نظرة عامة في حالة المسلمين في الفليبين

نظرة عامة في حالة المسلمين في الفليبين

 

 

نظرة عامة في حالة المسلمين في الفليبين

 

أ. علوم الدين سعيد/زعيم الشيعة ، امام وخطيب مقاطعة لاناما - فليبين

 

 الفليبين تقع في جنوب شرق آسيا، وهي تتكون من تسع وسبعين محافظة ، وعدد سكانها يتراوح بين 73 و75 مليون نسمة ونسبة المسلمين الى عدد سكانها 10% عشر في المائة ، أي أكثر من سبعة ملايين، ويطلق على المسلمين اسم مورو، وموطنهم في الجنوب، واكثر مكان الفيلبين يدينون بالدين المسيحي الكاثوليكي ونسبتهم الى عدد السكان ثمانون في المائة.

 وقبل مجئ الاستعمار الاسباني في سنة 1521م فأن الاسلام هو الدين السائد في جميع أطرافها، ودارت المعارك الدامية بين هؤلاء الغزاة وبين المسلمين في الجزر المختلفة. وفي جزيرة ماكتان دارت معركة عنيفة بين الغزاة والمسلمين اسفرت عن مصرع ماجيلان ، وهو القائد للحملة العسكرية الأسبانية وابادة جيشه الاعددا قليلا تمكنوا من الفرار باحدى سفنهم الثلاثة.

 ثم توالت الحملات الأسبانية بعد ماجيلان، وهدف هذه الحملات هو تحويل هذه الجزر الى جزر مسيحية تابعة للحكومة الأسبانية، فقد حققت الحملات اهدافها بعد أن تغلبت على دولة إسلامية في بيساياس (جزر وسط الفلبين)، ومملكة إسلامية في جزيرة لوزون (شمال الفليبين)، ولم يبق من هذه الجزر الاجزيرة ميزان وجزر موجود تعاون تاوي وباسيلان (جنوب الفليبين) نتيجة للمقاومات العنيفة من قبل المسلمين بقوة إيمانهم وإخلاصهم.

 إن الفليبين المكونة من تسع وسبعين محافظة – كما ذكرنا – كلها تحت سيطرة المسيحيين ماعدا خمسة منها ، وهي محافظة لاناو الجنوبي وما غيندانا وباسيلان وسومو ومحافظة تاوي تاوي وهذه المحافظات الخمسة كلها تحت سيطرة المسلمين لكثرة عدد سكانها المسلمين فيها.

 ونظام الحكومة الفليبنية نظام جمهوري رئاسي، والمجلس التشريعي لهذه الحكومة مكون من مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

 إن عددا كثيرا من المسلمين قد هاجروا الى المدن والبلديات في المحافظات التي يسيطرها المسيحيون طلب للرزق، ورفع مستوى الحياة المعيشية، وهم يزاولون الأعمال التجارية. إن أكثر من هؤلاء الذين هاجروا الى الأماكن المختلفة أكثرهم لا يعلمون عن الاسلام الا بقدر ضئيل، وهم قد ولدوا من أبوين مسلمين، وصاروا مسلمين بالوراثة، وهم في حاجة هامة الى معرفة الاسلام لتتمثل التعاليم الاسلامية في أخلاقهم ومعاملاتهم ، ويكوّنوا صورة حية للإسلام.

 إن المواطنين من الأديان الأخرى يوجد عدد منهم ينظرون الى اخوان المسلمين المنحرفين كمرآة للإسلام، وهم لا يميزون بين الإسلام وبين المسلمين الذين انحرفوا عن دينهم، وتخلقوا بأخلاق بعيدة عن الإسلام، وجروا ولاء شهواتهم. إن هؤلاء من أعداء الإسلام – يروجونها كدعاية ضد هذا الدين الحنيف التقريب بين المذاهب الإسلامية:

 إن مسيرة التقريب بين المذاهب الاسلامية قد تحسنة في الوقت الحاضر، وإن سبب ذلك يعود الى تحسين العلاقات بين الدول الاسلامية، والى اقتناع كثير من العلماء الخريجين من الجامعات الاسلامية في الدول العربية والاسلامية، أن إثارة الخلافات المذهبية ليست لصالح الأمة الإسلامية، وخاصة أن الدول الاستكبارية مازالت سائرة في تنفيذ الخطة المديرة من قبل الحكومة البريطانية بالوسائل المختلفة، كما وردت في مذكرة الجاسوس البريطاني وهو مسترها مفر تحت عنوان: اعترفات الجاسوس الإنكليزي

 تسجل بعضا منها في هذا التقرير وهي كالآتي:

 1ـ إحياء النعرات القومية والإقليمية واللغوية… وجلب اهتمام المسلمين الى سوابق حضاراتهم وأبطال شخصياتهم قبل الاسلام.

 2- إشاعة الأمور الأربعة الخمر والقمار والبغاء (الزنا) ولحم الخنزير… والتعاون الوثيق مع اليهود والنصارى.

 3- التشكيك في أمر الجهاد وأنه كان أمرا وقتيا انقض بانقضاء زمنه.

 4- التشكيك في حديث (اخرجوا اليهود من جزيرة العرب) وحديث (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب).

 5- توهين صلة المسلمين بالاسلام، واحداث البدع في عقيدتهم، واتهام الإسلام بأنه دين التخلف والفوضى.

 6- الفصل بين الآباء والأبناء حتى يخرج الأبناء من تحت التربية الدينية للآباء .. وأن خرجوا من تربية الآباء لابد وأن ينفصلوا عن العقيدة ومن التوجيه الديني، وعن الصلة بالعلماء.

 7- اشراب الحرية الى نفوس المسلمين، فلكل إنسان مايريد من الأعمال فلا يجب الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ولا تعليم الأحكام الإسلامية.

 8- التشكيك في القرآن ونشر مصاحف محرمة ومزيفة.. ويلزم إسقاط الآيات التي تحقر اليهود والنصارى والكفار، واسقاط آيات الجهاد والأمر بالمعروف (اعترافات الجاسوس الإنكليزي يـ همفر ص 77-88).

 إنّ بعض العلماء الخريجين من الجامعات الاسلامية من الدول العربية، وبعض الطلبة الذين تعلموا في الحوزات العلمية في جمهورية إيران الإسلامية، مازالوا يثيرون الخلافات المذهبية، كأنهم لا يعلمون أن أعمالهم بأثارة الخلافات المذهبية ليست لصالح الدعوة الإسلامية. فالمسلمون في حاجة ماسة الى توحيد صفوفهم أمام أعداء الإسلام.

 يقول الإمام الخامنئي حفظه الله للأمة الاسلامية: (المسلمون يشكلون اليوم خمس سكان الكرة الأرضية، ويعيشون في واحدة من أهم المناطق في هذا العالم، أصبحوا من أضعف الأمم. ولا يؤدون الدور الذي يليق بهم في ادارة شؤون هذا العالم. وهم محكومون بالظلم والاستضعاف. إن العامل الرئيسي الذي أدى الى هذا الوضع هو الفرقة والتشتت اللذات فرضا على المسلمين تحت عناوين القومية والطائفية والوطنية.. وهنا يتحتم علينا على فسخ هذا النهج الخائن والمناهض للإسلام. وندين كل من يرفع شعارات تتعارض والوحدة الإسلامية . والقرآن يؤكد على توحيد الصف الإسلامي حول محور الدين أو الاعتصام بحبل الله.. إن أعظم مظاهر الوحدة الاسلامية هو التضامن والإتحاد والتصدي للكفر والاستكبار  ]صحيفة سروش للعالم العربي العدد(79) السنة السابعة [.

 إن الوحدة الاسلامية هي الأمل الوحيد للأمة الإسلامية لواجهة المؤامرات الدنيئة للأعداء الاسلام للقضاء على هذا الدين. فالأعداء يعرفون تماما أن الاسلام هو القوة الوحيدة قصد الأعداء لاستغلال خيرات البلاد الاسلامية من الثروات الطبيعية.

 إن جزيرة مينداناو وفي المناطق الاسلامية في جنوب البلاد قد اكتشفت أن فيها الثروات الطبيعية، وقد دعت الحكومة الى تحركها لاشعال الحروب ضد المجاهدين باسم محاربة الارهابيين. وقد اشتركت الحكومة الأمريكية (رأس الارهابية)في محاربة المجاهدين، وارسلت قواتها للتعاون مع الجيش الفليبيني. وفي فترة حكومة إسثراداد الرئيس المخلوع) قد حاربت الحكومة الجبهة الثورية التي يرأسها أبو سياف والجبهة الثورية التي يرأسها هاشم سلامات (رحمه الله) بالتعاون مع الجيش الأمريكي، واستطاع الجيش الحكومي التقلب على الجبهتين وتشتيت القوات الثورية بفضل الاسلحة المتطورة والأدوات الحربية التي جاءت بها القوات الامريكية. لمحاربة الثوار ومن العجيب قبل إشعال الحروب التي ذكرناها أن إحدى الدول الإسلامية قد لعبت دورا كبيرا لإشعال الحروب، وذلك لدفع مبلغ كبير كفدية للأوربيين الذين إختطفتهم الجبهة الثورية لأپي سياف، والمبلغ أكثر من عشرين مليون دولار. مع أن انقاذ الأسرى  من قبضة الثوار مسؤولية تقع على عاتق الحكومة التي يرأسها جوزيف استراداد (الرئيس المخلوع). وبعد اطلاق سراح الأسرى هاجمت القوات الحكومية بالتعاون الى الأماكن المختلفة لانقاذ حياتهم ،  القوات الحكومية الثوار. وتمكنت قبض بعض الأفراد من الثوار وايداعهم في السجن. وفي هذا الشهر (مارس 2005م) بسبب المعاملات السيئة التي يمارسها المسؤولون في السجن وتقديم الأطعمة السيئة والأطعمة المحرمة في الإسلام للمسجونين من جماعة جبهة (أپو سياف) وقعت المعارك اليدوية بينهم وبين بعض من المسؤولين في السجن أدّت الى مصرع أحد المسؤولين من الحراس، وعند ذلك قامت القوات الشرطية بهجوم على السجن وقتل جميع المسجونين المتهمين بانتمائهم الى جبهة (أپو سياف) مع ان عدد الذين تصادموا مع الحراس هم سبعة أنفار فقط. وهؤلاء يطلبون استجوابهم علنا لتبيين الامور على حقيقتها وتتخذ بعد ذلك لإجراءات اللازمة، مثل محاكمتهم .

 والحكومة رفضت طلبهم العادل بلسان وزير _(سكرتير) الداخلية والحكم المحلي وهو السيد اثفنورتيس.

 إن المسلمين في الفليبين – وخاصة المسلمون في محافظة لانا والجنوحي – يعانون حرمانهم من القيادة النزيهة بسبب التزوير والتزييف وشراء اصوات الناخبين في الانتخاب الذي يتجدد كل ثلاث سنوات في المحافظة والبلدية . وهذه الأعمال المذكورة التي يمارسها أناس لا همّ لهم الا أن يحققوا مصالحهم الفردية ومآربهم الشخصية. رغم أنها تتعارض مع القوانين الانتخابية هو السبب الاساس في أن من يتولى المناصب الحكومية بطريق الانتخاب هم في الغالب من الأشرار يراءون الناس لا يملكون الإخلاص ولا إلاصالة .. ولا تربطهم بقضية الأمة والعقيدة رابطة.. بل هم انتهازيون نفعيون كل همهم التسلل الى مواقع قيادة الامة وحرف مسارها او الاستزادة من المكاسب والمصالح الشخصية (مجلة الجهاد العدد – 251).

 إن من يطلب الوظيفة الحكومية – نتيجة للعمليات الانتخابية المزيفة – يحتاج الى مبلغ كبير من المال يدفعه الى مسؤول عن تعيينه او رئيس قسم الذي له حق باختيار إنسان في الوظائف الشاغرة في القسم الذي يرأسه.

 رغم التنظيم الدقيق المتبع في الإجراءات الحكومية بسحب الأموال وانفاقها في المشروعات الإصطلاحية، فأن الفساد باختلاس الأموال الحكومية واستعمالها في المجالات المختلفة يتم بالطريقة اللامسؤولية واللاأخلاقية. حقا ما يقوله القائل أن اكثر المكاتب الحكومية في الحقيقة مؤسسة تجارية او مخبأ للمسروقات. إن هذا الفساد (اختلاس الأموال) والظلم قد وجه طريقه الى المساعدات المالية من بعض الأثرياء المسلمين أو من المؤسسات الخيرية. أعتقد اني لم اكن مبالغا إن قلت أن ستين في المائة من هذه المساعدات قد تم انفاقها في المشاريع الشخصية أو في الانتخابات للوصول الى المناصب العالية في الحكومة. لذا أقول نصيحة لهؤلاء المحسنين أن يتنبهوا ويقتحوا عيونهم ليروا أموالهم التي قدموها الى الجهات المختلفة أو قدموها لتوزيعها للفقراء والمساكين والايتام حتى لا يتكرر الأمر.

 إن من المشاكل أيضا في حياة المسلمين في الفليبين هي كما ذكرت في المقالة التي ألقيت في المؤتمر الإسلامي الذي قام بتنظيمه الطلبة من بعض الدول الإسلامية في مدينة كالامبا. وهي كالآتي: (قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها بسنوات كان المسلمون في الفليبين لن  يتسالحوا بزواج بناتهم للمسيحيين طاعة لكتاب الله، وفي الوقت الحاضر وفي فترة الحكم العرفي هناك مئات من بنات المسلمين قد تزوجها المسيحيون. وأكثر من هؤلاء رجال القول المسلحة.. والمسلمون قبل الحكم العرفي لن يتسامحوا بسفر بناتهم المناطق الأخرى الا ومعها محرم .. وبعد اعلان الحكم العرفي والمعارك الكثيرة التي دارت بين المجاهدين وبين القوات المسلحة الحكومية انحطت المستوى المعيشي نتيجة للمعارك والإضطرابات الداخلية، هناك مئات من البنات المسلمات يعملن كخادمات في الدول العربية، وقد أهيئت بعضهن، لا داعى لذكرها في هذا التقرير.

 في أواخر السنة الفائتة 2004م بدأت بعض الدول المسيحية مثل الولايات المتحدة واستراليا بقيام مشروع وضع المناهج الدراسية لتدريس العلوم الاسلامية في المدارس النموذجية – على حد تعبيرهم – التي يقيمونها. وقد بدأوا باختيار أناس من المسلمين يتعاونون معهم في وضع المناهج الدراسية وصياغتها وتدريب المدرسين يقومون بتدريس العلوم الاسلامية في المدارس التي يقيمونها في أقرب وقت. وإن الأموال التي أعدت لهذا الغرض بلغت مئات الملايين من الدولارات الامريكية.

 إن المسيحيين الذين ينفقون الأموال الطائلة لتدريس العلوم الاسلامية لابناء المسلمين – لاشك – أن لهم أغراض وراء هذه الأعمال الاسلامية كما يزعمون. اعتقد – أسأل أن لا أكون مخطئا – أن هذا جزء من المخططات لأعداء الاسلام للقضاء عليه. وعلى الأقل تحريفه وغرس الإسلام المحرف في قلوب أپناء المسلمين بهذه المدارس النموذجية (إسلام السكوت على الباطل والصمت عن قول الحق، وتعطيل رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. والجهاد في سبيل الله.. اسلام لا يتعدى حدود الفرائض التعبدية والأذكار والمساجد.. إسلام لا يسير حياة الفرد والأمة في مختلف جوانب الحياة وفي شتى النشاط الإنساني الفردي والجماعي   ]مجلة سروش للعالم العربي، السنة الرابعة العدد 48 [.

 وهذا الاسلام يسميه كثير من العلماء المسلمين إسلام أمريكا مثل الشهيد سيد قطب، وهذا الإسلام تسلح به الولايات المتحدة ضد الشيوعية. إن هذا الاسلام – إسلام أمريكا – مازال هناك جماعة إسلامية تقوم بدعوة الناس اليه، وأن أكثرهم لا يعلمون أن دعوتهم ليست لصالح الاسلام، والأمة الاسلامية. إنما يساعدون بدعوتهم المستكبرين الذين لا يريدون الا علوا في الارض وفسادا.

 إن الاسلام الأصيل لم يترك ميدانا من ميادين الحياة إلاّ وضع فيه نظاما فريدا يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:89)

 إن أعداء الإسلام وعلى رأسهم المستكبرون يحاولون  بالطرق المختلفة إبعاد السياسة عن حياة المسلمين. منها إهمال شؤون المسلمين وعدم الاهتمام بما يمارسه بعض المسلمين من التزوير والتزيين وشراء أصوات الناخبين في الانتخاب .. واختلاس أموال الحكومة، ينسحب المسلمون الملتزمون بدينهم من ميدان السياسة، ويتركوها لهؤلاء الإنتهازيين، وبالتالي الحكومة المركزية، تتمكن على سيطرة المناطق الاسلامية، واستغلال خيراتها على حساب الأمة الاسلامية، وفرض ارادتها على هؤلاء المسؤولين الذين تولوا المناصب الحكومية بالانتخاب المزيف، مع أن (السياسة (النزيهة) لا تنفصل عن الدين، بل هي أهم أقسام الدين التي تضمن حفظ القوانين الإلهية وتنفيذها والدفاع عنها، ولا تعنى غير هذا المعنى.. وسياسة الحكومة الاسلامية (هي) إدارة الشؤون الاجتماعية للمسلمين في اطار قوانين الشريعة  ]كيهان العربي – العدد 190 صفحة 10[.

 يقول الله جل جلاله في كتابه الكريم:

 (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة:120) .

 (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (البقرة:271)