موقف القرآن الكريم من تكفير المسلمين وإباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم

موقف القرآن الكريم من تكفير المسلمين وإباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم

 

 

موقف القرآن الكريم من تكفير المسلمين وإباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم

 

الشيخ طالب حسين الخزرجي

إمام المركز الإسلامي في البرازيل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " فصلت - 33

       الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين المصطفى الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ابن عبد الله (ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

       السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وتحياته ورضوانه ونسأله تعالى أن يحفظكم ويتقبل أعمالكم ويوفقكم ويسدد خطاكم لما فيه رضاه إنه نعم المولى ونعم النصير.

       نهنئكم والعالم الإسلامي بأسمى آيات التهاني والتبريك بمناسبة ولادة منقذ البشرية النبي العظيم والصادق الأمين محمد ابن عبد الله (ص) وحفيده وحامل علومه الإمام جعفر ابن محمد الصادق (ع) وأسبوع الوحدة الإسلامية سائلين الله سبحانه وتعالى أن يمن على المسلمين جميعاً بالوحدة والعزة والكرامة والقوة والانتصار ويهزم أعدائهم ويذل مناوئيهم ويذيقهم الذل والهوان والهزيمة والاندحار والانكسار.

       و نتقدم بأسمى الشكر  والتقدير والثناء للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الذي يسعى دائماً ومنذ تأسيسه ببذل الجهود الكبيرة والمستمرة على إقامة وإحياء اللقاءات النافعة والمؤتمرات التقريبية الراقية والتي نسجلها لهم بكل فخر وإجلال واحترام وتعظيم وبالأخص بشخص أمينه العام سماحة العلامة الجليل آية الله الشيخ محسن الأراكي (حفظه الله) هذه اللقاءات التي يجتمع فيها ثلة ونخبة من علماء الأمة الإسلامية ومفكريها ومثقفيها وكتابها من مختلف المذاهب الإسلامية ومن أصقاع الأرض ليتناولو ويتدارسوا ويبحثوا ما يهم أمتنا الإسلامية والسبل التقريبية بين أبنائها والتنسيق والتعاون وتبادل وجهات النظر،  وما يحاك ضد الإسلام والمسلمين من مؤامرات وتحديات تستهدف هويتهم وكيانهم ورسالتهم ولنا شرف المشاركة في المؤتمر السابع والعشرين للوحدة الإسلامية تحت عنوان " القرآن العظيم ودوره في توحيد الأمة الإسلامية " ونشد على أيدي سماحة شيخنا الجليل والعاملين معه في المجمع معلنين جاهزيتنا وتأييدنا لما يقومون به من مواقف رسالية جامعة راجين الله سبحانه وتعالى أن يتقبل أعمالهم بأحسن القبول ويوفقهم للمزيد من التوفيق والتسديد في توحيد هذه الأمة إنه نعم المولى ونعم النصير.

       قال الله تعالى في سورة النساء آية 93: " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ".

       لقد أكدت عموم الرسالات السماوية بأجمعها والرسالة الإسلامية بالخصوص على احترام النفس البشرية وحرمة دم الإنسان وتعظيمها وتكريمها وتبجيلها، واعتبر الإسلام أن الإنسان هو أعظم قيمة في الأرض وأكرمه الله سبحانه وتعالى بأعلى وأسمى الدرجات. يقول تعالى في كتابه الكريم في سورة الإسراء آية 70: " ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا  "  وهيأ له كل أسباب ذلك لديمومة حياته على أفضل وأحسن وجه مسخراً له كل شيء لأعمار الأرض وبنائها وتطويرها وتقدمها والاستفادة منها وما أودع الله فيها من خيرات وبركات وبناء المجتمع بناءاً قوياً والحفاظ على الطبيعة والمحيط الذي يعيشه على أساس الدستور الإلهي الثابت وتعاليم القرآن الكريم وجعل الله ذلك ديناً يدان به الناس إلى يوم القيامة وتعظيم الإنسان هذا بغض النظر عن دينه وانتمائه العقائدي المختلف فحرم كل أنواع الظلم والعدوان والتعدي على الناس وسلب الأمن والأمان منهم وترويعهم وإذلالهم وهدر كرامتهم وأن الإسلام الذي أكد على الرحمة للحيوان فحرم تعذيبه أو ضربه أو قطع عضو من أعضائه وهو حي فكيف بالإنسان الذي يعتبر أفضل مخلوقات الله وأكرمها وأعظمها وبالأخص الذي يتشرف بالإسلام ويصبح مسلماً بتشهده الشهادتين " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " ولا ينكر ضروريةً من ضروريات الدين يحقن ويحفظ بذلك دمه وعرضه وماله وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم.

       و حرم تحريماً شديداً وقاطعاً قتل النفس البشرية من غير حق وجعلها من الجرائم الكبرى وأساس العدوان لأنها إعتداءٌ على الله سبحانه وتعالى وعدوان على البشرية جمعاء.  وقد اعتبر الإسلام أن أقبح أنواع الظلم وأكبر الجرائم وأفدحها خطورةً (القتل وسفك الدماء) قال تعالى في سورة المائدة: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿٣٢﴾ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴿٣٣﴾ "

       و بذلك يريد القرآن الكريم أن ينبهنا بالخطر الذي يهددنا جميعاً ويزرع الخوف والرعب فينا ويسلب الأمن والأمان منا ألا وهو القتل وسفك الدماء وهتك الحرمات دون وازع إنساني أو ديني أو قيمي أو أخلاقي كما ويأمرنا ويحذرنا بتجنب القتل والحذر منه وعدم اللجوء إليه حتى على نفسه فلا يحق للإنسان الإعتداء على نفسه أو الإضرار بها أو التجني عليها بالقتل. يقول تعالى في سورة النساء آية 29: " ... وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ". ويقول الرسول (ص): " من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة " ويقول الإمام الصادق (ع): " من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها ".

       أيها الإخوة الكرام، لو تصفحنا تاريخ الحكام الذي تسلطوا على أمتنا الإسلامية بالقوة والإكراه والعدوان ودرسناه جيداً لرأينا أن الدماء التي سفكت وأريقت والأرواح التي زهقت والأموال التي انتهبت والأعراض التي انتهكت والدور التي هدمت على ساكنيها وسلب حقوقهم وهدر كراماتهم وغيرها من الجرائم التي تندى لها الإنسانية هي في الواقع بعيدة كل البعد عن ديننا وقيمنا ومثلنا وأخلاقنا وسيرة نبينا محمد (ص) وما هي إلاَّ تعبير عن ذوات مريضة وأنانية وخسيسة ودنيئة تمثلت بهؤلاء المتسلطون وهي تعبير عن روحٍ إجرامية تلبست بهم ولأسباب دنيويةٍ وسياسيةٍ وتسلطيةٍ بحته كان يقوم بها هؤلاء الحكام الظلمة والمستبدون ومن يدور بفلكهم ذلك لإشباع نزواتهم الشخصية ومنافعهم الذاتية المقيتة واستجابةً لأرواحهم الشريرة والقاتلة وجهوا وسخروا الدين والفقه والأحكام في هذا السبيل، وهنا نسجل ملاحظةً فنقول إنَّ من الخطأ الفادح أن يحسب هؤلاء الظلمة على الإسلام بل هو تجني على الإسلام والمسلمين لأن هؤلاء ركبوا موجة الإسلام وتلبسوا بزيه وتظاهروا فيه وهم في الحقيقة والواقع مجرمين قتلة إنضووا تحت لواء الإسلام ظاهراً وأضمروا له العداوة البغضاء والحقد باطناً فشوهوا معالم الدين وقيم الإسلام ومثله العظيمة وبالتالي ملاحقة رجالاته وأصفيائه والأبرياء من أبناء الأمة وقد أسسوا بمنهجهم هذا مدرسةً للإرهاب ومنهجاً للقتل والعدوان ومنهجاً لتكفير المسلمين وإباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

       أيها الإخوة الأعزاء، إن الإسلام يعظم الدماء ويحترم الأنفس والأموال والأعراض ويسعى أن لا تسفك قطرة دم من غير حق.  يقول الرسول الأعظم (ص): " لزوال الدنيا جميعاً أهون على الله من دم سُفِكَ بغير حق "  وإنَّ أول ما يحاسب الله العباد عنها فيقول (ص): " إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء " ذلك لحرمتها وعظمتها ويقول الرسول (ص): " أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف إبنا آدم فيفصل بينهما ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد، ثم الناس بعد ذلك حتى يأت المقتول بقاتله، فيتشخب في دمه وجهه فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته؟ فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا ".

       و يقول النبي الأعظم (ص): " لا يزال قلب العبد يقبل الرغبة والرهبة حتى يسفك الدم الحرام فإذا سفكه نكس قلبه صار كأنه كيرٌ محمٍ أسود من الذنب لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا " ويقول الإمام الصادق (ع): " أوحى الله إلى موسى بن عمران أن يا موسى قل للملأ من بني إسرائيل، إياكم وقتل النفس الحرام بغير حق، فإنَّ من قتل منكم نفساً في الدنيا قتلته مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه ".

       فالقاتل بفعله الشنيع هذا ينقلب على نفسه وضميره وإنسانيته ويشن حرباً على الله وعلى رسوله وعلى البشرية جمعاء وينشر الإرهاب والرعب والفساد في الأرض. يقول تعالى في سورة الإسراء                              آية 33: " وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا " .

       أيها الإخوة والأخوات، إن الله سبحانه وتعالى أراد للبشرية أن تسمو بإنسانيتها وتعيش حالة من التعايش الأخوي والترابط الإجتماعي وتقوية العلاقات بالمحبة والألفة والأخاء وتتعاون في إحلال السلم والسلام بين شعوبها والوقوف سداً منيعاً أمام أي عدوان يستهدفها.

       و لظاهرة التكفير وإباحة الدماء والأموال والأعراض التي تنتشر بإسم الدين أسباب عديدة كما نراها:

       1- الجهل وعدم المعرفة

       الذي يعتبره الإسلام أساس كل شر وهو من أكبر العوامل التي تحول الإنسان إلى آلة ومطية يسوقها الآخرون فيميل الجاهل مع كل ريح ليس له رأي ولا صوت ولا قرار ويتحول بذلك إلى سيف من سيوف أهل الباطل والرذائل ويصبح جندياً مطيعاً لتنفيذ مآربهم ومؤامراتهم، والجهل بأحكام الدين والثقافة الإسلامية أشد أنواع الجهل خطورة هذا من جهة ومن جهة أخرى الجهل بالطرف الآخر وعدم معرفته حق المعرفة ما يؤدي إلى معارضته والوقوف بوجهه، وقد حارب الإسلام الجهل محاربةً شديدة منذ بزوغ فجر الرسالة الإسلامية فقد وردت أحاديث كثيرة عن الرسول (ص) وآل بيته (ع) بذلك منها:

       " من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع والمعارضة قبل أن يفهم، والحكم بما لا يعلم "

       " إنَّ قلوب الجهال تستفذها الأطماع، وترهنها المنى، وتستعلقها الخدائع "

       " لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا لم يجحدوا ولم يكفروا "

       " لا تعادوا ما تجهلون فإن أكثر العلم فيما لا تعرفون "  

       2- التعصب للرأي

       و هو من الأسباب التي تلغي الآخر وعدم الإعتراف به وتنفي حقه في الحياة وتصادر حقوقه وتسلب حريته ورأيه وكرامته، ويعتقد المتعصبون أنهم على حق دائماً وغيرهم على باطل. وهذا من دواعي الإنغلاق عن الآخر وعدم الإنفتاح إليه وسماع رأيه على أساس من الحوار الهادئ المثمر الذي يفتش عن الحقيقة، والإعتزاز بالرأي والمتعصب لفكره ورأيه يمنع نفسه من الوصول إلى الحق والحقيقة. ويعلمنا القرآن الكريم ذاكراً موقف رسول الله (ص) وأسلوب دعوته مع المشركين وحواره معهم فقد ورد في سورة السبأ آية 24: " ... وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " فالرسول الأكرم (ص) مع يقينه أنه على حق وتسديده من الله سبحانه وتعالى يعطينا بذلك درساً بليغاً على أن الحقيقة ثمرة الحوار ويجب أن يكون مطلب المتحاورين. فحينما يبتلى الإنسان بمرض التعصب بالرأي يغلق على ذاته آفاقاً واسعة كثيرة ونافعة وبالنتيجة يصل المتعصب إلى درجة عالية من الإنغلاق فينتقم من الآخر ويحكم عليه بالتكفير والضلال ويخرجه عن ملة الإسلام. وقد نبهنا الإسلام عن ذلك في أحاديث كثيرة فقد ورد عن الرسول (ص) وآل بيته (ع):

       عن الإمام علي (ع) " الإستبداد برأيك يزلك ويُهَوِّرُكَ في المهاوي "

       وعنه أيضاً (ع): " المستبد متهور بالخطأ والغلط "

       وعنه أيضاً (ع): " من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها "

       وعنه أيضاً (ع): " إتهموا عقولكم فإنه من الثقة بها يكون الخطأ "

       وعنه أيضاً (ع): " من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ "

       وعن الصادق (ع): " ثلاثة يستدل بها على إصابة الرأي: حسن اللقاء، وحسن الإستماع، وحسن الجواب "

       3- تزوير الحقائق

       و هو أشد من أنواع الكذب والإفتراء، وهو خلاف القيم الأخلاقية والأمانة العلمية الصادقة في النقل والتأويل ولا يلجأ إلى هذا السبيل والتزوير إلاَّ من فقد كرامته وانحطت نفسه فلا يملك الثقة والحجة والدليل القاطع فيلجأ إلى تشويه الآخر بكل الطرق وهذا من الأسباب التي تثمر نتائج سلبية وخطيرة، فحينما تصل المعلومات بشكل مشوه وغير صحيح وتتراكم في ذهن الإنسان يتخذ موقفاً على أساسها ويحكم على الآخر بسرعة دون تروٍ وكم يشهد التاريخ والواقع من وقوع فتن كبرى ومشاكل عظمى وهتك للأعراض وحروب ودمار نتيجة ذلك ولا سيما في وقتنا المعاصر الذي يشهد توسعة في الوسائل الإعلامية المتنوعة التي تُسَخَّر من خلال نهجها المنحرف لتزوير الحقائق ونشر  الشائعات والتهم والأباطيل يهدفون من وراءه تغيير الرأى العام لصالحهم. وقد نهانا الإسلام عن ذلك وحرمة الإسراع في إصدار الأحكام والتريث فيها وخاصة فيما يخص الدماء والأعراض والأموال. يقول تعالى محذراً في سورة النساء 46: " نَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّـهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا " ويقول تعالى في سورة البقرة آية 42: " وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " ويقول تعالى في سورة المائدة آية 13: " .. يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ .."

       4-  الحسد والحقد

       و هو من الأمراض النفسانية المقيته التي تسعى لإشباع النزوات الشخصية المريضة ورغباتها المقيتة وهي لا تأتي إلاَّ بتمني زوال النعمة وسلبها عن الآخر، والطعن به بأي وسيلة وذلك بتشويه سمعته وتاريخه أو إتهامه بشتى التهم ومنها الشرك والكفر والزندقة والإنحراف وبالتالي يوجد لنفسه مبرراً للخلاص من الآخر لإنهاء وجوده من الوجود. وكم حذرتنا الشريعة الغراء من هذا المرض العضال فعن الرسول المصطفى(ص): " ألا! إنه قَدْ دَبَّ إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر، لكنه حالق الدين ".

       و في حديث عن إمامنا الصادق (ع): " يقول إبليس لجنوده: إلقوا بينهم الحسد والبغي، فإنهما يعدلان الشرك ".

       وعنه أيضاً (ع) : " آفة الدين الحسد والعجب والفخر "

       وعنه أيضاً (ع): " إياكم أن يحسد بعضكم بعضا، فإنَّ الكفر أصله الحسد "

       وقد حذرتنا الشريعة الغراء من الحقد وإستفحاله في النفس الإنسانية لأن نتائجها خطيرة والتعامل على أساسها تتنافى مع طهارة القلب والجوارح، فقد ورد في حديث لأمير المؤمنين علي (ع) : " طيبوا قلوبكم من الحقد فإنه داء موبي " و" أن الحقد من طبايع الأشرار " و" الحقد خلق دني وعرض مُردي ".

       وفي حديث آخر عنه (ع): " الدنيا أصغر وأحقر وأنذر من أن تطاع فيها الأحقاد " ومن وصايا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) " إحصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك ".

       5- حب السلطة والرئاسة

       و التاريخ الماضي والحاضر يشهد على أن حب السلطة هو من أقوى الأسباب التي تدفع بصاحبها الإنتقام من الآخر بأي وسيلة كانت وهو من الدواعي التي تعمي بصيرة الإنسان وتميت عنده نوازع الخير والإنسانية والفضيلة وتقسي  قلبه فيرتكب بذلك الجرائم ويخوض الحروب والمعارك ويقتل الأبرياء للوصول إلى هدفه وبقائه في السلطة والحكم دون إكتراث ويبرر لمواقفه العدائية تبريرات متعددة ويُسَخَّر الدين للوصول إلى أهدافه  ويستأجر وعاظاً وخطباء وأناساً مأجورين لتقوية مواقفه وتلميع صورته والحفاظ على سلطته، وقد نهتنا الشريعة المقدسة عن ذلك . يقول تعالى في سورة القصص آية 83: "  تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " ويقول الرسول (ص): " من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فاليتبوء مقعده من النار " ويقول صادق أهل البيت (ع): " إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يتراءسون، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك " ويقول(ع): " من طلب الرئاسة هلك " وفي حديث آخر: " من طلب الرئاسة بغير حق حرم الطاعة له بحق ".

       6- الدوافع السياسية

       لا شك أن أعداء الأمة الإسلامية يسعون دائماً من خلال مؤامراتهم ودسائسهم وأساليبهم الخبيثة لتفتيت وتضعيف عوامل القوة والمنعة لدى المسلمين ويشغلوهم فيما بينهم بمعارك جانبية وهامشية ليسهل السيطرة عليهم وعلى خيراتهم وتحويل بلدانهم الإسلامية إلى دويلات ومستعمرات تابعة لمخططاتهم السياسية والمقيتة ويستخدمون بذلك الأساليب الدنيئة والخطيرة دون وازع أخلاقي أو إنساني من زرع العداوة والبغضاء والفرقة ونشر الفوضى والأكاذيب والتزوير والتكفيرو الإرهاب وبث الأحقاد بين الطوائف والمذاهب والفرق والأديان بل بين أبناء المذهب الواحد ويسخرون بذلك أشخاص باعوا أنفسهم للشيطان ومن أجل الدنيا وكسب الأموال واتخذوا من الدين ستاراً لهم ومن العناوين الدينية والقرآنية البراقة شعاراً لهم يستهوون بها ضعاف النفوس والجهلة. ومما يؤسف إليه أن هنالك بلدان إسلامية أصبحت بؤراً للإرهاب ونشر الأفكار الهدامة والبعيدة كل البعد عن روح الإسلام من خلال مذاهب تكفيرية يسعى أصحابها لإبادة المسلمين باسم الدين وهنا تتضاعف خطورة المسألة.

       فالواجب على أمتنا الإسلامية بعلمائها ومثقفيها ومفكريها ورجالها وكل التيارات الواعية أن تتظافر جهودها لنصرة الإسلام والمسلمين وأن تكون على وعيٍ تام لما يجري من مؤمرات تستهدف وحدتنا وقيمنا ومجتمعنا الإسلامي وبث الوعي للأمة الإسلامية لتنهض برسالتها العظيمة وتقف سداً منيعاً أمام هذه الموجات التكفيرية والإرهابية الخطيرة التي تستهدف الجميع.

       نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين ويخذل الكفر والمنافقين وأن يحفظ أبناء أمتنا الإسلامية ويدفع عنها شر الأشرار وكيد الفجار ويجعل راية الإسلام هي العليا وراية الكفر والنفاق هي السفلى والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

 

 

المصادر:

ــــــــــــــ

القرآن الكريم

ميزان الحكمة