- الحديث الثاني : قال عليه السلام : .
- " إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع " .
قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث ابن مسعود وله طرق : فأبو داود في " البيوع " ( 1 ) عن أبي عميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده أن عبد الله بن مسعود باع للأشعث بن قيس رقيقا من رقيق الخمس بعشرين ألف درهم فأرسل عبد الله إليه في ثمنهم فقال : إنما أخذتهم بعشرة آلاف فقال عبد الله : إن شئت حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلّم سمعته يقول : " إذا اختلف المتبايعان ليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة أو يتتاركان " انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك - في البيوع " وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه قال ابن القطان : وفيه انقطاع بين محمد بن الأشعث وابن مسعود ومع الانقطاع فعبد الرحمن بن قيس مجهول الحال وكذلك أبوه قيس وكذلك جده محمد إلا أنه أشهرهم وهو أبو القاسم بن الأشعث ( 2 ) عداده في الكوفيين روى عنه مجاهد والشعبي والزهري وعمر بن قيس الماصر ( 3 ) وسليمان بن يسار وروى عن عائشة وأما روايته عن ابن مسعود فمنقطعة انتهى .
- طريق آخر : أخرجه أبو داود وابن ماجه ( 4 ) : عن ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم بمعناه ولم يذكر أبو داود نصه وإنما أحال على اللفظ المتقدم قال : والكلام يزيد وينقص وذكر ابن ماجه فيه النص وزاد فيه : والمبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع ورواه أحمد والدارمي والبزار في " مسانيدهم " وأعل بوجهين : أحدهما : أن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه فهو منقطع والثاني : أن محمد بن أبي ليلى ضعيف قال البيهقي في " المعرفة " ( 5 ) أهل العلم بالحديث لا يقبلون ما تفرد به لكثرة أوهامه وقد رواه أبو عميس ومعن بن عبد الرحمن وعبد الله المسعودي وأبان بن تغلب كلهم عن القاسم عن عبد الله منقطعا وليس فيه : والمبيع قائم بعينه وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده به انتهى .
- طريق آخر : أخرجه الترمذي ( 6 ) عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار " انتهى . وقال : حديث مرسل فإن عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود انتهى .
- طريق آخر : أخرجه النسائي ( 7 ) عن عبد الملك بن عبيد قال : حضرت أبا عبيدة ابن عبد الله بن مسعود وقد أتاه رجلان تبايعا سلعة فقال أحدهما : أخذتها بكذا وقال هذا : بعتها بكذا فقال أبو عبيدة : أتى ابن مسعود في مثل هذا فقال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد أتى في مثل هذا فأمر البائع أن يستحلف ثم يختار المتبايع فإن شاء أخذ وإن شاء ترك انتهى . ورواه أحمد في " مسنده " عن الشافعي إلا أنه قال : عن عبد الملك بن عمير - بالميم والراء - ومن طريق أحمد رواه الدارقطني في " سننه " ( 8 ) ومن طريق الشافعي رواه الحاكم في " المستدرك - في البيوع " وقال : حديث صحيح إن كان المحفوظ في إسناده عبد الملك بن عمير انتهى . وعن الحاكم رواه البيهقي في " كتاب المعرفة " فقال : أخبرنا أبو عبد الله الحاكم في " كتاب المستدرك " به قال البيهقي : وهو مرسل فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا وعبد الملك بن عمير هو الصواب انتهى . وقال صاحب " التنقيح " : هكذا وقع في رواية النسائي عبد الملك بن عبيد وهو لا يعرف وفي رواية الإمام أحمد : عبد الملك بن عمير وكأنه وهم فإن عبد الله بن أحمد قال بعد ذكر الحديث : قرأت على أبي قال : أخبرت عن هشام بن يوسف في - البيعين - في حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيد وقال أبي : قال حجاج الأعور : عبد الملك بن عبيدة كذا قال ابن عبيدة فصار في راوي هذا الحديث ثلاثة أقوال والله أعلم بالصواب انتهى كلامه . قال المنذري في " مختصره " : وقد روى هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن مسعود كلها لا تثبت وقد وقع في بعضها : إذا اختلف البيعان والمبيع قائم بعينه وفي لفظ : والسلعة قائمة وهو لا يصح فإنها من رواية ابن أبي ليلى وهو ضعيف وقيل : إنه من قول بعض الرواة والله أعلم بالصواب وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : أحاديث هذا الباب فيها مقال فإنها مراسيل وضعاف أبو عبيدة لم يسمع من أبيه ( 9 ) ولا عبد الرحمن والقاسم لم يسمع من ابن مسعود ولا عون بن عبد الله وقد رواه الدارقطني بألفاظ مختلفة وبأسانيد ضعيفة فيها ابن عياش ومحمد بن أبي ليلى والحسن بن عمارة وابن المرزبان وكلهم ضعاف انتهى . وقال صاحب " التنقيح " : والذي يظهر أن حديث ابن مسعود بمجموع طرقه له أصل بل هو حديث حسن يحتج به لكن في لفظه اختلاف والله أعلم انتهى . قلت : ويدل على ذلك أن مالكا أخرجه في " الموطأ " ( 10 ) بلاغا قال أبو مصعب عن مالك : بلغني أن عبد الله بن مسعود كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : أيما بيعين تبايعا فالقول ما قال البائع أو يترادان انتهى .
_________ .
( 1 ) عند أبي داود في " البيوع - باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم " ص 139 - ج 2 ، وفي " المستدرك - في البيوع " ص 45 - ج 2 .
( 2 ) قال في " التهذيب - في ترجمة محمد بن الأشعث الكندي " ص 64 - ج 9 : هوأبو القاسم الكوفي أمه أخت أبي بكر الصديق روى عنه ابنه قيس والشعبي ومجاهد والزهري وقال ابن سعد أمه أم فروة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق انتهى .
( 3 ) عمر بن قيس الماصر بن أبي مسلم الكوفي روى عن زيد بن وهب وشريح ابن الحارث القاضي ومجاهد بن جبر ومحمد بن الأشعث بن قيس وغيرهم انتهى من " التهذيب " ص 489 - ج 7 .
( 4 ) عند أبي داود في " البيوع - باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم " ص 140 - ج 2 ، وعند ابن ماجه في " البيوع - باب البيعان يختلفان " ص 159 .
( 5 ) ويقاربه ما ذكر في " السنن " ص 333 - ج 5 في " باب اختلاف المتبايعين " .
( 6 ) عند الترمذي في " البيوع - باب ما جاء إذا اختلف البيعان " ص 165 - ج 1 .
( 7 ) عند النسائي في " البيوع - باب خلاف المتبايعين في الثمن " ص 229 - ج 2 .
( 8 ) عند الدارقطني في " البيوع " ص 297 - ج 2 ، وفي " المستدرك " فيه : ص 48 - ج 2 ، ولكن في نسخة " المستدرك " غلط يظهر لمن تفحص طرق هذا الحديث في الدارقطني والكلام المذكور عن عبد الله بن أحمد مذكور في الدارقطني و " المستدرك " و " السنن " للبيهقي .
( 9 ) قوله : أبو عبيدة لم يسمع من أبيه أي عبد الله بن مسعود وقوله : ولا عبد الرحمن أي عبد الرحمن لم يسمع من أبيه وهو القاسم وقوله : والقاسم لم يسمع من ابن مسعود ولا عون بن عبد الله أي كما لم يسمع القاسم من ابن مسعود لم يسمع عون بن عبد الله عن أبيه ابن مسعود كما صرح به الترمذي .
( 10 ) عند مالك في " الموطأ - في البيوع - باب بيع الخيار " ص 278