معالم الدستور الإسلامي الإيراني

معالم الدستور الإسلامي الإيراني

 

 

معالم الدستور الإسلامي الإيراني

 

الشيخ محمد علي التسخيري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد شكل هذا الدستور أحد المكاسب الرائعة للثورة الإسلامية في إيران. وقد امتازت هذه الثورة بأنها سعت سعيها الجاد للوصول إلى وضع دستوري مستقر، فلم تمض سوى ثلاثة أشهر على نجاحها حتى وضعت اللبنات الأولى للدستور الإسلامي، وأتبعت ذلك بالاستفتاء العام على صيغة الدستور المقترحة، مما يمكن القول معه بأن هذه الثورة الإسلامية لم تر في تاريخها دستوراً مؤقتاً كما هو الحال في الكثير من الثورات الأخرى.

وما نود التركيز عليه هو بيان بعض الملامح العامة التي تعطيها من حيث المجموع كصيغة خاصة، وهي كثيرة نقتصر منها على ما يلي:

أولاً: إقامة الحياة على أساس عقائدي، أو توثيق العلائق بين الأيديولوجية والنظرة الكونية:

هل هناك علاقة بين الأيديولوجية والنظرة الكونية(أي التصور العام عن العالم)؟ وإذا كانت هناك رابطة بينهما فهل هي رابطة تلازم واستنتاج، أم هي مجرد علاقة يمكن تغيير طرفيها؟ وبتعبير آخر: هل تنسجم النظرة الكونية المعينة مع أيديولوجيتين متناقضتين؟

ـ(46)ـ

هذه الأسئلة هي أول ما ينطرح على صعيد الفكر الإنساني، وبشكل طبيعي جداً.

فما هو موقفنا المنطقي منها أولاً؟ وما هو موقف الإسلام؟ وما مدى انسجام الموقفين؟ وبالتالي، ما هو جواب الدستور الإسلامي للجمهورية الإسلامية في إيران؟

هذا ما نحاول الحديث عنه بإيجاز في هذه النقطة:

قبل كل شيء يجب أن نوضح مقصودنا من مصطلحي(التصور العام عن العالم) (الأيديولوجية) إننا نقصد بالتصور العام عن العالم نوعية نظرتنا إلى العالم ككل، ومدى قناعتنا بحقيقته ومكوناته، فإن شملت هذه النظرة والتصور، العالم كله سميّت نظرة فلسفية، وإن اقتصرت على الإطار المادي المحسّ سميّت نظرة تجريبية حسّية.

وعلى أي حال، فإن مجموع قناعتنا بحقيقة العالم ومكوناته وقوانينه بما فيها الحقيقة الإنسانية، والتاريخ الإنساني، نسمّيها بـ(النظرة الكونية) أو(التصور العام عن العالم). فالتصور الإلهي للعالم يرى الله تعالى خالقاً لكل ما عداه، ويرى مخلوقاته ـ سبحانه ـ تسير وفق مخطط تكاملي، ويرى التاريخ الإنساني محكوماً بسننه الإلهية. إلى غير ذلك، في حين لا يرى التصور المادي إلاّ المجال المادي الضيق، ولا يعتقد بأي شيء وراء المادة.

ومهما يكن الأمر فلسنا بصدد تكوين تصور ما عن العالم، وإنّما نحن بصدد العلاقة بينه وبين الأيديولوجية التي يتبعها المجتمع الإنساني.

أما الأيديولوجية فتعني تلك الأفكار التي تجيب عن الأسئلة التالية:

كيف ينبغي أن نسلك في هذه الحياة؟ وما هو النموذج الأمثل للحياة الإنسانية؟

ما هو الإنسان الحقيقي؟ وما هي خصائص المجتمع الإنساني الذي نسعى إليه؟ وعلى أي مقياس نبني أقدامنا على سلوك ما وأحجامنا عنه؟ وكيف نعرف ما ينبغي وما لا ينبغي؟ كل هذه الأسئلة وأمثالها تجيب عنها الأيديولوجية المتكاملة، أي

ـ(47)ـ

الأيديولوجية التي تشكّل صياغة مستوعبة لكل تطلعات الإنسان وليست تلك التي تعني بجانب خاص من هذه الحياة.

وبعبارة مختصرة نقول: ان النظرة الكونية هي مجموع النظر إلى ما هو الواقع في هذا العالم، أو النظر إلى ما هو كائن وموجود، أما الأيديولوجية فهي الأفكار التي تحدد ما ينبغي أن يكون ويجب أن يتحقق.

فالتصور الكوني ـ إذن ـ نظرة تصف العالم، والأيديولوجية: هي نظرة تقوّم الموجود وتحاول تطويره إلى الأفضل.

بعد هذا، نتساءل عن العلاقة بينهما:

ترى الرأسمالية ـ أو هكذا يبدو من موقفها عموماً ـ أن من الممكن أن نفصلهما عن بعضهما، فيمكننا أن نتغافل عن المسألة الواقعية، أي مسألة معرفة ما هو الواقع، ونضع المسألة الاجتماعية والنظام الأصلح بغض النظر عنها. ولذلك نجد الرأسمالية تبني نظامها الاجتماعي بعيدا عن أية قاعدة عقائدية. هذا هو الرأي الأول.

ويرى بعض الكتاب أن المسألة الواقعية إنّما تحد من اختيارات الإنسان والبدائل الموضوعة أمامه لحل المسألة الاجتماعية، أي لا تفسح لـه المجال لاتخاذ أية أيديولوجية مهما كانت، ولكنها على أي حال تفسح المجال لانتقاء أيديولوجية أخرى ورفض غيرها، برغم أنهما منسجمتان معاً مع الأساس العقائدي.

وكلا الرأيين يرفضهما المنطق الصحيح كقاعدة عامة، وكذلك ترفضهما ظواهر النصوص الإسلامية الشريفة، سواء في القرآن الكريم أو في السنّة الشريفة.

وذلك لأن الأيديولوجية ـ مهما كانت ـ تستمد جذورها من تصوّر الواقع، فلا يعرف الإنسان ما ينبغي ان يكون بعد أن يعرف ما هو كائن، وما هي متطلبات الواقع.

ويتأكد هذا المعنى عندما نتصور الإنسان مثلاً بألوهية الباري ـ جل وعلا ـ وبأنه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وأن الإسلام ينظم كل جوانب الحياة، مثل هذا

ـ(48)ـ

الإنسان لا يمتلك بعد هذا التصور الاخيارين لا ثالث لهما، فإما أن يتبع الأيديولوجية الإسلامية ويصبغ كل سلوكه بها، وإما أن يكفر بتصوره الماضي ويجحد به بعد أن تستيقنه نفسه.

نعم، إذا امتلك الإنسان تصوراً مادياً عن العالم، فستكون أمامه أيديولوجيات بديلة وآلهة وهمية مختلفة، كل يجره إلى سبيله «ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجلٍ هل يستويان مثلاً» بل لن يكون لـه أي مسوغ لا تجاه نحو أيديولوجية معينة.

وعلى هذا، يمكننا أن نجزم بوجود صلة مهمة بين تصور الإنسان عن العالم وأيديولوجيته في الحياة، فالرأي الرأسمالي يجانب المنطق والواقع. كما يمكننا أن نجزم أيضاً بأن بعض أنواع التصور ـ كالتصور الإسلامي عن العالم ـ لا يدع للإنسان خياراً عملياً إلاّ أن يلتزم الأيديولوجية الإسلامية التي هي وليدة طبيعية للتصور الإسلامي عن الواقع.

ومن هنا يقول المرحوم الشهيد المطهري في كتابه(الوحي والنبوة): «ان الأيدلوجية تقوم بشكل أساس على نوعية تصور العالم... إن الأيديولوجية هي من نوع الحكمة العملية، والتصور هو من نوع الحكمة النظرية، وكل نوع من الحكمة العملية مبني على نوع خاص من الحكمة النظرية».

وهذا بالضبط ما توحي به النصوص الإسلامية، إنها تذكر العقيدة أو التصور ثم تستنج منه موقفا عملياً.

فلنقرأ هذه الآية الشريفة لنجد كيف ينتقل القرآن الكريم من موقف تصوري واقعي إلى موقف أيديولوجي، من تصور العالم الواقعي المتوازن، إلى طلب العدالة في الميزان والقسط في التعامل العملي: يقول تعالى: «والسماء رفعها ووضع الميزان ألاّ تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان». هذا ـ إذن ـ ما يقتضيه

ـ(49)ـ

المنطق وتشهد به النصوص، وهذا بالضبط ما أكدته المادة الثانية من دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، فقالت ما ترجمته:

«الجمهورية الإسلامية نظام يؤمن بالقسط والعدل، والاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ووحدة الأمة عبر سبل هي:

أ ـ الاجتهاد المستمر للفقهاء الحائزين على الشرائط المحددة على أساس الكتاب المجيد وسنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

ب ـ الاستفادة من العلوم والفنون والتجارب البشرية المتطورة والسعي في سبيل تطويرها.

ج ـ نفي الظلم والانظلام والتسلط وقبول السلطة الظالمة».

إلى هنا نجد الدستور يوضح الخطوط العريضة للأيديولوجية التي يتبناها. فإذا واصلنا قراءة المقطع التالي من هذه المادة الثانية نفسها وجدنا كيف تبتني هذه الأيديولوجية على التصور الإسلامي الأصيل عن الواقع: تقول المادة بعد ذلك: كل هذا يبتني:

أولاً: على الإيمان بالله الواحد «لا اله إلا الله» وتخصيص الحكم والتشريع به، ووجوب التسليم لـه.

ثانياً: بالوحي الإلهي ودوره الأساس في بيان القوانين الإلهية.

ثالثاً: المعاد ودوره البناء في المسيرة التكاملية للإنسان إلى الله.

رابعاً: عدالة الله في التكوين والتشريع.

خامساً: الإمامة والولاية المستمرة ودورها الأساس في استمرارية الثورة الإسلامية.

سادساً: كرامة الإنسان وحريته مع مسؤوليته أمام الله تعالى.

ولسنا هنا بصدد توضيح التفصيلات بقدر ما نحن بصدد تأكيد هذا الربط المنطقي

ـ(50)ـ

القويم الذي يتصوره الدستور الإسلامي بين البناء العقائدي والبناء الأيديولوجي، أو كما عبّر عنه آية الله الشهيد الصدر، بالربط بين المسألة الواقعية والمسألة الاجتماعية».

ثم أن هذه المادة تجعل هدف نظام الجمهورية الإسلامية هو ضمان العدل من جهة، والاستقلال في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووحدة الأمة من جهة أخرى.

ولاريب في أن تحقيق العدالة والاستقلال والوحدة يوفر الأرضية المساعدة تماماً لسير الإنسان التكاملي، وقيامه بحقوق الخلافة الإلهية في الأرض، ونشر لواء التعاليم الإسلامية على كل مجالات الحياة. الأمر الذي توضحه المادة المتعلقة بأهداف الدولة الإسلامية باعتبارها جزءاً مهماً من كل النظام الإسلامي.

كما لاريب في أن مثل هذا الهدف الكبير في مضمونه يحتاج إلى جهود كبيرة وخوض معركة طويلة المدى، مع كل أنماط الظلم، وسياطه التي تلهب ظهر العدالة بألوان العذاب التي تفنن البشر في اختراعها في عالمنا الذي يدعي الحضارة الإنسانية، وهو أبعد ما يكون عنها ثم إن هذا الاستقلال الذي تتحدث عنه هذه المادة ليس تحقيقه بالأمر السهل في هذا العالم الذي بسط الاستعمار، بأشكاله الغربية والشرقية، حبائله وشبائكه فيه، وقيّد الشعوب المستضعفة بشتى القيود. فلا تكاد تتخلص من نير إلاّ إلى نير آخر، ولا تتحرر من قيد إلاّ إلى قيد آخر، وكأن القيود بألوانها قدر منكر لابدّ للشعوب أن تستسلم لـه بمرارة ولا تجد لـه دفعا. وذلك بالنظر إلى الإخفاق الذريع الذي أصيبت به كل النظم التي ادعت هذه الصلاحية، ثم رأينا كيف مزّقت العدل والوحدة واستقلال الشعوب، وراحت تشبع نهم جماعة أو طبقة بعينها، متناسية كل الحقوق الإنسانية الأخرى عملاً، وان كانت تدعي لنفسها شعار السعادة والتكامل الإنساني، حتى إننا وجدنا الماركسية ترسم صورة الجنّة الموعودة للإنسانية، ومذ تسلمت زمام التطبيق أرت الإنسانية ما لم تره من قبل من صنوف العذاب باسم الإنسانية والاشتراكية.

ـ(51)ـ

نقطة أخرى: ذكرت المادة بكل وضوح مبادئ ثلاثة لها دورها الرئيس في منح عملية البناء الاجتماعي المستمر حركية وطاقة واستمرارية، وهي:

الاجتهاد المستمر، والطلب العلمي الحثيث، ومحاربة الظلم والانظلام، على مستوى واحد وهي مبادئ إسلامية خالصة.

المبدأ الأول: الاجتهاد المرتبط بعنصر(المرونة) الذي يتصّف به النظام الإسلامي، مما يجعله صالحاً للتطبيق في كل عصر وقطر، وذلك لأنه، إضافة إلى أنه يوفر، باستمرار، وقوفاً دقيقاً على الأحكام الشرعية الإسلامية من مصادرها الأصلية، يوفر في بعض الأفراد القدرة المطلوبة على سد منطقة الفراغ التي تركها الإسلام مراعاة لتغير الظروف وتبدل العلاقة بين الإنسان والطبيعة، أو حتى تعقد العلاقات الإنسانية فيما بين أفراد البشر أنفسهم. ومن هنا، جاءت فكرة ولاية الفقيه العادل، فقد سلّمه الإسلام نتيجة فهمه وعدالته هذه المهمة الخطيرة، أي مهمة ملء منطقة الفراغ التشريعي التي تركت ليملأها الفقيه الامام على ضوء روح الدين الإسلامي والقواعد المشرعة والمصالح التي يعلم بها، مشاوراً الاختصاصيين في كل جانب. والحديث في هذا المبدأ مفصل لـه محله المناسب كما سيأتي.

المبدأ الثاني: الذي ذكرته هذه المادة من الدستور الإسلامي، هو الطلب العلمي الحثيث والسعي نحو الاستفادة من كنز التمدّن الإنساني وتطويره مهما أمكن، هو أيضاً من مبادئ الإسلام ومعالمه، إنه دين البحث في الطبيعة، دين أعمار الأرض، دين استمرارية الكشف عن الحقيقة وخدمة الإنسان بها، دين التجربة الموضوعية للوصول إلى كشف المجاهيل، دين طلب العلم من المهد إلى اللحد، طلبه ولو بالصين. وهذا المبدأ يوفر استمرار الرقي المدني المادي للأُمة كما يوفر المبدأ الأول استمرار الانسجام مع متطلبات الإسلام ومتطلبات الظروف المتغيرة في الوقت الذي يحقق فيه

ـ(52)ـ

العدالة الإنسانية المطلوبة ونفي الاستعباد والتمزق.

المبدأ الثالث والأخير الذي تعتمده هذه المادة من الدستور لتحقيق حركية فاعلة لعملية البناء الاجتماعي هو محاربة الظلم والانظلام على مستوى واحد. والواقع أن الكثير من موارد الظلم تهيء لها حالات الانظلام وتقبّل التسلط من الأفراد والشعوب.

ورحم الله ذلك الكتاب الإسلامي الكبير الذي جعل قابلية الأمة للاستعمار أكبر ضرراً من الاستعمار نفسه.

وعليه، فإذا تحقق في المجتمع اجتهاد طموح مستمر، وطلب حثيث للعلم، ونفي لأي ظلم أو انظلام، فقد ضمن المجتمع حينذاك قدرته على السعي نحو تحقيق الأهداف الكبرى:(العدل، والاستقلال، والوحدة) وهذا ما أكدته هذه المادة:(الثانية) من هذا الدستور الإسلامي الرائع.

أما النقطة التالية: فهي أن هذه المبادئ والأهداف ناشئة ومبنية على أسس النظرة الإسلامية للكون والحياة، وعناصرها هي الإيمان بالله الواحد الذي لا شريك لـه. وبهذا تلغي هذه المادة كل الآلهة المزيفة المصطنعة التي صاغها الإنسان بضعفه وبذهنيته القاصرة، محولا هذه الآلهة المصطنعة إلى مطلب مؤثر في كل شؤون حياته.

فأصبحت هذه الآلهة عقبة كأداء في طريق تقدم الإنسان والحضارة الإنسانية. والى هذا يشير المفكر الإسلامي الكبير الشهيد الصدر، في كتابه «الفتاوى الواضحة» بما نصه:

«وحينما يتحول النسبي إلى مطلق.. إلى إله من هذا القبيل، يصبح سببا في تطويق حركة الإنسان وتجميد قدراته عن التطور والإبداع، وإقعاد الإنسان عن ممارسة دوره الطبيعي المفتوح في المسيرة «ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد ملوما مخذولا» وهذه حقيقة صادقة على كل الآلهة التي صنعها الإنسان عبر التاريخ سواء ما كان قد صنعه في المرحلة الوثنية من العبادة، أم في المراحل التالية. فمن «القبيلة» إلى «العلم» نجد سلسلة

ـ(53)ـ

من الآلهة التي أعاقت الإنسان ـ عندما ألهها وتعامل معها كمطلق ـ عن التقدم الصالح.

نعم، من «القبيلة» التي كان الإنسان البدوي يمنحها ولاءه باعتبارها حاجة واقعية بحكم ظروف حياته الخاصة، ثم غلا في ذلك، فتحولت القبيلة لديه إلى مطلق لا يبصر شيئا إلا من خلاله، وأصبحت بذلك معيقة عن التقدم، ثم غلا الإنسان المعاصر اليوم بـ «العلم» الذي منحه الإنسان الحديث ـ بحق ـ ولاءه لأنه شقّ لـه طريق السيطرة على الطبيعة، ولكنه حول العلم بولائه هذا إلى مطلق أيضاً، وتجاوز بالعلم حدوده في خضم الافتتان به، فراح يقدم لـه فروض الطاعة والولاء بحرارة العبودية المطلقة أو يرفض من أجله كل القيم، ويميت كل الحقائق التي لا يمكنه قياسها بالأمتار ولا تخضع لعدسة المجهر».

هذا بعض ما ذكره المفكر الشهيد آية الله الصدر.

والواقع، أن عدد الآلهة في العصور الأخيرة ارتفع بشكل ملحوظ. فراح يشمل الوطنية، والقومية، والاشتراكية، والحزب، والاتجاه، وأمثال ذلك.

بيد أن النفي لهذه الآلهة المصطنعة المعيقة عن التقدم الحضاري هو من نتاج الإيمان بالله الواحد الأحد المطلق الحقيقي، وهذا بدوره يؤدي أيضا إلى الإيمان بوحدانيته واختصاصه في الحكم والتشريع، فلا مشرع لنظام البشرية العام الخالد سوى الله عز وجل، لأنه تعالى هو العالم بحاجاتها والمطلع على دقائق أمورها، تلك النفس التي بيده خلقها وخبرها، وبإمكانه أن يهديها سبيلها، ويحقق سعادتها بأنجح الطرق وأقصرها.

العنصر الثاني بعد التوحيد من عناصر النظرة الكونية في الإسلام: هو الإيمان بالوحي الإلهي، ودوره الأساس في تفصيل القوانين الإسلامية وتباينها. ومنشؤه اللطف الإلهي، واحتياج الإنسان إلى هذا اللطف، ومن ثم توجه الإنسان إلى الله العليم القدير، ليهديه سبيل الرشد. ولابد إذن، من إرسال الأنبياء الذين ينبئون عن الله تعالى

ـ(54)ـ

ويقومون بإنجاح الرسالة السماوية في الأرض، وقيادة المسيرة الإنسانية نحو هدفها الكبير، والتي خلقت لتحقيق هذا الأمل العظيم السامي، وليكون هؤلاء الرسل حجة معصومة على عباد الله يهدونهم صراطه المستقيم «ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حي عن بينة».

ولهذا، فإن الإنسان الذي آمن بوحدانية الله وباختصاصه بالحكم والتشريع، صار لزاماً عليه الإيمان بالوحي، لأنه السبيل الوحيد لمعرفة الأحكام والقوانين، ويتبع ذلك اتخاذ الشريعة الإسلامية كأطروحة وحيدة في حياته الدنيا «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه».

العنصر الثالث في النظرة الكونية الإسلامية: هو الإيمان بالمعاد والحياة الأخرى لهذا الإنسان، وهذا الإيمان الذي ينقل القيمة الإنسانية من وجود تافه يعيش لحظات في هذه الدنيا ثم يسلم نفسه إلى الفناء، ينقل هذه القيمة إلى وجود مكرّم متكامل يعمّر الأرض خلال حياته الدنيا ويهيئ نفسه لحياة أخرى في ظل رضوان الله تعالى. وهذا الإيمان لـه دوره الكبير في تغيير القيم في ذهن الإنسان، وخلق التلاؤم بل الوحدة بين المصلحة الفردية والمصلحة الاجتماعية بعد أن عجزت كل النظم الوضعية الأرضية عن خلق هذه الوحدة وحل هذا الصراع، لأن المسلم الذي يؤمن بالمعاد، يشعر ـ وهو يقوم بعملية فيها خسارة شخصية مادية عليه ولكن لصالح المجتمع، ـ بأنه يعمل لنفسه في الوقت نفسه «ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئاً يغيض الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلاّ كتب لهم عن عمل صالح».

وهو حينئذ سيستصغر التضحية في سبيل مجتمعه طلباً للخلود. وهنا يبدو مدى الطاقة والحيوية التي يمنحها الإيمان بالمعاد للمجتمع السائر نحو التكامل. ويمكن تلخيص هذا العطاء الناشيء من الإيمان بالمعاد في انه يرفع المشكلة الاجتماعية القديمة والحديثة الناشئة من التعارض بين المصالح الفردية والمصالح الاجتماعية، كما

ـ(55)ـ

أنه يعطي ـ في هذه الحالة ـ للقانون بعدا ومعنى جديدين، ويدخل في حسابه النمو المعنوي للإنسان المؤمن بالمعاد. إما رغبة في الثواب، وإما رهبة من العذاب، إلى غير ذلك من العطاء.

العنصر الرابع: عدالة الله في التكوين والتشريع. لمّا رأينا كيف ينعكس الإيمان بالمعاد على حياة الإنسان، نرى أيضا انعكاس الإيمان بعدالة الله في التكوين والتشريع على هذه الحياة تماماً. لأن الإنسان الذي يؤمن بأن الكون كله يقوم على العدل في التكوين ـ بناء على عدالة الله ـ، وأن التشريع الإلهي تشريع يستجيب لمقتضيات العدل، هذا الإنسان المؤمن يجد انسجاما رائعاً بين فطرته(التي تأمره بالعدل) والكون والتشريع القائمين على الأساس نفسه. إذ ذاك يسير متوازن الشخصية، لا يفكر في الظلم ولا يقبله، بل يعمل بكل جهده على إشاعة العدل والقسط في شؤونه الفردية والاجتماعية.

العنصر الخامس وهو عنصر لزوم(الإمامة) المستمرة للطاهرين الواعين للشريعة الذين يشكلون الواجهة المتميزة والطليعة الرسالية للصورة الإسلامية الصرفة والاقتداء بعملهم الذي دفع الثورة الإنسانية التي أعلنها الإسلام في المسيرة الحياتية. فهم العنصر الرئيس في تربية الأمة باستمرار، والوقوف في وجه عقبات المسيرة دائماً لتجاوزها، والأمة دائماً تؤم الكمال تحت مثل هذه القيادة الرشيدة لتضمن الوصول إلى غايتها.

العنصر السادس في النظرة الكونية هو: كرامة الإنسان وحريته، مع مسؤوليته أمام الله تعالى.

إن الإسلام يرى في الإنسان نوازع فطرية خيّرة تكون عامل خير في صلاحه، خاصة شعوره بالكرامة. وقد أكد الإسلام هذه النزعة الفطرية، وأشعر الإنسان بأنه أكرم مخلوق خلقه الله كحقيقة صادقة يحسها الإنسان، وأنه مفضل بالعقل والإرادة الحرة، فعيّن لـه سبيلا وتشريعاً يسير فيه بإرادته، فهو صاحب المسؤولية في تحقيق الأهداف

ـ(56)ـ

التي أوكلت إليه لأنه خليفة الله في أرضه، وتكوّن هذه النظرة شعوراً مهماً في رفض الخضوع لمن يسلب كرامته ويعتدى على حرمته فيقاوم من ذلك كل أشكال التسلط والاضطهاد.

والإسلام حينما ينظر من خلال هذه العناصر الستة، ويحقق بواسطتها للمجتمع القسط، والعدل، والاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي، فإنه يصنع التلاحم المستمر للأُمة لمواصلة طريقها في الحاضر عن طريقين:

أولهما: اجتهاد الفقهاء جامعي الشرائط، الذين يبذلون حياتهم في سبيل سد الفراغ الناشيء من مستجدات الحياة وفق الكتاب والسنة. كما يعتبر هؤلاء الفقهاء الحفاظ على استمرار الشريعة السماوية بشكلها النزيه لكي لا تحرّفها الأيادي الخبيثة، وهم الذين يتحملون ـ اليوم ـ عبء المسؤولية في هذه الصيانة ليكون تعامل الإنسان ـ دائماً ـ منطبقاً مع عدالة التكوين والتشريع.

أما الطريق الآخر: فهو الاستفادة من علوم البشرية وفنونها وتجاربها. وهذا الأمر ضروري لبناء قدرات جديدة في المجتمع الإسلامي، لأنه مجتمع مليء بالحركة الخيّرة الهادفة التي تقتضي أن يواكب المسيرة من أجل تقدم الإنسانية. ومجتمع كهذا لابد أن يرفض الجمود أو أن يستغني عن الخبرات والتجارب في ميادين الحياة. أن الوحدة الكونية تحتم عليه الاستفادة من علوم البشرية وفنونها، على طول التاريخ، لتوظيفها في خدمة أمته.

هذه النظرة الإسلامية حينما يتبناها الدستور الإسلامي في مواده فإنه بذلك يطرح ما تريده الأمة الإسلامية التي تعتبر الإسلام أملها الوحيد في الخلاص من عنائها الطويل لتسعد في ظله

بعيش كريم.

ثانياً: الروح الإسلامية الشاملة لمجموع القوانين الحياتية:

تقول المادة الرابعة من دستور الجمهورية الإسلامية، ما يلي:

ـ(57)ـ

يجب أن تكون كل القوانين والمقررات المدنية، والجزائية، والمالية، والاقتصادية، والإدارية، والثقافية، والعسكرية، والسياسية وغيرها قائمة على أساس الموازين الإسلامية.

وهذا المبدأ مقدم على الاطلاقات والعمومات في مبادئ الدستور والقوانين والمقررات الأخرى ويترك أمر تشخيص ذلك إلى الفقهاء في مجلس صيانة الدستور».

والواقع، إننا تتبعنا المسيرة الثورية للشعب الإيراني المسلم على مدى أجيال، وما حققته من إنجازات، وما رفعته من شعارات، واستعرضنا قيادة هذه المسيرة وخصوصا المسيرة الثورية العارمة الأخيرة التي عصفت بالنظام الشاهنشاهي الطاغوتي.

إننا إذا فعلنا ذلك أدركنا بوضوح أن الهدف لم يكن مطلقاً سوى إقامة حكم الله على هذه الأرض المسلمة... وان هذا الهدف الكبير كان يعبر عنه بتعبيرات مختلفة، إلاّ أنه تجلّى بكل وضوح في مراحل ثورتنا الإسلامية التي أنهت الوجود الاستعماري، فقد أعلنتها الجماهير صريحة أنها تثور للإسلام وتنهض في سبيل القرآن. وأعلنها قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني v قائلاً إن الثورة ثورة إسلامية خالصة، لا تهدف إلى مجرد أهداف اقتصادية أو سياسية أو محلية، وإنما تهدف إلى خصوص إقامة حكم القرآن الكريم، وتطبيق الإسلام الأصيل، لا الإسلام المشوّه من قبل الاستعمار وعملائه الفكريين والسياسيين. والواقع، أن الإسلام إذا طبّق في كل شؤون الحياة. فإن الأهداف الاقتصادية والسياسية كلها تتحقق بأجمل صورة وأروعها...

وهكذا استطاع الإيمان بالإسلام، والقيادة الإسلامية الحكيمة، أن يحققا المعجزة، ويزيحا النظام الشاهنشاهي الطاغوتي العميل، برغم قوته الهائلة وإسناد الدول العظمى جميعها لـه، ولكنها إرادة الله المتجلّية في الإرادة الإسلامية للشعب المسلم المصمم، ولا يقف أمام هذه الإرادة ـ بعون الله ـ أحد «ولينصرن الله من ينصره».

ومن هنا، فقد جاء الدستور الإسلامي تعبيراً عن شوق الجماهير المسلمة لتطبيق

ـ(58)ـ

الإسلام تطبيقاً كاملاً، وإصرارها على صوغ حياتها الاجتماعية وفقاً لتعليماته الحية، واستجابة لنداء القرآن الكريم:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾، ونظر للروح الإسلامية السارية في الدستور والإطار الإسلامي الأصيل لـه فقد صوتت أكثرية الشعب الساحقة لصالحه وأصبح نافذ المفعول آنذاك.

الإسلام في كل مادة:

أراد الله تعالى أن يستوعب الإسلام كل شؤون الحياة الإنسانية، وينظمها التنظيم الكامل، ويحل لها كل مشاكلها برغم اختلاف هذه المشاكل وتباين الظروف، وذلك بعد أن منحه كل عناصر المرونة المطلوبة في إشباع الجوانب المتغيرة، أما الجوانب الثابتة من حياة الإنسانية فقد شرع لها التشريعات الواقعية الثابتة.

وعلى أي حال، فقد استوعب الإسلام كل النواحي الإنسانية حتى سلم المحققون في الإسلام بقاعدة: «ما من واقعة إلا ولله فيها حكم» وقد جاءت بعض النصوص الشريفة لتؤكد هذا الجانب بكل وضوح. فقد ورد في كتاب «الكافي»(ج 1 باب الرد إلى الكتاب والسنة) عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: «ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة».

على أن توزع النصوص والقواعد الإسلامية نفسها على الجوانب المختلفة للحياة الإنسانية يكشف بكل وضوح عن هذا الاستيعاب.

ومن هذا المنطلق فإنا نجد الروح الإسلامية تسري في مختلف مواد الدستور الإسلامي، وهذا ما نجده مثلا في استعراض أجمالي لبعض هذه المواد، كما يلي:

1 ـ تؤكد المادة الأولى أن الشعب الإيراني أقام النظام الجمهوري الإسلامي على أساس من اعتقاده الراسخ بحكم الحق والعدل القرآني.

ـ(59)ـ

2ـ وقد رأينا في البحث السابق كيف ارتبط الدستور الإسلامي بالأيديولوجية الإسلامية عبر دراستنا للمادة الثانية.

3ـ كما أننا رأينا في ما سبق كيف طبّق الدستور في مادته الثالثة كل الأهداف التي توخاها الإسلام من الحكومة الإسلامية.

4ـ وبمطالعة سريعة للمادة الرابعة التي ذكرناها في مطلع هذا البحث نعرف أن القانون والمقررات والموازين الإسلامية مقدمة على كل عموم أو إطلاق في أي قانون آخر.

5ـ قررت المادة الخامسة تطبيق مبدأ إسلامي أصيل هو مبدأ العمل بولاية الفقيه العادل الكفوء كامتداد لمبدأ الإمامة. وهذا ما تفصله المواد من 107 وحتى المادة 112.

6ـ أكدت المادتان السادسة والسابعة احترام آراء الأمة وتقويم وجودها وتطبيق مبدأ الشورى الإسلامي في الحدود المقررة لـه.

7ـ وفي المادة الثامنة قررت مبدأ الرقابة الاجتماعية المتبادلة داعية لعمل الجميع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض.

8ـ وفي المادة التاسعة يتجلى لنا تأكيد الوحدة والاستقلال من كل تبعية، وهما من العناصر الإسلامية.

9 ـ أما المادة العاشرة فقد تبنت ـ تبعاً للتعليمات الإسلامية ـ جعل العائلة وحدة البناء الاجتماعية وأقامتها على أساس خلقي اسلامي.

10ـ وتؤكد المادة الحادية عشرة أن المسلمين جميعاً أمة واحدة، وأن هذا مبدأ يجب أن يلحظ في كل عمل سياسي.

11ـ وفي المادة الثانية عشرة نجد التصريح بأن الإسلام هو دين الإسلام هو دين الدولة الرسمي، مع تأكيد احترام كل المذاهب الإسلامية.

ـ(60)ـ

12ـ أما المادتان(13 و14) فهما تطبقان التعليمات الإسلامية في التعامل مع الأقليات الدينية غير الإسلامية.

13ـ وفي المادة(16) نجد تأكيد تعليم اللغة العربية بعد دورة الدراسة الابتدائية مباشرة لأنها لسان القرآن والعلوم والمعارف الإسلامية.

14ـ وفي المادة(17) نلاحظ جعل التاريخ الهجري تاريخاً رسمياً للدولة شمسياً كان أو قمرياً.

15ـ وتسجل المادة(18) عبارة: الله اكبر على علم الجمهورية الإسلامية.

16ـ وتنفي المادة(19) كل تمايز عنصري أو تعصب قبلي بين أفراد الشعب.

17ـ وتؤكد المادة(20) أن الجميع، رجالاً ونساء، يحميهم القانون ويتمتعون بكل الحقوق الإنسانية التي يقررها الإسلام.

18ـ وتوجب المادة(21) على الدولة ضمان حقوق المرأة في جميع الجهات في إطار التعليمات الإسلامية.

19ـ ونجد في المادتين(23 و24) تطبيقاً رائعاً لمبدأ ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. وكذلك في المواد التالية مع ملاحظة عدم أداء الحرية الممنوحة إلى حالة الفوضى والتآمر.

20ـ والمادة (29) تحكي عن تطبيق مبدأ الضمان الاجتماعي في الإسلام عبر وضعه، كمبدأ مسلم به، على عاتق الدولة، وتعميمه على المجالات المختلفة، ومنها مجالات التربية والتعليم، كما قررت ذلك المادتان(30 و33)، واستثمار الحقوق واسترجاعها كما في المواد 34 وما بعدها.

21ـ أما الفصل الرابع الذي يبدأ بالمادة(43) وينتهي بالمادة(55) فهو يعمل على إقامة نظام اقتصادي على أساس من المذهب الاقتصادي الإسلامي ونظريات في الإنتاج المتزايد المستفيد من كل تقدم علمي والمتناسب مع التوزيع العادل، والضمان

ـ(61)ـ

الاجتماعي الأمثل. وهذا ما سوف نتعرض لـه إن شاء الله في أحاديث مقبلة.

22ـ تؤكد المادة(56) أن الحاكمية المطلقة على الكون والإنسان هي لله تعالى وأنه تعالى هو الذي استخلف الإنسان واستعمره في هذه الأرض، ثم تعرض المواد التالية كيفية إعمال هذه الحاكمية الشعبية.

23ـ وفي المادة (67) نجد ممثل الشعب في مجلس الشورى الإسلامي يقسم على الحفاظ على حريم الإسلام، ومعطيات الثورة الإسلامية، حراسة مباني الجمهورية الإسلامية.

24ـ تؤكد المادة (72) أن مجلس الشورى الإسلامي لا يمكنه أن يضع قوانين تخالف الإسلام.

25ـ تقرر المادة (91) تشكيل مجلس صيانة الدستور للقيام بمهمة حراسة أحكام الإسلام والدستور، ويكون المرجع الرئيس في هذا الجانب.

26ـ وتقرر المادة (115) أن رئيس الجمهورية ينتخب من بين المتدينين السياسيين المتصفين بالتقوى والإيمان بمباني الجمهورية الإسلامية، وهو يقسم كما تقرر المادة (121) على الدفاع عن الإسلام.

27ـ وجاء في المادة (144) أن جيش الجمهورية الإسلامية يجب أن يكون جيشاً إسلامياً عقائدياً وشعبياً يضم الأفراد الكفوئين لتحقيق أهداف الثورة الإسلامية والتضحية في سبيلها.

28ـ أما المادة (152) فهي تضع أسس السياسة الخارجية وأهدافها. ومن أهم هذه الأهداف الدفاع عن حقوق جميع المسلمين، في حين تنص المادة (153) على أن الجمهورية الإسلامية تجعل سعادة الإنسان في المجموع البشري هدفها الرئيس، وتعتبر الاستقلال والحرية وحكم الحق والعدل من حقوق كل الناس في العالم.

29ـ تقرر المادة 162 أن يكون رئيس القوة القضائية مجتهدا عادلاً.

ـ(62)ـ

 30ـ وأخيراً، فإن المادة (1758 تدعو إلى حرية التبليغ، وإذاعة المعلومات في وسائل الأعلام ضمن الأطر والموازين الإسلامية.

وختاماً نقول: أننا لم نعط هنا إلاّ لمحات من الجوانب الإسلامية في الدستور الإسلامي. فإذا اشئنا التوسع كان علينا أن ندرسه عموماً وبتوسع لنكشف كيف تسري روح الإسلام فيه، وكيف يكتسب شكله وقالبه العام من القرآن الكريم والسنة الشريفة.

ثالثاً: التوازن بين القيادة المشبعة بالإسلام والشورى الشعبية.

 

أسلوب الحكم في الإسلام:

ليس الحكم في المنظار الإسلامي قائماً على أساس طبقي، أو سلطوي فردي أو جماعي، وإنّما هو تجسيد للأهداف السياسية لشعب متجانس عقائدياً وفكرياً، يقوم بتنظيم ذاته من أجل أن يشق طريقه ـ في مسيرة التحول الفكري والعقائدي ـ نحو الهدف النهائي(وهو التحرك نحو الله). أن شعبنا استطاع من خلال تيار التكامل الثوري، أن ينظف نفسه من الغبار والصدأ الطاغوتي، وأن يطهّر ذاته من اللقائط الفكرية الدخيلة، وأن يعود إلى المواقع الفكرية، والرؤية الحياتية الإسلامية، وهو الآن بصدد بناء المجتمع النموذجي(الأسوة) على أساس الموازين الإسلامية، وعلى هذا الأساس فإن رسالة(الدستور) هي ان يحول كل الخلفيات العقائدية للثورة إلى وقاع خارجي، وان يخلق الظروف المساعدة لتربية الإنسان على أساس قيم الإسلام السامية الشاملة.

وبملاحظة المضمون الإسلامي للثورة الإيرانية التي كانت في الحقيقة حركة نحو انتصار المستضعفين كافة على المستكبرين كافة، فإن الدستور يوفر أرضية ديمومة هذه الثورة في داخل الوطن وخارجه، وخاصة في تكثيف العلاقات الدولية، ويسعى مع بقية الحركات الإسلامية والجماهيرية، إلى بناء الأمة العالمية الواحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً

ـ(63)ـ

وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ واستمرار النضال في سبيل إنقاذ الشعوب المحرومة والرازحة تحت الظلم في أرجاء العالم كافة.

ومع التوجه إلى حقيقة هذه الثورة العظيمة، فإن الدستور يضمن رفض أي نوع من الاستبداد الفكري والاجتماعي، والاحتكار الاقتصادي، ويسعى في سبيل التخلص من الأسلوب الاستبدادي، ومنح الشعب حق تقرير المصير بيديه «ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم».

وانطلاقاً من المضمون العقائدي في خلق البني والمؤسسات السياسية التي تعتبر قاعدة لبناء المجتمع، فإن الصالحين هم الذين يستحملون مسؤولية الحكم، وإدارة البلاد «ان الأرض يرثها عبادي الصالحون».

وان التشريع الذي يكشف عن ضوابط الإدارة الاجتماعية، يجري على محور القرآن والسنة. من هنا، فإن الأشراف الدقيق الجاد من قبل العارفين بالإسلام، العدول، والمتقين الملتزمين(الفقهاء العدول) هو أمر حتمي وضروري.

من هنا، فإن الدستور يوفر الأرضية المناسبة لهذه المساهمة في جميع مراحل صنع القرارات السياسيات والمصيرية لأفراد المجتمع كافة، حتى يكون كل إنسان يطوي مسيرة التكامل، مشغولا ومسؤولاً عن الرشد، والرقي، والقيادة، وهذا هو الذي يحقق حكومة المستضعفين في الأرض ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.

 

ولاية الفقيه العادل:

انطلاقاً من قاعدة ولاية الأمر، والإمامة المستمرة، فإن الدستور يمهد الأرضية لتحقيق قيادة الفقيه الجامع للشرائط الذي تعترف به الجماهير كقائد، حتى تضمن عدم انحراف المؤسسات والأجهزة المختلفة عن مسؤولياتها الإسلامية الأصيلة. «مجارى

ـ(64)ـ

الأمور بيد العلماء، الأمناء على حلاله وحرامه».

كما أننا يجب أن نذكّر بأن الانتخابات لأول مرة شملت مايلي:

1ـ اختيار أصل النظام الإسلامي بـ 2: 98 % من أفراد الشعب القادرين على الانتخاب.

2ـ انتخاب الخبراء لوضع الدستور.

3ـ الموافقة على الدستور.

وذلك قبل تطبيق نظام الانتخابات المطروح في الدستور نفسه.

مواد الشورى في الدستور الإسلامي:

تنص المادة السادسة على أنه:

ـ يجب أن تدار أمور البلاد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالاعتماد على آراء الجماهير عن طريق الانتخابات: انتخاب رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي، وأعضاء مجالس الشورى المحلية ونظائرها، أو الاستفتاء في الموارد التي تعيّن في المواد الأخرى من هذا الدستور.

وتنص المادة السابعة على مايلي:

«طبقا لتعاليم القرآن: «وأمرهم شورى بينهم» و«شاورهم في الأمر» تعتبر مجالس الشورى: مجلس الشورى الإسلامي، مجلس شورى المحافظة، القضاء، القرية، المحلة وأمثالها من مراكز صنع القرار، وإدارة شؤون الدولة.

مجالات وظائف مجالس الشورى، وكيفية تشكيلها، ونطاق صلاحياتها، يعيّنها هذا الدستور، والقوانين المنبثقة عنه.

ونحن نجد روح الشورى سارية في مختلف نقاط الدستور بالتفصيل أو بالأجمال، ولكن كل ذلك في إطار ولاية الفقيه التي نصّت عليها المادة الخامسة الآنفة

ـ(65)ـ

الذكر، ومن الجدير بالذكر، أن هناك مجلساً سُمي مجلس صيانة الدستور يقوم بمهمة إعطاء الرأي النهائي في مدى مطابقة أي قانون يصادق عليه في مجلس الشورى الإسلامي».

رابعاً: التعادل بين المركزية ومبدأ انفصال السلطات، وذلك لأن الدستور الإسلامي يؤكد من جهة القيادة الموحدة للدولة من قبل الفقيه العادل فيقول في المادة السابعة بعد المائة مايلي:

«توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قبل الشعب، وهؤلاء الخبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الخامسة بعد المائة والتاسعة بعد المائة. ومتى ما شخصّوا فرداً منهم باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، والمسائل السياسية والاجتماعية، وحيازته تأييد الرأي العام، وتمتعه بشكل بأزر بالصفات المذكورة في المادة التاسعة بعد المائة انتخبوه للقيادة، وإلاّ فانهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائداً، ويتمتع القائد المنتخب بولاية الأمر ويتحمّل كل المسؤوليات الناشئة عن ذلك.

ويتساوى القائد مع كل أفراد البلاد أمام القانون».

ويعيّن وظائفه في المادة العاشرة بعد المائة على النحو التالي:

وظائف القائد وصلاحياته:

1ـ تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.

2ـ الإشراف على حسن أجراء السياسات العامة للنظام.

3ـ إصدار الأمر بالاستفتاء العام.

4ـ القيادة العامة للقوات المسلحة.

ـ(66)ـ

5ـ إعلان الحرب والسلام والنفير العام.

6ـ نصب وعزل وقبول استقالة كل من:

أ ـ فقهاء مجلس صيانة الدستور.

ب ـ أعلى مسؤول في السلطة القضائية.

ج ـ رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية.

د ـ رئيس أركان القيادة المشتركة.

هـ ـ القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية.

و ـ القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.

7ـ حل الاختلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث.

8ـ حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.

9ـ إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث توفر الشروط المعينة في هذا الدستور فيهم فيجب ان تنال قبل الانتخابات موافقة مجلس صيانة الدستور، وفي الدورة الأولى تنال موافقة القيادة.

10ـ عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفائته السياسية، على أساس من «المادة التاسعة والثمانين».

11ـ العفو أو التخفيف عن عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية. ويستطيع القائد أن يوكّل شخصاً آخر لأداء بعض وظائفه وصلاحياته.

ومن جهة أخرى، يؤكد الدستور انفصال كل من السلطات الثلاث عن بعضها

ـ(67)ـ

فرئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من قبل الشعب.

وتؤكد المادة «السابعة والخمسون» على ان السلطات مستقلة بعضها عن بعض ولكن تعمل تحت أشراف ولي الأمر.

ويقول الدستور عن السلطة القضائية في المادة «السادسة والخمسين بعد المائة» السلطة القضائية سلطة مستقلة تدافع عن الحقوق الفردية والاجتماعية.

وبطبيعة الحال، فان رئيس السلطة التشريعية ينتخب مباشرة من الشعب أولاً كنائب ثم من قبل النواب كرئيس للمجلس.

وليس لأي من هؤلاء أي سلطة على الآخر إلاّ في إطار التنسيق الذي يوجده القانون أو التنسيق الذي يقوم به القائد.

وبهذا يتم توازن رائع يضمن قيام كل سلطة بواجباتها بحرية لكن في إطار التنسيق العام لسير الدولة. وهذا، وقد أدى التعديل الذي جرى أخيراً إلى تحقيق مركزية وتنسيق أكبر في مجموع الدستور.

خامساً: نص يؤكد حماية «حقوق الإنسان» التي يضمنها الإسلام مما يعطي الدستور روحاً إنسانية شاملة.

والواقع هو أن الدستور المذكور تغمره النصوص المركزة على حقوق الإنسان وها نحن نشير إلى بعضها:

فالمادة «الثانية» تقيم في فقرتها «السادسة» نظام الجمهورية الإسلامية على الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله. كما أنه يسعى لتأمين القسط والعدالة بواسطة أمور منها محو الظلم والقهر مطلقاً ورفض الخضوع لهما.

ـ(68)ـ

وتقول المادة الثالثة:

من أجل الوصول إلى الأهداف المذكورة في المادة «الثانية» تلتزم حكومة جمهورية إيران الإسلامية أن توظف جميع إمكاناتها لتحقيق مايلي:

1ـ خلق المناخ الملائم لتنمية مكارم الأخلاق على أساس الإيمان والتقوى، ومكافحة كل مظاهر الفساد والضياع.

2ـ رفع مستوى الوعي العام في جميع المجالات، بالاستفادة السليمة من المطبوعات ووسائل الأعلام، ونحو ذلك.

3 ـ توفير التربية والتعليم، والتربية البدنية، مجاناً للجميع، وفي مختلف المستويات وكذلك تيسير التعليم العالي وتعميمه.

4ـ تقوية روح التحقيق والبحث والإبداع في المجالات العلمية والتكنولوجية والثقافية والإسلامية كافة، عن طريق تأسيس مراكز البحث وتشجيع الباحثين.

5ـ طرد الاستعمار كله ومكافحة النفوذ الأجنبي.

6ـ محو أي مظهر من مظاهر الاستبداد والديكتاتورية واحتكار السلطة.

7ـ ضمان الحريات السياسية والاجتماعية في حدود القانون.

8ـ إسهام عامة الناس في تقرير مصيرهم السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي.

9ـ رفع التمييز غير العادل، وإتاحة تكافؤ الفرص للجميع في المجالات المادية والمعنوية كلها.

10ـ إيجاد النظام الإداري السليم وإلغاء الأنظمة الإدارية غير الضرورية في هذا المجال.

11ـ تقوية بنية الدفاع الوطني بصورة كاملة، عن طريق التدريب العسكري لجميع الأفراد، من أجل حفظ الاستقلال ووحدة أراضي البلاد والحفاظ على النظام

ـ(69)ـ

الإسلامي للبلاد.

12ـ بناء اقتصاد سليم وعادل وفق القواعد الإسلامية من أجل توفير الرفاهية والقضاء على الفقر، وإزالة كل أنواع الحرمان في مجالات التغذية والمسكن والعمل والصحة، وجعل التأمين الصحي والاجتماعي يشمل جميع الأفراد.

13ـ إيجاد الاكتفاء الذاتي في العلوم والفنون والصناعة والزراعة والشؤون العسكرية وأمثالها.

14ـ ضمان الحقوق الشاملة للجميع، نساء ورجالا، وإيجاد الضمانات القضائية العادلة لهم، ومساواتهم أمام القانون.

15ـ توسيع الاخوة الإسلامية وتقويتها والتعاون الجماعي بين الناس كافة.

16ـ تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، والحماية الكاملة لمستضعفي العالم.

وتؤمن المادة «السابعة» حق المشاركة في صياغة القرار السياسي والإدارة العامة لكل أفراد الشعب.

وتركّز المادة «العاشرة» على حقوق الأسرة.

وتضمن المادة «الثانية عشرة » الحرية الدينية إلى الحد المعقول.

وكذلك تضمن المادتان «الثالثة عشرة» حقوق الأقليات الدينية.

وتؤكد المادة «التاسعة عشرة» حق المساواة دون تمييز على أساس اللون، والعنصر، واللغة وما شابه ذلك.

في حين تركز المادة «العشرون» على عدم التمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق.

وتركز المادة «الحادية والعشرون» على حقوق المرأة الخاصة بها.

وتضمن المادة «الثانية والعشرون» صيانة شخصية الأفراد وأرواحهم وأموالهم وحقوقهم ومساكنهم ومهنهم من التعرض.

ـ(70)ـ

وتمنع المادة «الثالثة والعشرون» محاسبة الناس على معتقداتهم.

وتعلن المادة «الرابعة والعشرون» حرية الصحافة.

وتمنع المادة «الخامسة والعشرون» من فرض الرقابة على الرسائل والمكالمات الهاتفية والبرقيات والتلكس.

وتعلن المادة «السادسة والعشرون» حرية الأحزاب، والجمعيات، والهيئات السياسية، والاتحادات المهنية، والهيئات الإسلامية، والأقليات الدينية.

وتجيز المادة «السابعة والعشرون» عقد الاجتماعات وتنظيم المسيرات.

وتعلن المادة «الثانية والعشرون» حق اختيار المهنة ومسؤولية الدولة في توفير فرص العمل للجميع.

وتعلن المادة «التاسعة والعشرون» أن الضمان الاجتماعي هو من الحقوق العامة.

وتعلن المادة «الثلاثون» مسؤولية الدولة عن توفير وسائل التربية والتعليم للجميع.

وتعلن المادة «الحادية والثلاثون» حق السكن لكل فرد من أفراد الشعب.

وتمنع المادة «الثانية والثلاثون» اعتقال أي شخص إلاّ بحكم القانون، والإسراع في المحاكمة.

وتعطي المادة«الثالثة والثلاثون» حق الإقامة لكل فرد وتمنع من أبعاده.

وتمنح المادة «الرابعة والثلاثون» حق التحاكم لكل فرد.

وتعطي المادة «الخامسة والثلاثون» حق انتخاب المحامي.

وتعلن المادة «السابعة والثلاثون» أن الأصل هو البراءة حتى تثبت الإدانة.

وتمنع المادة «الثامنة والثلاثون» أي نوع من التعذيب.

وتمنع المادة التاسعة والثلاثون» انتهاك كرامة المقبوض عليه وشرفه.

وكذلك تمنع المادة «الأربعون» الأضرار بالآخرين.

وتعطى المادة «الحادية والأربعون» حق الجنسية لكل أفراد الشعب.

ـ(71)ـ

وتضع المادة «الخمسون» مسؤولية حماية البيئة على العموم.

وهكذا نستطيع القول بأن كل مادة من مواد هذا القانون تركّز على حق إنساني عادل وتسعى لضمانه.

سادساً: اعتماد مبدأ الاستفادة من التقدم العلمي وتجارب الآخرين. وهذا المعنى أيضاًَ ملحوظ تماماًَ في الدستور الإسلامي باعتباره مبدأ إسلامياً لاريب فيه، فالمسلم يستمع القول فيتبع أحسنه، والمسلم يطلب العلم في كل مكان، والحكمة ضالة المؤمن، وغير ذلك.

وهنا نلاحظ أن المادة «الثانية» في الفقرة «ب» تؤكد ضرورة الاستفادة من العلوم، والفنون، والتجارب المتقدمة لدى البشرية، والسعي من أجل تقدمها.

وتؤكد المادة «الثالثة» في فقرتها «الرابعة» لزوم تقوية روح التحقيق والبحث والإبداع في المجالات العلمية، والتكنولوجية، والثقافية والإسلامية كافة عن طريق تأسيس مراكز البحث وتشجيع الباحثين.

وتركز المادة «الثالثة» نفسها في فقرتها «الثالثة عشرة» على إيجاد الاكتفاء الذاتي في العلوم، والفنون، والصناعة، والزراعة، والشؤون العسكرية وأمثالها.

كما نجد المادة «الثالثة والأربعين» في صدد حديثها عن الاقتصاد تدعو للاستفادة من العلوم، والفنون وتربية الأفراد الماهرين.

سابعاً: اعتماد عنصر الرقابة والدقة والمحاسبة، على كل المستويات. ونحن نجد في الدستور الإسلامي أروع صورة للمحاسبة، وعلى مستويات عديدة، نعتقد أنها قادرة على ضمان السير القانوني المطلوب للحياة.

وها نحن نستعرض نماذج من الرقابة التي يطرحها الدستور الإسلامي للتحقق من الحقيقة الآنفة.

فالمادة «الرابعة» تعطي قاعدة عامة للرقابة وتسلم مسؤولية مراقبة كل القوانين

ـ(72)ـ

وتحقيق انسجامها مع الإسلام إلى فقهاء «مجلس صيانة الدستور».

وتؤكد المادة «الثامنة» أن عنصر الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية جماعية ومتبادلة بين الناس، مستفيدة ذلك من الآية الشريفة: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر».

وتلقي المادة «التاسعة» مسؤولية المحافظة على الحرية والاستقلال على الحكومة والشعب معاً.

وتمنح المادة «الرابعة والثلاثون» حق التحاكم لكل فرد، وتؤكد لزوم تيسير ذلك لكل أفراد الشعب.

وتضع المادة «التاسعة والأربعون» مسؤولية استرجاع الثورات الناشئة من الربا، والغصب، والرشوة، والاختلاس، والسرقة، والقمار وأمثالها على عاتق الحكومة.

وتؤكد المادة «الرابعة والخمسون» قيام ديوان المحاسبة بمراجعة جميع حسابات الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية. ويقدم تقريره لمجلس الشورى الإسلامي ويضعه في متناول الجميع.

وتؤكد المادة «السابعة والخمسون» أن ولي الأمر وأمام الأمة يشرف تماما على كل السلطات.

وتلقي المادة «الحادية والستون» مسؤولية الفصل في الدعاوى، وحفظ الحقوق العامة، وأجراء العدالة ونشرها، وإقامة الحدود الإلهية، على السلطة القضائية.

وتؤكد المادة «التاسعة والستون» أن مناقشة مجلس الشورى الإسلامي يجب أن تكون علنية، ويجب نشر تقرير كامل عنها عبر الإذاعة والصحف، وحينئذ يراقب الشعب سير كل المناقشات خصوصاً وهي تذاع مباشرة.

وتعطي المادة «السادسة والسبعون» حق تولّي التدقيق والتحقيق في جميع شؤون البلاد.

ـ(73)ـ

وتؤكد المادة «الرابعة والثمانون» أن كل نائب مسؤول تجاه جميع أبناء الشعب، وله الحق في إبداء وجهة نظره في قضايا البلاد الداخلية والخارجية كافة.

وتمنع المادة «السادسة والثمانون» من ملاحقة أي نائب نتيجة إبداء أي نظر.

وتمنح المادة «التاسعة والثمانون» المجلس حق استيضاح رئيس الجمهورية أو الوزراء طبق أسلوب خاص.

وتخول المادة «التسعون» كل فرد لـه شكوى حول أي سلطة، الحق في تقديم شكواه لمجلس الشورى الإسلامي وهو ملزم بالتحقيق فيها.

وتشكل المادة «الحادية والتسعون» مجلساً باسم: «مجلس صيانة الدستور» بهدف ضمان مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشورى الإسلامي مع الأحكام الإسلامية والدستور نفسه، ونصف هذا المجلس من الفقهاء والنصف الآخر من الحقوقيين ويتولى هذا المجلس - كما تقرر المادة «التاسعة والتسعون»- الأشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة، ورئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي، وعلى الاستفتاء العام.

وتؤكد المادة «المائة» لزوم إشراك الشعب في التطبيق الناجح والسريع للبرامج الاجتماعية، والاقتصادية، والعمرانية، والصحية، والثقافية، والتعليمية وسائر الخدمات الاجتماعية عبر تشكيل مجالس شورى القرية أو الناحية أو المدينة أو القضاء أو المحافظة، وينتخب أعضاؤها من قبل سكان تلك المناطق.

وتدعو المادة «الرابعة بعد المائة» إلى تشكيل مجالس شورى من ممثلي العمال والفلاحين وسائر العاملين في المرافق الإنتاجية لضمان العدل وتنسيق الإنتاج.

وتؤكد مواد القيادة: «من السابعة بعد المائة فما بعد» أسلوب انتخاب القائد والشروط اللازم توفرها فيه بدقة مما يضمن سلامة قيامه بهذا الأمر، وتعيّن صلاحياته في الأشراف على حسن أجراء السياسات العامة للنظام، وإشراف مجلس خبراء القيادة

ـ(74)ـ

على وجود الصفات في القائد.

وتعلن المادة «الثانية والعشرون بعد المائة» أن رئيس الجمهورية مسؤول أمام الشعب، والقائد، ومجلس الشورى الإسلامي.

أما المادة «السابعة والثلاثون بعد المائة» فتجعل كل وزير مسؤولاً عن واجباته الخاصة تجاه رئيس الجمهورية، والمجلس. وفي الأمور التي يوافق عليها مجلس الوزراء يكون الوزير مسؤولاً عن أعمال الوزراء الآخرين.

ويتولى رئيس السلطة القضائية التحقيق في أموال القائد، ورئيس الجمهورية، ومعاونيه، والوزراء، وزوجاتهم، وأولادهم، قبل تحمل المسؤولية وبعده.

وتؤكد المادة والثالثة والسبعون بعد المائة» دائرة التفتيش العام لتقوم بالإشراف على حسن سير الأمور والتنفيذ الصحيح للقوانين في المؤسسات الإدارية.

ثامناً: اعتماد مسألة ملء الفراغ التقنيني وفق المصلحة العامة. ذلك أن من أهم واجبات الدولة الإسلامية القيام بتحقيق هذا المبدأ في الحياة العامة. وهو يعبر بدوره عن مرونة الصيغة الإسلامية للحياة.

فقد لاحظ الإسلام أن للزمان والمكان وباقي الظروف المتغيرة دورها في تغيير القوانين في كثير من الجوانب الحياتية ولذلك منح ولي الأمر في مساحات معينة صلاحية العمل على تشخيص المصلحة الإسلامية العليا ثم سن القوانين المناسبة ضمن أطر معينة ومن هذا القبيل:

أ ـ موضوع صياغة الأحكام ألإلزامية بأشكال تطبيقية كصياغة لائحة البنوك اللاربوية.

ب ـ موضوع المباحات في الشريعة وإمكان الإلزام منعاً أو إيجاداً بها طبق

ـ(75)ـ

المصلحة العامة.

وعلى هذا الأساس، سار الدستور الإسلامي فقرر سبلاً لهذا المبدأ على أن إصدار الدستور نفسه بشكل مواد قانونية يعتبر بذاته تطبيقاً لهذا المبدأ.

وقد شكل الدستور مجمعاً سماه:(مجمع تشخيص مصلحة النظام) ليقوم بمهمة تحقيق المصلحة في حالات استحكام الخلاف بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور ويقوم القائد بتعيين السياسات العامة للنظام بعد التشاور مع هذا المجمع.

وتتكرر عبارة مصالح البلاد أو المصلحة لتشير إلى تطبيقات هذا المبدأ من قبيل ما تقرره المادة «العاشرة بعد المائة» من أن القائد يقوم بعزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد وبعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه أو قرار مجلس الشورى بعدم كفاءته السياسية.

كانت هذه بعض معالم الدستور الإسلامي للجمهورية الإسلامية في إيران، وهناك الكثير غير ذلك من الظواهر التي يتحلّى بها، ولكن مجالنا هنا لا يتسع حتى للإشارة إليها.

نسأل الله جلّ وعلا أن يمنّ على امتنا الإسلامية بتطبيق أحكام القرآن على مجموع الحياة.

ويرحم الإمام الخميني ويحشره في جنّاته، ويحفظ آية الله الخامنئي القائد الحالي للثورة الإسلامية ويسدده لتحقيق أهداف الإسلام أنه السميع المجيب.