نظرة عامة في حالة المسلمين

نظرة عامة في حالة المسلمين

 

 

نظرة عامة في حالة المسلمين

 

الدكتور على أوزاك/رئيس وقف دراسات العلوم الاسـلامية

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلي اله وصحبه اجمعين.

 من المعلوم ان محاولة الجمعيات العلمية والاوقاف الاسلامية والمؤسسات المختلفة اهدافها لوجدان حل لمشاكل واحوال المسلمين جهود مهمة جدا لصالح المسلمين لذلك اردت ان اهتم بهذه المسائل التى تؤثر المجتمعات الاسلامية دينيا و اخلاقيا و اجتماعيا.

  اعتقد ان كلنا نعرف ونؤمن ان احوال المسلمين السياسية والاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية والصناعية والتجارية الان ليست جيدة بل سيئة فاذا كان الامر كذلك فيجب على كل باحث مفكر أن يبحث عن أحوال المسلمين ليأتي بحل معقول يساعد المسلمين في حل مسائلهم الموجودة و يرى الطريق الصحيح للسير في التقدم المادى والمعنوي في الحياة الدنيا مع مراعاة قواعد الشريعة الاسلامية.

  

حالة المسلمين من جهة المذاهب

 المذاهب الفقهية: إن أحوال المسلمين من ناحية المذاهب الفقهية لابأس بها لان المذاهب الفقهية التي تعتمد على الكتاب والسنة حازت قبولا عند المسلمين ما دامت المذاهب اهتمت بهذين الأصلين بسبب أن كل مسلم يؤمن بالكتاب والسنة و يعرف أن كل مجتهد يفسر القرآن حسب فهمه الآية لذلك ان الاحتلافات الاجتهادية الموجودة بين المذاهب الفقهية معقولة ومقبولة وعلى الخصوص كثير من الناس في زماننا يفهم أن اختلاف المذاهب الفقهية سهولة يحتاج اليها المسلم في حياته اليومية. كما تعلمون ان مسألة تقريب المذاهب تهدف هذا الهدف وكما انه معلوم لديكم ان هيئة كبار العلماء في الازهر الشريف قبل سنين قررت صحة وحقية المذاهب الثمانية وهي الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية والزيدية والجعفرية والعبادية والظاهرية.

 ولايوجد الآن على ما اعلم اختلافات مهمة بين هذه المذاهب العملية اللتى تجعل الناس تختلف فيها  ولكن قد يوجد بعض الاختلافات بين عامة الناس ولكن بين العلماء والمثقفين على ما اظن تقل الاختلافات المذهبية العملية لأن كل عالم يعرف أن كل مذهب له دليل أو استشهاد من الكتاب والسنة اللتان كانتا أصلين لكل مذهب من المذاهب العملية.

 مثلا هناك اختلاف بين الحنفية والجعفرية مثل المسح على الرجل العريان و جمع الصلاة فى الحضر و نكاح المتعة و عدم نقض الدم الوضوء فى الشافعية و هذه المسائل الفرعية لها اصل فى الكتاب والسنة و الاختلاف يأتى من اجتهادات الفقهاء. كما نقل عن الرسول (ص) "اختلاف امتى رحمة واسعة". هذه الاختلافات في المذاهب العملية في واقع الأمر سهولة عظيمة للمسلمين. واذا اخذ مسلم بأي مذهب من هذه المذاهب العملية قد أدى وظيفته الدينية. واذا اخذنا مسئلة جمع الصلاة في خضر فهذا سهولة عظيمة في زماننا لان نظام الحياة قد تغير فاداء الصلوات في وقتها احيانا يصعب على مسلم. واذا اخذ المسلم برأى اي مذهب من هذه المذاهب الثمانية جاز له  الجمع لأن جمع الصلاة في الحضر قد وقع عن رسول الله (ص) في المدينة المنورة. هناك أحديث مذكوره  في صحيح مسلم. وجمع الصلاة في الاصل جائز في كل المذاهب اذا كان هناك ضرورة ملحة الا الحنفية لا تجيز جمع الصلاة في الحضر  رغم الحنفية نحن بعض الحنفية كافراد نطبق جمع الصلاة في الحضر اذا  ظهر ضيق في الوقت.

 اما المسح على الرجل العريان فهذا على ما اظن مخصوص لمذهب الجعفرية الا ان المسح عموما موجود في كل المذاهب كالمسح على الخف و النعل والجورب والآن نحن نجيز المسح على الجورب لانها سهولة عظيمة نحتاج اليها الآن في السفر و في الحضر.

 أما مسئلة نكاح المتعة فهذه مسئلة مهمة جدا في زماننا ولكن علماء المسلمين لم يهتموا بهذه المسئلة. اعتقد انه للتوقي عن الزنا المحرمة قطعا في الشريعة الاسلامية لابد من وجود حل معقول ومشروع لهذا الميل الانساني. لان نكاح المتعة كما تعلمون كان قد طبق في حياة الرسول (ص) في السفر لا في الحضر ولا يمكن لنا ان نأتي بفائدة فعلية اذا توغلنا في النظريات والمثاليات. والناس ينتظر من العلماء حلا تطبيقيا مطابقا لتعاليم الاسلام. وهنا المشكلة هي ان الناس يجري ما يحتاج اليه ان لم يأت العلماء بحل معقول مفيد فخذ مثلا الربا المنتشرة في البلاد الاسلامية أكثر من البلاد الغير الاسلامية بشكل غريب لأن نسبة الربا في الغرب و امريكا قليلة لا تضر الناس ولكنها في البلاد الاسلامية فنسبة الربا كثيرة فاحشة جدا. لذلك تضر الناس فتحى تضر بعض الدول الاسلامية. ومسئلة نقض الدم الوضوء عند الحنفية وعدم نقضها عند الشافعية ايضا مسئلة اجتهادية لا ضرر ولا بأس باخذ  رأى أى مذهب من هذه المذاهب.

 

 المذاهب الاعتقادية

 المذاهب الاعتقادية مهمة جدا باعتبار انها تمس العقيدة والايمان.  والايمان اصل الدين والعمل يبني على الايمان واهم عمدة الايمان في الاسلام هى التوحيد يعني الايمان بالله وحده لا شريك له  و ان الله تعالى هو خالق كل شيئ وصاحب كل شيئ وهو الذي يحيى ويميت ويرعى ويرزق يدبر الامر ويدير الخلق بالحكمة الخاصة له.  هناك مذاهب اعتقادية مثل الجبرية والقدرية والمرجئة والمعتزلة وهذه المذاهب الاعتقادية اصبحت مذاهب تاريخية لاننا لا نعلم ان هناك اشخاصا سمت نفسها بهذه المذاهب مع ان اراء تلك المذاهب تناقش بين الناس.كآراء فلسفية و فى الحقيقة ان  تلك المذاهب آراء حشوية فى المذهبين الاصليين مذهب الشيعة و مذهب اهل السنة و فى امكاننا ان ندخل مذهب المرجئة الى اهل السنة والمعتزلة  الى الشيعة و نقسم القدرية والجبرية بين الشيعة و اهل السنة لان هذه الآراء الفلسفية تساعد لفهم مذهب اهل السنة والشيعة و يمكن ان نقول: اننا لا يمكننا ان نفهم عقيدة اهل السنة والشيعة الا بمقايسة هذه الآراء الفلسفية.

 ان مذهب اهل السنة والشيعة الان هي المذاهب التي تنتمي اليها كثير من المسلمين وان الاختلافات المهمة تجري بين هذين المذهبين.

 وانا الان ألخص القول  واقول ان الاختلاف الرئيسي بينهما هي مسألة الخلافة والامامة ومسألة عدالة الصحابة عامة وهناك مسائل اخري اظن أنها لا تليق بالذكر هنا. لان الشيعة واهل السنة متفقتان فى اصل الاسلام و هو التوحيد والنبوية والمعاد:

 اولا:  ان هذه المسائل كلها تاريخية جرت بين الناس الذين عاشوا وانتقلوا الى دار الآخرة  وحسابهم على الله وهل يليق لنا  ان نناقش اعمالهم ونحكم لهم او عليهم؟ اظن ان الحكم لهم اوعليهم لا يرضي الله تعالي لاننا نؤمن ونصدق ان كل ما وقع وسيقع  لا يمكن ان يقع الا بارادة الله تعالي لانه " الخير فيما وقع" كما يقال لان الواقع لابد ان يكون موافقا لارادة الله تعالى ولكن كل ما وقع من اعمال الناس لا يكون خيرا ولاحقا ولاصحيحا لان الانسان مركب من الخطأ والنسيان الا ان من الذي يقول في حق عمل الناس بانه خطأ او صواب هو الانسان.  والانسان طبعا يسند الخطأ والصواب الى الانسان مستشهدا باحكام الشريعة التي بينت الحلال والحرام والخطأ والصواب ولكن الذي يحكم على عمل الناس له او عليه هو الله تعالي وهؤلاء الناس يحاسبون عند الله في الاخرة فالأحسن أن نترك هذه الاشياء لله تعالى.

 ثانيا: ما فائدة هذه المناقشات في حياتنا الدنيا لانهم مسؤلون عن حياتهم واعمالهم ونحن مسؤلون عن حياتنا واعمالنا هنا اذكر بسرور الشيخ العالم الكبير والقائد الاعظم رحم الله اية الله الخميني لانه اتي بولاية الفقيه وهذا الفهم الذي فهمه الامام الخميني رحمه الله هو الفهم الصحيح عندي لان الرسول (ص) قال: عينوا احدكم اميرا اذا ذهبتم الي السفر.  وهناك أدلة كثيرة تدل على ان المسلمين يديرون اعمالهم الدنيوية  الادارية بانتخاب أحد من بينهم رئيسا لهم وهذا هو اسهل الطريق. والرئيس الذي انتخب يعين المسؤلين الاداريين ويدير الدولة بهذا الشكل و يكون له مجلس الاستشارة (برلمان) مثل مجلس اهل الحل والعقد.

 انا لا اعلم تفصيلات مذهب الشيعة الاعتقادية لذلك أرجو من اخواننا علماء الشيعة ان يسمحوا لى اذا اخطأت فى كلامى. لانى دائما اقارن بين اهل السنة والشيعة فى اصل المعتقدات ولا يوجد اى فرق بينهما مثل عقيدة التوحيد والنبوة والمعاد و هذه هى اصل الدين و اصل الايمان. والحقيقة ان بينهما لا يوجد علي ما أظن اي اختلاف في هذه المسائل الايمانية الاصلية.

 اما الاختلاف بينهما موجود فى مسائل ادارية و سياسية فالاختلاف فى المسائل الادارية والسياسية طبيعية لانها من سلوك الانسان فمثل هذه الاختلافات وقعت فى التاريخ و فى يومنا لانها تتعلق بحياة الانسان اليومية فاني اقدر و ابجل الامام الخمينى رحمه الله تعالى حيث انه من اكبر علماء الشيعة وقائدهم وانه وفق في جعل ادارة الدولة اسلامية بعد ان فكر وقرر ان ادارة المسلمين يتكون من رئيس منتخب بين المسلمين ومجلس ايضا منتخب بين المسلمين فبهذا الشكل تتشكل ادارة الدولة.

 اما مسألة الخلافة فهى تاريخية وقعت و انتهت كما قال الله تعالي "وتلك الايام نداولها بين الناس..."140/3.

 اما مسألة عدالة الصحابة فهى من ناحية الرواية فقط و نحن اهل السنة لا نقول بعصمة اى شخص من الصحابة حتى سيدنا ابو بكر و عمر و عثمان و على رضى الله عنهم عند اهل السنة ليسوا معصومون بل كلهم بشر قد يوجد لهم اخطاء بشرية و حسابهم على الله. ولكن المسألة مسألة أخذ رواية صحابى اذا ثبت انه نقل عن الرسول (ص) والذين يهتمون بالتاريخ والسير يعرفون فى حق الصحابة الذين أخذوا الوظائف فى الدولة. وهذه الروايات التاريخية فيهم  قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة و لكنا نتمسك بحديث الرسول  (ص) "اذكروا موتاكم بخير".

 

 احوال المسلمين الاقتصادية

 هنا اقول كلمة قصيرة و هى ان احوال المسلمين الاقتصادية مهمة جدا. لسبب ان الشخص المسلم ان لم يملك ما يجعله يعيش مستقلا غير محتاج الى شخص آخر يدل هذا على انه لا يملك كيان نفسه يعنى لا يملك استقلالا اقتصاديا و فى هذا الوضع أنه ناقص فى المكلفات الاسلامية  لذلك قال الرسول  (ص) : "كاد الفقر ان يكون كفرا" لان فقر الرجل يجعله دائما يفكر فى الحصول على ما يحتاجه من المادة و ذهنه دائما يكون مشغولا بالاحتياج ولا يمكن له التفرغ والتفكر في  الايمان والعبادة لان اهم شىء في تكوين كيان الشخص الاقتصادي هو العمل وكسب ما يحتاج اليه لادامة حياته من المواد اللازمة و هنا على ان اشير الى شيئ مهم جدا فى الاسلام و هو انه لا يقبل دعاء مسلم و عبادته اذا لم يكن اكله و شربه حلالا. والرزق الحلال انما يحصل بكسب الرجل أو المرأة بالذات و يدل ذلك على ان الشخص ان لم يملك استقلالا اقتصاديا يعنى  ان لم يملك عملا يكسب به ما يحتاج اليه من الرزق الحلال فمعنى هذا ان دعاءه و عبادته غير مقبولة عند الله تعالى لان الله اعطى كل شخص عقلا و اعضاء ليعمل به و يكسب قوته فاذا كان الشخص معذورا فله ان يعيش بكسب الآخرين.

  

أحوال المسلمين الاخلاقية

 الاخلاق أيضاً مرتبطة بحياة الشخص الاقتصادية. ان لم يكن للشخص عمل يكسب به ما يحتاج اليه في العيش فلا يمكن له ان يسلك سلوكا اخلاقيا. فالمهم هنا بالنسبة للشخص المسلم العمل لان البطالة مفسدة للجميع.

 

 سلوك العلماء فى فهم و تطبيق الاسلام

 انا اريد هنا ان ننقد نقدا نفسيا او ذاتيا. اظن و اعتقد ان علماء المسلمين توغلوا فى النظريات والمثاليات التى تنسى العمل التطبيق.

  نحن نقرأ ما كتبه اسلافنا الصالحون و ننقل منهم أو نحاول ان ننقل منهم كل ما سئل عنا. وحينما ظهر شيئ جديد ننظر فى كتب القدماء. ان لم نجد حلاله فيما يسئل عنا نقول بغير جواز هذه المسألة الجديدة. ثم نحن لا نبحث احوال المسلمين  هم كيف يعيشون؟  ما هى مشاكل المسلمين فى الحياة اليومية؟ نحن نفتى عن الكتب القديمة و هذا السلوك اظن غير مناسبة و غير مفيدة. لان الدين كمال قال سيدنا عمر لا يكون عائفا اما الناس بل لكى يفتح الطريق و يساعد الناس للتقدم فى كل مرافق الحياة. و هذا الفهم كان سائدا الى العصر السابع عشر الميلادى. كما تعلمون ان علماء المسلمون تقدموا فى مختلف مرافق الحياة اليومية والعلوم والفنون ثم أخذ الغرب العلوم والفنون من المسلمين.

  

فماذا حصل بعد القرن السابع عشر؟

 أظن ان علماء المسلمين حققوا التقدم العلمى و اعتمدوا اولا على منطق آرسطو ثم أوجدوا منطق الاستقراء. والغرب أخذ منطق الاستقراء من المسلمين والمسلمون تركوا هذا المنطق يعنى المنطق الجديد و نحن ما دمنا نتمسك بمنطق آرسطو.  وهذا هو السبب فى تأخرنا فى العلوم والتكنولوجية عندى لان التكنولوجية الموجودة كانت بالبحث عن مفردات الموضوع.

 مثلا جاء فى القرآن فى أربعة عشر اية تبدأ بقول الله تعالي "قل سيروا فى الارض فانظروا..."  التي تسمي بقانون السير والنظر.  واستعمال كلمة النظر مع في يفيد معنى البحث. ولكننا اخذنا العبرة فقط  ولم نبحث عن الاشياء الاخرى. وكذلك ذكر فى القرآن المواد الغذائية والحيوانات والحشرات كما تعلمون  الا انه لم يتنبه احد من العلماء المسلمين لبحث عن حكمة ذكر هذه المواد والحيوانات. وأخذ الغرب منطق الاستقراء وبحث كل شىء بمفرداته و وصل الى هذه المرتبة العلمية والتكنولوجية. اما علماء المسلمين ما زالوا متمسكين بمنطق أرسطو الذي ينظر في المسائل كليا ويكتفي بهذه النتيجة الكلية و هنا يقف البحث.