مؤثرات التقارب والوحدة من خلال التفسير النبوي للقرآن الكريم

مؤثرات التقارب والوحدة من خلال  التفسير النبوي للقرآن الكريم

 

مؤثرات التقارب والوحدة

من خلال التفسير النبوي للقرآن الكريم
 
 
الدكتور علي رمضان الأوسي
استاذ الدراسات العليا  في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية _لندن_
مدير القسم العربي في المركز الإسلامي في انجلترا
 
 

 

ولدت الحاجة حين نزول القرآن الكريم إلى تفسيره باعتباره مصدر الأحكام. ولما يحمله من محكم ومتشابه، عام وخاص، مطلق ومقيد، مجمل ومبين، ولما في أسلوبه من الحقيقة والمجاز والتصريح، والكناية والايجاز والاطناب، وغير ذلك. وكان طبيعياً ان يفهم الرسول (ص) القرآن جملة وتفصيلاً بعد أن تكفل الله تعالى له حفظه وبيانه باعتباره المبعوث الهادي، قال تعالى:(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرآنهُ، فإذا قرآناهُ فَاتَّبِعْ قرآنهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)(، وقال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(.[2])[1])

روي عن رسول الله (ص) انه قال: ما منكم من أحد إلاّ وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقال بعض الصحابة: أفلا نتكل قال: لا، اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام: (فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّـره لليُسرى وأمّا من بَخِلَ واستغنى وكذّب بالحسنى فسنُيسرهُ للعُسرى)(.[3] )
وروي عن رسول الله (ص) انّه قال: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً(، وذلك بيان لقوله تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى)(. وهكذا كان رسول الله (ص) يبين من القرآن ما كانت الأمة في حاجة بيانه وتفسيره.[5] )[4])
وعليه فبعد وفاة الرسول (ص) اختلفت أفهام الصحابة للقرآن، وتنوعت، وان فهموه إجمالاً، ويرجع ذلك إلى اختلاف مداركهم، ومعارفهم ومدى إحاطتهم بلغتهم، ومدى التصاقهم بالرسول (ص) وإفادتهم منه، ومعرفتهم بمناسبات النزول.
فقد روي عن عدي بن حاتم أنّه قال: لما نزلت: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ)(, عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله (ص) فذكرت له ذلك فقال: إنّما ذلك سواد الليل وبياض النهار(.[7])[6] )
وروي عن عمر بن الخطاب قرأ (وفاكهةً وأبّاً)(، فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأبُّ. ثم قال: قد نهينا عن التكلّف(.[9])[8])
وفي معنى (فاطر) يقول ابن عباس: كنت لا أدري ما (فاطر السماوات والأرض)(، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه (أنا فطرتها) أي أنا أبتدأتها(.[11])[10])
وقد قال ابن قتبية من قبل: (والعرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل لبعضها الفضل في ذلك على بعض)(.[12] )
نزول القرآن
لقد بُعث رسول الله (ص) في 27 رجب سنة 13 قبل الهجرة النبوية قال تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق...)(.[13] )
بينما القرآن الكريم لم يكن قد نزل مرة واحدة إلاّ بعد 3 سنوات في ليلة مباركة (انا انزلناه في ليلة القدر)( سنة 10 قبل الهجرة النبوية.[14] )
ومن هنا نفهم معنى نزوله في رجب وفي شهر رمضان أيضاً.
القرآن الكريم أنزله الله سبحانه دفعة واحدة على صدر رسول الله (ص) وهذا ما تفيد به صيغة الإفعال (أنزل) من أجل ان يثبته ويطلعه على الشريعة التي يراد تبليغها من قبله (ص) بينما استغرق نزول القرآن منجماً 23 سنة حسب مقتضيات النزول وأسبابه وحاجة الأمة والافراد معاً واستغرق هذا النزول التدريجي (20) سنة تقريباً بعد الإنزال الدفعي.
ولم يكن الرسول (ص) مفسراً فحسب بل كان مبلغاً لرسالة ربه وكان نبياً ورسولاً واماماً.
 
المؤثر التقريبي الاول:
القرآن انزله الله للإنسانية وارسل النبي محمد (ص) للناس كافة وليس للمسلمين فحسب وهذا من الافاق الإنسانية في الرسالة الإسلامية فإذا كانت الهداية موجهة للناس كافة من خلال الرسول والقرآن معا فليس بمقدور احد الاجتهاد في اقصاء الاخر والغائه لاسيما إذا كان مسلما قد نطق بالشهادتين فقد حرم الله دمه وماله وعرضه وصانها الله بحدود مغلظة .هذه الشمولية في دعوة الاخر للإسلام يعني اقصى درجات الانفتاح على الاخر مسلما كان او غير مسلم.
مميزات في الخطاب النبوي:
امتاز خطاب الرسول (ص) للناس والمؤمنين بجملة من الصفات انعكست حتى في العملية التفسيرية للمعلم الأول محمد(ص):
1- العقلانية.
2- الواقعية.
3- العدالة.
4- الرحمة.
وهناك صفات أخرى لكنها تندرج تحت تلك المبادئ الرئيسية في الخطاب.
دعا (ص) إلى تحرير العقل من الجهل والتقليد الأعمى وحالات الشرك وعبادة الوثن التي تتسبب في تعطيل العقل الإنساني. فهناك ثورة على الجهل وظلمات التجهيل.
كما كان ينطلق رسول الله (ص) في كل أمر مستحضراً العدالة وقد أخبر القرآن الكريم عن غرض بعثة النبي (ص) وهي اقامة العدل والقيام بالقسط بين الناس.
هذه المقدمات ضرورية قبل طرح موضوع التفسير النبوي، وهذا الخطاب بهذه المميزات المهمة والأساسية كانت له بصماته الواضحة على التفسير النبوي للقرآن الكريم.
 
المؤثر التقريبي الثاني:
إذا كان الخطاب عقلانيا واقعيا ويحقق العدالة بين الناس ويدعو  إلى الرحمة ويرفض الجهل ويؤسس لثورة العقل على ظلمات الجهل فانه خطاب يفتح افاقا متحضرة ويؤسس لحياة تحفظ فيها الحقوق وتحقق للإنسانية سعادة التعايش والائتلاف . اين الإنسانية اليوم من هذا التشريع والخطاب الذي يتعامل بواقعية ولايدعو إلى خيالات او نظرة طوباوية انه التشريع الذي ينسجم والفطرة التي خلقنا الله عليها وهي واحدة في كل الناس .فلافوارق ولا امتيازات ولا فخر لأحد على اخر إلاّ بموازين التفاضل التي اقرها التشريع في الايمان والتقوى والعلم والجهاد في سبيل الله تعالى. فلا جمود من خلال هذه الواقعية ولا ظلم من خلال هذا العدل والرحمة وهذه طرق التواصل الاجتماعي التي تحقق للإنسان والمجتمع معا مساحات التحرك المشترك وهي كثيرة .
 
خصائص مهمة في رسول الله (ص)
1- بعثه الله في الأميين رسولاً وهم الذين لا يفقهون الكتاب ولا يعلمون فقه السماء (هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم) وظيفته تجاههم ان (يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)([16]. فهذه أسس مهمة في العملية التبليغية الكبرى للرسول (ص).)
2- أضفى القرآن الكريم صفات كثيرة على شخص رسول الله (ص) ومن هذه الصفات التي لها أثر واضح في نوعية التبليغ الرسالي منها:
أ: الخلق العظيم (وانك لعلى خلق عظيم)([17].)
ج: أمين: قال النبي (ص) (والله اني لأمين في السماء أمين في الأرض)([20].)
د: عادل: قال الله سبحانه: (وأمرت لأعدل بينكم)([21].)
هـ: شجاع: قال الامام علي (ع): (كنا إذا اشتد البأس وحمي الوطيس اتقينا برسول الله ولذنا به)([22].)
و- رحيم: قال الله سبحانه: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)([23].)
ز- حليم: يقال ان اعرابياً جاء إلى الرسول (ص) وجذبه بردائه جذبة شديدة أثّرت في رقبة الرسول (ص) وقال له: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك. وإذا برسول الله (ص) يضحك بوجهه ثم أمر ان يعطى من مال الله([24].)
مَن من الزعماء يفعل ذلك وبأنسيابية نفسية من غير تكلف؟.
ح: متواضع: يقول الامام الصادق (ع): كان رسول الله يأكل اكلة العبد ويجلس جلسة العبد تواضعاً لله تبارك وتعالى. وهو زعيم ونبي وقائد، لم يدخل العجب ولا الكبر إلى قلبه ولم يخالطه غرور، وانما كان يستحضر وجوده بين يدي ربه([25].)
ط: متوكل، في الرواية ان رسول الله (ص) نزل مع جماعته وادياً فيه شوك كثير وقد علّق سيفه على الشجرة فنام قليلاً ورأى في المنام ان شخصاً قد شهر سيفه ليضربه فنهض من نومه وإذا بالرجل واقف وبيده السيف ويقول: من يمنعك مني يا محمد الآن؟ فقال (ص) متوكلاً مطمئناً الله، وكان السيف بيد الظالم وكررها عليه مرة أخرى فردّ النبي (ص) عليه فقال: الله يمنعك فانكفأ راجعاً وشام سيفه أي وضعه في غمده وجلس بعيداً عن رسول الله (ص)([26].)
من منا لم يرعب في مثل هذه اللحظة؟
ي: صابر، ادميت قدما رسول الله (ص) بتحريض من المشركين حين قدم إلى الطائف تخلصاً من المشركين حيث قال (ص): (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)([27].)
ك: أمّي، حيث قال الله سبحانه: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذا لارتاب المبطلون)([28].)
وكان نبينا محمد (ص) خاتم الأنبياء (ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)([30].)
نعم انه صاحب لواء الحمد يوم القيامة وصاحب المقام المحمود (عسى ان يبعثك ربك مقاماً محموداً)([31].)
وهو صاحب الحوض كما ورد في حديث الثقلين وقد تميز هذا الحوض لسعته وكثرة من يرد اليه.
وقد سمّاه القرآن الكريم بالداعي([32]، ووصف امته بانّها (خير أمة اخرجت للناس)([33].))
هذه لمحة سريعة في جانب من صفات الرسول محمد (ص) ولابد ان تتجلى هذه الصفات العظيمة في سيرته وعلاقته مع ربه ومجتمعه ونفسه وفي مواقفه وحتى في تفسيره للقرآن الكريم.
النبي محمد (ص) شأنه شأن الأنبياء الآخرين لكنه أفضلهم ورسالته خاتمة الرسالات وقد تميز هذا الخطاب النبوي بميزات مهمة وكانت لهذه الرسالات أهداف وغايات:
 
المؤثر الثالث:
إذا كان قد بعث الله سبحانه نبيه الاكرم محمد (ص) بالخلق العظيم والصدق والامانة والشجاعة والحلم والصبر والتوكل على الله من خلال مسيرة المعاناة واليتم حتى ختم به النبوات فانما يتجلى امامنا مفهوم القدوة الصالحة والاسوة الحسنة برسول الله (ص) ولابد حين التأسي ان نستحضر صفات وخصائص ذلك المتأسى به وهو النبي الاكرم فهنا دعوة للعودة إلى هذا الصرح النبوي الكريم ومن غير هذه العودة فاننا نتنكب بذلك طريق الصلاح والخصائص العالية في نبينا محمد(ص) وبذلك تخسر الأمة سياسة الاتباع الواعي خلف رسول الله وهذا يعني التشرذم والفرقة والاختلاف فالنبي الاكرم هو رمز الوحدة والتقارب بين المسلمين .
 
أهداف النبوات:
1- التكامل: أي ان يتكامل الإنسان فهو مخلوق فطري زينه الله سبحانه بنعمة العقل والتفكير بين المفردات الأخرى في هذا الكون ومطلوب منه ان يسمو في تعامله مع هذه المفردات صوب عملية تكامل إنساني وهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر، وكلاهما يكدح في حياته حتى يلقى ربه او تدركه المنية وهو لما يع دوره في هذه الحياة. فملاقاة المؤمن اذن هي ملاقاة كمال (اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك اليّ ومطهرك من الذين كفروا)([34].)
هنا كلمة (متوفيك) ليست بمعنى مميتك بل بمعنى انك قد استوفيت كمالات فاخترتك ورفعتك وخلصتك من مكر الكافرين([35].)
فوظيفة الأنبياء هي العمل على ايجاد افراد وأمة يتكاملون نحو الله سبحانه يقول الامام الرضا (ع) بعد شرح وبيان لعلّة بعثة الرسل والأنبياء: (لم يكن بدّ – أي مفر – من رسول بين الله وبين الناس معصوم يؤدي اليهم أمره ونهيه وأدبه ويقفهم على ما يكون به احراز منافعهم ودفع مضارهم)([36].)
2- انقاذ الناس من ولاية الطاغوت واخراجهم من الظلمات إلى النور هو من واجب الأنبياء قال سبحانه: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)([37]، وقال سبحانه: (الر كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بأذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)([38].))
قال امير المؤمنين علي (ع): (ان الله بعث محمداً بالحق ليخرج عباده من عبادة عباده، إلى عبادته ومن ولاية عباده إلى ولايته)([39]. )
3- التزكية وتعليم الكتاب والحكمة، قال سبحانه: (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين)([40].)
4- مكارم الاخلاق، قال (ص): (انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)([41].)
وقد وصف الامام علي (ع) نبينا محمداً (ص) بهذه الصفات حيث قال (ع): (اختاره من شجرة الأنبياء ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء وسرّة البطحاء ومصابيح الظلمة وينابيع الحكمة)([42].)
5- قيام الناس بالقسط: بان يقوم بين الناس بالقسط والعدل قال سبحانه: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)([43].)
6- وضع الأصر والاغلال، قال سبحانه: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم)([44].)
البخل وتأثيره على ارادة الخير في الإنسان حيث يمنع من الانفاق. وكذلك ايذاء الظالمين للمؤمنين حين يمنعونهم من اقامة الخير، وكذلك الجبن يمنع صاحبه عن الشجاعة والقتال في سبيل الله تعالى وغيرها من المفردات.
الاغلال: جمع غلّ وهي القيود وهنا جاءت لمختلف انواع القيود([46].)
7- رفع الاختلاف بين الناس والهداية إلى سبل السلام واتمام الحجة على الناس.
بعد كل هذا البيان لمجمل صفات النبي (ص) واهداف نبوته وتبليغه الرسالة للناس ينبغي ان ندرك ان ذلك كله لابد ان يترشح في العملية التفسيرية التي يقوم بها رسول الله (ص) ويظهر فيها واضحاً اثر تلك الصفات المميزة لشخصية رسول الله(ص) في بيانه للقرآن الكريم وهذا نوع انسجام بين الناتج والملكات لكنه في الوقت نفسه لا يعدم كون قول رسول الله(ص) وفعله وتقريره هو سنة ووحياً (وما ينطق عن الهوى ان هو إلاّ وحي يوحى)([47].)
المؤثر الرابع:
النبوات والأنبياء يعملون من اجل تكامل المسيرة الإنسانية ومن اجل هداية الناس وانقاذهم من الطاغوت بتعليمهم الكتاب والحكمة وتطهيرهم ووضع الاغلال التي عليهم ورفع الاصر عنهم و رفع الاختلاف فيما بينهم وهدايتهم إلى سبل السلام.
إذا كان ذلك كله من عمل الأنبياء اين نحن اتباع الأنبياء واين نحن اتباع النبي الخاتم هل تمثلنا جزئية من هذه الوظائف ؟ فهل عملنا ان ننتكس ونصغر ونرفض التكامل في مسيرتنا؟ هل نريد ان نختلف فيما بيننا لنسجل على انفسنا ادانة واضحة بالابتعاد عن الارشادات النبوية والتوجيه برفع الاختلاف بين الناس ؟ لمإذا نرفض سبل السلام التي يهدينا اليها الأنبياء ونبينا الاكرم محمد(ص)؟
اذن نحن في واد والتبليغ النبوي في واد اخر. نحن نوقع انفسنا في ولاية الطاغوت: النفس والأنا والسلطة والوثن والإنسان المنحرف والاهواء بينما يعمل الأنبياء على انقاذنا من ولاية هذه الطواغيت
إذا كنا على طريق النبوات فلا محالة ان نلتقي وننفض عن انفسنا خيالات الاقصاء والتنافر والبعد عن الاخر.
فالقرآن الذي جاء به رسول الله (ص) هو حجة على الناس ولا يكون حجة عليهم إلاّ بعد ان يفهموه ولو بالجملة أي بصورة عامة.
يقول الرسول (ص) في وصيته حين تقع الفتنة: (إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع، وماحل مصدق، وهو الدليل إلى خير سبيل وهو كتاب تفصيل وبيان تحصيل، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار)([48].)
وفي هذا المقطع الاخير من الوصية رد على من يحمّلون القرآن نتاجات بشرية كمن قصد ان يفسر القرآن في ضوء الفلسفة الديالكيتكية مثلاً وغير ذلك من الصور فهؤلاء جعلوا القرآن خلفهم يحمّلونه افكارهم من غير ان يستنطقوه فهؤلاء مصيرهم ان يسوقهم القرآن الكريم إلى النار.
فالقرآن الكريم يبقى هادياً ومرشداً واماماً فموقعه اننا نتأسى به ونسير على هداه لا ان نطوّعه لخلفيات نحملها وفي جانب آخر ورد عن رسول الله (ص): (لا يعذب الله قلباً وعى القرآن)([49]، حيث يؤكد على الوعي وان يعي الإنسان ما يرد عليه او يواجهه كما ورد أنه: (ليس لك من صلاتك إلاّ ما وعيت).)
فالرسول (ص) يريد منا ان نكون على وعي، حتى ان التقليد اختص بفروع الدين وتبقى اصول الدين للمكلف من غير تقليد وهذه قمة الحرية الفكرية في الإسلام دونها كل الشرائع والانظمة الوضعية البشرية.
كما ورد عن رسول الله (ص): (فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) ([50].)
وفي مورد آخر يقول (ص): (من أعطاه الله القرآن فرأى ان رجلاً أعطي أفضل مما أعطي فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً)([51].)
يريد الرسول (ص) ان ننطلق من القرآن الكريم باعتباره الكتاب الأقدس والمرجع الالهي للناس. وهناك نصوص أخرى في هذا السياق.
 
المؤثر الخامس:
نعم فالقرآن هو الهادي والامام والمرشد وفضله على سائر كلام الناس كفضل الله على خلقه
وقد امتلأت آياته الكريمة بالدعوة إلى الوحدة والابتعاد عن الفرقة والاختلاف فهي دعوات قرآنية واضحة كيف تمثلناه وهل مضينا على هذه الوصايا القرآنية ؟ اين الأمة من كتاب الله الخالد والحافظ لنا من الاختلاف؟ مااروع كتاب الله وهو يدعو الإنسانية إلى التوحيد والمؤمنين إلى الوحدة وعدم التفرق . الامامة القرآنية تؤسس للوحدة والعمل المشترك وعدم التنازع والاختلاف .اذن كيف ننظر اليها ؟ هل ذلك للاستئناس ام للامتثال والاقتداء؟
بعد كل ذلك الاهتمام والحث على تدبّر القرآن وفضله يمكن ان يطرح السؤال التالي:
هل فسّر الرسول (ص) القرآن كله؟ أم فسّر جزءاً منه؟
هناك ثلاث رؤى في الاجابة على هذا السؤال:
1- ان رسول الله (ص) لم يفسر إلاّ آياً بعدد. وتبنى ذلك جملة من المتخصصين في علوم القرآن منهم السيوطي حيث يستند إلى رواية روتها عائشة قالت: كان رسول الله (ص) لا يفسر إلاّ آياً بعدد. وفي هذا السياق يقول الزركشي: (ان تفسير القرآن وتأويله بجملته لم ينقل إلينا عن الصحابة فنحن نحتاج إلى ما كانوا يحتاجون إليه)([52].)
2- الرأي الثاني: ان رسول الله (ص) فسّر كل القرآن لكنه تعرض للضياع ويتوسع هذا الرأي في البيان فيعرض ان هناك من القرآن ما لا يحتاج إلى تفسير حيث يذكر ابن عباس أربعة وجوه بشأن ما يتعرض له التفسير القرآني فقال هناك:
1- وجه تعرفه العرب بكلامها فإذا قرئ عليهم فأنهم يفهمونه فلا حاجة إلى تفسيره.
2- تفسير لا يعذر أحد بجهالته كتفسير آيات الاحكام باعتبار ان الرسول (ص) كان يصلي بالمسلمين وأمامهم وقد أمرهم بقوله (ص): (صلوا كما رأيتموني أصلي)([53]، وكذلك في اعمال الحج حيث أمرهم الرسول ان يحجوا كما حجّ هو (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالتالي فهذا لا يعتبره البعض من التفسير.)
3- تفسير تعلّمه العلماء وهي المعاني الخفية التي لا يعلمها الناس.
4- وتفسير لا يعلمه إلاّ الله.
وبالتالي بقيت مساحة محدودة كان يعلم الرسول (ص) الناس التفسير فيها. هذا الرأي تبناه ابن عباس وآخرون.
 
3- الرأي الثالث: وهو أنضج الاراء إذ يمكن فهم ذلك من خلال نظرتنا إلى دور رسول الله (ص) في تبليغ الرسالة إذ كان (ص) يفسّر للعامة من الناس ما يحتاجون من تفسير وحين يسأله المسلمون فلابد ان يجيب، من جهة أخرى ان كثيراً من التفسير الذي ورد عن رسول الله (ص) لم يدوّن في كتاب بسبب تعطيل حركة التدوين لما يقرب من مائة سنة تقريباً، كذلك لو نظرنا إلى قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) (علّمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب)([54] ما معناهُ؟ يعني ان هناك علوماً لا يتحملها الجميع بمستوى واحد ولابد ان تكون هناك صفوة وخاصة من المؤمنين ليمارسوا دورهم كأوعية للقرآن تعيه كما يراد له ذلك ويتحملوا هذا الفهم الدقيق للقرآن.)
فهناك إفهام من رسول الله (ص) بأنّه فهّـم الخاصة من الناس القرآن تفهيماً تفصيلياً إلى جانب تفهيم العامة من الناس بما كانوا يحتاجونه.
فإذا ما جانسنا بين الأمرين نخرج برأي يقول:
ان رسول الله (ص) لم يفسّر آياً بعدد، وانما فسّر ما احتاجته العامة من الناس وأعطى ما كان يتطلبه الخاصة من الناس، وبالتالي كان (ص) مفسراً شمولياً بمعنى انه لم يتجاوز آية من القرآن إلاّ وبيّنها وبدون ذلك سوف لا يكون القرآن حجة على الناس.
في سياق هذا الموضوع نذكر ان المسلمين آنذاك لم يكونوا على مستوى واحد من الادراك والوعي بحيث كان البعض لا يفهم مفردات وقد تفوته معاني بعض الكلمات وهو قد عاصر رسول الله (ص) ولم يفهم المعنى الاجمالي للآية أحياناً.
وان أشرنا إلى بعض الامثلة في بداية البحث لكننا لأهمية الموقف نذكّر مرة أخرى بالتفاوت الذي حصل بين الذين عاصروا صدر الرسالة الأول وصعبت عليه معرفة بعض المفردات:
كما يروي الحاكم في المستدرك ان أنس قال: بينما عمر بن الخطاب كان جالساً في أصحابه إذ تلا هذه الآية: (فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبّا)([56]، ثم قال عمر هذا كله عرفناه فما الأبّ؟ قال وفي يده (عصّيه) يضرب بها الأرض فقال عمر: هذا لعمر الله التكلف، فخذوا ايها الناس بما بيّن لكم فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه. )
ان (الأبّ) في اللغة هو العشب، فكيف فات رجلاً عاش عصر النزول وفي محيط عربي ان يعرف معنى (الأبّ).
وحتى ابن عباس فاته معنى (فاطر) حيث قال: لم أكن ادري او اعرف ما معنى (فاطر السماوات والأرض)([57]، حتى أتاني اعرابيان تنازعا في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي انا ابتدأتها.)
والغريب في الأمر ان شخصاً كابن عباس يفوته معنى (مفردة) مثل لفظة (فاطر).
هذه أمثلة قليلة تكشف عن حالة نقص وظاهرة عدم معرفة في ذلك المجتمع فلابد ان يتصدى رسول الله (ص) لسدّ ذلك النقص ورفع تلك الحاجة من خلال مباشرته العملية التفسيرية للقرآن الكريم.
نعم كان رسول الله (ص) لا ينطق عن الهوى ان هو إلاّ وحي يوحى لكنه في الوقت نفسه كان يمارس العملية التفسيرية للقرآن كونه بشراً معلماً ومبلغاً للرسالة ومفسراً لها لكنه مسدد بالوحي الالهي.
فحين نزل قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم)([58].)
هرع اليه (ص) المسلمون يبكون قالوا: من منا لم يخالط ايمانه ظلم؟ قال (ص): الظلم هنا بمعنى الشرك قال الله تعالى: (ان الشرك لظلم عظيم)([59].)
نفهم من ذلك ان رسول الله (ص) انطلق إلى القرآن الكريم فقابله ببعضه واستنطقه فنطق.
القرآن الكريم كائن حي حيث يصفه الامام علي (ع): (القرآن ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض)([60].)
فالنطق والشهادة من مقومات الكائن الحي، وقد تجلى ذلك واضحاً في منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
الرسول (ص) كان مؤهلاً كل التأهيل لتلقي القرآن وتفسيره قال تعالى: (انا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)([61]، فحين يعده ربه بهذا الأمر فلابد ان يكون مستعداً لتحمل هذا القول الثقيل.)
وقد ورد الكثير من التفسير عن رسول (ص) لكنه ضاع كما ضاع الكثير من التاريخ والتراث.
الرسول (ص) هو المفسر الأول للقرآن الكريم، فسّره بوحي من الله سبحانه واستخدم أدوات تفسيرية واستنتج من القرآن باعتبار القرآن كائناً حياً يمكن ان يتعاطى المفسر مع القرآن فيعطيه نتائج قرآنية واضحة.
من جهة أخرى ان الرسول لم يفسر آياً بعدد فقط بل فسّر ما احتاجه العامّة من الناس وما اقتضاه فهم الخاصة وحاجتهم ومن أبرز مصاديق أولئك الخاصة علي (ع) ومن بعده أهل بيته (ع) الذين كانوا وعاء علم الرسول (ص) وورثة علمه (ص).
كذلك التفسير المروي عن الرسول (ص) هو قمة ما يسمى بالتفسير بالمأثور لذلك لا يمكن لأي مفسر ان يفسر القرآن بمعزل عن السنة النبوية او ما ورد عن رسول الله (ص) في التفسير. فالتفسير عن النبي (ص) من المصادر الاولى لدى كل المفسرين ولا يستطيع أي مفسر بالاطلاق ان يستغني عنه.
التفسير النبوي هو العملية التفسيرية الكبرى الاولى في عالم بيان القرآن الكريم ومنه استفاد علماء التفسير والأمة على طول التاريخ.
 
المؤثر السادس:
اذن النبي الاكرم محمد (ص) فسّر كل القرآن الكريم ولكن بذلك التفصيل الذي ذكرناه وهذا يكشف عن حرص النبي على اداء الرسالة كما يريدها الله سبحانه حتى لاتبقى حجة لأحد ولاتبقى معطيات قرآنية غير واضحة للبعض الاخر . فحرص النبي على ذلك البيان الشافي يصبّ في محصلة ان المسلمين لابد ان يأتمروا بتوجيه النبي الاكرم والقرآن الخالد وكلاهما مشترك عظيم لكل المسلمين بدون استثناء فعلى هداهما نسير وبهما نقتدي ولا نتيجة تتمخض عن ذلك إلاّ الالتقاء على مفاصل الوحدة والتقريب . ولايجرؤ احد على غير ذلك لأن الخطاب النبوي والخطاب القرآني كليهما يحثان على الاعتصام بحبل الله ولزوم الجماعة وعدم الفرقة .اما الاجتهادات التي اعقبت ذلك فلابد ان تنتظم بهذا النظم القرآني النبوي والا فلتضرب عرض الجدار.
 
التفسير بالمأثور:
وهو أول أنواع التفسير ظهوراً. ويشمل ما جاء في القرآن نفسه من تفسير الآيات بعضها بعضاً، وما نقل عن الرسول عليه الصلاة و السلام وائمّة أهل البيت (ع)، وما نقل كذلك عن الصحابة، وعن التابعين أيضاً([62].)
وقد وقع خلاف فيما نقل عن الصحابة والتابعين، فالبعض يعده من قبيل المأثور، والبعض الآخر يعدّهُ من قبيل الرأي وقد ذهب البعض إلى الأخذ بقول التابعين في التفسير لأن التابعين تلقوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة([63]. وبشيء من التفصيل نجد ابن تيمية يتعرض إلى أقوال التابعين فيقول: انّها ليست بحجة على غيرهم ممن خالفهم، أما إذا اجتمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فان اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك.)
ويمثل جامع البيان للطبري رائد المأثور عند المفسرين الذين عنوا بالتفسير النقلي، فَمٍمّا يمتاز به الطبري عن رجال التفسير الاثري: إسناد الأقوال إلى اصحابها مسلسلة، والتعويل على ما روي عن الرسول (ص) والصحابة والتابعين.
وعلى الرغم من حذف السيوطي (ت 911هـ) لأسانيد الآثار في تفسيره (الدر المنثور) فإنّ محاولته في جمع المأثور تعتبر إحياءً له في المأثور من التفسير بعد أن أخذ التفسير بالرأي يتلون بثقافات المفسرين، ويتأثر بالمترجمات العقلية.
وتجدر الاشارة هنا إلى ان بعض المفسرين توسّع في إيراد القصص النبوي، وقصص الأمم الغابرة معتمداً في ذلك على أهل الكتاب في الوقت الذي نجد فيه القرآن الكريم قد أجمل القول فيها، لأن القرآن الكريم يروم في ذلك العبرة والتنبيه إلى سنن الله تعالى في الاجتماع الإنساني. قال تعالى: (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)([64].)
ويعلل ابن خلدون قبول هذه المرويات باعتبارات اجتماعية ودينية، فقد غلبت على العرب آنذاك البداوة والأمية، وكانوا يتشوقون إلى معرفة ما تتشوق إليه النفوس البشرية من البحث في اسباب المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود؛ وهم في ذلك إنّما يسألون أهل الكتاب قبلهم، ومن الاعتبارات الدينية أن هذه المنقولات ليست مما يرجع إلى الاحكام والعقائد، فتساهل المفسرون في مثل ذلك وملأوا تفسيراتهم بمنقولات عن عامة أهل التوراة([65]. وممن توسع في ذلك أحمد بن محمد ابراهيم الثعالبي النيسابوري (ت 427هـ) في (التفسير الكبير).)
أمّا عند الامامية فالمأثور ما جاء في القرآن الكريم من بيان وتفصيل، وما نقل عن الرسول الاكرم (ص)،وائمة أهل البيت (ع)، فقد ذكر الشيخ ابو جعفر الطوسي (ت 460هـ): ان الرسول (ص) حث على قراءة القرآن والتمسك بما فيه، وردّ ما يردُ من اختلاف الاخبار في الفروع إليه. وأضاف: ان اصحابنا – يعني الامامية – ذكروا بانّ تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعن الائمة (عليهم السلام) الذين هم قولهم حجة كقول النبي (ص)([66]. وذلك لما تواتر من وصية الرسول عليه الصلاة والسلام فيهم: (إني تارك فيكم ما إن تمسّكتُم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا، حتى يردا عليَّ الحوض)([67].))
وأمّا ما نقل عن الصحابة والتابعين فليس بحجة في ذاته. ومن تفاسير الامامية الأثرية: (تفسير محمّد بن مسعود العياشي)، و (تفسير فرات بن ابراهيم الكوفي) و (تفسير علي بن ابراهيم القمي)([68].)
وقد ضعف التفسير بالماثور بفعل الوضع والاسرائيليات، كما أسهم في ذلك حذف الأسانيد بعد تفسير الطبري([69] وهو ما حصل لبعض المفسرين- توخياً للايجاز، كالبغوي الفراء (ت 510هـ) وابن كثير (ت 774هـ) والسيوطي (ت 911هـ)، فانظر السيوطي في مقدمة كتابه (الدر المنثور) يقول: (فلما ألفت كتاب ترجمان القرآن وهو التفسير المسند عن رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وتم بحمد الله في مجلدات، فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله ورغبتهم في الاقتصار على متون الاحاديث دون الاسناد وتطويله، فلخصت منه هذا المختصر مقتصراً فيه على متن الأثر، مصدراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر وسميته بـ "الدر المنثور في التفسير بالمأثور")([70].))
وعن التفسير بالرأي فأن الرأي يطلق في اللغة على الاعتقاد والقياس والاجتهاد، ويعتبر أصحاب القياس أصحاب الرأي لانهم يقولون برأيهم فيما لم يجدوا فيه حديثاً أو اثراً.
والمراد به هنا تفسير القرآن بالاجتهاد. وقد نشأ التفسير بالرأي – كمنهج – في وقت متأخر عن نشأة التفسير الأثري، وان كانت هناك بعض المحاولات من قبل بعض المسلمين تبين أنهم مارسوا الرأي في التفسير لا سيما لو لاحظنا ان أحد مصادر التفسير في عصر الصحابة هو (مبدأ الاجتهاد والاستنباط) وفي عصر التابعين كذلك كما مرّ آنفاً.
ويذهب بعض الباحثين إلى أكثر من ذلك فيذكر ان من الممكن القول انّه في عصر النبوة أيضاً أقبل بعض المسلمين بفطرتهم على القرآن، يعملون نظرهم فيه عندما لم يتيسر لهم لقاء الرسول (ص)، فوجد في هذه الفترة من كان يفسر القرآن برأيه([71].)
لكن التفسير كعلم وحاجة نشأ وانطلق من المعلم الأول الرسول (ص) ثم انطلق بلباسه الأثري بعد ان بيّنه الرسول إلى الأمة ليكون حجة على الناس ومن ثم تعددت أساليب التفسير وتنوعت مناهجه عبر تاريخ هذا العلم. فكل الدواعي والملابسات التي أحاطت بنشأة هذا العلم تقضي بأن الرسول (ص) قام بتفسير القرآن في ضوء هذه الحاجة ولم تبق آية واحدة مغلقة على المسلمين في بُعدها التفسيري.
والحمد لله رب العالمين.
 
المؤثر السابع:
وهكذا افاد المسلمون من نهج الرسول في بيان معاني القرآن الكريم فعنه(ص) صدروا ومن علومه نهلوا لاسيما في الاتجاهات الاولى في التفسير وما ان تعددت المناهج والاتجاهات التفسيرية لاحقا فان علماء القرآن أكدوا الضوابط والشروط التي يتوفر عليها المفسرون لتبقى الامامة القرآنية مقترنة بأمامة النبي والعصمة المطهرة في بيان معاني القرآن الكريم.
ومن هذه المؤثرات يمكن ان نخلص إلى ان فرص التقارب والوحدة هي الحاكمة والمهيمنة على تفسير هذا القرآن الخالد ومن يقفز على ذلك فهو يحتاج إلى دليل على دعواه .
ومن خلال ذلك التأكيد الواضح لابد ان يعنى بفقه الوحدة والاختلاف ليدخل العمل التقريبي وجهود الوحدة الإسلامية في نظم واجبات هذه الأمة لاسيما بلحاظ التحديات العظيمة التي تهدد كيان هذا الدين والمسلمين جميعهم بلا استثناء وتبقى الاجتهادات في حدود احترام وتقديس الأمة الخيرة الواحدة التي ارادها الله لنا.
والله هو الولي والمستعان
 
فهرست المصادر
القرآن الكريم
1- أحكام القرآن: محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي (ت 543هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، نشر: دار المعرفة، بيروت.
2- الإرشاد: الشيخ المفيد (ت 230هـ)، نشر دار صادر، بيروت.
3- آلاء الرحمن في تفسير القرآن: العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي (ت 1352هـ)، تحقيق: لطيف فرادي وعباس محمد، ضمن موسوعة العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي، نشر: مركز احياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1428هـ.
4- الأمالي: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ)، تحقيق: مؤسسة البعثة، نشر: دار الثقافة، قم.
5- بحار الانوار: محمد باقر المجلسي (ت 1111هـ)، نشر: مؤسسة الوفاء، بيروت.
6- البرهان في علوم القرآن: محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي (ت 794هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، نشر: دار المعرفة، بيروت.
7- التبيان في تفسير القرآن: محمد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، نشر: مكتب الاعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1409هـ.
8- التفسير والمفسرون، في ثوبه القشيب: محمد هادي معرفة، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، الطبعة الأولى، 1418هـ.
9- جامع البيان في تفسير القرآن: المعروف بتفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، تخريج: صدقي جميل العطار، نشر: دار الفكر، بيروت، سنة 1415هـ.
10- الجامع الصغير: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ)، نشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1401هـ.
11- الدّر المنثور: جلال الدين السيوطي (ت 911هـ)، نشر: دار المعرفة، الطبعة الأولى، سنة 1365هـ.
12- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت 1389هـ)، نشر: دار الأضواء، بيروت.
13- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275هـ)، تحقيق: سعيد محمد اللحام، نشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1410هـ.
14- سنن الترمذي: محمد بن عيسى الترمذي (ت 279هـ)، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، طبع: دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1403هـ.
15- السنن الكبرى: أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458هـ)، طبع: دار الفكر، بيروت.
16- شرح نهج البلاغة: ابن أبي حديد المعتزلي (ت 656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، نشر: دار احياء الكتب العربية.
17- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: أسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت 393هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، نشر: دار العلم للملايين، بيروت.
18- صحيح البخاري: محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256هـ)، طبع: دار الفكر، بيروت، سنة 1401هـ.
19- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261هـ)، نشر: دار الفكر، بيروت.
20- الطبقات الكبرى: محمد بن سعد (ت 230هـ)، نشر: دار صادر، بيروت.
21- عدة الداعي: أحمد بن فهد الحلي (ت 841هـ)، تحقيق: أحمد الموحدي القمي، نشر: مكتبة الوجداني.
22- علل الشرائع: الشيخ الصدوق (ت 381هـ)، نشر: مكتبة الحيدرية، سنة 1386هـ.
23- فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، نشر: دار المعرفة، بيروت.
24- الكافي: الشيخ الكليني (ت 329هـ)، تحقيق: علي أكبر غفاري، نشر: دار الكتب الإسلامية، ايران.
25- كشف الغمة: عليّ بن عيسى الاربلي (ت 693هـ)، طبع: دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1405هـ.
26- كنز العمال: المتقي الهندي (ت 975هـ)، تحقيق: بكري حياني وصفوة السقا، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت.
27- لسان العرب: العلامة ابن منظور (ت 711هـ)، طبع: دار احياء التراث العربي.
28- المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير: عبد الله بن قتبية الدينوري (ت 276هـ)، تحقيق: مردان العطية ومحسن خرابة، نشر: دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الاولى، سنة 1410هـ.
29- المستدرك على الصحيحين: محمد بن محمد الحاكم النيسابوري (ت 405هـ)، تحقيق: الدكتور يوسف المرعشلي، نشر: دار المعرفة، بيروت، سنة 1406هـ.
30- مقدمة ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808هـ)، نشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت.
31- مكارم الاخلاق: الطبرسي (ت 548هـ)، نشر: منشورات الرضي، الطبعة السادسة، سنة 1392هـ.
32- مناقب آل أبي طالب: ابن شهرآشوب (ت 588هـ)، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، طبع: المطبعة الحيدرية، النجف، سنة 1376هـ.
33- نهج البلاغة: تحقيق الشيخ محمد عبده، نشر: دار المعرفة، بيروت.
34- وسائل الشيعة: الحر العاملي (ت 1104هـ) تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، قم، الطبعة الثانية، 1414هـ.
 
فهرست الآيات
السورة
رقم الآية
الصفحة
القيامة
17-19
2
النحل
44
2
الليل
5-10
2
البقرة
238
2
البقرة
187
2 و12
عبس
31
3
الانعام
14
3 و13
العلق
1
3
القدر
1
3
الأنبياء
107
4
الجمعة
2
5 و 8
القلم
4
5
الشعراء
214
5
الشورى
15
5
التوبة
128
5
العنكبوت
48
6
الضحى
6
7
الاحزاب
40
7
الاسراء
79
7
الاحزاب
46
7
آل عمران
110
7
آل عمران
55
8
النحل
36
8
ابراهيم
1
8
الحديد
25
9
الاعراف
157
9
النجم
4
9
عبس
27-31
12
الانعام
82
13
لقمان
13
13
المزمّل
5
14
هود
120
15
 


(1) سورة القيامة: 17-19.
(2) سورة النحل: 44.
(3) صحيح البخاري، محمد بن اسماعيل البخاري، دار الفكر، بيروت، سنة 1401،6/48، سورة الليل: 5-10.
(4) صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الفكر، بيروت، 2/112.
(5) سورة البقرة: 238.
(6) سورة البقرة: 187.
(1) صحيح البخاري، 5/156، صحيح مسلم 3/128، وسنن ابن داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الفكر، بيروت، سنة 1410هـ 1 :527 : 2349.
(2) سورة عبس: 31.
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 13/229، وكنز العمال، المتقي الهندي، تحقيق بكري حياني، وصفوة السقاة، مؤسسة الرسالة، بيروت 2: 327: 4154.
(4) سورة الانعام: 14.
(5) جامع البيان في تفسير القرآن، محمد بن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، سنة 1415هـ، 7 : 211 : 10214.
(6) المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير، عبد الله بن قتيبة الدينوري، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الاولى، سنة 1410هـ، 48/9.
(7) سورة العلق: 1.
(8) سورة القدر: 1.
(1) سورة الأنبياء: 107.
(2) سورة الجمعة: 2.
(3) سورة القلم: 4.
(3) سورة الشعراء: 214.
(4) احكام القرآن، ابن العربي، دار المعرفة، بيروت، 3: 1437-1438.
(5) الجامع الصغير، السيوطي، دار الفكر، بيروت, الطبعة الأولى، سنة 1401، 1: 241: 1596. وانظر كنز العمال 6: 291/15755.
(6) سورة الشورى: 15.
(7) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد المعتزلي، دار احياء الكتب العربية، 13: 279.
(8) سورة التوبة: 128.
(1) مكارم الاخلاق، الطبرسي، منشورات الرضي، الطبعة السادسة، سنة 1392هـ، ص: 17. انظر بحار الانوار، المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت، 16: 230 ضمن الحديث 35.
(2) الكافي، الشيخ الكليني، دار الكتب الإسلامية، ايران, الطبعة الثانية، سنة 1389هـ، 8 : 131/101. وانظر بحار الانوار 16: 261/51.
(3) الارشاد، الشيخ المفيد، تحقيق مؤسسة آل البيت، 1/125. وانظر الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، نشر دار صادر، بيروت، 2 : 35.
(4) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، المطبعة الحيدرية، نجف، سنة 1376هـ، 3 : 42. وانظر كشف الغمة، علي بن عيسى الأربلي، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1405هـ، 3: 346.
(5) سورة العنكبوت: 48.
(1) سورة الضحى: 6.
(2) سورة الاحزاب: 40.
(3) سورة الاسراء: 79.
(4) سورة الاحزاب: 46.
(5) سورة آل عمران: 110.
(1) سورة آل عمران: 55.
(2) آلاء الرحمن في تفسير القرآن، الشيخ البلاغي، مركز احياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1428هـ، 1 : 78-79.
(3) علل الشرائع، الشيخ الصدوق، المكتبة الحيدرية، سنة 1386هـ، 1: 253، وانظر بحار الانوار 11: 40.
(4) سورة النحل: 36.
(5) سورة ابراهيم: 1.
(6) الكافي 8 : 386/586، وبحار الانوار 74: 365/34.
(7) سورة الجمعة: 2.
(8) السنن الكبرى، البيهقي، دار الفكر، بيروت، 10/192. وانظر كنز العمال 11: 419/31969.
(1) نهج البلاغة، تحقيق الشيخ محمد عبده، دار المعرفة، بيروت، 1 : 206-107 الخطبة رقم 108.
(2) سورة الحديد: 25.
(3) سورة الاعراف: 157.
(4) لسان العرب، ابن منظور، دار احياء التراث العربي، 4 : 22 (أصر)، وانظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية،، اسماعيل بن حماد الجوهري، دار العلم للملايين، بيروت، 2 : 579 (أصر).
(5) لسان العرب 11 : 500 (غلل).
(6) سورة النجم: 40.
(1) الكافي 2 : 598/2. وانظر وسائل الشيعة، الحر العاملي، مؤسسة آل البيت، الطبعة الثانية، سنة 1414هـ، 6 : 171/7657. وانظر عدة الداعي، احمد بن فهد الحلي، مكتبة الوجداني، قم، ص: 268.
(2) الأمالي، الشيخ الطوسي، دار الثقافة، قم، 7/7. وانظر وسائل الشيعة 6 : 167/7640.
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري، 9/ 54. وانظر كنز العمال 1 : 520 – 521/2332.
(4) الكافي 2 : 605/7. وانظر وسائل الشيعة 5 : 331/6705. وانظر بحار الانوار 89 : 13/3.
(1) البرهان في علوم القرآن، الزركشي، دار المعرفة، بيروت، 1 /15.
(2) صحيح البخاري 1 : 155، 7 : 77، 8 : 133. وانظر السنن الكبرى للبيهقي 2 : 345. وانظر فتح الباري 2 : 59.
(1) الارشاد، الشيخ المفيد 1 : 186. وانظر كنز العمال 13 : 114/36372. وانظر مناقب آل أبي طالب 1 : 204 و315.
(2) سورة البقرة: 187.                                                                
(3) سورة عبس: 27-31.
(1) سورة الانعام: 14.
(2) سورة الانعام: 82.
(3) سورة لقمان: 13.
(4) نهج البلاغة، تحقيق محمد عبده 2 : 16-17/133.
(1) سورة المزمل: 5.
(2) التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، محمد هادي معرفة، الجامعة العالمية للعلوم الرضوية، مشهد، 1418هـ، 1/173، 307، 323، 469.
(3) المصدر السابق نفسه.
(1) سورة هود: 120.
(2) مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمان بن محمد، مؤسسة الاعلمي، بيروت، ص: 439-440.
(1) التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، مكتب الاعلام الإسلامي، الطبعة الاولى، سنة 1409هـ، 1: 4.
(2) سنن الترمذي، محمد بن عيسى، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1403هـ، 5 : 328-329/ 3876. وانظر المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، دار المعرفة، بيروت، سنة 1406هـ، 3/109.
(3) الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الشيخ آقا بزرك الطهراني، دار الاضواء، بيروت، 4 : 295/1299 و 4: 298/1309 و 4 : 302/1316.
(4) التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2/29-87.
(5) الدر المنثور، جلال الدين السيوطي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الاولى، سنة 1365هـ، 1 :2.
(1) التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 1: 305.