قدرة الأمة الإسلامية بطاقاتها الخلاّقة على إقامة الحضارة الإسلامية على مستوى متطلبات النصر

قدرة الأمة الإسلامية بطاقاتها الخلاّقة على إقامة الحضارة الإسلامية على مستوى متطلبات النصر

 

قدرة الأمة الإسلامية بطاقاتها الخلاّقة

على إقامة الحضارة الإسلامية على مستوى متطلبات النصر

د. عدنان منصور

وزير الخارجية اللبنانية السابق

 

إذا ما توقفنا أمام طاقات الامة الإسلامية بكل جوانبها، وأمام الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها على مختلف الصعد، ليدفعنا القول أنه إذا ما استثمرت هذه الطاقات والإمكانات لاستطاعت أن تكون لها الدور الريادي والفاعل للنهوض بحضارتها بما ينسجم مع متطلبات العصر ومواكبة حركة التطور الإنساني في مختلف المجالات التي يشهدها عالمنا اليوم، فكرياً، وعلمياً وتكنولوجياً وثقافياً وإبداعياً وتنموياً وبشرياً.

لذلك أمام أمتنا كي تتفاعل مع حركة التطور الإنساني من التحديات التي لا بد من أن تأخذها بالاعتبار وعند الحديث عن حضارة إسلامية تعكس متطلبات العصر وتعبّر عن روحيته وحركته وتفاعله مع الأمم والشعوب. ولعل أبرز هذه التحديات تكمن في:

1 - أن الأمة الإسلامية أمة غنية بإرثها الروحاني، والعقائدي والفكري والثقافي والاقتصادي، أمة يزيد سكانها عن مليار وستماية مليون نسمة، وتمتد على مسافة جغرافية واسعة من جغرافية العالم، بحاجة إلى الاستقرار والأمن والسلام، الذي يتيح لها النهوض وتحقيق التنمية المستدامة في كل المجالات. لذلك لا بد من وقف الحروب العبثية والقتل والإرهاب التي تؤججها أطراف في داخل أمتنا وخارجها، وعلى رأسها الحرب في اليمن والعراق وسوريا وليبيا والإرهاب الذي يضرب أيضاً في مصر وتونس والجزائر وغيرها.

2 - لا بد من الحوار الإسلامي - الإسلامي تجنباً لتبديد طاقات الأمة الإسلامية وإدخالها في زواريب الفتن الطائفية والمذهبية والاقتتال الداخلي، الذي دمّر العديد من بلادنا وقوّض اقتصاداتها ومزّق نسيجها الوطني والاجتماعي، ملحقاً الموت بمئات الآلاف من الضحايا، ومشرداً الملايين من المسلمين من بلداتهم ومدنهم وقراهم. فبدلاً من أن تكون مقدرات وإمكانات الأمة رافعة لتطورها وتنميتها، تصبح وبالاً عليها، وسداً في وجهها، يمنعها من أن تتخذ مكانتها بين الأمم والحضارات العالمية كي تؤدي دورها الإنساني المطلوب.

هنا ندعو بصوت عالٍ إلى وقف الانشقاقات والخلافات الإسلامية - الإسلامية، ووضع حد لها، والتغلب عليها من خلال قيام حوار سعودي - إيراني تسود فيه لغة الحوار والعقل والمنطق والشفافية، نظراً لما تمثله الدولتان من مكانة إسلامية كبيرة، وتأثير عميق في أمتنا. إذ لا يمكن لقوى الهيمنة والتسلط في العالم، أن تظل تعبث بالأمة ومقدراتها، وتصادر استقلالها السياسي، والاقتصادي، والسيادي، والعسكري، والمالي، وتهيمن على قرارات العديد من دول الأمة.

3 - التأكيد على دور أجيال الشباب المتأرجحة ما بين ترسيخ جذورها في أرض الأمة الإسلامية وبين الهجرة والتشتت والضياع. وهنا لا بد من الإشارة إلى مسارين اثنين:

- الأول: فتح آفاق الإبداع أمام الطاقات العلمية الشابة، في مختلف ميادين الحياة، من خلال دعمهم وحثهم على الدخول إلى الميادين السياسية والعمل الحكومي ومشاركتهم في الانتخابات النيابية وقيادة المشاريع الاقتصادية المنتجة وتوفير فرص العمل، وتكافؤ الفرص وتطبيق العدالة الاجتماعية بكل شفافية، مما يجعلهم قدوة لسائر الطاقات الشابة في العالم الإسلامي والعالم كله، لإبعادهم عن شبح اليأس، الذي يدفعهم إلى الهجرة والبطالة، والتطرف والعنف، واتباع الأفكار الهدّامة والانحراف الأخلاقي المدمر. وهنا يجب علينا أن نسأل: لماذا يتفوق الشباب المسلم في الغرب الذي يهاجر إليه ويُهمش في بلده، ويُهمّش معه الملايين من الطاقات الشابة في أمتنا.

- الثاني: لا بد من تنقية الأفكار والفتاوى الدينية المتطرفة في أمتنا، والتي تقوم على التعصب، والكراهية، وتكفير الآخر ورفض الحوار. والتأكيد أيضاً على حرية الإنسان ومعتقده، أيّاً كان دينه وطائفته ومذهبه، وأن نجسّد فعلاً وقولاً وعملاً، ما قاله سيد البلاغة الإمام علي عليه السلام: "الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".

4 - احترام مكانة المرأة، وتعزيز دورها وعدم تهميشها واستععبادها. فهي نصف المجتمع وتقوم بتربية النصف الباقي. ولا بد من تعميق النظرة إلى المرأة على أنها متكاملة مع الرجل وليست خادمة له. كما لا بد من توفير فرص التعليم لها، وإتاحة الفرصة للعمل في المرافق والشركات وقطاعات الانتاج والمؤسسات المؤهلة لها.

5 - تعميق الالتزام بالقضية الفلسطينية، كقضية حق وعدالة يجب تحقيقها، والوقوف في وجه المحاولات الصهيونية، الهادفة إلى جعلها قضية صراع بين الأديان. ولا بد من التأكيد على الفصل بين اليهودية كدين سماوي تعترف به الأمة الإسلامية، وبين الصهيونية كحركة سياسية عنصرية مغتصبة للأرض يجب مواجهتها دون توقف أو مهادنة، وهي التي تقود دولة الاحتلال وتستمر في اغتصاب فلسطين، ولا يجوز مطلقاً أن نرى أكثر من 65% من بلدان العالم الإسلامي البالغ عددها 57 دولة تقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل، دون ضوابط أو حدود، في الوقت الذي تعبث فيه إسرائيل بالقرارات الدولية ذات الصلة بفلسطين، وتستمر في تهويدها وتجويع وحصار شعبها. أفلا تستحق فلسطين منا عز وقفة إسلامية حازمة واحدة تضع حداً لهذا التطبيع المذل، وتفرض المقاطعة عليها، وتستخدم كافة الإمكانات والطاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية مع الجهات الدولية الفاعلة، من أجل إرغام إسرائيل على احترام القرارات الدولية، وإتاحة الفرصة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته العادلة، بدلاً من أن يهرول العديد من بلدان أمتنا لجعل إسرائيل دولة صديقة وحليفة، في الوقت الذي تضع هذه البلدان بلا رادع أو حياء، دولة دولة إسلامية كإيران، على خانة العداء، فيصبح العدو الحقيقي صديقاً وحليفاً وشقيقاً، ويصبح الشقيق الفعلي الملتزم بقضايا أمته عدواً يجب مواجهته متجاوزين حقوق الأمة وأهدافها، وقيمها وثوابتها وتطلعاتها ومستقبلها إرضاءً لقوى الهيمنة والتسلط في العالم.

6 - ضرورة التواصل مع الغرب، دون تزمت، أو تعصب، أو تحجر، برسالة الإسلام الحضارية الإنسانية المنفتحةعلى سائر الحضارات، التي أغنت الغرب في القرون السابقة بعلوم الطب والرياضيات، والفلك والفلسفة والكيمياء، والهندسة وغيرها.

7 - ضرورة التوجه الحقيقي للأمة الإسلامية نحو التكامل مع بلدان الشرق وإعطاء الأولوية للعلاقات الثقافية والحضارية إلى جانب العلاقات الاقتصادية والسياسية والتجارية والسياحية لا سيما مع الدول الفاعلة المؤثرة كالهند والصين وروسيا واليابان وكوريا.

8 - الخروج من شباك تثبيط العزائم، ومواجهة ذلك بالإيمان بالله وما وفّره للأمة الإسلامية من طاقات وثروات وخيرات. وليكن شعار الأمة ما يجسد قداسة الجد والعمل والتغلب على الصعاب في أقسى الظروف، وبث الوعي واستنهاض الهمم، لمواجهة التحديات المحدقة بالأمة، والحفاظ على حقوقها، وثرواتها، وسيادتها، واستقلال قراراتها.

9 - إن الولادة المتجددة للأمة الإسلامية وإبداعها الحضاري يكون أيضاً بما تقدمه للبشرية من خدمات للإنسانية، بما فيها الابتكارات والاختراعات والإبداعات في مجالات الطب، والصناعة، والتنمية، والتكنولوجيا المتطورة. وهنا لا بد من الإشادة بفخر بما وصلت إليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من مراتب عليا في تكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، والأبحاث، والعلاجات الطبية، وكذلك الإنجازات العلمية الزراعية، مستخدمة الأبحاث النووية في هذا الشأن، مما يجعلها نموذجاً يحتذى في امتنا الإسلامية.

10 - لا بد من التكامل بين دول الأمة الإسلامية في مختلف المجالات العلمية والعسكرية، والثقاافية والتجارية وتبادل المعلومات، والأبحاث بين دولها، ونشر الأبحاث والعلوم في العالم الإسلامي، من أجل تعزيز قدراته ودفع الأمة على طريق التنمية المستدامة والتقدم والعلم والمعرفة، التي بها تستطيع أن تحقق النهوض المطلوب، وأن تأخذ مكانتها وسط الأمم، بما تحمله من ثروة حضارية وقدرات مادية وروحية حية تجعلها أن يكون لها مكاناً مشرفاً وسط الأمم، تتفاعل معها وتؤكد على دورها وأهميتها ووجودها.