حكم التوسل بساكن القبور .
فأن قال إنما مشيت إلى قبره لأشير أليه عند التوسل به فقال له إن الذي يعلم السر وأخفى ويحول بين المرء وقلبه ويطلع على خفيات الضمائر وتنكشف لديه مكنونات السرائر لا يحتاج منك إلى هذه الإشارة التي زعمت أنها الحاملة لك على قصد القبر والمشي إليه وقد كان يغنيك أن تذكر ذلك الميت باسمه العلم أو بما يتميز به عن غيره فما أراك مشيت لهذه الإشارة فأن الذي تدعوه في كل مكان مع كل إنسان بل مشيت لتسمع الميت توسلك به وتعطف قلبه عليك وتتخذ عنده يدا بقصده وزيارته والدعاء عنده والتوسل به وأنت أن رجعت إلى نفسك وسألتها عن هذا المعنى فربما تقر لك به وتصدقك الخبر فأن وجدت عندها هذا المعنى الدقيق الذي هو بالقبول منك حقيق فأعلم أنه قد علق بقلبك ما علق بقلوب عباد القبور ولكنك قهرت هذه النفس الخبيثة عن أن تترجم بلسانك عنها وتنشر ما انطوت عليه من محبة ذلك القبر والاعتقاد فيه والتعظيم له والاستغاثة به فأنت مالك لها من هذه الحيثية مملوك لها من الحيثية التي أقامتك من مقامك ومشت بك إلى فوق القبر فأن تداركت نفسك بعد هذه وإلا كانت المستولية عليك المتصرفة فيك .
المتلاعبة بك في جميع ما تهواه مما قد وسوس به لها الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس .
فإن قلت قد رجعت إلى نفسي فلم أجد عندها شيئا من هذا وفتشتها فوجدتها صافية من ذلك الكدر فما أظن الحامل لك على المشي إلى القبر إلا أنك سمعت الناس يفعلون شيئا ففعلته ويقولون شيئا فقلته فاعلم أن هذه أول عقدة من عقود توحيدك وأول محنة من محن تقليدك فارجع تؤجر ولا تتقدم تنحرفان هذا التقليد الذي حملك على هذه المشية الفارغة العاطلة الباطلة سيحملك على أخواتها فيقف على باب الشرك أولا ثم تدخل منه ثانيا ثم تسكن فيه واليه ثالثا وأنت في ذلك كله تقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ورأيتهم يفعلون أمرا ففعلته .
وإن قلت إنك على بصيرة في علمك وعملك ولست ممن ينقاد إلى هوى نفسه كالأول ولا ممن يقهرها ولكنه يقلد الناس كالثاني بل أنت صافي السر نقي الضمير خالص الاعتقاد قوي اليقين صحيح التوحيد جيد التمييز كامل العرفان عالم بالسنة والقرآن فلا لمراد نفسك اتبعت ولا في هوة التقليد وقعت .
فقل لي بالله ما الحامل لك على التشبه بعباد القبور والتعزير على من كان في عداد سليمي الصدور فإنه يراك الجاهل والخامل ومن هو عن علمك وتمييزك عاطل فيفعل كفعلك