معاملة غير المسلمين ومعاملة الاقليات الاسلامية

معاملة غير المسلمين ومعاملة الاقليات الاسلامية

 

 

معاملة غير المسلمين ومعاملة الاقليات الاسلامية

 

 

الدكتور مختار سلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل أفضلالعالمين.اها وأتمها   وأرضاها على إمامنا وقائدنا وشفيعنا وحبيبنا ونبينا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا مباركا فيه كما يرضيك ويرالعالمين.به عنا يا رب العالمين.                                           

 

  معاملة غير المسلمين ومعاملة الأقليات الإسلامية

من الله العلي الأعلى أستمد العون لتقديم ما يفتح به علي في بسط ما يتعلق بهذا الموضوع الذي دعاني معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة لأسهم به في الدورة السادسة عشرة لمجلس المجمع الذي سينعقد بحول الله بدبي في الشهر الرابع من عام 2005 وينحصر البحث في العناصر الثلاثة التي ضبطتها الأمانة وهي:

1- الأقليات غير الإسلامية في بلاد الإسلام وأصنافها في المجتمع الإسلامي.

2- الأقليات الإسلامية خارج أوطانها.

3- المشاكل التي تواجهها مختلف هذه الأقليات.

البحث مرتبط بالأقليات الدينية كما هو واضح من عناصره المذكورة.

وإطلاق لفظ الأقليات على وحدة من وحدات المجتمع إطلاق حادث يقتضي أمرين

  أ ) تحديدا لمفهومه وضبطا لما يقصد منه.

ب ) التعرف على الخلفية السياسية الخاصة والدولية التي تولد بواسطتها هذا المصطلح الذي أخذ حيزا كبيرا في وسائل الإعلام، وفي مواقف بعض الدول من الأزمات الداخلية، وكذلك في اتخاذه مبررا للتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول.

 

   معنى الأقلية

هو في العربية مصطلح أقره مجمع اللغة العربية وشرحه:  الأقلية هي خلاف الأكثرية0 (1)

وقد حددتها الموسوعة الفرنسية: إن الأقلية هي مجموعة من الأشخاص تكون جزءا من الشعب، ولكنها تختص باعتقادها أنها تمتلك مقومات ذاتية تختلف بها عن بقية الشعب. وتتنوع الأقليات إلى أقليات لسانية كالكتلان والباسك في إسبانيا، وإلى أقليات دينية كالمسلمين في بلغاريا وإلى أقليات عرقية كالرومس برومانيا(2)

فالأقلية ما تحقق في تركيبها العناصر الآتية:

أ‌)                       تحقق وحدة جامعة بين مجموعة من البشر تظهر كيانها المتفرد الذي تختلف به عن بقية الشعب – ب )أنها تقع داخل حدود وطنية بصفة تكون به جزءا من الشعب – ج – أن ما تتميز به يسمو إلى درجة العقيدة الراسخة أن ما تتميز به يوجب لها الحق بأن تحتفظ به باعتباره المحقق لهويتها.

ملاحظة : إن بناء الحق في العصر الحاضر   على الأغلبية العددية هو الخلفية التي جعلت مفهوم الأقلية خلاف الأكثرية.لما كان الحكم للأكثرية في صندوق الاقتراع، وهو الذي يحسم الأمر ويفوز صاحب الأكثرية العددية ولو كان تفوقه بنسبة لا تعدو واحدا في الألف بعد الفاصلة – 50، 001 فإن هذا التصور هو الذي جعل الناس يعتقدون أن الأقلية ما يقابل الأكثرية.ولكن الحقيقة هي غير هذا؛ لأن الفوز في الانتخابات هو طريق الوصول إلى الحكم، وتنفيذ الأغلبية ما تراه صالحا بها. فالغاية هي بلوغ القدرة الممكنة من تسيير دواليب الدولة حسب الاستراتيجية ووجهة نظر المتصرف في الحكم، و تهمش الآخر وتفقده الشرعية لاختياراته. ولذا فإنه إذا كانت الأكثرية عددا، مهمشة معزولة عن تنفيذ إرادتها،  فهي الأقلية حقيقة. ففي عهد الحماية كان لتونس مجلسان نيابيان: أحدهما للمستعمر الذي يمثل أقلية ضئيلة في التعداد السكاني، وثانيهما تونسي، ولكن التأثير الفعلي على سياسة الدولة واختياراتها هو للمجلس الفرنسي.وكذلك الأمر في جنوب إفريقيا أيام الحكم العنصري.

ولهذا فإن الأقلية تأخذ شكلين: تارة تكون عددية، وتارة تكون نتيجة التسلط الظالم على الأكثرية، وسلبها حقوقها وهو ما يمثل إشكالية التناقض بين التنظير وبين الواقع كما يتم في الوجود.

إن هذا الصراع بين الأقلية والأكثرية على الاعتبارين يمثل التحدي لقيم العدالة واحترام الإنسان. وأول حقوق الأقليات هو في بقاء هويتها   بحمايتها من محاولة سلخها عن مقوماتها التي من حقها الاحتفاظ بها، لتأمن من الذوبان في المتسلط بعدده أو بسلطانه الظالم.

 

     الخلفية التي تولد عنها هذا المصطلح

كان للحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت أثر في ظهور بنود في المعاهدات الدولية تنص على حماية حقوق كل طائفة لا تمثل الأغلبية في الدولة التي تقيم فيها. و في المؤتمر الذي انعقد بباريس 1856 في أعقاب حرب القرم،    تضمنت المعاهدة التراتيبَ الواجب اتخاذها لحماية المسيحيين في تركيا.

ثم إنه في أعقاب الحرب العالمية الأولى فرضت معاهدة   فرساي تقسيما وتحديدا جديدا لخارطة كثير من الدول، مما تولد عنه وجود أقليات داخل الحدود المفروضة بقوة تلكم المعاهدة.

لقد حاولت ( عصبة الأمم) أن تضع نظاما أساسيا يهدف لحماية الأقليات و يحفظ هويتهم الخاصة دون قرارتها.لك على انتمائهم للدولة التي يقيمون داخل حدودها.ولكن هذا النظام لم تكن له الفاعلية المرجوة منه، واغتيل أثره تبعا لعجز عصبة الأمم عن تنفيذ قرارتها.

 ثم إنه بعد الحرب العالمية الثانية، عاودت حقوق الأقليات الظهور ولفتَ الأنظار إليها في منظمة الأمم المتحدة باعتبار أنها تابعة لحقوق الإنسان بصفة عامة. فاعتمدت حقوق الأقليات على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، كما اعتمدت على القرارات الصادرة عن اللجنة الفرعية لمقاومة الإجراءات التمييزية والقيام على حماية الأقليات، هذه اللجنة التي تأسست 1947  داخل هياكل لجنة حقوق الإنسان.

لقد كان لقراراتها أثر محمود على النطاق العالمي فاستلهمتها بعض الدول فيما يخص تعاملها مع الأقليات، وأمكن بفضل اعتمادها حل بعض المشاكل التي ظهرت داخل حدودها.

ولكن تلكم القرارات تبدو غير كافية لأنها لم تتبع بآلية تفرض احترامها وتنفيذها. كما أنه عند التطبيق يلاحظ أن الالعام.التي تدين بها الأمم المتحدة دولة من الدول لعدم احترامها لحقوق الأقليات تكون مرتبطة في كثير من الأحوال بخلفية سياسية ومصالح.وهذا ما أضعف تأثيرها لدى الرأي العام.

   ثم إن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان سار خطوة إلى الأمام، وذلك لتضمنه تمكين الأفراد المنفاعليتها.ليات داخل أوطانهم الأوروبية إذا انتهكت حقوقهم، بعد القيام بالإجراءات القانونية في أوطانهم، من رفع قضاياهم إلى المجلس الأوروبي لينصفهم ويحمي هويتهم حماية ينقذها من مخالب التذويب.(3) ولكن هذه التنظيمات داخل المجلس الأوروبي متوقفة على إجراءات معقدة ومكلفة مما يحد من فاعليتها .

 

مـــلاحـــظــة

هذه صورة مختصرة عن تطور مبدأ حقوق الأقليات في القرنين الأخيرين. ويتجلى من تتبع هذا الواقع أنه يتجاذبه طرفان:

أولهما قيام رجال مؤمنين بالكرامة الإنسانية يبرزون مقتضياتها ويدافعون عنها ويشرحون تفصيلاتها ويقدمون للمجتمع الدولي في مؤسساته الصورة المثلى التي ينبغي أن تكون عليها العلاقات البشرية، ومعاملة الإنسان كإنسان من السلطة التي تحكم المتساكنين في الوطن الواحد.

وثانيهما قوى متسلطة لا يهمها إلا بسط سيطرتها على تلكم الأقليات، أو استخدام تلكم المبادئ لأغراض سياسية تمكن لهيمنتها المتغطرسة على بعض الدول لابتزازها، وبالتالي التدخل في شؤونها الداخلية.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأقليات الشاذة المخربة للقيم و للمبادئ العليا للإنسانية تحاول اليوم أن تعتمد هذه المبادئ الرفيعة لحقوق الأقليات لتبرر انحرافها. فقد أخذ ت مثلا جمعيات الشاذين جنسيا، من حقوق الأقليات، غطاء لفسادها وتحصنت بها كقوة تظهر به في العلن مطالبة بأن يكون لها كيانها المعترف به اجتماعيا وقانونيا.وهكذا تتدمر البشرية كلما حلت الرابطة التي تشدها إلى الحق ( الإيمان) ويتعرض الخير إلى انتكاسة ومسخ فينقلب شرا.

ومع الواقع المتسلط تقوم أجهزة الإعلام   بضجة كبرى منوهة بحقوق الأقليات، وتبالغ في تشويه سمعة من ينتهكها من الدول الضعيفة في ميزان القوى الدولية، فتعد الرأي العام العالمي للانحياز إلى ما ترغب القوى العظمى في تحقيقه من غايات تسلطية بناء على تلكم الانتهاكات المقيتة فعلا، ولكنها تخرس عن كشف الانتهاكات التي تقوم بها الدول القوية وتسلطها على الأقليات داخل حدودها.

و إن ما تقوم به إسرائيل اليوم من تمييز بين الوافدين على أرض فلسطين من اليهود من جهة وبين السكان الأصليين، المسيحيين والمسلمين من جهة أخرى، واضطهاد غير اليهودي، والاعتداءات المتكررة على حقوقهم، واعتبارهم مواطنين من الدرجة المنحطة المنبوذة في مرتبة دون اليهود الشرقيين و الفلاشا، لأنهم أقلية داخل المجتمع الذي هودته بالألاعيب السياسية وحرمت السكان الأصلين من العودة إلى ديارهم التي ولدوا وتنفسوا أول هواء تحت سقفها، وإلى أرضهم التي رووها بعرق جبينهم فنشروا فيها مزارع الزيتون والفواكه والقوارص والخضر، وأحبلوها بمتنوع الخيرات، وارتبطوا بها رباطا انتقش به كيانهم الفكري والعاطفي، لَيكشف عن وجه بشع يتولد عنه حتما الكراهية والحقد، وما يتبعهما قطعا من اضطراب الأمن و القضاء على السلام العالمي.

 وكذلك التحول الذي برز بشكل يدعو للاشمئزاز في الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.هذه الأحداث التي ما كانت لتقع لولا الانحياز غير المعقول وغير الإنساني من الحكومة الأمير كية لإسرائيل انحيازا احتقن في القلوب حتى انفجر, وهو ما يؤكد ما قلته من أن السلام العالمي معرض للخطر، وسوف يبقى معرضا للخطر ما دامت القوة العظمى الأمير كية ممعنة في جعل الظلم الإسرائيلي عدلا، والحق الفلسطيني ظلما والمدافعين عنه إرهابيين, وما دام التعسف الإسرائيلي وأنياب رئيس وزرائه، ومخالب قواد جيوشه، يقلبها الظلم إلى سلام، ودفاع الفلسطيني عن حقوقه يعتبر إرهابا حتى من بعض من ينتسبون للأمة الإسلامية ويمسكون بمقاليد السلطة السياسية أو القلمية.

على أن تقرير تلكم المبادئ يحمل خيرا كثيرا في المستقبل إذا أحسنت الدول الصغيرة   التكيف معها باحترامها من ناحية، وبالتوحد لإقرارها واقعيا لمصلحة الإنسان حيثما كان، مع احترام المعايير الأخلاقية. إنه وإن كان هذا الأمل ما يزال بعيدا الآن، إلا أن إعلانه وتذكير البشرية به وغرسه في تربيتها وذاكرتها يجعل الناظر متفائلا غير متشائم من تطور العالم نحو الخير.

  

 الأقليات في الإسلام

لا يخلو مجتمع من المجتمعات البشرية من وجود أقليات. ولما كان الإسلام دين العدل وكرامة الإنسان، فإنه من أول يوم ظهرت دولته وبرز كيانه السياسي متفردا، راعى حقوق الأقليات.

يبدو ذلك واضحا في الوثيقة التي حفظها التاريخ والتي كانت أول ما أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه إلى المدينة، هذه الوثيقة التي لم يقم أحد بطلبها منه، وإنما كانت السنة العملية للمبادئ التي تقررت في القرآن وفي وحي الله,

ضبط فيها صلى الله عليه أعضاء الأمة الإسلامية فوثق ما يلي (بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس) ثم بعد أن نص على الحقوق الخاصة للمهاجرين وللأنصار قبيلة قبيلة، نص على حقوق يهود المدينة فحرر ( وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم). ثم بين حقوق الأقليات اليهودية التي لم تدخل في الإسلام فوثق: وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ [ أي لا يهلك] إلا نفسه وأهل بيته، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته, وإن جفنة بطن من بني ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشطيبة مثل ماليهود بني عوف, وإن البر دون الإثم. وإن موالي ثعلبة كأنفسهم. إن بطانة يهود كأنفسهم، وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمن نفقتهم، وإن عليهم النالصحيفة. حارب أهل هذه الصحيفة.وإن الله على أتقى وأبر ما في هذه الصحيفة – أي إن الله وحزبه على أبر ما في هذه الصحيفة ). (4)

وكانت هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من وفد عليه من العرب مبايعا على الإسلام. فقد كان يكتب لكل منهم كتابا هو الوثيقة الضامنة لحقوق المؤمنين والأقليات غير المؤمنة. وتتابعت الوفود سنة تسع من الهجرة التي سميت سنة الوفود.

 و كان مما حفظ من كتبه صلى الله عليه وسلم ما كتب به إلى ملوك حمير. جاء في كتابه الذي سلمه لمبعوثهم:أنه من أدى ما افترضه الله عليه وظاهر المؤمنين على المشركين، فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه وما عليهم وله ذمة الله وذمة رسوله، وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم. ومن كان على يهود يته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها وعليه الجزية على كل حالم ذكر أو أنثى حر أوعيد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا.فمن أدى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن له ذمة الله وذمة رسوله (5)

كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى بني الحارث بن كعب بعثه مع عمرو بن حزم الذي وجهه إليهم ليفقههم في الدين، وقد ورد في خاتمته: إنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه ودان بدين الإسلام فإنه من المؤمنين له مثل مالهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن كان على نصرانيته أو يهود يته فإنه لا يرد عنها 0 وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه ثيابا فمن أدى ذلك فله ذمة الله وذمة رسوله.(6)

يتضح بأدنى تأمل أن عهود النبي صلى الله عليه وسلم للداخلين في الوحدة الإسلامية جرت على نمط واحد في الأصول الضامنة لحرية الإنسان وكرامته واحترام حقوقه.

أولا : كل من دان بالإسلام وشرح الله صدره إليه يجري عليه ما يجري على كل مسلم سبقه للدخول في هذا الدين فالمسلمون سوا سية.

ففي الوثيقة الأولى يؤكد المصطفى صلى الله عليه وسلم: [ بين المسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس...... وإن الله على أتقى وأبر ما في هذه الصحيفة]

وورد في عهده إلى ملوك حمير أن كل من وفى بمقتضيات الإسلام: [ أنه من المؤمنين له ما لهم وعليه وما عليهم ]

وكذلك في كتابه لبني الحارث بن كعب: [ أن من دان بدين الإسلام فهو من المؤمنين له مثل ما لهم و عليه مثل ما عليهم ]

ثانيا : أن التسوية التي وردت في جميع النصوص هي تسويه في الحقوق والواجبات.

ثالثا : أن العرق أو الدين السابق لا أثر له في التمتع بالحقوق التي تضمنها الدولة الإسلامية لكل فرد من الجماعة الإسلامية. فنص على أن بني إسرائيل والنصارى على مختلف أعراقهم والعرب و كذلك بقية فئات الأديان المختلفة بدخولهم في الدين الإسلامي تذوب جميع أوجه الاختلاف السابقة التي كانت تميز بعضهم عن بعض على أساس من النسب والعرق. فهم بدخولهم في الإسلام يتمتعون بنفس الحقوق ويفرض عليهم نفس الواجبات.

ثالثا : أن أصحاب الديانات السابقة إذا هم رفضوا الدخول في الإسلام فإنهم لا يكرهون على ترك دينهم كما جاء في الوثيقة الأولى [ لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يهلك إلا نفسه وأهله ] وكذلك في الوثيقة الثانية:[ من كان على يهود يته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها وعلى كل حالم الجزية ] وبنفس النص صدرت الوثيقة الثالثة.

رابعا : أن ما جاء من تفصيل للحقوق والواجبات قد أتبعه بما يضمن تنفيذه. فجميع الوثائق ربطت بذمة الله ورسوله. وسنزيد بيانا لهذا التوثيق التنفيذي.

 

 العلاقة بين الدولة الإسلامية والأقليات غير المسلمة

تنقسم الأقليات داخل الدولة الإسلامية إلى الأنواع التالية:

أولا: من اختار المقام بأرض الإسلام مع الثبات على دينه.

ثانيا: من يدخل الأرض الإسلامية بعهد مؤقت.

فالقسم الأول هم أهل الذمة. والقسم الثاني هم المستأمنون أو المعاهدون.

أهل الذمة قد يكونون:

1)                    من أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

2)                    أوممن لم يكونوا على دين سماوي ( كالمجوس الذين يثبتون إلهين إله للخير وإله للشر. وتطورت المجوسية عبر القرون فظهرت فيها نحل كثيرة آخرها المانوية <7>

3)                    أو من مختلف طوائف الكفرة من المشركين وعبدة الأوثان، أوممن ليست له عقيدة أصلا.

أهل الذمة : هم الذين اختاروا أن يقيموا داخل الوطن الإسلامي ( دار الإسلام) وعقدت الدولة معهم عهدا يمكنهم من الحرية الدينية وبقية الحقوق ويدفعون للدولة جزية سنبين تفصيل شيء من أحكامها.

ويمكن من مزايا هذا العقد أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وكذلك المجوس باتفاق العلماء لقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (8) ولقوله صلى الله عليه وسلم في المجوس ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب )(9) ولما أخرجه البخاري أن عبد الرحمن بن عوف شهد عند سيدنا عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر(10)

أما بقية الطوائف فقد اختلف الفقهاء في تمكينهم من الدخول في عقد الذمة والذي عليه المالكية أنه يتمتع بهذا الحق كل كافر رضي به سواء أكان من عبدة الأوثان أو كان كتابيا(11)0

 معنى الذمة : الذمة العهد، وقال الجوهري أهل الذمة أهل العقد. وقيل الذمة الأمان سمي الذمي لأنه يدخل في أمان المسلمين (12)

وقال عياض: وقوله: ( ويسعى بذمتهم أدناهم ) وذمة الله وذمة رسوله وذمتك أي ضمان الله وضمان رسوله وضمانك. (13)

 إن هذا المصطلح الإسلامي بعيد عن كل حط أو غضاضة وذلك.

أولا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الذمة لكل داخل جديد في الإسلام على أنه في ضمان الله ورسوله يعامل معاملة بقية المسلمين 0

ثانيا: أن الذمة في عرف الفقهاء:الوضع الذي يكون فيه الإنسان موثوقا به في أداء التزاماته. فإذا فلس يقال عنه: خربت ذمته. فصاحب الذمة من حافظ على شرفه واطمأن من يتعامل معه.

ثالثا: أنه قد استقر عند الصحابة وجوب الوفاء بعقد الذمة فقد كان مما أوصى به سيدنا عمر فيما رواه البخاري أن لما طلب منه الصحابة أن يوصيهم قال: أوصيكم بذمة الله فإنها ذمة نبيكم (14) وروى أبو داود عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم معاهدا أو انتقص حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة (15)

وبهذا يتضح أن ما يشيعه بعض الحاقدين على الإسلام من أن مصطلح أهل الذمة فيه غضاضة وحط من القيمة الإنسانية، هو تحريف للحق وقصد خبيث لتشويه نصاعة وجه الإسلام الذي أعلن في الكون مبدأه العام من رب العزة لما قال: ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(16).

 

ما يوجبه عقد الذمة

عقد الذمة عقد حماية للأقليات في ذوا تهم وأعراضهم وأموالهم. فذوا تهم   محمية من كل من يريدهم بسوء، وعلى الدولة أن توفر لهم هذه الحماية وتحقق لهم الأمن يقول القرطبي: ويأخذ الحاكم من قويهم لضعيفهم لأنه من باب الدفع عنهم، وعلى الإمام أن يقاتل عنهم عدوهم ويستعين بهم في قتالهم (17). ولو وقع الذمي في أسر فإن على الدولة الإسلامية أن تفديه ولا ينقلب رقيقا. قال أبو عبيد: وكذلك أهل الذمة يجاهد من دونهم، ويفتك عانيهم ( أسيرهم) فإذا استنقذوا رجعوا إلى ذمتهم وعهدهم أحرارا.وفي ذلك أحاديث: عن عمر بن الخطاب أنه كان في وصيته عند موته: أوصي الخليفة من بعدي بكذا وكذا، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عيه وسلم خيرا، أن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم. عن إبراهيم النخعي في ناس من أهل الذمة سباهم العدو المسلمون، قال: لا يسترقون. وعن الشعبي أنه سئل عن امرأة من أهل الذمة سباها العدو فصارت إلى رجل من المسلمين في سهمه، قال: أن ترد إلى عهدها وذمتها. وهو مذهب عطاء وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد.

 ومقابل هذا الأمان، عليهم أن يدفعوا لخزينة الدولة الإسلامية الجزية، كما عليهم أن يمتنعوا من إحداث ما يوجب الفتنة أو الشغب أو يخل بالأمن مما فصله الفقهاء. انظر في ذلك مثلا الأحكام السلطانية (18)

يقول الباجي:إن الجزية إنما تؤخذ منهم على وجه العوض لإقامتهم في بلاد المسلمين والذب عنهم والحماية لهم (19)

والجزية تفرض على الذكور البالغين الأحرار غير الفقراء.وقد اختلف في مقدارها فأعلى ما قدرت به أربعة دنانير لأهل الذهب وثمانية وأربعون درهما لأهل الفضة، أو ما يساوي ذلك من العروض. (20) تؤخذ منهم مرة كل سنة .

وورد في الرفق بهم وعدم إعناتهم آثار كثيرة ختمها أبو عبيد بفذلكة: ذلك أنه إنما يراد بهذا كله الرفق بأهل الذمة وأن لا يصلحه.يهم من متاعهم شئ، ولكن يؤخذ مما سهل عليهم بالقيمة (21) ويقول الزرقاني يؤخذ من الفقير بوسعه ولو درهما، ويسقط عنه ما ليس في وسعه وإن أيسر بعد ذلك لم يؤخذ منه ما نقص لضيقه (22) وكتاب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عامله على البصرة عدي بن أرطاة يبرز هذا التوجه مسندا له إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.فمما جاء فيه: وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه.فلو أن رجلا من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق. وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال: ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك. قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه, (23)

ولا يجب عليهم في بقية أموالهم شئ فلا زكاة على أهل الذمة في شيء من الأموال التي تؤخذ منها الصدقة، العين والحرث والماشية، لأن الزكاة طهرة للمسلمين وأهل الكفر ليسوا ممن يطهر....وليس عليهم شيء غير الجزية لأنهم بها أحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم ما كانوا في بلد عقد ذمتهم وموضع استيطانهم (24)

ولا يلزمون بضريبة على تجارا تهم ما داموا ينشطون في أقطارهم التي عاهدوا على المقام فيها. فإن خرجوا من أفق إلى أفق آخر كانتقالهم من مصر إلى إفريقية ألزموا بدفع عشر قيمة ما باعوه إلا إذا حملوا الطعام إلى مكة والمدينة فإنهم لا يطالبون إلا بنصف العشر تكثيرا للأقوات بهما. روى مالك عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر (25)

 

المستأمنون

المستأمن هو الذي يدخل البلاد الإسلامية من الكفار غير أهل الذمة بأمان تمكنه منه الحكومة الإسلامية فيأمن بذلك على نفسه و ماله الذي معه وكذلك أهله. وللحكومة أن تمنح هذا الأمان للأفراد والجماعات الكثيرة متى كان ذلك مصلحة للأمة ولا يضر بمصالح المسلمين.والأصل في ذلك قوله تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه )(26) وقد فصل القرطبي الأحكام المستنبطة من الآية ونقل عن مالك أن الحربي إذا وُجد في طريق بلاد المسلمين فقال جئت أطلب الأمان؛ قال مالك: هذه أمور مشتبهة وأرى أن يرد إلى مأمنه. ونقل عن ابن القاسم أن الحكم كذلك في التاجر الذي يوجد بساحتنا فيقول: ظننت ألا تتعرضوا لمن جاء تاجرا حتى يبيع. قال القرطبي: والإجارة لغير من يريد سماع القرآن هي النظر في مصالح المسلمين وما يعود عليهم بالمنفعة (27)

وقد أجمع الفقهاء على أن المؤمن المكلف المختار الحر معتبر الأمان الذي يبذله   لأفراد حربين. والسند في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

ذمة المسلمين واحدة ويسعى بذمتهم أدناهم. (28)

ولكن تمكين الفرد المسلم من إعطاء الأمان مقيد بمصلحة الجماعة الإسلامية. ولما نظمت الدول الإسلامية في عصرنا الحاضر طريقة دخول غير المسلمين للأوطان الإسلامية- تحقيقا لأمنها- وضبطته بتراتيب وإجراءات و أوكلته إلى مصالح مختصة فإنه تبعا لذلك لا يعتبر الأمان ماضيا تترتب عليه أحكامه إلا من تلك المصالح المختصة بذلك في الدولة.

ما يترتب على الأمان : يترتب على الأمان في الصحيح وجوب الوفاء به و حرمة التعرض للمستأمن في نفسه وماله أو إذا يته من أي عضو من أعضاء الأمة الإسلامية.

مدة الأمان : الأمان موقت لا ينسحب على حياة المستأمن على خلاف عقد الذمة. وقد اختلف الفقهاء في أقصى المدة التي تعطى للمستأمن. فبعضهم قصرها على أشهر وبلغ بها بعضهم إلى عشر سنين. ويراعى في المدة التي تضرب له أن تكون مدة يستطيع أن ينهي فيها تعاملاته والتزاماته حسب العرف ولا يتضرر من قصرها.(29)

 

الاستعانة بغير المسلمين

في المدونة: قلت: هل كان مالك يكره أن يستعين المسلمون بالمشركين في حروبهم ؟ قال: سمعت مالكا يقول: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  (لن أستعين بمشرك ) قال: ولم أسمعه يقول في ذلك شيئا.قال ابن القاسم: ولا أرى أن يستعينوا بهم يقاتلون معهم إلا أن يكونوا نواتية أو خدما، فلا أرى بذلك بأسا.

مالك بسنده إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الو برة أدركه رجل كان ُيذكر منه جرأة و نجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال: يا رسول الله جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله ؟

قال:لا. قال: فارجع فلن نستعين بمشرك. قالت: ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة < ذي الحليفة > أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة.فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:أتؤمن بالله ورسوله ؟ قال: لا

قال: فارجع. فرجع. ثم أدركه بالبيداء فقال كما قال له أول مرة. فقال: أتؤمن بالله ورسوله ؟ قال: نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:فانطلق.(30) وهذا الحديث رواه مسلم وعلق عليه القاضي عياض مفصلا الخلاف في حكم الاستعانة بهم داخل المذهب وخارجه وعلى القول بالجواز فهل يسهم لهم من الغنيمة أو يرضخ لهم أو يعطون ما اتفق عليه معهم؟ خلاف بين الفقهاء  (31). وعلق عليه الإمام النووي بقوله: وقد جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه. فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأول على إطلاقه. وقال الشافعي وآخرون: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين. وإذا حضر الكافر بالإذن رضخ له ولا يسهم له. هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والجمهور. وقال الزهري والأوزاعي: يسهم له (32)

أما الاستعانة بغير المسلمين في الحياة المدنية من بيع وشراء وإجارة وكراء واقتراض ونحو ذلك فقد مضى العمل من العهد النبوي بالاستعانة بهم والتعامل معهم، إلا ما نص عليه الفقهاء من أنه في المشاركة لا يستقل الشريك غير المؤمن بالتصرف، لأنه لا يتحفظ من المعاملات المحرمة شرعا.

 

 التزامات غير المسلمين في المجتمع الإسلامي

كما وضح أعلاه إن المقيمين من غير المسلمين في البلاد الإسلامية هم إما من أهل الذمة وإما مستأمنون. وقد بينا التزام كل نوع منهم. وأنهم إن لم يفوا بما التزموه في عقد الذمة أو عقد الأمان سقطت العقود التي ضمنت بها الدولة الإسلامية حقوقهم. واستثنى الفقهاء من ذلك أنه إذا خرج الذمي إلى أرض العدو نتيجة ظلم سلط عليه ولم ينصف، فإنه في هذه الحالة تبقى للذمي حقوقه التي عاهد عليها.يقول الزرقاني: فإذا منعوا الجزية وخرجوا لدار الحرب كان للمسلمين الرجوع إن لم يظلم، وإلا فإن خرج لظلم لحقه ولو بشك ثم أُخذ فلا يسترق ويرد لجزيته، ويصدق في قوله خرجت لظلم لحقني إن قامت قرينة على ذلك (33).

 

المحور الثاني   الأقليات الإسلامية خارج أوطانها

أجد صعوبة في هذا المحور لسببين :

أولا أن الأقليات الإسلامية ليست هي دائما خارج أوطانها بل عديد الأقليات الإسلامية هي منغرسة في أوطانها. بعضهم كان على غير دين الإسلام فشرح الله صدره للإسلام، وبعضهم ولد ثم قيد في سجلات الدولة التي ولد فيها على أنه مواطن من مواطنيها.

ثانيا أن كلمة الوطن وقرنها بالإسلام هو أمر حادث وليس أصليا. ذلك أن مصطلح الوطن هو مصطلح حادث. والمعروف في كتب الفقه الإسلامي هو، إما دار الكفر بما تشمله من دار حرب ودار عهد، وإما دار إسلام.

قال الكاساني:لا خلاف بين أصحابنا أن دار الكفر تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها. واختلفوا في دار الإسلام بما ذا تصير دار الكفر ؟ قال أبو حنيفة: إنه لا تصير دار الكفر إلا بثلاثة شروط:

1)                    ظهور أحكام الكفر فيها

2)                    أن تكون متاخمة لدار الكفر

3)                    أن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمنا بالأمان الأول وهو أمان المسلمين.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إنها تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها.ثم أخذ يستدل لكل رأي مرجحا رأي أبي حنيفة (34) ورجح في الفتاوى الهندية رأيهما (35)

إذن كل مكان استمر فيه جريان أحكام الإسلام هو دار إسلام. وكل مكان لم يدخله الإسلام أبدا هو دار كفر،  وكل مكان استحوذ عليه الكفار وتغلبوا عليه من ديار الإسلام فيه الخلاف الذي مر. وكل مكان كان أرض كفر فتغلب عليه المسلمون وأجروا فيه أحكام الإسلام هو دار إسلام بإجماع وبدون أي شرط.

كانت دار الإسلام تعتبر وحدة تخول لكل مسلم أن ينتقل بين أقطارها وأن يقيم حيث أراد الإقامة لا يحول بينه وبين ما اختار أي حائل مشروع، ولأعدائهم.ن تولي المناصب العالية كون مولده في أفق بعيد عن البلد الذي تسند فيه إليه الولاية.فالقاضي عبد الوهاب مثلا كان قاضيا بالعراق عند العباسيين، ثم ولي قضاء المالكية بمصر بمجرد قدومه إليها، والحال أن السلطة بيد الفاطميين أعدائهم. وابن خلدون ولد ودرس في تونس وكتب مقدمة تاريخه بقلعة بني سلامة بالجزائر، وانتقل لمصر فولي القضاء. وفي القرن التاسع عشر كان الوزير خير الدين وزيرا لملك تونس، ثم إنه توجه إلى الآستانة فولي الصدارة العظمى.

تغيرت الأوضاع العالمية تغيرا كبيرا، وتوزع العالم إلى أقطار، لكل قطر حدوده المرسومة والمثبتة في الوثائق إما سلميا، وإما بواسطة المعاهدات، و قامت حروب في عديد من مناطق العالم على جزء من الأرض تريد كل جارة ضمه إليها، كمقاطعتي الألزاس واللوران بين ألمانيا وفرنسا.

و بذلك أصبح الإنسان لا يستطيع أن يهاجر من بلد إلى بلد آخر ولا أن يستقر فيه إلا برضا السلطة التي بيدها الحكم في البلد المنتقل إليه .

 

 آثار هذا الوضع العالمي

جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فألئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فألئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا(36)

 اعتمد بعض الناظرين هذه الآية لإيجاب الهجرة على من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه مع المقام في دار الحرب. (37)

ولكن الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية نبه على أن حكم الآية انقضى يوم فتح مكة..... ثم قال: غير أن القياس على حكم هذه الآية يفتح للمجتهدين نظرا في أحكام (وجوب) الخروج من البلد الذي يفتن فيه المؤمن في دينه. وهذه أحكام يجمعها ستة أحوال:

الحالة الأولى: أن يكون في بلد يفتن فيه في إيمانه فيرغم على الكفر،  وهو يستطيع الخروج. فهذا حكمه حكم الذين نزلت فيهم الآية. وضرب لذلك مثلا بهجرة الأندلسيين لما فتنوا فتركوا أموالهم وديارهم وفروا بدينهم.

الحالة الثانية: أن يكون ببلد الكفر غير مفتون ولكن يكون عرضة للإصابة في ماله أو نفسه، فهذا عرض نفسه للضر وهو حرام.

الحالة الثالثة:أن يكون ببلد غلب عليه غير المسلمين إلا أنهم لم يفتنوا المسلمين في دينهم ولا في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ولكن تجري عليه أحكام غير المسلمين إذا عرض له ما يوجب فصل القضاء. وهذا كحال المقيمين اليوم في أوروبا. وظاهر قول مالك أن الإقامة مع ذلك مكروه كراهة شديدة وهو ظاهرا لمدونة. وتأولها كثير من المحققين على الحرمة.

الحالة الرابعة: أن يتغلب الكفار على بلد أهله مسلمون؛ ولا يفتنونهم في دينهم ولا في أموالهم، وتجري الأحكام بينهم على مقتضى الشريعة الإسلامية، كما وقع في صقلية عندما استولى عليها جرجير النرماني, وكما تم في الأندلس في غرناطة حين استولى عليها طاغية الجلالقة على العهد الذي كتب بينهم، فأقام بعضهم بها على ماتم توثيقه وهاجر بعضهم، ولم يعب المهاجر على القاطن ولا العكس,

الحالة الخامسة: أن تكون السلطة العليا بيد غير المسلمين، وتبقى للمسلمين السلطة التابعة ويتصرف ملوكهم في تعيين القضاة وإجراء أمور دينهم وعباداتهم على حكم الإسلام، كالحماية، والوصاية، والانتداب، كما وقع في مصر وفي تونس والمغرب الأقصى وفي بلاد الشام والعراق, وهذه لا شبهة في عدم وجوب الهجرة.

الحالة السادسة:البلد الذي تكثر فيه المناكر والبدع وتجري فيه أحكام كثيرة على خلاف صريح الإسلام، ولا يجبر فيها المسلم على ارتكابه خلاف الشرع، ولكن لا يستطيع تغييرها إلا بالقول، أو لا يستطيع ذلك أصلا. وهذا قد روي عن مالك وجوب الخروج منها، ورواه ابن القاسم. غير أن ذلك حدث في القيروان أيام بني عبيد ولم يحفظ أن أحدا من الفقهاء الصالحين دعا الناس إلى الهجرة وحسبك بإقامة الشيخ محمد بن أبي زيد وأمثاله. وحدث في مصر أيضا في مدة حكم الفاطميين، ولم يغادرها أحد من علمائها الصالحين.

 ودون هذه الأحوال الستة أحوال كثيرة هي أولى بجواز الإقامة، وأنها مراتب،  وإن لبقاء المسلمين في أوطانهم إذا لم يفتنوا في دينهم مصلحة كبرى للجامعة الإسلامية.(38)

بعد هذا الكلام النفيس للشيخ ابن عاشور رحمه الله رأيت لفت الأنظار إلى ما يلي:

 أولا : ما أشرت إليه سابقا من التنظيمات التي اعتمدتها كل الدول أن حدودها الوطنية لا يمكٌن من الإقامة داخلها إلا بإذن من السلطة، الأمر الذي يوجب مراعاة هذا المعطى الجديد فيكون القسم الأول والثاني داخلين تحت قوله تعالى:  إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان(39) يقول القرطبي: أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، إلا محمد بن الحسن فإنه رأى أنه يجرى عليه أحكام الكفر في الدنيا.

ويستوي الكفر بالقول والكفر بالفعل عند الجمهور المرجحين للأخذ بالرخصة. وهو المروي عن عمر بن الخطاب ومكحول، وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق. (40)

  ثانيا : إنه بناء على أن الأنظمة الديموقراطية تمكن الحزب الذي يفوز بالأغلبية من الحكم. والأحزاب منها العلماني اللائيكي الذي يفصل الحياة عن الدين، وبناء على ذلك فإن   الأقطار الإسلامية المعرضة لهذا الأمر نظريا قد تتسع دائرتها.

ثالثا : إن الجهاد لنشر الإسلام سبيله في عصرنا هذا مخالطة غير المؤمنين وتبشيرهم بالإسلام. وبهذا يكون المسلم الذي يتمكن من الإقامة في غير بلاد الإسلام ومن قصده أن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، له شرف الجهاد في عصرنا الحاضر.

 

 نسبة الأقليات الإسلامية في العالم

إن إعطاء رقم قريب من الصحة يبدو عسيرا جدا. ذلك أن هذهأولى.ة هي حصيلة عملية جمع لعدد الأقليات الإسلامية في كل قطر من الأقطار، وهذا لم تقم عليه مؤسسات تعتمد التعداد حسب أصوله العلمية والفنية.هذه صعوبة أولى.

 أما الصعوبة الثانية   فإنه في البلدان العلمانية المتطرفة أو التي ترفض الدين، أو التي تعادي التدين و تحاربه بعنف و خاصة الإسلام، لا ُيظهر كثير من المسلمين انتماءهم الإسلامي خوفا على مراكزهم في الحياة العامة والمهنية.

وقد قدر ت هذه الأقليات في مجموع العالم سنة 2000 بنصف مليار.(41) وقدرها آخرون سنة 1995 ب 372 مليون (42) وقريب من هذا العدد 371، 3 مليون في الدراسة الإحصائية د محمد محمود محمدين قبل عشر سنين عام 1986 (43)

وكمثال يوضح هذه الصعوبة عدد المسلمين في الصين. لقد كانت السفارة الصينية بتونس قد تسوغت دارة بجواري. كنت على صلة بموظفيها. وكلما يعين سفير جديد أسأله عندما يزورني عن عدد المسلمين في الصين، وكان جواب جميع السفراء واحدا: خمسة عشر مليون مسلم، وتجمد العدد في هذا الحد لا يزيد ولا ينقص أكثر من عشرة أعوام.وعدد المسلمين حسب د. محمد محمود حمدين 95 مليونا (44)

و معظم الذين اهتموا بتعداد الأقليات الإسلامية في العالم يقدرون أن مسلمي الصين يقاربون مائة مليون.وقد كان الأمير شيكيب أرسلان قد صدم بصعوبة تقدير عدد المسلمين في الصين فقال: أما عدد المسلمين في الصين فلا تزال الأقوال متضاربة في عددهم، فمن الجغرافيين من يحزرهم بعشرين مليونا، ومنهم من يحزرهم بأكثر من ذلك بكثير. وفي هذه المدة لما وقعت الفتنة بين الصين واليابان من أجل منشوريا أبرقت الجمعية الإسلامية في الصين إلى أوروبة بتلغراف احتجاج على اليابان قالوا فيه: إنهم يتكلمون باسم خمسين مليونا من مسلمي الصين.قال ثم ورد تلغراف من طوكيو يرد على مسلمي الصين زاعما أنهم 15مليونا لا50 مليونا . ثم قال ولا شك أن اليابانيين بخسوا مسلمي الصين عددهم لما رأوا من شدتهم على اليابان يين. وإذا قارنا هذا العدد مع تعداد السكان الذي أثبته في كتابه وفي مجلته (الأمة العربية) حوالي عام 1920من أن مصر مع السودان تعد 18مليونا والجزائر خمسة ملايين وطرابلس 700 ألف وتونس مليونان الخ هذا التعداد إذا راعينا النمو السكاني كما تم في بقية الأقطار يحتم أن يكون عدد المسلمين اليوم في الصين مائة مليون على أقل تقدير.(45)

وقد كنت زرت الصين في صيف عام 1985 ومن المدن التي أقمت فيها مدينة لينشيا وأعلمني الوالي أن عدد المسلمين بها700    ألف وأن نسبتهم من مجموع السكان هي 52%. وبالمحافظة 1715 مسجدا ووجدت في بعضها مخطوطات عربية، ووقعت يدي على شرح السعد على كتاب الخطيب القزويني في البلاغة. كما أنه من ناحية أخرى كل المسلمات مقنعات تغطي الشابة رأسها بقناع أخضر والكهلة بغطاء أسود والعجوز بغطاء أبيض. وتكاد كل النساء اللاتي ينشطن في الحياة مقنعات. فهذه الدوال من وجود 1715 مسجد ومن كون معظم النساء مقنعات، دوال تثبت للناظر فيها أن نسبة المسلمين أعلى بكثير مما سمعته من السلطة المحلية.

كما نزلت بمدينة سيان عاصمة مقاطعة شانسي. و حسبما صرح لي به الوالي:إن عدد المسلمين بسيان خمسون ألفا وبالمقاطعة التي تعد 30مليونا مائة وأربعون ألفا, ومع ذلك فإن الجامع الكبير وسط سيان مساحته 130000متر مربع. فهل يعقل أن يتسع الجامع بهذا المقدار  إذا كان العدد المذكور صحيحا؟

 

أنماط الأقليات المسلمة

 تنقسم الأقليات المسلمة إلى أنماط عديدة

أولا : العلماء الباحثون من مواطني الدول غير الإسلامية، الذين استقام فكرهم ولم يعمهم التعصب لدين الآباء والأجداد، فدخلوا في الإسلام بعد دراسة معمقة مقتنعين بأنه الدين الذي يكرم الإنسان، ويمتن العلاقات الإنسانية، ويقدم الإجابات التي لا تناقض العقل عن الكون والحياة، ويخرج الإنسان من الحيرة فتتبين له مسالك الحياة في صفاء لاغبش فيه، وينمي في معتنقيه الفضيلة والخير والقيم الخلقية الرفيعة. وهؤلاء وإن كانوا قليلي العدد في وسط الأقليات المسلمة إلا أن تأثيرهم على الطوائف غير الإسلامية تأثير له وزنه.

وبجانب هؤلاء، الذين دخلوا في الإسلام نتيجة مخالطتهم للمسلمين، وهم على قسمين:

قسم آمن متأثرا باستقامة سلوك من خالطوهم، ونظرتهم للحياة، وأعجبوا بالعلاقات الأسرية المتينة بين المسلمين.

وقسم آخر دخلوا في الإسلام تبعا لرغبتهم في التزوج بمسلمة. لقد سافر عدد غير قليل من الفتيات للعمل في الغرب، التحق بعضهن بالمعامل وبعضهن بالعمل في المنازل، وتبع الاختلاط قيام علاقة، فيرغب كلا الطرفين أن تنتهي إلى عقد، و يقوم مانعا من تمام الزواج القانون والعائلة التي لا ترضى أن تتزوج ابنتهم ممن لا يدين بالإسلام،

فتؤثر على خطيبها فيعلن إسلامه. وقد كنت أطلب من كل من يرغب في المبايعة على الإسلام أن يحسن أداء الصلاة بشروطها وأركانها، وأختبره في ذلك، وأن يتعهد لي بأنه بعد إسلامه سيقوم بالعبادات المفترضة ويطبق أحكام الدين الإسلامي في حياته، ورغم ذلك فإني غير متيقن بأنهم سيوفون بما عاهدوا عليه.

ثانيا : المضطهدون الذين عانوا من التمييز العنصري ألوانا من المهانة، والذين وجدوا في انتسابهم للدين الإسلامي السند الذي يحل العقد التي ضربتهم بالذل والمهانة وعدم الثقة بالنفس.أعني الأفارقة   الذين اختطفهم المستعبدون للأحرار من ديارهم وباعوهم لمن سخرهم في خدمة الأراضي البكر الشاسعة في أميركا، ورغم أن استصلاح الأراضي و البنية التحتية قد هدت قواهم وأكلت أجسامهم و ارتوت بعرق جبينهم، فإنهم رغم ذلك عوملوا معاملة قاسية، فيها سحق لكرامتهم وقتل لعزتهم.  وبقوا مهمشين في المجتمع يأنف الأبيض أن يقترب منهم لا في وسيلة النقل ولا في قاعة الدرس ولا في المطعم ولا يقبل بحال أن يتساوى معهم في الحقوق الإنسانية.

بلغ الظلم غاية مدى ما يمكن أن يصل إليه، فولد حقدا عنيفا من الأسود على الأبيض، وتزعم حركة الثورة ( درو علي ) فأسس سنة 1913 ( معبد البربر العلمي) وبعد سنة انضم إليه ماركوس جارفي فأسس حركة ( التقدم الزنجي الدولية )

( درو علي) الذي ادعى النبوة أضفى على مشروعه قبسا من الإسلام، وأكد هوية الزنوج وجعلهم عنصرا ممتازا من الآسمسجد.والبربر، وأن الإسلام هو دينهما، والمسيحية للبيض.واستمرت الحركة تقوى شيئا فشيئا إلى موته عام1930، فخلفه في قيادة الحركة ولاس د فرض وأسس معبدا ثم حوله إلى مسجد. فكانت بدايات ( أمة الإسلام ) مع فرض الذي اتخذ أسماء عدة منها الولي فرض   والمعلم فرض محمد، وكان يدعى تارة بالله وتارة المهدي الكبير من طرف أتباعه (46)

مات فرض في ظروف غامضة سنة عام 1934 وخلفه في زعامة الحركة أليجيا محمد إمام فرع شيكاغو   الذي تأسس قبل عام 1933 الملقب بالقديس النبي مبعوث الله، وبقي على زعامته الشاملة لم ينازعه فيها إلا مالكلم إيكس سنة 1960؛ ولكن مالكلم قتل سنة 1965فتفرد بالزعامة إلى أن توفي سنة1975عن 78 سنة (47)0وقد كان رجلا ماهرا مقتدرا  على التنظيم والتسيير فبنى هرم جماعة الدعوة على مؤسسات قوية وتجلى نجاحه في خمسة ميادين:

- قيادة فذة قوية و مركزية ربت القاعدة على الولاء والطاعة

- تكوين مليشيا بالغة التنظيم يطلق عليها اسم ثمرة الإسلام (foi) تتكون من المجندين الأشداء الذين سبق لهم أن قاموا بالخدمة العسكرية، وهي الحامية لجميع المؤسسات التابعة للحركة، واتهمت هذه الحركة بأنها هي التي قتلت مالكلم إيكس، ويقودها رايموند شريف صهر أليجيا.

- منظمة الأعمال التجارية، من نشاطها مصرف وشركة لصيد الأسماك وسلسلة من المطاعم.

- المؤسسات التعليمية وتسمى جامعات الإسلام، والنظام التعليمي فيها بالغ الانضباط

- سلسلة من أماكن العبادة القومية، وهي منظمة تنظيما جيدا للغاية تحت إدارة رجال مسؤولين عنها فيما يتعلق بالعضوية والوظائف العديدة التي تقوم بها هذه المراكز (48)

أكبر أبناء أليجيا هو وارث الدين محمد .وقد كان على خلاف مع والده فأقصي من الحركة، وبينما كان أليجيا على فراش الموت دعا ابنه ورد إليه اعتباره وعينه خليفة له. فتولى المهمة بعد وفاة والده، وسار بها في منهج تصحيحي بعيد عن الغلو والشذوذ. فأعلن بعد سنة أن أباه لم يكن نبيا، وحول اسم المنظمة فأصبحت المجتمع الإسلامي العالمي في الغرب،  وسمى أتباعه (أبناء بلال ) ربطا لهم بالصحابي الجليل مؤذن رسول الله وأمين بيت مال المسلمين. وأطلق على جميع المعابد لفظ المساجد وعلى رؤسائها الأئمة وفي سنة 1980 حور اسم المنظمة إلى جمعية الدعوة الإسلامية الأميركية، كما غير اسم الصحيفة الناطقة باسم المنظمة إلى المجلة الإسلامية.  ودعا أتباعه إلى القيام بشعائر الإسلام نقية من كل شائبة. وتخلت القيادة عن الدعوة للكراهية العرقية وتمثيل الرجل الأبيض بالشيطان.وكان لهذه التحولات أثفرخان.رفض بعض أعضائها الإصفرخان.لجذرية وافرخان.عنها تحت قيادة لويس فرخان.

يعلق الأستاذ   قطبي مهدي على إنجازاته بقوله:

 ونجح الإمام وارث الدين أخيرا   في تحويل منظمة أبيه إلى جماعة إسلامية سائدة   ومقبولة لدى العالم الإسلامي، وصار زعيما معترفا به من جانب مسلمي أميركا والمجتمع الإسلامي الدولي، ولكن ذلك لم يتم بغير ثمن فادح، فقد انهارت الإمبراطورية الاقتصادية لـ (الأمة) بعد عدد من الأزمات الاقتصادية، وتراجعت العضوية إلى حد كبير، حيث تركها كثير من المؤمنين وبعض الزعماء المؤثرين.

وقامت بجانب منظمته (المجتمع الإسلامي العالمي في الغرب ) منظمات أخرى أهمها ( دار الإسلام ) التي استمدت اسمها من تقسيم العالم الإسلامي إلى دار الإسلام ودار الكفر. وكانت منظمة تنظيما دقيقا قام عليها الإمام يحيى عبد الكريم، وتوسع إشعاعها حتى تبعها في نيويورك وحدها عشرون مسجدا ثم انقسمت في أول الثمانينات مع دخول رجل صوفي باكستاني فصيح   عميق الإيمان، وشكل أنصار ه جمعية أطلقوا عليها (الفقراء) وكما يدل عليه اسمها هي ذات نزعة صوفية –

كما نشأت في الستينات (منظمة أنصار الله) على يد رئيسها عيسى الذي يؤكد على أن الحضارة الأولى للعالم هي الحضارة الزنجية على ضفاف النيل في بلاد النوبة، واهتم بالسودانيين ودعا أتباعه لارتداء اللباس السوداني، ثم غير اسمه عندما قتل الإمام السوداني الهادي المهدي إبان ثورة جزيرة أبا عام 1969فسمى نفسه السيد الإمام عيسى الهادي المهدي. وقد زاره بعد إلحاح الزعيم الصادق المهدي في بروكلين، وكان مما لفت نظره إليه بعض التعاليم المرفوضة إسلاميا ومنها استخدام الإنجيل في صلواتهم وشعائرهم. ثم حور مهمته من زعيم إلى معلم. وغير اسم جماعته إلى (الرابطة النوبية الإسلامية العبرانية، وأصبحت نجمة داود التي يحيط بها الهلال شعار الجماعة، وأصبح الكتاب المقدس مصدرا وثيقا للتعاليم الدينية على قدم المساواة مع القرآن.(50)

 و تتحدث الموسوعة الفرنسية عن دورهم الاجتماعي فتذكر: إن المسلمين السود قد أسسوا مدارس في أكثر من خمس وأربعين مدينة، وهم يروجون محاصيلهم الزراعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميريكية يحملونها بوسائلهم من شاحنات وطائرات. إن مجلتهم Muslim W0rld News من أكثر المجلات انتشارا بين السود. ومن المهام التي نجحوا فيها العمل على إصلاح المساجين كي يتمكنوا من الاندماج في الحياة المدنية من جديد وكذلك مع المدمنين على المخدرات والكحول.وبالرغم من أنه لا توجد إحصائية رسمية فإن عدهم مقدر بمائة ألف في أميركا.(51)

ثالثا :المهاجرون خارج أوطانهم طلبا للرزق.

هؤلاء المهاجرون للقيام بالأشغال البد نية هم على أنواع:

1) منهم المغامرون الذين أبعدوا في الرحلة فنزلوا في القارة الأميريكية، ليتمكنوا من جمع أكثر ما يمكن من المال ثم يعودوا إلى بلادهم. لكن بعضهم قد نجح في أعماله واستطاع أن يتأقلم مع المجتمع الأميركي فقرر البقاء ودعا أهله وأقاربه للالتحاق به.ولكنهم كانوا أقليات محدودة جدا وموزعة وغير منظمة كامل النصف الأول من القرن العشرين .

2) ومنهم من هاجر إلى أوروبا طلبا للرزق، وقد عمل على تضخيم عدد المهاجرين إلى القارة الأوروبية وخاصة في النصف الثاني من القرن الماضي عوامل:

 - قرب المسافة بين سكان جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط وشماله، حتى وصل الأمر ببعض المغامرين في السنين الأخيرة إلى أن يخرق البحر والحدود بإمكاناته الجسدية، أو في قوارب غير مجهزة بما يضمن السلامة، وابتلع البحر عددا غير قليل منهم.

- استعمار أوروبا للعالم الإسلامي من القرن الثامن عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين. وقبلت أوروبا معظمهم للقيام بالأشغال الشاقة, أو الخطرة على الصحة، أو التي لا يرضى الأوروبي أن يقوم بها.

- الدمار الذي لحق أوروبا من الحرب العالمية الثانية، ونهضتها لبناء ما هدمته، وانطلاقها في ميدان التصنيع بخطوات واسعة مما أحوجها إلى الأيدي العاملة.

- الأجور المغرية في أوروبا إذا ما قيست بالأجور في أقطارهم الأصلية، وتفشي البطالة بين المقتدرين على النشاط لضعف البنية الاقتصادية في العالم الإسلامي.

 - تمكن المهاجر إلى حد، من الحديث بلغة البلد الذي يقصده، ولهذا نجد الوافدين من الهند وباكستان يكثر التحاقهم بانقلترا، وسكان شمال إفريقيا بفرنسا وبلجيكا مثلا.

- تشجيع الحكومات للهجرة باعتبارها موردا مهما للعملة الصعبة بما يرسله المهاجرون إلى أسرهم وإلى أهلهم من أموال، وبما ينفقونه عند عودتهم في العطل السنوية، مما يعتبر أحد عوامل التوازن المعتمدة في الميزان العام والدخل القومي.

وهؤلاء المهاجرون منهم من يعود إلى وطنه عند بلوغه سن التقاعد أو لغير ذلك من الأسباب. ومنهم من تأقلم مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية في بلد إقامته، وتحصل على الجنسية مع أولاده وزوجته.وهؤلاء ما تزال تشدهم إلى أوطانهم الأصلية عواطف صلة القربى والحنين الفطري إلى مراتع الصبا.

وعلى جميع الأحوال فهم المعرضون أكثر من غيرهم من المهاجرين إلى المشاكل التي تتعقد مع تقدم الزمن وأهمها:

-  معظم هؤلاء لم يتجاوزوا مرحلة التعليم الابتدائي، ولذا تجد انبهارهم بمظاهر الحياة الغربية قد يسلبهم اعتزازهم بمقوماتهم الحضارية، ويسهل اندماجهم فيها بالتقليد غير الواعي القاصر على المظاهر واللذة والمتعة، فتمسخ هويتهم، دون أن يصلوا إلى المستوى الذي يقبلهم فيه المجتمع الغربي كمُكَون من عناصره تبعا لعوامل الرفض المبنية على الاختلاف في العرق واللغة والدين، وإن كانت غير مصرح بها ولا معلنة بوضوح.

-   إن التقدم التقني مكن المصانع والإدارات من البرامج الالكترونية التي يستطيعون بواسطتها الاستغناء عن كثير من العمال. وفي مقابل هذا لم يتطور اقتصاد البلدان النامية تطورا يستوعب الأيدي العاملة. وفي مواجهة ضيق مسالك التحصيل على الرزق لألئك العمال، يخاطر عدد غير قليل منهم فيهاجرون إلى أوروبا هجرة غير قانونية، مرفوضة من أوروبا الموحدة. ويكونون معرضين في كل لحظة إلى القبض عليهم وإرجاعهم إلى أوطانهم الأصلية، كما أن المصانع وهي مراقبة لا تقبلهم ولا تمكنهم من العمل. وأمام هذه المضايق يتصيدهم تجار المخدرات، والفساد والشذوذ والدعارة، وينضاف إلى إقامتهم غير الشرعية سقوطهم في حمأة الجريمة. ثم يعودون إلى أوطانهم بعد أن يكون فريق منهم قد قضى مدة وراء قضبان السجون، وآخرون يعودون وهم يحملون أوبئة جنسية يزرعونها فتنتشر العدوى مخربة صحة مواطنيهم.

-   إن الاستغناء الذي ذكرحادة وينتهي العاملة وغلق أوروبا أبوابها في وجه الواردين من الجنوب، دفع بعضهم إلى الزواج كيفما اتفق بمواطنة من البلد الذي يقيم فيه، حتى يتمكن من التحصيل على الموافقة القانونية للإقامة من السلط المعنية.ومعظمهم يتعرض لمشاكل حادة وينتهي الزواج بالفشل الذريع، وضياع الذرية.

-  والخطر الكبير هو ما يكون عليه الجيل الثاني. ذلك أن المستوى الضعيف الذي عليه أصولهم من الناحية الثقافية، وكذلك الدينية في كثير من الأحوال، يجعل هذه الإمكانيات المحدودة تضعف عن مقاومة مغريات التغريب التي تؤثر بعوامل المدرسة والأقران والبيئة الثالثة. وكلما زاد التواصل في الإقامة امتدادا مع الزمن زاد معه الاندماج قوة وإحكاما، وبالتالي تنقطع جذور الانتماء الأصلي، وتحتل الواجهة آثار الصدمة الحضارية الغالبة. ولذا لا تعدم أن ترى من بينهم من يحمل اسم   بول صالح وألفرد محمود وألبارت حسان. وقد حدثني أحدهم أن ولده قد تأثر عندما سمع بوفاة عمه فاشترى شمعة له وذهب فأوقدها له في الكنيسة المجاورة، يريد أن يبين لي مقدار تعلق ابنه بالعائلة   وحبه لها.

رابعا : المهاجرون لمواصلة دراساتهم العالية

في النصف الثاني من القرن العشرين تضاعف عدد الطلبة الذي قصدوا الجامعات في أميركا الشمالية   وفي أوروبا

وقد كان بعض هؤلاء قد تم استلابهم في مراحل التعليم الثانوي، فانصرفوا عن الدين وعن قيمه، ولم يروا في مواطنيهم إلا تراكمات من التخلف وخيل إليهم أنهم أسمى منهم ويودون قطع صلة انتسابهم إليهم، لقد انبهروا بالحياة الغربية تبعا لما درسوه من الأدب والفلسفة التي امتزجت بأرواحهم وأذواقهم وبالتالي بعقولهم، فاغتربوا بمداركهم قبل أن يغتربوا بأبدانهم. وعدد غير قليل منهم قد اختار البقاء في الغرب وتزوج هناك وكانت ذريته أشد إيغالا منه قاطعة الصلات مع الوطن والعائلة والتقاليد.

وقسم آخر انتقل إلى الجامعات الغربية وهو محصن بدينه وخلقه وطهارته، معتز بثقافته. الرؤية واضحة عنده، هي أنه التحق بالجامعات الغربية ليأخذ عنهم العلم الذي هو قدر مشاع بين البشر جميعا، والتقنية التي تمثل قدرة الإنسان على التحكم في المادة بأفضل طريقة، وهي أيضا قدر مشاع بين البشر جميعا.أما الأخلاق والتعامل بين البشر والنظرة إلى الوجود وعلاقة الإنسان بالكون وخالقه، فهو واثق بأنه غني عن الغرب.

وهؤلاء لسعة مداركهم وقوة شخصياتهم وأصالة ثقافتهم، قد كان لهم التأثير الصالح على الأقليات الإسلامية في الغرب.

ففي أميركا الشمالية   تأسست رابطة الطلاب المسلمين(msa )في أوربانا بولاية إلينوي سنة 1963 ضمت   الجمعيات الطلابية التي كانت موزعة، وكان الالتزام بالإسلام يتخطى أي انتماء آخر، هدفهم اعتماد الإسلام إطارا فكريا وأسلوب حياة ورسالة، ليصلوا لتكوين مجتمع مثالي، وخدمة الإسلام. وتطورت أنشطتها، واستفادت من التجربة الواعية قدرة على مزيد إحكام للتنظيم، والتخطيط البصير للمستقبل. وفي سنة 1975وافقت الجمعية العمومية خلال مؤتمرها السنوي في توليدو بولاية أوهايو، على إدخال تغييرات على دستورها أدت إلى بعث أمانة عامة من عاملين متفرغين، وأنشئ مقر دائم للرابطة في مزرعة ضخمة بولاية إنديانا ( مساحتها500 ألف متر مربع قيمتها نصف مليون دولار ) وأنشئت إدارات للتعليم والنشر، والتدريب والعلاقات العامة والمالية والإدارة. وكان كل العاملين في المنظمة يحمل درجة الدكتوراه في مجاله. وأنشأت الصندوق الاستئماني الإسلامي الذي يتولى ضبط مالية المنظمة واستثماراتها، وأشرفت على الصندوق التعاوني المعروف باسم أمــانة (amana)

كما كونت مؤسسة أخرى باسم مركز التدريب الإسلامي (itc) مهمة المركز بالدرجة الأولى هي التعليم الديني، والتدريب، ونشر الإسلام،

وتوزيع المطبوعات الإسلامية.

والملاحظ أن كثيرا ممن أتموا دراساتهم ودخلوا ميدان الحياة العملية واصلوا نشاطهم في الرابطة، وكانت الرابطة بالنسبة لهم المدرسة التي يستطيعون من مواصلة الانتماء إليها تعزيز شخصيتهم الإسلامية. والتنظيمات الخاصة المعترف بها التي كونوها حافظت على صلتها بالرابطة، مثل جمعية العلماء والمهندسين المسلمين الأميريكين (amse) وجمعية علماء الاجتماع المسلمين الأميريكيين (AMSS) والجمعية الطبية الإسلامية (IMA ) (52)

 خـامسا :المناطق الإسلامية التي استحوذت عليها دول غير مسلمة مجاورة أقوى منها، وتعسفت في معاملتها، وبقوة السلاح وخبيث المكر تريد أن تبقيها تحت سيطرتها. وقد ظهر هذا بصفة خاصة في السياسة التي سارت عليها روسيا خلال القرنين الماضيين، فقد ابتلعت دولا إسلامية عديدة. ثم إنها ارتبطت معها في الظاهر بمعاهدات تعطيها بها حكما ذاتيا، إلا أنه في واقع الأمركانت معاهدات مغشوشة ومفروضة تكرس سيطرة الروس، وتمكنهم من الاستيلاء على ثرواتهم وخاصة من البترول والغاز والذهب وأنواع أخرى من المعادن. ولنأخذ الشيشان صورة من صور التحكم الروسي في المسلمين الشيشانيين.

أسلم أهل الشيشان في القرن السادس عشر. وانتشرت بينهم الطريقة النقشبندية، وقاوموا المطامع التوسعية الروسية مقاومة بطولية، وهم الذين قادوا الثورة القوقازية ضد المحتل الروسي في القرن التاسع عشر

والتي انتهت باستسلام القائد الشيشاني البطل باساياف سنة 1859، وفي عام 1917أعلنوا استقلالهم. وكانت أرضهم مسرحا لمصادمات عنيفة بين الروس البيض، والبلاشفة. وبانهزام الروس البيض في سنة1920 ألحقت بالجمهورية الاشتراكية السوفياتية المستقلة بالجبال التي تضم دول القوقاز. وفي عام 1934ضمت روسيا جمهورية الشيشان إلى جمهورية أنقوشيا. وأخذت اسم الجمهورية الاشتراكية السوفياتية المستقلة للشيشان وأنقوشيا في ديسمبر عام 1936- واحتلت ألمانيا أرض الشيشان عام 1942 هادفة إلى التمكن من السيطرة على منابع النفط بباكو، وحلت الجمهورية.وبعد نهاية الحرب اتهمت روسيا سكان البلديالأنقوش.ن مع ألمانيا، وأجلاهم ستالين بالقوة إلىالأنقوش.كما أجلى بقية المسلمين من سكان القوقاز كالشركس وغيرهم0ثم وقعت إعادتهم إلى مواطنهم عامالأنقوش.رار سوفياتي في بقاء الجمهورية متحدة مع الأنقوش.

وفي أكتوبر عام 1991 أعلن القوميون الشيشان المجتمعون في المؤتمر الوطني لشعب الشيشان بقيادة الجنرال دوداياف،  أعلنوا استقلال الشيشان. ولكن روسيا اعترفت أولا بالتقسيم، ولكنها لم تعترف باستقلال الشيشان وقبلت الأمر كواقع دون أن تسمح بالانفصال. ثم إن الشيشانيين امتنعوا من التوقيع على المعاهدة المؤسسة للفيدرالية الروسية. فعمدت روسيا إلى فرض حصار اقتصادي على الجمهورية المستقلة.

وفي سنة 1994اختار بوريس يلستين   أن يتدخل عسكريا. مما ترتب عنه مجازر رهيبة، وكان وقعها الأكبر على المدنيين من جراء القصف المدفعي المكثف. وسقطت معظم المدن في أيدي الجيش الروسي في شهري فيفري و مارس 1995وبالرغم من تفوق الروس العسكري كشفت الحقائق أنهم عاجزون عن إخضاع بقية التراب الشيشاني. وقام الشيشانيون بحجز رهائن بصفة مذهلة. وحتى وإن أصيب الرئيس دوداياف بصاروخ روسي إصابة قاتلة فإن ذلك لم يؤثر على استمرار المقاومة.

 ولما أراد بوريس يلستين أن يترشح لانتخابات 1996 وجد نفسه تحت ضغط المشكلة المتمثلة فيما يلي:

 ما بين أربعين ومائة ألف قتيل من المدنيين، وأربعين ألفا تم تهجيرهم، وهزائم للجيش الروسي وخسارات كبيرة في صفوفه إذ بلغ عدد قتلاهم أكثر من أربعة آلاف، و تشهير العالم بما يجري في أرض الشيشان، وكذلك الرأي العام الروسي، وتململ داخل الجيش.

 وبناء على ذلك وقع قائد الجيش الروسي مع رئيس أركان جالجمهورية. أصلان مسخادوف اتفاقية تعترف بموجبها روسيا بالسيادة الشيشانية داخل الفيدرالية الروسية.وأجلت الاتفاقية إلى31 ديسمبر 2001 ضبط تفاصيل ميثاق الجمهورية . وفي عام 1997 انتخب أصلان مسخادوف رئيسا بأغلبية عريضة. وفي سنة 1997 وقع بوريس يلستين على وثيقة السلام مع أصلان، ووضعا بذلك حدا للحرب.

 ومن سنة 69إلى سنة 99 لم تستقر الأوضاع استقرارا كاملا في الشيشان، وتعللت روسيا بذلك ودخلت بجيوشها تعيد اكتساح الشيشان في سبتمبر 1999 واستمرت شهرين تقصف بمختلف الأسلحة الثقيلة العاصمة قروزني حتى فر منها أهلها وسقطت خرابا بأيدي الروس في فيفري 2000-

وبعد انتخاب بوتين نصب في الشيشان حكومة موالية لروسيا تحت رئاسة أحمد قاداروف في جانفي 2001 و أسندت متابعة القضية والقيام عليها إلى مصالح الأمن الروسي ( الكاجيبي ) سابقا. ورغم أن روسيا تدعي أن المشكلة الشيشانية تسير نحو الحل فإن استمرار المقاومة كبد الروس خسائر فادحة. ثم إن انكشاف ما قام به الجيش الروسي من إبادة جماعية وتعذيب ومفقودين أوجب إدانة روسيا من الرأي العام العالمي.

وكان الشيشانيون يلقون تأييدا من القوى العظمى، وتم اقتبال وزير خارجيتهم في واشنطن في مارس 2001- ولكن قضيتهم أخذت منعطفا آخر وخسرت التأييد الذي كانت تلاقيه غداة حوادث الحادي عشر من سبتمبر. واعتبروا إرهابيين 0(53) وسكتت الولايات المتحدة لتسكت روسيا عما تقوم به أميركا في الشرق الأوسط. والغطاء العنكبوتي الجديد هو الإرهاب.

واصل المقاومون مقاومة روسيا بكل الطرق، ومنها ما تم في السنة الماضية من قتل رئيس الجمهورية الموالي للروس أحمد قاداروف، ومن أخذ كل الحاضرين في المسرح رهائن، هذه المأساة التي أنهاها الروس بطريقة وحشية بشعة و فظيعة.

إن القضية الشيشانية تكشف أن سياسة القوى العظمى هي سياسة لا تقدر إلا المصالح الخاصة تقديرا ينفي كل اعتبار للقيم الإنسانية الرفيعة. إنهم إن تدخلوا فشهروا بظلم أو استنكروه فإنما يفعلون ذلك تبعا لغايات ليس فيها أبدا رعاية للموازين الخلقية، ولا نجدة ولاعطف على المقهورين والمستضعفين.

ليس معنى هذا أن نقطع الصلة بهذه القوى، بل على العكس نتعاون معهم ونحن واعون بأهدافهم، ونكرس هذا التعاون لتحقيق المصالح الإسلامية و لا ننخدع بظواهرهم.

 إن ما يحويه العالم الإسلامي من قوى تجعل غيرهم لا يستطيع بحال من الأحوال أن يبني حضارته أو تقدم بلاده إذا هو ألغى من المعطيات ما للعالم الإسلامي من ثروات ومواقع متحكمة في أمن العالم العسكري والاقتصادي، فلا نتنازل عما وهبنا الله. ولكن هو التعامل الذي يفرض على الطرف الآخر الذي تسيره مصالحه أن يعلم أن مصالحه مع العالم الإسلامي مسدودة قنواتها إذا كان يضطهد من اهتدى بهذا الدين من الأفراد والجماعات. إن عقدة الخوف تقيد الأرجل وتطمس على العقول، وتبرر للخائف حلول الاستسلام والمهانة. على العالم الإسلامي أن يدرك قادته وشعوبه أن عليهم أن يتحرروا من الخوف وقبول ما يحاول المستكبرون فرضه عليهم. قال الله تعالى:  (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذي آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين*وليمحص الله الذي آمنوا ويمحق الكافرين ) (54).

إن الشيشانيين ظهروا على مسرح الأحداث لأنهم بمقاومتهم الباسلة، وتقديمهم للتضحيات أجبروا العالم وقوى الإعلام أن يلتفتوا إليهم وأن ينقلوا أخبارهم،  فتبرز مشكلتهم كإحدى المشاكل العالمية التي تهدد السلام العالمي

 والحقيقة هي: أنهم ليسوا وحدهم بين أشداق الوحش الروسي، بل إن كثيرا من مسلمي القوقاز وروسيا الوسطى بين ثقل طبقي الرحى المتسلطة العاملة على طحنهم.

إن قضية الشيشانيين هي كالقضية الفلسطينية في القسم الذي سلمته الأمم المتحدة مغتصبة له من أهله الفلسطينيين وعمرته الصهيونية العالمية بشتات من مختلف الأعراق والجنسيات والحضارات، وبررت قيام دولة إسرائيل وطرد السكان الأصليين من أراضيهم وديارهم ومراتع صباهم ومستودع ذكرياتهم، بررته   بالشرعية العالمية ( شرعية الغاب ). فكلا الشعبين يمثل مأساة الاضطهاد والتشريد والتسلط والاغتصاب.

إن الوحدة الجامعة بين المؤمنين من وحدة العقيدة ووحدة الشريعة ليحمل كل فرد من المؤمنين مسؤولية القيام بما تقتضيه هذه الوحدة من دفاع ونضال لحماية كل مضطهد سواء أكان فردا أو جماعة أو قطرا،  حتى يتمكن كل فرد من حريته في ممارسة ما تقتضيه عقيدته، فشرفه عندما يلتزم تلك الممارسة، وسيبقى الغاصب غاصبا لا يرفع طول مقامه حق من اغتصبه، ولا يخوله أي شرعية.

إن مفهوم الوحدة الإيمانية هو مفهوم لا يؤخذ من نص واحد لأن النصوص الدالة عليه من الكثرة والبيان والوضوح بلغت درجة ارتفع بها إلى مستوى الضروريات التي عبر عنها الأصوليون بحفظ الدين الذي يحتل المرتبة الأولى في مراتب المصالح المعتبرة.

سادسا : السياسيون المعارضون الذين فروا إلى الغرب، وتمكنوا من الإقامة في البلد الذي قبلهم. وهؤلاء بهم شوق كبير للرجوع إلى أوطانهم ويتربصون أول فرصة تسنح لينشطوا داخلها حسب المبادئ التي آمنوا بها

 

المشاكل التي تواجهها الأقليات الإسلامية

القضية الأولى التي تطرح، هي أنه هل لهذه الأقليات من حقوق وما هو سندها؟

هذه الحقوق أقرتها المواثيق الدولية التي التزمت بها دول العالم ووقعت عليها ضمن حقوق الإنسان التي هي سند السلام العالمي.

وبالنسبة للمقيمين في الغرب من المسلمين فإن هذه الحقوق ليست منحة من الرجل الأبيض الثري المستعلي، ولكنها حقوق بذل ثمنها مقدما المسلمون، من دمائهم ونشاطهم الفكري والعضلي.

1)                    إن المسلمين من معظم الأقطار قد أسهموا إسهاما فعالا في انتصار العالم الحر في الحربين العالميتن اللتين هددتا الحضارة الغربية في وجودها، و من أمثلة ذلك ما تحدثت عنه وسائل الإعلام وسجلته وثائق الحرب العالمية الثانية من البطولات والشجاعة والتصميم في كثير من المجابهات العسكرية وبخاصة معركة كاسينو إحدى المعارك الفاصلة التي جرت في جنوب إيطاليا، والتي كانت كتائب شمائل إفريقيا هي التي دحرت العدو واقتلعت النصر وفتحت لجيوش الحلفاء الباب للتدفق إلى الشمال فأحاط فك الكلابة الشرقي بجيوش المحور.

2)                    إن أوروبا بعد أن هدمت الحرب مصانعها وخربت ديارها وقتلت أعدادا كبيرة من عمالها أسعفها العالم الإسلامي بالقوى البشرية التي أسهمت في الصناعة وبناء المساكن وتعبيد الطرق وإنشاء المواني والبنية التحتية بصفة عامة، فالرفاه والثراء والمدنية التي ينعم بها مواطنوها، نصيب واضح منها من صنع المسلمين.

3)                    إن الغرب يحمل وزر الاستعمار من القرن الثامن عشر إلى العقد الأول من النصف الثاني من القرن العشرين.وقد عمل طيلة ذلك الزمن الثقيل على سلب خيرات الشعوب المستعمرة وتعطيل تقدمها الاقتصادي، وفرض عليها أن تكون سوقا لمنتجات المستعمر. فالأراضي الخصبة استولى عليها المستعمرون، والتصنيع الذي أخذت بوادره تظهر وتحول العالم الإسلامي من الصناعة التقليدية اليدوية إلى الصناعة الآلية بما يتبع ذلك من ثراء وامتلاك للتقنيات الآلية قضت عليه. ومن أمثلة ذلك ما وثقه ابن أبي الضياف فذكر أنه في شعبان 1243/1819 تم إنشاء أول سفينة حربية (كرويطة) (corvette)في دار الصناعة بتونس في عهد محمود باشا باي (56) ثم إن المشير أحمد باشا باي أهدى للدولة العلية ( تركيا) في أواخر محرم سنة1258 /1842 هدية لتمكين أواصر الود بين تركيا وتونس منها سفينة حربية من النموذج السابق كما يقول ابن أبي الضياف: كرويطة متمومة بمدافعها وسائر ما يلزمها وهي من عمل تونس. ثم يذكر مشهد تسليمها فيقول: ولما وصلنا القسطنطينية العظمى، قابلتنا الدولة العلية بما يقتضيه فضلها، وقبلت الكرويطة أحسن قبول، وأتاها السلطان عبد المجيد، وطلع إليها وأكل فيها ما أعددناه لتلقيه، وقابلنا في الجفن المعروف بالمحمودية...... ووزير البحر يومئذ طاهر باشا، والصدر الأعظم عزت محمد باشا (57) كما يحدثنا أنه تم إنشاء مصنع للملف (قماش صوفي رفيع) يقول ابن أبي الضياف: وفي سنة 1260/1844تم بناء دار الملف التي أنشأها الباي حذو قنطرة محمد باي بطبربة ( قرية تبعد عن العاصمة 20ميلا) يحرك الوادي آلاتها على أسلوب معجب باعتبار حالة هذه المملكة إذ لم يتقدم مثلها مع ما فيها من مصلحة البلاد وأرخها شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم بما نصه:

  أرحها فقد أبلى السنابك وخـــدها ** وأتعبها غور الفلاة ونجدها

 وألق عصا التسيار إن كنت طالبا** عجائب آثار الملوك تــعدها

ويختمها بقوله:

فجئت بها مع وصف حال مؤرخا ** مصانع ما فوق البسيطة ندها

ويوم تطهرت تونس من رجس الاستعمار لم يكن بها ولو مصنع للإبر

4) إن ثروات الأرض والمعادن قد استحوذت عليها الدول المستعمرة وأضافتها إلى ثرواتها، فتركت أهل البلاد المستعمرة نهبا للفقر والخصاصة،  رصيدهم لبناء اقتصادهم الفقر وقلة ذات اليد، وليس لهم من سبيل إلا الالتجاء إلى الغرب يقترضون منه بالربا. وبهذا ضاقت فرص العمل في بلدانهم. فإذا ما هاجروا إلى الغرب الذي سبق له أن امتص ثرواتهم، فإن ذلك استرجاع لبعض حقهم المسلوب، ولم يأخذوه منحة وإنما هو بعرق الدماغ وعرق الساعد والجبين. فمن الوقاحة ما تصرح به بعض وسائل الإعلام: إن على هؤلا الوافدين   أن يعودوا إلى بلدانهم، وكذلك ما اتخذته بعض الأنظمة من التشجيع على العودة بما يسمونه( منح مساعدة )

 المشاكل التي تواجه الأقليات المسلمة وبعض المقترحات للتغلب عليها

إن القسم الأول من المنحدرين من أعراق غربية سواء أكانوا من العلماء أو من ذالاختيار.السليمة، أومن الذين دخلوا في الإسلام لتسوية أوضاعهم القانونية في الزواج والحقوق المترتبة عليه كالميراث هؤلاء لا يتعرضون لمشاكل كبيرة لكونهم اعتنقوا الإسلام.ولكن هذا لا يعني أنهم بعد أن هداهم الله لا تنتظرهم بعض المشاكل تبعا لهذا الاختيار. على سبيل المثال ما يحملونه من ثقافة صاحبتهم السنين السابقة، والتي تؤثر حتما في اختياراتهم وسلوكهم، وبعضها مما لا ينتبهون إلى ما يشوبه من ترسبات تلكم الثقافة المغايرة للثقافة الإسلامية.ومن ذلك أن محيط علاقاتهم الاجتماعية يتأثر حتما بإسلامهم، فعندما يرغبون في الزواج إن كانوا عزبا، أو أولادهم فإن اختيار القرين يجب أن يخضع لأحكام الإسلام، و يضيق نطاق الاختيار. ومنها مقدار معرفتهم بالأحكام العملية الإسلامية. ومن أفضل الحلول في نظري أن يعتني الطلبة المهاجرون والعلماء المستقرون من المسلمين بهم، وأن يكونوا مؤسسات مشتركة من جمعيات وفضاءات لمختلف أنواع النشاط، فيتم الاتصال ويتعمق الود حسب قانون تأثير المعرفة في قبول الآخر والتفاعل معه,

وأما الأميركيون المنحدر ون من أصول إفريقية والمعبر عنهم بالمسلمين السود فإنهم قد اقتلعوا كثيرا من حقوقهم، وقابلوا تطرف المهاجرين البيض إلى أميركا بتطرف مضاد معتبرين أن السود أفضل من البيض، بل إن بعض طوائف منهم من غير المسلمين ادعوا أن الله أسود لأن الأسود أفضل من الأبيض ولا يكون الإله إلا من الجنس الأفضل. كما انحرف كثير منهم عن الإسلام فكرا وعقيدة وعبادة وينتسبون رغم ذلك للإسلام باعتبار أنه الذي حققوا به ذاتيتهم، وننوه بالحركة التصحيحية لوارث الدين محمد في التزامه بالشريعة الإسلامية مطهرة مما أدخلها عليها والده من تصورات لا أساس لها ولا سند، ومن نبذه للكراهية للجنس الأبيض، وفي ذلك منطلق قوي لما يمكن أن يأتلف بينهم وبين المهاجرين من المسلمين إلى أميركا من وحدة تكون خيرا على المسلمين وعلى الأمير كيين. وذلك لأن جذورهم في أميركا لا تختلف في أصالتها وامتدادها عن أصول البيض، وقدرتهم على استيعاب بني عمومتهم وجلبهم إلى الإسلام أمضى من دعوة المهاجرين من غير السود.

وأما الأقليات من الطلبة المسلمين الذي هاجروا إلى الفيه.استكمال دراساتهم التخصصية، ثم اختاروا بعد التخرج البقاء، واحتلوا مراكز وإن اختلفت في أهميتها إلا أنها في مجموعها مراكز محترمة ولها تأثيرها.إن وضع هؤلاء يختلف حسب نظم ونظرة البلد الذي يقيمون فيه.فقد كان لهم مثلا دور بارز في الولايات المتحدة وكندا قبل الحادي عشر من سبتمبر، وكان اندماجهم في المجتمع الأمريكي الاندماج العقلاني، فهم يعتبرون أنفسهم مواطنين للبلد الذي يعيشون فيه ويعملون على رفاهيته وأمنه، و تُسهم مجهودا تهم الفكرية والإنتاجية في مسيرة الرقي والازدهار. وهم من ناحية أخرى حريصون أشد الحرص على التمسك بهويتهم، معتزون بأعراقهم، يهتمون بمشاكل إخوانهم المسلمين، ويمثلون بسلوكهم وتطبيقهم للمنهج الإسلامي في العلاقات البشرية الصورة المؤثرة في كل من يتابعها. ولعل من أهم مشاكلهم القضايا الأسرية في أولادهم عندما يبلغون سن الزواج، وكذلك المدارس التي تتولى تربيتهم تربية تمكنهم من المستوى المعرفي الذي يفتح لهم أبواب التخصص العلمي والتقني من ناحية ويعنى بالنواحي العقدية والسلوكية والعبادية. وكذلك الفضاءات الإسلامية الاجتماعية   في الجد وفي الترويح. نعم إن بعضهم قد استطاع التغلب على كثير من هذه المشاكل بفضل إخلاصهم وعزيمتهم الفولاذية التي يسندها الإيمان والعلم، وكذلك اغتنامهم لبعض الظروف المواتية عندما سنحت، ولكن هذه المشاكل في مناطق غير قليلة ما تزال قائمة حتى إنها فرضت على بعضهم العودة إلى بلده حفاظا على دين أولاده واستمرار الإسلام في أعقابه.

وأما الأقليات التي هاجرت طلبا للرزق فهي المعضلة الكبرى.

أولا: شعورهم بذاتيتهم مختلف جدا.

فبعضهم معتز بأصوله ملتزم بدينه، مستقيم في سلوكه، وهؤلاء هم القاعدة العريضة للمغتربين همهم في ضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم، سواء أكانوا مقيمين معهم في الغرب أو بقوا في بلدانهم يواجهون الحياة بالتدفقات النقدية من ذويهم.

وبجانب هؤلاء قسم غير قليل منحل، مبهور بالأضواء الراقصة على الواجهات، مغرم بالتقليد في السفا سف و في النواحي السلبية للحضارة الغربية. لا يذكرون الله إلا قليلا وهم عن الآخرة هم غافلون. خرجوا من بلدانهم تعمر أدمغتهم أنانية هابطة، وغرائز عارمة، وصور للحياة الحيوانية تبيح لهم كل سلوك وتدفعهم للفساد والشر. إن هذا الخليط يواجه كله على درجة متفاوتة عوامل التغريب والهضم.

أما النوع الأول فإن مشكلتهم ليست في ضمان حقوقهم في أجورهم وعطلهم ونحو ذلك، فهذا وإن كان هاما إلا أنه في الدرجة الثانية، ويوجد في الغرب من المؤسسات المدنية من يقوم بالدفاع عنهم ويضمن لهم معظم تلك الحقوق، كلما كان دخولهم إلى البلدان الغربية واستقرارهم فيها حسب قوانين البلد، ولكن المشكلة الكبرى هي في عوامل اقتلاع جذورهم، ومسخ ذاتيتهم، وبالتالي انبتاتهم عن المحضن الثقافي الذي يتحقق به وجودهم الإنساني، الذي يحميهم من الضياع والإحساس المر الأليم به، ويجعلهم كالريشة الطائشة في مهب الريح ليس لها قرار.

وأما النوع الثاني فمشكلتهم أعمق، واستعدادهم للالتحاق بطابور الرذيلة والشر والفساد كبير. لا تتوقف جنايتهم على أنفسهم ولكن بكل أسف تتعداهم لتوسع الهوة وعوامل الرفض الكامنة في عدد غير قليل من الغربيين. إنهم بسلوكهم وتحللهم الخلقي يؤيدون الحجة التي يتذرع بها المتعصبون فيجدون من ذلك المبرر لما ينادون بها من وجوب تطهير مجتمعاتهم من الهمجية والجريمة والخوف التي يدعون أنها قد استفحل أمرها بسب الاختلاط الذي نشأ عن الهجرة.

وهؤلاء باعتبار أن شعورهم بالانبتات يطغى على كل رقيب داخلي، ويجردهم من كل حصانة دينية أو خلقية أو حضارية، فإن مشاكلهم من العسر والتعقيد قد بلغت حدا خطيرا. وعلى دولهم، وعلى البعثات الدبلوماسية على مختلف مستوياتها وعلى الجمعيات الإسلامية في الغرب، عليهم جميعا أن يحللوا هذا الوضع تحليلا موضوعيا، ثم من المتحتم أن تتآلف جهودهم لتحويل خط سير هؤلاء شيئا فشيئا، والدواء الأول هو ضبط مراكز تواجدهم والاتصال بهم، وإعادة غرس الانتماء في ضمائرهم. إنها مهمة ليست سهلة ولكنها شاقة وعسيرة تفاقمت بتراكم إهمالها وتضخم العدد. إن جميع الصعوبات يمكن تذليلها والتغلب عليها متى صدقت العزائم وقوي الإخلاص وحسن التوكل والاعتماد على الله.

  وبجانب مشكلة الهوية المهددة جملة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تقتضي الدراسة والتأمل والسعي الجاد والمتتابع الصبور للظفر بالحلول، ثم العمل على تنفيذها.

تتمثل الهوية أولا في مساعدة الفرد على ممارسة حياته حسبما تقتضيه عقيدته، فلا يفتن في عبادته ولا فيما يتناوله من الأغذية ولا في إجراء   حياته الأسرية على القيم التي يؤمن بها.

وتتمثل الهوية ثانيا في لغته، إذ اللغة هي مجلى أفكيتلوه.افته، ووسيلته للاتصال مع بني جنسه، ومع دينه، ومع تاريخه.تظهر بصفة خاصة هذه الإشكالية في الجيل الثاني وما يتلوه. فإذا كان المهاجر الأول قد هاجر وهو يحذق لغته، فإن الجيل الثاني وما يتلوه بعامل الدراسة، وبعامل البيئة، وبوسائل الإعلام القوية الغازية، يكون عاجزا عن التلقي أو الإبلاغ باللغة الأصلية لأسرته.وبعجزه ذاك تتقطع الروابط بينه وبين البلد الذي هاجر منه والداه، ويسلخ ثقافيا سلخا مشوها.

لقد نما عدد المسلمين بالغرب نموا مطردا من النصف الثاني للقرن الماضي. ولتحقيق فاعليتهم في المجتمعات التي يعيشون فيها لا بد لهم من تنظيم حياتهم الاقتصادية تنظيما يوفر لهم الرفاه المادي من ناحية و يمكنهم من التأثير في المجتمع الغربي الذي يقوم على سلطان المال. هم في حاجة إلى استقرار في بيوت يملكونها، ومن موارد مالية تساعد أولادهم على المضي في الدراسة إلى المدى الذي تسمح به مؤهلاتهم.

وفي هذا الباب لا غنى لهم عن التكتل الاقتصادي بإقامة مشاريع اقتصادية يسهمون فيها بما يوفرونه، وإيقاظ روح التعاون فيما بينهم.

إن الأقليات الإسلامية لا بد لها من تنظيم علمي محكم للنواحي الاجتماعية التي تمكن لها من الاحتفاظ بهويتها كالمساجد، وتأسيس الجمعيات التي يعودون إليها في الشدة والرخاء في المنشط والمكره.وأول شيء ينبغي العناية به هو التعليم، هو إنشاء المدارس والعناية ببرامجها عناية تفرز العقل البصير والروح المستنير و الخلق القويم والجسم السليم . لقد أسس اليهود في سنة 1860 المدرسة اليهودية L ALLIANCE  ISRAILITE ضبطوا برامجها ونشروها في جميع البلدان التي يوجد فيها تجمع يهودي وتم الاحتفال بمرور مائة سنة على إنشائها سنة 1960 –  ويكفينا حافزا للعناية بأمر التعليم أن أول آية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم *علم الإنسان ما لم يعلم)(57).

وهذا وفي خاتمة هذا البحث المتواضع أريد أن أنهيه بجملة من المقترحات الأساسية.

1)                    الاهتمام بضبط الواقع كما هو. وذلك بالقيام بإحصاء دقيق وعلمي يعرف من تهمه قضية الأقليات الإسلامية بعددهم في كل بلد يقيمون به، ذلك أن كل بحث وكل مجهود يكون ناقصا أو منحرفا إذا لم يتم حصر من يهتم به العامل في الميدان. يذكر الأمير شيكيب أرسلان في رسالته إلى أكرم زعيتر: ومن الغريب أن الإفرنج ينظرون إلى الإسلام في كل محل كأنه ساكن بقعة واحدة، وهم يجسون نبضه في كل قطر حتى يعرفوا كيف يعاملونه في القطر الإسلامي الذي تحت ولايتهم. تأمل إن فرنسا أرسلت بعثة طويلة عريضة أنفقت عليها أموالا لأجل البحث عن أهمية الإسلام في الصين، وهل هو هناك كثير العدد كما يقال أم لا ؟ لأن الأقوال اختلفت. فأنت ترى أنها لأجل سياستها في مسلمي المغرب تريد أن تزن قوة الإسلام حتى في الصين....إذ هم لا يعلمون الإسلام إلا كتلة واحدة. ومثل فرنسا إنكلترة وهولاندة والروسية وإيطالية وإسبانية والجميع (58)

2)               التتبع العلمي لجميع القوانين الداخلية والأممية التي تكون سندا لضمان حقوقهم.

3)               مساعدة الأقليات على بعث جمعيات مدنية تدرس المشاكل العامة والخاصة وتقوم بما تحتاج إليه تلك الأقليات للاحتفاظ بهويتهم ولتنمية اقتصادهم، ولتمكينهم من فضاءلت مختلفة لإبراز هويتهم من ناحية ولتمكين التعارف بينهم من ناحية ثانية، وللترويح عن أنفسهم من جهة ثالثة.

4)              العمل على أن تقوم العلاقات   على الانتماء للإسلام الموحد لا الانتماء القطري المتعصب الذي كان سببا لفشل كثير من الجمعيات. فتسند مثلا مسؤوليات العمل في الجمعية المسلمة للكفاءة التي للفرد. ليكونوا دوما تحت راية قوله تعالى: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون (59) وقوله تعالى (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (60) لقد تابعت تمزقا مؤسفا في بعض الجمعيات في الغرب دفعه التعصب من أتباع بلد رغبة في أن يستحوذوا على تسيير الجمعية.

5)              أن يتحلى المدافع عن القضايا الإسلامية بأدب الخطاب، وأن لا يعنف في حديثه لا في الصيغة ولا في الكيفية ولا في المضمون. فقد استعمت إلى عدد غير قليل من المخلصين المتحمسين لقضايا الأقليات الإسلامية، وكان خطابهم لم يخل من الكلمات الجارحة، (الظلم والاستبداد وعدم الحياء) إلخ وترتفع أصوات بعضهم إلى مستوى الصخب.   والحجة تضعف بالصياح وتقوى بالإلقاء الرصين لأن الأول رشح العاطفة والثاني سبيل العقل الهادىء المؤثر. وعلى المدافع أن يعلم أنه ليس محاكما للأنظموحججه.ية،  هي أنظمة رضي بها أهلها، والأقليات الإسلامية ترغب في الحياة داخل هذه الأنظمة، وما اختارت الانتقال إلى الغرب إلا لمزايا في الغرب، فليبرز المدافع هذه المزايا ويؤكدها، ويجعلها تقتضي أن لا يصحبها ما تتألم منه الأقليات الإسلامية.إن الهجوم يوقظ في الطرف الآخر رفض المهاجم وحججه. لقد علم الله نبيه والمؤمنين كيف يتألفون قلب من يدعونه بإظهار ما يوحد بينهم فقال تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنز إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون(61)

6)              أن يتم على نطاق واسع تبصير الأقليات الإسلامية بأن عليهم أن يجمعوا بين الإخلاص لهويتهم، وأصولهم الثقافية، وانتمائهم إلى الجامعة الإسلامية والقومية، وبين الإخلاص للبلد الذي يعيشون فيه ويتقاسمون أرضه وخيراته مع بقية المتساكنين، فيكونون حريصين جد الحرص على نمائه واستقراره وأمنه ورفاهيته، وأن يشاركوا المشاركة الفعالة في جميع القضايا التي تكون محل اهتمام جميع المتساكنين، حتى يظهر منهم من الواقع المطبق أنهم يعيشون في المجتمع لا على هامشه، وأن لهم الدور الفاعل في نجاح المجتمعات التي أووا إليها. وأن يهدفوا إلى بلوغ المناصب التي تخولهم الإصلاح والعدل من الداخل. وفي التجربة اليهودية ما يوضح ما ذكرته، لقد مضت قرون على المسيحيين وهم يعاملون اليهود معاملة قاسية، ينظرون إليهم باحتقار ويقرنون اليهودي بالقذارة فشاع في استعمالهم: يهودي قذر. sale juif . واستطاع اليهود اليوم أن يفرضوا احترامهم على جميع الشعوب الغربية، إن لم أقل جعلوا الغربي يخشى ويحذر أن يتجرأ حتى على معاكسة مخططاتهم أو نشر الحق الذي لا يرضون عنه، فضلا عن إذايتهم.

7)              أن تهتم منظمة المؤتمر الإسلامي بتتبع الوضع الذي عليه المسلمون في كل بلد يكونون فيه أقلية ز فتضبط عددهم،  وتتعمق مشاكلهم، ثم تعد تقريرا عنها وعن الحلول التي يمكن أن تساعد على حلها.

8)              أن تضع مقدما استراتيجية لهذا العمل بعقد اجتماع مع وزراء الخارجية للدول الإسلامية تلتزم فيه كل دولة بأن تكلف كل بعثة دبلوماسية لها بتقديم تقرير عن دراستها لوضع المسلمين في نطاقها، ثم تقوم المنظمة بتقرير تأليفي يحدد الواقع بوضوح، من حيث الإنجازات التي تمت والاحتياجات مرتبة حسب أهميتها، و العدد الحقيقي أو القريب من الواقع لها. والمشاكل حسب درجة أهميتها.

9)              أن يكون للمنظمة مدونة تجمع فيها كل القرارات الأممية التي اتخذت لفائدة الأقليات. وكذلك القوانين المحلية، ما هو في صالحهم وما هو في غير صالحهم.وأن ترفق استراتيجيتها السابقة باستراتيجية للدفاع عن حقوق الأقليات بالاعتماد على الموجود من القوانين والتراتيب وبالعمل على استحداث ما يوائم تلكم القوانين والمبادئ ونسخ ما يتناقض معها.

10)          أن يقدر تقديرا علميا نمو الأقليات الإسلامية من ناحيتين: ناحية التكاثر الطبيعي، وناحية من سيلتحقون بالغرب في السنين القادمة. وهذا المنفذ أرى في الأفق نزول الستائر الحديدية العازلة والمانعة من تدفق المسلمين للعمل في الغرب، رغم افتقار دول الاتحاد الأوروبي حسب التوقعات إلى ما يقارب خمسة وعشرين مليونا من المهاجرين لضمان تطور الصناعة مع عامل الشيخوخة و الهرم لهذه المجتمعات، وذلك بالاستعاضة عن المسلمين بالمواطنين للدول الشرقية التي كانت تعيش في فلك روسيا، وانتشار البطالة بين مواطنيها. فعلى منظمة المؤتمر الإسلامي أن تعمل على مواجهة هذا التحدي، باعتبار أنه يؤثر في اقتصاد عدد غير قليل من الأقطار الإسلامية، وباعتبار أن نشر الإسلام في العالم من أهم طرقه هذا التمازج بين المسلمين وغيرهم في بلاد الغرب.

11)         العناية بإنجاز برنامج تربوي يرعى المستوى المعرفي الذي يجب أن يكون مساويا على أقل تقدير لمستوى المدارس الحكومية، وأن تضمن مواده التحصيل على القاعدة الأساسية لربط التلميذ بثقافته وتحفظ هويته.ثم العمل على إنشاء المدارس في الأماكن التي تتجمع فيها الأقليات الإسلامية. يسهم في إنجازها أصحاب اليسار من الأقليات ومن أثرياء العالم الإسلامي. ويبحث إمكان أن يكون بعضها مؤسسات اقتصادية تدر ربحا.

12)         أن تبعث جمعيات من العلماء المتميزين المقيمين في الغرب يتولون النابهين من التلاميذ المسلمين بالمساعدة ليتمكنوا في نهاية تعليمهم الثانوي أو في المراحل الأولى من التعليم الجامعي من النجاح في المناظرات للدخول إلى المدارس العليا، وإلى الالتحاق بالاختصاصات الفنية التي يختار لها الموهوبون. وذلك أنهم بتمكنهم من متابعة تعلمهم بهذه المدارس يكون منهم إطارات عليا في مختلف أنواع النشاط الحكومي والاقتصادي، كما يرتبط بينهم وبين النخبة صلات تصل بهم إلى مراكز مرموقة ومؤثرة تخدم قضايا الأقليات بصفة خاصة، وقضايا العالم الإسلامي بصفة عامة.

هذا ما يسره الله لي في متابعة هذا الموضوع الممتد الأطراف المتعدد الجوانب. نحوت في تحريره منحى من حاول إلقاء نظرة شمولية بعيدة عن التفصيل و التعمق والتدقيق. والله أعلم وأحكم. وهو حسبي ونعم الوكيل. نعم المولى ونعم النصير. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

ملــخص البحــث

اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد ما بنى الدولة الإسلامية بضبط حقوق كل المقيمين في الفضاء الإسلامي. وكانت هذه سنته كلما توسعت علاقاته وامتد نور الإسلام، يضمن دائما لكل فرد حريته وكرامته. وأعطى للوفاء بذلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة المؤمنين لكل من يعيش داخل الدولة الإسلامية وإن رفض الدخول في دين الله وهم أهل الذمة. كما ضمن لمن يريد النشاط داخل حدود الدولة أيضا، الأمان على نفسه وماله وعرضه وجميع حقوقه في حدود المدة المتفق عليها مع المستأمن.

والتعامل مع غير المسلمين في التجارة و غيرها لم ينقطع منذ العهد النبوي، وأما الاستعانة بغير المسلم في القتال فذلك من مواقع الخلاف بين الفقهاء، ولذا فإن المصلحة التي جاء بها شرع الله هي التي تحكم في الواقعة المعينة فينظر في كل حالة على انفرادها.

أما إقامة المسلم في غير دار الإسلام فإن إقامتهم إذا أمنوا على دينهم، فهي مصلحة كبرى للجامعة الإسلامية وخاصة في نشر الإسلام إذا التزم المسلمون السلوك الذي سار عليه الصالحون.

والأقليات الإسلامية لم يقع إلى حد اليوم حصرها حصرا دقيقا ولا قريبا من الدقة مما يفرض العناية بذلك حتى يكون المهتمون بأمر تلكم الأقليات على بينة في   ضبط الاستراتيجيات الفاعلة لحل المشاكل التي تعترضهم.

والأقليات الإسلامية أنماط يمكن حصرها في المجموعات التالية.

أولا : أبناء الأمم الغربية في أوروبا وأميركا الذين هداهم الله للإسلام من العلماء والمفكرين، أو من الذين يسر الله لهم الاختلاط بصالحي المسلمين فشاهدوا من استقامتهم وأمانتهم ما حبب إليهم الإسلام وزينه في قلوبهم، أو من الذين أسلموا ليتمكنوا من الزواج بمسلمة,

ثانيا : من نشأوا في أميركا من المنحدرين من الأصول الإفريقية الذين استعبدوا ليقوموا بتعمير القارة الجيدة. وهؤلاء منهم من ينتسب إلى إسلام كما رسم صورته من خياله، ومنهم من يتمسك بالإسلام النقي من الدخيل والهوى.ولهم جمعيات عديدة نجح بعضهم نجاحا اقتصاديا مرموقا. وهم بانتسابهم للإسلام يمثلون قوة للأقلية المسلمة في أميركا. وعلى الأقلية المسلمة أن تتعاون معهم وتصحح شيئا فشيئا ما يستدعي التقويم بالحكمة والموعظة الحسنة.

ثالثا : المهاجرون من المسلمين إلى الغرب طلبا للرزق تضخم عددهم بسبب قرب أوروبا من كثير من مناطق العالم الإسلامي وبسبب استعمار الغرب لبلدانهم، وللدمار الذي لحق بأوروبا من الحرب العالمية الثانية وحاجتها للقوى العاملة لتنهض باقتصادها، ولضعف الاقتصاد القومي عن تشغيل العدد الكبير من البطالين. وللأجور المغرية التي تتجاوز بكثير أجور بلدانهم. وقد شجعت الدول أبناءها على الهجرة لتحل بذلك مشاكلها الاقتصادية من ناحيتين، تشغيل البطالين الذي يمثل مشكلة اجتماعية إن تفاقمت أنذرت بالخطر، ولتغذي رصيدها من العملة الصعبة بما يتدفق منها نتيجة ما يوفره المهاجرون من أجورهم لأسرهم.

وهؤلاء يعانون من مشاكل عديدة أخطرها الذوبان ومسخ هويتهم، وخاصة بالنسبة للجيل الثاني وما يتلوه. والسقوط في الحياة الهامشية المنحرفة لمن تسلل منهم إلى أوروبا مخترقا قوانين الهجرة.

رابعا :الطلبة الذين التحقوا بالغرب لمواصلة تعلمهم العالي، ثم استقروا في الغرب بعد أن أتموا دراستهم ومنهم الإطارات العليا. وقسم غير قليل منهم كان لهم بحمد الله نشاط وتأثير إيجابي. وعليهم المعول في إعطاء الصورة المثلى للمسلم الحق الصالح، وخاصة في أميركا الشمالية.

خامسا: المناطق الإسلامية التي استولت عليها دول غير إسلامية وضمتها لترابها فأصبح المسلمون أقلية بالنسبة للمجموع العام الذي تتكون منه الدولة. وهؤلاء قد بذلوا من التضحيات الشيء الكثير. وهم وإن كانوا يتمتعون بالعطف العالمي إلا أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فقدوا ذلك العطف وصنفوا في إطار الإرهابيين مما يفرض على المسلمين أن يناصروا إخوانهم المضطهدين.

سادسا : السياسيون الذي فروا من بلدانهم خوفا من التعذيب والسجون.وهؤلاء يتربصون أول فرصة تفتح لهم باب العودة لأوطانهم.

وتتنوع المشاكل التي تواجه الأقليات الإسلامية تبعا لخصائص كل فئة.

فالمسلمون المنحدر ون من أصل غربي لا يواجهون مشاكل كبرى.

أما المسلمون المهاجرون فإن الطلبة الذي آثروا البقاء في الغرب بعد التخرج معظمهم أقدر على التأقلم والتأثير في المحيط الغربي. وعليهم المعول في حل كثير من المشاكل التي يعاني منها إخوانهم، وكما أنهم خير دعاة للإسلام في محيطهم الجديد.

أما المهاجرون من العمال ومحدودو الثقافة فهم معرضون للذوبان وضياع هويتهم كما أن مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية تحتم عليهم أن يبعثوا في محيطاتهم مختلف أنواع الجمعيات التي تعينهم على تحقيق حياة مستقرة. ولمنظمة المؤتمر الإسلامي الدور الكبير في التوجيه والمساعدة.

 

 

الهوامش:

_______________

1)  المعجم الوسيط ج2ص758

2)  Encarta   2004

3)  نفس المصدر

4)  الروض الأنف شرح سيرة ابن هشام ج4 ص241/243/295 والأموال لأبي عبيد215/219

5)  سيرة ابن هشام ج4ص259

6)   نفس المصدر ص266

7)  التحرير والتنوير ج17ص223/2224

8)  سورة التوبة آية 20

9)   الموطأ شرح المنتقى ج2 ص 173

10)                      فتح الباري ج7 ص 69

11)                      المنتقى شرح الموطأ ج2 ص173

12)                      نفس المصدر

13)                      مشارق الأنوار ج2 ص246

14)                      فتح الباري ج 7 ص77

15)                      الجامع لأحكام القرآن ج8 ص115

16)                       سورة الإسراء آية 70

17)                      الجامع لأحكام القرآن ج8ص113

18)                       الأموال لأبي عبيد ص 140        الأحكام السلطانية ص 145

19)                      المنتقى ج 2 ص175

20)                      تفصيل ذلك ودليله انظر الهداية على بداية المجتهد ج6 ص96/99

21)                       الأموال لأبي عبيد ص55

22)                      شرح الزرقاني على مختصر خليل ج 3 ص142

23)                      الأموال لأبي عبيد ص 50/51

24)                       المنتقى ج 2 ص176/177

25)                      الموطأ ح 367  ج 1 ص 377

26)                      سورة التوبة آية 6

27)                       الجامع لأحكام القرآن ج 8 ص 76/77

28)                      متفق عليه فتح الباري ج13 ص 275

29)                      رد المحتار ج 3ص249 نقلا عن فتح القدير

30)                       المدونة ج 3 ص 77/79

31)                       إكمال الإكمال ج5ص191

32)                      شرح النووي على صحيح مسلم ج7 ص488وابن عابدين ج 2 ص235

33)                      شرح الزرقاني على مختصر خليل ج 3ص 148

34)                      بدائع الصنائع ج6 ص 112/113

35)                      ابن عابدين ج 3 ص253

36)                      سورة النساء آية 92

37)                      الموسوعة الفقهية الكويتية ج 20ص206/207

38)                      التحرير والتنوير ج5ص178/200

39)                      سورة النحل آية 106

40)                      الجامع لأحكام القرآن ج 10ص 182/183

41)                      الأمة الإسلامية وقضاياها المعاصرة للشيخ عبد الوهاب عبد الواسع ص 341

42)                      محمد الرياني الوجيز في جغرافيا العالم الإسلامي ص46

43)                      الأقليات المسلمة في العالم ظروفها المعاصر ة ص 406

44)                      نفس المصدر ص 407

45)                      حاضر العالم الإسلامي ج 3ص 365/366

46)                      Encarta  2004

47)                       نفس المصدر

48)                       المسلمون في أميركا بحث الأستاذ قطبي مهدي أحمد ص 33

49)                      نفس المصدر ص33/34

50)                      نفس المصدر ص 36/37

51)                      Encarta2004

52)                      المسلمون في أميركا ص26/28 بحث د قطبي مهدي 0

53)                      ENCARTA2004 باختصار141

54)                      سورة آل عمران آية 139/140

55)                      إتحاف أهل الزمان ج 3 ص 129

56)                      نفس المصدر ج 4 ص 58/59

57)                       سورة القلم 1/5

58)                       رسالة الأمير شيكيب بخط يده ملحقة بالمحاضر الحكم أمانة ( المكتب       الإسلامي )

59)                      سورة الأنبياء آية 92

60)                      سورة   المؤمنون آية 52

61)                       سورة العنكبوت آية 46