دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهوية للأمة الإسلامية

دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهوية للأمة الإسلامية

 

دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهوية للأمة الإسلامية

 
     الدكتور الشيخ نبيل الحلباوي

باحث و مفکر إسلامی- سوریا

 

مقدمة:
خلق الله البشر فنوّع ألوانهم و أجناسهم و شعوبهم و قبائلهم و ألسنتهم ""  Pوَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ Oالروم22
 بل جعل لكلّ واحد َمنهم ما يَميزه من سواه وراثة و بيئة و تربية على صعيد المؤثّرات و بصمة في اليد و العين و غيرهما على صعيد الشكل و تركيبة ذكائية و عاطفية و جسدية على صعيد البناء .
ولكنّه وحّدهم على أكثر من صعيد : فهم جميعاً من تراب عنصراً و من آدم و حواء أسرةP وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ O الأنعام98 ، وفيهم أجمعين ميل إلى الحق والخير والجمال والكمال ناهيك عن وحدة منابع المعرفة لديهم حساً وعقلاً وفطرة وافتقاراً إلى الوحي الإلهيّ المسدّد المرشّد وظمأ فطري إلى العبادة لا يرويه إلا عبادة الواحد الأحد .
 وأناط بهم دوراً يجدر أن يلتقوا عليه و هو الخلافة في الأرض بعد أن محض أباهم العلم   و باهى به الملائكة وأسجدها له " "  P وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ O البقرة30 .
وذكّرهم بما تفرّدوا به من تقبّل الأمانة  Pإِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً  Oالأحزاب72
ودعاهم بعد أن صارت الأرض مسرحاً لحركتهم من الله و إليه إلى طريق واحدة تصل بهم إلى سعادة الدنيا و الآخرة ، وهي أن يفيئوا إلى اتباع الهداية الإلهيّة "" P قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ O البقرة38.
وسمّى تلك الطريق الصراط المستقيم "" P وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ O الأنعام153
و أمرهم أن يُطيعوا رسله في اجتناب عبادة الطاغوت و الاعتصام بعبادة الله الواحد الأحد"" Pوَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ Oالنحل36 .
وجعل أولئك الرسل المصطفين الخيار و من تلاهم من الأولياء الأبرار الأطهار أمناء على خط رقيب على البشر يُوحّد رؤاهم و منهجهم ألا و هو خط الشهادة "" P إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ O المائدة44.
ولكنّه سبحانه بحكمته البالغة وتدبيره المتقن جعل ذروة أنبيائه ورسله وأوليائه و إمامهم حبيبه محمداً صلى الله عليه وآله و سلّم الرسول الخاتم و مسك ختامهم P مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً O الأحزاب40
وجعل أوج الكتب السماويّة و المهيمن عليها القرآن الكريم "" P وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ O المائدة48.
وملتقى الدين وسنامه الإسلام العظيم "" P هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ O التوبة33.
وخصّ أمته بأن تكون الأمة الوسط و واسطة العقد بين الأمم_ بما تعاقب فيها من خيرة الأئمة بعد الرسول الخاتم _ و الشاهدة عليها "" P وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ O البقرة143
وإذا كان من الطبيعيّ أن تتنوّع وجوه الرأي و النظر و الاستنباط في الأمة و تتشعّب بها الاجتهادات فإنه أراد لها أن تحتفظ وتحافظ على وحدة هويّتها و جعل لوحدة هذه الهويّة الضامنة لعزّتها و كرامتها وتميّزها و دورها وسائل من أبرزها روح المقاومة .
أولاً -وحدة الهويّة للأمة الإسلامية :
تقوم وحدة الأمة الإسلامية على ركائز ثلاث هي القرآن و الرسول و دين الإسلام المنعقد منهما بلا فصل بين الكتاب و السنّة بكلّ ما تبيّنه قولاً و عملاً و تقريراً .
و مهما افترق المسلمون فإنهم يلتقون في أنّ كتابهم هو هذا القرآن الذي قال عنه ربّه :"" P وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ O المائدة48
وأنّ نبيّهم و محجّة قلوبهم و معشوق مهجهم من الخلق هو هذا النبيّ الذي قال عنه ربّه : ""  P يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً  ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً O الأحزاب 45 - 46 وما أروع ما أجاب به أمير المؤمنين عليّ  عليه السلام اليهودي ّ الذي قال له ما أسرع ما تفرّقتم و اختلفتم في نبيّكم ( و الله ما اختلفنا و تفرّقنا فيه و إنما عنه .......)
وأن دينهم القائم على ما جاء به القرآن الكريم و ما فصّله الرسول العظيم بسنته و سيرته هو هذا الإسلام و لا يُقبل منهم سواه "" P إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ O آل عمران19  P وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ O آل عمران85 .
وفي ظلال هذه الركائز الثلاث بل في رحابها و على امتداد آفاقها تتضح صورة هذه الهويّة الواحدة للأمة و تتجلّى معالمها فيما يأتي :
1.أنها تنبع عقدياً من التوحيد الكلمة الطيبة : ""  P أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء O إبراهيم24 P تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ O إبراهيم25 .
فالتوحيد بشقّيه :
- النظري القائم على اعتقاد راسخ :
= بالتوحيد الذاتي لله تعالى فهو  الأحد ( لا يتركّب ) " "" P قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ O الإخلاص1 ، و هو الواحد لا يتعدّد ، ولم يكن له مماثلا ولا مشابهًا أحد من خلقه, لا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله, تبارك وتعالى وتقدَّس. Pوَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ O الإخلاص4 .
= و توحيد الخالقية فليس ثمّ مدبّر لكلّ الخلائق على سبيل الاستقلال عداه  Pإِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ O الأعراف 54 .
والعملي :
· فلا معبود يستحق العبادة إلا إياه "" Pإِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ O الفاتحة5 .
· و لا يُرجى غيره  P أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً O الإسراء57 .
· ولا يُتوكّل إلا عليه "" Pوَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُO  الشورى10 .
· ولا يُخاف إلا منه "" Pوَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِO الرعد21 .
·ولا يبدأ الحبّ إلا به و لا ينتهي إلا إليه  P وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ البقرة165 ؛ و لا انفكاك بين حبّ الله و رسوله ولا يكون أشدّ الحبّ إلا لهماP قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَO  التوبة24 .
ولكنّ هذا التوحيد هو أصل الأصول ؛ فمنه ينبثق الإيمان بالنبوّة و الإيمان بالملائكة و الكتب و الرسل  P آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ O البقرة285.
ثمّ إنّ هذا التوحيد هو أصل النّظم الإسلامية و صبغتها و منطلقها جميعاً :
· فالسياسة في الإسلام توحيديّة ترجع بالحكم إلى الله تعالى :  P مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَO يوسف40.
· والاقتصاد في الإسلام توحيديّ ينسب الملك بالأصالة إليه سبحانه  P يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ O فاطر13.
· والاجتماع في الإسلام توحيدي و التربية توحيدية .
· ثمّ إنّ هذا التوحيد هو سرّ الأسرار و منبع الأنوار في وحدة الهويّة للأمة الإسلامية وبحق قيل : ( الإسلام هو كلمة التوحيد و توحيد الكلمة ) .
2.             أنها تنبع قيمياً من القيم الإنسانية التي تبنّاها الإسلام و أغناها كقيم الحريّة و العدالة و الكرامة ، و من القيم الدينية التي أضافها إلى قائمة القيم و جعلها ملاكاً للتمايز بين البشر في مراتب الإنسانية كقيمة التقوى "" Pالْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ O البقرة197 .
3.             و أنها تنبع تشريعياً من المنهج الإسلامي التشريعي الغني ّ بالعبادات المتألقة صيغاً و آثاراً و أسراراً كالصلاة و الصيام و الزكاة والحج و الجهاد والبعد الاجتماعي لها و بالعقود و الإيقاعات و بدوائر الأحكام التكليفية وجوباً وحرمة و استحباباً وكراهية وإباحة وأطر الأحكام للأوضاع الاجتماعية كالزواج والطلاق والقانونية كالقصاص والحدود والديات والمالية كالإرث.
4.             وأنها تنبع عاطفياً من الارتباط بالله تعالى و الانطلاق من حبه إلى حبّ خيرة خلقه من الأنبياء و الأولياء إلى حب جميع خلقه لأنهم صنع الجميل المطلق و النظراء في الخلق: ( الناس صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق) ( نهج البلاغة ـ خ 53).
5.                        وأنها تنبع حضارياً من إيجابيات التاريخ الإسلامي و الحضارة الإسلامية التي أظلّت الأرض قروناً .
6.             و أنها تنبع سلوكياً من احترام أتباع الديانات السماوية و شركاء الوطن على اختلاف رؤاهم السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و التعاون معهم تحت سقف بناء الأوطان و صون أراضيها و حفظ استقلالها و الوقوف في وجه أعدائها المتربصين بها و الساعين إلى تمزيقها و تدمير وحدتها ، و فتح آفاق التقدم أمامها .
7.             و أنها تنبع عالمياً من الدفاع عن المستضعفين "" Pوَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً O النساء75 .
8.             ومستقبلياً من استشراف دور الأمة بقيادة إلهية موعودة والتهيئة والإعداد لنشر العدل والرفاهية والكرامة مقابل الجور والإفقار والإذلال الذي تمارسه قوى الحلف الاستكباري الصهيوني وذيوله في العالم.
ثانياً – روح المقاومة :
1. المقاومة سنة إلهية:
 ندب إليها القرآن الكريم في مواجهة الباطل مستنفراً قوى الحق على مرّ التاريخ و سمّاها سنّة الدفع و اعتبرها أعظم حائل دون فساد الأرض  Pفَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ Oالبقرة251 ، و اعتبرها كذلك سرّ بقاء الصروح الدينيّة المشعّة في تاريخ الدين و تعاقب الشرائع قائمة شامخة متألّقة  P الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ O الحج40 .
وهذه المقاومة كالإنسان جسد و روح ؛ فإذا أُتيح لها أن تنهض بدورها جسداً و روحاً فبها و نعمت ، ولكنّ المهمّ على كلّ حال ألا تعدم روحها لأنّ الجسد بلا روح لا حياة فيه و لا أثر له ، أما الروح _ ما بقيت _ فستستعيد للجسد حياته و فاعليته .
                أ‌-  و مما يُزكّي هذه الروح قرآنيّاً :
· آيات القتال في سبيل الله تعالى كما في قوله تعالى"" P وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ O البقرة190 .
· وآيات عدم الركون للظالمين """ P وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ O هود113 .
· وآيات الولاية الإيجابية  P إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَO المائدة55
· والسلبية P يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورO الممتحنة13 .
               ب‌-                         و مما يرود لهذه المقاومة و يُجسّدها عمليّاً و يـُسبغ عليها وضوح الهدف و نقاء الوسيلة :
· مقاومة الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم لهجمات الشرك و اليهودية المتحالفة معه و مقاومة خلفائه الأوائل للردّة و تداعياتها و للإمبراطوريات الكبرى و تابعيها تحريراً للشعوب من سيطرتها.
· ومقاومة الإمام عليّ عليه السلام لمحاولات تهديم الأمة من داخل و تفريغ الدين من محتواه الإنساني والقيمي.
1.            وَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ مَا دَفَنْتُمْ نَبِيَّكُمْ حَتَّى اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقَالَ ( عليه السلام ) : لَهُ إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لَا فِيهِ وَ لَكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ( نهج البلاغة خ 317 ).
2.           فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإسلام يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإسلام وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ وَ اطْمَأَنَّ الدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ ( نهج البلاغة .  من كتاب له ( عليه السلام ) إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها ).
3.           و من كلام له ( عليه السلام ) و قد شاوره الخليفة عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم : و قَدْ تَوَكَّلَ اللَّهُ لِأَهْلِ هَذَا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ وَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَالَّذِي نَصَرَهُمْ وَ هُمْ قَلِيلٌ لَا يَنْتَصِرُونَ وَ مَنَعَهُمْ وَ هُمْ قَلِيلٌ لَا يَمْتَنِعُونَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هَذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ لَا تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلَادِهِمْ لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِحْرَباً وَ احْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلَاءِ وَ النَّصِيحَةِ فَإِنْ أَظْهَرَ اللَّهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى كُنْتَ رِدْءاً لِلنَّاسِ وَ مَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ ( نهج البلاغة ـ خ 134).
4.                       ومن كلام له ( عليه السلام ) و قد استشاره الخليفة عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه :إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَ لَا خِذْلَانُهُ بِكَثْرَةٍ وَ لَا بِقِلَّةٍ وَ هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ وَ جُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وَ أَمَدَّهُ حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ وَ طَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ وَ نَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَ نَاصِرٌ جُنْدَهُ وَ مَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَ يَضُمُّهُ فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وَ ذَهَبَ ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً وَ الْعَرَبُ الْيَوْمَ وَ إِنْ كَانُوا قَلِيلًا فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالْإسلام عَزِيزُونَ بِالِاجْتِمَاعِ فَكُنْ قُطْباً وَ اسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ وَ أَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ إِنَّ الْأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ وَ طَمَعِهِمْ فِيكَ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ وَ هُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ ( نهج البلاغة ـ خ 146).
· ومقاومة الإمام الحسن عليه السلام لنار الفُرقة الجاهلية التي كادت تعصف بالإسلام وتقضي على وحدة الأمة.
· ومقاومة الإمام الحسين ع لاستعباد الأمة و تحويل الخلافة إلى ملك عضوض يستحضر قيم الجاهلية و يتحدّى قيم الإسلام ، و قد استطاع هذا الإمام العظيم الشهيد في كربلاء أن يضخّ بدمه و دم أهل بيته و صحبه و بحضور النساء و الأطفال في ثورته في عروق جسد الأمة على مدى التاريخ كلّه روح المقاومة على الرغم من التقتيل و التنكيل و التمثيل الذي أنزل بهم.
· ومقاومة الأئمة ع جميعاً لكلّ ألوان الهجوم الفكري لأعداء الإسلام و محافظتهم على الإسلام نقياً من دنس أولئك و على روح المقاومة في الأمة.
2.                         خريف الأمة :
ولم تبث الأمة بعد إذ ابتعدت عن إسلامها و استسلمت للضعف و التخلف و سمحت لعوامل التمزّق أن تنهش جسدها و ضعفت روح مقاومتها أن تردّت من حالق و صارت في مهاوي التأخّر بعد أن كانت رائدة التقدّم و التحضّر .
ولكنّ روح المقاومة لم تخمد بين جنبيها و آية ذلك أنّها طردت الصليبيين و لو بعد قرابة قرنين من الزمن و استوعبت المدّ المغوليّ و حوّلته إلى الإسلام و انتصرت على الاستعمار في معارك الاستقلال و لم يستسلم الشعب الفلسطينيّ لهيمنة الصهاينة و مكرهم وبطشهم ولو يوماً واحداً .
3.                        انبلاج فجر المقاومة :
 وإذا كانت روح المقاومة لم تتبدّد و لكنّها كانت بحاجة إلى تجلٍّ عظيم ينفحها بالمزيد و المزيد من التوقّد و كان الموعد مع الفجر بعد ليال عشر يطلع من طهران ليزفّ للأمة زمناً جديداً بانتصار الثورة الإسلاميّة في إيران بقيادة العبد الصالح الخمينيّ رضوان الله عليه و انبثاق جمهورية إسلامية تـُعيد للإسلام الحقيقيّ الواقعيّ المنفتح الذي منّ به الله على المسلمين في قوله تعالى : " P الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ O المائدة3 دوره و فاعليّته و سماته المتألّقة و حيويّته المتدفّقة و سماحته المترقرقة و قد تعانق فيه الدين و العقل و تناغم فيه الإيمان و العلم ، ولكنّها قامت إلى ذلك بدورين كبيرين في حياة الأمة:
أولهما : الدعوة إلى وحدتها عملاً بقول الله تعالى  Pإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِOالأنبياء92  Pوَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ Oالمؤمنون52 ، والنداء بهذه الوحدة بإطلاق مؤسسات ومؤتمرات ولقاءات فضلاً عن طرح الأبعاد السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة لهذه الوحدة وتبنّيها ؛ في مقابل إصرار قوى لها قدراتها التمويلّيّة و التأثيريّة على الصمم عن تلك الدعوة و ذلك النداء و على العمل على تفتيت الأمة و وتمزيق وحدتها خدمة لأعدائها ، و حسبنا قضيّة الحج حين طرحت الثورة الإسلاميّة فهمها له باعتباره فريضة عباديّة سياسيّة ينبغي أن تـُوظّف في خدمة وحدة الأمة و عزّتها و استقلالها ودعت إلى حوار جادّ حولها فكان الردّ مذبحة نـُفّذت بمساعدة استكبارية من أعداء الإسلام و مباركة من منظّمة التعاون الإسلاميّ.
 ثانيهما : إعادة ضخّ دماء المقاومة في شرايين الأمة في مواجهة عدوّها الألدّ الشيطان الأكبر الاستكبار العالميّ و حليفه الاستراتيجيّ الصهيونيّة العالميّة ، وكان أن تفجّرت ببركة هذه الثورة و دعمها مقاومة إسلاميّة في لبنان أضعف بلدان العرب ولم تلبث هذه المقاومة الميمونة المؤزّرة أن صارت إمام المقاومة ورائدة انتصارات الأمة سنة 2000 و 2006 بعد تاريخ متواصل من الهزائم ، و شكّلت حلف دعم المقاومة الممتدّ من إيران إلى العراق إلى سوريّة على الرغم من تآمر أغلب الأنظمة في بلاد العرب و المسلمين عليه والتحاقهم بركب أعداء الأمة جهراً و خفية و حصارهم له و تمويلهم و تسليحهم لخصومه و منابذيه و خطة بمئات الملايين من الدولارات لتشويه سمعة المقاومة نّفذوها وأخرى بأكثر من ذلك لبثّ الاضطرابات في إيران بعد الانتخابات باسم الحرب الناعمة حرّكوها و ثالثة لتقسيم العراق و إغراقه بالفتنة الطائفية و التفجيرات بعد تحرره من الاحتلال الأمريكيّ لا زالوا يديرونها و هذه الأخيرة التي في سورية لتدميرها و تقسيمها عقاباً لها على خياراتها الاستراتيجية ما فتئوا يؤججونها وما تخفي صدورهم وغرفهم السريّة وخلاياهم النائمة وقواهم المتربّصة وخططهم المقبلة أكبر . 
4.                         تدقيق لوحدة الهوية :
 إنّ وحدة الهويّة للأمة الإسلاميّة – و إن رُسمت معالمها في القرآن الكريم و تفتّقت ينابيعها عقدياً وقيمياً وتشريعياً وحضارياً وسلوكياً وعالمياً مستقبلياً من خلال الإسلام العظيم و رُسّخت أبعادها من خلال الأسوة الحسنة الرسول صاحب الخلق العظيم – ليست فكرة صرفاً بل هي أيضاً ممارسة وليست نظراً فحسب بل هي أيضاً تطبيق وليست محض مفاهيم بل هي أيضاً عمل دؤوب و هي اختيارات و مواقف في كلّ زمان بما يتواءم وتحدّياته ومعطياته و طبيعة الظروف القائمة فيه و تطور الوسائل والتقانات وخارطة الأعداء و التحالفات وهي إذاً وعي و حنكة و حكمة و براعة لا سذاجة و جمود وتعصّب وانغلاق لذا فإن المؤامرة عليها وإن كانت تُخطط من خارج فإنها تُنفّذ من خارج و من داخل بل من قبل بعض دعاة الإسلام و رموزه و حركاته عن فهم و عن غير فهم و عن قصد و عن غير قصد .
5.                        تنقيح روح المقاومة :
 وكذلك فإن روح المقاومة ليست عنواناً و شكلاً و ادّعاء كما أنّها ليست مزايدة و تطرّفاً و إرهاباً ، ثمّ إنها على النقيض من روح المساومة و الخضوع و الاستسلام ، و هي بعد ذلك روح مقاومة بأشمل معانيها سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً و ثقافياً ؛ و لا يُغني الروح فيها عن بناء مجتمع حاضن للمقاومة داعم لها متبنّ لخياراتها مشبع بثقافتها ، مستعد للتضحية بالغالي و النفيس على صراطها ، متقرّب إلى الله بحبّها يدعوه ليل نهار لنصرها.
ثالثاً - دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهويّة:
1)                        الأبعاد :
إن روح المقاومة حين تسري في الأمة الإسلاميّّة بكلّ ما تتسم به من وحدة الهوية تصل بها إلى قمّة الفاعلية وتجعلها على الاختراق عصية فتنتصب في مواجهة الأعداء شامخة أبية و تجعل كل التنوّع في رؤاها عامل غنى وخصب لا أداة تمزيق و جدب ومن أبعاد هذا الدور :
1. تشخيص العدوّ و توجيه البوصلة نحوه .
2.                         ضرب العدوّ الاستكباري الصهيوني و امتداداته و ذيوله.
3.                        إنضاج الوعي و الحذر من أحابيل الأعداء.
4.                         تأكيد المشتركات و النأي عن الغرق في الفوارق و التباينات.
5.                        وحدة الخندق الممهورة بالدماء و التضحيات.
6.                        التعاضد و التكامل و تبادل الخبرات.
7.                         رفض التعصب المفتّت للطاقات سواء القومي منه أم الإقليمي أم الطائفي.
8.                         تبني وحدة المعركة و رفض الانجرار إلى معارك جانبية.
9.                         وحدة الهدف و هو انتصار الأمة في حفظ كرامتها و دينها و أرضها.
10.                        وحدة الدور و هو إنقاذ البشرية من الأخطبوط الاستكباري الصهيوني و ذيوله .
2)                       أهمية الدور :
إذا كان دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهوية للأمة الإسلامية متكاملاً مع أدوار أخرى كدور الصحوة الإسلامية المعاصرة و دور الانتصارات الإسلامية و سواها فإنه يمتاز بكونه يتبادل التأثير معها ؛ فالصحوة الإسلامية فتّقته و أعادته إلى جسد الأمة نابضاً حياً على الساحة العالمية و هو أضفى عليها نكهته المميزة و ألقها و عطرها ؛ فلا معنى لصحوة إسلامية لا تتبنّى خيار المقاومة و لا بقاء و لا نقاء لها بالخضوع لخيار المساومة .
وهكذا فإن الانتصارات الإسلامية التي أنهت تاريخ الهزائم في حياة الأمة حديثاً لم تكن إلا الثمرة اليانعة و الهدية الإلهية لعودة روح المقاومة و تجلياتها في ضمير الأمة و انبثاق تلك الثلة الرائعة الساطعة في لبنان و فلسطين حقيقة واقعة على الأرض بقيادتها و أبطالها و أدائها و براعتها و تدريبها و تطويرها لخططها ووسائلها و ما أُتيح لها من الدعم من حلف الممانعة و المدافعة على حين تخلى عنها و تبرّأ منها كلّ الأنظمة العربية و الإسلامية التي دعت في الأربعينيات المقاومة في فلسطين إلى أن ترمي سلاحها لأن الأنظمة ستتكفّل بالقضاء على الدويلة الصهيونية الوليدة و كان أن قـُضي على المقاومة و قـُضي على كل أحلام الانتصار و هُجّر أغلب الشعب الفلسطيني من أرضه ووزّع في المهاجر و المنافي و بلدان الشتات .
ولا زالت تلك الأنظمة تـُزيّن مبادراتها في المفاوضة و المسالمة و التطبيع و فلسطين تـُقضم و القدس تُهوّد.
وقد أعادت انتصارات السنوات الأخيرة الثقة للأمة بفجر انتصار ساحق قريب على العدوّ الصهيوني و من وراءه و من يسالمه و يهادنه و يمالئه .
3)                     المؤامرة على روح المقاومة و وحدة الهوية :
ومما سبق ننطلق إلى تفهّم أن المؤامرة الاستكبارية الصهيونية و من يندرج في سلكها و تحت لوائها من أغلب النظم العربية و الإسلامية و بعض الحركات المشبوهة المخترقة المسمّاة إسلامية تتناول فيما تتناول هذين العمودين و الركيزتين لبنيان الأمة : روح مقاومتها الذي هو أشبه بالدم الذي يجري في العروق ، و وحدة هويّتها التي هي أشبه بكيان الإنسان و شخصيته ، و هي حين تحاول النيل من روح المقاومة في الأمة إنما تُصيب وحدة هويّتها في الصميم ، و هكذا حين تُسيء إلى وحدة هوية الأمة تحت عناوين طائفية و إقليمية و سواها فإنها تُضعف روح مقاومتها و تستنزف الدم من عروقها و الحياة من جسدها و تُحقق أهداف المؤامرة عليها و تُمعن فيها تمزيقاً و تقطيعاً تمهيداً للقضاء عليها مادياً و معنوياً.
4)                      الفرقان في مستقبل الآمة الإسلامية :
ويُضيء لنا ما سبق الواقع الذي تحياه الأمة الإسلامية و أنها في مرحلة تنسجم وما سماّه القرآن يوم الفرقان "" P وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ O الأنفال41 . وهو ما أشار إليه بحق الشيخ الآصفي في بعض تحليلاته لواقع الأمة بعد الثورة الإسلامية .
فقد امتاز في هذه المرحلة فريقان أو توجّهان أو تياران واحد يحرص على وحدة هويتها و ينحاز لخيار مقاومتها و آخر لا يبالي بوحدتها بل يعمل ليل نهار و تنفيذاً لإملاءات الاستكبار و الصهيونية على تمزيقها و نفي مكوّن أساس فيها و القضاء على كلّ ما كان من انسجام بين مكوّنيها الرئيسين فما بالنا بمختلف التوجّهات فيها و ما شأن مكوّنات أوطانها دينياً كالمسيحيين و سياسياً كالقوميين و اليساريين و كذلك ما يُسمّى الأقليات أليس من الأجدى استيعابها ضمن مشروع واسع رحب للحفاظ على الأوطان من شرّ التشظّي والتمزّق والتفتّت .
ثم يقوم هذا الآخر و قد اصطفّت فيه الأنظمة العربية و الإسلامية و حركات ترفع الإسلام شعاراً كما أشرنا بعضها قديم و بعضها طارئ وافد تدعو جميعاً إلى المسالمة و المساومة و تقبّل كلّ ألوان الاتفاقات و التنسيقات بل التبعية للغرب الاستكباري و حليفه الصهيوني .
وينحاز هذا الآخر ضدّ المقاومة و يحاول أن يجتذب بعض المقاومة بعنوان طائفي إلى جبهته و منهجه و أسلوبه .
وحين نرى الفريق و التوجّه و التيّار الأول يؤمّن للمقاومة- و هي منه في الصميم – الدعم الماديّ و التسليحي و يترك لها أن تمارس قراراتها و تنفّذ خططها في مجابهة العدوّ كما تشاء و يدعمها في كلّ منازلة و يحتضنها و جمهورها و لا يلاين في تبنيها ؛ نرى في المقابل الفريق الثاني يُندّد بغامراتها كما يُسمّيها و بتعكيرها صفو السلام و الأمن و عدم خضوعها لمبادراته و مساوماته و حين يُضطرّ إلى تأييدها و لو من خلال فريق منه نفاقاً و كذباً فإنه يستخدم هذا التأييد و يُوظّفه لغايات تقسيمية و لإذكاء النعرات و تهييج الحساسيات و ربّما اندفع في صراحة معاداته للمقاومة إلى مطالبة العدوّ بتصفيتها و القضاء عليها و ربّما ساعد في ذلك .
5)                      الأمة و الامتحان :
وتقف الأمة الإسلامية كلّها على مفترق الطريق و لا يبقى ثمّة إلا أن تختار بين الفريقين أو التوجهين أو التياري:
فإما إلى ما يحفظ هويتها و يدعم مقاومتها ؛ وإما إلى ما يبدّدها و يُمزّق نسيجها و يقضي حتى على روح المقاومة فيها فتستسلم مزقاً و أبعاضاً لعدوّها و تخرج من مسرح التاريخ إلى أمد لا يعلم إلا الله مداه
ولكننا نتفاءل بأن سنّة الله ستحكم و تقضي بالحقّ "" P كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ O المجادلة21 .
وأن النصر في ختام المطاف إنما هو للمؤمنين الذين نصروا الله بحرصهم على وحدة أمتهم و بحفاظهم على روح المقاومة فيها فاستحقوا نصر الله """ P يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ O محمد7.
وأن وعد الله للمؤمنين الذين عملوا الصالحات _ و أصلحها الحرص على وحدة الأمة و مقاومتها _ لن يتخلّف أبداً P وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ O النور55
وأن ّ الأمة على طريق مطلع الفجر الذي سينبلج عن المنتظَر المنتظِر الذي أعدّه الله تعالى ليقود مسيرة المنتظِرين الممهدين و من ثم ّ البشرية بأكملها إلى حيث يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما مـُلئت ظلماً و جوراً يؤيّده في ذلك روح الله و نبيّه عيسى بن مريم عليه السلام مصداقاً لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه  آله و سلّم :     ( كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح عيسى بن مريم و إمامكم منكم ؟   ).     
والحمد لله ربّ العالمين


يا رسول الله
                                      للدكتور الشيخ نبيل طالب الحلباوي
 
كلما جئت موطن الإلهام
يوم ذكراك خانني إقدامي

 
و إذا ما هممت أكتب حرفاً

عنك ناءت بحملها أقدامي

 
أنا أدرى بسرّ ضعفي و خوفي


ما بياني لكنّما آثامي

 
ما حديثي عن أكرم الخلق طُرّا

وجمال الدنى و نور الأنام

 
و أنا أحطب الذنوب و أمضي

في طريق الغرور و الأوهام

 
كيف أرنو إلى سناك و طرفي

غشيتهُ غياهب من ظلام

 
 
كيف أسمو إلى ثُناك و ما أخـ

ــلصت لله منهجي و التزامي

 
وا حيائي ياسيدي بفعالي

بيد أنّي إلى مديحك ظامي

 
جرّأتني خصالك الغرّ و الحبّـ

فردّدت في جوى و هيام

 
يا رسول الله الذي ختم الرسـ

ـل و أكرم ْ بأحمدٍ من ختام

 
يا نبيأً أقام دنيا و ديناً

في ثلاث مرّت و عشرين عام

 
أنت سرُّ الأسرارِ في عالم الطهر

وأحلى ما فيهِ من أحلام

 
خُلِقَ النُّورُ إذ خُلِقْتَ وعقلٌ

هو مجلى التكريمِ والإنعامِ

 
شَرُفَ اليُتْمُ إذ وُلِدْتَ يتيماً

وغدوْتَ العزاءَ للأيتام

 
أيُّ طفلٍ يفيضُ سحراً وعطراً

ويبثُّ الربيعَ في الأنسامِ

 
وفتىً سمتُهُ النبوةُ ما يخـ

ـطُرُ إلا مظلّلاً بغمامِ

 
ورسولٍ ما أرهبتْهُ قريشٌ

حين جاشَتْ وأوعَدَتْ بانتقام

 
ورمتْهُ بالظلمِ والجوعِ والخو

فِ وسلَّتْ عليهِ كلَّ حُسام

 
فتلقّى بالعفوٍ حقداً ولؤماً

وتسامى في الحبّ أيَّ تسامي

 
كل ّ ُُ ما قيلَ في عُلاهُ كلامٌ

غيرَ أنّ الرسولَ فوقَ الكلامِ

 
هو معنى المعنى وألطفُ ما صِيــ

 
ـغَ وأسمى ما دارَ في الأفهامِ

 
حبُّهُ جنّةٌ وماءٌ وظلٌّ

وحياةٌ تصفو من الأسقامِ

 
وهواهُ والآل  زلفى إلى اللــ

ـهِ ودربُ النجاةِ يومَ الزِّحامِ

 
سيدي والزمانُ مسرحُ ظلمٍ

وصراعٍ مقنّعٍ بوئامِ

 
يُتخمُ الناسُ في مكانٍ وفي الآ

خرِ جَوْعى ماتوا بغير طعامِ

 
سُخِّرَ العقلُ للشرورِ وعادتْ

من جديد عبادةُ الأصنامِ

 
ما لغزوِ الفضاءِ والأرضُ تُغزى

كلَّ يومِ بالخوفِ والآلامِ

 
تسحقُ الروحَ آلةٌ ويؤولُ النا

سُ في ظِلِّها إلى أرقام

 
بكَ كنا خيرَ الورى ودليلاً

لأريجِ الهدى وظلِّ السلامِ

 
غيرَ أنّا عن الصراطِ عَدَلْنا

ونَكَلْنا عَن مَوْثِقٍ وذٍمامِ

 
ورضينا الأدنى فصرنا إليه

وغدونا أضحوكةَ الأيّامِ

 
فطعامَ المستكبرينَ وحيناً

في شباكِ الأعوانِ والأزلامِ

 
ما حفظْنا مسراكَ من رِجسِ صُهيو

نَ ، ونامي يا أمةَ العُرْبِ نامي

 
وَأفَقْنا على نداءِ إمامٍ

يُشعِلُ النّارَ في حصونِ الظّلامِ

 
ذاكَ درسُ الإمامِ لَقَّنَهُ النا

 
سَ فصاروا كالْأَسْدِ في الآحامِ

 
ثم قالَ انفِروا لتحطيمِ عرشٍ

و لِدَوْسِ الطغاةِ بالأقدام

 
و رأينا إيرانَ تُخْلِصُ للهِ

فتودي بالظّلمِ و الظُلاّمِ

 
لم تَخَفْ بأسها الشعوبُ و لكنُْ 

خافتِ الناسَ زُمرةُ الأقزام

 
و أراد المستكبرونَ بها الكيـ

ـد فدسَّتْ أنوفَهُمْ في الرَّغامِ

 
إنَّ حتفَ الطغاةِ آتٍ وما

تُفْلِتُ من صادمٍ ولاصّدامٍ

 
ورأينا لبنانَ تبزُغُ فيه

فتية  أخلصوا لربِّ الأنامِ

 
وبحزبِ اللهِ ارتضَوْا لا سواهُ

من حكايا الإبهام والإيهامِ

 
فجَّروها حرباً على الكفرِ صرفاً

لا كحربِ الراياتِ والأعلامِ

 
فإذا الكبرُ يلعقُ التُربَ لعقاً

في حصونٍ تحوّلتْ لِرُكامِ

 
ولصهيونَ أنّةٌ فنواحٌ

فانحسارٌ في خيبةٍ وانهزامِ

 
وبخطِّ الإمامِ ينداحُ نوراً

ويعرّي التعتيم في الإعلامِ

 
وإذا وجهُ راغبٍ يملاُ الأفْقُ

بِبِشرٍ وطيبةٍ وابتسامِ

 
ويقولُ اثبتوا فموعدُنا النصرُ

ولا تأبَهوا بكيدٍ اللئامِ

 
 
سيدي للحياة علّمْتَ ديناً

ليسَ يرضى بالنومِ والنُوَّامِ

 
لو عرفناكَ لم نَعشْ في جمودٍ

وخمودٍ وذلةٍ وانقسامِ

 
واعتصمنا بحبلِ ربِّ البرايا

فهو فينا المتينُ ذو الإحكامِ

 
وجعلنا التوحيدَ أصلَ اتحادٍ

وإخاءٍ وألفةٍ وانسجامِ

 
كيف يسعى أعداؤنا لوئامٍ

وترانا في فُرقةٍ وخِصامِ

 
وَحَّدَتْهمْ مطامعٌ وافترقنا

فذئابٌ تعيث في الأغنامِ

 
لو فهمناكَ لم تضلَّ خُطانا

وامتلكْنا أعنّةَ الأيامِ