكّر الناس وتستنطقهم بأمر فطري جُبلوا عليه وقامت سيرتهم عليه أيضاً من أنّ من يهدي أحق الاتباع والناس مدفوعة بفطرتها وبما قضى به عقلها أن تسير وراء المعلم الأصيل والهادي والمرشد ولا تسير وراء من لا فهم لـه ولا رشاد ولا قابلية للهداية إلاّ أن يوعز إليه من جهة إذ البشرية تلتف وتميل إلى تلك الجهة الهادية مباشرة وقد قرر النص ما فطروا عليه وما جرت سيرتهم عليه وأمعناها وحكم برشادها.

وإضافة إلى ما قدمناه من الرواية عن الإمام المهدي عليه السلام، ما عن الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام في خطبته بمنى(ذلك بان مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه)(1).

ومن الواضح من سياق كلام الإمام ـ بعد فرض صحة صدور الرواية عنه ـ انه يخاطب الناس بهذا الكلام أي المقصود من العلماء في الرواية هم غير المعصومين عليهم السلام ومع ذلك فقد بيّن الإمام بان مجاري الأمور بأيديهم.

ويظهر ان الإمام عليه السلام يتكلم عن قاعدة عامة ثم يطبق حالة من يكلمهم عليها فذكر ان الأمر بشكل عام كون مجاري الأمور على أيدي العلماء ثم خاطبهم بما مضمونه.

وانتم علماء لكنكم سُلبتم تلك المنزلة أي جريان الأمر على أيديكم، لـمَ؟ لأنكم فعلتم كذا وكذا. أي ما هو مذكور تفصيله في بقية الرواية الشريفة وهي طويلة.

بل قد وردت مجموعة من الأدلة تصرّح بلا بدية كون من يرأس بلاد المسلمين أعلم الناس وهذا دال بالضمن على شرطية فقاهته.

___________________________

1 ـ تحف العقول الشيخ ابن شعبة الحرانى، ص 238.

ـ(600)ـ

ففي كتاب سليم بن قيس عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:(أفينبغي أن يكون الخليفة على الأُمة إلاّ أعلمهم بكتاب الله وسُنّة نبيّه وقد قال تعالى: ﴿... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى...َ﴾ وفي محاسن البرقي عن النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم: «من أمّ قوماً وفيهم أعلم منه أو أفقه منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة».

وفي الوسائل بسند وصف بالصحة عن مولانا الصادق عليه السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: «من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفى المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلف».

وعن مولانا الصادق عليه السلام في رواية وصفت بالصحة أيضاً «وانظروا لأنفسكم فوالله ان الرجل ليكون لـه الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها» فكيف بدماء الناس وأعراضها وأديانها وهناك روايات أخر في هذا المقام.

ومن روايات الجمهور:

في سنن البيهقي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم:

«من استعمل عادلاً من المسلمين وهو يعلم ان فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنّة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين»

وروى بمعناها الباقلاني في التمهيد والمتقي في كنز العمال واحدة عن حذيفة وأخرى عن ابن عباس ويظهر من نصوصهن عدم اتحادهن.

فإذا كان اللازم في العامل أن يكون اعلم الناس فما ظنّك بمن يحكم أمة كلها ويقوم مقام الأنبياء والأوصياء. فهو أولى وأوجب والعامل موجه من الخليفة والخليفة لا موجّه لـه ولا آخذ على يده.

وقد يستفهم عن علة الحصر بالفقيه خصوصاً انه أمرٌ مستغرب في عصرنا هذا

ـ(601)ـ

ويمكن علاجه بتسليم الأمر إلى متدين يراجع الفقهاء في صغير الأمور وكبيرها.

إننا لا ندعو إلى تسليم بلاد المسلمين لمن يرتكز على شرط الفقاهة فقط وإنّما: للفقيه الأعلم العادل المتقي الحكيم المدبّر القادر على القيام بمهام القيادة والبصير بأمورها الرجل الشجاع... الخ.

وذلك لان هذا المقام هو مقام القدرة المطلقة والسلطات والصلاحيات الهائلة وهو سبب هداية الناس وسعادتهم أو سبب شقائهم في الدنيا والآخرة فالفقيه ان لم يكن ورعاً شجاعاً فهو سبب الشقاء للأُمة والعادل ان لم يكن فقيهاً سيكون ـ حتماً ـ سبب الضلالة للأُمة والزعامة العظمى تحتاج للتدقيق في الأمور الصغيرة والبسيطة جداً واتخاذ موقف شرعي بازائها قد لا يلتفت هذا العادل حتى للسؤال عنها أولا يهتم بها بما هو حقها.

والفقاهة والاعلمية تعطي للمرء دقة كبيرة في تشخيص الأمور ودراسته للكتاب والسُنّة تملأه بروح الإسلام وتعاليمه فيخلص في عمله غير هيّاب لما يواجهه وهذه كلها قد تكون حِكماً وراء اختيار الفقيه بحد ذاته لذا المنصب.

 

أهداف الإسلام في حكومته

قال تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ

وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.

وعن الإمام سيد الشهداء عليه السلام في خطبته بمنى «اللهم انك تعلم انّه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنري المعالم من

___________________________

1 ـ تحف العقول الشيخ ابن شعبة، ص 239.

ـ(602)ـ

دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسُننك وأحكامك فأنكم إن لا تنصرونا قوي الظلمة عليكم وعملوا في إطفاء نور نبيكم»(1).

وجامع ما يُقال في هذا السبيل: ان هدف الحكومة الإسلامية يتمحور حول تطبيق أحكام الإسلام وهذه الأحكام فيها الضمان للحياة الطاهرة السعيدة المستقرة الضامنة لحرية الأفراد وحفظ كرامتهم.

وأهم ما ينبغي التأكيد عليه:

1 ـ نشر الإسلام في العالم.

2 ـ تطبيق أحكام الإسلام في مختلف مجالات الحياة وحصر حق التشريع والتقنين للدولة به.

3 ـ ضمان الحرية الواسعة لأفراد الأُمة.

4 ـ ضمان الآمن وتعزيزه.

5 ـ إزالة الفقر من ساحة المجتمع الإسلامي.

6 ـ بناء الدولة القوية داخلياً وخارجياً لضمان ثباتها واستقرارها.

والواقع انه كما يلزم الدولة بالعمل على استقرار النظام وأجهزة الحكم وبناء الدولة القوية والمعظمة بين دول العالم.

فكذلك عليها الاهتمام بأفراد المجتمع ـ كأفراد ـ إذ ان هؤلاء هم الدعامة القوية للنظام الإسلامي فالفرد لا يستشعر ما تبنيه لـه الدولة من سدود ومرافق حياتية ومصانع أو ترفع في شأن دولته عالياً بين الأمم بقدر ما يتحسس ويهتم لما توصله الدولة إليه من دعم مباشر وملموس وكما ان بناء الدولة سياسياً وعسكرياً وتصنيعاً مهم لتحقيق الأمر الإلهي «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة» فان المحافظة على المواطن المسلم المؤمن بدولته

___________________________

1 ـ تحف العقول الشيخ ابن شعبة، ص 239.

ـ(603)ـ

والمدافع عنها والمعتقد بصحة طريقها جزء من أعداد القوة لإرهاب العدو بل لعله أهم من بقية المناحي.

وصحيح جداً ان الحكومة الإسلامية عليها العمل للمصلحة العامة رضي الناس أم أبوا وصحيح ان دور الدولة كهاد مرشد بالدرجة الأولى لا أن تستجيب للمواطن الفرد بما أراد لكن ملاحظة هذا الجانب بمقدار ما وتحصيل رضا الأُمة بشكل عام يُعتبر من أهداف الدولة ومن أسباب قوتها الهائلة ولا ننسى ان جماهير الأُمة لم تعهد من التفت إليها واهتم بمصالحها وتجسس بآلامها وآمالها وإعانتها على تجاوز محنتها حتى أصبح إهمالها القاعدة وغيره خديعة أو استثناء وهذا الاهتمام بهم فارق مهم جداً بين الحكومة الإسلامية الحقيقية وغيرها.

ثم ان دستور الجمهورية الإسلامية ذكر ان النظام الإسلامي:

نظام يؤمن القسط والعدل والاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي والتلاحم الوطنـي.

ثم فضّل كيفية تطبيق هذا بستة عشر نقطة في المادة الثالثة.

وذكر الإمام الخميني بعضاً منها في(ج 2) من كتاب البيع(ص 460) والماوردي عشرة كما في أحكامه(ص 15) يضاف إلى النقاط الست المتقدمة.

7 ـ الاهتمام بتثقيف الأُمة دينياً وعلمياً وتربوياً.

8 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمختلف مراتبه وأساليبه وتوجيه الأُمة نحو رشادها وصلاحها.

وما ذكرناه مجمل وتفاصيله تحتاج لكتاب ضخم ولم نعنون كثيراً مما ورد في النصوص أو كلمات الفقهاء وإنّما ذكرنا بعض ما ينبغي التأكيد عليه خصوصاً الاهتمام بمشاعر الأُمة وباحتياجاتها الشخصية ورفع الأثقال الحياتية عن كواهلها وسد احتياجاتهم لان إسعادهم هدف في النظام الإسلامي ولأنهم قوة عظمى في دعم الدولة الإسلامية لا يُستهان بها.

ـ(604)ـ

تنصيب زعيم الأُمة وقائدها:

هناك فروض عدة للمسألة:

1 ـ كون القائد المبحوث عنه هو الإمام المعصوم المعيّن من الله تعالى والمنصوص عليه من رسول الله تعالى.

فهنا لا مدخلية لانتخابه أو بيعته في استحقاقه لمنصبه أو لزوم خضوع الأُمة لـه، كما هو الحال في الأئمة الاثني عشر عليهم السلام.

2 ـ كون القائد من تقدم بيان شرائطه بضميمة كونه الاعدل الأعلم.

فهذا أيضاً لا مدخلية لانتخاب الأُمة أو بيعتها أو قناعتها به ما دامت الصفات المذكورة ثابتة لـه بنظر الخبراء القادمين على تحديد هذه الصفات في حاملها.

والقصد انه مع جعل النص أو صفات معينة هي المناط في الاستحقاق لا معنى للانتخاب في هذا المجال نعم الكلام في كيفية تشخيص من جمع الشرائط وتحققت فيه الصفات المطلوبة ومن بيده هذا التشخيص وقد قدّمنا انه من حق الخبراء لا كل أحد فإن أبت الأُمة عن الخضوع للإمام المعصوم عليه السلام أو الفقيه الثابت لـه جامعيته للشرائط المطلوبة فقد عصت وأثمت غير انه لا يجوز لأحد تولي أمرها بغير رضاً منها إلاّ بموافقتهم جميعاً ومع عدم موافقة البعض لابدّ ان يراعى حالها عند التقنين.

وفي حالة عدم الاستحقاق وعبر الأدلة الشرعية وتولي أمر الأُمة أحدٌ بغير رضاً منها.

فقد وضع الاستضعاف ووجبت النصرة.

وعلى كل حال أيضاً لابدّ لمن يتولى ـ حتى من استضعف أمر الأُمة وغلبها على اختيارها ان يطبق الموازين الشرعية والأحكام الإسلامية بمراجعة العلماء وتوجيههم وحاله

ـ(605)ـ

 كمن يترك الصلاة ويصوم فان ترك واجب لا يعني ترك جميع الواجبات.

فالأمة الرافضة للحاكم الجامع للشرائط تجرم جرماً عاماً إلا ان هذا ليس بمسوغ لأحد كي يسلب أرادتها وحرياتها ويتآمر عليها بغير رضً منها.

3 ـ كون القائد غير متميز في ضمن مجموعة قليلة فلابدّ في هذه الحالة، من تشكيل مجلس للقيادة بهم.

4 ـ عدم إمكان تشكيل مجلس للقيادة فهنا على الأُمة أن تختار وتنتخب لكن ليس كل أحد تشاؤه بل من تعتقد جمعه للصفات المطلوب توفرها في مثله ويكون اختيارها كاشف عن اعتقاد الأُمة بأرجحية توفر الصفات فيه على غيره.

فالغرض انه ليس للأُمة دور محض في اختيار صاحب الحق الشرعي للحاكم الأعلى نحو تشخيصها لتوفر الشرائط فيه كما في الحالة الرابعة.

نعم الأفضل بل اللازم مراعاة مشاعر الأُمة وحساسيتها وملاحظة العنوان الثانوي وما يقتضيه الوضع الأممي والعالمي لهذه المسألة فيجرى الانتخاب بالصيغة التي تؤكد استقرار البلاد وتوصل جامع الشرائط لمنصبه فهو أحوط شرعاً وأكثر أماناً للدولة داخلياً وخارجياً.

هذا كله جمعاً بين الأدلة المتوفرة.

وأمّا المتغلب بالسيف والمتوصل بالخيل فيزاحان عن مقام الأنبياء ويعاملان معاملة الظلمة الجائرين ومع عدم إمكان إزاحتهما يعامل معهما وفق قانون الضرورة وبما به كفّ أيديهما عملياً ونشر الإسلام وتطبيق أحكامه ما دام وجودهما لا ينتج فساداً أعظم من نتائج أزاحتهما وإلاّ لوحظ قانون الأهم والمهم.

وإذا كانت الأُمة لا حق لها في الانتخاب فمن الأولى هذا في أهل الحلّ والعقد فهم في فقهنا أهل الخبرة إلاّ أنهم يختارون من جمع الشرائط وعملهم كاشف عن هذا إلا انهم يختارون من يشأوون.

ـ(606)ـ

يبقى أن نبيّن وجه البيعة فالبيعة معاهدة على الطاعة لولي الأمر والإقرار بزعامته دون أن يكون لها دخل في تصحيح انتخاب من إرادته الأُمة ولم يجمع الشرائط ولو أخذت البيعة لمتغلب وكانت الأُمة كارهة لزعامته فالبيعة لاغية لا أثر لها أصلاً.

الحاكم الظالم

للشيعة الإمامية الاثني عشرية موقف معروف ومتشدّد مع كل حاكم ظالم جائر سواءاً أكان ذلك الحاكم من الإمامية أم من غيرهم تبعاً للكتاب والسنّة وسيرة الأئمة الأطهار عليهم السلام من أهل بيت النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم.

فهم يحرّمون تولية الظالم ويحرّمون أعانته والاستعانة بهم والعمل معهم والركون إليه ويعتبرون كل ذلك من كبائر الذنوب وعظائمها.

قال المولى سبحانه: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ...﴾(1). وورد عن الصادق عليه السلام: «لا تعنهم على بناء مسجد»(2).

وعن الإمام الباقر عليه السلام: «العامل بالظلم والمعين لـه والراضي به شركاء ثلاثة».

وعن الإمام الكاظم عليه السلام: «إن أهون ما يصنع الله جلّ وعز بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سُرادق من نار إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق».

وعن سيد الشهداء عليه السلام: «فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله» فحصر الإمامة به، فغيره لا يستحق مقام الإمامة ولا كرامة. وكيف يُعقل أن يأمر الله تعالى بإطاعة من ينتهك أعراض الناس ويسلب أموالهم ويخنق حرياتهم ويهمل الإسلام وقوانينه وأخلاقياته ويفسح

___________________________

1 ـ سورة هود: 113.

2 ـ وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج 17 ص 180.

ـ(607)ـ

للناس أسباب الفجور والخلاعة ويروج فيها ما يناقض أحكام الإسلام ويفسح المجال لكل فكر مستورد للانتشار ويخنق من ينشر أفكار الإسلام أو يسمع بتقديم الإسلام المشوّه للأُمة كي تكره الأُمة وتشمئز منه وتعرض عنه.

أتعقل أن تظهر خير الشرايع على يد خير الأنبياء لإنقاذ البشرية من الظلمات إلى النور ثم يستلم ذلك كل طاغ وظالم وفي النهاية يأمر الإسلام بإطاعة الظالم ويعاقب على معصيته وايّ تشريع ينشر الفساد ويدعو للشقاق والفتن كهذا والعجب انه من يرفع السيف فهو باغي لابدّ من قتاله وان سيطر وتمكنّ وجب طاعته ولزمت بيعته.

يبقى أن ننبّه إلى أن ما ذكرناه في شرائط الولي قد يقدّم ويؤخر منها تبعاً لقانون التزاحم وطريقة علاجه ولم نتعرّض أيضاً لحالات التزاحم أو الاضطرار في عموم ما قدّمنا ذكره لضيق المجال ولهما قوانينهما وطرق علاجهما والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون.

القرآن المهجور:

﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾(سورة الفرقان: 30).

والقرآن العزيز أحد ممن يشتكي إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة مما جرى عليه في هذه الأُمة ان القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الموجود في المعمورة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه بشكل مقطوع.

وهو كتاب هداية وهو قانون الله تعالى أنزله على عباده بيد خير خلقه لإقرار أسعد حياة في الدنيا واجمل مسيرة إلى الآخرة واكمل مرتبة من مراتب الخلود في الآخرة عن طريقه. فهل تعاملت الأُمة بعد بما يناسبه، وبما يناسب احتياجاتنا.

ـ(608)ـ

إننا نحتاج لتوجه شديد إلى القرآن العزيز وتأمل فيه عميق واستقراء حلول مشاكلنا من خلاله.

إننا مسلمون وبحكم تبعيتنا للإسلام لابدّ ان نستعلم موقفه وننهج على خطته وحتى لو التزمنا بمقولة ـ حسبنا كتاب الله ـ وهي مرفوضة إذ القرآن والعترة صنوان وقد أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم باتباع الثقلين لإحراز الهداية والنجاة والأمن من الضلالة لكننا سنقطع شوطاً كبيراً أيضاً في تطبيق الإسلام وإحلال أحكامه في مجتمعاتنا وقوانيننا ودساتيرنا لتفعل فعلها في الهداية والرشاد.

علينا أن نتشبع بروح القرآن والسنّة عبر التدقيق فيهما ودراستهما بشكل شامل ليتولد لدينا فكراً إسلاميا وتوجها إسلاميا ورغبات إسلامية حينها لو طالعنا فكر الغرب وعايشنا مجتمعاتهم فلن تذوب فينا تلك الروح وتلك القناعات.

علينا أن نقدم الإسلام الصحيح بالأسلوب الصحيح إلى العالم وهذه أول خطوات التقريب وأهم واجبات الحاكم الإسلامي.

لا أن نُزيح القرآن عن مسرح الحياة بدعوى العصرنة.