مشروع جامعي في إطار التقريب

مشروع جامعي في إطار التقريب

مشروع جامعي في إطار التقريب

 

امين الساحلي

1.    الجامعة كما يفيد اسمها مكان يجمع افراداً من مشارب فكرية واعتقادية شتى، ويضمهم في اطار مشروع علمي تعاوني طويل الامد. وهو لذلك يربط فيما بينهم برابط ما وود قد يتجاوز حدود الزمالة المصلحية البحثية ليصبح تواصل وتزاور وتعارف اسري وثقافي واجتماعي. في اطار هذا التبادل، ينشأ ميل طبيعي للبحث عبر الفوارق الدينية والمذهبية كما يمكن ان يكون قيماً مشتركة تبنى عليها تلك العلاقة العلمية والاجتماعية. هكذا يكون للجامعة جانب تقريب طبيعي، حيث يتميز التعاون العلمي والبحثي خصوصاً بانه عمل مشترك لا يكون بدون حد ادنى من الراحة المتبادلة، وينشأ عنه كلما دام وطال امده ود وتقارب واحترام، فالجدية والمواظبة والصدق وغير ذلك من الخصائص التي يجب ان تتوفر في الباحثين العاملين في اطار مشروع علمي بناء تستحيل الى صلة قرابة بين العاملين انفسهم وتصبح هذه الصفات هي ميزان القرب والبعد عوضاً عن اية اشياء اخرى. وقد يشق هذا الميزان طريقه بعيداً عبر التمذهب والتعصب والانعزال وضيق الافق وغير ذلك من الاوبئة التي تعترض طريق التقريب بشكل عام.

2.    ان ما ذكر من جانب تقريبي للجامعة يعمل لوحده بدون تاسيس ودفع وتشجيع وتمويل وتشغيل، يقدح في الذهن بارقة يمكن لها ان تكون مشروعاً هاماً في محصوله التقريبي النهائي، وذلك من خلال السير بطريقة عكسية مع المنهج المألوف القاضي بضرورة التقريب اولاً لاجل ان يصل الناس في العالم الاسلامي الى التحلق معاً حول مشاريع بناءة مفيدة. البارقة هي ان نعمل على دعم وتطوير المشاريع الجامعية الاكاديمية وهي ستضم في اطرها مجموعة من النخبة العلمية العاملة في شتى المجالات، وهؤولاء سوف يتقاربون كما قلنا اسرياً وثقافياً واجتماعياً وانسانياً. وان نخبة متقاربة يمكن لها ان تكون ركيزة اساسية في مجتمع التراحم والتقارب الاسلامي المنشود والمامول. اذا ايجاد المشروع البناء سوف يخلق بيئة نخبوية جامعية متقاربة، وهذه بدورها سوف تتبنى في ميل طبيعي ثقافة تقريبية مبرورة، وسوف تقوم هذه النخبة بالدعوة والترويج للتقريب من خلال ما تزاوله فعلاً من تواصل وتعاون مع بيئات مختلفة دينياً ومذهبياً، وكذلك من خلال ما تتبناه وتؤمن به من وجهة نظر تكونت وتأسست بفعل الاحتكاك والتعاون والتعارف، واكتسبت مع الايام منطقاً متيناً وبياناً قوياً ملائماً. والاهم هو ان هذه الفئة تشغل صدور المجالس في المحافل والمنتديات والمعاهد والمناسبات. ولكل ذلك فهي فئة شديدة التاثير في موضوع التقريب من دون ان تشعر انها تقوم بذلك، وربما لو انه عرض عليها القيام بهذا الدور في اطار محدد لنفر كثير من هذه الفئة ولاجتاحتهم عشرات الاسئلة المشككة المتهمة. اذا صيغة تعاون لانتاج تقارب هي في الجامعة تحديداً اطار جاد وجدي ومباشر وغير معكوس كما قد يكون الانطباع.

وقد يكون من المفيد الاشارة الى ان هذا التعاون عابر للحدود السياسية عبر جغرافية العالم الاسلامي برمته، فهو تعاون مرحب به، لا ترى فيه الادارات او الحكومات او اية سلطات اي تهديد او اي شان سلبي اخر، وذلك يعزز الفكرة ويرسم لها حدودأ للتحرك تتجاوز البلد الواحد الى العالم الاسلامي المترامي الاطراف.

3.     نقترح في التفصيل ان يتم انشاء مركز بحثي معرفي متنوع، يكون اطاراً للعمل الجاد ولبناء في شتى الحقول المعرفية، ويضم باحثين من مختلف جامعات العالم الاسلامي ومؤسساته الفكرية والاجتماعية الفاعلة فما يلي ما يمكن ان يكون تصورات اولية حول هذا المركز:

1.    نقترح ان يكون مركزاً جامعياً، بمعنى انه تابع لجامعة او اكثر وناشئ عن قرارات ادارية رسمية من قبل هذه الجامعات المعنية. يعطي هذا المركز عنواناً عاماً لا يؤشر الى هوية ما او توجه ما ويتم تشغيله وتجويهه من قبل مجمع التقريب.

2.        يمكن لهذا المركز ان يقوم بالأعمال التالية:

‌أ.     الاصدارات: يوفر فرصة للباحثين لانتاج معرفة مكتوبة موثقة ونافعة، وذلك من خلال نشر وتوزيع اعمالهم بعد ان يكون قد درسها وقبلها من قبل لجنة متخصصة تعمل في هذا المجال. ونقترح ان لاتقتصر العناوين المقبولة على العناوين الهادفة مباشرة الى "التقريب" من خلال المقاربة الدينية الكلامية او التاريخية، بل التوسع الى كل العناوين النافعة والمفيدة للامة وللمجتمع، وهذا التوسع من العناوين "الهادفة"الى العناوين "النافعة" مبني على مبدا تقريبي شديد الاهمية وهو مبدا ما "ينفع الناس" لان ما ينفع الناس، يوحد الناس ولو بعد برهة، ريثما يذهب زبد الدعوات المغرضة او المريضة جفاء. ان هؤلاء الكتاب والمؤلفين والادباء والشعراء والعلميين من مختلف الاختصاصات يمكن لهم ان يصبحوا بيئة تقريبية نخبوية تستكتب في تجربتها وارائها في مجلة دورية يمكن لها ان تصدر عن ذلك المركز وتوزع في العالم الاسلامي الواسع.

‌ب.   الندوات: على مدى السعة نفسها، وفي دائرة العناوين النافعة المفتوحة، يمكن للمركز ان يقيم ندوات دورية تربط فيما بينه وما بين بيئة الثقافة والفكر في مكانه حيث هو، يتحدث فيها مفكرون وباحثون ومجربون ويقدمون تجاربهم وتناقش هذه الافكار والتجارب وينتج عنها مادة علمية قابلة للاعتماد والاستثمار.

‌ج.   المؤتمرات: العلمية والفكرية في كافة فروع العلم والمعرفة وذلك من خلال مشاركة واسعة من كل دول العالم الاسلامي. وقد اسلفنا الحديث عن الاهمية التي تترتب على تجمع كهذا في سبيل التقريب بهدف التواصل والتعارف.

‌د.    العلاقات: بامكان هذا المركز ان يكون له شبكة علاقات واسعة عبر الفعاليات الفكرية والروحية والاكاديمية والمالية والاعلامية وغير ذلك على طول وطننا الاسلامي المترامي الاطراف ومعلوم ما لهذه العلاقات من اهمية في جعل المركز وجهاً معروفاً ومقبولاً وجاهزاً بفعالية في الاوساط المعنية بشؤون الامة وعناوينها الكبرى.

‌ه.    المادة الاعلامية:  والافلام الوثائقية وما بامكانه ان يكون مادة ثقافية جذابة باستطاعتها ان تستميل جمهوراً كبير من خلال بنائها المتقن والمعالجة الافتراضية الناجحة. فلو قام فيلم وثائقي بدراسة ظاهرة الغنى في العالم الاسلامي على سبيل المثال ورصد المال وتوزيعه، وحركته ونوع استثماره واجرى بعض المقارنات مع حركة المال في الدول المتقدمة وخرج بنتائج حقيقية بناءة، فان هذا قد يدفع بالكثيرين الى اعادة تسديد الخط ولربما دخل الكثيرون من اصحاب رؤوس الاموال الى حيز المشاريع التنموية وبرز خط مالي واع ومبصر مؤلف من افراد من مشارب ومذاهب متعددة داخل العالم الاسلامي ولكنهم جميعا باتو يؤمنون بناء على ثقافتهم الجديدة ان منتهى النجاح لا يمكن ان يكون بالارقام العالية لارصدة في بنوك الغرباء، وانما الحركة محلية هي التي تعطي الغنى والمزيد من الغنى، بالاضافة الى القوة والمنعة والاستغناء والعافية وما يحتاجه المجتمع الحيوي لتامين العيش الغيد. وهذا واحد من اهم تجليات التقريب في المجتمع الاسلامي.

‌و.    المراة: عنوان المراة يمكن له ان يكون عابراً للكثير من البيئات ومؤثراً في الاوساط النسائية على وجه الخصوص، ومعلوم ما تلعبه المراة من دور في التربية عموماً وفي تنشئة الاجيال على الانفتاح والاتزان والتقارب، ولذلك يمكن تفعيل دور المراة في المجتمع و في انشطة واعمال المركز على وجه الخصوص، ليكون هذا العنوان بالذات عاملاً بناءً وايجابياً لا عامل هدم كما دأب اعداد الامة على استعماله.

‌ز.    الاطفال: وهم المستقبل، ولذلك فان العناية بهم ليست مضيعة للوقت، او دخول في مجالات خارجة عن اختصاص التقريب. فما الذي يمنع من ان يكون مشروع التقريب طويل الامد، ممتداً عبر اجيال متعاقبة، لماذا يجب علينا ان نترك الجيل لقدره او لقدر خطة اعداءه، حتى اذا اشتد عوده وراح يضرب اهله بسيف جلاديه الغرباء، وذلك من خلال جملة الافكار التكفيرية العصبية التي يحملها، يبدا حينها مشروعنا التقريبي بالعمل والمواجهة. لماذا لا يكون مشروع التقريب حاضراً وفاعلاً ومؤثراً من خلال مواكبة الجيل والسفر معه منذ نعومة الاظافر حتى بلوغ الاشد واستلام زمام الامة. يمكن لهذا المركز ان ينتج للاطفال مطبوعات خاصة، افلام كرتونية او حتى تلفزونية او انشطة مختلفة.

4.    تلك المقترحات لا تعد كونها عصف اولي للافكار، وهي تحاول ان تخرج المشروع التقريبي في دائرة المجاملة السياسية، او الابحاث الكلامية الحوزوية الى دائرة الحياة الواسعة التي تشترك في صناعتها مكونات مختلفة من اكاديمين ومهنيين وفنيين واداريين ورجال اعمال، وهذا المقترح ربما كان محاولة ابتدائية في سبيل القصد والله ولي التوفيق.