لَطَائِفُ الِمنَّة: في بَيان حقيقةِ الخلاف بَـيْنَ الشّيعةِ والسنّة وَمْضُة من نور، تُبدّدُ سخائم الصدور

لَطَائِفُ الِمنَّة: في بَيان حقيقةِ الخلاف بَـيْنَ الشّيعةِ والسنّة وَمْضُة من نور، تُبدّدُ سخائم الصدور

لَطَائِفُ الِمنَّة: في بَيان حقيقةِ
الخلاف بَـيْنَ الشّيعةِ والسنّة
وَمْضُة× من نور، تُبدّدُ سخائم الصدور


تاج الدين الهلالى
خادم الدعوة الإسلامية

 

دعاء ورجاء
اللهم لك الحمد إيمانا بوحدانيتك، واستسلامًا لعظمتك ويقينا في حكمتك. وطمعًا في كريم عفوك وواسع رحمتك نسألك ربَّنا أن تصليَ وتسلمَ وتبارك على خاتم رسلك ورحمتك المُهداة لجميع خلقك وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار الغر الميامين.
اللهم أحينا على عقيدتهم وولائهم مسلمين. وتوفنا على ملتهم مؤمنين موحدين.
وإن تجعلنا بحبك وحُبّنا لهم هُداةً مَهديين صالحين مصلحين غير ضالين ولا مُضلين ولا ناكثين ولا مُبَدِّلين.
اجعلنا بفضلك ورحمتك مفاتيح للخير مغاليق للشر
مصابيح للهداية والنور نرجوا رضاك بقولٍ حسن يبدد سخائم الصدور. ويدفع عن الأمة الإسلامية عوادى الفتنة ومخاطر الشرور.
نشكو إليك ربَّنا. أمَّةً مُزّقتْ، وعِزَّةً صودرت، وشريعةً عُطِّلت. وحضارةً غُيِّبَتْ، ومقدساتٍ دُنِّست، ودماءً أُهرقت وأرواحًا أزُهقِت.
فهذا حالنا لا يخفى عليك وما نزل بنا من ذل وهوان ظاهر بين يديك فوحد اللهم كلمتنا وأقل عثرتنا، وأنصر أمتنا ولك العُتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك يا أرحم الراحمين.
نداء وعتاب
يا أمَّةً: دينها دين عظيم، وربَّها رحمنٌ كريم ودستورها كتاب× حكيم، ونبيُّها بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.

 
مليارُكم لا نَفْعَ فيه كأنه  % ألِفٌ حُطَّت من ورائه الأصفارُ 
أَمَا آنَ لهذه الأمة أن تستجيب وتسمع، ولأحكام ربها تطيع وتخضع، ولتعاليم قرآنها تُصيخ وتخشع وكأننا المعنيون بقول القائل:

 
ناموا ولا تستيقظوا  % ما فاز إلا النُّوَّمُ   
صوموا ولا تتكلموا  % إن الكلام مُحَرَّمُ   
إن قيل هذا نهاركم  % ليلٌ فقولوا مظلمُ   
أو قيل هذا شهدُكم % مُرٌّ فقولوا علقمُ 
يا أمة الإسلام:

 
إلامَ الخُلْفُ بينكمو إلامَ % وهذى الضجةُ الكبرى علامَا   
إلامَ يكيد بعضكموُ لبعضٍ % وتُلقُون العدواة والخصامَا   
وهذا الغربُ في شذرٍ إليكم  % يدور بعينه ينوى انتقامَا 


أسئلة حائرة
أخوة الإسلام والإيمان:
 داخل حنايا النفس تساؤلات أعرضها على حضراتكم لعلها توقظ فينا الذاكرة. وتستنهض الهموم الخائرة. وتجمع شعث القلوب المتنافرة.
س1: قال تعالي: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)  (الأنبياء: 92)
هل المقصود بهذه الأمة أمة الإسلام؟ أم أمة يهود؟
س2: قال تعالي: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)  (آل عمران: 103)
من المخاطب بهذا الأمر؟ (المسلمون) (أم دول حلف الأطلسيِ)؟
س3: قال تعالي: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2)
هل هذا الأمر موجه إلى أمة الإسلام؟ أم إلى دول السوق الأوربية المشتركة؟
س4: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83)
 (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت: 46)
هل نحن مطالبون بالقول بالتي أحسن مع من قال اتخذ الله ولدًا؟
بينما نخاطب من يقول (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بالتي هي أخشن؟
س5: قال تعالي: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) (الأنفال: 60)
هل هذا الإعداد يكون بإعلان المعارك الإعلامية. وطباعة الكتب التكفيرية المزودة بالصواعق المذهبية وكيمياء النعرات العرقية التي تستهدف الوحدة الإسلامية؟ 
س6: قال تعالي: ( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ ) (الحج: 78)
فهل وجدتم الخيرية والأفضلية في هذه الأسماء الفئوية والمذهبية إمعانا في تعميق التعددية والانقسامية.
س7: للإيمان أصول ثلاثة وهي الإيمان بوحدانية الله تعالى، والإيمان بجميع رسل الله وأن خاتهم محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإيمان باليوم الآخر فلماذا يكفر بعض المسلمين بعضًا في مسائل الفروع التي يُسوغ فيها الاجتهاد وتعدَّد الأفهام والآراء؟
س8: لقد تكفل الله تعالى بحفظ كتابه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)
فكيف نروج إشاعات ومزاعم ومفتريات تزعم أن لطائفة من المسلمين قرآنا أخر. وبهذه الفرية نقدم لأعداء الإسلام مادة دسمة للطعن في كتاب المسلمين؟
س9: إن إسرائيل تواجه الأمة الإسلامية بسلاح العقيدة والدين وتطالبهم باعتراف صريح أن إسرائيل دولة يهودية.
فلماذا نسعى لإقصاء الدين وأبعاده عن حياة المسلمين؟
وهل يمكننا أن نواجه العقيدة الصهيونية بسلاح العلمانية والقومية والمذهبية؟
أخوة الدين والعقيدة:
إننا نعيش عصَّرا لا يُعترف فيه إلا بالأقوياء وقوتنا في وَحْدَتنا فهل نتخلى عن قوتنا؟
ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام وإن طلبنا العزة بغيره أذلنا الله.
فكيف نسترد عِزَّتنا؟
وفي عصر يتبجح فيه الغرب بحقوق الإنسان والحيوان يحاصر بعضنا بعضًا ويعادي بعضنا بعضًا. فهل نتنكر لأخوتنا؟
كما أننا نسارع في تطبيق القوانين الدولية ونلتزم بما يصدر عن الباب العالي في البيت الأبيض فيما نستخف ونستهين بأوامر الله ورسوله.
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)        (المائدة: 50)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدا ً(60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63)) (النساء: 60-63)
أصابع خبيثة ووسائل حديثة لإزكاء نار الفتنة المذهبية 
تحقيقًا لقوله تعالي: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) (البقرة: 217).
وقوله سبحانه: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) (البقرة:109).
ما أنفك الاستدمار الغربي يخطط ويفكر ويدبر لاستئصال شأفة المسلمين واستهداف قوتهم بتدمير وحدتهم ومن هذه الوسائل التي استبدلها واستحدثها عوضًا عن الاحتلال العسكري.
‌أ- الغزو الفكري لاحتلال العقول وتسميم العقيدة وتدمير القيم والفضيلة والأخلاق تحت مُسَّميات العصرنة والعلمنة والحداثة.
‌ب- تطوير أقنية التبشير لتنصير المسلمين باستغلال الظروف الاجتماعية وتحت ستار المؤسسات الاجتماعية والمراكز الثقافية.
‌ج- احتضان ودعم المارقين والمرتدين من الأدباء والكتاب والمحرّفين لأحكام الإسلام بالتطاول على القرآن الكريم والنيل من رموز هذا الدين وعلى رأسهم سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأسهل وسيلة للشهرة والمال ودخول العواصم الغربية من أوسخ أبوابها أن تُعلن الحربَ على الإسلام. وتتهمه بالتخلف والرجعية والإرهاب وساعتئذ سوف تُرحب بك السفارات. وتُقدم لك التأشيرات. وتُقام لك الندوات وتعقد المؤتمرات وتسخر لك وسائل الإعلام وقاعات الجامعات مما لا يخفي على ذي لُبّ على النحو الذي حدث مع المرتد/ سليمان رشدي ونسرين... ومن خلع ربقة الإسلام من عنقه واستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير.
ومن أخطر هذه الوسائل وأخبثها وأحدثها. إدخال شبكة الاتصالات العالمية (الانترنت) في معركة الاستهداف الإسلامي وتدمير عقيدة المسلمين وإذا كانت الشعوب الإسلامية لم تسلم من شرور ومخاطر العِلَل والأمراض والأوبئة التي ظهرت في البيئات الغربية بما صنعت أيديهم من اعتداء على سنن الكون. ونظام الحياة ومحاربة الفطرة. بمسخ الإنسان. وغش طعان الحيوان فابتليت هذه المجتمعات بالأمراض الحديثة التي لم تكن في أسلافهم مثل (الأيدز، وجنون البقر، أنفلونزا الطيور، أنفلونزا الخنازير) فإن من أخطر هذه الداءات "فيروس" أنفلونزا المذهبية، لأنه من أنجح الأمراض والأسلحة للقضاء على الوحدة الإسلامية.
"ناقوس الخطر"
منذ سنوات التقيت أحد خبراء الكومبيوتر المتخصصين في بناء المواقع الالكترونية العالمية وهذا الخبير يحمل جنسيتين غربيتين وهو مسلم من أصل عربي.
وفي ضاحية لاكمبا بمدينة سيدني الإسترالية أخبرني بما قَفَّ له شعرُ جسدي وأبكاني دمًا حزنًا على ما آل إليه حال المسلمين من غفلة وضياع.
قال: وأنا أستمع إليه بكامل قواى الحسية والعقلية.
إنني عملت لعدة سنوات مع جهاز غربي رسمي كبير. وكنت أحد أفراد لجنة تضم خبراء مهرة في علم الكمبيوتر. وقد أسندت إليها مهمة بناء مواقع إلكترونية عالمية تعني بإنشاء وافتتاح ما يعرف بمواقع المحادثة والتعارف ومقاهي الدردشة وفتح الأبواب أمام كل ممنوع ومحذور.
ومما نجحنا في دعمه ونشره "موقع خاص: تحول إلى "مقيأة" تتبني نشر وخدمة "الفتنة المذهبية" بين الفئات الإسلامية وفي مقدمتها "التراشق المذهبي" بين السنة والشيعة.
ثم يقول: وهناك أفراد يتدخلون ما بين الفينة والأخرى لوضع زيت الاشتعال وأعواد الثقاب. تارة بِسَبّ الصحابة باسم مسلم شيعي. وتارة بلعن وتكفير الشيعة باسم مسلم سُنّي ومازالت المعارك مستمرة حتى ساعة إعداد هذا البيان. والمسلمون بخيبتهم وغفلتهم يتحولون إلى معاول هدم لدينهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
كلمة التوحيد لتوحيد الكلمة
إن من أهم معجزات الدعوة المحمدية أن الله تعالى بعثه بكلمة التوحيد لتوحيد الكلمة. وبهذه الكلمة دفن القائد الأعظم والمرشد الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) جيف العصبية والقبلية وجعل رباط العقيدة لأخوة الإيمان أقوى من رابطة الأبوة والنبوة والأخوة والحسب والنسب.
فتلاشت الفوارق وذابت الجنسيات فصار المسلم أخو المسلم وأصبحت عقيدة المسلم هي وطنه وجنسيته وحزبه وقبيلته.

 
أبي الإسلام لا أبَ لي سواه % إذا ما فتخروا بقيسٍ أو تميم
 
ويذكرهم القرآن الكريم بعظمة هذه النعمة فيقول تعالي: ( وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) (آل عمران: 103)
نعم : ( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) (الأنفال: 63).
نعم أيها الأحباب: إن لهذا الدين حَرَمًا وحصنا مفتاحه (لا إله إلا الله) ومن دخله كان آمنا وبها يُعصم دمُه ومالُه وعِرضُه.
هذا الدين الذي أكمله الله وأتمَّه وارتضاه لا يمنح أحدًا شرف الانتساب إليه إلا لمن سلم المسلمون من لسانه ويده. ولا يؤهل أحدًا إلى مرتبة الإيمان إلا لمن ائتمنه الناس على أحوالهم وأعراضهم.
إن الأمة الإسلامية بما تملكه من وحي إلهي معصوم وإرثٍ رسالي للشرائع السماوية السابقة. ورصيد تاريخي ضاربٍ في أعماق الإنسانية حضورًا وتأثيرًا. ما خُلقت إلا لتسود وما وُجدت إلا لتقود ذلك أن الله تعالى وعدها بالنصر والتمكين وإظهار دينها على الدين كله ولو كره الكافرون.
هذه الأمة مضطلعة بإصلاح وصلاح البشرية بما حباها الله تعالى من خيرية ووسطية وشهودية تحافظ على الأصول ولا تتنازع على الفروع.
ومعلوم أن من أهم مقومات ديمومة الحياة هي (الحركة) وبفقدها وانعدام وجودها. تحل الأوبئة والعلل والداءات في (الماء – والهواء – والدم) داخل جسد الإنسان.
وعندما يتوقف المسلمون عن الحركة الدعوية الصحيحة لتبليغ دعوة الله إلى خلق الله بالحكمة والموعظة الحسنة. ينشغل المسلمون ببعضهم وتتولد العلل المذهبية. وتتفشي فيهم جراثيم الأفكار التكفيرية وتظهر النعرات العرقية والشعوبية.
ويأفل نجم العزة في قلوبهم ويستبدلونها بثقافة التثبيط والتبعية والخشوع.
الوحدة الإسلامية فريضة غائبة أو مُغَيَّبة
ما من أيام التضامن والتآخي والتعاون فيهن أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام النحسات التي يتجرع فيها المسلمون كؤوس المذلة والهوان وتجتاح فيها الأمة رياح هوج داهمة تحمل بين رعودها وأعاصيرها وعواصفها جراثيم (الملعنة) باسم (العلمنة) والثقافة [العبرية] في عباءات (عربية) وتشريع سياسة "النشل" تحت مسمي (تحديد النسل) ومخططات (التشليح) وفكر "التضييع" "والتركيع" تحت شراك (الاستسلام والتطبيع) والقبول "بالاستغلال والتدمير" تحت شعار (الاستقلال والتحرير) وها هي الأمة في هذا المناخ الاستقوائي وقطبية وحيد القرن وجَوْر قوى الاستكبار الغربي المتآمر بمعاييره المزدوجة والكيل بمكيالين. تتأرجح الشعوب المسلمة ما بين الحيْف والخيْف، والسوط والسيف. وقد تكسرت النصال على النصال في محن تتوالي ونكبات تتباري ومذابح يتبع أخرُها أوَّلَها فالدماء قد رخصت والأرواح قد أزهقت والكرامة قد سُلبت والمقدسات قد دُنست.

 
أنيَّ اتجهتَ إلى الإسلام في بلدٍ % تجده كالطير مقصوصًا جناحاه   
قد استرد السبايا كلُّ منُهزِم % لم يبق في أسرها إلا سبايانا   
ولا نموت على حَدّ الظبا أنفًا  % حتى لقد خجلت مِنَّا مَنَاَ يَانَا 
وما بين جهل القريب وحقد الغريب فذا قد تملك أمرنا وعَطَّلَ شرعنا وذاك أنكر حقنا وحارب ديننا. لا يملك الإنسان المسلم المنكوب إلا أن يندب حاله ويبكي مآله ويقول:
 
لمن نشكو مآسينا  % ومن يُصغي لشكوانا ويجُدينا   
انشكوا موتنا ذلاً لوالينا % وهل مَبْيتٌ سَيُحيينا   
قطيعٌ نحن والجزارُ حامينا  % وَمنفيُّون نمشي في أراضينا   
ونَحْمِل نعشَنا قصَّرا بأيدينا % ونُعرب عن تعازينا لنا فينا 
الخلاف شر كله
إن أعداء الإسلام عندما عجزوا عن النيل منه وإتيانه من الخارج عَدَواْ إلى إتيانه من الداخل بأيدي رجاله والسنة أتباعه. عن طريق التحريش بين المسلمين، وإشعال نيران الخلاف المذهبي بينهم في الوقت الذي يُرمي فيه المسلمون من قوس، واحد ويُذبح فيه الإسلام من الوريد، إلى الوريد. وتحيط بالمسلمين الدسائس والمؤامرات والفواجع والمواجع مما تنفطر له القلوب، وتتفتت له الأكباد، وتشيب من هوله الولدان.
لقد أوجد الاستدمار الغربي منذ مؤامرة (سايكس بيكو) بين شعوب الأمة العربية والإسلامية حدودًا جغرافية وفواصل تقسيمية مصطنعة مزقت رقعته وبدَّدت وحدتَه. ولكن المسلمين أنفسهم ساهموا في تأصيل هذا التقطيع وتعميق هذه الموانع بفواصل مذهبية وحواجز عرقية وطنية شعوبية تأتي على بنيان وحدتهم من القواعد.
ومن العيب المشين في أمة ربها واحد وكتابها واحد ورسولها واحد وقبلتها واحدة وآلامها وأمالها واحدة أن تتنكر لهذه الأصول ثم تجعل من أولويات همها وفي مُقَدَّمة شغلها واهتمامها الخوض والانغماس والتشاغل بالفروع والجدليات والمسائل غير العملية التي يُسوغ فيها الاجتهاد وتتنوع الآراء بتنوع الأفهام وضروب الاستنباط والتأويل.
حيث يتمترس كل فريق بين أسوار مذهبه وجماعته. ويتم التراشق براجمات التفكير. وقاذفات التفسيق والتنفير وتُستباح الدماء والحرمات وتُستهدف المساجد بما فيها من أهل التوحيد ممن يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وكان أن نتج عن هذه الصنمية المذهبية الجديدة والعصبية الفئوية الجاهلية المبتدعة. ظهور الفكر الاقصائي الإلغائي الرافض لكل ما هو أخر فأعرض عن الأصول القرآنية. والتعاليم النبوية. بعقول معتقلة وعلم قليل وفهم كليل. تجعل وظيفته ومهمته إخراج المسلمين من الإسلام.
وحيث أن المؤسسات الدينية في الدول الإسلامية خاضعة وتابعة للمؤسسات السياسية الحاكمة. فلا غَرْوَ أن تَسبَح في فلكها. وتقاتل بسيفها. وتناصر مشروعها وتعزف نغم (نوتة) اللحن المكتوب لها، ولتتعاون المؤسستان على خدمة مشروع واحد.
يؤهل الدولة بأن تحصل على شهادة غربية أمريكية تمنحها شرف العضوية والانتماء إلى معسكر أو حلف الدول الإسلامية الصديقة المعتدلة التي تناهض الإرهاب والتطرف. في مواجهة معسكر الدول المارقة الخارجة عن الطاعة والتي تناصر الإرهاب وحركات المقاومة على حد تعبير المصطلحات التي فرضت على المسلمين.
فَقَعَّد أنصارُ هذا الفكر من سماسرة الفتنة وأعداء الوحدة قواعدَ من عنياتهم ما أنزل الله بها من سلطان. وأصَّلوا أصولاً من أهوائهم لا تتطابق إلا مع وحي الشيطان. وبهذه القواعد اعتقلوا دين الله واختزلوا شرع رسول الله في زنازين عقولهم الضيقة.
1- رأينا صواب لا يحتمل الخطأ. ورأي غيرنا خطأ لا يحتمل الصواب.
2- نحن الطائفة الناجية طائفة أهل الحق وسوانا أهل الزيغ والضلال.
3- نحن مأمورون بِسَبْر بواطن المسلمين. وعدم الأخذ بظاهر أقوالهم وبالتالي فإن غيرنا من المسلمين مُتهمون حتى تثبت براءتُهم يقول الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه "التفرقة بين الإسلام والزندقة".
ولعلك لو أنصفت لعلمت أن من جعل الحق وقفا على طائفة من هؤلاء بعينها فهو إلى الكفر أقرب، وذلك لأنه أنزل أصحاب هذه الطائفة منزلة النبي المعصوم من الخطأ، الذي لا يتحقق الإيمان إلا بموافقته، ولا يلزم الكفر إلا بمخالفته... إلى آخر ما ذكره من كلام نفيس ونصائح قيمة تدحض بطلان دعاة التنفير والتكفير.
إن أمتنا الإسلامية التي حجزت لها مكانًا في ذيل دول العالم الثالث وطفقت تتوارى في مخابئ الأمم المتخلفة ويأفل نجمها عن شاشة الحضور الحضاري على أرض المعمورة وهي التي ملكت زمام القيادة والريادة فيما يربوا على الألف عام ونشرت هدى العلم وأنوار المعرفة في أرض لا تغرب عنها الشمس تمتد من حدود الصين شمالاً إلى المحيط الأطلسي جنوبًا ومن سيبيريا شرقا إلى قلب فرنسا غربًا وما ذهب ريحها وضاعت هيبتها إلا بتنازعها وتفرقها وبالشلل الذي أعاقها فكريًا وحضاريًا في عالم الشهادة وقانون الاستخلاف.
التعصب المذهبي الممقوت
يؤكد أهل العلم أن العقيدة لا تثبت إلا بنص قطعي الورود والدلالة وهو الوارد بطريق التواتر. ولا يجوز إخراج المسلم من الملة إلا في مخالفة الأحكام الشرعية التي انعقد عليها الإجماع.
وهناك مسائل أخرى ظنية الدلالة ويسوغ الخلاف فيها حيث تتعدد الأفهام والأراء.
ولقد نكبت الأمة بخطر الحالقة التي تُقطّع أواصر الأخوة وتمزق صف المسلمين. التعصب المذهبي الذي يضع الفروع محل الأصول والذي أجج نيران معارك وهمية بين أتباع المذاهب السُّنِّيَّة من جهة وبين السنة والشيعة من جهة أخري.
هذه الفتنة المكبوتة المخبوتة المدفونة في قلب التاريخ وبواطن الكتب والمؤلفات. والتي يحاول سماسرة الفتنة وأعداء الوحدة إحياءها من جديد. وأسلحتها ومعداتها وذخائرها مليئة بها مخازن الطرفين وما عليك إلا أن تقرع طبول الحرب المذهبية. وتعلن النفير العام وساعتئذ. سوف تُجَّيش الجيوش. وتُحشد الحشود وتُسخَّر المنابر ويُوجَّه الإعلام. لنصرة الطائفة والمذهب. طالما يتربص بالأمة شياطين الإنس والجان.
ولعل من يطالع مقدمة كتاب المغني لابن قدامه. وكتاب (فيصل التفرقة) بين الإسلام والزندقة للغزالي.
يقف على صنوف من هذا التنابز المذهبي والتراشق الجدلي البيزنطي الذي اعتمدَ علمًا كلاميًا لا ينفع. كما أن الجهل به لا يضر.
في وقت شهد كسادًا فكريًا. وترفًا وإسرافًا وغلوًا فقهيا وإفراطًا في الخوض والبحث فيما لا يقع تحته عمل أو تنوط به منفعة.
ومن هذه العينات:
§ سئل متعصب شافعي عن حكم طعام وقعت فيه قطرة نبيذ، فقال: يُرمي لكلب أو حنفي: استنادًا إلى ما قيل عن أن الأحناف يبيعون النبيذ.
§ وسئل متعصب حنفي هل يجوز للحنفي أن يتزوج امرأة شافعية؟ فقال: لا يجوز لأنها تشك في إيمانها. بينما خفف الحكم فقيه أخر. فقال يجوز زواجها قياسًا على الكتابية.
وبطون الكتب مليئة بمثل هذه المضحكات المبكيات القائمة على التعصب والأغلوطات ولا يدين بهذا القول ويسلك هذا السبيل إلا متعصب يلتمس السقطات وفتات الشبهات وسوء الظن بالمسلمين.
وأعلم أنك لو أطَّلعت على آراء وأدلة مخالفيك لالتمست لهم العذر وحسَّنْتَ بهم الظن. وما بلغ بك التعصب درجة التكفير أو التبديع ولا يزال المرء عالمًا ما طلب العلم. فإن ظن أنه قد علم فقد جهل وفوق كل ذي علم عليم.
 
 
إلامَ الخلاف على ذى (الفروع) % وكلُّ ينافحُ عن مَذْهَبهْ   
وليس الصوابُ بحكرٍ على % فقيه... ولا مُقتدٍ بَعْدُ بِهْ   
تعدَّدت (الطرق) نحو الصواب % فخذ ما تشاء ولا تشتبهْ   
ومَثِّلْه بـ (الكعبةِ) المصطفاة % ونحن حَوَالَيْها (فانتبِهْ) 
وأعلم أن الذي ذكرناه مع ظهوره تحته غور، لأن كل فرقة تكفر مخالفها وتنسب إليه أنه يكذب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).
فبعض الحنابلة مثلا يكفرون الأشعرى، بزعْم أنه كذب الرسول في إثبات الفوقية لله تعالى، وفي الاستواء على العرش، يخالف قوله تعالى (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) (الملك: 16).
وبعض الأشاعرة، يكفرون بعض الحنابلة، بزعْم أنهم يشبهون الله بخلقه ويكذبون القرآن في قوله (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) (الشوري: 6).
وبعض الأشاعرة أيضا يكفر المعتزلة، بزعم أنهم كذبوا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في جواز رؤية الله تعالى، وفي إثبات صفات العلم، والقدرة، وغيرهما له تعالى زائدة عن ذاته.
والمعتزلى يكفر الأشعرى بزعم أنه يكثر وجود قدماء مشاركين لله تعالى في صفة القدم ذلك أنه يقول: إن صفات الله تعالى زائدة على ذاته وهي موجودة، فشاركت الله في القدم، وهذا تكذيب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أن الله واحد، وأنه هو وحده القديم، لا شيء يشبهه في القدم إلخ. ثم قال: ولا ينجيك من هذه الورطة إلا معرفتك حد التكذيب، والتصديق، فينكشف لك غلو هذه الفرق، وإسرافها في تكفير بعضها بعض.
وكل تعصّب أعمى إنما هو ناشيء عن جهل. لأنّ الجاهل صغير في فكره ونظرته، فتكبر عنده الأمور الصغيرة وتتضخّم خلافاً للإنسان العالم الذي يري الأشياء بحجمها الحقيقي، بل تصغر في عينيه الأشياء التي تبدو كبيرةً، لأنّ أفق فكره ونظره أكبر منها بكثير. وما أجمل قول أبي الطيب:

 
على قدر أهل العزم تأتي العزائم % وتأتي على قدر الكرام المكارمُ   
وتعظم في عين الصغير صغارُها % وتصغر في عين العظيم العظائمُ 
ولذلك نرى كثيراً من التُّهم التي يتقاذفها أصحاب المذاهب لا أساس لها. وقديماً شكا الإمام الزمخشري رحمه الله من هذا الجهل ومن تبعاته على المسلمين إذ قال:

 
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به % وأكتمه كتماني له لي أسلمُ   
فإن حنفياً قُلتُ قالوا بأنني % أبيح الطّلا وهو الشراب المحرّم   
وإن مالكياً قلت قالوا بأنني % أبيح لهم أكل الكلاب وهم هُمُ   
وإن شافعياً قلت قالوا بأنني % أبيح نكاح البنت والبنت تُحرمُ   
وإن حنبلياً قلت قالوا بأنني % ثقيل حلوليّ بغيض مجسّمُ   
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه % يقولون تيس ليس يدري ويفهمُ   
تعجّبت من هذا الزمان وأهله % فما أحد من ألسُن الناس يسلمُ 
والغريبُ أن تراشق التهم لا يزالُ قائماً حتى يومنا هذا خاصةً بين السنة والشيعة، رغم تيسّر سبل النشر والسّفَر والإطلاع.
معالم الوحدة وثقافة التقريب
وأعلم أخي الموحد: يا من تريد لنفسك ولأمتك الخير والفلاح والنجاح وترغب في أن تلقي الله U بعمل صالح يكون في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون. هذا هو كتاب الله U يهتف في أعماقك (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (النساء: 114) فكن مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر. ولا تكن رقمًا في مشروع الفتنة المذهبية الذي يقدم مصلحة الأمة على قرابين الحكام الدائرين في لك المشروع الأمريكي والفكر الصهيوني اللذين يتربصان بنا الدوائر ولا يريدون للأمة أن تقوم لها قائمة ولا يكون لها حضور بين الأمم.
إعلم أن للوحدة الإسلامية ولثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية أصولاً ومعالم. ترتكز على هذه الدعائم والمقومات والخطوات الأتية:
(1) التعارف.  (2) التعرف.  (3) الاعتراف.
أولها: التعارف: وهو إطار إنساني شامل أرسى معالمه خالق الأكوان في آية محكمة فقال تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13)
وإذا كان التعارف والقول الحسن والكلم الطيب ولين الجانب وحسن المعشر وكسب القلوب وإبراز المحاسن الأخلاقية لمكارم الإسلام السمحة مطلبًا إنسانياً وأصلاً قرآنيا. وخلقا نبويًّا مع جميع بني البشر. فهل يعدم هذا فيما بين المسلمين من أهل التوحيد والقبلة الواحدة؟ وهل هذه القيم تتبدد وتتلاشي في حوارنا المذهبي (السني – الشيعي)؟
وثانيها: التعُّرف: بأن يتعرف أصحاُب كلًّ من مدرستي (الخلافة والإمامة) على ما لدى الآخر من أدلة فقهية وقواعد أصوليه. وتأويلات ومفاهيم في المسائل الفرعية والوقوف على العقيدة الصحيحة اعتماداً على أقوال الأئمة الثقات والمصادر المعتبرة والمعتمدة عند الطائفة أو المذهب. دون خلط أو تلفيق أو تحريف أو تزوير. لما عليه غلاة المذاهب الباطنية البائدة أو التي مازال لها جذورٌ باقية.
ومما يخدم حالة التعرف ما ذكره الأستاذ/ محمد عبد الله المحامي. في كتابه. معالم التقريب (كتاب الهلال).
إن فكرة التقريب مرتبطة ارتباطاً تاماً بوحدة المسلمين. إذ هي أمر واجب للدفاع عن أمر واجب وهو وحدة الأمة واستنفاذها (صـ7).
فليس التقريب حركة تبشيرية بأى وجه، ولا يدخل في رسالته الدعوة للإسلام بين غير المسلمين، ولا الدعوة لنشر هذا المذهب أو ذاك بين المسلمين في أي مكان، لأنه لا ينشد إزالة المذاهب الإسلامية، ولا إضعاف ولاء المسلمين لمذاهبهم، وإنما ينشد إزالة العداوة المتبادلة بين أهل هذه المذاهب، لأنه لا تلازم بين وجود المذهب والولاء له، وبين عداوة المنتسبين إلى المذاهب الأخري وبغضهم.
ولا يدخل في مهمة التقريب التقارب بين أهل الأديان المختلفة توحيدا لمساعيها فيما تتفق عليها مبادئها من البر والخير والفضيلة والاهتمام بروح الإنسان، وفي دفاعها ومقاومتها للمذاهب والحركات المادية التي انتشرت في هذا الزمن.
ثم لا شأن للتقريب باختلاف المسلمين في الرأي، ولا بالمذاهب ومدارس الفكر عندهم مادام الاختلاف الفكري لا ينقلب إلى عداء وانشقاق وعداوة أو لا يصحبه شيء من ذلك، لأن وجود المذاهب ومدارس الفكر المختلفة داخل الإسلام شيء طبيعي مرغوب فيه ليس منه بدا مادام الإسلام دينا حيا لأحياء لكي يزدادوا حياة، وليس دينا ميتا لأموات لكي يهيئ لهم الانسحاب من الدنيا.
والإسلام نفسه شحنة هائلة من النشاط العقلي الروحي تأبي أن يتحول المسلمون إلى مجرد نسخ متطابقة تتكرر باستمرار وبلا اختلاف من عقل واحد، أيا كان هذا العقل، حتى لا يهلك المسلمون من الأجداب والرتابة والركود والشعور بالقدم، ومقت أنفسهم ودنياهم، فالمسلم ليس نسخة من أحد، وإنما هو أصل فذ يعقد عليه الإسلام آماله، ويضمن به على الدنيا بأسرها، وليس يرضي الإسلام أن تلد المسلمات مكررة معتمة، وإنما يرضيه ويعليه إنجاب العقول الجديدة اليقظة الشطة التي تتسلم دينها ودنياها بشغف وحماس، وتحلل بللوراتها الصافية المتنوعة الطاقات والأبعاد ضياء الإسلام إلى ما لا حد له من الألوان المبهجة الملهمة.
ستظل المذاهب ومدارس الفكر في الإسلام توجد ما بقي للمسلمين حاجة إلى التعبير عن ثرائهم العقلي والروحي، وإلى استدامة الصلة بين أصول دينهم وبين واقع الحياة في العصر والمحيط اللذين يعيشون فيهما، ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين كبت النشاط العقلي والروحي داخل الإسلام، لأن من أجل ما يقدمه المسلم لدينه أن يفكر فيه ويشعر به، والإسلام يندثر ويدرس إذا لم يعد يفكر فيه ويشعر به إلا الحمقى والجهلاء.
وبديهي أنّ الخلاف الفقهي بين المدارس والمذاهب الإسلامية ليس مما تشتغل أو تنظر فيه العامة، ولا نعني هنا بالعامة العوام، وإنما نعنى كل من لا يهتم بمعرفة فقه المذاهب، وهم معظم القارئين الكاتبين، وفي زمننا هذا معظم المثقفين المتعلمين.
وهؤلاء يلتقطون عادة نتفا ونكتا عن المذاهب من هنا وهناك، لا يتحرون أصلها ولا صدقها، وهم – لو وجدوا الفرصة، ووجدوا من أنفسهم الاهتمام الكافي – قادرون بلا شك على تحصيل صورة صحيحة عن المذاهب الإسلامية.
أما العوام والدهماء لا يقوون على النظر لأنفسهم في هذه الأمور، ولا يستطيعون غلا أن يقلدوا ما يمكنهم تقليده، والخلاف المذهبي لا يمكن أن يصل إلى العام والجهلاء والدهماء إلا عن طريق الدعوة والدعاة، ولا يصل إليهم عادة إلا بعد أن يفقد كل ما فيه من فكر وفقه، ويتحول أكثره إلى دعاوى عريضة ساذجة، واتهامات صارخة منكرة ترددها ألسنة ناعقة في رؤوس فارغة على أنها حقائق ولا تحتاج إلى بيان أو برها، وللباطل دائماً حيوية تتناسب مع عدد معتنقيه ومصدقيه، ومع أمد بقائه بين ظهرانيهم.
تتراكم هذه المرويات في حنايا النفوس. وتتحول إلى الموروثات ومخزونات ومدخرات وكأنها رأس مال ورصيد للفتنة نستخرجها وقت الحاجة. ويستعين بها ذووا الأمزجة السودوية في التشهير والتكفير.
لقد تداول الناس في بلاد الإسلام تلك الدعاوى والاتهامات الحمقاء عن طوائفهم جيلا بعد جيل قرونا وأحقابا، كرهوا على أساسها وأحبوا، ومدحوا وذموا، وعظموا وأهانوا، ودعوا ولعنوا، ووصلوا وقطعوا، ونصروا وخذلوا، وأعطوا وحرموا، وهاجموا وهوجموا، وقاتلوا وقوتلوا، حتى اختلطت هذه الركائز الشائهة بعواطفهم وتفكيرهم، وصارت جزءاً من عقليتهم وسلوكهم يستغله ذوو الأغراض، ويستخدمه أعداء الإسلام في محاربة الإسلام.
وهذا الاعتياد القديم على تبادل العداوات، بعد أن جر على المسلمين الويلات في الماضي، يوشك في الظروف الحرجة التي يمر بها الإسلام الأن أن يعصف بالإسلام نفسه، وهو اعتياد ماكر مخادع يتلون ويتشكل، وتختلف صوره باختلاف الأشخاص وظروف المكان والزمان، بين تبادل الاسترابة وتبادل الازدراء في الخفاء، والترحيب بالأراجيف وتغليب ظن السوء، ورفض التواصل والتعاون والاشتراك، وتخذيل مساعي الأخوة بين المسلمين، وتعطيل المشروعات وإفسادها، وبين المجاهرة بالاتهام والمقت واللعن والتفكير والعدوان على الأنفس والأموال والتحريض عليه، وبين الاستعانة على المسلمين بأعداء الإسلام، وقطع الروابط الباقية بالجماعات الإسلامية الأخري، وتمجيد العزلة عن بقية المسلمين, ومحاولة الانفراد بمصير ووجهة غير مصيرهم ووجهتهم.
والتقريب يحارب هذا الاعتياد الماكر في جميع صوره وكافة ألوانه. ولا غرض للتقريب ولا غاية له إلا محاربته واقتلاعه وإزالته.
أخي في الله.. ما أسهل على المسلم أن يتأسي بسنة المصطفي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتطبيق السنن الظاهرة وهو مأجور على ذلك بنيته إن شاء الله تعالي. فما أسهل أن يوفر المسلم لحيته لتملأ ما بين منكبيه، وهذا أمر حسن ولكن الأحسن، أن يوفر أخلاقه لتملأ ما بين جنبيه في قلب كبير سليم محب يسع كل أخوته المسلمين. وما أسهل أن يقصر المسلم ثوبه لما فوق الكعبين، وهذا حسن ولكن الأحسن، أن يقصر لسانه ويكفّه عن إيذاء إخوانه المسلمين. ومن السهل أن يضع المسلم يديه حال صلاته على صدره، أو فوق أو تحته، أو سادلاً على جنبيه، ولكن الأفضل، أن لا يضع يده في يد أعدائه وأعداء دينه مشاركًا في إعلان الحرب على المسلمين.
فلنتوجه جميعاً إلى إنقاذ إسلامنا، ولنبدأ بالمتفق عليه، ولنخفف من غلوائنا على المختلف فيه، ولنفقه فقه الأولويات، وأبجديات التصور الإسلامي، ولندع مهزلة الخلاف في الغيبيات والعقد التاريخية البالية، ولنترك الخوض في المسائل التي لا يقع تحتها عمل، علماً إننا لا نقصد بما كتبنا جماعةً معينة وأفراداً مخصوصين وإن ما أردناه نصائح عامة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولعامة المسلمين.
وأذكِّر بما قاله الأمام جعفر الصادق - t - في قاعدته العلمية. (حسبنا من المسلم ما يكون به مسلمًا). وسيبقي الخلاف على ما دام هناك اختلاف في العقول والتحصيل والفهم والاستنباط والبيئات.
وإن محاولة جمع المسلمين في مذهب واحد وعلى فكر واحد ورأي واحد أمر صعب المنال، وغاية لا تدرك، وهو لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقي، وهو أمر دونه جمع نجوم السماء. والله تعالى يقول: ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود: 118).

 
لولا التنافس في الدنيا لما وضعت % كتب التناظر لا المغني ولا العُمَد
   
يحللون بزعم منهمُ عُقَداً % وبالذى وضعوه زادت العقُد 
فما أحوجنا معاشر المسلمين: إلى أن ننشغل بعيوبنا، وطوبى لعبد شغلته عيوبُه عن عيب الناس، ونعمل على إصلاح نفوسنا ونحسن الظن بإخواننا المسلمين. 
أجل: أيها الأحباب.
إن التعارف والتعرف يؤديان إلى الاعتراف.
 والتدابر يكرس الجهل ويعمق هوة الاختلاف.
يا أمة الإسلام: هاهو طريق العلاج واضح، وفجر الوحدة لائح، والمنادي فينا صائح: أن يا مسلمون.
§ (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (آل عمران: 103).
§ (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105).
§ (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) (الأنفال: 46).
§ لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا (مسلم).
§ لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تَتَبَّع الله عورته، يفضح ولو في جوف رحله (الترمذي جـ4 صـ 378).
هذا هو منادي الحق بما أمر الله تعالى به والرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهل هناك بعد الحق إلا الضلال؟؟
ولو أن العرب والمسلمين حكامًا ومحكومين. استجابوا لأمر الله ورسوله وامتثلوا لتعاليمهما امتثالهم وانقيادهم لتعاليم خارطة الطريق الأمريكية أو لتوصيات مبادرة قوي الأربعة الغربية.
أو كما هُرِعُو طائعين ومذعنين ومسارعين إلى موائد الحوار ومؤتمرات السلام أو الاستسلام مع إسرائيل التي قتلت العباد وأكثرت في الأرض الفساد. واغتصبت أرضنا ودنست مقدساتنا. ومازالت ماضية في عدوانها وتنفيذ أطماعها لَغَيَّر اللهُ حالهم وجمع شملهم ورد عليهم عزتهم وكرامتهم لتوحدت كلمتُهم واستردوا عزتهم وكرامتهم.
ولكنهم مع الأسف استبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير فعظموا تعاليم أعدائهم واستخفوا بأحكام دينهم.
فتبنَّوْا ما يسمي بثقافة السلام والاعتدال وعملت حكوماتهم على تغيير المناهج التعليمية والإعلامية وفتحت أبواب التعارف والتعرف مع الدولة العبرية العنصرية ورفرفت أعلام إسرائيل في قلب بعض العواصم العربية وفتحت المكاتب الثقافية والتجارية.
وكان من نتائج هذا التعارف والتعرف أن قادة الأمة العربية، إمعانا في طلب وُدّ الفتاة الصهيونية وأمها الحاضنة البغية: أن أجمعوا على مبادرة عربية تؤكد الاعتراف الكامل بدولة صهيون العنصرية كما توالت موائد ومؤتمرات الحوار (للتعارف – والتعرُّف – والاعتراف) بين الديانات السماوية.
وإذا كان الحكام الميامين ومن يدور في فلكهم من وعاظ السلاطين قد رأوا في هذا النهج مصلحة قومية وإنسانيّة، وضرورة حياتيه وعصرية مع ما يلابسه ويعتريه من تحفظات شرعية !
فهل عدموا الدليل والبرهان على اعتماد ذات المنهج مع شريحة كبري وطائفة عظمي من المسلمين أهل القبلة والتوحيد؟؟ يا سبحان الله؟؟
أم أن الطريق إلى الاعتراف بإسرائيل وتنفيذ السياسة الأمريكية في المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا بمقاطعة إيران المسلمة وإلا بإعلان الحرب المذهبية التكفيرية على مذهب الشيعة الإمامية أتباع مذهب العترة الطاهرة من آل البيت النبوي الكريم.
ذلك الفقه المُغَيَّب الذي ضربت حوله الأسوار وأحكم عليه الحصار لما يحمله من ثقافة العزة وفكر المقاومة والتضحية والتصدي لمشاريع الاستذلال والخضوع والاستسلام.
تلكم هي حقيقة القضية للفتنة المزعومة والمعركة الوهمية المفبركة المصنوعة. التي حاول سماسرة الطاغوت تأجيح أوارها وإشعال نارها.
وحيث لا سبيل إلى إخمادها وتجنيب الأمةِ شَرَّ وهادها إلا بسلوك النهج الأسلم والطريق الأقوم. الذي ارتضينا وأجزناه مع أعداء امتنا. بينما حرمناه ومنعناه وحاربناه مع أهل ملتنا وأتباع قبلتنا. [التعارف – والتعرف – والاعتراف].
الإسلام محجوبٌُ بنا
فإذا كان الإسلام هو دينُ الله الواحد الذي انبعث به جميعُ الرسل والأنبياء ثم أكمله وأتمه بالبعثة المحمدية الخاتمة الخالدة.
فإن أمة الإسلام باعتبارها الوارث الشرعي لجميع الملل والشرائع السماوية السابقة (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) (الشوري: 13).
مسئولة ومضطلعة ومكلفة بتبليغ دين الله إلى جميع خلق الله لإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ومعلوم أن الماء الطاهر العذب الفرات أو أي نوع من العصائر الطيبة لا تستسيغ النفوس شرابَه إلا إذا قُدّم في إناء طيب نظيف طاهر يسر الناظرين والمسلمون هم الآنية والأوعية التي يُقَّدم من خلالها دين الإسلام فخبرني بربك، كيف يكون نظرة غير المسلمين إلى هذا الدين وأتباعه وحملته لا يحملون صفاته ولا ارتباط لهم بقيمه وأخلاقه؟
كيف نقول إن الإسلام دين الوحدة الإنسانية ونحن متفرقون؟
وكيف نقول إن الإسلام دين العلم والعمل ونحن جهلة متخلفون؟
إن لسان الحال خيرٌ من ألف مقال. ولن يكون الإسلام محل قبولٍ ورضاً من الآخرين. والمسلمون يعيشون هذا الفصام النكد مع دينهم. وقد أقصوه عن حركة حياتهم. ثم هم يعيشون عالة على فتات موائد غيرهم.

 
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ % والماء فوق ظهور محمول 
فليس الإسلام سحرا به يمكن أن نخرق سنن الوجود ونقلب قوانين الكون، وليس لدي الإسلام وَصْفاتٌ ودهانات خارجية يمكن أن تدهن بها المجتمعات مواضع آلامها فتزول شكواها وتمضي مرحة، تمارس ما هي فيه من تفاهة وزهو وغفلة وعدم مبالاة – وإنما الإسلام يقظة وصبر وإعادة تربية للنفس والروح، لا يمكن أن نقدمه لأنفسنا أو للعالم إلا في هذا الحد الجاد، وهذا الحد الجاد هو الذي نجيب به من يسألنا عما يمكن أن يقدمه الإسلام من حلول للمشكلات الاجتماعية وغيرها من مشاكل العصر – إن الإسلام يصر على أن يبدأ الناس إذا كانوا يريدون حقيقة الخير لأنفسهم وعالمهم باليقظة، لتبدأ بداية حياتهم الجديدة – في الله U - عندئذ ومن هذه البداية التي لا غني عنها يتجه كل جزء من مشاكل حياتهم العامة والخاصة إلى طريق الحل، ولا يحتاج الأمر بعد ذلك إلا إلى شيء من الصبر وضبط النفس وعلو الهمة والتعالي على سفاسف الأمور. وإطلاق سراح الإسلام من معتقلات المذهبية وأغلال العصبية. وأن نستشعر أن لا عزة إلا بالإسلام ولا نصر إلا تحت راية التوحيد وتوحيد الكلمة.
والمهم في العقيدة – هو جدها في نظر أهلها – واعتناقهم إياها فعلا لا كلاما فقط واختلاطها بحياتهم وسلوكهم الجاد وتغلغلها في عاداتهم النافعة المفيدة – والعقيدة الحية عقيدة صحيحة، وشاهد صحتها هو حياتها وحياة أصحابها – وفي عنفوان العقيدة يكون برهان صحة العقيدة هو سلوك أهلها وتضحياتهم في سبيلها – ويكون دور الفكر في البرهان – غير أساسي – أما حين تتقدم العقيدة في السن وتظهر بين أهلها أنماط السلوك الفاتر والمحايد أو غير العابئ أو غير المكترث – يأخذ الفكر دور الإيمان في الدفاع عن العقيدة، ويحاول رؤساء العقيدة تشديد قبضتها على أفكار أتباعها، بعد أن ضعف سلطانها على سلوكهم – وذلك عن طريق التصورات النظرية والتفسيرات والتحليلات والبحوث الجدلية الكلامية.
ولكن الغيب لا يمكن أن يكون موضوعا لنظرية فكرية – كذلك جانب الله – في علاقتنا بالله U - ذاك وأن ما أنزل إلينا – هو هدى ألهى – توفيق مجيئه من الله غيب لا نعرف منه إلا ما عرفنا هو ورسوله به، وجملة هذا الهدى أوامر ونواه وإشارات وتنبيهات – في أغلفة ولفائف وخلفيات مقصودها الأول والأخير خدمة هذا الهدى الالهي وبلاغه إلى غايته. وإغفال الهدى والاشتغال بالأغلفة واللفائف والخلفيات – شيء لا يخلو من الغرابة.
وكل الدعوات الإسلامية الحاضرة والمستقبلة تتعرض للإجداب والذبول، ما لم تكن وسيلة نافعة فعالة مقنعة لتمكين الإسلام من أن يكون له دور هام في الحياة العامة للمسلمين وللإنسانية كلها، فلم يعد يستطيع المسلمون مهما كثر وكثرت مواردهم المادية، أن يستقلوا بمصير منفصل عن مصير الإنسانية، بحيث يمكن أن تنهار الإنسانية ويبقي ويسلم المسلمون وحدهم.
دعوة إلى التعُّرف
أشرنا آنفًا إلى أهمية التعارف الذي يؤدي إلى تأليف القلوب وإزالة النفور وسخائم الصدور. كما يُوفر بيئة صالحة للحوار الهادئ الهادف الذي يخدم المصلحة العامة للأمة الإسلامية وهذا بدوره يفتح المجال أمام العقول لرؤية الحقيقة وتقويم المفاهيم الموروثة والأفكار المعكوسة التي أورثت الضغائن والتنافر والعداء والناس أعداءُ ما جهلوا.
وبهذا التعرف الجاد والصادق تتضح الرؤية ويحصحص الحق ويملك المسلم مساحة من التسامح وحسن الظن والانفتاح على الآخر مما يؤدي إلى الوفاق والاعتراف.
وكوني مصري الأصل والمولد. أزهري المشرب فإنني كما هو حال الأغلبية الساحقة من أبناء الأزهر لم يُتح لنا المجال الأوفر للتعرف على معتقدات الشيعة والإطلاع على أمهات كتبهم المعتمدة والمعتبرة. ومبلغ علمنا ما طالعناه في الفقه المقارن أو نشأة المذاهب الإسلامية باختصار شديد.
إلى أن قامت الثورة الإسلامية في إيران. وما أعقبها من إغراق المكتبات والشارع العربي وبلاد المهجر بالكتب التحريضية التي تبث الفتنة المذهبية وفي مقدمتها كتاب (إحسان آلي ظهير ومحب الدين الخطيب والموسوى) وغيرهم من علماء البترودولار.
وعلى مدار ثلاثين عاماً. حاولت خلالها بكل تجرد الحصول على مصادر صحيحة للمعرفة والوقوف على الحقيقة. ولا يزا ل المرء عالمًا ما طلب العلم. فإن ظن أنه قد علم فقد جهل. وفوق كل ذي علمِ عليم.
وكان من أهم المصادر التي تعتمد التحقيق العلمي ومنهج الاستدلال القائم على الحجة والبرهان من الكتاب والسنة.
1- معالم المدرستين  : العلامة / العسكري.
2- أصل الشيعة وأصولها  : العلامة / محمد الحسين آل كاشف الغطاء.
3- الفصول المهمة في تأليف الأمة : الإمام / شرف الدين.
4- من لا يحضره الفقيه  : العلامة / القمي.
5- نقض الوشيعة.
6- الشيعة بين الحقائق والأوهام.
7- عقبات الأنوار في الحديث (10 مجلدات) للعلامة اللكناهوري.
هذا بالإضافة إلى بعض أمهات التفسير مثل (الميزان 28 مجلداً) والمراجع المعتمدة في الفقه والمجلات التي واكبت فكرة التقريب بين المذاهب ولقد أغناني عن تسجيل خواطري المبحثية واستنتاجاتي العلمية ما سبقني إليه عالم مصري سنيُّ أزهري خاض نفس التجربة ألا وهو الشيخ الدكتور/ حامد حفني داود. الذي تولي الإشراف على قسم الدراسات الإسلامية بجامعة "عليكرة" في الهند، فكتب مقدمة لكتاب "عقائد الإمامية للعلامة المجتهد/ محمد رضا المظفر" بتاريخ 17/6/1381هـ 25/11/1961م وهذا نص مقدمته رحمه الله تعالي:
يُخطئ كثيراً من يدَّعي أنه يستطيعُ أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم  وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم، مهما بلغ هؤلاء الخصوم من العلم والإحاطة، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمي.
أقول ذلك جازما بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن أدرس فيه عقائد الأئمة الاثني عشر بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما أخرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذى بال. وما زادني اشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها.... ذلك لأنها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت، والحكمة حيث وجدت، والحكمة ضالة المؤمن، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الأثني عشر إلى الناحية الأخرى، تلك هي دراسة هذا المذهب في كتب أربابه وأن تعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم ومن البديهي أن رجال المذهب أشد معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في النفس.
وفضلاً عن ذلك فإن "الأمانة العلمية" التي هي من أوائل أسس "المنهج العلمي الحديث" – وهو المنهج الذي اخترته وجعلته دستوري في أبحاثي ومؤلفاتي حين أحاول الكشف عن الحقائق المادية والروحية – هذه الأمانة المذكورة تقتضي التثبت التام في نقل النصوص والدراسة الفاحصة لها. فكيف لباحث بالغاً من المهارة العلمية والفراسة التامة في إدراك الحقائق أن يتحقق من صحة النصوص المتعلقة بالشيعة والتشيع في غير مصادرهم !! إذن لارتاب في بحثه العلمي، وكان بحثه على غير أساس متين. 
ذلك ما دعاني أن أتوسع في دراسة الشيعة والتشيع في كتب الشيعة أنفسهم وأن أتعرف عقائد القوم نقلا عما كتبوه بأيديهم وانطلقت به ألسنتهم لا زيادة ولا نقص، حتى لا أقع في الالتباس الذي وقع فيه غيري من المؤرخين والنقاد حين تصدروا للحكم على الشيعة والتشيع وإن الباحث الذي يريد أن يدرس مجموعة ما من الحقائق في غير مصادرها الأولي ومظانها الأصلية إنما يسلك شططاً ويفعل عبثاً، ليس هو من العلم ولا من العلم في شيء.
ومثل هذا ما وقع فيه العلامة "الدكتور أحمد أمين" حين تعرض لمذهب الشيعة في كتبه. فقد حاول هذا العالم أن يجلي للمثقفين بعضاً من جوانب ذلك المذهب فورط نفسه في كثير من المباحث الشيعية، كقوله: إن اليهودية ظهرت في التشيع، وله: إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا وقوله بتبعيتهم لعبد الله بن سبأ...... وغير هذا من المباحث التي تثبت بطلانها وبراءة الشيعة منها، وتصدي لها علماؤهم بالنقد والتجريح، وفصل الحديث فيها العلامة محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه "أصل الشيعة وأصولها".
وقد سرني وأنا أتعقب مصادر الشيعة الإمامية وأصولها ومظانها الأولي أن ألتقي بصديق قديم وناشر عراقي كريم هو السيد مرتضي الرضوي الكشميري وبيده بعضاً من عيون كتب الشيعة قام بطبعها في دور الطباعة بالقاهرة. وكان مما أهداه إلى هذا الناشر الفاضل كتاب "وسائل الشيعة"، وغير هذا وذاك من عيون كتبهم في العقائد الشيعية والفقه الشيعي.
واليوم قدم إلىِّ السيد مرتضى الكشميري كتاباً جديداً للأستاذ محمد رضا المظفر عميد كلية الفقه في النجف الأشرف، ألفه في الإمامية. وطلب مني أن أكتب مقدمة لهذا السِّفر الجليل وأن أبدى رأيي الصريح حوله بعد أن أكد العزم على طبعه ونشره. وما كدت أتصفح هذا السِّفر حتى ملك عليَّ إعجابي للذي جمعه فيه مؤلفه بين العرض الدقيق لعقائد الإمامية والأداء الواضح المفصح عما يعنيه الكاتب. فلا يكاد الكتاب يمتعك بما حواه من عقائد الشيعة وتتبعها في صورة رتيبة منظمة وأدب مبوب مفصل حتى يبهرك بجمال عبارته وإشراف ديباجته. وهو فوق هذا وذاك يجمع بوجه عام بين الإفادة التامة التي يبغيها الباحثون في كتب الشيعة، والإيجاز والتركيز فيما يريد الكاتب أن يعرضه على قرائه. فالكتاب على هذا النحو الذي يعنيه المؤلف حين يعرض بين يديك عقائد الإمامية يعتبر مصدراً جامعاً مانعاً ملماً بأطراف الموضوع من جميع نواحيه وإن كان في غاية من التركيز والإيجاز.
ولست في هذا المقام أعنى بما كتبت إطراء الكاتب أو تقريظه بالمدح والثناء البالغ بقدر ما أنا أبغيه من إنصاف الحقيقة وتجليتها لقراء هذا السفر الصغير، فإن شيئاً من ذلك يعتبر في نظري من أوليات المبادئ العلمية التي يهدف إليها الباحثون حين يصورون الحقائق ويضعونها في موضعها اللائق بها.
لذلك فإني أعرض على القارئ الكريم صوراً جميلة مما حواه هذا السِّفر الصغير في حجمه ومبناه الضخم في أفكاره ومعانيه، وهذا السِّفر الذي شحنه مؤلفه بالأدلة والبراهين وطروزه بالحجج والشواهد من القرآن تارة ومن الحديث أخري، ومن أقوال الأئمة الأثنى عشر رضوان الله عليهم تارة أخري. هذه الصور الجميلة – التي سأعرضها عليك – لا أشك في أنها ستوقف القارئ المطلع كما استوقفتني وستستهويه كما استهوتني وإن لم يطالع هذا التقديم الذي كتبته، فكثيراً ما ترتبط المشاعر بين الباحثين والقراء وتتوحد أهدافهم في الحكم على الأفكار والمعاني لأن الحق واحد لا يتعدد ما دام القائلون به والحاكمون عليه يرسلون أحكامهم من زاوية عقولهم قبل قلوبهم، وأفئدتهم قبل أهوائهم، وماداموا ينصفون ولا يتعصبون.
ومن هذه الصور التي تستوقف القارئ مسألة القول بـ "الاجتهاد" عند الإمامية. فإن الصورة المتوارثة عن جهابذة أهل السنة أن الاجتهاد قفل بابه بأئمة الفقة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي وابن حنبل. هذا إذا عنينا الاجتهاد المطلق. أما ما حاوله الفقهاء بعد هؤلاء من اجتهاد لا يعدو أن يكون اجتهاداً في المذهب أو اجتهاداً جزئياً في الفروع. وأن هذا ونحوه لا يكاد يتجاوز عند أهل السنة القرن الرابع يحال من الأحوال أما ما جاء عن الغزالي في القرن الخامس، وأبو طاهر السلفي في القرن السادس، وعز الدين بن عبد السلام وابن دقيق العيد في القرن السابع، وتقي الدين السبكي والـ ... (كلمة تعمدنا حذفها) ابن تيمية في القرن الثامن، والعلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في القرن التاسع... فإن هذا ونحوه لا يتجاوز – في نظر المنهج العلمي الحديث – باب الفتوي ولا يدخل في شيء من الاجتهاد، وهو القدر الذي أوضحناه في كتابنا "تاريخ التشريع الإسلامي في مصر".
أما علماء الشيعة الإمامية فإنهم يبيحون لأنفسهم الاجتهاد في جميع صوره التي حدثناك عنها ويصرون عليه كل الإصرار ولا يقفلون بابه دون علمائهم في أي قرن من القرون حتى يومنا هذا. وأكثر من ذلك نراهم يفرضون بل يشترطون وجود :المجتهد المعاصر" بين ظهرانيهم ويوجبون على الشيعة إتباعه رأساً دون من مات من المجتهدين، مادام هذا المجتهد المعاصر استمد مقومات اجتهاده – أصولها وفروعها – ممن سلفه من المجتهدين وورثها عن الأئمة كابرا عن كابر. وليس هذا غاية ما يلفت نظري أو يستهوي فؤادي في قولهم بالاجتهاد. وإنما الجميل والجديد في هذه المسألة أن الاجتهاد على هذا النحو الذي نقرأه عنهم يساير سنن الحياة وتطورها ويجعل النصوص الشرعية حية متحركة، نامية متطورة، تتمشي مع نواميس الزمان والمكان، فلا تجمد ذلك الجمود الممضد الذي يباعد بين الدين أو بين العقيدة والتطور العلمي، وهو الأمر الذي نشاهده في أكثر المذاهب التي تخالفهم ولعل ما نلاحظه من كثرة عارمة في مؤلفات الإمامية وتضخم مطرد في مكتبة التشيع راجع – في نظرنا – إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه.
أما الصورة الثانية التي تلفت أنظار المفكرين وتغريهم إلى تتبع فوائد هذا المذهب وتحملهم على التعمق في مسائلة هي مناقشة علماء الشيعة الإمامية مسألة "الحسن والقبح" في الأشياء، وهل الشيء الحسن حسن بذاته وبحكم طبيعته، أم هو حسن لأن الله أمر به وأقره لعباده!! وكذلك يقولون في الشيء القبيح، أهو قبيح لذاته وطبيعته التي أودعت فيه، أم أن القبح جاء إليه من تحريم الله سبحانه وتعالى له.
فأنت حين تقرأ هذا وتتبع ما قاله المؤلف عن عقائد الإمامية تلحظ بنفسك قولهم بالرأي الأول في الحسن والقبح. فهما في نظر الشيعة بعامة والإمامية بخاصة جوهريان ذاتيان في الأشياء وليسا آنيين من قبل أمر الله ونهيه، وذلك نهج يستوقف نظر الكثيرين من الباحثين ويدعوهم إلى الدهشة وإطالة الفكر والتأمل.
أما نحن فلا نجد في ذلك أدني دهشة أو التباس في الأمر. ذلك أن الشيعة الإمامية كانوا يأخذون في الكثير من مواطن الأحكام الدينية بمنهج العقل بقدر أخذهم بمنهج النقل. وإن رأيهم في الحسن والقبح الذاتيين هو رأي جهابذة المعتزلة.
ويبقي هنا سؤال واحد يستلزم منا أن نجيبك عليه، هو: هل تأثر الشيعة بالمعتزلة؟ أم تأثر المعتزلة بالشيعة؟ فأما جمهور الباحثين فيرون أن الشيعة تأثروا بالمعتزلة في الأخذ بالمنهج العقلي. ولكني أزعم لك أن المعتزلة هم الذين تأثروا بالشيعة، وأن التشيع كعقيدة سابق على الاعتزال كعقيدة، وإن الاعتزال ولد ودرج في أحضان التشيع، وإن رؤوس الشيعة كانوا أسبق في الوجود من جهابذة المعتزلة. أزعم لك ذلك مادمنا نسلم بالحقائق التاريخية، ومادمنا لا نشك في أن الرعيل الأول من الشيعة أخذوا في الظهور منذ عصر الراشدين وتطوروا في خلافة الإمام على كرم الله وجهه في صورة لا تقبل الجدل. وما كاد الإمام يُستشهد ظلماً وعدواناً وينتقل إلى الدار الآخرة حتى أصبح للشيعة حزب يناهض جميع الأحزاب السياسية والدينية في الإسلام.
ومن هنا أستطيع أن أجلى للقارئ المتدبر أن التشيع ليس كما يزعمه المخرفون والسفيانيون من الباحثين مذهباً نقلياً محضاً أو قائماً على الآثار الدينية المشحونة بالخرافات والأوهام والإسرائيليات، أو مستمداً في مبادئه من عبد الله بن سبأ وغيره من الشخصيات الخيالية في التاريخ، بل التشيع – في نظر منهجنا العلمي الحديث – وعلى عكس ما يزعمه الخصوم تماماً، فهو المذهب الإسلامي الأول الذي عني كل العناية بالمنقول والمعقول جميعاً، واستطاع أن يسلك بين المذاهب الإسلامية طريقاً شاملاً واسع الآفاق. ولولا ما امتاز به الشيعة من توفيق بين "المعقول" و "المنقول" لما لمسنا فيهم هذه الروح المتجددة في الاجتهاد وتطوير مسائلهم الفقهية مع الزمان والمكان بما لا يتنافي مع روح الشريعة الإسلامية الخالدة.
ثم تعرض لمسألة عناية الشيعة بزيارة أضرحة الأئمة. وما يقع فيه العامة من غُلوا وإفراط وجهالات يجب التحذير منها والتنبيه إلي ما قد يحدث من مخالفات شرعية مردها إلى عاطفة إيمانية غير منضبطة بميزان الشرع إلا أن الدكتور/ حامد داود. لم يجنح إلى التكفير وإنما قال: أما سواد أهل السنة وجميع المعتدلين منهم فإنهم بالإجماع يوافقون أخوانهم الشيعة الإمامية في هذه العقيدة، لأن كلا الفريقين يعتقد أن الأولياء والأئمة وجميع في الأرض لا ينفعونك بشيء إلا بشيء أراده الله لك، فليس لهم تأثير ولا نفع ولا ضرر إلا بأذن الله، وعلى هذا الأساس فزيارة قبور هؤلاء الخواص إنما هو من قبيل التآسي بأخلاقهم والاقتداء بمآثرهم الطيبة والتماس العبرة والعظات في إحياء ذكراهم، وذلك مباح عند الفريقين.
وبعد أن ناقش قضية الجبر والتخيير وكيف خالف الشيعة الإمامية القدرية والجبرية والمفوضية: قال: فإذا كان الإمامية يقولون بمقالة الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: "لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين" فإنهم يتفقون مع أخوانهم أعلام السنة كل الاتفاق، ذلك أن أهل السنة يقولون بمثل مقالتهم، ويصرحون بأن للإنسان جزءاً اختيارياً، فهو ليس بالجبر المحض ولا بالخالق لأفعال نفسه. وأشهر القائلين بهذه المقالة الأمام أبو الحسن الأشعري وقد حاول الإمام فخر الدين الرازي أن يفلسف التوفيق بين مذهب الجبر ومذهب التفويض حتى أثر عنه أنه كان يقول: "الإنسان"  مجبر باطناً مخير ظاهراً". وهذه دقيقة لا تخفي على الراسخين في العلم والعارفين بتفاصيل العقائد الإسلامية.
وهناك صورة خامسة نختم بها حديثنا في هذه المقدمة، هي قول الإمامية في "البداء" ومعناه الظاهرة فعل الشيء ثم محوه وقد قال به الإمامية في حق الله تعالى حتى أثر عنهم: "ما عبد الله بشيء مثل القول بالبداء". ولما كان البداء من صفات المخلوقين لأن فعل الشيء ثم محوه يدل على التفكير الطارئ وعلى التصويب بعد الخطأ وعلى العلم بعد الجهل فإن كثيراً من المفكرين سفهوا عقول الشيعة في نسبة البداء إلى الله سبحانه والشيعة الإمامية براء مما فهمه الناس عن البداء، إذ المتفق عليه عندهم وعند علماء السنة أن علم الله قديم منزه عن التغيير والتبديل والفكير الذي هو من صفات المخلوقات، أما الذي يطرأ عليه التغيير والمحو بعد الإثبات فهو ما في اللوح المحفوظ بدليل قوله تعالي: (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ).
ولنضرب مثالاً لذلك يبين معني البداء عند الإمامية: فلان من الناس كتب عليه الشقاء في مستهل حياته، وفي سن الأربعين تاب إلى الله فكتب في اللوح المحفوظ من السعداء. فالبداء هنا محو: اسمه من باب الأشقياء في اللوح وكتابته في باب السعداء. أما ما في علم الله فيشمل جميع تاريخ هذه المسألة من إثبات ومحو بعد التوبة. أي أنه سبق في علم الله أن هذا الشخص سيكون شقياً ثم يصير سعيداً في وقت كذا حين يلهمه التوبة.
إن البداء الذي يقول به الإمامية هو قضية الحكم على ظاهرة الفعل الإلهي في مخلوقاته بما تتطلبه حكمته فهو قول بالظاهر المتراءى لنا وإذن فوجه الإشكال في الذين خطئوا الشيعة في قولهم بالبداء إنما جاء من زعمهم أن الشيعة ينسبون البداء إلى علم الله القديم لا إلي ما في اللوح المحفوظ.
ولعل بما قدمته لك من بيان صافٍ تكون وقفت معي على ما في عقائد الإمامية من وجاهة في قولهم بالبداء، وما في تفكيرهم من عمق في الحكم به لأن معناه – في نظري – أن الله سبحانه يطور خلقه وفق مقتضيات البيئة والزمان اللذين خلقهما وأودع فيهما سر التأثير على خلقه – ولو ظاهراً – أن القول بالبداء هو المقالة الوحيدة التي نستطيع بهديها أن نفسر لك سر الناسخ والمنسوخ في القرآن، كالحكمة فيما ورد من آيات تحريم الخمر، وكيف تدرج ذلك التحريم في صورة مراحل ليعالج سبحانه بذلك إعوجاج النفس البشرية ويخلصها من القيود العادة المستحكمة شيئاً فشيئاً حتى يتحقق لهذه النفس صلاحها، ولو حرمها مرة واحدة لكان في ذلك ما فيه من مشقة على النفس! فذلك هو اعتقاد الإمامية في البداء.
ويسرني أن أُنوه في هذا المقام ما أزمع القيام به من تقريب بين المذاهب الإسلامية في كتاب مفرد أرجو بتوفيق من الله أن أوضح فيه إلى أي حد تتفق هذه المذاهب في الجوهر والأهداف وإن اختلفت في المظهر والطرائق.
وبعد فإني أهنئ الأستاذ المؤلف فيما وفق فيه من الجمع بين المنقول والمعقول في عرض عقائد الإمامية، وفيما أتحف به قراء العربية من ثقافات عقيدية عن الإمامية جمع فيها بين الاحتجاج للرأي والإجادة في الأداء. وفي هذا القدر كفاية لمن أوتي حظاً من الإنصاف والتأمل.
دكتور حامد حفني داود – أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن والمشرف على الدراسات الإسلامية بجامعة "عليكرة" بالهند.
القاهرة في 17/6/1381 هـ  25/11/1961م
تمحيص للتعرف قبل الاعتراف
إنني وبكل صراحة ووضوح استأذن القارئ الكريم في أن أفكر نيابة عن المشاغبين والمتهوسين بصوت عالٍ.
كيف يحق لنا أن نعترف أو نمنح شهادات الإسلام إن كان لنا حق في إصدارها أو إلغائها نيابة عن الله ورسوله.
لطائفة لها قرآن غير قرأننا؟ وأركان للإيمان غير أركان إيماننا؟ وأنهم يحلون ما حرَّم الله في نكاح المتعة؟ ولا يتبعون أحدًا من أئمة المذاهب الأربعة لجمهورنا؟ ويؤلهون الأئمة من آل البيت. ويقولون في حق الله تعالى (بالبداء) ويتهمون أم المؤمنين عائشة في عرضها... إلى غير ذلك من الأراجيف والتخاريف والأباطيل التي لا سند لها ولا دليل ولا يقول بها أتباع المذهب الإمامي الجعفري الإثني عشري.
ولْيَسْمَحْ لي إخوتي في الله: ونحن على مشارف الدخول إلى ساحة الاعتراف أن أطرح بعض التساؤلات. نستبصر بها معالم الحق. ونستهدي بها أنوار الصواب. ونرفع أغشية الجهل. ونخلع رداء العصبية. نمحص الحقائق بحصافة ورصافة بكل أمانةٍ وصدق وأخلاص لدين الله تعالي.
فإن رأينا للأخر دليلاً شرعياً فيما ذهب إليه أو كان معتمدًا على ضرب من أضرب التأويل الذي يتحمله النص وتسوغه اللغة وفق قواعد الثقاتٍ من أهل العلم.
حمدنا الله تعالى أن أنجانا من سوء الظن بالمسلمين. لأننا لا نتقرب إلى الله تعالى بإخراج المسلمين من الإسلام وليست وظيفتنا الولوغ في التشهير والتنفير والتكفير وكأننا مندوبون عن مالك خازن النار. وسوف نتقاضي عمولة على الزبائن الذين سوف ننجح في تكفيرهم وتأهيلهم لدخول النار.

 
رمى بالكفر جمع المسلمينا  % وبالإشراك كلَّ الموحدينَا   
وأقسم لن يعودَ القدسُ إلا % بهذا فاعجبوا مما بُلِينَا 
أخي في الله: يا من تريد النجاة والفلاح لك ولأمتك.
يا من تعلم أن المرء لا يزال عالمًا ما طلب العلم. فإن ظن أنه قد علم فقد جهل. (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)
س: ما هي الكتب المعتمدة عند الشيعة الإمامية؟
س: هل اقتنيت أو طالعت بعضًا من هذه المراجع؟
س: هل لدي أحد من المسلمين نسخة من القرآن الخاص بالشيعة أو ما يروج عن "مصحف فاطمة" وهل عجزت المؤسسات السنيّة عن الحصول على نسخة منه؟
س: ثبت في الصحيح الذي أخرجه أصحاب الصحاح.
قول (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم أثنا عشر خليفة كلهم من قريش. "مسلم ج6: 4. البخاري ج8 : 105 و128".
فمن هم الأئمة الإثنا عشر الذين أخبر عنهم الصادق المصدوق؟
س: أجمع أهل العلم سلفًا وخلفًا على توثيق الإمام/ جعفر الصادق فأين مذهبه الفقهي؟ ولماذا تم تغييبه عن جماهير أهل السنة؟
س: ما هو الأصل في السنة وما كان عليه عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحبه؟ 
السجود على تربة الأرض أو على ما أنبتته مباشرة. أم على الموكيت والسجاد؟
س: هل أطلعت على تفسير قوله تعالي:
(وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)  (الجمعة: 3)
س: هل تعرف عدد أئمة الحديث والتفسير واللغة من العجم والفرس الذين خدموا دين الإسلام؟
إن هذه الأسئلة ما أحسبها إلا مفاتيح للأغلال والأقفال التي أوصدت القلوب واعتقلت العقول في موروثات مذهبية سياسية تاريخية بائدة لا وجود لها إلا في العقول الضيقة التي تعتمد على أساطير المُخرّفين ووهم الناقلين وحقد المتربصين.
الوحدة الإسلامية .. الفريضة الغائبة
إن الوحدة الإسلامية التي تقوم على كلمة التوحيد لتوحيد الكلمة هي الفريضة الغائبة التي لن يَسْتَرِدَّ المسلمون عزتهم وكرامتهم إلا في ظلها ولن تقوم لهم قائمة إلا تحت لوائها.
وإذا ما قلبنا الطرف وأمعَنَّا النظر في واقع المسلمين وموقفهم من هذه الفريضة الغائبة رفضاً أو تأييدًا لوجدنا في الأمة العربية والإسلامية ثلاثة أصناف من الناس.
أولاً: الصنف الأول
ويتمثل في الطغم الحاكمة المفروضة والمرفوضة.
الذين يرون في الوحدة الإسلامية الخطر الأكبر الذي يتهدد عروشهم ويزيل سلطتهم وسلطانهم. لأنهم سلبوا الله تعالى صفة الحاكمية فكيف تقبل خفافيش الظلام بزوغ أنوار الشريعة القرآنية وعودة التشريع للأحكام القرآنية والسنة النبوية.
وكيف لا؟ وأحكامهم فرعونية، ومشورتهم هامانيّة، ومراكبهم قارونية وطبائعهم جالوتية. وسياستهم أمريكية، ودسائسهم إبليسية فكيف تتوحد على أيديهم الأمة الإسلامية؟؟
ثانياً: الصنف الثاني
الصعافقةُ المفاليقُ المُتزَبِّبِين قبل أن يكونوا حِصْرُمَا من سماسرة الفتنة النافخين في نار الفرقة والمتمرسين في خندق المذهبية. بعلمٍ قليل وفهم كليل.
من أسرى الموروثات التاريخية الضاربة في أعماق تاريخ الأمة والتي يتم استخراجا وتوظيفها حسب الطلب وكلما دعت الظروف السياسية. تحول وعاظ السلاطين إلى نباشي قبور. ينبشون مقابر الخلافات وينفخون في صغائر الجدليات والفرعيات ويتولَّوْنَ كِبْرَ الفتنة على المنابر وعبر الفضائيات.
ومثل هذا النوع من البشر قَلَّما يخلو منه زمان أو مكان أو طائفة من الطوائف. وهم الذين تستثيرهم حمية الجاهلية دفاعًا عن الحالة المذهبية ويَرَوْن أن الدفاع عن المذهب ضرورة شرعية. ولا يتم ذلك إلا بنصب المَجَانيق وقطع الطريق وإعلان الحرب على أصحاب المذهب الأخر. ولا مانع لدي هؤلاء الصعافقة من التنابز بالأسماء الجاهلية والجِيَفِ العرقية والنعرات الجنسية التي دفنها دين الإسلام.
على النحو الذي ظهر على الساحات الإعلامية مؤخرَّا: من نعوت الفارسية. والمجوسية والفرعونية والناصبية والرافضة وغير ذلك من المُسمَّيات التي لا تتفق مع أخلاقنا الإسلامية وتعاليمه القرآنية والنبوية.
ثالثاً: النوع الثالث
علماء رساليون ربانيّون سقى اللهُ قلوبَهم من ماء الحكمة وصان السنتهم عند وقوع الفتنة فلم يخوضوا مع الخائضين ولم يركبوا موجة التكفير مراعاة للمناخ السياسي ورغبة الحاكمين. لم يستميلهم الزهو والشهرة وحب الظهور ليكونوا محل رضا وثناء العامة والدهماء لأنهم الأبطال الشجعان وفرسان الميدان المدافعون عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
ولكنهم أدركوا عظم المسئولية التي كلفهم الله بها وأمانة العلم التي اضطلعوا بها. فكانوا مفاتيح للخير مغاليق للشر يصدعون بكلمة الحق ولا يخشون في الله لومة لائم ولا هَمَّ لهؤلاء إلا جمع الكلمة وتوحيد الصف وإنقاذ هذه الأمة المستهدفة المستباحة الواقفة على شفير هوة الهلاك والضياع.
وهذا النوع من العلماء مغضوب عليهم من قِبَلِ كل نظام دخيل ولا يسلمون من القال والقيل والأذى والتنكيل.
الناس حرب على الطهار مُذْخُلِقوا .. يا شقوة الحُرّ في دنيا الأرقاء
شعارهم:
 
عندى ضمير لَسْتُ أرضى بيعه % بجميع ما في الأرض من أموالِ   
وتلك ضمائر لو أردت شراءَها % لأخذت أغلاها بنصف ريالِ 
أما النوعان الأوليان أعني (الطغم الحاكمة) (والصعافقة المفاليق) فإن الخوض معهما في قضية الوحدة وتأليف الأمة فإنه مضيعة للوقت مفسدة للفكر.
فهل يقبل أصحاب النوع الأول بالتخلي عن عروشهم وقروشهم ونفوذهم وحدودهم على دول ذات حدود مصطنعة. خطها أعداؤهم كقطع الشطرنج. فهل يُعقل أن يتنازل هؤلاء عن ملكية البلاد والعباد معًا في سبيل الوحدة الإسلامية؟
كذا النوع الثاني
أعنى الصعافقة (جمع صعفوق) وهو الذي يتصدر للتجارة والمزاد العلني والمناقصات وهو منتفخ بلا رأس مال.
والمفاليق: المتصدرين لمناصب ووظائف بلا قدرة ولا أهلية فاستُعير هذان الوصفان في ميدان العلماء والأدعياء وهؤلاء: لو جعلنا من الأقلام (إبَرًا) للتطعيم. ومِنَ المداد مصلاً للتلقيح. لمقاومة فيروسات اللدد والعناد ومن الأوراق العلمية فراشا ووسادًا ينامون عليه ولو حاولنا دعوتهم ليلاً ونهارًا وأعلنا لهم أو أسررنا أسرارًا ما كنوا لينقادوا للدليل أو البرهان. لأنهم يرون الحق وقفًا على جماعتهم وما عداه هو الباطل والضلال.
وإنما الذي يعنينا هم أصحاب النوع الثالث الذين ينشدون الحق ويريدون الخير والصلاح والفلاح. الحكمة ضالتهم يلتقطونها ولو وردت على لسان مخالفيهم.
وهؤلاء لهم ومعهم وبهم نبدأ معهم بتوفيق الله وعنايته مناقشة القضايا والمسائل الخلافيّة بين مدرستي الإمامة (الشيعة) والخلافة (السنة) وفق القواعد الأصولية والتحقيقات العلمية والله تعالى هو الهادى للصواب ومنه العون والتوفيق.
المسألة الأولي: قرآن الشيعة ومصحف فاطمة
في مقدمة الإيمانيات والمعتقدات التي تؤهل المسلم لدرجة الإيمان بعد الشهادتين. إيمانه الراسخ بالقرآن الكريم وأنه كلام الله القديم المنزل على قلب نبيّه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة الوحي المعصوم وهو المُتعبَّدُ بتلاوته التى تحدى الله تعالى به الإنس والجن المعجز في لفظه ومعناه. الذى تكفل الله تعالى بحفظه إلى يوم القيامة قال تعالي: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) من قال فيه بالتحريف أو الزيادة أو النقصان فقد كفر واليعاذ بالله تعالي.
وهذه مسألة عقدية لا يُسوَّغ فيها الخلاف ولا تحتمل أنصاف الحلول فما هي عقيدة الشيعة الإمامية في القرآن الكريم؟
بالإطلاع على أكثر من عشرين مرجعًا معتمدًا عند الشيعة الإمامية ثبت بكل يقين أن الثابت والمقرر بإجماع الأئمة والثقات أن القرآن المَنَّزل على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حفظه الله تعالى من انتحال المبطلين أو تحريف الواضعين والمُحّرفين فلا زيادة فيه ولا نقصان.
ومن الواضح أنه لا يجوز إسناد عقيدةٍ أو قولٍ إلى طائفةٍ من الطوائف إلاّ على ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة، وباعتماد مصادرها المعتبرة، وفيما يلى نقدّم نماذج من أقوال أئمة الشيعة الإمامية منذ القرون الأولي وإلى الآن، لتتّضح عقيدتهم في هذه المسألة بشكل واضح جلي.
1- يقول الإمام الشيخ الصدوق، محمّد بن على بن بابويه القمي، المتوفّى سنة 381هـ في كتاب (الاعتقادات): "اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة.. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب". (الاعتقادات 93).
2- ويقول الإمام الشيخ المفيد، محمدّ بن محمّد بن النعمان، المتوفّى سنة 413هـ في (أوائل المقالات): "باختصار"
إن النَصَّ القرآني مُصان من الزيادة والنقصان أمرٌ مقطوع به ولا عبرة ولا قيمة للأقوال الشاذة والآراء الباطلة التي خلطت ما بين التنزيل والتأويل ومثلها الأخبار التفسيرية التي تَوهَّم البعضُ نسبتهَا إلى الوحي القرآني. ولكنها أخبار أحاد لا نعتقد صحتها. ولا تؤثر في صحة وسلامة القرآن المحفوظ.
3- ويقول الإمام الشريف المرتضى، علىّ بن الحسين الموسوي، المتوفّى سنة 436هـ في (المسائل الطرابلسيات).
بعد أن أوضح أن العرب والمسلمين عُنوا وبالغوا في الإتقان والحماية لكتب الأنساب والتاريخ والأشعار وكتب اللغة فلا شك أن عنايتهم وضبطهم لكتاب ربهم أصدق وأبلغ ثم قال: "إنَّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك مضافٌ إلى قومٍ من أصحاب الحديث، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته" (مجمع البيان جـ 1: 83).
4- نقل ابن حزم: (الفصل في الملل والنحل) 4: 182 أن الشريف المرتضى وكذلك صاحباه أبو يعلى الطوسى وأبو القاسم الرازى، قد أكدوا سلامة كتاب الله تعالى من التحريف بالزيادة أو النقصان. وكفر من اعتقد بذلك.
5- ويقول الإمام الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، المعروف بشيخ الطائفة، المتوفّى سنة 460هـ في مقدمة تفسيره (التبيان): الذي قال بهذا المعنى "وأن هذا هو معتقد مذهب الإمامية "التبيان 1: 3".
6- ويقول الإمام الشيخ الطبرسي، أبو على الفضل بن الحسن المتوفى سنة 548هـ، في مقدمة تفسيره (مجمع البيان): "ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فمجمعٌ على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً؛ والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء "مجمع البيان 1: 83".
7- ويقول الإمام العلاّمة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهر، المتوفّى سنة 726هـ في (أجوبة المسائل المهناوية) حيثُ سُئل ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز، هل يصحّ عند أصحابنا أنه نقص منه شيءٌ، أو زيد فيه، أو غُيِّر ترتيبه، أم لم يصحّ عندهم شيءٌ من ذلك؟
فأجاب: "الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعْتَقَد مثل ذلك وأمثال ذلك، فأنّه يُوجِب التطرّق إلى معجزة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المنقولة بالتواتر".
8- ويقول الإمام الشيخ البهائي، محمد بن الحسين الحارثي العاملي، المتوفّى سنة 1030هـ، كما نقل عنه البلاغي في (آلاء الرحمن): "الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظٌ عن التحريف، زيادةً كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالى: ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين u منه في بعض المواضع، مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ – فى علىّ-) وغير ذلك، فهو غير معتبرٍ عند العلماء" (آلاء الرحمن: 1: 26).
9- ويقول الإمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء، المتوفّى سنة 1228هـ في (كشف الغطاء): "لا ريب في أنّ القرآن محفوظٌ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح الفرقان، وإجماع العلماء في جميع الأزمان وأن القول بغير ذلك هو عين البطلان ومن أعظم المطاعن في الإسلام "كشف الغطاء: 229".
10- ويقول الإمام المجاهد السيد محمد الطباطبائي، المتوفّى، المتوفى سنة 1242هـ في (مفاتيح الأصول): "لا خلاف أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققّي أهل السنة، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم، ممّا توفّرت الدواعي على نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر، يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً" "البرهان: 120.
11- ويقول الإمام الشيخ محمد جواد البلاغي، المتوفّى سنة 1352هـ في (آلاء الرحمن): "ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه، فلا تُقِم لتلك الروايات وزناً، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين، وفيما جاءت به في مروياتها الواهية من الوهن، وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شَبَه به" "البيان في تفسير القرآن 259.
12- ويقول الإمام الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، المتوفّى سنة 1373هـ في (أصل الشيعة وأصولها): "إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين، هو الكتاب الذي أنزل الله إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) للإعجاز والتحدّي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم، ومن ذهب منهم، أو من غيرهم من فرق المسلمين، إلى وجود نقصٍ فيه أو تحريفٍ، فهو مخطئ، يَرُدّهُ نص الكتاب العظيم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر 15: 9).
والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه، ضعيفة شاذّة، وأخبار آحاد لا يفيد علماً ولا عملاً، فأمّا أن تُووّل بنحوٍ من الاعتبار أو يُضْرَب بها الجدار" "أصل الشيعة وأصولها (101).
13- ويقول الإمام السيد أبو القاسم الموسى الخوئى، المتوفّى سنة 1413هـ، في (البيان في تفسير القرآن): "المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد صرح بذلك كثير من الأعلام، منهم رئيس المحدثين الشيخ الصدوق محمد بن بابويه، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية".
ويقول أيضاً: " إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقٌ التأمّل، أو من ألجأه إليه من يحبّ القول به، والحبّ يعمى ويصمّ، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته" "البيان 259".
14- يقول الإمام الخمينى المتوفّى سنة 1409هـ: "إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه، قراءةً وكتابةً، يقف على بطلان تلك الروايات المزعومة. وما ورد فيها من أخبار – حسبما تمسّكوا به – إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به، أو موضوع تلوح عليه إمارات الوضع، أو غريب يقضي بالعجب، أمّا الصحيح منها فيرمي إلى مسألة التأويل، والتفسير، وإنّ التحريف إنّما حصل في ذلك، لا في لفظه وعباراته "تهذيب الأصول 2: 165.
روايات فيها مقولات
1- يقول الشيخ الأستاذ محمّد جواد مغنية: "إنّ الشيعة تعتقد أنّ كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم، ومنها (الكافي) و(الاستبصار) (التهذيب) و(من لا يحضره الفقيه) فيها الصحيح والضعيف، وإنّ كتب الفقه التي ألّفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ كلّ ما فيه حقٌّ وصوابٌ من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم، فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجهً على مذهبهم ولا على أيّ شيعي بصفته المذهبية الشيعية، وإنّما يكون الحديث حجّةًً على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية".
ويكفي أن نذكر هنا أنّ كتاب الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفّي 329هـ، وهو من الكتب الأربعة التي عليها المدار في استنباط الأحكام الشرعية، يحتوى على ستة عشر ألفاً وماءتي حديث، صنفوا أحاديثه – بحسب الاصطلاح – إلى الصحيح والحسن والموثق والقوي والضعيف.
2- لا يجوز نسبة القول بالتحريف إلى الرواة أو مصنفي كتب الحديث، لأنّ مجرد رواية أو إخراج الحديث لا تعني أنّ الراوي أو المصنّف يعتقد بمضمون ما يرويه أو يخرجه، فقد ترى المحدث يروي في كتابه الحديثي خبرين متناقضين يخالف أحدهما مدلول الآخر بنحو لا يمكن الجمع بينهما، فالرواية إذن أعم من الاعتقاد والقبول والتصديق بالمضمون، وإلاّ لكان البخاري ومسلم وسواهما من أصحاب الصحاح والمجاميع الحديثة، وسائر أئمّة الحديث، وجُلّ الفقهاء والعلماء عند فرق المسلمين، قائلين بالتحريف، لأنّهم جميعاً قد رووا أخباره في كتبهم وصحاحهم ! والأمر ليس كذلك بالتأكيد، فلو صحّ نسبة الاعتقاد بما يرويه الرواة إليهم للزم أن يكون هؤلاء وغيرهم من المؤلّفين ونقلة الآثار يؤمنون بالمتعارضات والمتناقضات، وبما يخالف مذاهبهم ومعتقداتهم، ماداموا يروون ذلك كلّه في كتبهم الحديثية، وهذا ما لم يقل به ولا أدعاه عليهم ذو مسكة إذا أراد الإنصاف.
3- إنّ ذهاب بعض أهل الفرق إلى القول بتحريق القرآن، أو إلى رأي يتفرّد به، لا يصحّ نسبة ذلك الرأيٍ إلى تلك الفرقة بأكملها، لاسيما إذا كان ما ذهب إليه قد تعرّض للنقد والتجريح والإنكار من قبل علماء تلك الفرقة ومحقّقيها، فكم من كتبٍ كُتِبت وهي لا تعبّر في الحقيقة إلّا عن رأي كاتبها ومؤلّفها، ويكون فيها الغثّ والسمين، وفيها الحقّ والباطل، وتحمل بين طيّاتها الخطأ والصواب، ولا يختصّ ذلك بالشيعة دون سواهم، فذهاب قوم من حشوية العامّة إلى القول بتحريف القرآن لا يبرّر نسبة القول بالتحريف إلى أهل السنة قاطبة، وذهاب الشيخ النوري المتوفي 1320 هـ إلى القول بنقص القرآن لا يصلح مبرّراً لنسبة القول بالتحريف إلى الشيعة كافة، وكذا لا يصحّ نسبة أقوال ومخاريق ابن تيميّة التي جاء بها من عند نفسه وتفرّد بها إلى أهل السنة بصورة عامة سيما وإنّ أغلب محققيهم قد أنكروها عليه، فإذا صحّ ذلك فأنّما هو شطط من القول وإسراف في التجنّي وإمعان في التعصّب ومتابعة الهوى.
وإن العلماء الأجلاء والمحققين من الشيعة ذكروا أن جميع الروايات التي أوهمت الزيادة في القرآن. معتقد بطلانها ورفضها للأسباب التالية:
1- أنّها مصادمةٌ لما عُلِم ضرورةً من أنّ القرآن الكريم كان مجموعاً على عهد النبوّة.
2- أنّها مخالفةٌ لظاهر الكتاب الكريم حيثُ قال تعالي: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
3- أنّها شاذّةٌ ونادرةٌ، والروايات الدالة على عدم التحريف مشهورةٌ أو متواترةٌ، كما أنّها أقوى منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالة.
4- أنّها أخبار آحاد، ولا يثبت القرآن بخبر الواحد، وإنّما يثبت بالتواتر، كما تقّدم في أدلّة نفي التحريف، وقد ذهب جماعة من أعلام الشيعة الإمامية إلى عدم حجّية الآحاد مطلقاً، وإنّما قيل بحجّيتها إذا اقتضت عملاً، وهي لا تقتضي ذلك في المسائل الاعتقادية ولا يُعبأ بها.
أهل السُنّة ينفون التحريف
إنّ المعروف من مذهب أهل السُنّة هو تنزيه القرآن الكريم عن الخطأ والنقصان، وصيانته عن التحريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وفي كتب علوم القرآن، إلّا أنّه رويت في صحاحهم أحاديث يدلّ ظاهرها على التحريف، تمسّك بها الحشوية منهم، فذهبوا إلى وقوع التحريف في القرآن تغييراً أو نقصاناً، كما أشار إلى ذلك الطبرسي في مقدمة تفسيره (مجمع البيان)، وقد تقدّم قوله في تصريحات أعلام الإمامية.
ولاشكّ أنّ ما كان ضعيفاً من هذه الأحاديث فهو خارج عن دائرة البحث، وأمّا التي صحّت عندهم سنداّ، فهي أخبار آحاد، ولا يثبت القرآن بخبر الواحد، على أنّ بعضها محمولٌ على التفسير، أو الدعاء، أو السُنّة، أو الحديث القدسي، أو اختلاف القراءة، وأمّا ما لا يمكن تأويله على بعض الوجوه، فقد حمله بعضهم على نسخ التلاوة، أي قالوا بنسخه لفظاً وبقائه حكماً، وهذا الحمل باطلٌ، وهو تكريٌس للقول بالتحريف، وقد نفاه أغلب محققيهم وعلمائهم على ما سيأتي بيانه في محلّه إن شاء الله تعالى، وذهبوا إلى تكذيب وبطلان هذه الأحاديث لاستلزامها للباطل، إذ إنّ القول بها يفضي إلى القدح في تواتر القرآن العظيم.
يقول عبد الرحمن الجزيري: "أمّا الأخبار التي فيها أنّ بعض القرآن المتواتر ليس منه، أو أنّ بعضاً منه قد حُذِف، فالواجب على كلِّ مسلم تكذيبها بتاتاً، والدعاء على راويها بسوء المصير (الفقه على المذاهب الأربعة 4: 260).
ويقول ابن الخطيب: "على أنّ هذه الأحاديث وأمثالها، سواء صحّ سندها أو لم يصحّ، فهي على ضعفها وظهور بطلانها، قلّة لا يعتدّ بها، مادام إلى جانبها إجماع الأُمّة، وتظاهر الأحاديث الصحيحة التي تدمغها وتظهر أغراض الدين والمشرّع بأجلى مظاهرها (الفرقان: 163).
وجماعة منهم قالوا بوضع هذه الأحاديث واختلاقها من قبل أعداء الإسلام والمتربصّين به، يقول الحكيم الترمذي: "ما أري مثل هذه الروايات إلّا من كيد الزنادقة".
ويقول الدكتور مصطفي زيد: "وأمّا الآثار التي يحتجّون بها... فمعظمها مروي عن عمر وعائشة، ونحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار بالرغم من ورودها في الكتب الصحاح، وفي بعض هذه الروايات جاءت العبارات التي لا تتّفق ومكانة عمر وعائشة، ممّا يجعلنا نطمئنّ إلى اختلاقها ودّسها على المسلمين" (النسخ في القرآن 1: 283).
إذن، فهم موافقون للشيعة الإمامية في القول بنفي التحريف، فيكون ذلك ممّا اتّفقت عليه كلمة المسلمين جميعاً.
نماذج من هذه الروايات عند أهل السنة
الأُولي:  أنّ  سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة:
1- رُوي عن عائشة: "أنّ سورة الأحزاب كانت تُقْرأ في زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مائتي آية، فلم نقدر منها إلّا على ما هو الآن". وفي لفظ الراغب: "مائة آية" (الاتقان 3: 82 القرطبي 14: 113. الدر المنثور 6: 560).
2- ورُوي عن عمر وأُبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس: "أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم" (الإتقان 3: 82 أحمد والمستدرك، القرطبي، الكشاف.
3- وعن حذيفة: "قرأتُ سورة الأحزاب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسيتُ منها سبعين آية ما وجدتها (الدر المنثور 6: 559).
الثانية: لو كان لابن آدم واديان:
روي عن أبي موسى الأشعري أنّه قال لقرّاء البصرة: "كنّا نقرأ سورة نُشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغي وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب" (صحيح مسلم 2: 726/ 1050).
الثالثة: سورتا الخلع والحفد:
روي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأُبي بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة، وأنّ أبا موسى الأشعري كان يقرأهما.. وهما:
1- "اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثنى عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك".
2- "اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشي عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق".
(مناهل العرفان 1: 257 – روح المعاني 1: 25 وغيرهما)
الرابعة: آية الرجم:
روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب، قال: "إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم.. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. فإنّا قد قرأناها" (المستدرك 4: 259 أحمد 1: 23 و29 و40 الطبقات لابن مسعد 3: 234).
وأخرج ابن أشته في (المصاحف) عن الليث بن سعد، قال: "إنّ عمر أتي إلى زيدٍ بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لأنّه كان وحده" (الاتقان 3: 206).
وقد حمل ابن حزم آية الرجم في (المحلى) على أنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه، وهو حملٌ باطلٌ، لأنّها لو كانت منسوخة التلاوة لما جاء عمر ليكتبها في المصحف، وأنكر ابن ظفر في (الينبوع) عدّها ممّا نسخ تلاوةً، وقال: "لأنّ خبر الواحد لا يُثبت القرآن" (البرهان للزركشي 2: 43).
الخامسة: آية الجهاد:
رُوي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: "ألم تجد فيما أُنزل علينا: أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة، فأنا لا أجدها؟ قال: أُسقطت فيما أسقط من القرآن". (الاتقان 3: 84 كنز العمال حديث 4741).
السادسة: آية الرضاع:
رُوي عن عائشة أنّها قالت: كان فيما أُنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهنّ ممّا يقرأ من القرآن" (صحيح مسلم 2/1075 – الترمذي 3: 456 – المصنف الضعاني جـ 7).
السابعة: آية رضاع الكبير عشراً:
رُوي عن عائشة أنَّها قالت: "نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها" (مسند أحمد 6: 269 المحلى 11: 235 الجامع لأحكام القرآن14).
ثم إنّ هذا الحكم – في رضاع الكبير عشراً – قد انفردت به عائشة، وعارضها فيه سائر أزواج (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تأخذ واحدة منهنّ بقولها في ذلك، وأنكره أيضاً ابن مسعود على أبي موسى الأشعري، وقال: "إنّما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم" فرجع أبو موسى عن القول به (جامع بيان العلم 2: 105).
الثامنة: آية الصلاة على الذين يصلون في الصفوف الأُولي:
عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: "قرأت علىّ أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولي. قالت: "قبل أن يغيّر عثمان المصاحف" (الاتقان3: 82).
واختصاراً لردود هذه المرويات أنها من مكتوباتهم في حاشية مصاحفهم حرصًا منهم على تسجيل ما يسمعونه من المرشد الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فحدث هذا الاختلاط.
وأخيراً فإنّ الملاحظ على كثير ممّا أدّعي أنّه من القرآن مخالفته لقواعد اللغة وأُسلوب القرآن الكريم وبلاغته السامية، ممّا يدل على أنّه ليس بكلام الخالق تعالى، وليست له طلاوته، ولا به حلاوته وعذوبته، وليست عليه بهجته، بل يتّبرأ من ركاكته وانحطاطه وتهافته المخلوقون، فكيف برب العالمين، وسمّو كتابه المبين؟!
الصافي يرد على الخطيب في مفترياته
عندما ألَّفَ محب الدين الخطيب كتابه [الخطوط العريضة] وحشاه بالأكاذيب والمفتريات والأباطيل وقد أحسن العلامة الشيخ/ لطف الله الصافي في أفحامه وكشف آثامه ومما ذكره بشأن قضية تحريف الشيعة للقرآن صـ65.
وأمّا الشيعة فلم يقل أحد منهم بنقص سورة من القرآن، ولا بزيادة سورة أو آية أو كلمة عليه، وليس في رواياتهم ما يدل على نقص سورة أو زيادتها.
والسورة التي نسب اختلاقها إلى الشيعة، وسماها سورة الولاية؛ لا تري في أصول الشيعة وكتبهم منها عيناً ولا أثراً، والشيعة وفيهم ألف من زعماء فن البلاغة والأدب والمشهورين أرفع وأجلُّ من أن يلصقوا بكرامة القرآن هذه الجمل التي يظهر فيها أثر الوضع ويعرف ضعف تأليفها، وخروجها عن أسلوب القرآن من كان له أنسٌ بكلام الفصحاء والبلغاء.
ولا عجب من نسبة محبِّ الدين هذا الافتراء إلى الشيعة فإنه جعل هذا دأبه في كتابه، ولا يضرُّ الشيعة ذلك بعد كون كتبهم ومصنَّفاتهم في معرض مطالعة العلماء، ولكن العجب منه أنه قال ولم يخف من ظهور كذبه عند الناس كالشمس في رابعة النهار: (وممّا استشهد به هذا العالم النجفي على وقوع النقص من القرآن إيراده في ص 180 من كتابه سورة تسميها الشيعة "سورة الولاية" مذكور فيها ولاية على "إلى إن قال" فكما أثبتها الطبرسي في كتابه فإنَّها ثابتة أيضاً في كتابهم "دبستان مذاهب" باللغُّة الإيرانيّة لمولّفه محسن فاني كشميري، وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة.
فانظر ما في كلامه هذا من الكذب الفاحش والافتراء البيَّن:
1- ليس في "فصل الخطاب" لافي ص 180 غيرها من أول الكتاب إلى آخره ذكرٌ لهذه السورة المكذوبة على الله تعالى التي يقول الخطيب:
"إن الشيعة تسمِّيها سورة الولاية مذكورة فيها ولاية علىٍّ "يا أيُها الذين آمنوا آمِنوا بالنبيِّ والوليِّ اللَّذين بعثناهما يهديانكم إلى الصِّراط المستقيم إلخ".
2- ما معني المصحف الإيراني أيُّها الخطيب؟ ألا تستحي من الله تعالى؟
ما هذا المصحف الذي لم يعرفه الإيرانيون، ولم يوجد بعد عند خاصتهم وعامتهم، ولم يطَّلع عليه أحد إلاّ محمد على سعودي المصري عند "براين" المسيحي؟
أيها العلماء، أيها المصنفون، أيها المصلحون.
ما هذه الافتراءات وما عذر الخطيب وناشر كتابه محمد نصيف.. من أهالي جدة – الحجاز وأمثالهما عند الله تعالى؟
وما يريدون بانتشار هذه الأكاذيب؟
وما يطلبون من شيعة أهل البيت؟
وما عذر من يتغافل من زعماء السنِّيين وعلمائهم وحكوماتهم عمّا يرد من هذه الأقلام على الإسلام والمسلمين من الضرر والفشل؟
أليس في إخواننا أهل السنَّة والجماعة من يرُشدهما إلى ما فيه مصلحة نفسيهما، ومصلحة أمهتما. ومصلحة المسلمين؟
أيُّها المسملون اسألوا من إخوانكم السنيِّين من أهالي إيران ومن ألوفٍ من الذين زاروا إيران ويزورونها في كلِّ شهر ويوم هل سمعتم بمصحف غير هذا المصحف المطبوع المشهور في جميع الأقطار؟
أم هل وجدتم عند إيرانيٍّ كتاباً يعتقد أنه وحي إلهيٌّ يقرأه آناء الليل وأطراف النهار غير القرآن ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ويؤمن به جميع المسلمين؟
ولكن: إذا قلَّ دين المرء قلَّ حياؤه، ولا يستحي من الكذب من اعتاده، ولا يخاف من تشويه سمعة الدين، وإيراد الطعن على الكتاب المبين من لا يعقل ما يقول أو باع دينه بدنياه، واعتنق خدمة أعداء المسلمين.
الإيرانيون أشدُّ احتراماً للقرآن المجيد ولآياته وكلماته وحروفه، أسواقهم ومجالسهم وإذاعاتهم وبيوتهم، ومدارسهم وكلياتهم عامرة بقراءته، لهم في كل قرية وبلد مجالس ومدارس لتعليم التجويد وقراءة القرآن والتفسير، يهتمون بتعلم القرآن كمال الاهتمام، ويشجِّعون أولادهم على قراءته، لم يسمع أحد منهم لا قديماً ولا حديثاً بهذا المصحف الذي تقول به ولم يطَّلع عليه أحد من علمائهم ولا آدّعي رؤيته من كان فيهم من أهل البحث والتنقيب.
نعم يوجد عندهم وفي مكتباتهم الكبيرة مثل مكتبة "آستان قدس" في المشهد الرضوي وغيرها أقدم النسخ المخطوطة من القرآن وأنفسها يرجع تاريخ كتابتها إلى إصدار الإسلام، وتنسب كتابة بعضها إلى سيدنا الإمام أمير المؤمنين، وبعضها إلى الإمام السبط الحسن المجتبي، وبعضها إلى الإمام على بن الحسين زين العابدين (ع) لا تجد في هذه النسخ اختلافاً مّا لا تجد فيه هذه النسخ اختلافاً ما حتى في حرف واحد من هذه المصاحف المطبعة إلاّ في رسم الخط.
حكاية مصحف فاطمة
معلومٌ لغةً أنَّ كلَّ ما يُصَحَّف من الكلام في صفحاتٍ مجموعة يُسَمَّي مصحفًا.
ولقد جَمَعَ الإمام على u كتابًا يتضمن شروحاتٍ وتفسيرات للقرآن الكريم. كما يشتمل على الحكم، والمواعظ، والعبر والأحكام فكان هذا عند زوجه فاطمة الزهراء u فكان يعرف عند أبنائها بمصحف فاطمة.
كما جمع بعده كتابا في الديات وعرف بالصحيفة ولكن هذين المصحفَيْن لَيْسَا بقرآن خلاف القرآن المجيد وقد أشار الإمامان البخاري ومسلم إلى هذه الصحيفة في أكثر من موضع.
ما روي عن أمير المؤمنين على t. قال: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله تعالى غير هذه الصحيفة. قال: فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات (الديات).... "الحديث كتاب الفرائض 4: 49" ومسلم: باب فضل المدينة كتب الحج. جـ1: 50.
كما أخرج ذلك الإمام أحمد بن حنبل أكثر من رواية عن هذه الصحيفة في مسنده (جـ1 100).
كما أطلق على ماّ جمعه الإمام السجاد من أدعية (الصحيفة السجادية) المشهورة فهل يليق بمسلم يعلم أنه موقوف ومسئول بين يدي الملك الجبار يوم تكشف الأستار أن يبلغ به اللدد والتعصب البغيض أن يرمي شريحة عظمي من المسلمين بهذه الأباطيل والمفتريات التي تسيء إلى كتاب المسلمين المهيمن وتنسف قداسته وتبدد عصمته وتشوه مكانته لدي أبناء الإسلام أولاً وأعدائه المتربصين به ثانياً.
الواجب على المسلم
إن الواجب يملي على كل مسلم غيور على الدين والقرآن أن يدفع عن الكتاب الكريم هذه الشبهة، وأن يحتاط في نسبة القول بالتحريف أو التشكيك في القرآن إلى أحد من المسلمين، ويعلم أنه مسئول عند الله تعالى عمّا يقول ويكتب.
وكان الأولى بالخطيب أن يتمسك بأقوال العلماء ذوي الاختصاص والمهارة من الشيعيِّين والسنِّيِّين في صيانة القرآن من النقصان والزيادة، لا أن يركض وراء القول بالتحريف، ويسجل ذلك على طائفة كبيرة من المسلمين.
وقد أراد الخطيب بذلك تشويه سمعة التشيُّع، ولم يعلم أنه شوَّه سمعة الدين، وضرب الكتاب المبين، وخدم أعداء الدين، وفتح السبل أمام شبهات المبشِّرين، وقد نسي هذا الكاتب أنه يهدم بهذه الفرية قداسة القرآن ويُقدم أعظم خدمة لأعداء الإسلام والمتطاولين الحاقدين على دين خير الأنام.
خاتمة المبحث
لقد تبيّن من ثنايا البحث أنّ جميع المزاعم التي تذرّع بها المتربصّون بالإسلام للقول بتحريف القرآن الكريم والكيد بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تكفلت العناية الربانيّة بحفظه وصيانته، قد ذهبت أدراج الرياح، وما هي إلاّ كرمادٍ بقيعةٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصفٍ، من خلال الأدّلة الحاسمة التي ذكرناها والتي تؤكّد عدم وقوع التحريف في الكتاب الكريم، وأنّه بقي وسوف يبقي بإذن الله مصوناً من كلِّ ما يوجب الشكّ والريب.
فقد وقف علماء الشيعة وعلماء أهل السُنّة عموماً من روايات التحريف موقفاً سلبياً، ورفضوا القول بمضمونها وفنّدوه بما لا مزيد عليه، ورأوا في هذه الأخبار أنّها أخبار آحاد لا يمكن الاعتماد عليها في أمر يمسّ العقيدة التي لا بدّ فيها من الأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة، ولا تكفي فيها الظنون ولا أخبار الآحاد. هذا بالإضافة إلى وجوه ضعف أخري تعاني منها هذه الأخبار، سواء من حيث دلالتها أو من حيث ظروف صدورها، أو من حيث مرامي وأهداف وتوجّهات من صدرت عنهم.
موقفُ الشيعة من السنة النبَّوية
السنة النبوية عند الشيعة الإمامية هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم.
فما هي السنة؟ وما هي الكتب المعتمدة عندهم؟ وهل عني الإمامية بعلوم الحديث دراية ورواية؟ وهل في أسانيدهم من يوثقه أهل السنة؟
يُعرّف علماء الحديث السنةَ النبوية بأنها تتمثل في كل ما صدر عن النبّي المعصوم (صلى الله عليه وآله وسلم) من قولٍ أو فعلٍ، أو تقرير، أو صفة والمعني اللغوي للسنة: هي الطريقة والمنهج    لذلك: ما كان لآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجهلوا سنة نبيهم، ولا أن يخالفوا منهج رسولهم لأن أهل البيت أدري بسنة رب البيت والأحرص على التأسي به والاقتداء بسنته فآل بيت المصفي (صلى الله عليه وآله وسلم) هم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى وربابنة سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك وهوى. لا يرتاب أحدٌ من المسلمين في غزارة علمهم. وعُلوّ مقامهم. وحبهم لنبيهم وخوفهم من ربهم. وقد فرض القرآن مودتهم، وأوجب الرحمن ولايتهم.
وقد أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا وأورثهم علم الكتاب لا يخالفونه ولا يفارقونه حتى يردَا الحوضَ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله وسلم.
كما أخبر بذلك الصادق المصدوق (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث [الثقليْن] تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا "الترمذي ج 2: 329".
وقال أيضاً: تركت فيكم الثقلين، ما إن تمكستم بهما، لن تضلوا بعدي أبدًا. كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
وهذا الحديث صحيح ثابت أخرجه المحدثون من الفريقين السنّة والشيعة. ورووه في مسانيدهم وفي صحاحهم عن طريق ما يزيد على ثلاثين صحابياً.
وهذه قائمة وجيزة عن رواة هذا الحديث من علماء السنة:
1- صحيح مسلم كتاب فضائل على بن أبي طالب ج 7 ص122.
2- صحيح الترمذي ج 5 ص 328.
3- الإمام النسائي في خصائص ص 21.
4- الإمام أحمد بن حنبل ج 3 ص 17.
5- مستدرك الحاكم ج 3 ص 109.
6- كنز العمَال ج 1 ص 154.
7- الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 194.
8- جامع الأصول لإبن الأثير ج 1 ص 187.
9- الجامع الصغير للسيوطي ج 1 ص 353.
10- مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 163.
11- الفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451.
12- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج 2 ص12.
13- تاريخ ابن عساكر ج 5 ص 436.
وقال أيضًا:
" مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلَف عنها غرق لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تتخلَفوا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.
الصواعق المحدقة لابن حجر ص 136 وص 227 الجامع الصغير للسيوطي ج2 ص 132 مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17 ص 366 حلية الأولياء ج 4 ص306 مستدرك الحاكم ج 3 ص 151 تلخيص الذهبي – المعجم الصغير للطبراني ج 2.
وورد أيضاً عنه(صلى الله عليه وآله وسلم):
"يا أيها النّاس إني تارك فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا كتَاب الله وعترتي أهل بيتي" (الترمذي 5: 328 الحاكم جـ3 ص 148، أحمد 5: 189).
قال الزمخشري في هذا الصدد:

 
كثُر الشك والإختلاف وكلً

 % يدّعي أنّه الصراط السّوي

   
فتمسّكتُ بلا إله إلاَّ اللهُ

 % وحبّي لأحمد وعلي

   
فازَ كلبُّ بحبّ أصحاب كهف

 % فكيفَ أشقى بحبّ آل النّبي

 

ومما هو مُقَّرر وثابتٌ عند أهل العلم أن السنة النبوية لم تسلم من الوضع والدس والتحريف لأسباب كثيرة من أهمها العوامل والمؤثرات السياسية والخلافات المذهبية والروافد الإسرائيلية والترغيب في فضائل الأعمال التعبُّدية والسور القرآنية هذا فضلاً عن انتشار الأصحاب في البقاع والأصقاع وإنصافًا للحق والحقيقة فإن أصحاب المدرستين [مدرسة الخلافة أهل السنة] [ومدرسة الإمامة الشيعة الإمامية الجعفرية] هم الطائفتان اللتان مُلئت كتبهما بالأحاديث الضعيفة والموضوعة بينما أُخِذ على طائفتي الخوارج والمعتزلة الشطط والغلواء في فتنة الاستنباط وتأويل النصوص.
وكما أن الله تعالى حفظ كتابه فقد قَيَّض للسنة النبوية أئمة وعلماء ربانيين عملوا على غربلة السنةِ ونخلها وفحصها وتمحيصها وتنقيتها من كل غريب ودخيل.
ونشأت علوم الحديث التي تعني بالدراية والرواية (المتون والأسانيد) وعلوم الرجال. والجرح والتعديل... إلى أخر هذه العلوم.
وكان للعلماء والحفاظ من الشيعة الإمامية صولات وجولات في هذا الميدان حرصًا على تدوين ما ثبت صدوره عن أئمة أهل البيت t فيما يروونه عن جدهم المصطفي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكن هذه المرويات قد أقيمت في وجوهها الأسوار. وضُرب حولها ألف حصارٍ وحصار. بِسَبَبِ القيود والموانع السياسية والأوامر الحاكمية.
نعم ألف نعم: إن فقه آل البيت. قد غابَ أو غُيبَ عن الساحة الإسلامية بأوامر وأسباب تتعلق بأمن وسلامة ما رأوه المصلحة العليا للدولة.
وحسبنا أن نعلم أن تهمة موالاة أهل البيت أو مناصرتهم أو المجاهرة بحبهم. كانت تُعَدُّ جريمةَ أمن دولة توصل صاحبَها إلى أعواد المشانق أو سيف الجلاد.
وأنَّي لفقههم ورواياتهم أن ترى النور أو يسمح لها بالظهور وعلى مدار إثنين وثمانين عامًا هي عمر الدولة الأموية.
كان أئمة آل البيت الأطهار وعترته الأخيار يُلْعَنون على أعواد المنابر في خطب الجمعة. إلى أن جاء الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز t. الذي أوقف اللعن واستبدله بآية قرآنية: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90).
وقد أنقذ الله الأمة وحررها من شرور هذه العصبية وطهرها من زيغ الناصبية وغلواء الرافضية.
فما أحوجنا إلى تحطيم هذه الأسوار الوهمية والموروثات السياسية. للانفتاح على فقه وتراث فقه العترة الطاهرة الزكية.
ولا مانع من تأليف لجنة علمية من أهل الاختصاص تعني بجمع الأحاديث الصحيحة التي اتفق عليها الطائفتان.. وغربلة السنة النبوية من الأحاديث التي لا تتواءم مع صحة النقل ولا تتناغم مع سلامة العقل. ولا يقع تحتها عمل.
عناية الشيعة بتدوين الأحاديث
في عصر الأئمة حرص الأصحاب على تدوين ما يسمعونه في كتُب عرفت بالأصول ولقد تم حصر ما جمعوه منذ عصر أمير المؤمنين على بن أبي طالب t وكرم الله وجهه إلى عصر أبي محمد الحسن العسكري إلى أربعمائة أصل.
وفي هذا الصدد أتيحت الفرصة للإمام الصادق أكثر من غيره من سائر أئمة أهل البيت فاجتمع حوله في بعض الأحيان آلافٌ من روَّاد العلوم الإسلامية ورواة الأحاديث النبوية. وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقاة فكانوا أربعة آلاف "راجع الإرشاد للشيخ المفيد ت 483 هـ".
وقد ألف الحافظ أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الكوفي وكان زيديًا (ت 332هـ) كتابًا في أسماء الرجال الذين رَوَوْا عن الصادق جمع فيه 4 آلاف رجل.
ميزان التحقيق والتوثيق للحديث عند الشيعة الإمامية
ولقد وضع علماء الحديث عند الشيعة الإمامية أصلاً أصيلاً للحكم على أي حديث نبوي أو رواية عن واحد من الأئمة. وهو عرضه على كتاب الله U. ومن ثم فَّأنهم يردون ما خالف كتاب الله تعالى ولم يحتمل وجهًا من الوجوه.
قال الشاعر:
 
ووالِ أناسًا قولهم وحديثهم

 % روى جدنا عن جبرائيل عن الباري

 
‌أ- ما رواه الإمام أبو عبد الله الصادق u عن جدّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: خطب النبيّ بمنى فقال "أيّها الناس ! ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قُلْتُه، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله" (وسائل الشيعة 18 :79).
‌ب- ما ورد في كتاب الإِمام على لمالك الاشتر: ........ "فان تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول" فالرّاد إلى الله الآخذ بمحكم كتابه والرّاد إلى الرسول الآخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة" (الوسائل 18: 86).
‌ج- ما قله الإمام الباقرu: إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهداً، أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلاّ فقفوا عنده، ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم" (الكافي 2/222. الوسائل 18: 80).
‌د- ما ورد عن الإمام الصادقu:
1- إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه, وما خالف كتاب الله فردّوه (الوسائل 18. 84).
2- كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف". (الوسائل 18: 79).
3- أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا، أنّ الكلمة لتنصرف على وجوه" (معاني الأخبار جـ1: 1 وسائل 18/84).
وقال: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه.
أشهر الكتب والمؤلفات لهذه الآثار عند الإمامية:
1- الكليني (ت 329هت).
2- الشيخ الصدوق   : كتاب مدينة العلم (ت 381 هـ).
3- العلامة المجلسي  : كتاب البحار (ت 1111 هـ).
4- الشيخ/ الصدوق  : موسوعة فقهية في الأحكام : من لا يحضره الفقيه.
5- الشيخ/ الطوسي (ت 460 هـ) كتابي: الاستبصار – والتهذيب "تهذيب الأحكام – الاستبصار فيما اختلف من الأخبار.
تقويم أحاديث الكتب الأربعة
إنّ مدرسة أهل البيت لم تعتبر جميع أحاديث الكتب الأربعة: الكافئ والفقيه والاستبصار والتهذيب، صحيحة كما هو الشأن لدي مدرسة الخلفاء بالنسبة إلى صحيحي مسلم والبخاري، وإنّ أقدم الكتب الأربعة زمانا وأنبهها ذكراً وأكثرها شهرة هو كتاب الكافي للشيخ الكليني، وقد ذكر المحدّثون بمدرسة أهل البيت إنّ فيها خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع 161999 حديثاً، وإذا رجعت إلى شرح الكافي المسمّي بمرآة العقول وجدت مؤلفه المجلسي – أحد كبار علماء الحديث – يذكر لك في تقويمه أحاديث الكافي ضعف ما يراه منها ضعيفاً، وصحة ما يري منها صحيحاً، ووثاقة ما يري منها موثقاً أو قوياً باصطلاح أهل الحديث.
وقد ألّف أحد الباحثين في عصرنا صحيح الكافي واعتبر من مجموع 16121 حديثاً من أحاديث الكافي 4428 حديثاً صحيحاً وترك 11693 حديثاً منها لم يرها حسب اجتهاده صحيحة.
وما ذكرناهُ يدلّك على أن مدرسة أهل البيت لا تعتبر أيّ كتاب حديث لديها صحيحاً، سواء الكافي منها وما دونه شهرة، وبعدهُ زماناً.
وأنها تُؤمن بأن كتاب الله القرآن وحده صحيح من الجلد إلى الجلد ولا شريك له في الصحة.
"قول مجهول قائله وهو مردود عند الإمامية "
أما ما قيل من أنّ المهدى u قال: أنّ الكافي كافٍ لشيعتنا، فإنّه قول مجهول رواية ولم يسمّ أحد اسمه، ويدلّ على بطلانه تأليف مئات كتب الحديث بمدرسة أهل البيت بعد الكافي مثل: من لا يحضره الفقيه، ومدينة العلم، والتهذيب، والاستبصار والبحار، ووسائل الشيعة، وجامع أحاديث الشيعة، إلى غيرها.
وأثبت أن الشيخ الطوسي والصدوق وشيخه لم يكونوا يَرَوْنَ صحة جميع ما ورد في الكافي من حديث.
وأن الشيخ الطوسي لم يكن يري صحة جميع ما ورد في "من لا يحضره الفقيه" من حديث.
والأهمّ من ذلك أن الكليني نفسه لم يكن يري جميع ما أرواه من حديث في كتابه الكافي صحيحاً.
وكذلك الصدوق لم يكن يري صحة جميع ما أورد من حديث في "من لا يحضره الفقيه".
والشيخ الطوسي لم يكن يري صحة جميع ما أورد من حديث في "التهذيب"، و"الاستبصار".
حقيقة يجب التوقف عندها:
إنّ قيل: إنّ الروايات التي ظاهرها نقصان القرآن، أو وجود اللحن فيه، مخرّجةٌ في كتب الصحاح عن بعض الصحابة، وإنّ تكذيبها وإنكارها قد يوجب الطعن في صحّة تلك الكتب، أو في عدالة الصحابة. نقول:
إنّ القول بصحّة جميع الأحاديث المخرّجة في كتابي مسلم والبخاري – وهما عمدة كتب الصحاح – وأنّ تلقّتهما بالبقول، غير مسلّم، فلقد تكلّم كثير من الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل في أحاديث موضوعةٍ وضعيفةٍ، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها في (علل الحديث)، وكذلك الضياء المقدسي في (غريب الصحيحين)، والفيروز آبادي في (نقد الصحيح) وغيرهم، وتكلّموا أيضاً في رجال رُوي عنهم في الصحيحين، وهم مشهورون بالكذب والوضع والتدليس. وفيما يلي بعض الأرقام والحقائق التي توضّح هذه المسألة بشكل جليّ:
1- قد انتقد حفّاظ الحديث البخاري في 110 أحاديث، منها 32 حديثاً وافقه مسلم فيها، و78 انفرد هو بها.
2- الذي انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم 80 رجلاً، والذي انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري 620 رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم 160 رجلاً.
3- الأحاديث المنتقدة المخرّجة عندهما معاً بلغت 210 حديثاً، اختصّ البخاري منها بأقلّ من 80 حديثاً، والباقي يختصّ بمسلم.
وإنما أوردنا هذه الملاحظة لندلل على ما قرره أئمة وعلماء الإمامية أنه لا عصمة ولا قداسة لأي كتاب سوي كتاب الله تعالي. ومن ثم فإن جميع المرويات التي أوردتها بعد كتب الرواية. لا وزن لها ولا اعتبار إذا خالفت أو تعارضت مع كتاب الله رب العالمين.
أسانيد الشيعة ورجالاتهم في كُتب أهل السنة
لقد وضع أئمة الحديث شرائط وصفات يجب أن تتوفر في الرجال الرواة الذين يدخلون في سند الحديث ليكونوا أهلاً لتحمل الرواية وفي مقدمتها إسلامه وإيمانه وصدقه وعدالته وضبطه ومن ثم فإن أولئك المتحاملين والمشككين في عقائد الشيعة الإمامية. باتهامهم هذا يحكمون على صحاح أهل السنة وفي مقدمتها (البخاري ومسلم) بالرد والبطلان. ويهدمون العشرات من رجالات الشيعة الإمامية حيث نبذوهم بالرفض ولكنهم لم يقدحوا في عدالتهم.
فهل روي البخاري ومسلم وغيرهما عن هؤلاء العلماء من الشيعة الإمامية والزيدية؟
بالإطلاع على كتب ومصادر علوم الحديث عند أهل السنة يثبت اعتماد أصحاب الصحاح وتوثيقهم لما يزيد على (120 رجلاً) ويزيدون على هذا العقد. ونورد بعضًا منهم على سبيل المثال ابن قتيبه في معارفه. والذهبي في ميزانه والشهرسناني في الملل والنحل وغيرهم.
1-إبّان بن تغلب بن رباح  الكوفي:
ترجمة الذهبي فقال: كوفي شيعي جلد لكنه صدوق. وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم. احتج به: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، توفي عام (141هـ).
2-إبراهيم بن زيد : النخعي الكوفي الفقيه: 
روي له البخاري ومسلم عن عم أمه علقمة بن قيس مات سنة ستٍ أو خمسٍ وتسعين بعد موت الحجاج بأربعة أشهر.
3- إسماعيل بن إبان: الأزدى الكوفي الوراق:
من شيوخ البخاري في صحيحه: ذكره الذهبي في الميزان بما يدل على احتجاج البخاري والترمذي به في صحيحيهما. قال عنه البخاري صدوق. وأن غيره: قال: كان يتشيع. ونص القيسراني أن البخاري روي عنه بلا واسطة في غير موضع من صحيحه توفي (286 هـ).
4-إسماعيل بن زكريا: الأسدى الخلقاني:
الذهبي: إسماعيل..... شيعي صدوق احتج به أصحاب الصحاح الستة. البخاري ومسلم......... إلخ توفي (174 هـ ببغداد).
5-إسماعيل بن عباد: المعروف بالصاحب بن عباد:
الذهبي: (21): احتج به أبو داود والترمذي. وكان شيعياً أديباً بارعاً. وقد أفاض الثعالبي في ترجمته  وبيان محاسنه وخصائصه من مؤلفاته: المحيط في اللغة 7 مجلدات (ت سنة 385 هـ).
6-إسماعيل بن عبد الرحمن: المفسر المشهور:
المعروف بالسدى: قال عنه الذهبي: رُمي بالتشييع.... احتج به مسلم وأصحاب السنن الأربعة ووثقه أحمد (ت 127 هـ).
7-إسماعيل بن موسى: القراري الكوفي:
ابن عدى، الذهبي: انكروا منه غلوًا في التشييع: أخذ عنه ابن خزيمة وأخرج له: الترمذي. وأبو داود. ووصف بأنه صدوق (ت 245 هـ).
8-ثابت بن دينار: المعروف بأبي حمزة الثمالي:
حالهُ في التشيع كالشمس: الذهبي: روي له الترمذي (ت 150 هـ).
9-جابر بن يزيد: بن الحارث الجعفي الكوفي:
ترجم له الذهبي: أنه أحد أعلام الشيعة: ونقل عن سفيان القول بأنه سمع جابراً يقول: انتقل العلم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى على. ثم منه إلى الحسن ثم لم يزل حتى بلغ (جعفر الصادق). وأخرج مسلم عن الجراح قال: سمعت جابرًا يقول عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر (الباقر) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان إذا حدث عن الباقر يقول حدثني وصي الأوصياء. روي له: النسائي وأبو داود والترمذي ت (128 هـ).
10-جرير بن عبد الحميد:
عدى بن قتيبه من رجال الشيعة: في معارفه.
الذهبي: أثنى عليه فقال: عالم أهل الرى صدوق يحتج به والإجماع على توثيقه: أخرج له البخاري. ومسلم (ت187هـ).
11-جعفر بن سليمان: الضبعي البصري:
ابن قتيبة (المعارف 23): ابن سعد: ونص على تشيعه ووثاقته كما ذكر الذهبي: حاله. وتشيعه ورواية الأحاديث في ولاية الإمام على. وإعلانه للرفض. احتج به مسلم في صحيحه والنسائي... (ت 178هـ).
12- جميع بن عمير: بن ثعلبة الكوفي التيمي:
أبو حاتم: شيعي كوفي صالح الحديث: ابن حبان. الميزان: رافضي له ثلاث أحاديث في سنن الترمذي: وحَسَّنها.
13-الحارث بن عبد الله: الهمداني:
صاحب أمير المؤمنين وخاصته. وكان من أفاضل التابعين. وأمره في التشيع غني عن البيان: عده ابن قتيبه: من رجال الشيعة الذهبي: من كبار علماء التابعين: ثم نقل عن ابن حبان قوله عنه كان غاليًا في التشيع. ومع تحامل الناسي عليه. فإنه كان من أفقههم وأعلمهم بالفرائض. ولما هاجمه الشعبي: سلط الله عليه من يهاجمه ويتهمه جزاء وفاقا. أخرج له أصحاب السنن الأربعة (ت 65هـ).
14-حبيب بن أبي ثابت: الأسدي: التابعي:
ابن قتيبة، الشهرستاني. والذهبي: وثقه بن معين أخرج له: البخاري ومسلم. وإنما تكلم فيه الدولابي لمجرد تشيعه (ت 119 هـ).
15-الحكم بن عتيبه:
نص على تشيعه ابن قتيبه: واحتج به البخاري ومسلم (ت 115هـ).
16-خالدين مخلد: القطواني الكوفي:
شيخ البخاري: ابن مسعد جـ6 (25) كان متشيعًا مفرطا: أبو داود قال عنه شيعي صدوق. احتج به البخاري ومسلم. وأصحاب السنن (ت 213 هـ).
17-زبيد بن الحارث: الكوفي:
الذهبي: من ثقات التابعين: وفيه تشيع: وثَّقَهُ أكثر من واحد من أئمة الجرح والتعديل: احتج به: البخاري. ومسلم ولا عبرة لما ذكره الجوزجاني من انتقاص وذم بعد أن وثقه أئمة الصحاح (ت 124هـ).
18-سالم بن أبي الجعد: الأشجعي:
ذكره ابن سعد ج6 (26) وقال: كان لأبي الجعد سِت بنين اثنان يتشيعان وهما (سالم وعبيد) واثنان مرجئان. واثنان يريان رأي الخوارج: عده ابن قتيبه. والشهرستاني. والذهبي: وقال من ثقات التابعين له حديث في الصحيحيت وفي النسائي وأبي داود(ت 97هـ وقبل 101 هـ).
19-سعيد بن أشوع:
الذهبي: قاضي الكوفة صدوق مشهور: النسائي: لا بأس به. احتج به البخاري ومُسلم في صحيحيهما.
20-سعيد بن خيثم: الهلالي:
سئل عنه يحي بن معين فقال: فليكن شيعيًا ولكنه ثقة: الذهبي: أخرج له الترمذي والنسائي.
21-سلمة بن كهيل: الحضرمي: وكنيته (أبو يحي):
عده ابن قتيبه. والشهرستاني من رجال الشيعة أخرج له أصحاب الستة (ت 121هـ).
22-سليمان بن صرد: الخزاعي الكوفي:
كبير شيعة العراق. وعلى رأس من كتبوا إلى الإمام الحسيني. وهو أمير التوابين الثائرين في المطالبة بدم الحسين أخرج له البخاري ومسلم.
23-سليمان بن طرخان – البصري:
أنظر معارف ابن قتبية. وقد احتج به أصحاب الستة (ت 143 هـ).
24-سليمان بن قرم:
ابن حبان: كان رافضياً غالياً: وثقه الإمام أحمد بن حنبل أخرج له مسلم. والنسائي والترمذي.
25-سليمان بن مهران: الأعشى:
من شيوخ الشيعة. ومن جهابذة علماء أهل السنة (ت 148 هـ).
ومن هؤلاء الرجال الذين تشد إليهم الرحال طلبًا للعلم وتراجمهم مبسوطة في مراجع أهل السنة: المعارف لابن قتيبة والذهبي – وابن سعد والشهرستاني.
26- صعصعة بن صوحان. 27- طاووس بن كيسان.
28- ظالم بن عمرو: بن سفيان أبو الأسود الدؤلي.
29- عاصر بن وائلة: المكنى: أبو الطفيل.
30- عباد بن يعقوب. 31- عبد الله بن داود: الكوفي.
32- عبد الله بن شداد: صاحب أمير المؤمنين.
33- عبد الله بن لهيعة: الحضرمي: قاضي مصر وعالمها.
34- عبد الله بن ميمون: القداح المكي.
35- عبد الرحمن بن صالح الأزدي.  36- عبد الرازق بن همام: الصنعاني.
37- عبيد الله بن موسى: العبسي الكوفي: شيخ البخاري.
38- عدي بن ثابت: الكوفي. 39- عطية بن سعد.
40- علاء بن صالح.
41- علقمة بن قيس: بن عبد الله النخعي أبو شبل.
42- على بن المنذر: الطرائفي: شيخ الترمذي والنسائي.
43- عوف بن أبي جميلة. 44- مالك بن إسماعيل: شيخ البخاري.
45- محمد بن خازم: المعروف بأبي معاوية الضرير الكوفي.
46- محمد بن موسي: المدني. 47- منصور بن المعتمر: السلمي.
كما ذكر الذهبي: في ترجمته لـ (إبان بن تغلب) في ميزانه فقال: ولو رُدَّ حديث الشيعة مطلقاً لذهبت جملة الآثار النبوية كيف لا. وهم الثقات الأثبات العدول الذين طفحت بهم أسانيد الأحاديث في صحاح أهل السنة. وبقية الأسماء مسطورة في الكتب المعتمدة كما ذكرنا آنفاً.
الإمامة: وأركان الإسلام عند الشيعة
يذكر العلامة الإمام/ محمد الحسين آل كاشف الغطاء رحمه الله في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) من صفحة126و127.
إن الإسلام والإيمان لفظان مترادفان وبينهما عموم وخصوص.
ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان.
1- التوحيد.  2- النُبَّوة.  3- المعاد. فلو أنكر أحدٌ واحدًا من هذه الثلاثة فليس بمسلم ولا مؤمن. وإذا دان بتوحيد الله ونبوة خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واعتقد بيوم الجزاء وما أخبر به الله ورسوله فهو مسلم. له ما للمسلمين وعليه ما عليهم دمه وما له وعرضه حرام.
ويُطلقان على معنى أخص يعتمد على ركن رابع يضاف إلى هذه الثلاثة وهو العمل بالدعائم والأركان التي بني عليها الإسلام وهي خمسة: 1- الصلاة   2- الصيام 3- الزكاة  4- الحج  5- الجهاد والركن الخامس هو بيت القصيد ومصدر كل خلاف وتعقيد فالجهاد عند الشيعة: هو حجر الزاوية من بناء هيكل الإسلام وعموده وذروة سنامه كما أفادت الأحاديث الصحيحة والجهاد نوعان: جهاد أكبر. وجهاد أصغر.
ولكل أحكامه وضوابطه وشرائطه عند الفقهاء.
الإمامــة
ولكن الشيعة الإمامية زادوا على هذه الأركان (الاعتقاد بالإمامة) وبهذا الاعتقاد سُمُّوا (بالإمامية) وبها مُيزوا عن أهل السنة. وإن الإمامة استمرار لرسالة ومهمة النُّبوة. ولا تكون إلا بالنص. يقول العلامة / محمد رضا المظفر في كتابه (عقائد الإمامية صـ 73) "عقيدتنا في الأئمة"
لا نعتقد في أئمتنا ما يعتقده الغلاة والحلوليون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم). بل عقيدتنا الخاصة أنهم بشر مثلنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإنما هم عباد مكرمون اختصهم الله تعالى بكرامته وحباهم بولايته، إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم والتقوي والشجاعة والكرم والعفة وجميع الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة.
قال إمامنا الصادق u: (ما جاءكم عنا مما يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردوه إلينا، وما جاءكم عنا مما لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه إلينا).
ولاشك أنه تعالى لم يفرض حبهم ومودتهم إلا لأنهم أهل للحب والولاء، من ناحية قربهم إليه سبحانه, ومنزلتهم عنده، وطهارتهم من الشرك والمعاصي، ومن كل ما يبعد عن دار كرامته وساحة رضاه. ولا يمكن أن نتصور أنه تعالى يفرض حب من يرتكب المعاصي أو لا يطيعه حق طاعته، فإنه ليس له قرابة مع أحد أو صداقة، وليس عنده الناس بالنسبة إليه إلا عبيداً مخلوقين على حد سواء، وإنما أكرمهم عند الله أتقاهم. فمن أوجب حبه على الناس كلهم لابد أن يكون أتقاهم وأفضلهم، وإلا كان غيره أولى بذلك الحب، أو كان الله يفضل بعضاً على بعض في وجوب الحب والولاية عبثاً أولهواً بلا جهة استحقاق وكرامة.
ولا يهمنا من بحث الإمامة في هذه العصور إثبات أنهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية، فإن ذلك أمر مضي في ذمة التأريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها. وإنما الذي يهمنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الأخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به.
عدد الأئمة عند الطائفتين
  تعاضدت النصوص وتساندت الروايات الصحيحة عند مدرستي الإمامة والخلافة (الشيعة والسنة) مجمعة على أن عدد الأئمة من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (اثنا عشر إماماً) كما روت كتب الصحاح عند أهل السنة والجماعة. ومن هذه الأحاديث قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)
§ لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلهم من قريش صحيح مسلم ج 6 باب الخلافة في قريش.
§ لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة
  المرجع السابق.
§ يكون بعدي اثنا عشر خيفةً كلهم من بني هاشم
ينابيع المودة ج 3 ص 104
§ لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة
مسلم: كتاب الإمارة
  ومع أن الطائفتين قد اتفقوا على هذا العدد. ولم يقل أحد من أهل العلم أن العدد لا معنى له. كما يهرف بعض الأغيلمة واعشار العلماء. وإنما سلم الجميع بصحة العدد ورواياته. ولكنهم اختلفوا في تحديد أسمائهم وصفاتهم.
"آراء أهل السنة في الأئمة الإثني عشر"
  لقد حار علماء أهل السنة في بيان المقصود من الإثنى عشر فيما ثبت عن الصادق المصدوق (صلى الله عليه وآله وسلم) وتضاربت الأقوال على النحو التالي:
القول الأول: لابن العرَبي في شرح سنن الترمذي
عددنا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنى عشر أميرًا وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلى، والحسن، ومعاوية، ويزيد، ومعاوية بن يزيد، ومروان ثم حصرهم جميعًا في بني أمية وآخرهم السفاح. ثم عاد فعدَّ بعده (27 خليفة من العباسيين إلى عصره) ((وهو رأى نتركه لذوي العقول والأبصار)).
القول الثاني: أن المراد وجود اثنى عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم يتوالوا.
السيوطي: تاريخ الخلفاء صـ12
القول الثالث: قد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولابد من تمام العدة قبل قيام الساعة.
فتح البارى – وتاريخ الخلفاء
القول الرابع: المراد أن يكون الاثنا عشر فى مدة عزة وقوة الإسلام ممن يعز الإسلام في عصره ويجتمع المسلمون عليه شرح مسلم للنووي 12/202-203 وفتح الباري.
القول الخامس: لابن كثير
أن الذي سلكه البيهقي ووافقه عليه جماعة من أن المراد هم الخلفاء المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك وبهذا العد يخرج عمر بن عبد العزيز الذي يعتبره خامس الخلفاء الراشدين لعدله وزهده
وإن قال لا نعتبر ولا نعد إلا صاحب الغلبة والشوكة الذى اجتمعت عليه الأمة. لزمه على هذا القول: إن لا يعد الإمام / عليًّا بن أبي طالب ولا ابنه الحسن لأن الناس لم يجتمعوا عليهما "تاريخ ابن كثير (229: 250).
القول السادس: لابن الجوزى
يحتمل أن يكون هذا العدد بعد ظهور المهدى الذي يخرج في آخر الزمان. فقد وجدت في كتاب (دانيال) إذا مات المهدي ملك بعده ستة من ولد الحسن، ثم خمسة من ولد الحسين.. إلخ.
وقد علق ابن حجر على هذا الحديث في صواعقه وقال: إن هذه رواية واهية جدًا فلا يُعول عليها (فتح الباري / الصواعق).
القول السابع: إن هذا سيكون زمن الفتنة عندما يتعدد الأمراء والخلفاء في زمن واحد (فتح الباري) وعلق ابن حجر في شرح البخاري فقال: إن وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق فلا يصح أن يكون المراد.

عدد الأئمة (الأثني عشر) عند الشيعة الإمامية
يقول الشيعة بأنّ عدد الأئمة بعد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله وسلّم هو إثنا عشر إماماً لاَ يزيدون ولا ينقصون، وقد ذكرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسمائهم وعددهم (ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 3: 99) وهم:
1- الإمام على بن أبي طالب مولده 23 قبل الهجرة استشهد 40 هـ
2- الإمام الحسن بن علي مولده 2 هـ ت 50هـ
3- الإمام الحسين بن على مولده 3 هـ ت 61هـ
4- الإمام على بن الحسين (زيد العابدين)  مولده 38هـ ت 95 هـ
5- الإمام بن على (الباقر) مولده 57 هـ ت 114 هـ
6- الإمام جعفر بن محمد (الصّادق) مولده 83 هـ ت 148 هـ
7- الإمام موسي بن جعفر (الكاظم) مولده 128 هـ ت 183 هـ
8- الإمام على بن موسى (الرضا) مولده 148 هـ ت 203 هـ
9- الإمام محمد بن على (الجواد) مولده 195 هـ ت 220 هـ
10- الإمام على بن محمد (الهادي) مولده 214 هـ ت 254 هـ
11- الإمام الحسن بن على (العسكري)  مولده 231 هـ ت 260 هـ
12- الإمام محمد بن الحسن (المهدي المنتظر) مولده 255 هـ وهو المهدي المتظر
فهؤلاء هم الأئمة الإثنا عشر الذين تقول الشيعة بعصمتهم. فالشيعة لا يعترفون قديماً وحديثاً بالعصمة إلاّ لهؤلاء الأئمة الذين سمّاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله وسلّم ولم يولَدوا بعدُ، وقد أخرج بعض علماء السنّة أسماءهم كما مرّ علينا وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الأئمة بعددهم وهم إثنا عشر كلّهم من قريش.
النصُّ على أسماء الأئمة في مصادر أهل السنة:
إذا كانت الآراء قد تباينت في بيان عدد الأئمة الأثني عشر وتحديد هوياتهم وشخصياتهم.
إلا أن الأمانة العلمية تقضي بأن نذكر أن علماء ثقاتٍ من أهل السنة قد ذكروا في مصنفاتهم أسماء وصفاتِ هؤلاء الأئمة بكل جلاء وصراحة ووضوح ومن هؤلاء.
§ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي جـ 2 صفحة 593.
§ مطالب السؤول: لابن طلحة الشافعي صـ 6.
§ الصواعق المحرقة: لابن حجر الهيثمي.
§ سِيَر أعلام النبلاء : للحافظ الذهبي.
حيث قال الذهبي جـ 3 صـ 120-121:
فمولانا على من الخلفاء الراشدين، المشهود لهم بالجنة نُحبه أشد الحب وابناه الحسن والحسين (عليهما السلام) سبطا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله، وسيّدا شباب أهل الجنّة، وزين العابدين u كبير القدر من سادة العلماء العاملين يصلح للخلافة، وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر u سيد إمام فقيه يصلح للخلافة، وكذلك ولده كبير الشأن من أئمّة العلم كان أولى من أبي جعفر المنصور بالأمر (أي بالخلافة). وقد قال فيه أبو حنيفة النعمان: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد؛ كما في تهذيب التهذيب وفي الصواعق، وقد تتلمذ على يديه أبو حنيفة ومالك وغيرهما كالسفيانين، ثمّ موسى بن جعفر كبير القدر أولى بالخلافة من هارون. ثم ابنه على بن موسى الرضا كبير الشأن له علم وبيان ووقع في النفوس... ثم ابنه محمد الجواد من سادة قومه. ثم ولده الملقب بالهادى. شريف جليل. وكذلك ابنه الحسن العسكري.
ويتم ذلك ابن حجر الهيثمي في الصواعق بعد أن أورد فضائل الأئمة وسيرتهم إلى الإمام المهدى u  فقال فيه: أبو القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين ولكن أتاه الله الحكمة ويُسمي بالقائم المنتظر....
مفهوم العصمة ودليلها عند الشيعة الإمامية
لقد أوضحنا فيما مضي العقيدة الصحيحة للشيعة الإمامية في الأئمة الأثني عشر. وذكرنا ما أورده العلامة / محمد رضا المظفر في كتابه "عاقئد الإمامية" قوله:
لا نعتقد فئ أئمتنا ما يعتقده الغلاة والحلوليون. بل تقول إنهم بَشرٌ مثلنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا. وإنما هم عباد مكرمون اختصهم الله تعالى بكرامته وحباهم بولايته... إلخ.
ولما كانت الإمامة استمرارًا للنهوض بمهمة النبوة في التبليغ والدعوة وإصلاح العباد.
ومن ثم فإن عهد النبوة لا يناله الظالمون. فكان لزامًا أن يكونَ هؤلاء الأئمة على قدر من الفضل والعدل والمروءة والطهارة من الشرك والكبائر والنقائص التي تقدح في عدالتهم وأهليتهم لمرتبة الإمامة مستشهدين على ذلك بأي الذكر الحكيم وفهمِ ثاقب لما صح عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن ذلك ما أخرجه أئمة الصحاح وروته كتب التفاسير في سبب نزوله قوله تعالي: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب: 33).
وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.
وكيف مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر وفي روايات أكثر من ذلك إذا خرج لصلاة الفجر ينادي ويقول: الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجَس أهل البيت ويطهركم تطهيراً. (البخاري ومسلم وغيرهما).
كما أنهم استشهدوا في ما ثبت في الصحيح عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. ولن يفترقا حتى يردا عَلىَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما (مسلم – الترمذي – النسائي وغيرهم).
وفي رواية. إني تارك فيكم خليفتين. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علىَّ الحوض.
"أحمد جـ 5 صـ 122، الدرر المنثور جـ 2 صـ 60 مجمع الزائد 9: 162 كذا في كنز العمل. والحاكم. وينابيع المودة 38: 138".
قال أهل العلم: إن هذين الحديثين وغيرهما دليل صريح على أن أهل البيت "من الأئمة" هم صنوا القرآن الكريم وحملة فهمه وتفسيره. وهذه الصنوية تقضي أن يكون لهم من العصمة والحفظ من النقيصة ما للقرآن الكريم لأنهما متلازمان لا يفترقان حتى يردَا الحوض على رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد ذكره الشبلنجي في كتابه "نور الأبصار" صـ 128.
قال الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي رحمه الله:
الذي أقول به إن ذنوب أهل البيت إنما هي ذنوب في الصورة لا في الحقيقة لأن الله تعالى غفر لهم ذنوبهم لسابق العناية لقوله تعالي: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب: 33) وأورد العلامة الشبلنجي أيضاً في "نور الأبصار" صـ 127 ذكر الفخر الرازي أن أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساوَوْه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهد وفي السلام، والطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبة.
الإمام الشافعي وأهل البيت (صلى الله عليه وآله وسلم)
ذكر صاحب / نور الأبصار جملة من الآثار والأحاديث الصحيحة التي تبين فضائل آل البيت u وعُلو منزلتهم ووجوب محبتهم وتعظيمهم عند جميع المسلمين ثم أورد صـ127 عُلم من الأحاديث السابقة وجوب محبة أهل البيت وتحريم بغضهم التحريم الغليظ وبذلك صرح البيهقي والبغوى بل نص عليه الشافعي فيما حكي عنه من قوله:

 
يا آل بيت رسول حبكم

 % فرض من الله في القرآن أنزله

   
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم

 % من لم يصل عليكم لا صلاة له

 
أي كاملة أو صحيحة على قول مرجوح لإمامنا الشافعي t [وفي الفصول المهمة] لما صرح الإمام الشافعي بمحبته لأهل البيت وأنه من شيعتهم قيل فيه ما قيل فقال مجيبا عن ذلك:

 
إذا نحن فضلنا عليا فإننا

 % روافض بالتفضيل عند ذي الجهل

   
وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته

 % رميت بنصب عند ذكري للفضل

   
فلا زِلتُ ذا رافض ونصب كلاهما

 % بحبهما حتى أُوسَّدَ في الرمل

 

وحكي الإمام أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتابه الذي صنفه في مناقب الإمام الشافعي أن الإمام الشافعي قيل له إن أناسا لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة تذكر لأهل البيت فإذا رأوا أحدا يذكر شيئا من ذلك قالوا تجاوزوا عن هذا فهو رافضي فأنشا الشافعي رحمه الله تعالى يقول:

 
إذا في مجلس نذكر عليا

 % وسبطيه وفاطمة الزكية

   
يقال تجاوزوا يا قوم هذا

 % فهذا من حيث الرافضية
ولأب   
برثت إلى المهيمن من أناس

 % يرون الرفض حب الفاطمية

 
وقال t:
 
قالوا ترفضت كلا

 % ما الرفض ديني ولا اعتقادي

   
لكن توليت غير شك

 % خير إمام وخير هادي

   
إن كان حب الولي رفضا

 % فإنني أرفض العباد

 
وقال t :
 
ياراكبا قِفْ بالمحصب من مني

 % واهتف بساكن خيفها والناهض

   
سحرا إذ فاض الحجيج إلى مني

 % فيضا كملتطم الفرات الفائض

   
إن كان رفضا حب آل محمد

 % فليشهد الثقلان أني رافض

 

ولأبي الحسن بن جرير رحمه الله:
 
 
أحب النبي المصطفي وابن عمه

 % عليا وسبطيه وفاطمة الزهرا

   
هموا أهلُ بيتٍ أذهب الرجس عنهمو

 % وأطلعهم أفقَ الهدى أنجما زُهْرا

   
مُوالاتهم فرض على كل مسلم

 % وحبهمو أسنى الذخائر للأخرى

 

حكم من خالف الشيعة في عقيدة الإمامة
وإذا كان الشيعة الإمامية يرون أن الاعتقاد بالإمامة على النحو الذي أوضحنا آنفا. إلا أنهم لا يعدونها من الأصول الإيمانية التي يكفر منكرها.
يقول الإمام العلامة/ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها صـ 129 ما نصه:
فالإمام في الكمالات دون النبى وفوق البشر، فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأخص، وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم تترتب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه ووجوب حفظه وحرمة غيبته وغير ذلك لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلما (معاذ الله) نعم يظهر أثر التدين بالإمامة، في منازل القرب والكرامة يوم القيامة، أما في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء، وبعضهم لبعض أكفاء، وأما في الآخرة فلا شكم أن المسلمين تتفاوت درجاتهم ومنازلهم حسب نياتهم وأعمالهم، وأمر ذلك وعلمه إلى الله سبحانه ولا مساغ للبت به لأحد من الخلق والغرض أن أهم ما امتازت به الشيعة عن سائر فرق المسلمين هو القول بإمامة الأئمة الأثنى عشر وبه سميت هذه الطائفة (إمامية) إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك.
قضية المهدي المنتظر
إن الإيمان بظهور الإمام المهدي المنتظر قضية دينية انعقد عليها إجماع الطائفتين السنة والشيعة ولا اعتبار لمن شذ عن هذا الإجماع.
فالإجماع قد انعقد على الإيمان بظهور إمام من ولد فاطمة في آخر الزمان وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً. كما مُلئت ظُلما وجَوْرًا وأنه في عصره يملك المسلمون مشارق الأرض ومغاربها ويتحقق قوله تعالي: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وأن السيد المسيحu سيصلي خلفه إمامًا. كما نص على ذلك الإمام/ مسلم وغيره.
ومادام الفريقان متفقين على جوهر القضية فإن الخلاف على ما يثار معها من تفريعاتٍ بشأن ميلاده أو كيفية ظهوره فلا يقدح في سلامة الجوهر المتفق عليه.
وإنما الواجب على أهل العلم تنزيه هذا الحقيقة من الشطحات الغيبية والأساطير والخرافات والإشاعات الوهمية.
المهدي عند أهل السنة
يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري جـ5 صـ 362.
تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسي بن مريم سينزل ويصلي خلفه إشارة إلى الحديث الذي أخرجه البخاري كيف أنتم إذا نزل عيسي بن مريم فيكم وإمامكم منكم.
ويقول الشوكاني في رسالته المسمّاة (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجّال والمسيح) بعد أن ذكر عشرات الأحاديث قال: "وجميع ما سقناه من الأحاديث بلغ حدّ التواتر كما لا يخفي على مَن له حظّ الإطّلاع" ثمّ بعد ذلك أقول: إنّ العلماء الذين أخرجوا الحديث المهدي ورواها الحفاظ من أهل السنّة والجماعة باختصار: الترمذي في صحيحه، والإمام مسلم بن الحجّاج في صحيحه، والبخاري في صحيحه، وأيضاً أبو داود في السنن، وابن ماجة في السنن، والحاكم في المستدرك، وابن حنبل في المسند، وابن كثير في البداية والنهاية. وقد جمعت ما يزيد على 145 مرجعًا من مراجع أهل السنة.
وقد أُلِّفتْ مؤلفاتٌ خاصة بأحاديث المهدي ومنها :
1- كتاب أربعين حديثا: للحافظ "أبي نعيم الأصفهاني".
2- البيان في أخبار صاحب الزمان: للكنجي الشافعي.
3- البرهان في علامات المهدي أخر الزمان: صاحب كنز العمال.
4- العرف الوردي في أخبار المهدي : الحافظ السيوطي.
5- القول المختصر في علامات المهدي المنتظر: لابن حجر.
6- التوضيح بتواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح للشوكاني.
وبالجملة فإن أحاديث المهدي قد بلغت درجة التواتر.
المهدي : عند الشيعة
أثبت علماء النسب والأثر أن الإمام الحجة الثاني عشر من الأئمة وهو محمد بن الحسن العسكري. هو الإمام المهدي المنتظر وأنه ولد عام 255هـ في حياة أبيه وبقي خمس سنوات إلى سنة 260هـ. ولما كانت السلطة تعتبر ميلاده خطرًا جسيمًا على ملكهم وهو إيذان بذهاب دولتهم.
فقد أحاطت قواة السلطة بمنزل والده وطوقت المكان ولكن الله تعالى حفظه وأنجاه فاختفي من عام 260 هـ إلى عام 329هـ وهو ما يعرف بالغيبة الصغرى وكان خلال هذه المدة على اتصال بأشياعه وخاصته وأنصاره ثم بدأت الغيبة الكبرى من عام 329هـ إلى أن يأذن الله له بالظهور.
ويقولون أن جميع الروايات والأحاديث تذكر أمر الخروج والظهور. ولا يوجد نص يذكر أنه سيولد.
ويقولون هذا من الأمور الغيبية التي نتلقاها بالقبول والتصديق وإن جهلنا الحكمة ومراد المشيئة الإلهية فيها ثم يستدلون على جواز الاعتقاد بالغيبة الكبرى أننا نؤمن ونصدق بوجود وحياة وبقاء الدجال وحديث وثاقة. وحديث الجساسة وابن الصياد.
وقدرة الله تعالى في فتية أهل الكهف وقصة عزير وحياة سيدنا الخضر والياس وغير ذلك من الأمور الغيبية التي تتعلق بقدرة الله وحكمته.
من يقول بذلك من علماء أهل السنة والجماعة
ولندلل على أن الهوة بين الطرفين ليست سحيقة وأن الشقة ليست بعيدة.
فقد صَرَّح بولادة الإمام المهدي جماعة من علماء السنة وخبراء الأنساب والتاريخ والأثر منهم ابن خلكان في الوفيات، وصاحب العقد الفريد في (الدرر) وابن الخشاب. والشعراني في البواقيت والجواهر، والقاضي شهاب الدين في (هداية السعادة) والبلخي القندوزي في ينابيع المودة وابن الأزرق في تاريخه، وابن طولون في الشزرات الذهبية وابن الوردي، والسويدي (سبائك الذهب في أنساب العرب) وابن الأثير في الكامل وغيرهم من العلماء الأعيان.
وقال الشيخ/ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه: المهدي حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم. وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين 1000 هـ.
وذكر الزمخشري في (ربيع الأبرار): إن المسلمين متفقون على حياة أربعة من الأنبياء اثنان في السماء وهما إدريس وعيسي واثنان في الأرض وهما الياس والخضر (على خلاف في نبوة الخضر) علمًا أن ميلاده كان في زمان الخليل إبراهيم u.
وممن وافق الإمامية من علماء أهل السنة في القول بولادة الإمام المهدي وحياته وأنه سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً. وينصر الله تعالى دينه بالظهور والتمكين.
1- محي الدّين بن العربي في فتوحاته المكّية.
2- سبط ابن الجوزي في كتابه تذكر الخواص.
3- عبد الوهاب الشعراني في كتابه عقائد الأكابر.
4- ابن الخشَاب في كتابه تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم.
5- محمد البخاري الحنفي في كتابه فصل الخطاب.
6- أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه الحديث المتسلسل.
7- ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمة.
8- العارف عبد الرحمن في كتابه مرآة الأسرار.
9- كمال الدّين بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول.
10- القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة. 
لو تتبّع الباحث لوجد في علماء السنّة والجماعة أضعاف من ذكرنا يقولون بولادة المهدي وبقائه حيّاً حتّى يظهره الله تعالى.
وبعد هذا لم يبق معنا من أهل السنّة والجماعة إلّا المنكرون لولادته وبقائه حيًا، بعد اعترافهم بصحة الأحاديث. وهؤلاء ليسوا حجّةً على غيرهم من القائلين بها. والأمر فيه سعة ولا يستلزم التكفير ولا التشنيع.
أسطورة السرداب والإشاعات الواهية
ومن الروايات المكذوبة والأساطير الواهية التي يتناقلها بعض كتاب المقالات. ويتوارثها الدهماء وأعشار العلماء بلا تمحيص ولا تثبت ولا رَوَّيِة.
ما يشاع: أن الشيعة يعتقدون أن الإمام المهدي قد اختبأ داخل سرداب وأن له عينين واحدة تسيل عسلاً والأخرى تسيل ماء يتغذي عليها لحين ظهوره، وأن الشيعة حتى وقتنا هذا يتوجهون إلى باب السرداب في "سامراء" بالعراق ومعهم دابَّة مسرجة مُلجمة. وهم ينادون أخرج "يا صاحب الزمان" من الصباح حتى المساء. ومثل هذا الكلام الذي يضحك الثكلي. لا يستحق النقد أو التنفيذ لأنه باختصار ما هو إلا محضي كذب وافتراء ولقد توجهت شخصيًا بنفسي إلى منطقة "سامراء" أثناء زيارتي للعراق للعمل على إطلاق سراح الرهينة الاستزالي (داغلس وود) عام 2005م.
وحدثت نفسي مازحًا لعلي أظفر بالتقاط صورة تذكارية مع تلك الدابة (المُسرحِه المُلجمة) ولأتعرف على أولئك النفر (الممهدين) لظهور الإمام (المهدي).
فثبت كما هي حقيقة الواقع أن ضاحية سمراء منطقة سُنِّية. والمسجد الكبير فيها للمسلمين السنة ولم أعثر فيها قط على دابة (ملجمة) ولا سائبة.
وعلمت أن السرداب عادة مشهورة ومعروفة عند أهل العراق في بغداد والنجف والكاظمية وغيرها من الأماكن القديمة حيث جرت العادة حفر مثل هذه السراديب التي غالبًا ما تتخذ للتبريد في حر الصيف.
ولو تُحققت أخي الكريم من هذه الأساطير التي أصبحت من الأساطير الخرافية لوجدتها محض خيالٍ وافتراء وهي أوهن من خيوط العنكبوت ولا يصدقها أو يروجها إلا خالي العقل فارغ الوجدان.
ما يُسَوَّغُ فيه الخلاف ويُعذرُ فيه المخُالفون:
إن الانشغال بالفروع مهلكة مضيعة..
مهلكة للأمة لما يترتب عليه من شقاق وافتراق وإيغار للصدور وإثارة للعصبية المذهبية والانتصار للأفراد والجماعات فتنقسم الأمة إلى شيعٍ وأحزاب. كل حزب بما لديهم فرحون كما أنه مضيعة للوقت وتبديدٌ لطاقات الأمة والهاء لها عن قضاياها العامة والهامة.
ويزداد الطين بِلَّةً. عندما نجعل من هذه الفروع أصولاً يترتب عليها التنابز بالتضليل والتفسيق والتبديع والتكفير.
لقد ورد عن الصادق المصدوق قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
كل الناس يدخلون الجنةَ إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟
قال: من أطاعنى دخل الجنَّة ومن عصاني فقد أبى
فما هو حَدُّ (الإباء) الذي يبلغ درجة الخروج من الملة ومن ثم فإنه يصل بصاحبه إلى دخول النار والعياذ بالله.
كما أفادت السنة النبوية في حديث صحيح قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. لا يزيغ عنها إلا هالك فما هي المحجة البيضاء الموروثة من تركة رسول‌الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وإن الخروج عنها هو الهلاك والخسران؟
إن المحجة البيضاء التي تركنا عليها نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم).
تتمثل في القرآن الكريم المهيمن الخالد المعصوم المحفوظ. المحجة البيضاء تتمثل فيما تواتر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصبح معلومًا من الدين بالضرورة وانعقد عليه الإجماع سلفًا وخلفًا ومن ذلك إجماعهم على كَوْنِ الصلوات المفروضة خمس: ثنائية وثلاثية ورباعية. وأركان الحج المُجمع عليها. وغيرها من الأحكام المقطوع بتواترها.
المحجَّة البيضاء تتجَسَّد في أصول الإيمان (التوحيد – النبوة - المعاد. والإيمان الإجمالى لأركان الإيمان الستة) أما ماعدَا ذلك من مسائل فروع الدين فقد سَوَّغ الشارع جواز الاختلاف وتعدد الآراء حيث يكون الحديث حجةً على من ثبت عنده من جهة وأن يعذر المسلمون بعضهم بعضًا فيما اختلفوا فيه طالما يعتمد المختلفون على ضَرْبٍ من أضرب الاجتهاد والاعتماد على دليل يُعتد به من جهة أخرى وللتدليل على ذلك. نسوق شاهدًا ودليلاً واحدًا ولنأخذ على سبيل المثال: فريضة الصلاة كركن ركين من أركان الإسلام يتعبَّدُ بها المسلمون ربَّهم كل يوم خمس مرات.
هذه الفريضة الهامة التي تلقى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فرضيتَها مباشرة ليلة المعراج وأبان الأمين جبريل للنبي الجليل صفتها ومواقيتَها. ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): صلوا كما رأيتمونى أصلى.
وفي درسٍ عمليّ تطبيقيّ مُشَاهَد ظل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يَؤُمُّ أصحابَه كل يوم خمس مرات منذ فُرضت الصلاة في العام العاشر من البعثة النبوية وإلى أن انتقل (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جوار ربه.
والمسلمون يأتمون به وَيتعبَّدون الله تعالى بصلاة الجماعة بالاقتداء والتأسي والمتابعة تطبيقًا للأمر النبوى: صلوا كما رأيتمونى أصلى. وانعقد الإجماع وثبت التواتر على أن الصلوات المفروضة خمسٌ الظهر والعصر والعشاء = رباعية. والمغرب = ثلاثية. والصبح: ثنائية وأن لكل ركعة أركان لا تصحِ إلا بها.
بَيْدَ أننا لو أطلعنا على أقوال أئمة وفقهاء المذاهب الإسلامية لوجدنا أن اختلاف الأقوال وتباين الآراء في الأحكام الفرعية التي تشتمل عليها الصلاة أمرٌ ثابتٌ مقطوعٌ. وحقيقة باقية إلى يوم القيامة.
حيث نجد الحكم في المسألة الواحدة: تكتنفه أقسام الحكم الشرعي الخمسة ما بين (الفرض – والسنة – والتحليل – والتحريم – والإباحة) ومن ذلك اختلافهم في ألفاظ الآذان والإقامة ودعاء الاستفتاح والتلفظ بالبسملة عند قراءة الفاتحة. وصفة القبض حال القيام أو الإسدال، ورفع اليدين قبل الركوع وبعده وصفة النزول إلى السجود وهل يقدم يديه أم ركبتيه؟
وصِيَغ الشهد، وهل الصلاة على النبي وآلهِ مفروضة أم مسنونة وكيفية سجود السهو هل يكون قبل السلام أم بعده؟ بتشهد أم بغير بتشهد؟ وهل تصلى تحية المسجد في أوقات الكراهية أم لا؟ وهل تؤدى حال صعود الإمام المنبر يوم الجمعة أم لا؟
وحكم القنوت في الصلاة؟ هل هو في صلاة الصبح؟ أم الوتر؟
أم في سائر الصلوات مطلقا أم عند حلول النوازل ؟.... إلخ
هذه المسائل وغيرها التي أُلِّفت فيها عشرات المؤلفات وحُشيت بها بطون أمهات الكتب الفقهية.
ومع كل هذا التزم الأئمة المجتهدون بآداب الخلاف فعذر بعضهم بعضا ولم يَعب أحدهما على الآخر رأيه أو يُسفه دليله وأجمعوا على جواز الصلاة خلف المخالف للفروع من أتباع هذه المذاهب بكل حب وتقدير واحترام.
ذلك أن جميع الفقهاء يتعبدون الله تعالى بتعظيم وإتباع نبيهم ويحرصون على التأسى والاقتداء برسولهم.

 
وكلهم من رسول الله مَلْتِمس

 % غرفا من البحر أو رشفًا من الرِيَمِ

 

قضايا ومسائل فرعية يُسَوَّغ فيها الخلاف بين أتباع المدرستين
الإمامة والخلافة
ومن هذه المسائل التي كثرت فيها الأقاويل واحتدَّ حولها النزاع وتبادل الاتهامات والتجريح لعصبية مذهبية مقيتة من جهة وللجهل بما لدى الآخر من دليل شرعي من جهة أخرى.
1) نكاح المتعة. 2) صيغة الأذان.  3) مسح القدمين أم غسلهما
4) الجمع بين الظهرين والعشاءين 5) السجود على التربة
6) التقَّية 7) البَداء
8) التنابز بالفارسية والمجوسية والفرعونية.
9) الموقف الشرعي من السيدة عائشة رضى الله عنها.
1) نكاح المتعة
ينتابنى الخجل وَيلفُّنى الحياء عندما أريد التعرض لمسألة "نكاح المتعة" فوجدتى أُقْدِمُ ثم أُحْجِم. وما بين الإقدام والإحجام استأذن من أخوتى في الله تعالى طالبًا منهم العفو والمعذرة والسماح لخوض غبار هذه القضية.
ولولاََ أنها تتعلق بالأعراض والأنساب وبيان حكم الله تعالى لما ذكرتها لأننا نعيش عصر (الضياع) (والاستبضاع).
عصر ضياع الأمة في غربة التيه العقدى والفكري والعلمي.
هذا العصر الذى راجت فيه ثقافة الوَهْن والخنوع والخضوع والتثبيط والاستذلال. وحوربت وصودرت فيه ثقافة الرجولة والإباء والعزة والكبرياء.
هذه الثقافة التي قتلت وأماتت فينا كل شيء إلى الشهوة الجنسية نعم: إنها ثقافة التضييع والتمييع التي غَيَّبَت صفة الرجولة ونخوة الغيرة التي لم تحرك ساكَّنا لأعراض قد انتهكت. ومقدساتٍ قد دُنست ومساجد قد دُمِّرت وأرواح قد أُزهِقَتْ.
ونعيش عصر "الاستبضاع" وهو أحد أنواع النكاح الذي كان سائدًا في جاهلية ما قبل الإسلام.
ولو أجرينا فحوصًا طبية لأنظمة أمتنا العربية والإسلامية لوجدنا في أرحام (جُلِّها) أجنةً من استبضاع أمريكي غير شرعي نعم لم يعد للرجولة أثر فاعل في نصرة ديننا وقضايا أمتنا.
ولكن رجولتنا متوقدة ومستعرة تبحث عن إشباع غرائزها وإطفاء نيران شهواتها في مستنقعات النزوات تحت مُسَمَّياتٍ تبريرية موهومة مثل "زواج المتعة – زواج المسيار – وزواج التجارب والتلاعب، والتكالب... إلخ".
وكلها أنواع مقصدها المتعة الجنسية وأن تَستَّر الواهمون تحت دعوى "الزواج بِنِيَّة الطلاق".
كمن أتي بخنزير ألبسه "فَرْوَشَاةٍ" ثم كتب عليه "خروف بلدى" فهل يحَلِ أكله؟
وكَمَنْ أتى (بدورق) (وعاء) ملئ بالسكر ثم كتب عليه من الخارج "ملح" ولما سُشل عن سبب ذلك؟ قال: حتى لا يقترب منه النمل إن أمة هذا شأنها لحقيق بها أن يُسَنَّ لها تشريع بجواز "الإخصاء" حتى تسترد رشدها العقدى والفكري.
ومعاذ الله تعالى أن تكون أمة الخيرية كذلك.
والقول الفصل في هذه القضية تَجَنُّبا للتنطع والجدل والمراء لو سُئِل عاِلمٌ سٌنِّى أو عاِلمٌ شيعى: عن حكم نكاح المتعة.
فأجاب باختصار: إن نكاح المتعة حرام عن أهل السنة ولديهم أدلتهم وأراؤهم. كما أنه حلال عند طائفة الشيعة ولهم أدلتهم وأراؤهم.
لو كان الأمر كذلك لانتهت القضية وحُلَّت المشكلة وهذا ما تقتضيه أمانة العلم والعدل والإنصاف.
أما أن نسلك طريق الغِي والجوْر فنتهم الطرف الأخر بأنه يستحل الزنا باسم نكاح المتعة لقلة البضاعة وعدم الالتزام بقواعد التحقيق العلمي السليم بدليل الآخر. فهذا دأب الغلاة والمتعصبين والمُتَوليّن غير طريق المؤمنين.
من أجل ذلك أتعرض لبيان أدلة المبيحين. مع كامل التقدير والاحترام لرأي المانعين والمحرمين. تضييقاً للهوة بين المسلمين وتوسعة للعقول بين المختلفين فأقول وبالله التوفيق.
إن نكاح المتعة قد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة وعمل الصحابة رضوان الله عليهم.
أما دليلها من الكتاب الحكيم فقوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء: 24)
كما أفادت الأخبار الصحيحة أنها مورست في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي خلافة أبي بكر الصديق وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنهما إلا أن قام بتحريمها.
كما وردت أثار تثبت تحريمها تارة وإباحتها تارة أخرى في تضارب غريب عجيب لم تشهده قضية أخرى في أحكام الشريعة الإسلامية ومن ذلك.
1- أخرج الإِمام ومسلم في الصحيحين عن عبد الله بن قال: كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس لنا شيء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله: (يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) صحيح مسلم ج2 ص1022، صحيح بخاري، ج7 ص5.
لا يخفي أن هذه الآية التي استشهد بها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) محكمة ومطلقة، وأن النساء من جملة الطيبات في الحياة الدنيا، ويتضمن استشهاده (صلى الله عليه وآله وسلم) إنكاره لقول من يقول بالتحريم. وهذا ما ذهب إليه أيضاً العلامة شرف الدين في كتابة الفصول المهمة في تأليف الأمة ص63.
2- وأخرج الإِمام البخاري في صحيحه ج2 ص176 عن عمران بن حصين قال: أنزلت آية المتعة في كتاب، ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال رجل برأيه ما شاء. قال الرازي في تفسير يريد بقوله: (قال رجل برأيه ما شاء) عمر بن الخطاب تفسير الرازي ج10 ص54.
3- وأخرج الإمام أحمد في مسنده ج4 ص436 نفس ما أخرجه الإمام البخاري عن عمران بن حصين ولكن من طريق عمران القصير.
4- جاء في صحيح الترمذي ج1 ص157 أن رجلاً من أهل الشام سأل عبد الله بن عمر عن متعة الحج فقال: هي حلال، فقال: إن أباك قد نهى عنها، فقال ابن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أََأَمرُ أبي نتتبع أم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال ابن عمر: لقد صنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وذكر هذا الحديث ابن القيم في كتابه زاد المعاد ج1 ص164.
5- أخرج مسلم في باب نكاح المتعة من صحيحه ج2 ص1022 عن عطاء قال قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء،ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر.
6- وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه ج2 ص1023 عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. وذكر هذا الحديث البيهقي في سننه ج7 ص206.
7- وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه ج2 ص1023 عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدَّقيق الأيَّام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.
8- روى مالك في صحيفة 369 في كتاب النكاح من الموطأ، عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعاً يجر رداءه فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيه لرجمته.
9- نقل الإمام الفيلسوف ابن رشد الأندلسي في الجزء الثاني صحيفة 47 من كتابة بداية المجتهد ونهاية المقتصد ما يأتي:
روى عنه (أي ابن عباس) أنه قال: ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولولا نهى عمر عنها ما اضطر إلى الزنى إلا شقي. وهذا الذي روى عن ابن عباس رواه عنه ابن جريح وعمرو بن دينار.
10- ذكر إمام أهل الظاهر ابن حزم الأندلسي في صحيفة 519-520 من الجزء التاسع من كتابه المحلى، أسماء الأشخاص من السلف رضى الله عنهم الذين أصروا على تحليل نكاح المتعة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم: من الصحابة أسماء بنت أبي بكر الصديق (أم عبد الله بن الزبير)، وجابر بن عبد الله، وابن منصور، وابن عباس، ومعاوية ابن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة ومعبد ابن أمية بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، واختلف في إباحتها عن ابن الزبير وعن علي بن أبي طالب u فيها توقف وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين، ومن التابعين طاووس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله.
جملة من أسماء الصحابة الذين أباحوا زواج المتعة:
أورد أصحاب الصحاح نصوص مستفيضة عن مشروعية زواج المتعة وبقاء حليتها في الإسلام، وقد رووا هذه النصوص والأحاديث بكل طمأنينة وارتياح، وعن طرق صحيحة بأسانيد صحيحة، وقد أباح زواج المتعة كثير من الصحابة والتابعين وفقهاء الدين الإسلامي الحنيف، وكل هؤلاء ثقات تقاة لهم ولرأيهم شأن في الأمة الإسلامية، ونحن سنورد أسماء بعض الذين قالوا بحلية زواج المتعة وعدم نسخها وهم:
1- الإمام أمير المؤمنين على بن أبي طالب u: أخرج الحفّاظ عبد الرازق، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير الطبري في تفسيره عن علي أمير المؤمنين u قال: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلا شقي. كنز العمال ج8 ص 294.
2- ابن عباس حبر الأمة: عن أيوب قال: قال عروة لابن عباس: ألا تتقي الله ترخّص في المتعة؟ فقال ابن عباس: سل أمك يا عرية؟ فقال عروة: أما أبو بكر وعمر فلا يفعلان فقال ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، نحدثكم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدثونا عن أبى بكر وعمر. أخرجه أبو عمران في العلم ج1 ص184 وابن القيم في زاد المعاد ج1 ص213.
3- عمران بن الحصين الخزاعي: قال عمران: تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينزل فيه قرآن، قال رجل برأيه ما شاء. أخرجه مسلم في صحيحه ج2 ص900 والبخاري في صحيحه ج2 ص176 والبيهقي في سننه الكبرى ج5 ص20.
4- جابر بن عبد الله الأنصاري: قال جابر: خرج علينا منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء. أخرجه مسلم في صحيحه ج2 ص1022.
5- عبد الله بن مسعود الهذلي: قال عبد الله بن مسعود: كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي، فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة: 87). أخرجه مسلم في صحيحه ج2 ص1022.
6- عبد الله بن عمر العدوي: أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده ج2 ص95 بإسناده عن عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال: سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا عنده متعة النساء؟ فقال ابن عمر: والله ما كنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زانين ولا مسافحين.
7- معاوية بن أبي سفيان: عده ابن حزم في المحلى والزرقاني في شرح الموطأ ممن ثبت على إباحتها.
8- أبو سعيد الخدري الأنصاري: عنه وعن جابر بن عبد الله قالا: تمتعنا إلى نصف خلافة عمر. عمدة القاري للعيني ج8 ص310.
9- سلمة بن أمية الجمحي: أخرج ابن الكلبي أن سلمة بن أمية الجمحي استمتع من سلمة مولاة حكيم بن أمية بن الأوقص الأسلمي، فولدت له فجحد ولدها فبلغ ذلك عمر فتوعده. الإصابة ج2 ص63.
10- معبد بن أمية الجمحي: ذكره ابن حزم في المحلى ممن ثبت على قول حلية المتعة، كذلك قال عنه الزرقاني في شرح الموطأ.
11- الزبير بن العوام القرشي: عير عبد الله بن الزبير ابن العباس بتحليله المتعة، فقال له ابن عباس: سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك، فسألها فقالت: ما ولدتك إلا في المتعة. وقال ابن عباس: أول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير. العقد الفريد ج2 ص139. راجع المحاورة بين ابن عباس وابن الزبير في المتن ص76. وأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده ص 227 عن مسلم القري قال: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء فقالت فعلناها على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
12- الحكم: أخرج الطبري في تفسيره ج5 ص9 بإسناد صحيح عن شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال: لا.
13- خالد بن المهاجر المخزومي: قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله؛ أنه بينما هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها. فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلاً! قال: ما هي؟ والله! لقد فُعِلَتْ في عهد إمام المتقين. (يعني في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صحيح مسلم ح2 ص1026.
14- عمرو بن حريث القرشي: أخرج الطبري عن سعيد بن المسيب قال: استمتع ابن حريث ابن فلان كلاهما وولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر. كنز العمال ج8 ص293.
15- أبي بن كعب الأنصاري: أخرج أبو جعفر الطبري في تفسيره ج5 ص9 عن قتادة في قراءة أبي بن كعب: فما استمتعتم به منهم إلى أجل مسمي.
16- ربيعة بن أمية الثقفي: عن عروة بن الزبير أن خولة بنت الحكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: أن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه، فخرج عمر يجر رداءه فزعاً فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيه لرجمته. أخرجه مالك في الموطأ ص369 كتاب النكاح والشافعي في كتاب الأم ج7 ص219، والبيهقي في السنن ج ص206 ورجال هذا الحديث كلهم ثقات.
17- سعيد بن جبير: عده ابن حزم في المحلي ممن ثبت على إباحتها، وقال القاضي الشوكاني في تفسيره ج1 ص474 قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن.
18- طاووس اليماني: قال ابن حزم في المحلى: ومن التابعين القائلين بحلية المتعة طاووس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة.
19- عطاء أبو محمد المدني: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة، فقال: استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر وعمر. صحيح مسلم ج2 ص1023.
20- السدي: قال ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم إن الآية في نكاح المتعة. تفسير أبو حيان التوحيدي ج3 ص218. وفي تفسير ابن كثير ج1 ص474 كان ابن عباس وأبي ابن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرأون: (فما استمتعتم به منهم إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن).
21- سمر بن جندب قال: كنا نستمتع على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الإصابة ج2 ص81.
22- زفر بن أوس المدني: عده ابن نجيم في البحر الرائق ممن ثبت على إباحتها.
23- مجاهد: قال: الآية نزلت في نكاح المتعة. هامش تفسير مجاهد ص152. وتفسير أبو حيان ج3 ص218 وتفسير البغوي على هامش تفسير الخازن ج1 ص423. وتفسير ابن كثير ج1 ص474.
24- أبو ذر الغفاري: عن أبي بكر التيمي عن أبيه والحرث بن سويد قالا: قال أبو ذر في الحج: والمتعة رخصة أعطاناها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). زاد المعاد لابن القيم ج1 ص207. وصحيح مسلم ج2 ص897.
25- مالك بن أنس: قال في تفسير الآية: هو نكاح المتعة جائز لأنه كان مشروعاً فيبقي إلى أن يظهر ناسخه. تبيان الحقائق في شرح كنز الرقايق. مجمع الأنهر في شرح ملتقي الأبحر في الفقه الحنفي طبع الأستانة سنة 1319 المجلد الأول ص271. وقال السرخسي في المبسوط: المتعة باطلة عندنا جائزة عند مالك بن أنس وهو الظاهر من قول ابن عباس. وينسب جواز المتعة إلى مالك في فتاوي الفرغاني، والكافي في الفروع الحنفية، والعناية في شرح الهداية، والهداية في شرح البداية ص385.
26- ابن جريح: قال الشافعي: استمتع ابن جريح بتسعين امرأة تهذيب التهذيب ج6 ص406 وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ج2 ص151 تزوج ابن جريح نحواً من تسعين امرأة نكاح المتعة.
27- عبد الملك بن عبد العزيز المكي: وقد ذهب إلى إباحة المتعة مثل ابن جريح. تهذيب التهذيب ج6 ص406.
هذه نخبة من الصحابة والتابعين والمحدثين وفقهاء الأمة وجميعهم قالوا بحلية زواج المتعة ومشروعيتها في الإسلام وأنها نزلت في القرآن وعُمل بها على عهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر وعمر، وأمر أكثرهم بأنها لم تنسخ لا بالقرآن ولا بالسنة.
تقرير الفخر الرازي صاحب التفسير حول المتعة
أورد الرازي في تفسيره ج10 ص50 هذه الآراء عن زواج المتعة وحليته فقال عند تفسيره آية: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)، ما نصه:
أن المراد بهذه الآية حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام، روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) طول العزوبة فقال: استمتعوا من هذه النساء، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة إلى أنها صارت منسوخة، وقال السواد منهم: إنها بقيت مباحة كما كانت. وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين، أما ابن عباس فعنه ثلاث روايات:
الأولي : القول بالإباحة المطلقة، قال عمارة: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ قال: لا سفاح ولا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: هي متعة كما قال تعالي، قلت: هل لها عدة؟ قال: نعم عدتها حيضة، قلت: هل يتوارثان؟ قال: لا.
الثانية : أن الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة قال ابن عباس: قاتلهم الله إني ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق، لكني قلت: إنها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم والخنزير له.
الثالثة : أنه أقر بأنها صارت منسوخة.
أما عمران بن الحصين فإنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها، وأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمتعنا بها، ومات ولم ينهنا عنه، ثم قال رجل برأيه ما شاء.
وأمير المؤمنين على بن أبي طالب u فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة، وروي محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن على ابن أبي طالب u أنه قال: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زني إلا شقي.
أن الأمة مجمعة على أن نكاح المتعة كان جائزاً في الإِسلام، ولا خلاف بين أحد من الأمة فيه، وإنما الخلاف في طريان الناسخ، فنقول: لو كان الناسخ موجوداً لكان ذلك الناسخ إما أن يكون معلوماً بالتواتر، أو بالآحاد، فإن كان معلوماً بالتواتر، كان على بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعمران بن الحصين منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك يوجب تكفيرهم، وهو باطل قطعاً، وإن كان ثابتاً بالآحاد فهذا أيضاً باطل، لأنه لمَّا كان ثبوت إباحة المتعة معلوماً بالإجماع والتواتر، كان ثبوته معلوماً قطعاً، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون دافعاً وإنه باطل.
قالوا: ومما يدل أيضاً على بطلان القول بهذا النسخ أن أكثر الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وأكثر الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح، وهذان اليومان متأخران عن يوم خيبر، وذلك يدل على فساد ما روي عنه أنه صلى الله عليه وسلم نسخ المتعة يوم خيبر، لأن الناسخ يمتنع تقدمه على المنسوخ، وقول من يقول: إنه حصل التحليل مراراً والنسخ مراراً ضعيف، لم يقل به أحد من المعتبرين، إلا الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات.
ومن رواية عمر التي قالها على المنبر: متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا أنهى عنهما: متعة الحج ومتعة النساء، نري أن هذا تنصيص منه على أن متعة النكاح كانت موجودة في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقوله: وأنا أنهى عنهما يدل على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نسخه وإنما عمر هو الذي نسخه.
وإذا ثبت هذا فنقول: هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتاً في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه ليس ناسخ إلا نسخ عمر، وإذا ثبت هذا وجب أن لا يصير منوسخاً بنسخ عمر، وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين حيث قال: إن الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخري، وأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء، يريد عمر نهى عنها.
"الفاروق عمر وقضية تحريم المتعة"
ومما يُعين على فض الاشتباك والحد من هذا التناقض الغريب العجيب في مسألة (تحليل المتعة) أو تحريمها بالنسخ. ما أعلنه الفاروق عمر نفسه صراحة بما روى عنه في الصحيح: قوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا أحرمهما.
فعمر نفسه t لَمْ يدَّع النسخ وإنما قد أسند النهىَ والتحريم لنفسه. ولو كان هناك ناسخ لأسند التحريم إلى الله تعالى أو إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن ذلك أبلغ في الزجر وأولى بالذكر وقد ذكر العلامة الأزهرى أ.د/ أحمد حسن الباقوري في كتابه "مع القرآن صـ174"
ومن المواطن التي تستوقف النظر نهى عمر عن متعة الحج ومتعة النساء، قارنا بينهما؛ ثم انصراف الناس عن الاهتمام بمتعة الحج وسكوتهم عنها، إلى الاهتمام بمتعة النساء اهتماما أطلق ألسنتهم بالجدل وأقلامهم بالتدوين. فلماذا نهى عمر عن المتعتين؟ وما الذي ساغ له النهي عنهما؟
ثم لماذا أقبل المسلمون مع مضى الزمن على متعة الحج بغير جدال، وامتلأت كتب الفقهاء بالطعن والتجريح لمتعة النساء. فأما أن سيدنا عمرt وأرضاه نهى عن المتعتين، فلا نشك في أن داعيا قويا من الرعاية لمصلحة الأمة، وابتغاء خيرها، دعاه إلى ذلك.
ولعل داعية إلى النهى عن المتعة في الحج ما رآه من مظاهر الترف في التحلل من العمرة إلى الحج، بما يستلزمه ذلك من لبس الثياب اللينة ومس الطيب الغالي، وإشباع الشهوات، وما إلى ذلك من الأمور التي قد تضعف الروحانية في المستمتع، والتي قد تثير نفوس الذين لا يجدون السبيل إلى ما ينعم به رفقاؤهم من الحجيج.
وأما متعة النساء، فلعل داعية إلى النهى عنها، ما كان يراه من اتساع الناس فيها، وإسرافهم في الإقبال عليها، وعدم اقتصارهم على موضع الحاجة منها، وذلك من شأنه أن يدعو إلى التزام الطرف المتارف والوقوع في المهالك، على نحو ما حدث بعد ذلك في المجتمع الإسلامي نتيجة للاستغراق في الشهوات.
وقد كان لعمر رحمه الله في هذا الباب من الفقه وبعد النظر والأخذ بالاحتياط ما يرضى الله عنه ورسوله والمؤمنون؛ وقد أضاف عمر النهى عن المتعتين إلى نفسه بضرب من الرأى. ولو كان قد انتهي إليه أن النبي نسخهما، ما أضاف النهي إلى نفسه، فإذا قد فعل وأضاف النهى إلى نفسه فقد دل ذلك على أن هذا من عنده وأنه رأي له. وليس هذا مما تضيق به شريعة الإسلام، فإن للحاكم أن يقيد المباح إذا رأي في ذلك مصلحة للأمة. 
ثم ذكر فضيلته بعد أن أورد أدلة المنع والإباحة صـ 179 وبهذا النظر تخيرنا القول بإباحة هذا النوع من الزواج وارتأينا ما يراه فقهاء آل البيت من مشروعيته مشروعية دائمة غير منسوخة فهم في هذا رضى الله عنهم كانوا من سعة الأفق وبعد النظر. بحيث لا يملك المسلم المنصف إلا أن يسلك طريقهم ويأخذ برأيهم إيثارًا للحق وابتغاء لمصلحة المسلمين.

ردود بين المانعين والمبيحين
ومن غرائب الأمور دعواهم النسخ بقوله تعالي: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6))([1]) بزعم أنها ليست بزوجة ولا ملك يمين([2]). قالوا: أما كونها ليست بملك يمين فمسلّم، وأما كونها ليست بزوجة فلأنها لا نفقة ولا إرث([3]) ولا ليلة. والجواب أنها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي، أما عدم النفقة والإرث والليلة فإنما هو بأدلة خاصة تخصص العمومات الواردة في أحكام الزوجات، كما بيناه فيما علقناه في هذه الفصول. على أن هذه الآية مكية([4]) نزلت قبل الهجرة بالاتفاق. فلا يمكن أن تكون ناسخة لإباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالإجماع.
ومن عجيب أمر هؤلاء المتكلفين أن يقولوا بأن آية (المؤمنون) ناسخة للمتعة، إذ ليست بزوجة ولا ملك يمين، فإذا قلنا لهم: ولِمَ لا تكون ناسخة لنكاح الإماء المملوكات لغير النكاح، وهنّ لسنَ بزوجات للناكح ولا ملك يمين له، قالوا حينئذٍ إن آية المؤمنين ونكاح الإماء المذكورات إنما شرّع بقوله تعالى في سورة النساء وهي مدنيّة: (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم) ([5]) الآية، والمكي لا يمكن أن يكون ناسخاً للمدنيّ لوجوب تقدم المنسوخ على الناسخ، يقولون هذا وينسون أن المتعة إنَّما شرّعت في المدينة بقوله تعالى في سورة النساء أيضاً: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)([6]).
2) ألفاظ الأذان
اتفق أتباع المدرستين (الإمامة والخلافة) على أن الأذان شعيرة إسلامية عند دخول وقت الصلاة المفروضة وقد أجمعوا على أن صيغته وألفاظه المجمع عليها هي:
1- التكبير  2- الشهادتان  3- الحيعلتان  4- كلمة التوحيد
ولكن الخلاف في ذكر جملة "حىَّ على خير العمل" وجملة "واشهد أن عليًا ولىُّ الله" وتبيانا لهذه المسألة أنقل ما ورد في كتاب [المواجهات] حوار بين الشيعة والسنة.
ويتضمن هذا الكتاب نصَّ حوارٍ علمي موضوعي أجرته إذاعة الصوت الإسلامي بمدينة سيدني استراليا عام 1420هـ - 2000م بين العبد الفقير – والعلامة المحقق الدكتور/ عبد الجبار شرارة إمام الطائفة الشيعية في سيدني (رحمةُ الله عليه) حيث ورد في الكتاب صـ217.
ومن الأمور الثابتة أيضاً، وهذه ما ذكره البيهقي في سننه في الجزاء، صفحة: 524، وأيضاً في المحلّي لابن حزم يراجع الجزء الثالث، صفحة: 160، طبعة دار الجيل وشرح التجريد للقوشجي آخر آخر مبحث الإمامة صفحة: 484، يقول: كان في الأذان حيّ على خير العمل، وأُسقطت، فالمسألة إذن ليس كما طُرح في السؤال.
أقول: فإذا جاز إسقاط ما هو جزءٌ من الأذان مثبّت باعتراف العلماء، وإضافة جزء آخر ليس في الأذان أيضاً وهو: الصلاة خيرٌ من النوم. راجع في ذلك إن شئت الموطأ الجزء الأوّل، صفحة: 69، نشر دار الكتاب، وشرح الزرقاني على الموطأ.
فلماذا يباح هنا ويُمنع هناك.
ثم أضاف الدكتور/ شرارة طيب الله ثراه.
أود أن أنبه على أمر هام وهو ما يفعله الناس من زيادة أشهد أنّ عليّاً وليّ الله من هذا القبيل. ثمّ أوّلاً بإجماع الفقهاء من أدخل هذه الكلمة في الأذان على أنّها جزء من الأذان فأذانه باطل (من أدخلها) أيّ اعتبرها جزءاً من فصول الأذان، ليسمع الجميع الشيعة والسنّة ليسمعوا هذا الكلام وأنا أنقل هذا عن فقهائنا يقولون: من أدخل أشهد أنّ عليّاً ولي الله في الصلاة بهذا العنوان بعنوان الجزئية فقد كذب وشرّع باطلا. أمّا من أراد أن يوردها باعتبار أنّه إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله يمكن أن يذكر آله، ومن آله أو رأس آله علىّ u، بهذا العنوان فلا بأس.
هذا ولعل المسلم المنصف الذي ينشد الحق بلا تعصب سنياَّ كان أم شيعيًا.
قد يتفق معي إلى أن إضافة عبارة (واشهد أن علًيا ولىُّ الله) إلى ألفاظ الأذان. لها دوافع سياسية.
ذلك عندما اشتد البلاء وعمَّ التنكيل والشقاء بآل بيت النبوة ومن يشايعهم ويناصرهم. حتى بلغ الأمر بالطغم الحاكمة آنذاك أن تَفْرِضَ على خطباء المساجد لَعْنَ الإمامِ على u من فوق أعواد المنابر والعامة المغلوبون على أمرهم يؤمِّنون. واستمر هذا الحال زهاء 82 سنة حتى إذا ما آل أمر الخلافة في عهد الدولة الأموية إلى الخليفة العادل عمر بن العزيز t.
فأمر بوقف هذه الجريمة النكراء. ووضع محل اللعن الأية القرآنية (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90).
فلما دالت الأيام وصار الأمر بيد أشياع وأنصار العترة الطاهرة زادوا هذه العبارة. فهو بحق ولىُّ المؤمنين. وناصر الدين. وحجة الله بين المسلمين. وصهر وابن عم خاتم النبيين هذا لا خلاف فيه. وإنما الخلاف في زيادتها في ألفاظ الأذان أمَا وقد زالت الأسباب والدوافع. وقد كفانا الله شرَّ النواصب والروافض على السواء. والأمة مجتمعة على حُب النبي وآله الأطهار. فهم مصابيح الهدى. وأمان الأمة وسفينة نجاتها: فهل يتمكن العلماء الرساليون من مدرسة الإمامة من الإكتفاء بما هو متفق عليه من ألفاظ الأذان وحيث لا يقدح ذلك في عقيدة الولاية والإمامة لأمر المؤمنين u.
3) مسح القدمين أم غسلهما
من غير اللائق أن يختلف المسلمون على كيفية وضع اليديْن حال القيام في الصلاة. هل يضعهما المصلى على الصدر أم تحت السرة أم يسدلهما إلى جنبيه. وهم يضعون أيديهم في الأيدي الملطخة بدماء إخوانهم ومن احتل أرضهم وهتك عرضهم ودنس مقدساتهم ومن العيب أيضاً أن يختلفوا على غسل القدمين أم مسحهما حال الوضوء. وهم لا يملكون موضع قدم يقيمون عليه شرع ربهم وحكم إسلامهم وسنة نبيهم.
ولكنني أشير إلى دليل وحجية القائلين بمسح القدميْن عند الوضوء. لتضييق هوة الخلاف ولبيان أن الأمر فيه سعة ولا يستوجب الذم أو التسفيه. ولا أقصد من وراء ذلك تغليب مذهب على أخر أو القول بمخالفة جمهور المسلمين.
ومحل النزاع كلمة (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) من الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) (المائدة: 6) ففي الآية قراءتان صحيحتان (فمن قرأ) بفتح اللام (وأرْجُلَكم) فقد أوجب الغسل عطفًا على الوجه ومن قرأ (وأرْجُلِكم) بكسر اللام. فقد أوجب المسح عطفا على الرأس. فإن قلت قد وردت أحاديث صحيحة تبين صفة وضوء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه كان يغسل القدميْن على جميع أحواله؟؟
أجاب القائلون بقراءة (الجر) أن خبر الآحاد لا ينسخ القرآن الحكيم.
وقد استدل أصحاب الرأيين بأدلة لغوية نحوية لبيان هذا العطف بما لا يسع المجال ذكره أو الخوض فيه واختصارًا للأمر أنقل ما أورده الإمام القرطبي في تفسير. وما ذكره الفخر الرازي في تفسيره فقد ورد في تفسير الأحكام "للقرطبي" جـ6 صفحة 92، 93.
قلت: قد رُوى عن ابن عباس أنه قال: الوضوء غسلتان ومسحتان. وروى أن الحجاج خطب بالأهْوَاز فذكر الوضوء فقال: أغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم، فإنه ليس شئ من ابن أبن أدم أقرب من خبثه من قدميه؛ فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعَراقيبهما. فسمع ذلك أنس بن مالك فقال: صدق الله وكذب الحجاج؛ قال تعالى (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ). قال: وكان إذا مسح رجليه بلّهما، وروى عن أنس أيضاً أنه قال: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل. وكان عِكرمة يمسح رجليه وقال: ليس فى الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح. وقال عامر الشعبى: نزل جبريل بالمسح؛ ألا ترى أن التيمم يمسح فيه ما كان غسلا، ويُلغى ما كان مسحا. وقال قتادة: افترض الله غسلتين ومسحتين. وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح, وجعل القراءتين كالروايتين؛ قال النحاس: ومن أحسن ما قيل فيه؛ أن المسح والغسل واجبان جميعا، فالمسح واجب على قراءة من قرأ بالخفض، والغسل واجب على قراءة من قرأ بالنصب، والقراءتان بمنزلة آيتين. قال ابن عطية: وذهب قوم ممن يقرأ بالكسر إلى أن المسح في الرّجلين هو الغسل.
قلت: هو الصحيح؛ فإن لفظ المسح مشترك، يطلق بمعني المسح ويطلق بمعني الغسل؛ وبعد أن ساق الأدلة تُرجح رأي القائلين بغسل القدميْن ذكر صـ 93 وقد قيل: إن الخفض في الرجلين إنما جاء مقيِّدا لمسحهما لكن إذا كان عليهما خُفَّان، وتلقينا هذا القيد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذْ لم يصح عنه أنه مسح رجليه إلا وعليهما خُفّان، فبين (صلى الله عليه وآله وسلم) بفعله الحال التي تُغسل فيه الرِّجل والحال التى تمسح فيه، وهذا حسن.
نص ما أورده الإمام الفخر الرازي في تفسيره جـ11 صـ305
المسألة الثامنة والثلاثون: اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن على الباقر: أن الواجب فيهما المسح، وهو مذهب الإمامية من الشيعة. وقال جمهور الفقهاء والمفسرين: فرضهما الغسل، وقال داود الأصفهاني: يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية. وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل.
حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب، فنقول: أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: هذا كسر على الجوار كما في قوله: جُحْرُ ضبٍ خَرِبٍ، وقوله كبير أناس في بجاد مزمل.
قلنا: هذا باطل من وجوه: الأول: أن الكسر على الجوار معدود من اللحن الذي قال يتحمل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام الله يجب تنزيهه عنه. وثانيها: أن الكسر إنما يصار إليه حيث يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: جحر ضب خرب، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل. وثالثها: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضاً: إنها توجب المسح، ولذلك لأن قوله (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ) فرؤوسكم في النصب ولكنها مجرورة بالباء، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس، والجر عطفاً على الظاهر، وهذا مذهب مشهور للنجاة.
هذا ويمكنك الرجوع إلى تفسير الرازي في الجزء 11- صفحة 305، 306 وما أورده من حجج لغوية وأقوال فقهية لأصحاب الرأيين في مناخ علمي مُفْعم بالحب والتقدير والاحترام ولِمَ لا يكون هذا دأب العلماء مادام اللفظ القرآني يحتمل هذه الوجوه. فاللهم ارزقنا أدب العلماء وفهم الحكماء.
4) الجمع بين الظهرين والعشاءين
أوَدُّ أن أُؤكد بادئ ذى بدء أن الثابت والمعتمد أداء الصلوات الخمس في مواقيتها هو الأفضل والأكمل وأن الجمع بين الظهريْن والعشاءين جائز وهو الأيسر لمن أراد أن يأخذ بالرخصة. قائلين بما قال به السادة المالكية بأن صلاتى الظهر والعصر مشتركتا الوقت وأن العشاءيْن (المغرب والعشاء) مشتركتا الوقت متأولين من فهم قرآني يبين مواقيت الصلاة وأنها ثلاثة للآيتين القرآنيتين.
الأولي قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) (الإسراء: 78)
والثانية: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ) (هود: 114)
معتمدين على هذا الفهم للأوقات المشتركة بين الظهرين والعشاءين بما أورده الفخر الرازي جـ21.
طبعة بيروت الطبعة الثالثة دار إحياء التراث العرب يقول الرازي: فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات: وقت الزوال ووقت أوّل المغرب ووقت الفجر، وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر، هذا تعبير الفخر الرازي، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء فيكون الوقت مشتركاً ايضاً بين هاتين الصلاتين، فهذا يقتضي جواز الجمع على حدّ قول الفخر الرازي بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء هذا هو الدليل من القرآن. وللتأكيد على ما قاله الرازي قال البغوي في معالم التنزيل: حمل الدلوك على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به؛ لانّا إذا حملنا عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها، فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر معاً، وإلى غسق الليل يتناول المغرب والعشاء معاً، وقرآن الفجر هو صلاةٍ الصبح.
ومن السُّنة فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أحرجه الإمام مسلم في صحيحه جـ5 صـ183 (طبعة دار الكتب العلمية بيروت) تحت عنوان "باب الجمع بين الصلاتين) كما أخرج هذه الأحاديث الإمام الترمذي جـ1 صفحة 355 وهذا نص ما أخرجه الإمام مسلم.
خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم يعني حلّ وقت المغرب ولم يصلّوا العصر فجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة قال: فجاءه رجل من بني تميم يقول: (الصلاة الصلاة) وجعل يُردّدها فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنّة لا أمّ لك؟! ثم قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك (يعني شكّيت) فأتيت أبا هُريرة فسألته عن صحّة هذا الحديث فصدّق مقالته يعني أبو هريرة صدّق ابن عباس t - على أيّة حال.
وفي رواية قال رجل لابن عباس: الصلاة، فسكت ثمّ قال: الصلاة، فسكت، ثم قال الصلاة، فسكت ثم قال: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة؟! وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! أنظر يا أخي صفحة: 218 وأنا مازلت أقرأ مباشرة من كتاب صحيح مسلم بشرح النووي هذه الروايات الثابتة في مسلم كما تراها وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب. وقد قال الترمذي في آخر كتابه ليس من حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلاّ حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قتل شارب الخمر في المرّة الرابعة هذا حديث لم يعملوا به. وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله فهو حديث منسوخ دلّ الإجماع على نسخه. وأمّا حديث ابن عبّاس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوالٌ: فمنهم مَن تأوّله على أنّه جمع بعذر المطر وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدّمين وهو ضعيف بالرواية الأخري من غير خوف ولا مطر، ومنهم من تأوّله على أنّه كان في غيم فصلى الظهر ثمّ انكشف الغيم وبان أنّ وقت العصر دخل فصلاّها، وهذا أيضاً باطل، هذا كلام الإمام النووي في شرح مسلم، قال هذا أيضاً باطل؛ لأنه وإن كان فيه أدني احتمال في الظهر والعصر لكن لاحتمال فيه بين المغرب والعشاء. ومنهم من تأوّله إلى تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاّها فيه فلمّا فرغ منها دخلت الثانية فصلاّها فصارت صلاته صورة، يسمّونها الجمع الصوري عند الفقهاء ولكنّه أخَّر الظهر وقدّم العصرٍ. فأيّ تخفيف في ذلك؟َ تعالَ أنظر ما يقول النووي، قال: وهذا أيضاً ضعيف أو باطل لأنّه مخالف للظاهر مخالفةً لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستناده إلى الحديث لتصويب فعله، وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح لردّ هذا التأويل. ومنهم من قال: هو محمول على المجموع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطّابي والمتولّي والروياني من أصحابنا، هذا هو المختار من تأويل ظاهر الحديث. وذهب جماعة من الأئمّة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطّابي عن القفّال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي في الترمذي واختاره ابن المنذر ويؤّيده ظاهر قول ابن عبّاس: حتى لا يُحرج أمّته.
5) السجود على التربة
إن السجود على الأرض أو على ما أنبتته هو الأصل في عبادة السجود وهو عمل الصحابة والتابعين.
وأن السجود على الثوب وغيره جائز للضرورة وأن فرش المساجد بالسجاجيد والموكيت الصناعي إنما هو من قبيل العادة التي قضت على العبادة.
نقول هذا حتى إذا رأيت أخاك المسلم الشيعي حريصًا على تطبيق السنة بالسجود على تربة الأرض أو على ما أنبتته من ورق أو خشب أو سعف النخيل. فلا يدفعنك التعصب الأعمى إلى رميه بالفسق أو الشرك أو الضلال. جهلاً وظلمًا بغير علم.
ومما تجب معرفته أن فقهاء الإمامية لا يشترطون بصحة الصلاة أن تكون (السجدة) من تربة كربلاء خاصة ومن غالى في ذلك فقد تعدى وظلم.
أما تفضيل تربة على تربة فذا موضوع أخر وفي الأمر سعة والمجال لا يتسع للتفصيل وذلك ويمكنك مراجعة المستدرك للحاكم جـ4 صـ398 ومجمع الزوائد جـ9 صـ290 ترى عناية واهتمام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتربة كربلاء فالسجود على تربة الأرض أو على ما أنبتته لا يُعَدُّ شركا فشتان شتان ما بين من يسجد للتربة ومن يسجد على التربة لله وحده لا شريك له.
وقد أجاب الإمام الصادق رضي الله الصادق t عن الحكمة في السجود على الأرض فقال ذلك أن السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما أُكل أو لُبس، فقلت له: جعلت فداك ما العلة في ذلك: قال: لأن السجود هو الخضوع لله U، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله U، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها، والسجود على الأرض أفضل وأبلغ في التواضع والخضوع لله U.
الأحاديث والآثار التي تبين كيفية سجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة والتابعين
1- ورد في فتح الباري على شرح البخاري للعسقلاني جـ1 صـ582 أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلى على الخمرة وهي مصنوعة من مسعف النخيل. ثم قام بشرح معنى الخمرة صـ226 فقال: هي قطعة صغيرة من سعف النخيل سمّيت بذلك لسترها الوجه، وكذلك يقف عليها من حرّ الأرض وبردها، فإن كانت كبيرة يطلق عليها حصيراً ثمّ يقول: لا خلاف بين فقهاء الأمصار وفقهاء البلاد في جواز الصلاة عليها أي الخمرة مطلقاً إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنّه كان يؤتى بتراب فيوضع فوق الخمرة فيسجد عليه: الخمرة هي نفسها حصير فيوضع التراب فوقها ولعلّه كان يفعله على جهة المبالغة بالتواضع والخشوع" هذا الكلام في صحيح البخاري. وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير: أنّه كان يكره الصلاة على شيء غير الأرض، وكذا روي عن طريق غير عروة ويحمل على كراهة التنزيه يعني مكروه كراهة تنزيهيّة لا كراهة تحريميّة، إذا صلّيت على شيء غير الأرض أو ما نبت منها. ويقول في صفحة: 583 قوله باب الصلاة على الحصير، قال ابن بطّال: إذا كان ما يصلّي عليه كبيراً قدر طول الرجل فأكثر فإنّه يقال له حصير ولا يقال له خمرة، فإنّ ذلك كلّه يصنع من سعف النخيل وما أشبهه يعني من الحَلْف من نبات الأرض.
وفي صفحة 586 باب الصلاة على الفراش، روى البخاري بسنده "إنّهم كانوا يكرهون أن يصلّوا على الطنافس والفراء والمسوح (الجلود) وأخرج عن جمع من الصحابة والتابعين جواز ذلك وقال مالك: لا أري بأساً بالقيام عليها إذا كان يضع جبهته ويديه على الأرض".
2- أخرج البيهقي من حديث أنس بن مالك t قال: "كنت أصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الظهر فأخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد واضعها لجبهتي إذا سجدت من شدة الحر.
3- عن أنس قال: "كنا مع رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده، فإذا برد وضعه وسجد عليه"
قال البيهقي بعد نقله حديث أنس: قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود وبالله التوفيق.
سنن البيهقي جـ1 صـ439 – والأحوذى جـ1 صـ405، عون المعبود جـ1 صـ249.
4- عن ابن مسعود: "شكونا إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حر الرمضاء فلم يشكنا" كذا في لفظ ابن ماجة وسيرتنا ص 127 عن نيل الأوطار، وفي لسان الميزان ج2 ص63 عن جابر.
راجع صحيح مسلم جـ1 صـ433 وجميع كتب شراح السنن ونقل السمهودي صـ656 أن المسجد النبوي بقي غير مفروش بالحصباء إلى زمن خلافة عمر بن الخطاب t.
5- وقد أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من صحابي بقوله:
عَفِّر وجهك في التراب. وفي رواية: تَرّبْ وجهك لله إرشاد السارى جـ1 صـ405 – أحمد جـ6 صـ306 البيهقي في الكبري جـ2 صـ105.
6- روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا سجدت فمكّن جبهتك وأنفك من الأرض.
7- قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر: "الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصلّ".
8- عن رفاعة بن رافع مرفوعاً: ثم يكبر فيسجد فيمكّن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتستوي.
9- روي عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا سجدت فمكّن جبهتك وأنفك من الأرض.
10-  تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة (عن سلمان ره).
راجع أحكام القرآن للجصاص جـ3 صـ36، النسائي جـ2 صـ32 وكنز العمال جـ7 صـ 325.
11- روي عن عائشة قالت: "ما رأيت رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) متقياً وجهه بشيء" تعني في السجود المنصف جـ1 صـ397 – كنز العمال جـ4 صـ212.
هذا الحديث يدل على العمل المستمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يدل على الوجوب، لأنه لو كان فضلاً لخالف في عمله مرة أو مرات لبيان عدم الوجوب، أو لصرح بذلك، ولنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة حسنة، وما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يجب أخذه وإن كان بيانه بالعمل، لأن فعله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجة كقوله يجب إتباعه.
12- عن أبي سعيد الخدري أنه رأي الطين في أنف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أثر السجود وكانوا مطروا من الليل البخاري جـ1 صـ207 – 212.
وفي لفظ البخاري "حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأرنبته"
وفي لفظ البخاري أيضاً "رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسجد في الماء والطين حتى أثر الطين في جبهته".
هذا وقد وردت أحاديث أخرى تفيد جواز السجود على الثوب ولكنها عُلِّلَتْ أن ذلك كان لشدة الحر في مكان السجود وفي لفظ مسلم: كنا نصلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدُنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه راجع صحيح مسلم جـ1 صـ433 والبخاري جـ1 صـ143 كذا أصحاب السنن فهل يليق بمسلم يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يُنكر أو يسفه مسلمًا يحرص على التأسي بالسنة النبوية عند سجوده؟؟ مراعاة لسلطان العادة التي تغلبت على العبادة.
6) التَقِيَّة
التقية رُخصة شرعية ورحمة ربانية.
ومصدر مشروعيتها الكتاب – والسنة – وعمل الصحابة ودليها من كتاب الله تعالى آيتان.
أولاهما قوله تعالي: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء) (آل عمران: 28)
وثانيتهما قوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ) (النحل: 106)
ومعنى التَقِيَّة أن يخفى المسلم إسلامه وإيمانه وأسرار أمته إتقاء ودفعًا لضرر قد يلحق به في نفسه أو ماله أو أهله أو مصلحة دينه وأمته.
والتقية بخلاف النفاق: لأن النفاق هو إخفاء الكفر والشرك وإظهار الإسلام وإدعاء الإيمان.
بينما التقيِّة على العكس من ذلك فهي إخفاء الإسلام والإيمان وإظهار الكفر واليعاذ بالله تعالي.
وبالرجوع إلى جميع كتب التفاسير المعتبرة نجد أن هذا النصِّ القرآنىِ قد نزل بشأن قصة عمار بن ياسر المشهورة عندما مارست قريش عليه الأذى وحملوا عليه ليظهر كلمة الكفر. فنطق بها مُكرَهًا. ولما حزن لذلك فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نادمًا: طمأنه نبي الرحمة وقال له: "أن عادوا فَعُدْ" ابن كثير جـ2 صـ608.
ومن السنة ما أخرجه البخاري في حكم مداراة الناس ومخاطبتهم على قدر عقولهم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنا لنبش فى وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم صحيح البخاري جـ7 صـ102.
وفيه أيضا عندما أستأذن رجل سيء الخلق: فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أئذنوا له بئس أخو العشيرة.؟ فلما دخل ألان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) له في الكلام ولما سألته عائشة في ذلك قال: إن شرَّ الناس من يتقى الناسُ مُحَشَه ومنها أيضا ما أخرجه الإمام البخارى باب حفظ العلم الحديث رقم 181 جـ1 صـ59 طبعة دار التراث أن أبا هريرة قال: حفظت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعائين (أي من الأحاديث) فأما أحدُهما فبثثتُه (أي نشرتُه) وأما الأخر فلو ثبثتُه لقطع منى هذا البلعوم.
وما فعل هذا أبو هريرة إلا تقِيَّةً ومراعاة لحال الناس ومن يطالع كتب التاريخ وبخاصة (مقاتل الطالبيين) ومحنة آل البيت وما حل بهم من تنكيل وتقتيل. وكيف كان الولاء لبيت النبوة يُعتبر جريمة أمنِ دولةٍ عُلْيا. تُؤهل صاحبها للصعود إلى أعواد المشانق يدرك الضرورة الشرعية التي ألجأت المظلومين والمضطهدين إلى الأخذ بهذه الرخصة الشرعية والتقية لها مظانها وشرائطها. ولها أحكامها بحسب الظروف والبيئات المكانية والفردية والجماعية.
فقد تكون واجبة أو جائزة أو محرمة أو مكروهة. وقد أحسن الكلام فيها الفخر الرازي في تفسير الآية رقم 28 من سورة آل عمران في كتابه: تفسير مفاتيح الغيب. فراجع هذا الكتاب.
ولا يجوز أن تكون التقية سببًا في قتل مؤمن أو سلب ماله أو عرضه أو فيما يعلم أو يغلب على الظن أنه استفساد للدين. كما نص على ذلك الطبرسي في مجمع البيان.
وهناك أية صريحة الدلالة على كتمان الإيمان تقية.
قوله تعالي: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) (غافر: 28) ومع كتمانه لإيمانه حفاظا على نفسه إلا أن الله تعالى وصفه بالرجولة وقد ثبت في الصحيح أن مسيلمة الكذاب ظفر برجلين من المسلمين فقال لهما: إشهدا أني رسولُ الله وأطلق سراحكما.
فقال أحدهما: أشهد أن محمدًا رسول الله. وأنك يا مسيلمة كذابٌ عدوَُ الله فقتله مسيلمة.
بينما صرح الأخر بكلمة الكفر وشهد لمسيلمة بالرسالة. فأطلقه ولما بلغ خبرهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أما الأول فقد تعجّل إلى الجنة وأما الأخر فقد أخذ بالرخصة ولكل أجره.
لطيفة عجيبة
مما يؤخذ على المسلمين الشيعة اتهامهم بالأخذ بالتقيه ولكن الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية التي تنتمي لأهل السنة والجماعة قد صادرت مبدأ التقية واستولت على جميع مخازنه لدي الشيعة.
واعتمدته اعتمادًا كاملاً بالجملة وبلا حدود ولا ضوابط في سياساتها الخارجية والتبعية الأمريكية والحوارات الصهيونية.
ولم يجد الشيعة في مخازنهم شيئًا من مادة التقية يستعملونه في جنوب لبنان أو في مواجهة الضغوط الأمريكية ودعم حركات المقاومة الإسلامية.
فأي الفريقين أولى بأن يُتَّهم بالتقية إن كنتم تعقلون.
7) البّداء
ومما يروجه تجار الفتنة قولهم إن الشيعة يقولون بالبَدَاء في حق الله تعالى.
فما هو البداء؟ البداء: نَسْخٌ أو تغيير أو تبديل لأمر قضاه الله تعالى على عبدٍ من عباده لسببٍ أو عمل علمه الله تعالى أزلاً.
مثل الإغناء بعد الافتقار. والإسعاد بعد الإشقاء. والمعافاة بعد الإمراض. والتوسعة في الرزق بعد التقتير... إلخ.
وهذا المعنى لا يتعدى مفهوم قوله تعالى: (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد: 39) كما قال تعالى: (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (الزمر: 47).
فالبداء هو نسخٌ في عالم التكوين. والنسخ هو في عالم التشريع فما كان وما هو كائن إلي يوم القيامة إنما هو في علم الله تعالى قبل أن يخلق الخلق.
أما القول بأن البداء هو ظهور علمٍِ جديدٍ لله تعالى لم يكن يعلمه فهو الكفر بعينه والعياذ بالله.
هذا ما نص عليه علماء الشيعة الأعلام مثل الشيخ/ المفيد في: ما لا يحضره الفقيه. والعلامة الشيخ/ كاشف الغطاء في أصل الشيعة وأصولها. وغيرهما من أعيان الإمامية.
ومن ذلك فداء إسماعيل بعد أمر خليله إبراهيم بذبحه فبعد أن ابتلاه الله تعالى وعلم أزلاً صدق سريرته وإخلاصه في طاعة الله والمبادرة إلى تنفيذ أمره جاء هذا الفداء. الذي كان في علم الله القديم.
وقد وردت كلمة البَدَاء صراحة في صحيح البخاري في حديث الثلاثة: الأعمى والأقرع والأبرص: تقول الرواية: ثلاثة بدا لله تعالى أن يتبليهم: فأرسل إليهم ملكًا.. الحديث يقول الإمام الصادق (4) من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم.
وقال: من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فإنني أبرأ منه لأنه قد خلع ربقة الإسلام من عنقه.
وقد أورد الإمام القرطبي جـ9 صـ330 في تفسير آية الرعد.
وعن أبي عثمان النهدى أن عمر بن الخطاب t كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحنى وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. وقال ابن مسعود: اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فآمحنى من الأشقياء وأكتبني في السعداء؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب. وكان أبو وائل يكثر أن يدعو: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فأمح وأكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبِت وعندك أمّ الكتاب. وقال كعب لعمر بن الخطاب: لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة.(يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ). وقال مالك ابن دينار في المرأة التي دعا لها: اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب. وقد تقدّم في الصحيحين عن أبى هريرة قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "من سَرّه أن يُبْسَط له فى رزقه ويُنْسَأَ له في أثَرِه فلْيَصِلْ رَحِمَه".
وقد ورد في الحديث قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر.
ولما كان الدعاء من قدر الله سبحانه وتعالى. فقد يقضي الله على عبده بشيء قضاء مُقَّيدًا (أى متوقفا على قضاء أخر).
فإن دعا العبدُ رَبَّه اندفع عنه القضاء.. بقضاء الدعاء.. وجميعه معلوم أزلاً عند العليم الخبير الذى لا يقع في ملكه إلا ما أراده.
8) التنابز بالفارسية والمجوسية والفرعونية
ومن أقبح ما تقوم به أبواق الشياطين وأعداء وحدة المسلمين وهم يركبون موجة الفتنة عائدين بالأمة الإسلامية إلى جاهلية ما قبل الإسلام.
فيثيرون العصبية الجاهلية وينبشون قبور جيف العرقية والجنسية التي دفنها الإسلام. وقال عنها (صلى الله عليه وآله وسلم): دعوها فإنها جيفة نتنة ليس منا من دعا لعصبية.. الحديث فنسمع هذه الأصوات الآثمة التي تتنابز بالألقاب "وجاء دور المجوس" "الفرس قادمون" "المد الصفوى" كل هذه النعوت توجه ضد الشعب الإيراني المسلم بعد نجاح ثورته الإسلامية وإعلانها المدوى الذي قلب كل الموازين والحسابات الغربية (اليوم طهران وغداً فلسطين) الشعب الإيراني في عهد نظام العميل الأمريكي الصهيوني شاه إيران. كانوا كرامًا بررة. ولكنهم بعد نجاح ثورتهم الإسلامية أصبحوا فرسًا مجوسًا فجرًة كفرة. فلا حول ولا قول إلا بالله العلي العظيم.
فهل يجوز أن نصف أهل الشام بالنصرانية والرومية وقد أكرمهم الله بالإسلام؟ وهل يجوز أن ننعت الشعب المصري بالفرعونية والوثنية وعبادة الأصنام بعد أن أنقذهم الله بالإسلام سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.
إن البلاد الفارسية والعجمية هي التي أنجبت لنا وقدمت للعالم الإسلامي أئمة الحديث والتفسير واللغة.
مثل الإمام البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي والنسائي والإمام أبي حنيفة، والغزالي، والزمخشري وابن سينا – والفارابي وغيرهم وغيرهم من عشرات الأئمة الأعلام في شتي العلوم والفنون"
ثناء الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل فارس".
إن رَمْيَ الشعب الإيراني المسلم بالفارسية ونعته بالمجوسية جاهلية جهلاء وعصبية عمياء. ومعول هدمٍ للوحدة الإسلامية المنشودة كما أنها كفر صريح بآيات الله تبارك وتعالى التي أعلنت (إنما المؤمنون أخوة).
(وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران 103).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (الحجرات11).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)  (الحجرات11).
وتكذيب لما أخبر به نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي جاء بكلمة التوحيد لتوحيد الكلمة: بقوله: المسلم أخو المسلم.. الحديث الصحيح.
وإنكار وتكذيب لما أخبر به الصادق المصدوق عن قوم فارس إنني أحيل القارئ الكريم إلى مراجعة كتب التفاسير للإطلاع على تفسير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للآيتين.
1- (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)
2- (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(4)) (الجمعة: 3-4)
ذكر القرطبي في تفسير سورة "الجمعة". (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) أي لم يكونوا في زمانهم وسيجيئون بعدهم. قال ابن عمر وسعيد بن جبير: هم العجم. وفي صحيح البخاريّ ومسلم عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ نزلت عليه سورة "الجمعة" فلما قرأ (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال رجل: من هؤلاءِ يا رسول الله؟ فلم يراجعْه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى سأله مَرَّة أو مرتين أو ثلاثاً. قال: وفينا سَلْمان الفارسيَ. قال: فوضع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على سلمان ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثُّرَيَّا لناله رجال من هؤلاء". في رواية "لو كان الدِّين عند الثُّرَياَّ لذهب به رجل من فارس – أو قال – من أبناء فارس حتى يتناوله" لفظ مسلم. وقال عكرمة: هم التابعون. مجاهد: هم الناس كلهم؛ يعني من بعد العرب الذين بُعث فيهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وقاله ابن زيد ومقاتل ابن حَيّان. قالا: هم من دخل في الإسلام بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يوم القيامة. وروى سهل بن سعد السَّاعدى: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "إن في أصلاب أمتى رجالاً ونساءً يدخلون الجنة بغير حساب – ثم تلا – "وآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ". والقول الأوّل أثبت. وقد روى أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "رأيتني أسقى غنماً سوداً ثم أتبعتها غنماً عُفْراً أَوِّلْها يا أبا بكر" فقال: يا رسول الله، أما السود فالعرب، وأما العُفْر فالعجم تتبعك بعد العرب.
فتدبر تفسير الصادق المصدوق ولا تقدم بين يديه تفسيرًا لأحد من الخلق.
وفي التفسير الكبير للفخر الرازي "تفسير سورة محمد" وراجع ابن كثير والطبرى. والدار المنثور.. وغيرهم.
أخرج سيعد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة t قال: لما نزلت (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) قيل: من هؤلاء وسلمان t إلى جنب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: "هم الفرس وهذا وقومه".
وأخرج عبد الرازق وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة t قال: تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) فقالوا يا رسول الله: من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على منكب سلمان ثم قال: "هذا وقومه والذي نفسه بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس".
وأخرج ابن مردويه عن جابر t أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تلا هذه الآية ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) الآية فسئل من هم، قال: "فارس لو كان الدين بالثريا لتناوله رجال من فارس".
وعلق صاحب الفتح (8/ 643) بَعْدَ ذكر الحديث الصحيح المذكور بقول: ويحتمل أن يكون ذلك قد صدر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) عند نزول كلٍ من الآيتين.
والحديث في صحيح مسلم دون سبب النزول عن أبي هريرة ولفظه لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس أو أبناء فارس حتى يتناوله.
هؤلاء هم الفرس الذين أخرجهم الله من الظلمات إلى النور ومن عبادة النار إلى عبادة الواحد القهار وذلكم هو ما أخبر به الرسول الأكرم عنهم من ثناء وتقدير. وهذا هو الحق وهل بعد الحق إلا الضلال.
لِمثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمَدٍ  .. إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ
فيا أهل المروءة والعدل والإنصاف.
هل يليق بنا أن ننكر ونكذب ما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
وهل يصح منا أن نقدح ونذم وننتقص من قَدْرِ قوم أثنى عليهم رسول الله.
وهل يجوز للمسلم أن يخوض مع الخائضين وأن يكون رقمًا في خدمة مشروع أعداء الدين فيقطع ما أمر الله به أن يُوصل ويتحول إلى معول يعين على هدم الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية.
نعم أيها الأخوة: ولسان الحال خيرٌ من ألف مقال.
وأن تتولوا يستبدل قومًا غيركم: في رفض إلا مَّعية والتبعية ورفض المنظومتين الشرقية والغربية.
ثم لا يكونوا أمثالكم في التخلي عن نصرة المقاومة الإسلامية والقضية الفلسطينية.
ثم لا يكونوا أمثالكم في فصل الدنيا عن الدين وإقصاء القرآن عن منصة الحكم لعزة المسلمين.
ثم لا يكونوا أمثالكم في التخلي عن الأخذ بأسباب القوة والمنعة تحقيقًًا لقوله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال: 60).
إن من تسنح له الفرصة لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويري ما يكنه ويحمله الإيرانيون من حب عظيم واحترام كريم لشعب مصر وعلمائها وقرائها وعشرات المدارس التي تعني بإحياء تراث كبار مقرئي القرآن الكريم من مشاهير القراء في مصر حيث نري عشرات المقلدين لمدرسة الشيخ/ رفعت ومصطفي إسماعيل، والمنشاوي وعبد الباسط وغيرهم من المشاهير والحشود الجماهيرية التي تتزاحم في القاعات أثناء تلاوة القرآن من أي مقرئ مصري يزور إيران. وما تشهده الأمسيات الدينية من جلال وإعجاب وتقدير. لا درك بكل جلاء فيضًا من إشراقات معاني هذه الآية.
9) موقف الشيعة من أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها
ومن المفتريات التي يُروجها دعاة الفتنة زعمهم أن الشيعة الإمامية يسبون السيدة/ عائشة أمَ المؤمنين وزوج خاتم النبيين. رضوان الله عليها ويتهمونها في عرضها وإن كان هذا الإتهام الذي يصدر عن الدهماء والجهلاء لا يعتمد على دليلٍ علمي أو مصدر موثوق معتبر.
إلا أن جميع أمهات الكتب المعتمدة لدي الشيعة الإمامية تذكر وتؤكد طهارة ونقاء أم المؤمنين عائشة التي أثبت القرآن براءتها من فوق سبع سموات.
وأن من شك في ذلك أو اعتقد غيره فهو كافر والعياذ بالله لأنه بهذا يكون مكذبًا لكلام الله سبحانه وتعالي وهذا نص ما ورد في كتاب (أصل الشيعة وأصولها) صـ210.
الوجه الخامس: (إنهم يطوّلون ألسنتهم على عائشة الصديقة "رضى الله عنها"، ويتكلمون في حقها من أمر الأفك، والعياذ بالله، ما لا يليق بشأنها)... إلى آخر افكه وبهتانه.
والجواب: أنها عند الأمامية وفي نفس الأمر والواقع أنقي جيباً، واطهر ثوباً وأعلى نفساً، وأغلى عرضاً، وامنع صونا، وارفع جنابا وأعزّ خدراً، وأسمى مقاماً من أن يجوز عليها غير النزاهة، أو يمكن في حقها إلا العفة والصيانة، وكتب الأمامية قديمها وحديثها شاهد عدل بما أقول. على أن أصولهم في عصمة الأنبياء تحيل ما بهتها به أهل الإفك بتاتا، وقواعدهم تمنع وقوعه عقلاً، ولذا صرّح فقيه الطائفة وثقتها أستاذنا المقدس الشيخ محمد طه النجفي (أعلى لله مقامه) وهو على منبر الدرس بوجوب عصمتها من مضمون الأفك عملاً بما يستقل بحكمه العقل من وجوب نزاهة الأنبياء عن أقل عائبة، ولزوم طهارة أعراضهم عن أدني وصمة، فنحن والله لا نحتاج في براءتها إلى دليل ولا نجوّز عليها ولا على غيرها من أزواج الأنبياء والأوصياء كل ما كان من هذا القبيل.
نعم إنهم يأخذون عليها. خروجها من بيتها مطالبة بدم عثمان وما نتج عن ذلك من مآسى في موقعة الجمل وكيف أنها اعترفت بخطئها وندمت على فعلها. وظلت تستغفر حتى أخر حياتها، نعم إنها الصديقة الطاهرة المبَّرأة. ولكنها ليست معصومة من الأخطاء التي لا تقدح في طهرها وكرامتها.
وَيْلُ للأقماع من الناس
هناك فارق كبير ما بين القمع والمصفاة (الفلتر) ذلك أن القمع مفتوح من الطرفين يسمح بمرور أي سائل يُصَبُّ فيه دون تصفية أو تنقية أو تحفظ.
فجميع السوائل تعبر هذا القمع من جهة إلى أخرى لا فرق بين طاهرها ونجسها. ولا بين نافعها وضارها وحلالها وحرامها.
وبينما (الفلتر أو المصفاة): تتوقف عندما يُصَبُّ فيها السائل ولا تسمح له بالمرور إلا بعد تصفيته وتنقيته من الشوائب.
وما آفة الأخبار إلا رواتها. وما سبب النوائب والمصائب وإيغار الصدور. وتشويه الحقائق ووصم البراء وظهور الحالقة.
إلا بسبب أقماع البشر ممن يتولَّون نشر الفتنة وترويج الأكاذيب والأباطيل جهلاً وافتراء بغير علم وربما استمع إلى مقولة من صعفوق جويهل أو دَعِيّ متعالم أو أطلع على كتاب لعميل مأجور وما أكثرهم.
فيعتمد هذا المصادر ويتولي كبَرها. ويتقرب إلى الله بنشرها ومناصرتها وكأنها وحي منزل من لدن حكيم خبير دون تمحيص أو تحقيق.
فكم من كتب مدسوسة تُنْسَب لأهل السنة والجماعة وهم منها براء. وكم من كتب مدسوسة محرفة تنسب لطائفة الشيعة الإمامية وهم منها براء ومما يعين على نشرها والترويج لها أولئك الأقماع من الناس الأقماع المفلسين الذين يخوضون مع الخائضين وسماسرة الفتنة المقدسين لأساطير الأولين دون مراعاة لمصلحة المسلمين أو اعتماد على سندٍ في الدين ومن نمط هؤلاء ما ذكره الأصفهاني في كتابه الشهير المحاضرات وهو من الكتب القيمة الممتعة قال: كان باصبهان رجل يقال له الكناني في أيام أحمد بن عبد العزيز وكان يتعلم أحمد منه الإمامة فاتفق أن تطلعت أم أحمد يوما فقالت يا فاعل جعلت أبني رافضيا، فقال الكناني يا ضعيفة العقل الرافضة تصلى كل يوم إحدى وخمسين ركعة وابنك لا يصلى في كل أحد وخمسين يوما ركعة واحدة فأين هو من الرافضة.
ومن هذا القبيل أيضاً ما حُكي أن رجلاً كان يشهد على آخر بالكفر عند جعفر بن سليمان فقال: إنه خارجي معتزلي، ناصبي، حروري، جبري، رافضي يشتم على بن الخطاب، وعمر بن أبي قحافة، وعثمان بن أبي طالب وأبا بكر بن عفان، ويشتم الحجاج الذي هو والي الكوفة لأبي سفيان وحارب الحسين بن معاوية يوم القطايف – أي يوم الطف أو يوم الطائف – فقال له جعفر بن سليمان: قاتلك الله ما أدري على أي شيء أحسدك؟ أعلى علمك بالأنساب! أم بالأديان أم بالمقالات؟
ومن هؤلاء الأقماع.
من تقول له زيدًا., فيسمعها عَمْرًا ويكتبها بَكًرا فاللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر برحمتك يا أرحم الراحمين.
التكفير شرٌّ مستطير
من أخطر ما نُكبت به الأمة الإسلامية ظاهرة التكفير التي يترتب عليها استحلال الدماء والأموال والأعراض.
ذلك أن العمى الفكرى والعَمَه العقدى الذى يطمس البصائر ويحتل العقول يجعل صاحبَه أشبه ما يكون بالقنبلة الموقوتة التي يسهل تفجيرها (بالروموت كنترول).
في أي زمان ومكان. وربما كان ذلك باستهداف المساجد وما فيها من راكع أو ساجد أو باستحلال دماء الأبرياء في بقاع الدول الإسلامية وغير الإسلامية.
إن الدعوة إلى نبذ العصبية والمذهبية هي دعوة إلى تفكيك وإبطال مفعول الصواعق المحركة لهذه القنابل الموقوتة التي أصابت عقول بعضِ شباب أمتنا.
وقد نال إعجابي وتقديري ما كتبه العلامة الشيخ/ محمد عرفه المصرى الأزهرى (عضو جماعة كبار العلماء) في محاضرته فى مؤتمر الوحدة الإسلامية سنة 1421هـ حيث قال:
هل من شكّ في أن الله تعالى يريد من المسلمين وإن اختلفت ديارهم وتباينت أوطانهم أن يكونوا أخوة متوادّين متحابّين متعاونين متناصرين؟؟
وهل من شك في أن أعظم نعمة أمتن الله بها على المسلمين هى: الألفة بعد الفرقة. والمحبة بعد العداوة؟؟ ....
لذلك لا أعلم فروضاً في الإسلام أقوى ولا آكد ولا أعم فائدة ولا أعظم جدوى من هذه الفروض التي هي المحبة والتعاون والتناصر بين المسلمين.
ولا أعلم فروضاً أهملت مع عظم خطرها كما أهملت هذه الفروض: أهملها العلماء فتركوها في زوايا الكتب ولم يسلطوا عليها الأضواء كما سلطوها على ما هو أقل منها شأناً، وإن الحيض والنفاس ومسائل المتحيرة لقد أخذت من العناية أكثر مما أخذت هذه الفروض.
إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبلغ بالمسلمين ما بلغوه من محبة وتضامن وتناصر حتى كان هجيراه تسليط الأضواء على هذه الفضائل فكان يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" وكان يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وكان يرتب الفضائل درجات ويجعل هذه الفضائل في الذروة.
ونحن نريد أن نبلغ من التعاون والقوة ما بلغوه ولما نعن بهذه الفضائل كما عنوا بها!.
إن فروضاً هذا شأنها كان ينبغي أن تؤخذ بقوة، وأن تلقّن للصبيان مع اللبن، وأن يُعَلموها في مدارس المرحلة الأولي وبقية المراحل، وأن يكون لها شأن لا يقلّ عن شأن أركان الإسلام الخمسة، وأن يكون في ذكر كل مسلم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يؤمن أحدهم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وأن يحذر كل مؤمن فوات الإيمان إن أبغض أخاه المسلم أو أبغض مصلحته. وكان يجب على علماء الإسلام أن يقفوا محافظين على محبة المسلمين بعضهم بعضاً ووحدتهم وتعاونهم، ولكنني لم أرَ فرضاً أعظم نفعاً ضيع كما ضيعت هذه الفروض، ولم أرّ حراماً أعم ضراً ارتكب كما ارتكب المسلمون أضدادها، بل إني أوشك أن أقول إن علماء كل فرقة كان لهم نصيب في توسيع هوَّة الخلاف بذلك الجدل الجاف الذي يحركونه حول مذاهبهم، وإن الإمام العالم منهم لتبدو منه الكلمة عامة تزرع الأحقاد، وتربي الإحن. يقول الزمخشري في تفسيره عند الكلام على رؤية الله في الأشعرية:

 
وجماعة سَمَّوْا هواهم سُنَّةً

 % لَجَمَاعَةٌ حُمُرٌ لَعَمُري مُؤكَفة

   
قد شبهوه بخلقه فتخوفوا

 % شنع الورى فتستروا بالبلكفة

 
وليست الأشعرية في كتبهم بأحسن مجاملة للمعتزلة ولا بأعف لفظاً وهكذا بقية الفرق، فلا عجب إذا حَمّلنا علماء كل فرقة نصيباً مما كان من فُرقة بين المسلمين.
هكذا ترك علماء المذاهب الخلاف والفرقة والبغضاء تدبّ إلى المسلمين دون أن يعملوا على إزالتها، ودون أن يعالجوها، مع أنهم كانوا يرون أن عواقب ذلك مخيفة محزنة، وهذا هو التاريخ يروي أن الخلاف – حتى بين أتباع المذاهب الأربعة الفقهية – كان له أثر سيء مع أنه من أهون الخلافات لأنه خلاف في الفروع العملية لا غير.
يذكر التاريخ أن الحنابلة من أهل جيلان كانوا إذا دخل إليهم حنفي قتلوه وجعلوا ماله فيئاً حُكمَهم في الكفار.
ويذكر أن بعض بلاد ما وراء النهر من بلاد الحنفية كان فيه مسجد واحد للشافعية، وكان والي البلد يخرج كل يوم لصلاة الصبح فيري ذلك المسجد فيقول: أما آنَ لهذه الكنيسة أن تغلق ! فلم يزل كذلك حتى أصبح يوماً وقد سُدً باب ذلك المسجد بالطين واللبن، فأعجب الوالي ذلك، وقد شاع أن المالكية يقولون الشافعي، غلام مالك، والشافعية يقولون أحمد بن حنبل غلام الشافعي، والحنابلة يقولون الشافعي غلام أحمد بن حنبل، والحنفية يقولون الشافعي غلام أبي حنيفة، لأنه غلام محمد بن الحسن، ومحمد غلام أبي حنيفة، وقالوا: لولا أن الشافعي من أتباع أبي حنيفة لما رضينا أن ننصب معه خلافاً، وقد صنف حنفي مناقب أبي حنيفة فافتخر فيها بأتباعه كأبي يوسف ومحمد وابن المبارك، ثم أنشد يعرّض بباقي المذاهب:

 
أولئك آبائي فجئني بمثلهم % إذا جمعتنا يا جرير المجامع   
وهذا كدعوى الجاهلية  
والشافعية يطعنون بأن أبا حنيفة من الموالي، وليس من أئمة الحديث، والحنفية يطعنون في نسب الشافعي، وأنه ليس قرشياً ولا إماماً في الحديث، لأن البخاري ومسلماً أدركاه ولم يرويا عنه، مع أنهما لم يدركا إماماً إلا رويا عنه ناهيك بالأحاديث التي وضعت في مدح أئمتهم وذم الآخرين كما روى الحنفية؛ (يكون فى أمتي رجل يقال له النعمان هو سراج أمتي، ويكون فيهم رجل يقال له محمد بن إدريس، هو أضر على أمتي من إبليس) هذا قليل من كثير مما قاله فقهاء مذاهب السنة، فكيف إذا عرضنا لما وقع بين السنة والشيعة، وما وقع بين أصحاب المذاهب الكلامية، ولا تزال آثاره السيئة تعمل عملها في المسلمين إلى الآن.
وَحْدة المسلمين ما بين نطح النواصب وشطح الروافض
إنّ التقريب الحقيقي الأمثل هو التقريب الذي يتحقّق عن طريق تصحيح التراث الإسلامي وتنقيته من الأخبار والمفاهيم الدخيلة التي تراكمت في عصور النزاع ولعب الدور الأساسي في تحويل النزاع السياسي إلى نزاع ديني طائفي.
إنّ وجود الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة في مصادر المسلمين أمر مسلّم به عند الجميع، وإنّ التديّن بها أمر محرّم عند الجميع أيضاً.
لقد لعب الغلاة والنواصب دوراً بالغ الخطورة في تأصيل النزاع بين الفريقين، فقد صاغوا أهواءَهم وعقائدهم الضالة في أحاديث وضعوها ونسبوها إلى النّبي وأهل البيت والصحابة، فانتقلت هذه الأحاديث إلى مصادر المسلمين، فكان من الطبيعي إذن أن تترك آثارها على آفاق التفكير العقائدي وكثير من المفاهيم، فمازالت أحاديثهم مبثوثة في مصادرنا، ومازالت الناس تقرؤها: علماؤهم ومثقّفوهم وطلبتهم وأوساطهم العامّة، ويسمعها بسطاؤهم وجهّالهم، حتّى كان سبباً رئيساً في هذا التشويش والاضطراب الملموس في عقائد الناس وتصوّراتهم لكثير من المفاهيم، وهذا واقع ملموس قديماً وحديثاً.
وللتفصيل في هذه الظاهرة نبتدئ بمقولة الشيخ عبد الحسين مغنية: "إنّ الداعين من السنّة إلى التهجّم على الشيعة يحتجّون بأقوال الغلاة المرفوضين أصلاً من الشيعة، وإنّ الداعية من الشيعة إلى التهجّم على السنّة يحتجّون أيضاً بأقوال الغلاة من السنّة – يريد بهم النواصب – لهذا يبدو أنّ الغلاة من الطرفين يشكّلون فريقاً واحداً يصحّ فيه تسمية "الفريق الثالث" مهمّته ضرب الإسلام وتمزيق المسلمين.
والحقّ أنّ هذه الصورة تمثل النصف فقط من الصورة الكاملة للأثر الذي تركه هذا الفريق الثالث أو ما نصفها الثاني: فيتمثلّ بتأثّر كلّ فريق بأحاديث غلاته المنتسبين إليه في تصوّره للفريق الآخر.
فالشيعي قد ينظر إلى بعض المفاهيم التي تتّصل بأهل السنّة من خلال مجمل التُراث الشيعي الذي امتزجت فيه أحاديث الغلاة وعقائدهم. وليس أدّل على ذلك من سبّ بعض الصحابة الذي يجرى على ألسنة العوام وليس له مصدر قطعاً إلاّ أحاديث الغلاة. والسنّي قد ينظر إلى بعض المفاهيم التي تتصل بالشيعة والتشيّع من خلال مجمل التراث السنّي الذي امتزجت فيه أحاديث النواصب وعقائدهم، وليس أدّل على ذلك من جهل عامّتهم بمنزلة أهل البيت وتفضيل آخرين عليهم ممّن هم أدني منهم كثيراً، علماً وديناً وفضلاً وكرامةً، حتّى إنّ منهم من يضيق ذرعاً لذكر أهل البيت عليهم السلام مع كثرة ما يقرؤه من آيات كريمة وأحاديث صحيحة في منزلتهم الخاصّة عند الله ورسوله، وهكذا أصبح الصحابة وأهل البيت وكأنّهما محوران متضادان لعقيدتين لا يمكن أن تلتقيا في يومٍ ما.
وباجتماع هذين الشطرين تكتمل الصورة الحقيقية لأثر الغلاة والنواصب في عقائد المسلمين ورؤاهم.
إنّ حرّية الفكر حقّ للجميع، والاجتهاد حقّ لمن تأهّل له، لكن هل يصحّ أن يتمتّع دعاة الفتنة بهذا الحقّ، فلا يقف أحد بوجه دعوتهم أو يستنكر عليهم ذلك بما يمتلك من أساليب استنكار؟
وإذا كانت مواجهتهم والاستكار عليهم مطلوبة، فهل من سبيل إلى تنظيم هذه المواجهة؟
فلعلّ تنظيم هذه المواجهة – إن صحّت – سيكون لمسة من لمسات التقريب وأثراً من آثاره.
إنّ الخطر الكبير الذي يواجه المسلمين اليوم من الداخل هو هذه الدعوات الشيطانية إلى تأجيج النزاع الطائفي خدمةً لأعداء الإسلام الذين تكالبوا على الإسلام والمسلمين وبالخصوص في السنوات الأخيرة وبعد انهيار التوازن الدولي. وبدلاً من أن يتوجّه المسلمون نحو تنظيم قواهم وتوحيد وصفوفهم أمام هذا العدوان المتواصل – وهم قادرون على ذلك لو أرادوا – تري هذه الدعوات التمزيقية تتصاعد وتشتد مع تأزّم أوضاع المسلمين وازدياد حاجتهم إلى التآلف.
ولمّا كانت الصحوة الإسلامية وجهاً لامعاً من وجوه الأمل، وعلامةً كبرى على حياة المسلمين وقوّة الإسلام، ولاسيما بعد تحسين قوي الصحوة الإسلامية في مختلف البلدان روابطها مع الثورة الإسلامية في إيران حين رأت فيها ناصراً ومعيناً ومؤازراً، ولمّا كانت إيران بلداً شيعيّاً، كان لزاماً على دعاة التمزيق أن يضربوا على هذا الوتر، فبالغوا كثيراً في هذه الأعوام الأخيرة بالتهجّم على الشيعة والتشيّع.
والذي نرجو أن يكون واضحاً هو أنّ هدفهم الأوّل ليس الشيعة والتشيع، وإنّما هدفهم تلك الصحوة الإسلامية الفتية أوّلاً؛ ولربما رأوا أنّهم بهذا قد أصابوا طائرين بحجر واحد.

الخاتمـــة
وبعد: أخى الحبيب:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يهتف في أعماقك وسويداء قلبك قائلاً: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى".
ورب العزة جل وعلا ينادينا: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) إن قواعد الشريعة سمحة مرنة سهلة وسعها الله تعالى فلا تضيقوها، ويسرها فلا تعقدوها، وما أنزلها الله تعالى إلا لتحقيق مصالحنا وأولها الوحدة والتوحيد والتآخي والاعتصام بحبل الله تعالي، وإن تعدد الآراء في المسائل المختلف فيها لا يفسد للود قضية، ولا يحول دون الحب والاحترام والتقدير.
إن كل الجماعات والفرق الإسلامية على ثغرة من ثغور الإسلام، تنضوى تحت لوائه وتدافع عن حرماته في حدود إمكاناتها وتخصصاتها، وتوجهاتها وتعمل على عودة دولته الضائعة المسلوبة.
وأعداء هذا الدين لا يفرقون بين طائفة وأخري، وإنما يخططون لاستئصال شأفتكم وإلغاء وجودكم.
وإن الالتفاف عن تلك المهمة وهذا الهدف بأن يحارب بعضنا بعضًا ويكفر المسلمون بعضهم، ويتصفون بصفة أهل النار كلما دخلت أمة لعنت أختها، إنما هو جريمة موبقة، لا تخدم إلا مصلحة أعداء الإسلام.
إنني أردت بهذا البحث أن يكون ومضة نور تزيل ظلمة ما في الصدور، وهو تذكرة للمتعنتين، والمتهوسين والمغرضين والمنتفعين المبتلين بالميول العدوانية وضحالة العلم، وضيق الأفق، واللائذين حين تعوزهم الحجة، ويخالفون في الرأي إلى الشتم واللعن والتكفير، فهذه بضاعة المفلسين ورأس مال المتنطعين.
والله نسأل أن يهدينا ويهدي بنا، وأن ينفعنا وينفع بنا، وأن يجعلنا عونًا لكل خير ومحبة وسلام لشعوبنا وشعوب والعالم أجمع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
--------------------------------
([1]) المؤمنون: 5-6.
([2]) راجع صحيح مسلم: ج2 ص1023.
([3]) راجع تفسير الرازي / ج10 ص50 / ط3.
([4]) راجع الاتقان / للسيوطي: ج1 ص43، قال: ليس في مكية (سورة المؤمنون) خلاف وسورة النساء مدنية.
([5]) النساء – 25.
([6]) النساء – 24.