وحدة المسلمين في مواجهة المادية المعاصرة

وحدة المسلمين في مواجهة المادية المعاصرة

 

وحدة المسلمين في مواجهة المادية المعاصرة

 

عبد الرحيم علي إبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمّد وعلى آله الكرام وأصحابه الهداة المهتدين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

مقدمة:

إنّ حركة التقريب بين المذاهب حركة مباكرة وتدل على صحوة قادمة، أو هي أثر من آثار تلك الصحوة، فقد طال بالمسلمين أمد التفرق والاختلاف حول قضايا كلامية حينا وعلى مسائل فقهية حينا آخر، وحول قيادة في كثير من الأحيان، ولا يبقى من الخلاف إلا آثار الجراح ولا ينتفع به إلا الأعداء.

ولقد كانت نداءات التفاهم والتقريب في تاريخ المسلمين كثيرة يطلقها زعماء الإصلاح وقادة الفكر ويعارضها طائفة من الّذين يحرصون أبدا على المحافظة على مألوفهم، ويكرهون أبدا الخروج على الأطر ولو كانت قيودا وأواصر، ولطالما اعترضوا على دعوات التقارب والحوار بأنها تهاون في عقيدة ومبدأ أو أدهان لخصم ماكر متربص

(656)

لا يرضيه إلا أن تكون على مذهبه أو تتبع ملته وبمثل هذه الحجج والاتجاهات تبقى حبال الاتصال مقطوعة وأسباب التفاهم مبتوتة.

وربما غاب عن هؤلاء المعترضين أن التقارب إنما يكون بين بعيدين أو متباعدين، فلو أن الطوائف لا خلاف بينها ولا خصام لما ظهرت حاجة إلى تقريب، ولو لم تشتجر بين المسلمين أقضية عويصة وشكوك مريبة لما عقدت المؤتمرات ولا توالت التأليف والتفاسير!

والحق أن الأصول المشتركة واضحة وعليها الاعتماد، كما أن دواعي التقارب والوحدة أكثر من أن تحصى، ولكن الفكر أسير للقلب، فإذا طغت في القلب نوازع الخلاف والشك انصرف الفكر إلى قضايا الخلاف وألحت عليه دواعي التأمل في الأقضية والاستغراق في التعقيدات، حتّى إذا مال القلب إلى التوحيد ونزع إلى الأمل في الوحدة والتقارب انصرف الفكر عندئذ إلى مستمسكات الوحدة ورأت بصيرة المرء أُصول المسائل وفروعها وميزت بين الأقوال التي لا يجوز الوقوف عندها، والأقوال التي لا يفيد النزاع حولها، والأقوال التي تصلح لأخذ ورد وسؤال وجواب وانصرفت بعد ذلك إلى الأُمور التي تستحق العناية والتي لا تكون بدونها ملة ولا قبلة ولا حق ولا باطل، والتي إذا أُغفلت استوى الكفر والإيمان والجنة والنار.

ومن المهم هنا أن نذكر أن النزعات التي أشرنا إليها آنفا وإن كانت أحيانا ميولا فردية ومزاجا نفسيا عند بعض الأفراد إلا أن الأهم من ذلك أن عصور الانحطاط واليأس تكثر فيها نزعات الجمود ويشتد الميل إلى الشقاق ويطول فيها وقوف(الفقهاء) عند المسائل وخوض العوام في الأقاويل، حتّى إنّ الوعاظ والخطباء ليترصدون مواطن الخلاف ويبحثون عن حدود دقيقة للطوائف والفرق، يعكفون على بيانها ورسمها كما تعكف الدول اليوم على رسم حدودها، فيقال لك: إنّ قلت كذا فأنت من طائفة كذا وإن

(657)

رأيت غيره توشك أن تكون من طائفة أُخرى غيرها كأن ما بين الفرق صراط لا يسير فيه إلا حاذق. وقد ظهر عبر التاريخ أن المصلحين وقادة التجديد يجتاحون هذه الحدود كما يغطي السيل الجارف على الرسوم الدوارس، لا يسلمون في ذلك من اتهام وتبديع وتكفير ولكنها سنة الله في الخلق.

مذاهب العصر:

لقد كان لاتصال المسلمين بالحضارة الأوربية آثار خطيرة، تغلغلت معها فلسفات اوربا ومقولاتها في عقائد أبناء المسلمين وفي النظم السياسية والاجتماعية، وفي المذاهب الاقتصادية التي يعتنقونها، ولم يعد بعد هذا الاتصال والتأثر ثمة طائل وراء التقسيمات الفكرية والنطرية التاريخية وقد بدت معظم اختلافات المسلمين الأوائل قزمة ومتضائلة أمام الاختلافات العملاقة التي تمخضت عنها مقولات الفلسفة الحديثة.

إنّ من أبرز الفلسفات في الفرق المعاصرة ـ التي اجتاحت العالم الإسلامي اللادينية التي تجعل ظاهرة الإيمان بالله وبالرسل مسألة اعتقاد شخصي لا يترتب عليها في الواقع الاجتماعي كبير شيء، وبذلك فان المرء لا يجمل أن يسأل عنها ولا يلام فيها، وذلك أنّه لا يترتب عليها في كيان الدولة ولا توجيه الحياة الاجتماعية والاقتصادية قليل أو كثير. وكذلك العبادات ما هي إلا طقوس ليس بينها تمايز أو تفاضل، ولا حق فيها ولا باطل فهي محترمة وصحيحة ما دام صاحبها يظن أن فيها نفعا، ويستوي في ذلك ما يتعبد به المجوسي والمسلم والمسيحي وصاحب اليوقا وأخو الأرواح والنجوم.

ولما فشا هذا المذهب بين المسلمين حصل لدينا ـ كما حصل لأهل الكتاب من قبل ـ طائفة يحملون اسم الإسلام ولا يهتمون بشرائعه ولا بنظامه الاجتماعي ولا لولاء فيه ولا براء. فالحلال والحرام في الإسلام شريعة ناسبت زمانها وظاهرة اجتماعية لا تلائم

(658)

عصرنا، والولاء الحقيقي في هذا الزمان ولاء حضارة إنسانية عامة الاعتداد فيها بالوطنيات والقوميات قبل الأديان، والانحياز فيها ما تجاوز الحدود الوطنية القطرية فهو للطبقة الاجتماعية أو المهنية أو لمواثيق إنسانية عامة تنظر إلى الدين بإشفاق أن يفرق وحدتها وينقض غزلها.

هكذا تبدو اللادينية (العلمانية) وكأنها دين جديد يكاد يقسم البشرية إلى طائفتين: طائفة لا تعتد بالدين ولا يسيم جوهر حياة الجماعة والفرد عندها مهما حملت من أسمائه أو انتمت إلى حضارته وتراثه وذلك غاية ما يعنيها منه، وطائفة أُخرى ترى الدين محور حياتها الخاصة والعامة فهي مشغولة بأحكامه ومهمومة بقضايا الأُمة مهما فرقت بينها التقسيمات التاريخية أو المذهبية أو القومية.

وتوشك أن تبرز بسبب القضايا العصرية الملحة خطوط تقسيم موضوعي بحسب المواقف وحدود طوائف جديدة ليست لها في تراثنا أسماء ولا في تاريخ طوائفنا وصف.

ترى لو تساءل جيل من أبناء المسلمين عن القرآن الكريم: هل شرائعه لا تزال نافذة أو استنفذت أغراضها؟ وتساءلوا هل خاطب العرب وحدهم أو للعالمين؟ وتساءلوا هل هو وحي إلهي أم عبقرية إنسانية؟ وأجاب عليهم العلماء بأن أقوال المسلمين في القرآن هي أنّه قديم غير مخلوق أو أنّه مخلوق ترى هل أجاب العلماء السؤال وهل فهم الجهلاء الجواب؟

قضايا العصر:

لم يكن مجال العقائد وحده هو الذي تأثر بالفلسفة المادية المعاصرة، بل إنّ آثار هذه الفلسفة في النظريات السياسية والمذاهب الاقتصادية وفي مجال السلوك الاجتماعي والأخلاقي كانت أبلغ وأشد نكاية.

(659)

في مجال السياسة:

لقد طغت نظريات البراغماتية أو الوصولية السياسية على السلوك السياسي وأُطلق لها الحبل على الغارب لأنها قامت على قاعدة فصل الدين عن الدولة، وهكذا سادت فكرة المصلحة على فكر القوميين الوطنيين مجردة عن الغايات البعيدة في مصلحة الأُمة بأكملها، وأدت إلى تمزيق وحدة الأُمة والى تضارب مصالحها، والى انحياز كلّ دولة منها إلى كتلة سياسية دولية تطلب فيها مصالحها العاجلة، وأدى ذلك إلى أن الأقوياء سخروا إمكانات الشعوب الإسلامية فضربوا بعضها ببعض، وسخروا أموالها في هدمها وسلاحها في التخلص من جيوشها، وليس بعجيب في هذه البيئة الوبيئة أن ترى دولا إسلامية تمد المتردين في جنوب السودان بالسلاح والمال، ودولا تقتل أبناءها باسم مقاومة الأُصوليين والإرهاب، ودولا تسارع في مصالحة الصهيونية وموادعتها وهي عن مصالحة المسلمين في إدبار واعراض.

وما هذا الفساد في السلوك إلا نتيجة لازمة لفساد الفكر السياسي وانفصاله عن أُصوله الإسلامية.

في مجال الثقافة والمجتمع:

اقتحمت المجتمعات الإسلامية أفكار الليبرالية السلوكية مقرونة بشعارات تحرر المرأة وحقوق الإنسان، واستسلم كثير من المسلمين أمام القيم الغربية السلوكية، وبشروا بالاختلاط ونبذ العفة، وسخروا من رغبات النساء المسلمات في الحجاب والتستر، وراحت بعض الدول الإسلامية تقاوم غطاء رأس المرأة وتروج لمذاهب الإغراء والتبذل ونبذ الحياء. وليس ببعيد حادث المؤتمر العالمي للسكان، وقد برزت في أجندته ملامح الدعوة إلى نقض نظام الأُسرة وإيجاد الإبدال للزواج، وحل المشكلات التي تقف في وجه الإجهاض واستعمال الموانع، وترويج ما يسمى بالثقافة الجنسية و...

(660)

وكل ذلك مستند إلى الفلسفة المادية الإلحادية، ولكنه أصبح مذهبا له وزنه في بلاد المسلمين!

في مجال الاقتصاد:

انسلخ المسلمون عن قيم الإسلام في الاقتصاد، وسلموا بأن الربا لا مفرمنه، واستغنت الدول الإسلامية عن فريضة الزكاة بالمكوس والضرائب، وورث المسلمون فكرة الصراع الطبقي ودانت لها طوائف من أبنائهم، وسادت في المعاملات الاقتصادية قوانين التجارة والمعاملات اللادينية منفصلة تماما عن كلّ توجيه أخلاقي ديني، وبالجملة فقد طمست في هذا الباب معالم الحلال والحرام، وحلت مكانها مفاهيم وموازين جديدة هي إلى التعبير عن مصالح الطبقات أقرب منها إلى إقامة القسط في المعاملات.

الأسبقيات الجديدة:

وفي وجه هذه القضايا الماسة لحياة الفرد والجماعة تبرز(أجندة) أولويات وأسبقيات في التفكير والاهتمام لا علاقة لها بالأسبقيات أو بالهموم التي أملت على المسلمين انقسامات الماضي وتكتلاته وشعاراته وأفكاره.

من أهم هذه الأسبقيات وحدة الأمة واجتماع كلمتها على أساس من دينها فوق الوطنيات والعصبيات. ومنها قدرتها على مواجهة التحديات المتمثلة في محاولات الإذلال والإخضاع لنظام الغرب وقيمه، والاستلاب الثقافي والحضاري وتسخير موارد الأُمة لأهداف أعدائها.

ومنها التحدي الفكري المتمثل في صياغة نظام اجتماعي ونظام سياسي واقتصادي مؤسس على قيم الإسلام وشريعته ومستوعب قضايا العصر وتعقيدات المدنية الحديثة.

(661)

إنّ العالم لا يسعه إلا أن يسخر منها إنّ نحن واجهنا أسئلة اليوم بإجابات كتبها آباؤنا عن أسئلة كانت في زمانهم ولم يعد يسألها أحد. ولا يسع العالم إلا أن يتجاوزنا إذا زعمنا أن عليه أن يغير أجندته فيناقش قضايانا كما في أبواب كتب الفقه عندنا أو كتب العقائد أو كتب التاريخ.

المجددون والفرق:

يستطيع المرء أن يزم أن صحوة تسود العالم الإسلامي وأن روح جمهور المسلمين وبخاصة شبابهم تميل إلى الوحدة وتجاوز المذهبيات الضيقة والعصبيات.

لقد بدت هذه الروح من الاستجابة التي لقيها دعاة التجديد في هذا العصر حيث وافق دعواتهم الإصلاحية قبولا واسعا لم يقف عند حدود القطر أو الطائفة ولكنه أحدث أصداء من التجاوب العالمي وهز الأُمة كلها. ونشير هنا خاصة إلى بعض أئمة هذا العصر من أقطار مختلفة وأجيال متتابعة ويربط بينهم أنهم جميعا دعوا إلى إصلاح جذري مستند إلى الكتاب والسنة، وأنهم واجهوا قضايا العصر لا قضايا التاريخ، وأنهم جميعا وجدوا قبولا واسعا واحدثوا أثرا عظيماً.

الإمام البنا:

لقد كان الإمام الشيخ حسن البنا واسع الأُفق وامتدت رؤيته إلى آفاق التعاون الإسلامي فاتصل كما هو معروف بحركة الإسلام في اندونيسيا وبحركة الإسلام التي قادها آية الله الكاشاني ونواب صفوي في إيران، وكان له باع في حركة التقريب التي نشطت في عصره. كما أن مبادئه الواضحة في الدعوة تلقت قبولا واسعا بين كلّ الطوائف وفي سائر الأقاليم، وتلقاها شباب الإسلام بقبول واضح، وانتشرت كتب الإخوان

(662)

المسلمين وترجمت إلى لغات العالم الإسلامي، ولم يقف ذيوعها عند السنة دون الشيعة ولا بين العرب دون غيرهم.

السيد محمّد باقر الصدر:

ولقد كان لمؤلفات العالم الكبير السيد محمّد باقر الصدر ذيوع عظيم بين الدارسين من السنة والشيعة وما ذلك إلا لأنه خاطب قضايا عصره التي لا خلاف فيها بين الطوائف. وهكذا فإن كتابه اقتصادنا لا يكاد قارئه يحس من أي الطائفتين هو لطبيعة الموضوع وطريقة الخطاب.

الإمام الخميني:

وكانت ثورة الإمام الخميني هي الحدث الأهم والأكبر في عصرنا هذا من حيث مساسها بضمير الأُمة كلها، ومن حيث استجابة المسلمين وتفاعلهم معها في مختلف البلدان وبين سائر الطوائف.

لقد كسر الإمام الخميني بمنهجه جدارا صلبا كان يقوم بين طائفتين: السنة والشيعة، واستطاع أن يتصدى لقضايا الأُمة لا قضايا الطائفة وان يواجه أعداء الإسلام بصلابة كسب له التأييد من جموع المسلمين واستطاع أن يجذب انتباه الأُمة للأُمور الجامعة والقضايا الملحة، ففتح بذلك بابا واسعا للتعاون والتفاهم ثم الوحدة.

الأستاذ سيد قطب:

ولا يكاد قارئ مسلم معاصر يجهل سيد قطب وكتاباته ولا سيما تأليفه الأهم في طلال القرآن، فقد تجاوز بهذا الكتاب حدود المذاهب والطوائف وأصبح جسرا لا يستهان به بين هذا الجيل من المسلمين، ولقد كانت لشهادته صدى في العالم الإسلامي لم يقتصر على طائفة ولا بلد ولا جيل بل هز الأُمة كلها وروعها.

(663)

الدكتور حسن الترابي:

وأخص بين هؤلاء الأعلام الدكتور حسن الترابي إمام الدعوة إلى الإسلام في السودان، فقد كان مثالا للخطاب العالمي المعاصر، تجاوز بأفكاره قوالب الفقه الموروث، وحدود الطائفة والإقليم، ودعا إلى نهضة شاملة لأُمة الإسلام.

وقد وجدت في محاضراته ومؤلفاته إشارات واضحة إلى أن التقسيمات المعروفة إلى سنة وشيعة وغير ذلك من الانتماءات ما هي إلا موروثات عصور متأخرة، وأن الأصل هو العودة إلى الإسلام في أُصوله السابقة لهذه الطوائف. ويستشهد بقول الله تعالى:

﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما...﴾.

ويقول نحن مخاطبون بهذا قبل اليهود والنصارى.

ووجدته يستشهد بقول الله تعالى:

﴿وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب...﴾.

يقول: إنّ الإنكار على اليهود والنصارى يقع علينا ما دمنا ننحو نحوهم ونحن نتلو الكتاب.

ومن إشاراته إلى الخلافات التاريخية التي لسنا مسؤولين عنها، كثيرا ما يقف عند الآية:

﴿تلك اُمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون﴾.

(664)

ولقد جعل الدكتور الترابي من المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي الذي كونه أداة لجمع كلمة المسلمين، وتهيئة لمنبر جامع موجه لمخاطبة القضايا العالمية الحية، متجاوزا بذلك فروق القوميات والطائفيات، جاذبا الانتباه إلى الأولويات العصرية التي سبقت الإشارة إليها، وإن أفكاره في الاجتهاد الجريء لتجد صدى قويا يتردد في أنحاء العالم الإسلامي بخاصة بين الشباب الذي يحسون الحاجة إلى تقديم الإسلامي في ثوب جديد.

وقد تجاوب العالم الإسلامي معه يوم اعتدى عليه في كندا تجاوبا صادقا يشعر بوحدة نبض الاُمة وانفعالها بكل دعوة وحركة إسلامية صادقة، لم يختلف عن هذا التجاوب طائفة ولا قطر.

ويجدر بي أن اُشير هنا إلى أن بيئة التدين في السودان صالحة لهذا المنهج المستعلي على الخلافات المذهبية من حيث إنّ السودان لم تؤسس فيه صراعات طائفية ذات جذور، ويغلب على المزاج السوداني روح السماحة والسعة والنظر في القضايا يا العملية أكثر من المسائل النظرية.

هذه الأمثلة السابقة سقتها لبيان أن تجاوب الأُمة مع هؤلاء الأعلام من الدعاة يشعر بالأمل في تجاوز الحدود التاريخية للطوائف والتطلع إلى آفاق من التفاعل والتعاون هي المقدمة اللازمة للوحدة الكبرى.

الخلاصة:

خلاصة هذه الملاحظات أن التقريب خطوة موفقة ولازمة لاستكمال الوحدة وأن الوحدة هي المطلب الأكبر للمسلمين في هذا العصر. ومن أجل تحقيق التقارب والتفاهم لابد من أُمور:

(665)

أولاً: إنّ تاريخ الخلاف وأدبه لا يجب أن نستهين به، ومن أجل تجاوزه لابد من خطوات جريئة في اتجاه جلاء الشكوك وبناء الثقة.

ثانياً: لابد من الكف عن إثارة التهم وعقد المحاكمات والمباريات الكلامية بين الطوائف.

ثالثاً: يجب أن يتعاقد علماء الأُمة وحكماؤها على خطة لتوسيع دائرة التعارف والتفاهم وبناء أُسس الوحدة على الأُصول المشركة.

رابعاً: إنّ القضايا العملية التي تواجه المسلمين أكثر من أنن تحصر، وعلينا أن نلفت أنظار المسلمين إليها حتّى تصرف طاقاتهم فيما طائل وراءه ولا يكثروا من الخوض والنزاع فيما ليس وراءه طائل.

خامساً: إنّ صدق الالتزام والتحقق بما نزعمه أولى ـ باعتبارنا ـ من الانتماء الاسمي الذي يثير عصبية ولا يصدقه عمل ولا واقع.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته